• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

خطبة عيد الأضحى وبيان لفضل وأحكام أيام التشريق ومختصر أحكام الأضاحي

خطبة عيد الأضحى وبيان لفضل وأحكام أيام التشريق ومختصر أحكام الأضاحي
جمال بن محمد الحرازي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 25/6/2023 ميلادي - 6/12/1444 هجري

الزيارات: 33774

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عيد الأضحى

وبيان فضل وأحكام أيام التشريق ومختصر أحكام الأضاحي

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

فمعاشر المؤمنين؛ إن العيد موسم الفرح والسرور، وأفراح المؤمنين وسرورهم في الدنيا إذا فازوا بإكمال طاعة ربهم وحازوا ثواب أعمالهم بوثوقهم بوعده لهم عليها بفضله ومغفرته؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 58].

 

ولَما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، كان لهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «إن الله قد أبدلكم يومين خيرًا منهما، يوم الفطر والأضحى»؛ رواه أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال ابن رجب رحمه الله في اللطائف: (فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذكر والشكر والمغفرة والعفو)، وهما يومان بعد إكمال فريضتين، فالفطر عقب فريضة الصيام، الأضحى عقب إكمال الحج.

 

ويوم النحر هو يوم الحج الأكبر، وسُمي بذلك لكثرة أعمال الحج فيه، وهو أفضل أيام الدنيا، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن قرط رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «‌أَعْظَمُ ‌الْأَيَّامِ ‌عِنْدَ ‌اللهِ ‌يَوْمُ ‌النَّحْرِ، ‌ثُمَّ ‌يَوْمُ ‌الْقَرِّ»، وفي رواية: «إنَّ أفضلَ الأيامِ عند اللهِ يومُ النحرِ ثمَّ يومُ القرِّ».

 

فإذا كمل يوم عرفة، وأعتق الله عباده المؤمنين من النار، اشترك المسلمون كلهم في العيد عقب ذلك، وشرع للجميع التقرب إليه بالنسك، وهو إراقة دماء القرابين، فأهل الموسم يرمون جمرة العقبة، ثم يشرعون في التحلل من إحرامهم بالحج، ويقضون تفثهم ويوفون نذورهم، ويقربون قرابينهم من الهدايا، ثم يطوفون بالبيت العتيق، أما غير الحجاج من أهل الأمصار، فيجتمعون على ذكر الله والصلاة، فإذا قضوا صلاتهم تقربوا إلى الله بذبح ضحاياهم شكرًا لله تعالى ورجاءً له أن يجعلهم من المتقين؛ قال تعالى: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]، ويوم العيد وأيام التشريق بعده عيد للمسلمين، وأيام التشريق أيام فاضلة وعظيمة، وقد خصها الله بالذكر؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [البقرة: 203].

 

قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعدودات: أيام التشريق، والأيام المعلومات: أيام العشر، والأيام المعدودات هي ثلاثة أيام بعد يوم النحر، وهذا قول ابن عمر وأكثر العلماء، وقال آخرون: هي يوم النحر وثلاثة أيام بعده؛ قال ابن كثير رحمه الله: «والقول الأول هو المشهور، وعليه دل ظاهر الآية الكريمة؛ حيث قال سبحانه: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾، فدل على ثلاثة أيام بعد النحر».

 

ومن الأدلة أيضًا على قوة القول الأول: ما رواه النسائي في سننه من حديث عبدالرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه ناس من نجد، فأمروا رجلًا فسأله عن الحج، فقال: «الحَجُّ عَرَفَةُ، مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَدْ أَدْرَكَ حَجَّةُ، أَيَّامُ مَنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، مَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ»، ثم أردف رجلًا فجعل يُنادي بها في الناس.

 

وهذا الحديث صريح في أنها أيام التشريق، وأفضلها أولها وهو يوم القر، وهو اليوم الأول الذي يستقر الحجاج فيه في منى يوم الحادي عشر.

 

روى أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَعَالى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ»، وسُميت أيام التشريق بذلك؛ لأن الناس يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدايا؛ أي: يقددونها وينشرونها لتجف.

 

ومن فضائل هذه الأيام ما رواه مسلم في صحيحه من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ».

 

«فأيام التشريق يجتمع فيها للمؤمنين نعيم أبدانهم بالأكل والشرب، ونعيم قلوبهم بالذكر والشكر، وبذلك تتم النعم، وكلما أحدثوا شكرًا على النعمة كان شكرهم نعمة أخرى، فيحتاج إلى شكر آخر، ولا ينتهي الشكر أبدًا، قال الشاعر:

إِذَا كَانَ شُكْرِي نِعْمَةَ اللهِ نِعْمَةً
عَلَيَّ لَهُ فِي مِثْلِهَا يَجِبُ الشُّكْرُ
فَكَيْفَ بُلُوغُ الشُّكْرِ إِلَّا بِفَضْلِهِ
وَإِنْ طَالَتِ الأَيَّامُ وَاتَّصَلَ العُمْرُ

 

وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم أنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب، إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته، وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات، وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172] قال الشاعر:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا
فَإِنَّ المَعَاصِي تُزِيلُ النِّعَمْ
وَدَاوِمْ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإِلَهِ
فَشُكْرُ الإِلَهِ يُزِيلُ النِّقَمْ

 

وقد أباح الله عز وجل ذبح هذه البهائم المطيعة الذاكرة له لعباده المؤمنين، حتى تتقوى بها أبدانهم، وتكمل لذاتهم في أكلهم اللحوم، فإنها من أجلِّ الأغذية وألذها، مع أن الأبدان تقوم بغير اللحم من النباتات وغيرها، ولكن لا تكمل القوى والعقل واللذة إلا باللحم، فأباح للمؤمنين قتل هذه البهائم والأكل من لحومها؛ ليكمل بذلك قوة عباده وعقولهم، فيكون ذلك عونًا لهم على علوم نافعة، وأعمال صالحة؛ قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [الحج: 36].

 

ومن فضائلها ما رواه الترمذي في سننه من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ».

 

قال العلامة السعدي رحمه الله: «ولَما أكمل الله تعالى أحكام النسك، أمر بالإكثار من ذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق في قول جمهور المفسرين، وذلك بمزيتها وشرفها، وكون بقية المناسك تُفعل بها، ولكون الناس فيها أضيافًا لله؛ ولهذا حرم صيامها، فالذكر فيها مزية ليست لغيرها؛ ولذلك يُستحب للمؤمن أن يُكثر من ذكر الله فيها، ويدخل في ذلك التسبيح، والتهليل، والتحميد، والتكبير، وقراءة القرآن، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ورمي الجمار، والتكبير عند رميها، والدعاء بين الجمرتين، والذبح والتسمية فيه، والصلوات التي تُفعل فيها من فرائض ونوافل، والذكر المقيد بعد الفرائض فيها، وعند كثير من أهل العلم يستحب فيها التكبير المطلق».

 

فالذكر عمومًا من شعائر هذه الأيام؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 203]، وقال تعالى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ﴾ [البقرة: 200]، وقد استحب كثير من السلف كثرة الدعاء بهذا في أيام التشريق، قال عكرمة: يستحب أن يُقال في أيام التشريق: «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار»، «وهذا الدعاء من أجمع الأدعية للخير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثر منه، روى البخاري ومسلم من حديث أنس -رضي الله عنه - قال: «أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا ِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّار، قَالَ: وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهَا».

 

قال الحسن: الحسنة في الدنيا: العلم والعبادة، وفي الآخرة: الجنة، وقال سفيان الثوري: الحسنة في الدنيا: العلم والرزق الطيب، وفي الآخرة: الجنة، والدعاء من أفضل أنواع الذكر، روى زياد الجصاص عن أبي كنانة القرشي أنه سمع أبا موسى الأشعري يقول في خطبته يوم النحر: بعد يوم النحر ثلاثة أيام التي ذكر الله الأيام المعدودات، لا يرد فيهن الدعاء، فارفعوا رغبتكم إلى الله عز وجل.

 

وفي الأمر بالذكر عند انقضاء النسك معنى، وهو أن سائر العبادات تنقضي ويفرغ منها، وذكر الله باقٍ لا ينقضي ولا يفرغ منه، بل هو مستمر للمؤمن في الدنيا والآخرة»؛ قاله ابن رجب رحمه الله في لطائف المعارف.

 

وقد نُهي عن صيامها إلا لمن لم يجد الهدي، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما قالا: «لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ».

 

قال ابن رجب رحمه الله: «وإنما نُهي عن صيام أيام التشريق؛ لأنها أعياد للمسلمين مع يوم النحر، فلا تُصام بمنى ولا غيرها عند جمهور العلماء، وفي النهي عن صيام هذه الأيام والأمر بالأكل فيها والشرب سرٌّ حسن، وهو أن الله لما علم ما يلاقي الوافدون إلى بيته من مشاق السفر وتعب الإحرام، وجهاد النفوس على قضاء المناسك، شرع لهم الاستراحة عقب ذلك بالإقامة بمنى يوم النحر وثلاثة أيام بعده، وأمرهم بالأكل فيها من لحوم نسكهم، فهم في ضيافة الله عز وجل فيها لطفًا من الله بهم، ورأفة ورحمة، وشاركهم أيضًا أهل الأمصار في ذلك؛ لأن أهل الأمصار شاركوهم في حصول المغفرة والنصب لله والاجتهاد في عشر ذي الحجة بالصوم والذكر والاجتهاد في العبادات، وشاركوهم في حصول المغفرة، وفي التقرب إلى الله تعالى بإراقة دماء الأضاحي، فشاركوهم في أعيادهم، واشترك الجميع في الراحة في أيام الأعياد بالأكل والشرب، كما اشتركوا جميعًا في أيام العشر في الاجتهاد في الطاعة والنصب، وصار المسلمون كلهم في ضيافة الله عز وجل في هذه الأيام، يأكلون من رزقه ويشكرونه على فضله، ونُهوا عن صيامها؛ لأن الكريم لا يليق به أن يجيع أضيافه، فكأنه قيل للمؤمنين في هذه الأيام: قد فرغ عملكم الذي عملتموه، فما بقي لكم إلا الراحة»؛ قاله ابن رجب في لطائف المعارف.

 

وأما حكم صيام أيام التشريق، فقد روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "‌إِنَّ ‌يَوْمَ ‌النَّحْرِ ‌وَيَوْمَ ‌عَرَفَةَ ‌وَأَيَّامَ ‌التَّشْرِيقِ، هُنَّ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهُنَّ أَيَّامُ أَكَلٍ وَشُرْبٍ"، فعلى هذا لا يصح صيام أيام التشريق لا تطوعًا ولا فرضًا إلا للمتمتع أو القارن إذا لم يجدا الهدي.

 

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: "لا يجوز صيام اليوم الثالث عشر من ذي الحجة لا تطوعًا ولا فرضًا؛ لأنها أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها ولم يرخص في ذلك لأحد إلا لمن لم يجد هدي التمتع"؛ انتهى "مجموع فتاوى ابن باز" (15/ 381).

 

وقال الشيخ ابن عثيمين:

"أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التي بعد عيد الأضحى، وسُميت بأيام التشريق، لأن الناس يُشَرِّقُون فيها للحم - أي ينشرونه في الشمس، لييبس حتى لا يتعفن إذا ادخروه - وهذه الأيام الثلاثة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل)، فإذا كانت كذلك؛ أي: كان موضوعها الشرعي الأكل والشرب والذكر لله، فإنها لا تكون وقتًا للصيام، ولهذا قال ابن عمر وعائشة رضي الله عنهم: (لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي)، يعني للمتمتع والقارن، فإنهما يصومان ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعا إلى أهلهما، فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة، حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما، وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين، فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده، ثم يواصل صومه"؛ انتهى؛ "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (20/ سؤال 419).

 

وبناءً على ما تقدم فمن صام أيام التشريق أو بعضها، دون أن يكون متمتعًا أو قارنًا لم يجد الهدي، فعليه أن يستغفر الله تعالى، لارتكابه ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد صامها قضاء لما فاته من رمضان، فلا يجزئه ذلك، وعليه القضاء مرة أخرى، والله أعلم.

 

معاشر المؤمنين، إن من شعائر الإسلام العظيمة التي أمر الله بها، وحثَّ عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وخصت في هذه الأيام هي شعيرة الأضحية، وهي ما يذبح في يوم النحر، وأيام التشريق من الإبل، والبقر، والغنم تقربًا إلى الله تعالى، وسميت بذلك لأنها تذبح ضحى بعد صلاة العيد.

 

وشُرعت الأضحية إحياءً لسنة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ إذ أوحى الله إليه أن يذبح ولده إسماعيل ثم فداه بكبش، فذبحه بدلًا عنه، قال تعالى: ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [الصافات: 107]، وشكرًا لله على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام؛ قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 36، 37]، وأجمع المسلمون على مشروعيتها؛ لقول الله تعالى: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 34]، فهي مشروعة في جميع الملل.

 

واختلف أهل العلم هل هي سنة أم واجبة؟ فذهب أهل القول الأول: إلى أنها سنة، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، وذلك لأنه قال: وأراد أحدكم أن يضحي، فجعله مفوضًا إلى إرادته، ولو كانت التضحية واجبة لم يذكر ذلك، ومما استدلوا به أيضًا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان السنة والسنتين، مخافة أن يُرى ذلك واجبًا.

 

والقول الثاني: أن الأضحية واجبة وهو مذهب أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد رحمهما الله، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ حيث قال: إن الظاهر وجوبها، وإن من قدر عليها فلم يفعل فهو آثم؛ لأن الله ذكرها مقرونة بالصلاة في قوله تعالى: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وفي قوله: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162].

 

واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم داوم عليها وضحى عشر سنوات، وكان يظهرها على أنها شعيرة من شعائر الإسلام، حتى إنه يخرج بأضحيته ويذبحها بالمصلَّى.

 

قال الشيخ ابن عثيمين: «والقول بالوجوب أظهر من القول بعدم الوجوب لكن بشرط القدرة، وأما العاجز الذي ليس عنده إلا مؤنة أهله، أو المدين فإنه لا تلزمه الأضحية، بل إن كان عليه دين ينبغي له أن يبدأ بالدين قبل الأضحية».

 

وينبغي للمؤمن أن يحرص عليها وبخاصة القادر عليها، ويبادر إلى ذلك خروجًا من خلاف العلماء، والأضحية لها شروط، فمن ذلك:

1- أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل، والبقر، والغنم؛ لقول الله تعالى: ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 28]، وأفضلها الإبل، ثم البقر، ثم الغنم، ويشمل الضأن والمعز، فإن أخرج بعيرًا كاملًا فهو أفضل من الشاة، وأما لو أخرج بعيرًا عن سبع شياه فالسبع الشياه أفضل من البعير.

 

2- بلوغ السن المعتبرة شرعًا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّانِ».

 

فالإبل خمس سنين، والبقر سنتان، والمعز سنة، والضأن ستة أشهر، قال ابن القيم رحمه الله: «وأمرهم أن يذبحوا الجذع من الضأن، والثني مما سواه وهي المسنة».

 

3- السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء، فلا يجزي في الأضحية سوى السليمة من كل نقص في خلقتها، فلا تجزي العوراء، ولا العرجاء، ولا العضباء، وهي مكسورة القرن من أصلها، أو مقطوعة الأذن من أصلها، ولا المريضة ولا العجفاء (وهي الهزيلة التي لا مخ فيها)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى» رواه أصحاب السنن عن البراء بن عازب رضي الله عنهما.

 

الكسير التي لا تنقي أي: لا مخ في عظامها، وهي الهزيلة العجفاء.

 

4- أن تكون في وقت الذبح، وهو من صباح العيد بعد الصلاة إلى آخر أيام التشريق، فلا تجزئ قبل صلاة العيد، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك: «مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».

 

وروى مسلم في صحيحه من حديث البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فقال: «لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ».

 

ومن الأحكام التي تتعلق بالأضحية:

أولًا: من دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية؛ لما روى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»، وقيل: الحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار، وقيل: التشبه بالمحرم.

 

ثانيًا: أفضلها ما كانت كبشًا أملح أقرن، وهو الوصف الذي استحبه الرسول صلى الله عليه وسلم وضحى به، كما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، وفسر الأملح بأنه الأبيض الذي يخالطه سواد؛ كما جاء عند مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ، وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ، وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ، قال القاضي عياض: «معناه أن قوائمه، وبطنه، وما حول عينيه أسود.. والله أعلم».

 

روى أحمد (23348) عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: (ضَحَّى رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجِيَّيْنِ خَصِيَّيْنِ)، وصححه الألباني في "الإرواء" (4/360).

 

قال الشيخ ابن عثيمين الله: "يجوز الأضحية بالخصي؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ضحى بكبشين موجوءين - يعني: مقطوعي الخصيتين - ووجه ذلك أن الخصي يكون لحمه أطيب، فالخصاء لن يضره شيئًا"؛ انتهى من "اللقاء الشهري" (3 /111).

 

ثالثًا: تجزي الشاة عن واحد؛ أي: يضحي الإنسان بالشاة عن نفسه، وتجزي من حيث الثواب عنه، وعن أهل بيته؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الوَاحِدَةِ عَن جَمِيعِ أَهلِهِ، ولحديث أبي أيوب الأنصاري كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُضَحِّي وَعَن أَهلِ بَيتِهِ، فَيَأكُلُونَ، وَيُطعِمُونَ، والبدنة، والبقرة عن سبعة، والدليل حديث جابر بن عبد الله قال: نَحَرنَا فِي عَامِ الحُدَيبِيَةِ البَدَنَةَ عَن سَبعَةٍ، وَالبَقَرَةَ عَن سَبعَةٍ.

 

رابعًا: ما يستحب عند ذبحها أن توجه إلى القبلة مع التسمية، لما رواه أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ يَومَ العِيدِ كَبشَينِ، ثُمَّ قَالَ حِينَ وَجَّهَهُمَا: «إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًَا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ أَوَّل الْمُسْلِمِينَ، بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ»، وفي صحيح مسلم أنه قال: «بِاسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ».

 

فقوله حين وجهها، يعني: إلى القبلة، وهذا يدل على أن التوجيه سنة، وورد في فتوى اللجنة الدائمة: «ويستحب أن يتوجه الذابح إلى القبلة، ويوجه الذبيحة كذلك إلى القبلة؛ لأنها أشرف الجهات، ولأن الاستقبال مستحب في القربات، إلا ما دَلَّ الدليل على خلافه، ويتأكد الاستحباب إذا كانت الذبيحة هديًا، أو أضحية».

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «وأما ما يفعله بعض العامة عندنا يسميها في ليلة العيد، ويمسح ظهرها من ناحيتها إلى ذنبها، وربما يكرر ذلك، هذا عني، هذا عن أهل بيتي، هذا عن أمي.. وما أشبه ذلك، فهذا من البدع؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان يسمي من هي له عند الذبح».

 

خامسًا: صفة الذبح، روى البخاري ومسلم من حديث أنس أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ، أَمْلَحَيْنِ، أَقْرَنَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا، قَالَ: وَسَمَّىَ وَكَبَّرَ).

 

قال ابن حجر: «وفيه استحباب التكبير مع التسمية، واستحباب وضع الرجل على صفحة عنق الأضحية الأيمن، واتفقوا على أن إضجاعها يكون على الجانب الأيسر، فيضع رجله على الجانب الأيمن؛ ليكون أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين، وإمساك رأسها بيده اليسار».

 

أما الإبل فتنحر قائمة معقولة يدها اليسرى، هذه هي السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36]، وجبت يعني سقطت على الأرض، وتكون اليسرى هي المعقولة؛ لأن الذابح سوف يأتيها من الجهة اليمنى وسيمسك الحربة بيده اليمنى، وإذا نحرها فسوف تسقط على الجانب الأيسر الذي به اليد المعقولة.

 

أما البقر فقد جاء في القرآن ذكر ذبحها، وفي السنة نحرها، قال القرطبي: «والذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل، والتنحير في البقر، وقيل: الذبح أولى؛ لأنه الذي ذكره الله تعالى».

 

والذبح يكون بقطع الأوداج، والأوداج جمع ودج بفتح الدال المهملة والجيم، وهو العِرق الذي في الأخدع، وهما عرقان متقابلان، وفي الحديث المخرج في الصحيحين من حديث رافع ابن خديج: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّه فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ»؛ الحديث.

 

قال النووي رحمه الله: «قال العلماء: ففي هذا الحديث تصريح بأنه يشترط في الذكاة ما يقطع ويجري الدم، وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أنه إذا قطع الحلقوم والمريء، والودجين، وأسال الدم حصلت الذكاة، وقوله: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) قال بعض العلماء: دليل على جواز ذبح المنحور، ونحر المذبوح، وقد جوزه العلماء كافة إلا داود».

 

ويجوز الذبح بغير السكين إن لم تتيسر، إما بحجر ونحوه، روى البخاري في صحيحه من حديث مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ، فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا، فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ، فَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: «كُلُوهَا».

 

وفي حديث: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ»، «دليل على جواز الذبح بكل محدد يقطع إلا الظفر، والسن، وسائر العظام، فيدخل في ذلك السيف، والسكين، والسنان والحجر، والخشب، والزجاج، والقصب، والخزف، والنحاس، وسائر الأشياء المحددة فكلها تحصل بها الذكاة إلا السن، والظفر، والعظام كلها».

 

سادسًا: الإحسان حتى في الذبح: قال ابن القيم رحمه الله: «وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا الذبح»؛ روى مسلم في صحيحه من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ».

 

سابعًا: وقد دلت الدلائل الشرعية من الكتاب والسنة على أنه ينبغي أن يأكل من أضحيته، ويتصدق، قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴾ [الحج: 28]، فإن أهدى منها لجيرانه وأقاربه، فهو أفضل؛ قال تعالى: ﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾ [الحج: 36]؛ روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كُلُوا، وَادَّخِرُوا، وَتَصَدَّقُوا». وفي رواية: «كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَاحْبِسُوا، أَوِ ادَّخِرُوا».

 

ثامنًا: لا يُعطى الجزار أجرة عمله من الأضحية، فقد روى البخاري ومسلم من حديث علي رضي الله عنه قال: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى الْبُدْنِ، وَلَا أُعْطِيَ عَلَيْهَا شَيْئًا فِي جِزَارَتِهَا، وفي رواية مسلم: «نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عَنْدِنَا».

 

قال العلماء: «إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع لكونه معاوضة، قال البغوي رحمه الله: وأما إذا أُعطي أجرته كاملة، ثم تصدق عليه إذا كان فقيرًا كما يتصدق على الفقراء، فلا بأس بذلك».

 

تاسعًا: يستحب أن يذبح أضحيته بنفسه؛ قال ابن قدامة: «وإن ذبحها بيده كان أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين ذبحهما بيده وسمَّى وكبَّر، ولأن في فعله قربة وفعل القربة أولى من استنابته فيها، فإن استناب فيها جاز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استناب من نحر ما بقي من بدنه بعد ثلاث وستين».

 

تنبيه: هل الأضحية مشروعة عن الأموات أم عن الأحياء؟

 

«لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن الصحابة أنهم ضحَّوا عن الأموات استقلالًا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات له أولاد من بنين وبنات في حياته، ومات له زوجات وأقارب يحبهم، ولم يضحِّ عن واحد منهم، فلم يضحِّ عن عمه حمزة ولا عن زوجته خديجة ولا عن غيرهم من الأبناء والبنات، ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته قولًا أو فعلًا، وإنما يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته، وأما إدخال الميت تبعًا، فهذا قد يستدل له بأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى عنه وعن أهل بيته، وأهل بيته يشمل زوجاته اللاتي متن واللاتي على قيد الحياة، وكذلك ضحَّى عن أمته وفيهم من هو ميت، وفيهم من لم يوجد، لكن الأضحية عنهم استقلالًا ليس عليها دليل»، فإن أوصى بشيء من ماله يُضحى عنه به فلا حرج.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا في هذا العيد من المقبولين وأعده علينا أعوامًا عديدة وأزمنة مديدة ونحن في صحة وعافية.

 

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا وعلى آله وصحبه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خطبة عيد الأضحى 1441هـ (اليوم عيدنا)
  • خطبة عيد الأضحى 1442هـ
  • خطبة عيد الأضحى: وبذي القربى
  • خطبة عيد الأضحى المبارك
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1442هـ
  • خطبة عيد الأضحى 1443: جمال الإسلام
  • خطبة عيد الأضحى
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1443هـ
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1444 هـ
  • (هذا العيد يخاطبكم) خطبة عيد الأضحى 1444 هـ
  • خطبة عيد الأضحى 1444 هـ
  • أيام التشريق أيام ذكر لله (خطبة)
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1444 هـ
  • خطبة عيد الأضحى 1444 هـ
  • خطبة عيد الأضحى لعام 1444هـ
  • خطبة عيد الأضحى لعام 1444هـ
  • خطبة عيد الأضحى

مختارات من الشبكة

  • عيد الأضحى فداء وفرحة (خطبة عيد الأضحى المبارك)(مقالة - ملفات خاصة)
  • أيام الأضحى والنحر أيام تضحية وفداء وذكر (خطبة عيد الأضحى 1439هـ)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الأضحى في زمن الابتلاء (خطبة عيد الأضحى 1441هـ)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • خطبة عيد الأضحى 1441هـ (الأضحى إرث إبراهيم)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة يوم عيد الأضحى 1441هـ (هذا عيدنا)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى المبارك 1438 (الفرحة بالعيد لا تنسينا يوم الوعيد)(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى المبارك (حِكم وأحكام الأضاحي)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • خطبة عيد الأضحى: العيد وثمار الأمة الواحدة(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة عيد الأضحى 1443 هـ (العيد وصلة الأرحام)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • (لمن فرحة العيد؟) خطبة عيد الأضحى 1442 هـ(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب