• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    البعثة والهجرة (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    أسباب نشر الأدعية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    كليات الأحكام
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    بين الحاج والمقيم كلاهما على أجر عظيم.. (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    لا حرج على من اتبع السنة في الحج (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: إنه لينهانا أن نستنجي بأقل من ثلاثة ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم".. فوائد وتأملات ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    الحج: غاياته وإعجازاته
    د. زيد بن محمد الرماني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشهيد، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة (2)
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (13)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب
علامة باركود

خطبة: { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا }

خطبة: { وكلوا واشربوا ولا تسرفوا }
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/10/2023 ميلادي - 17/3/1445 هجري

الزيارات: 4975

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾

 

الحمدُ للهِ.. الحمدُ للهِ مُعزِّ مَن أطاعهُ واتقاهُ، ومُذِلِّ من خالفَ أمرهُ وعصاهُ.. لهُ من الحمدِ أسْمَاهُ وأسْنَاهُ، ولهُ من الشُّكرِ أجزلهُ وأوفاه، ولهُ من الثناء الحسنِ أجملهُ وأبهاهُ، سبحانهُ وبحمده، لا تُحصى نِعمُهُ، ولا تُكافئُ عطاياهُ، ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء: 67]، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، ولا ربَّ لنا سواهُ، ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ ومصطفاهُ، وخليلهُ ومجتباهُ، طوبى لمن والاهُ وتولاهُ، واتبعَ سنَّتهُ واهتدى بهداهُ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابهِ واتباعه ومن والاه، وسلِّم تسليمًا كثيرًا لا حدَّ لمنتهاه.

 

أمَّا بعدُ: فأوصيكم عبادَ اللهِ ونفسي بتقوى اللهِ جل في علاه.. خلِّ الذنوبَ صغيرِها وكبيرِها ذاكَ التُقى.. واصنعَ كماشٍ فوقَ أرضِ الشوكِ يحذرُ ما يرى.. لا تحقرنَّ صغيرةً إن الجبالَ من الحصى.. ألا وإن طولُ الأملِ يُنسي الآخرةَ، فدع ما يُرِيبُكَ إلى ما لا يُرِيبُك، وقل أمنت بالله ثم استقم.. ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281].

 

معاشر المؤمنين الكرام: يذكرُ التاريخُ أنَّ المعتمِد بن عَبَّاد كان من ملوك الأندلس، يملك أموالًا طائلة، وقصورًا فخمة، ينفق ببذخ، ويعيش في ترفٍ، وينفقُ بإسراف، وذات يومٍ رأت زوجته، نساءً فقيرات يمشين حافياتٍ وسط الوحل والطين، فاشتهت هي وبعض بناتها أن يفعلن مثلهن، فأمر لهن المعتمد بن عباد بالعنبر ودهن العود والكافور وأنواع العطور الفاخرة، فوضع كل ذلك في ساحة القصر، ورُشَّ عليه ماء الورد، وخُلط وعُجِنَ حتى صار شكله مثل الطين، ثم قامت الزوجة وبناتها فمشين فيه بضع خطوات.. ثم تدور الأيام، وإذا بحليفه وجاره ابن تاشَفين، ينقلبُ عليه فيستولي على مملكته، وينفيه أسيرًا إلى منطقةٍ بائسةٍ بعيدة، تسمى أغمات، نفاهُ هو وأسرته المترفةَ المسرفة، فساءت أحوالهم حتى لبسوا الثياب المرقعة، والأطمار المقطعة، وصاروا يمشون بلا نعال، وجاعوا حتى لا يجدون ما يأكلونه، إلا من غزل الصوف بأيديهن، وفي يوم العيد.. وعندما رأى ابن عباد حالهم وما آلو إليه، هاجت قريحته بأبياتٍ أليمة، يرثي فيها أيام الملك والبذخ والترف، فيقول فيها:

فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا
فساءك العيدُ في أغماتَ مأسورا
ترى بناتِك في الأطمار جائعةً
يغزلن للناس ما يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعةً
أبصارهن حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطينِ والأقدامُ حافيةً
كأنها لم تطأ مِسكًا وكافورا
قد كان دهرك إن تأمرهُ ممتثلًا
فردك الدهر منهيًا ومأمورا
من بات بعدك في ملكٍ يُسَرُّ به
فإنما باتَ بالأحلام مغرورا

 

الإسرافُ يا عباد الله: هو تجاوز الحدِّ، وتعدي القدر المشروع، في أيِّ فعلٍ يفعله الإنسان، وهو في الإنفاق والاستهلاك أشهر.. الإِسْرَافُ هو كل ما يُبذلُ في غير وجههِ الصحيح، ويُتجاوز فيه الحد المشروع.. يقول تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، وفي الحديث الحسن قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُوا واشرَبوا والبَسوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخيلةٍ".. تأمل كيف نهى الله عن الاسراف وذمَّه، وخوَّف من عاقبته؛ فقال سبحانه: ﴿ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنبياء: 9]، وقال عزّ وجل: ﴿ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ﴾ [غافر: 43]، وقال تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]..

 

نعم يا عباد الله: الإسرافُ خِصلةٌ مرذولة، وصفةٌ مذمومة، وهي من صفات الكافرين؛ فقد أسرفوا على انفسهم بالكفر، وكفى به اسرافًا وتجاوزًا للحد، يقول تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ ﴾ [طه: 127]، والاسرافُ من صفات الجبارين والظلمة، يقول تعالى: ﴿ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83]، والاسرافُ من صفات الفاسدين المفسدين، قال تعالى: ﴿ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴾ [الشعراء: 151]..

 

ومن عظمة الإسلام أنه قدم للبشرية منهجًا مثاليًا متكاملًا، يحكم جميع شئون الحياة بالعدل والميزان، والقسطاس المستقيم، ولذلك النهى عن الإسراف بشتى صوره وأشكاله، فقال تعالى: ﴿ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26]..

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: ما تُعانِيهِ مُجتمعاتُ اليومِ مِن ضِيقٍ في الأرزاقِ، وغلاءٍ في الأسعارِ، ومحقٍّ في البرَكاتِ، كلُّ ذلك مِن آثارِ ترَاكُم الذنوبِ والمعاصي، وما فشا من الجُرأة على المحرمات، والمجاهرةِ بالتعدي على حدود الله، وضعفٍ لإنكار المنكر، وغَفلَةٍ عَن شُكرِ المُنعِمِ، وَتَركٍ للصَّلَوَاتِ، وَتَضيِيعٍ للأَمَانَاتِ، وَإِهمَالٍ للمَسؤُولِيَّاتِ.. وفي الأثر: ما نزلَ بلاءٌ إلا بذنب، وَلا رُفِع إلا بتوبة، وفي محكم التنزيل: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].. وعن ابنُ عُمَرَ رضى الله عنهمَا قَالَ: أَقبَلَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: " يَا مَعشَرَ المُهَاجِرِينَ، خَمسُ خِصَالٍ إِذَا ابتُلِيتُم بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللهِ أَن تُدرِكُوهُنَّ: لم تَظهَرِ الفَاحِشَةُ في قَومٍ قَطُّ حَتى يُعلِنُوا بها إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوجَاعُ الَّتي لم تَكُنْ مَضَت في أَسلافِهِم الَّذِينَ مَضَوا، وَلم يَنقُصُوا المِكيَالَ وَالمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ المُؤنَةِ وَجَورِ السُّلطَانِ عَلَيهِم، وَلم يَمنَعُوا زَكَاةَ أَموَالِهِم إِلاَّ مُنِعُوا القَطرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَولا البَهَائِمُ لم يُمطَرُوا، وَلم يَنقُضُوا عَهدَ اللهِ وَعَهدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللهُ عَلَيهِم عَدُوًّا مِن غَيرِهِم فَأَخَذُوا بَعضَ مَا في أَيدِيهِم، وَمَا لم تَحكُمْ أَئِمَّتُهُم بِكِتَابِ اللهِ تَعَالى وَيَتَخَيَّرُوا فِيمَا أَنزَلَ اللهُ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَأسَهُم بَينَهُم"، صَححه الأَلبَانيُّ..

 

ومع الأسف يا عباد الله: فلقد تحوَّل الإسرافُ في عصرنا هذا مِن سلوكٍ فردي لبعض الأغنياء، إلى ظاهرةٍ شبه عامة، يقع فيها كثيرٌ من الناس شعروا أم لم يشعروا.. بل إنه ليحقُّ للمرء أن يُسميه مرضُ الاسراف. أو حمى الاستهلاك.. وحين يتأمَّلُ المسلمُ كتاب ربه، ويتدبرُ آياته كقَولَه تَعَالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]، وقوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31].. وقوله جل وعلا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].. فحين يتأملها سيجد في مَجمُوعِها بيانًا شافِيًا، ودليلًا كافِيًا، أن لله سُننًا كونِيَّة، ونواميسَ قدرية، لا تَتغيَّرُ ولا تَتخَلَّفُ، ولا تُحابي ولا تُجامِل، فالإِيمَانُ وَالتَّقوَى، وشُكرُ المنعمِ جلَّ وعلا، هي أهمُّ وأكبرُ أسبابِ الأَمنِ وَحلول البَرَكَات، وأنَّ كفرَ النِّعمةِ وإساءةَ استخدامِها مُؤذنٌ بزوالها، وحلولِ العُقوبات العَاجلة، قال جلَّ وعلا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]..

 

ومنهجُ الإسلام الحكيم، أنَّ الغنى في الإسلام غنى النَّفسِ وقناعتها بالقليل.. الغني بقدر ما تستغني عن الأشياء، لا بكثرة ما تقتنى منها.. فالمسلمُ مأمورٌ أن يربي نفسهُ على الاستغناء عن الأشياء بدلً الاستكثارٍ منها؛ حتى لا تستعبدهُ المادة، ويألفَ كثرة الاستهلاك، فينساقَ بلا بصيرةٍ إلى الإسراف المذموم، وهَدرِ الأموالِ فيما لا ينفعُ.. يُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَولُهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَن أَصبَحَ مِنكُم آمِنًا في سِربِهِ، مُعَافىً في جَسَدِهِ، عِندَهُ قُوتُ يَومِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَت لَهُ الدُّنيَا بِحَذَافِيرِهَا" والحديث حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ..

 

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا سخطَ الجبار، وارعوا نعمته، فلذة الحرام ساعة، ولذة الطاعة إلى قيام الساعة..

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]..

بارك الله..

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وسلامًا على عباده اللذين اصطفى..

 

أما بعد: فاتقوا وكونوا مع الصادقين، وكونوا من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18]..

 

معاشر المؤمنين الكرام: حين يتأملُ العاقلُ في أحوال الناس، يجدُ أنَّ أكثرَ الناسِ ليسوا بحاجةٍ لزيادة مستوى الدخل، بقدر ما هم في حاجةٍ ماسةٍ لحُسن التدبير في المعيشة والاقتصاد فيها.. وقبل ذلك وبعده الأخذَ بأسباب حلولِ البركةِ من الله فيما يرزقهم.. ومما ينسب لابن مسعود رضى الله عنه قوله: الاقتصادُ في النفقةِ نِصفُ المعيشةِ..

 

فالتوسطُ والاعتدالُ والاقتصادُ في النفقة: قاعدةٌ من قواعد الإسلام الكبرى، والإفراطُ أخو التَّفريط، ومن المنهج الصحيح، أن يقنع الانسانُ بما يجد، وأن لا يتكلفَ ما فُقد.. ومن جمال الإسلام وواقعيته، أنه لا يدعو إلى ارتداء الرث من الثياب، إذا كان بالإمكان تحصيل الأفضل، ولا إلى تجويع النفس إذا كان بالإمكان تحصيل الطعام الطيب، بل جاء في الحديث الحسن: "إنَّ اللَّهَ يحبُّ أن يرى أثرَ نعمتِهِ علَى عبدِهِ".. وحين أثنى الله على عباده قال: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، فهم يأكلون ليعيشوا، ويعيشون ليعملوا، ويعملون ليعطوا الحياة قدرها وقيمتها، ويحفظون لها سبب وجودها ووظيفتها، يعملون للدنيا بقدر بقاءهم فيها، ويعملون للآخرة بقدر بقاءهم فيها.. عبادةً لله، وإحسانًا إلى عباد الله، وطمعًا ورجاءً في عظيم ثواب الله، وخوفًا وخشيةً من أليم عقاب الله، يأخذون من الطيبات نصيبهم، ويستمتعون بما أباح الله لهم، ويقفون عند حدود الله ولا يتجاوزونها، ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32]..

 

نعم يا عباد الله: فإن الكريم ذا المروءة من يعرف للمال قدره ومكانته، فيضعه في مواضعه، ويُنزلهُ منزلته، عنده في الحياة مطالبُ يبذلُ فيها المالَ بسخاءٍ وسماحةِ نفس، يؤدي الحقوقَ ولوازم النفقة، على نفسه ومن يعول.. قال ابن مسعود رضى الله عنه: (التبذير: هو الإنفاق في غير حق. أما الإنفاق في الحق فلا يُعد تبذيرًا).. وقال مجاهد: (لو أنفق إنسانٌ ماله كله في الحقِ لم يكن تبذيرًا. ولو أنفق مُدًا في غير حقٍّ كان تبذيرًا).. فمصارف البر واسعة، وحينما قال أهلُ العلم: لا خير في الإسراف، قالوا أيضًا: لا إسراف في الخير، وحينما قالوا: لا تنفق في الباطل ولو قليلًا، قالوا أيضًا: لا تمنع عن الحق قليلًا ولا كثيرا.. وخير من كل ذلك: قول الحق جل وعلا: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].. فهل يضرُّ أولي الفضل والسِّعةِ والغنى أن يقتصِدوا في أطعمتهم وملابسهم، وأن يوفروا في حفلاتهم ومناسباتهم، وأن يُرَّشِدوا من استهلاكهم ونفقاتهم، ثم يبذلوا أموالهم فيما تكتملُ به مروءتهم، وما يسمو به نبلهم، وما تدعو إليه حقوق مجتمعهم وأمتهم.. والله إنَّ ذلك لممَّا يزيدُهم كرامةً إلى مكارِمهم، ورِفعةً إلى رِفعتهم، وذلكم هو مسلك التوسطِ والعدل، وسبيلُ الفضلِ والنبل، إنه المنهج الوسط الخَيار، بين البُخل والإسراف، والميزانُ العدلُ، بين الشحُّ والتبذير، والقوامُ القِسط، بين الإفراط والتفريط.. إنه الصراطُ المستقيم، والمسلك المتوازن، الذي يملك به العبدُ الدنيا، ليسخرها للدين، ويأخذ من متاع الأولى ما يبلغه المنازل العالية في الدار الأخرى، ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]..

 

فاتقوا الله معاشر المؤمنين، واحفظوا أموالكم، اكتسبوها بحقٍّ، وأنفقوها في الحقِّ؛ واستعينوا بها على طاعة الله، ففي الحديث الصحيح: قال عليه الصلاة والسلام: "لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربع: عن عُمُرِه فيما أفناه، وعن شبابهِ فيما أبلاه، وعن مالهِ من أين اكتسبهُ وفيم أنفقهُ، وعن علمهِ ماذا عملَ به"..

 

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صل على محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطر الإسراف والتبذير، وقول الله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)
  • {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} (خطبة)
  • خطبة: ولا تسرفوا..

مختارات من الشبكة

  • {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ولا تسرفوا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع الخطابة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطر الإسراف والتبذير وقول الله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة صلاة الكسوف(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم وزواجر من خطب البلغاء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عام مضى وعام أتى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كيف تكون خطبة الجمعة خطبة عظيمة ومؤثرة؟ (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/12/1446هـ - الساعة: 23:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب