• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الخلق والهداية أقوى الحجج على إثبات الربوبية

الخلق والهداية أقوى الحجج على إثبات الربوبية
عامر الخميسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/6/2023 ميلادي - 28/11/1444 هجري

الزيارات: 4280

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخَلْق والهداية أقوى الحجج على إثبات الربوبية

تأملات في قوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

 

دلَّت البراهين الكثيرة والمستفيضة من الفطرة السليمة، والعقل الصريح، والعلم الكوني الظاهر، على وجود الخالق عز وجل، ومن صفات كماله عز وجل خَلْقُه الكامل المتقَن البديع، وهدايته الخليقة لِسُبُلِ عَيشِها، وتنظيم أمرها، ودوام بقائها، وحِفْظِ نوعها، فما كان عز وجل ليتركَ خلقه سُدًى دون دلالة وإرشاد.

 

وبعد تتبع لآيات القرآن نجد أن الجمع بين الخلق والهداية وَرَدَ في نظائر حصرتُها بعد قراءة ختمة تدبرية في هذا المقال؛ أولُّها عندما استدل إبراهيم على وجود الله بدأ بقوله في سورة الشعراء: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 78]، لقد حصر الخَلْقَ والهداية في المولى جل وعلا، فلو قلتَ: فلان قرأ كتابًا، هذا كلام لا ينفي عن الآخرين أنهم لم يقرؤوا كتابًا، ولكن إذا قلت: الذي قرأ الكتاب هو فلان، هذه صيغة قَصْرٍ؛ وعلى هذا فالخالق الهادي هو الله لا سواه، وكل ما سواه مخلوق محتاج لهدايته.

 

والهداية دون شك أو ريب لا تكون إلا من الله، فالذي خلقك هو وحده الذي يهديك، كما لو أن عندك آلة مُعقَّدة في غاية التعقيد، ليس في الأرض كلها جهة واحدة مخوَّلة أن تعطيَك تعليماتِ التشغيل والصيانة، إلا الجهة الصانعة.

 

فإما أن يكون الإنسان مهتديًا من قبل الخالق، وإلا فهو يتخبَّط في ضلال مبين، وهذه العبارة فيها قصر في المبنى، وبلاغة ظاهرة في المعنى.

 

فما أروع هذه الحجة التي وقف إبراهيم يُحاجُّ بها قومه! وما أبلغ قوله وأقوى حجته! إنه ينادي من عمق وجدانه: ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 78]؛ أي: هو المنفرد بنعمة الخلق، ونعمة الهداية للمصالح الدينية والدنيوية.

 

وترى أنه قال: ﴿ فَهُوَ يَهْدِينِ ﴾، دون أن يقول: فيهدين؛ لتخصيصه بأنه متولي الهداية دون غيره؛ لأن المقام لإبطال اعتقادهم تصرفَ أصنامهم، وهو قصر قلبٍ؛ كما يذكر علماء البلاغة.

 

إذا كان هو الخالق وحده، فهو أيضًا الأولَى بتدبير مخلوقاته، وإرشادها، دون أن يتولاها غيره.

 

فالخلق والهداية بينهما تلازمٌ؛ فالله خَلَقَ خَلْقَه، وأتبع هذا الخلق بهداية واضحة المعالم، بيِّنة السبل، فأرسل الرسل، وأنزل الكتب، ورَكَزَ في كل مخلوق فطرةً سليمة تدلُّه على الله.

 

وانظر ما ورد في استدلال إبراهيم نفسه في سورة الزخرف؛ بقوله: ﴿ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف: 27].

 

فقد قالها الخليل إبراهيم عليه السلام في معرِض محاجَّة قومه، معلنًا براءته من الإقرار بالعبودية لمن شأنه عدم الخلق والهداية.

 

إن إمام الحنفاء إبراهيم عليه السلام يقوم بهذه المحاجة؛ لأنه يدرك جيدًا أن الخلق والهداية بينهما تلازم، وما انطلق لسانه بمثل هذه المقالة، إلا وقد امتلأ وجدانه بمعنى الشعور التام بحضور الرب عز وجل في المشهد الوجودي، من خلق وإيجاد، ثم هداية وإرشاد.

 

وبمثل ما استدل إبراهيم عليه السلام استدل موسى عليه السلام أمام فرعون في ذلك الحوار المهيب، الذي جمع بين موسى عليه السلام وفرعون، بعد فترة طويلة من الزمن؛ فها هو موسى عليه السلام يقف أمام فرعون؛ ليقول كما في سورة طه: ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].

 

ولا أبرد على القلب من هذه الآية القليلة المباني، الثَّرَّةِ المعاني، التي تلخِّص التلازم بين الخلق والهداية، وفي نفس قصة موسى مع فرعون في سورة الأعراف؛ يقول الله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 148].

 

فقد أخبر الله عز وجل عن فئة من قوم موسى اتخذوا العجل إلهًا وربًّا من دون الله، وهم يعلمون أنه لا يهديهم؛ ﴿ اتَّخَذُوهُ ﴾؛ أي: إلهًا وربًّا ومعبودًا، فجمع الله بين الهداية؛ حيث نفاها عن العجل، وأنكر عليهم كيف اتخذوه إلهًا وربًّا وخالقًا.

 

وهذا المثال يُردِف ويُعضِّد المثال الذي قبله، وكأن إبراهيمَ وموسى عليهما السلام تخرج حجتهما من مشكاة واحدة.

 

قال ابن القيم: "من تأمل بعض هداياته في خلقه، لَعَلِمَ أنه الإله الواحد الحق الذي يستحق أن يُوحَّد، ويستحق أن يُعبَد، بلا منازع أو شريك؛ ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50] أي: ثم هداه إلى ما يصلحه، ويؤهله للقيام بالوظيفة التي خُلِقَ من أجلها، ووُجِد من أجلها، هذه هي الهداية العامة لو تدبرت كل شيء في الكون، لَوصَلْتَ إليها".

 

بل لقد أضاف العلامة الألوسي في (روح المعاني) إضافة جديدة جميلة للآية؛ فقال: " ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50]؛ قال: ربنا الذي خلق كل شيء على صورته، وشكله اللائق به، وجعل هذا الشيء دليلًا على وجوده".

 

وفي سورة يونس جمع الله بين الخلق والهداية في آيتين متتاليتين؛ حيث يلقِّن الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الحجة الظاهرةَ، والتلازم البَيِّنَ؛ بقوله: ﴿ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [يونس: 34، 35].

 

وفي سورة الإنسان التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم فجرَ كل جمعة، نرى أنها بدأت بذكر هذا التلازم؛ حيث يقول الله تعالى: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 1 - 3]؛ إنها حجة قوية في كون هذا الإنسان خُلِقَ من عَدَمٍ، وأن الخالق سبحانه وتعالى هداه السبيل، جاء ذلك مباشرة بعد خلقه.

 

وفي سورة البلد، يأتي الاستفهام التقريري حاملًا هذا التلازم؛ فيقول الله: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 8 - 10]، فهنا يأتي الخطاب القرآني مقرِّرًا خَلْقَ عيون الإنسان ولسانه وشفتيه، التي هي أهم الأعضاء المخلوقة في جسد هذا الإنسان، ثم يقرر أنه هداه، وبيَّن له طريق الخير والشر، وهذا الاستفهام التقريري يحمل هذا التلازم بطريقة المحاجة البيانية، التي تحمل أقوى الأدلة.

 

وفي سورة الأعلى التي كان يقرؤها النبي صلى الله عليه وسلم في العيدين والجمعة؛ يقول عز وجل: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾ [الأعلى: 2، 3].

 

فكأن تكرار النبي صلى الله عليه وسلم لقراءتها؛ ليثبت في أسماع القلوب أن الله كما أنه خالق، فهو الهادي عز وجل.

 

فبدلالة الإرشاد بعد الإيجاد تظهر حقائق الربوبية؛ من كمال الرحمة والإنعام، والفضل والمعونة، والإحسان والعطاء، كما أنها من أظهر ما تتبين به خصائص العبودية من الافتقار للخالق، وعدم قدرة المخلوق على شيء، وأنه لا يملك حولًا ولا قوةً، وأنه محتاج مفتقِر، لا يقدر على الاستقلال الذاتي أيًّا كانت قوته، وهذه ظاهرة لكل متأمِّل، ولأجل بيانها وَرَدَ التلازم في هذه الآيات الكريمة، منوِّهة بشأن هذا التلازم؛ لتكون شاهدًا بربوبية الخالق، وعبودية المخلوق الضعيف المحتاج لعون ربه وهدايته.

 

لقد ظهرت دلالة ربوبية الله تعالى ظاهرة جلية، من جهة إيجاد هذا الإنسان وخَلْقِه، وخلق رزقه من العدم، وكذلك من جهة إبداعه وتصويره، وإحكام خلقه.

 

وتظهر ربوبية الله تعالى أيضًا ظاهرة ظهور الشمس من جهة إلهامه بفطرته، والكون من حوله على أنه الواحد الأحد المستحق للعبادة؛ ولهذا فإن دلائل الربوبية التي يتوجه الاستدلال بها تعود إلى هذين الأصلين:

الأول: دلالة الإيجاد والعناية، وهي دلالة فيها ما فيها من تجليات القدرة والصنعة، والإبداع والخلق، والحكمة والإتقان.

 

الثاني: دلالة الإمداد والهداية، وهي لا تفارق الأُولَى لملازمتها لها في كل مراحل الخلق، ولِما لها من شأن في بيان تجليات الربوبية في الخلق.

 

وهذا التلازم أظهر حقائق التدبير والتصرف، والرحمة والعون، والإحياء والإماتة، والهداية والتوفيق، إلى غير ذلك من براهين الربوبية.

 

ولو تأملت - أيها الإنسان - في خلقك وعجيب تركيبك، لَرأيتَ ما يُدهِش؛ فجسدك عبارة عن مصانعَ تشتغل على مدار الساعة، لا تتوقف إلى أن تموت، وطوال ستين أو سبعين سنة تعمل بانتظام وترتيب مدهش، ولو تفكرت في بداية خلقك عن طريق تلقيح البويضة بالحيوان المنوي، ثم نموك وتركيب سمعك وبصرك، وعظمك ولحمك وجلدك، ثم ولادتك - لَرأيتَ أمرًا تقف دونه العقول، ولو تأملت في أجهزة جسدك التي تعمل وفق نظام دقيق ومحدد، وبشكل متكامل؛ لتستمر فيك الحياة، وتأملت في قلبك الذي يضخ الدم لجسمك كله، دون أن يتوقف، ويربط بين أكثر من مائة تريليون خلية، ويضخ ما يقارب 43000 لتر من الدم في اليوم، وينبض مائة ألف نبضة تقريبًا في اليوم، دون حدوث خطأ أو خلل - لَهَالَكَ الأمر.

 

لقد تحدث العلماء أنه يوجد 100 مليون مستقبل ضوئي في العين، وأن عدد كرات الدم الحمراء في جسم الإنسان 25 بليون كرة، ويتكون مخُّه من 14 ألف مليون خلية عصبية، ويبلغ طول شرايين جسمه 600 ألف كيلومتر، وهذا يدل على خالق قدير حكيم بديع، والعجب العُجاب أن من قدرة الخالق أن هذا العدد الكبير الهائل المعجِز من أجهزة الجسم، التي تعمل بنظام وترتيب دقيق محكم دون توقف، هو صمتها المطبق الذي لا يشعر به الإنسان، ولو كان الإنسان يسمع جميع هذه الأجهزة، وهي تعمل - لَذُهِلَ من نفسه.

 

ثم لو تفكرت في دلالة الهداية العامة للمخلوقات، لَرأيتَ ما يدعوك للعجب، فقط سوف نُلْقِي النظر على جهاز وغدَّة في الجسم، فيهما من الهداية ما يقف العقل حائرًا أمامه، أما الجهاز، فيسميه علماء الأجنة الغشاء العاقل، والأفضل أن يُسمَّى بالغشاء المهتدي، ويقوم بوظائفَ مدهشة؛ منها أنه يمنع اختلاط دم الأم بدم الجنين، ولو حدث هذا، لَمات كلٌّ منهما، فلو أننا أعطينا إنسانًا دمًا من زمرة غير زمرته، فإنه يموت فورًا بانحلال الدم.

 

ومنها أنه إذا احتاج الجنين إلى مادة غير موجودة بدم الأم، وتوجد في طعام معين، فإنه يجعل الأم تشتاق لأكل هذا الصنف من الطعام، وهو ما يسميه الناس بـ(الوحم)؛ أكلات لا تحبها أحيانًا تشتهيها، ووظائف أخرى يقف العقل أمامها حائرًا؛ إذ مَن هداه وألهمه لهذه الوظائف المعقدة التي تقف أمامها العقول؟

 

وأما الغدة، فهي صغيرة بجانب قلب الإنسان، وقد أجمع الأطباء المعاصرون منذ بداية اكتشافها أنها لا وظيفةَ لها؛ كونها تضمر بعد سنتين من الولادة، ثم اكتشفوا حديثًا أنها أخطر غدة في جهاز الإنسان، واسمها الغدة الصعترية، أستاذة الكريات البيضاء، وهذه الغدة عبارة عن كلية حربية راقية، متقدمة مجهَّزة بأتْقَنِ الفنون، لتخريج هؤلاء الطلبة المقاتلين، فتأتي الكريات البيضاء، وتمكث سنتين تتعلم مهارات القتال والدفاع عن الجسد، وفي كل يوم تتلقى دروسًا عن آلاف العناصر، وتأخذ ثلاثة مقررات؛ مقررًا عن الذات والوظيفة، ومقررًا عن الصديق، ومقررًا عن العدو، ويُعرَض عليها خلال الدراسة مئات الآلاف من البروتينات التي تدخل في بناء الجسم، وتُدرَّب على تقبُّلها والترحيب بها، وألَّا تهاجمها، فإن هاجمتْها، فمعنى هذا أن الجهاز يدمر نفسه، ويتلف بعضه، وفي مقررات العدو يُعرَض عليها العكس، فتتعرف على الخلايا العدوة والصديقة، ثم يُعطى لكل كُرَيَّة اختبارُ تخرُّجٍ؛ حيث يُعطَى لها صديق وعدو، فإن قتلت الصديق، وتركت العدو، رسبت، فإن رسبت تُقتَل، وإن نجحت في مهمتها، أخذت شهادة، وتخرجت من هذه الكلية، وهذه الدفعة الأولى تبدأ تُعلِّم الأجيال جيلًا بعد جيل، وبهذا تعرف أن جهاز المناعة هو أخطر جهاز في جسم الإنسان؛ حيث تجد فيه فِرَقَ الاستطلاع، وفرق المغاوير، وفرق تصنيع السلاح، وفرق الخدمات، وفرقًا أخرى؛ فهو جيش متكامل يدرب باحترافية عالية على الدفاع عن الجسم، وإلا مات الإنسان من أدنى شيء يَعرِض له، ولو كان قرصة بعوضٍ، فمن هدى وألهم هذه الغدة لتدريب هذا الجيش وتعليمه وظائفه؟

 

ومن هداه لإجراء الامتحان النهائي الدقيق، إن لم يكن الهادي عز وجل، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى؟ ولو تأملت في أجهزة جسمك التنفسي والهضمي، والدوري والعضلي، والعصبي والحركي، والسمعي والبصري، والتناسلي، وما تقوم به من تعاون وترابط - لَرَأيتَ هداية عجيبة.

 

ثم تأمل هداية الله للمخلوقات عامة؛ حيث هدى الكائنات لعملية التزاوج، وهدى الأجنة في الأرحام، وهدى النحل ليخرج من مسكنه، ويتنقل في المراعي بين الأزهار، ثم يعود إلى مسكنه، وتنظيم خلاياه بدقة عالية، وهدى ملايين الأنواع من الأسماك في البحار، وملايين الطيور في الهواء وعلى الأشجار، وملايين الحيوانات والدواب في الصحاري والجبال والوديان والقِفار، كلها هداها إلى ما يصلحها، وهذا دليل يقودك إلى الإيمان بربوبية الخالق، الذي أوجدها ثم هداها، فما كانت لولا هدايته تهتدي في حياتها.

 

وإذا ما تأملت في هداية الله للمخلوقات، لَهَالَكَ الأمر، وأخذتك الدهشة؛ فعلى سبيل المثال: مَن علَّم الغراب قانونَ المرافعات والعقوبات، والقضاء والشهادات؛ إذ تقيم الغِربان محاكمَ، وينصِّبون قضاة، ويأتي الخصم ذليلًا بصحبة حرس، ويأتي المجني عليه مشتكيًا، وتصطف الغربان تنتظر الحكم، وعلى قدر الجناية تكون العقوبة، حتى لو كانت إعدامًا؟

 

ومَن علَّم الغراب أنه يدفن موتاه من بني جنسه، ولا يتركها للجوارح من الطيور، أو غيرها من الحيوانات المفترسة، أو التعفن؛ صونًا لكرامة الميت، وحفاظًا على البيئة، ورفقًا بالأحياء فيها؟

 

ومَن علَّمها أن تحفر حفرة عميقة، ثم تقوم بطيِّ جناحي الغراب الميت، وضمهما إلى جنبيه، ورفعه برفق لوضعه في قبره، ثم تدفنه، وتقف صفوفًا في صمت على قبره، وكأنه طقس جنائزي للغراب الميت؟

 

ومن علَّم الهدهد، وهداه إلى طرقه الصحيحة؛ ليطوف كوكب الأرض، وأن يميز بحواسه رسم خرائط سمعية وبصرية وشمية للموقع الذي يمر به، فضلًا على امتلاكه حبيبات مغناطيسية في منقاره، وجهاز كشف عن المناطق التي يمر بها؟

 

وطائر المكاء إذا أكلت الحية بيضَه يرفرف على رأسها، ويُزَقْزِق، حتى تفتح فاها، فإذا فتحته لتأكله، ألقى شوك الحَسَكِ في فمها، فيأخذ الحسك بحلقها، فتموت، من علَّمه قانون الانتقام؟ ومن أرشده إلى هذه الحيلة العجيبة؟

 

وصرار الليل مَن هداه إلى معرفة الأحوال الجوية؟ ومن هداه لاختبار ميزان الحرارة؛ فصوته في الليل ينخفض ويرتفع بحسب درجة الحرارة بالضبط؟

 

ومَن علَّم العصفورة إذا سقط فرخها أن تصرخ وتستغيث، فلا يبقى عصفور يمر بها، أو يراها، إلا وجاء إليها؛ فيطيرون حول الفرخ، ويحركونه بأفعالهم وأجنحتهم، ويحدثون له قوة وهمة وعزيمة حتى يطير؟!

 

ومَن علَّم الظبي ألَّا يدخل بيته إلا مستدبرًا؛ ليستقبل بعينه ما يخافه على نفسه وولده؟!

 

ومَن علَّم الذئب أنه حين يحاصره الجوع يستلقي وينفخ بطنه، فإذا أحاطت به العصافير أحاط بها فجأة؛ ليضمها ضمة الوداع؟!

 

ومن علَّم الفأرة أنها إذا شرِبت من الزيت الذي في أعلى الجرة، فنقص وصعُب عليها الوصول، نقلت الماء بأفواهها وصبَّته في الجرة؛ حتى يرتفع الزيت فتشربه؟!

 

ومن علَّم الدب أنه إذا أصابه جرح يأتي إلى نبت قد عرفه، يجهله خبراء الحشائش، فيتداوى به فيبرأ؟!

 

ومن علَّم الفهد أن يتوارى عن الأنظار وقت سُمتنه لثِقَلِ حركته، فإذا عاد لوزنه الطبيعي، ظهر من جديد؟!

 

ومن علَّم ابن عِرْسٍ والقنفذ أنهما إذا أكلا الحيات والأفاعي عَمَدَا إلى الزعتر النهري، فأكلاه كالترياق؛ لئلا يضرهما السم؟!

 

ومن علَّم أنثى السباع إذا وضعت ولدها أن ترفعه أيامًا في الهواء؛ لأنها تضعه كقطعة لحم، فتخاف عليه الذَّرَّ والنمل، فلا يزال في فمها تتنقل به، حتى يتخلق ويستوي، ويشتد عوده؟!

 

ومن علَّم الحمامة أن تقلب بيضها؛ حتى ينال كل وجه نصيبَه من الحضانة، ولئلا تأكله الأرض؟!

 

ومن علَّم السِّنَّورة أن تتماوت على فم بيت الفأرة، فلا تتحرك ألبتة، حتى إذا خرجت الفأرة وثبت عليها واقتنصتها؟!

 

ومن علَّم الكلب أنه إذا عاين الظباء يعرف مباشرة الذَّكَرَ من الأنثى، فيتبع الذَّكَرَ مع علمه أن الذكر أسرع من الأنثى، لكن الذكر إذا عدا شوطًا أو شوطين احتقن بوله، وإذا احتقن بوله خفَّت سرعته، فيدركه الكلب، وأما الأنثى فتحذف بولها؛ لسعة القُبُل، وسهولة المخرج، فيدوم عَدْوُها؟!

 

ومن علَّم الأُيَّلَ أنه إذا سقط قرنه أن يتوارى؛ لأنه فَقَدَ سلاحه، وفي تلك الفترة يَسْمَنُ، فإذا اكتمل نموُّ قرنه، تعرض للشمس والريح، وأكْثَرَ من حركته؛ ليشتد لحمه، فيزول السمن المانع له من العدو فيظهر حينها؟!

 

ومن علَّم الثعابين قوانين الرياضة والمصارعة والقتال، فإذا ثنى أحد الخصمين جسم الآخر، وتمكَّن من فركه في الأرض عدة مرات، لا يمكن أبدًا أن يَعَضَّه، وكأنه حكم رياضي لا يبيح لأحد المتصارعين أن يسبب للآخر أية أضرار جسدية؟

 

ومن علَّمهم أنه من الممكن التقاتل والتصارع من أجل الفوز بالأنثى، لكن ليس من حق أي منهما أن يعَضَّ الآخر، أو يسبب له أي أذًى، بل في نهاية المعركة يخضع أحد المتصارعين، ويترك الساحة لخصمه بروح رياضية عالية؟

 

ومن علَّم الأسد أن يأتيَ إلى شبله في اليوم الثالث فينفخ في منخريه؛ لأن اللبؤة تضع صغيرها كالميت المهزول، فلا تزال تحرسه حتى يأتي أبوه، فيصنع به ذلك الصنيع؟!

 

ومن علَّم ذَكَرَ الحمام أن يتلطف بأنثاه، فإذا وقع عليها، وعلم أنها حملت، ذهب يجمع العيدان مباشرة ويبني بيته؟!

 

ومن علَّم النحلة أنها إذا وجدت حقلًا أو مصدرًا للغذاء، تعود سريعةً، وترقص رقصات معينةً، وهذه الرقصات تختلف من رقصة إلى أخرى، بحسب قرب المكان أو بُعْدِه، وترسم برقصتها زاوية الشمس التي تدل على المكان، فيفهم النحل الجهة المعينة ومسافته بكل تحديد ودقة، وهو شيء مذهل ما زال العلماء متحيرين فيه؟!

 

ومن علَّم النحل توزيع الوظائف والمهام، وضبط الحراسة، وتبريد الخلية، والاهتمام بالغذاء، ورعاية وحراسة الملكة، وإتقان الفدائية، ومعرفة طريق الخلية، وإن ابتعدت المسافات؟

 

ومن علَّم النملة قانون التكييف في بيوتها، وأهمية الادخار، وفلق الحبة نصفين؛ لئلا تنبت، وتنظيم جيش دفاعي وأمني، وفرق نظافة وعمل، وترتيب وخدمة، وحرس ملكي، وفتح مقابر لموتاه، وأهمية التعاون والصبر والتحمل؟

 

ومن علَّم الطيور والحيوانات أن تتقاسم المسكن فيما بينها، وأن لكل منها حِماه الخاص به، والحدود المرسومة له، وقد تكون هذه الحدود برية أو جوية أو بحرية، ويقع التقاتل إن اختُرقت، وتذهب دماء وأشلاء في سبيل الدفاع عنها، وحراستها، وعدم اختراقها؟

 

ومَن هدى الحمام أنها إذا حملت الرسائل، سلكت الطرق النائية، وإذا عطِشت، وردت المياه البعيدة عن القرى ومواضع الناس؛ لئلا يعرِض لها من يصيدها؟

 

ومن حدَّد للذكر من الحمام وظائفه، وللأنثى وظائفها؛ فللأنثى البيت والحمل، والحضانة والتربية، وللذَّكَرِ القوت وجلب الرزق؟

 

ومن علَّمه بناء العش، وتسخينه، وتقليب البيض، وإذا خرج الفرخ، علِما ضِيق حوصلته عن الطعام، فنفخا فيه نفخًا متداركًا، حتى تتسع حوصلته، ثم يطعِّمانه اللُّعاب، وهو كاللبن للطفل، ثم يتدرجان معه في الطعام، فإذا قَوِيَت حوصلته، أطعماه الحَبَّ، فإذا علِما أنه أطاق اللقط، منعاه الإطعام على التدريج، فإذا تكاملت قوته وطلبهما الطعام، ضرباه؟

 

ومن علَّم العنكبوت أن تنسُج تلك الشبكة الرفيعة المحكَمة، وتجعل في أعلاها خيطًا، ثم تتعلق به، فإذا تعرقلت البعوضة في الشبكة، تدلَّت إليها، فاصطادتها؟

 

ومن هدى اليربوع أن يحفر بيته بعيدًا عن مجرى السيل، ولئلا ينسى مكانه يجعله بجانب صخرة، أو علامة يهتدي بها، وأكْثَرَ مداخله، وغطَّى بعضها بغشاء رقيق، فإذا أحس بهجوم، دفع ذلك الغشاء الرفيق، وخرج منه، من علَّمه قانون الطوارئ؟

 

ومن علَّم الديك قانون العطاء، فهو إن صادف حبة، قذف بها للدجاجة، على رغم حاجته وجوعه، بل ينادي الدجاج إن كان بعيدًا عنه، ويوزع عطاياه بكل سرور وفرح، حتى وإن لم يكن عنده دجاج، يفرق الحَبَّ ها هنا وها هنا؛ كونه مجبولًا على العطاء؟

 

ومن علَّم الكلاب التعرفَ على البيئة المحيطة، واستكشافها، ومعرفة مخارجها وأماكن الهروب منها، والتنبؤ بالزلازل، وفنون الصيد والقنص؟

 

ومن علَّم الحِرْباءَ مهارةَ التنكر والتخفِّي، وتغيير لونها وفق أي بيئة كانت فيها؛ لتحمي نفسها من الأعداء؟

 

ومن علَّم الضفدع صانع الفخار أن يصنع إناء من الطين؛ لينادي بعدها على أُنثاه لتضع البيض في أمان داخله؟

 

ومن علَّم القطط النظافةَ الشخصية وأهمية التجمل؛ حيث تقضي القطة ساعاتٍ طوالًا في تنظيف نفسها، والعناية بشعرها؟ ومَن الذي هداها لمعرفة فلسفة الجمال والقبح؛ فنراها لا تترك فضلاتها إلا وقد أهالت عليها التراب ودفنتها؟

 

ومن علَّم الجراد أن يورث لأولاده الغذاء والسلاح حيث يترك مخزونا من نبات شديد السمية بجانب بيضه ويموت فيفقس البيض ويخرج الصغار ليجدون غذاء ونباتا ساما فتاكا يدافع به عن نفسه؟

 

ومن علَّم طائر الهزار المعشِّش بجانب بيتك أن يهاجر مئات الأميال، ويقطع البحار والقارات في الخريف، لكنه في الربيع يهزه الحنين، فيعود دون أن يضل طريقه؟

 

ومن علَّم سرطان البحر أن يعوِّض بدل مِخْلَبِهِ الذي فَقَدَهُ من خلال تنشيط بعض الخلايا، فإذا عاد مخلبه، توقَّف إنتاج الخلايا؟

 

ومن علَّم أنثى الزُّنْبُور تحضير طعام محفوظ لأولادها قبل فقس البيض، فإذا فقس البيض، وجد الصغار طعامًا محفوظًا ولحمًا جاهزًا لحشرات خدَّرتها الأم ولم تقتلها، وتموت هي قبل فقس البيض قريرة العين؛ لأنها أمَّنت مستقبل أولادها؟

 

ومَن الذي هدى الدجاجة لتقليب بيضها؛ منعًا من ترسب المكونات الأولية للفرخ في الأجزاء السفلى منه، ثم هي لا تقوم بتقليب البيض في اليوم الأول، وكذا الأخير من فترة الحضانة، ولو فعلت لفَسَدَ، فمن هداها لذلك؟

 

والأعجب من هذا إذا تركنا الدجاجة وهدايتها في تقليب البيض، من الذي هدى الفَرُّوج - عند موعد فقسه - كي يكسر بيضته عند أضعف أجزائها ويخرج؟

 

ومن الذي علَّم الطيور وخاصة طيور السنونو، والخطاف، والرفراف إلى بناء أعشاش ومساكن بمواصفات بديعة متقنة، وأمان وتأمين وحرفية، وهندسة تفوق الخيال، من علمها تلك الحرفة المدهشة؟

 

وأسماك الحنكليس؛ حيث تهاجر كل عام آلاف الأميال من مختلف الأنهار لتضع بيضها وتموت، وبعد أن يفقس البيض تعود هذه الصغار قاطعةً خمسة آلاف كيلومتر؛ لتصل إلى الموطن الأصلي لأمهاتها، دون أن تضل الطريق، من هدى هذه الصغار لموطنها الأصلي، ولم تَرَهُ من قبل ألبتة؟

 

ومن هدى أسماك الدولفين إلى التنسيق والتعاون فيما بينها لإنجاح مهام الصيد والترحال، وجعل المواليد الجدد في مركز الجماعة لحمايتها، والقدرة على التخاطب، بــل وإلقاء التحية بعضها على بعض، وحين يمرض أحدها، لا تتركه وحيدًا، بل تبقى معه تواسيه حتى يموت؟

 

ومن علَّمها حل المشكلات المعقدة، بل من زودها بنظام صوتي يشبه الرادار، أو سونار الغواصات؛ حيث يتيح لها معرفة ما سيحدث، وما ستقدم عليه على بعد أميال، ومن أرشدها إلى إنقاذ الصيادين والدفاع عنهم من أسماك القرش؛ إذ هي تفهم البشر، بل من أقرب الحيوانات فهمًا للبشر؟

 

ومن علَّم السنجاب تضليل العدو؟ والبعوضة قانون الطفو؟ ومن زوَّدها بجهاز التخدير الموضعي وجهاز تحليل الدم وتمييعه قبل سحبه؟ ومن زوَّد الفيل ببرنامج تواصل على بُعْدِ المسافات؟ والجمل تخزين الماء؟

 

ومن هدى الكائنات جميعها، وألهمها خلق الرحمة والحنان، حتى تلك الحيوانات الشرسة، والأسود الضارية، والسباع والكواسر، التي تنقضُّ على فرائسها، فتلتهمها في غضون ثوانٍ معدودات، فهي مع ضراوتها تسقط أمام عاصفة الأبوة والأمومة، فَلَربما ماتت أو جاعت، وهي تدافع عن صغارها؟

 

إن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه اللائق به، ثم هدى كل مخلوق لِما يصلحه، ويصلح به عيشه، ودوامه، فقانون الخلق والهداية قانونٌ مرتبط ببعضه، متلازم لا ينفك؛ إذ هو مكوَّن من جزأين؛ جزء الخلق، ويدخل في هذا الجزء الإبداع والإتقان، وجزء الهداية، ويدخل فيه الدلالة إلى ما ينمي وينظم ويحفظ، فمن خلق هدى، ومن لا يخلق فمن المستحيل أن يهدي، ومن تأمل يجد أن السباع تُقْبِل على لون من المطعوم، يختلف عما يُقْبِل عليه غيرها؛ لوجود أنيابها، والطيور جعل الله لها مناقيرَ تلتقط الحَبَّ ونحو ذلك، والغنم جعل الله له أسنانًا ليُقْبِلَ على الزروع والعشب، والطفل يخرج من بطن أمه متجهًا إلى الثدي، فيَلْتَقِمه ويُحْكِم الإغلاق، ويسحب الهواء، فيخرج اللبن في عملية معقدة، من غير أن يُعلَّم ويُدرَّب على ذلك، ومن تأمل ونظر في جميع المخلوقات، وجد دلائلَ الهداية لها من خالقها، الذي أحسن كل شيء خلقه، بل الأعجب من هذا كله أنك لو أخذت أي حيوان صغير بعد ولادته مباشرة، وما زال أعمى لم يفتح عينيه بعدُ، ثم ربيته بعيدًا عن بني جنسه، لفعل نفس ما تفعل أمه، مع أنه لم يَرَها، فمن زرع فيه هذا النظام؟ ومن ألهمه وهداه إلى فعل أبناء جنسه؟ ولك أن تعلم أنَّ أعْقَدَ بناء هندسي على وجه الأرض يُصمَّم من دون أدوات هندسية هو خلية النحلة، فكيف يمكن لهذه الحشرة أن تُهَنْدِسَ خلاياها بهذه الطريقة العجيبة؟ ولو أخذت صغار النحل ووضعتها في مكان معزول، فإنه يبني خليته بنفس الطريقة التي يبني بها النحل خلاياه في أي مكان على وجه الأرض، ولو لم يشاهد أصلًا بناءَ مَن سلفه، فالله تبارك وتعالى علمها هذا الإبداع، وهداها إلى هذا التصميم، وزرع فيها هذا الإلهام، فسبحانه من خالق عليم، قادر حكيم، ركَّب كل مخلوق على نظام بديع محكم لا يتخلف!

 

وإزاء هذه الهداية، ماذا عسى أن يقول الملاحدة؟

إنها إما أن تكون هذه المخلوقات مهتدية بالوراثة، وهذا مستحيل، وإلا فإنَّ ولد الطبيب لا بد أن يكون طبيبًا؛ بسبب عامل الوراثة، وإما أن تكون قادرة على التفكير، وهذا مستحيل أيضًا؛ لانعدام العقل عندها، وبقِيَ احتمال واحد أخير؛ وهو أن توجد عندها قوة تلهمها إلى ما يصلحها وينميها ويحفظها، وهذه القوة هي هداية خالقها لها، وإلهامه سُبُلَ نظامها، وكيفية معايشها، وزرع نظام فيها يقودها إلى ما يجب اتخاذه في كل موقف تعيشه، وهذا النظام تعرف به احتياجها أولًا، ثم تعرف به وظائفها ثانيًا، ثم تعرف طرق التكيف في كل بيئة ومتغير ثالثًا، ثم تعرف كيفية الحفاظ على حياتها وطرق الدفاع عن نفسها رابعًا؛ وهذا هو معنى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • توحيد الربوبية
  • الأدلة النقلية والعقلية على إثبات الربوبية لله
  • معنى توحيد الربوبية
  • خطبة: توحيد الربوبية
  • الفاتحة وتوحيد الربوبية

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة سياسة الخلق بتحسين الخلق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • ترصيع الخلق بمحبة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل الرفق وحسن الخلق مع الخلق(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق)
  • خطورة الإعراض عن الاستجابة للحق والهداية (محاضرة)(محاضرة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم)
  • خطورة الإعراض عن الاستجابة للحق والهداية(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السحيم)
  • مخطوطة الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • التفكر والتأمل سبيل المعرفة والهداية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مدخل إلى الهدى والهداية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب