• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

العفو جل جلاله، وتقدست أسماؤه

العفو جل جلاله، وتقدست أسماؤه
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/10/2023 ميلادي - 30/3/1445 هجري

الزيارات: 8563

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الْعَـفُــوُّ

جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ

 

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (العَفُوِّ)[1]:

العَفوُّ فَي اللُّغَةِ عَلَى وَزْنِ فَعُولٍ مِنَ العَفْوِ، وَهُوَ مِنْ صِيَغِ المُبَالَغَةِ، يُقَالُ: عَفَا يَعْفُو عَفْوًا فَهُوَ عَافٍ وَعَفُوٌّ.

 

وَالعَفْوُ هُوَ التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ، وَتَرْكُ العِقَابِ عَلَيْهِ، وَأَصْلُهُ المَحْوُ وَالطَّمْسُ، مَأَخُوذٌ مِنْ قَوْلِهمْ عَفَتِ الرِّيَاحُ الآثارَ إِذَا دَرَسَتْهَا وَمَحَتْهَا، وَكُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ عِنْدَكَ عُقُوبَةً فَتَرَكْتَهَا فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهُ[2].

 

وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ رضي الله عنهما قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَمْ نَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الكَلَامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ: «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُل يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّة»[3]، فَالعَفْوُ هُوَ تَرْكُ الشَّيءِ وَإِزَالَتُهُ.

 

وَقَوْلُه تَعَالَى: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ ﴾ [التوبة: 43]؛ أَي: مَحَا اللهُ عَنْكَ هَذَا الأَمْرَ وَغَفَرَ لَكَ.

 

وَالعَفْوُ يَأْتِي أَيْضًا عَلَى مَعْنَى الكَثْرَةِ وَالزِّيَادَةِ، فَعَفْوُ المَالِ هُوَ مَا يَفضُلُ عَنِ النَّفَقَةِ، كَمَا فِي قَوْلِه سبحانه وتعالى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219].

 

وَعَفَا القَوْمُ كَثُرُوا، وَعَفَا النَّبتُ وَالشَّعْرُ وَغَيرُه يَعْنِي كَثُرَ وَطَالَ، وَمِنْهُ الأَمَرُ بإِعْفَاءِ اللِّحَى[4].

 

وَالعَفُوُّ سُبْحَانَهُ هُوَ الذِي يُحِبُّ العَفْوَ وَالسِّتْرَ، وَيَصْفَحُ عَنِ الذُّنُوبِ مَهْمَا كَانَ شَأْنُهَا، وَيَسْتُرُ العُيُوبَ، وَلَا يُحِبُّ الجَهْرَ بِهَا، يَعْفُو عَنِ المُسِيءِ كَرَمًا وَإِحْسَانًا، وَيَفْتَحُ وَاسِعَ رَحْمَتِهِ فَضْلًا وَإِنْعَامًا، حَتَى يَزُولَ اليَأْسُ مِنَ القُلُوبِ، وَتَتَعَلَّقَ فِي رَجَائِهَا بِمُقَلِّبِ القُلُوبِ[5].

 

قَالَ القُرْطُبِيُّ: «العَفْوُ عَفْوُ اللهِ عز وجل عَنْ خَلْقِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ العُقُوبَةِ وَقَبْلِهَا، بِخِلَافِ الغُفْرَانِ فإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ عُقُوبَةٌ البَتَّةَ، وَكُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةً فَتُرِكَتْ لَه فَقَدْ عُفِيَ عَنْهُ، فَالعَفْوُ مَحْوُ الذَّنْبِ»[6].

 

وَالمَقْصُودُ بِمَحْوِ الذَّنْبِ: مَحْوُ الوِزْرِ المَوْضُوعِ عَلَى فِعْلِ الذَّنْبِ، فَتَكُونُ أَفْعَالُ العَبْدِ مُخَالَفَاتٍ أَوْ كَبَائِرَ وَمُحَرَّمَاتٍ، ثُمَّ بِالتَّوْبَةِ الصَّادِقَةِ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، فَتُمْحَى السَّيِّئَاتُ عَفْوًا وَتُسْتَبْدَلُ بِالحَسَنَاتِ.

 

أَمَّا الأَفْعَالُ فَهِي فِي كِتَابِ العَبْدِ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيُعَرِّفُهُ بِذَنْبِهِ وَسُوءِ فِعْلِهِ ثُمَّ يَسْتُرُهَا عَلَيْهِ، كَمَا وَرَدَ عِنْدَ البُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللهَ يُدْني المُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ اليَوْمَ؛ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلَاءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالمِينَ»[7].

 

فَالوِزْرُ أَوْ عَدَدُ السِّيئَاتِ هُوَ الذِي يُعْفَى وَيُمْحَى مِنَ الكِتَابِ، أَمَّا الفِعْلُ ذَاتُه المَحْسُوبُ بِالحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ أَوْ مِقْيَاسُهُ فِي مِثَقَالِ الذَّرَّاتِ فَهَذَا عَلَى الدَّوَامِ مُسَجَّلٌ مَكْتُوبٌ، وَمَرْصُودٌ مَحْسُوبٌ بِالزَّمَانِ وَالمَكَانِ وَمِقْدَارِ الإِرَادَةِ وَالعِلْمِ والاسْتِطَاعَةِ.

 

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49][8].

 

وُرُودُهُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ[9]:

وَرَدَ الاسْمُ خَمْسَ مَرَّاتٍ، وَهِي:

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43].

وَقَوْلُهُ: ﴿ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 99].

وَقَوْلُهُ: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149].

وَقَوْلُهُ: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [الحج: 60].

وَقَوْلُهُ: ﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [المجادلة: 2].

 

مَعْنَى الاسْمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: «﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا ﴾ [النساء: 43]: إنَّ اللهَ لَمْ يَزَلْ عَفُوًّا عَنْ ذُنُوبِ عَبَادِهِ، وَتَرْكُهُ العُقُوبَةَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا مَا لَمْ يُشْرِكُوا بِه»[10].

 

وَقَالَ الزَّجَّاجُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ المَعْنَى اللُّغَوِيَّ: «وَاللهُ تَعَالَى عَفُوٌّ عَنِ الذُّنُوبِ، تَارِكٌ العُقُوبَةَ عَلَيْهَا»[11].

 

وَقَالَ أَبُو جَعْفَرِ النَّحَّاسُ: «﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا ﴾؛ أَيْ: يَقْبَلُ العَفْوَ، وَهُوَ السَّهْلُ»[12].

 

وَقَالَ الخَطَّابِيُّ: «(العَفُوُّ) وَزْنُه فَعُولٌ مِنَ العَفْوِ، وَهُوَ بِنَاءُ المُبَالَغَةِ، وَالعَفْوُ: الصَّفْحُ عَنِ الذُّنُوبِ، وَتَرْكُ مُجَازَاةِ المُسِيءِ.

 

وَقِيلَ: إِنَّ العَفْوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَفَتِ الريحُ الأَثَرَ، إِذَا دَرَسَتْهُ، فَكَأنَّ[13] العَافِيَ عَنِ الذَّنْبِ يَمْحُوهُ بِصَفْحِهِ عَنْهُ»[14].

 

وَقَالَ الحُلَيْمِيُّ: « (العَفُوُّ) وَمَعْنَاه: الوَاضِعُ عَنْ عِبَادِه تَبِعَاتِ خَطَايَاهُم وَآثَارِهِمِ، فَلَا يَسْتَوفِيهَا مِنْهُمِ، وَذَلِكَ إِذَا تَابُوا وَاسْتَغْفَرُوا، أَوْ تَرَكُوا لِوَجْهِهِ أَعْظَمَ مِمَّا فَعَلُوا، فَيُكَفِّرُ[15] عَنْهُم مَا فَعَلُوا بِمَا تَرَكُوا، أَوْ بِشَفَاعَةِ مَنْ يَشْفَعُ لَهُم، أوْ يَجْعَلُ ذَلِكَ كَرَامَةً لِذِي حُرْمَةٍ لَهُمْ بِهِ، وَجَزَاءً لَهُ بِعَمَلِه»[16].

 

وَقَالَ السَّعْدِيُّ: «(العَفُوُّ، الغَفُورُ، الغَفَّارُ): الذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالَ بِالعَفْوِ مَعْرُوفًا، وَبالغُفْرَانِ وَالصَّفْحِ عَنْ عِبادِه مَوْصُوفًا، كُلُّ أحدٍ مُضْطَرٌّ إِلِى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِه، كَمَا هُوَ مُضْطَرٌّ إِلِى رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ، وَقَدْ وَعَدَ بِالمَغْفِرَةِ وَالعَفْوِ لِمَنْ أَتَى بِأَسْبَابِهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82]»[17].

 

وَقَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي (النُّونِيَّةِ):

وَهُوَ العَفُوُّ فَعَفْوُه وَسِعَ الوَرَى
لَوْلَاهُ غَارَ الأرْضُ بالسُّكَّانِ[18]

ثَمَرَاتُ الإيمَانِ بِهَذِا الاسْمِ:

1- إِنَّ اللهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ العَفْوَ:

إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ (العَفُوُّ) الذِيِ لَهُ العَفْوُ الشَّامِلُ، الذِي وَسِعَ مَا يَصْدُرُ عَنْ عِبَادِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا أَتَوْا بِمَا يُوجِبُ العَفْوَ عَنْهُمِ مِنَ الاسْتِغْفَارِ وَالتَّوبَةِ وَالإِيمَانِ وَالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِه وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ.

 

وَهُوَ عَفُوٌّ يُحِبُّ العَفْوَ، وَيُحِبُّ مِنْ عِبَادِه أَنْ يَسْعَوْا فِي تَحْصِيلِ الأَسْبَابِ التِي يَنَالُونَ بِهَا عَفْوَهُ مِنَ السَّعِي فِي مَرْضَاتِهِ، وَالإِحْسَانِ إِلِى خَلْقِهِ.

 

وَمِنْ كَمَالِ عَفْوِهِ: أَنَّهُ مَهْمَا أَسْرَفَ العَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ تَابَ إِلَيهِ وَرَجَعَ غَفَر لَه جَمِيعَ جُرْمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

 

وَلَولَا كَمَالُ عَفْوِهِ، وَسِعَةُ حِلْمِهِ سُبْحَانَهُ، مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ دَابةٍ تَدُبُّ، وَلَا نَفْسٍ تَطْرُفُ: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61][19].

 

2- العَفْوُ عِنْدَ القُدْرَةِ:

إِنَّهُ تَعَالَى: (عَفُوٌّ غَفورٌ) مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَقَهْرِهِ لَهُمْ، وَقَدْ نَبَّهَ خَلْقَهُ إِلِى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]؛ أَيْ: إِنْ تَقُولُوا للنَّاسِ حُسْنًا، أَوْ تُخْفُوا ذَلِكَ، أَوْ تَصْفَحُوا لِمَنْ أَسَاءَ إِلَيْكُمِ وَتَعْفُوا عَنْه، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ يَعْفُو عَنْكَمُ وَيَصْفَحُ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى عِقَابِكُمْ وَالاِنْتِقَامِ مِنْكُمْ؛ أَي: فَاعْفُوا أَنْتُم أَيْضًا عَنِ النِّاسِ كَمَا أَنَّ اللهَ يَعْفُو عَنْكُم وَيَغْفِرُ لَكُمْ.

 

وَقَدْ حَثَّ اللهُ تَعَالَى عَبَادَهُ عَلَى العَفْوِ وَالصَّفْحِ وَقَبُولِ الأَعْذَارِ مِنْ رَعَايَاهُم وَأَصْدِقَائِهم وَأَرْحَامِهم مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ:

فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وَقَدْ نَزَلَتْ فِي الصِّدِّيقِ رضي الله عنه حِينَ حَلَفَ أَلَّا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَحٍ ـ وَهُوَ مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ ـ بعدَ أَنْ خَاضَ مَعَ الخَائِضِينَ فِي حَدِيثِ الإِفْكِ، وَنَزَلَ القُرْآنُ بِبَرَاءَةِ الصِّدِّيقَةِ رضي الله عنها.

 

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237].

 

وَقَالَ: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40].

 

وَقَالَ سُبْحَانَهُ مُخَاطِبًا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].

 

وَحَثَّهُ عَلَى قَبُولِ العَفْوِ فَقَالَ: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

 

وَمَدَحَ بِذَلِكَ عِبَادَه المُؤْمِنِينَ فَقَالَ: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

 

وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أحدٌ للهِ إِلَّا رَفَعهُ اللهُ»[20].

 

قَالَ النَّوَوِيُّ: «وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا»: «فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالعَفْوِ وَالصَّفْحِ سَادَ وَعَظُمَ فِي القُلُوبِ، وَزَادَ عِزُّه وَإِكْرَامُهُ.

 

وَالثَّانِي: إِنَّ المُرَادَ أَجْرُهُ فِي الآخِرَةِ وَعِزُّهُ هُنَاكَ»[21].

 

3- تَكْرَارُ سُؤَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ تَعَالَى العَفْوَ والعَافِيَةَ:

تَكَرَّرَ سُؤَالُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ تَعَالَى العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فَمِنْ ذَلِكَ:

إِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ أَمَرَ رَجُلًا إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ خَلَقْتَ نَفْسِي وَأَنْتَ تَوَفَّاهَا، لَكَ مَمَاتُها وَمَحْيَاهَا، إِنْ أَحْيَيْتَها فَاحْفَظْهَا، وَإِنْ أَمَتَّهَا فَاغْفِرْ لَهَا، اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَسَمِعْتَ هَذَا مِنْ عُمَرَ؟ فَقَالَ: مِنْ خَيرٍ مِنْ عُمَرَ، مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[22].

 

وَعَنْهُ أَيْضًا: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلَاءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي،اللَّهُمَّ اسْتُر عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي» قَالَ وَكِيعٌ يَعْنِي: الخَسْفَ[23].

 

وَكَانَ يسْتَعِيذُ بِعَفْوِ اللهِ تَعَالَى مِنْ عُقُوبَتِه وَعَذَابِه، كَمَا جَاءَ ذَلِكَ فِي دُعَائِه فِي صَلَاةِ اللَّيلِ: «اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِك، وَأَعُوذُ بَكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيكَ أَنَتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِك»[24].

 

وَسَأَلَه رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ أَقُولُ حِينَ أَسَألُ رَبِّي؟ قَالَ: «قُل: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَارْزُقْنِي ـ وَيَجْمَعُ أَصَابِعَهَ إِلَّا الإِبْهَامَ ـ فَإِنَّ هَؤُلاءِ تَجْمَعُ لَكَ دُنْيَاكَ وَآخِرَتَكَ»[25].

 

الفَرْقُ بَينَ العَفْوِ وَالمَغْفِرَةِ:

قَالَ فِي المَقْصِدِ: «(العَفُوُّ) هُوَ الذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ المَعَاصِي، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ (الغَفُورِ)، وَلكِنَّهُ أَبْلَغُ مِنْه، فَإِنَّ الغُفْرَانَ يُنْبِئُ عَنِ السِّتْر، وَالعَفْوُ يُنبِئُ عَنِ المَحُوِ، وَالمَحْوُ أَبْلَغُ مِنَ السِّتْرِ»[26].

 

وَقَالَ القُرْطِبيُّ: «وَقَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: وَالفَرْقُ بَينَ العَفْوِ وَالغُفْرَانِ أَنَّ:

الغُفْرَانَ: سِتْرٌ لَا يَقَعُ مَعَهُ عِقَابٌ.

 

وَالعَفْوُ إِنَّمَا يِكُونُ بَعْدَ وُجُودِ عَذَابٍ وَعِتَابٍ»[27].

 

وَفِيهِ نَظَرٌ... فَإِنَّ العَفْوَ فِيهِ مَعْنَى تَرْكِ العُقُوبَةِ وَالصَّفْحِ كَمَا مَرَّ آنِفًا، فَالفَارِقُ الأَوَّلُ أَقْرَبُ.

 

وَفِي المُفْرَدَاتِ للرَّاغِبِ: «وَقَوْلهُمْ فِي الدُّعَاءِ: «أَسَالُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ»؛ أَي: تَرْكَ العُقَوبَةِ والسَّلامَةَ»[28].

 

وَقَالَ الخَليلُ بْنُ أَحْمَدَ: «كُلُّ مَنِ اسْتَحَقَّ عُقُوبَةً فَتَرَكْتَهُ وَلَمْ تَعَاقِبْهُ عَلَيِهَا فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهَ عَفْوًا»، حَكَاهُ الزَّجَاجِيُّ ثُمَّ قَالَ: «العَفْوُ مُتَعَلِّقٌ بِالمَفْعُولِ، لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ مُذْنِبٍ مَوْجُودٍ مُسْتَحِقٍّ للعُقُوبَةِ.

 

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ اللُّغَةِ العَفْوُ عَنِ الذَّنْبِ: إِذْهَابُهُ وَإِبْطَالُهُ، كَمَا يُقَالُ: عَفَتِ الرِّيحُ المَنْزِلَ، أَي: مَحَتْ مَعَالِمَهُ وَدَرَسَتْ آثَارَه.

 

فَالعَافِي عَنِ الذَّنْبِ كَأَنَّه مُبْطِلٌ لَهُ مُذْهِبٌ، فَإِذَا عَفَا عَنِ الذَّنْبِ فَقَدْ أَبْطَلَهُ وَذَهَبَ بِهِ فَيَكُونُ اشْتقَاقُهُ مِنْ هَذَا»[29].

 

لَمْحَةٌ إِيمَانِيَّةٌ:

قَالَ اللهُ عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [الحج: 60]، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَنَا وَافَقْتُ لَيَلَةَ القَدْرِ، مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي، أَوِ اعْفُ عَنَّا»[30].

 

قَالَ أَبُو سُلَيمَانَ: «العَفُوُّ وَزْنُه فَعُولٌ مِنِ العَفْوِ وَهُوَ بِنَاءُ المُبَالَغَةِ، وَالعَفْوُ الصَّفْحُ عَنِ الذَّنْبِ، وَقِيلَ: العَفْوُ مَأخُوذٌ مِنْ عَفَتِ الرِّيحُ الأَثَرَ إِذَا دَرَسَتْهُ، فَكَأَنَّ العَافِيَ عَنِ الذَّنْبِ يَمْحُو بَصَفْحِه عَنْهُ»[31]، وَيَجُوزُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى المَخْلُوقِ، وَفِي التَّنْزِيلِ: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134].

 

قَالَ الخَلِيلُ: «كُلُّ مَنِ اسْتَحَقَ عُقُوبةً فَتَرَكْتَهُ وَلَمْ تُعَاقِبْهُ عَلَيِهَا فَقَدْ عَفَوْتَ عَنْهَ عَفْوًا».

 

وَقَالَ الأقْلِيشِيُّ: «هَذَا الوَصْفُ مِنْ أَوْصَافِ الفِعْلِ مُضَافٌ إِلِى مَنْ يَعْفُو اللهُ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ المُذْنِبِينَ التَّائِبِينَ، وَإِلَى مَنْ يَعْفُو عَنْهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ المُوَحِّدِينَ المُصِرِّينَ»[32].

 

فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ العَفُوُّ عَلَى الإِطْلَاقِ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].

 

ثُمَّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ العَفْوَ وَيَتَخَلَّقَ بِه حَتَّى يَدْخُلَ فِي مَدْحِ اللهِ للعَافِينَ وَثَنَائِهِ عَلَيْهِم، مِنْ ذَلِك قَوْلِهِ: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، وَقَالَ: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 134]، وَقَالَ لِنَبِّيهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

 

وَلَقَدْ أَحْسَنَ القَائِلُ:

مَكَارِمُ الأخْلَاقِ فِي ثَلاثَةٍ
مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ فَذَالِكَ الفَتَى
إِعْطَاءُ مَنْ يَحْرِمُهُ وَوَصْلُ منْ
يَقْطَعُهُ وَالعَفْوُ عَمَّنِ اعْتَدَى

 

وَرَوَى أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللهُ عَلَى رُؤُوُسِ الخَلَائِقِ حَتَّى يُخيِّرَهُ فِي أَيِّ الحُورِ شَاءَ»[33]، خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ، ثُمَّ عَلَيهِ أَنْ يَتَضَرَّعَ إِلَيهِ فِي طَلَبِ العَفْوِ.

 

وَوَرَدَ فِي الحَدِيثِ: «اللَّهُمَّ إنِي أَسْأََلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيةَ»، فَمَنْ أُعْطِيَ العَفْوَ وَالعَافِيةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَقَدْ أُعْطِيَ المَرْتَبَةَ العَالِيَةَ، فَمَنْ عَرَفَ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ عَفُوٌّ طَلَبَ عَفْوَهُ، وَمَنْ طَلَبَ عَفْوَهُ تَجَاوَزَ عَنْ خَلْقِهِ.

 

قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وَقَالَ بَعْضُهُم: لَمَا كَتَبَتِ المَلَائِكةُ عَلَى العَبْدِ المَعَاصِي، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ﴾ [الرعد: 39]، لِئَلَّا يَقْطَعَ المَلائِكَةُ بِعِصْيَانِكَ، وَلِتَجْوِيزِهِمْ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَفَا عَنْكَ»[34].



[1] أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 34 - 35).

[2] انظر: لسان العرب (15/ 75)، والغريب لابن قتيبة (2/ 361).

[3] أبو داود في الأدب، باب في حقِّ الممْلوك (4/ 341) (5164)، صحيح أبي داود (4301).

[4] اشتقاق أسماء الله للزجاج (ص: 134).

[5] الأسماء والصِّفات للبيهقيِّ (ص: 75)، وتفسير أسماء الله للزجاج (ص: 82)، وشرح أسماء الله للرازي (ص: 339).

[6] تفسير القرطبي (1/ 397).

[7] البخاري في المظالم، باب قول الله تعالى: ﴿ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ (2/ 862) (2309).

[8] انظر: كتاب توحيد العبادة ومفهوم الإيمان (ص: 77) ـ مطبعة التقدم ـ القاهرة سنة 1991م.

[9] النهج الأسمى (205 - 212).

[10] جامع البيان (5/ 74)، وانظر: (5/ 148) (6/ 4).

[11] تفسير الأسماء (ص: 62).

[12] إعراب القرآن (1/ 459).

[13] في المطبوعة مِن شأن الدُّعاء: «فكان»، وهو خطأ.

[14] شأن الدُّعاء (ص: 90 - 91).

[15] في الأسماء للبيهقي: «ليكفِّر».

[16] المنهاج (1/ 201)، وذكَرَه في الأسماء التي تتبعُ إثباتَ التدبيرِ له دُونَ ما سِواه، ونقَلَه البيهقيُّ في الأسماء (ص: 55)، وسقط مِن آخِره: «له بعمله».

[17] تيسير الكريم الرحمن (5/ 300).

[18] النونية (2/ 227) أي: ولولا كمالُ عفْوِه، وسَعَةُ حِلْمِه لغارتِ الأرضُ بأهلها؛ لِكثرةِ ما يُرتكَب مِن المعاصي على ظهْرها، انظر: شرح النونية لمحمد خليل هراس (2/ 81).

[19] وليس أدلَّ على كمال عفْوه سبحانه مِن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس أحدٌ - أو ليس شيءٌ - أَصْبَرَ على أَذًى سَمِعَهُ مِنَ الِله؛ إنهم لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا، وإنه لَيُعَافِيهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ»، أخرجه البخاري في الأدب (10/ 511)، وفي التوحيد (13/ 360)، ومسلم في المنافقين (4/ 2160)، مِن طُرُق عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن أبي موسى رضي الله عنه.

[20] أخرجه أحمد (2/ 235، 386)، ومسلم في البِرِّ والصِّلة (4/ 2001)، مِن طُرُق عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنهما به، وله شاهدٌ مِن حديث أبي كبشة الأنماري أخرجه أحمد (4/ 231).

[21] شرْح النووي على مسلم (16/ 141).

[22] أخرجه مسلم في الذكْر (4/ 2083).

[23] إسناده صحيح: أخرجه أحمد (2/ 25)، وأبو داود (5/ 5074)، والنسائي (8/ 282) مختصرًا، وفي عمل اليوم والليلة (566) تامًّا، وابن ماجه (3871) مِن طُرُق عن عبادة بن مسلم الفزاري، حدثني جبير بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، قال: سمعتُ ابن عمر... فذكَرَه، وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات.

تنبيه: وقع في المسْنَد: عمارة بدل عبادة، وهو خطأ مخالف لجميع الأصول.

[24] أخرجه أحمد (6/ 58، 201)، ومسلم في الصلاة (1/ 352) عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عائشة قالت: فَقَدْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ليلة مِن الفراش، فالتمسْتُه فوقعَتْ يدي على بطن قدَمِه وهو في المسجد وهما منصوبتان وهو يقول: «اللَّهُمَّ...».

وقد سقط اسم أبي هريرة في الموضع الأول عند أحمد، والحديث أخرجه أصحاب السُّنن.

[25] أخرجه مسلم في الذكْر (4/ 2073) من حديث أبي مالك الأشجعي، عن أبيه، وفي رواية: كان الرجلُ إذا أَسلَم علَّمَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، ثمَّ أمَره أنْ يَدعُو بهؤلاء الكلمات: «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني».

[26] المقصد الأسنى (ص: 89).

[27] الكتاب الأسنى (ورقة 268 ب).

[28] المفردات (ص: 340).

[29] اشتقاق أسماء الله (ص: 134).

[30] صحيح: أخرجه الترمذي (3513) في الدَّعوات، باب (89)، وابن ماجه (3850) في الدُّعاء، باب الدُّعاء بالعفْو والعافية، وأحمد في مُسْنَده (6/ 171، 182، 183، 208)، وقال الألباني في صحيح سُنن ابن ماجه: صحيح.

[31] الأسماء والصِّفات للبيهقي (ص: 55).

[32] الأسنى شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 148).

[33] حسَن: أخرجه أبو داود (4777) في الأدب، باب مَن كَظَمَ غيظًا، والترمذي (2021) في البِرِّ والصِّلة، باب في كَظْمِ الغيْظ، (2493)، في صِفَة القيامة، باب (15)، وابن ماجه (4186) في الزهد، باب الحِلْم، وأحمد في مسنده (3/ 438، 440)، وقال الألباني في صحيح الجامع (6522): حسَن.

[34] الأسنى في شرْح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 149).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المجيد جل جلاله
  • السبوح القدوس جل جلاله
  • السيد جل جلاله
  • عظمة الله جل جلاله (خطبة)
  • ضحك ربنا جل جلاله من قنوط عباده..
  • التوبة إلى الله جل جلاله (خطبة)
  • الرؤوف جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • وصية الله جل جلاله
  • العزيز جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • السميع جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • الظاهر جل جلاله، وتقدست أسماؤه
  • المصور جل جلاله، وتقدست أسماؤه

مختارات من الشبكة

  • من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفو (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أسمائه تعالى: (الحليم، الحي، الستار، الصبور، العفو)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • العفو العام والعفو الخاص(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • شم الرياحين في فضل عفو الله الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تخريج حديث: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • تحريم ادعاء بنوة الله أو محبته جل جلاله وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوتر جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواسع جل جلاله، وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوارث جل جلاله، وتقدست أسماؤه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب