• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الثبات عند الابتلاء بالمعصية (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فخ استعجال النتائج
    سمر سمير
  •  
    من مائدة الحديث: خيرية المؤمن القوي
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    وفاء القرآن الكريم بقواعد الأخلاق والآداب
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    تذكير (للأحياء) مِن الأحياء بحقوق الأموات عليهم!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    الوسيلة والفضيلة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حقوق الطريق (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    حديث: حسابكما على الله، أحدكما كاذب لا سبيل لك ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حديث: «نقصان عقل المرأة ودينها» بين نصوص السنة ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تحبيب الله إلى عباده
    عبدالرحيم بن عادل الوادعي
  •  
    خطبة: المصافحة
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    دور السنة النبوية في وحدة الأمة وتماسكها (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    خطبة عن الافتراء والبهتان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    خطبة: الشهوات والملذات بين الثواب والحسرة
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    تخريج حديث عائشة: "أن رسول الله - صلى الله عليه ...
    أحمد بن محمد قرني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

وقفات مع سورة (ق)

وقفات مع سورة (ق)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 24/4/2023 ميلادي - 4/10/1444 هجري

الزيارات: 11230

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات مع سورة ق

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ، نَقِفُ الْيَوْمَ مَعَ سُورَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ سُوَرِ الْقُرْآنِ، قَالَتْ عَنْهَا أُمُّ هَاشِمٍ، رَضْيَ اللهُ عَنْهَا: مَا حَفِظْتُ ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ إِلَّا مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ"؛ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).

 

عِبَادِ اللهِ، بَدَأَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ ق ﴾ لِيُبَيِّنَ اللهُ لِلْعَرَبِ، مِنْ خِلَالِ الْحُرُوفِ الْمُتَقَطِّعَةِ أَنَّ الْقُرْآنَ يَحْمِلُ لُغَتَهُمْ، وَمِنْ حُرُوفِهِم الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ حَرْفًا، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ." وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ"؛ أَي: الْكَرِيمِ، فَكُلٌ يَأْخُذُ مِنَ الْقُرْآنِ بِقَدْرِ مَا وَهَبَهُ اللهُ وَيُنَاسِبُهُ.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ ﴾؛ حَيْثُ عَجِبَ الْكُفَّارُ مِنْ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَنْكَرُوا رِسَالَتَهُ، مَعَ أَنَّهُ مِنْهُمْ.

 

ثُمَّ جَاءَ عَجَبُهُمُ الثَّانِي: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾؛ حَيْثُ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ، بِحُجَّةِ أَنَّ أَجْسَادَهُمْ تَحَلَّلَتْ، وَصَارَتْ تُرَابًا؛ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ اللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- بِقَوْلِهِ: ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ ﴾؛ فَبَيَّنَ اللهُ –تَعَالَى- أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا تَأْكُلُهُ الْأَرْضُ مِنْ أَجْسَادِهِمْ بَعْدَ تَحَلُّلِهَا، فَهُوَ لَا يَضِيعُ فِي الْأَرْضِ، بَلْ هُوَ مَحْفُوظٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عَمِلُوهُ مَكْتُوبٌ وَمَحْفُوظٌ، فَلَابُدَّ مِنْ بَعْثٍ وَحِسَابٍ وَجَزَاءٍ عَلَى الْعَمَلِ.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ ﴾أَيْ: مُخْتَلِطٍ وَمُلْتَبِسٍ عَلَيْهِمْ؛ فَهَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَكَذَّبُوا فَوَقَعُوا فِي الْاِخْتِلَافِ، فَكُلٌ مِنْهُمْ يَدَّعِي رَأْيًا، ثُمَّ خَاطَبَهُمُ اللهُ بِقَوْلِهِ: ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾؛ فَالسَّمَاءُ مُحْكَمَةُ الْبِنَاءِ وَيَرَوْنَهَا بِأَعْيُنِهِمْ، أَلَا تَدُلُّ عَلَى وُجُودِ خَالِقٍ؟ أَلَمْ تُثِرْهُمْ زِينَةُ السَّمَاوَاتِ بِمَا فِيهَا مِنْ نُجُومٍ وَشَمْسٍ وَقَمَرٍ؟ أَلَمْ يَلْفِتْ نَظَرَهُمْ أَنَّهُ لَا يُوجُدُ فِي هَذَا الْبِنَاءِ الْعَظِيمِ الْمُعْجِزِ شُقُوقٌ وَلَا فَتَحَاتٌ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾، فَهَذِهِ الْأَرْضُ الَّتِي يعِيشُونَ عَلَيْهَا، وَهِيَ عَلَى مَدِّ الْأَبْصَارِ، لَيْسَ لَهَا طَرَفٌ، لِأَنَّ اللهَ مَدَّهَا وَسَطَحَها، فَكُلُّ فِرَاشٍ لَهُ طَرَفٌ إِلَّا الْأَرْضَ.

 

مَنْ ذَا الَّذِي بَسَطَ الْبَسِيطَةَ لِلْوَرَى
فَرْشًا وَتَوَّجَهَا بِسَقْفِ سَمَائِهِ؟

وَهَذِهِ الْأَرْضُ الْمَغْمُورَةُ بِالْمِيَاهِ، قَدْ ثُبِّتَتْ بِالْجِبَالِ الْعَظِيمَةِ الرَّاسِيَاتِ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَضْطَرِبَ، وَاللهُ أَنْبَتَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ﴿ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾؛ فَمِنْ كُلِّ شَكْلٍ خَلَقَ هَذِهِ النَّبَاتَاتِ الْبَهِيجَةَ، حَسَنَةَ الْمَنْظَرِ، حَيْثُ تُبْهِجُ النُّفُوسَ؛ لِاخْتِلَافِ أَلْوَانِهَا، وَطِيبِ رَائِحَتِهَا.

 

تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الأَرْضِ وَانْظُرْ
إِلَى آثَارِ مَا صَنَعَ الْمَلِيكُ

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ ﴾؛ فَكُلُّ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ يُنِيرُ الْبَصَائِرَ، وَتَتَفَتَّحُ لَهُ الْقُلُوبُ، وَيَنْتَفِعُ بِهِ كُلُّ عَبْدٍ مُنِيبٍ إِلَى رَبّهِ، رَاجِعٍ إِلَيْهِ.

 

﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾؛ حيث أَنْزَلَهُ اللهُ لِيُغَذِّي الْأَشْجَارَ، وَيَمْلَأَ الْآبَارَ، وَيَشْرَبَ مِنْهُ النَّاسُ وَدَوابُّهُمْ، وَيُنْبِتَ الْحُبُوبَ الَّتِي تَحْصُدُونَهَا كَحُبُوبِ الْبُرِّ وَالذُّرَةِ وَالْأَرُزِّ وَغَيْرِهَا.

 

﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ ﴾ طوِيلَاتٍ ثِمَارُهَا مُتَرَاكِبٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، ﴿ رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾؛ فَهَذِهِ الْأَمْطَارُ الْمُنْهَمِرَةُ مِنَ السَّمَاءِ كَانَتْ سَبَبًا لِأَنْ يُرْزَقَ النَّاسُ، وَأَنْ تَحْيَا الْأَرْضُ الْهَامِدَةُ الْمَيِّتَةُ. فَالَّذِي أَحْيَا الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْأَجْسَامِ بَعْدَ مَوْتِهَا.

 

سُبْحَانَ مُحْيي الأَرْضِ بَعْدَ مَمَاتهَا
وَكَذَاكَ يُحْيِي الْخْلْقَ يَوْمَ الْمَحْشَرِ

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ ﴾ فَأَوَّلُ الرُّسُلِ نُوحٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- كُذِّبَ، وَأَصْحَابُ الرَّسِّ الَّذِينَ كَانُوا أَصْحَابَ آبَارٍ، كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ، فَأَلْقَوْهُ فِي الْبِئْرِ.

 

وَقَوْمُ ثَمُودَ كَذَّبُوا نَبِيَّ اللهِ صَالِحًا، -عَلَيْهِ السَّلَامُ- ﴿ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ﴾ وَكَذَلِكَ كَذَّبَ قَوْمُ عَادٍ، نَبِيَّهُمْ هُودًا -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ مَعَهُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَكَذَّبَ قَوْمُ لُوطٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِرِسَالَتِهِ، وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ- بِلَاُدُ مَدْيَنَ الَّتِي بِالْقُرْبِ مِنْ تَبْوكٍ- كَذَّبُوا نَبِيَّ اللهِ شُعَيْبًا، -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، وَقَوْمُ تُبَّعٍ فِي الْيَمَنِ، كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ جَمِيعًا.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيد ﴾، وَهَذَا مِنْ عَجِيبِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ؛ فَهَؤُلَاءِ كَذَّبُوا نَبِيهُمْ وَرُسُولَهُمْ فَقَطْ، وَلَكِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ مَنْ كَذَّبَ بِرَسُولٍ وَاحِدٍ فَقَدْ كَذَّبَ بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ؛ لِأَنَّ رِسَالَةَ الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدَةٌ فَوَقَعَ عَلَيْهِمُ الْهَلَاكُ، الَّذِي تَوَعَّدَ اللهُ بِهِ كُلَّ مَنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ.

 

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَفَعِيينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ﴾ أَيْ: هَل أَعْجَزَتْنَا نَشْأَتُكُمُ الْأُولَى حَتَّى تُكَذِّبُوا بِالْبَعْثِ؟! فَمَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ مِنْ لَا شَيْءَ؛ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ مِنْ شَيْءٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ خِلَالِ نَظَرِ الْعُقُولِ، فَالْبَعْثُ أَهْوَنُ مِنَ النَّشْأَة الْأُولَىِ.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾، فَأَهْلُ الشِّرْكِ فِي شَكٍّ مِنَ الْبَعْثِ. فَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَةُ الْخَلْقِ بَعْدَ مَوْتِهِمْ خَلْقًا جَدِيدًا.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾، إِنَّ الْقَلْبَ وَاللهِ لَيَرْتَجِفُ وَيَضْطَرِبُ مِنْ عِظَمِ هَذِهِ الْآيَةِ؛ فَنَفْسُ الإِنْسَانِ عِنْدَ اللهِ مَكْشُوفَةٌ لَا يَحْجِبُهَا سِتْرٌ، وَكُلُّ مَا فِيهَا مِنْ وَسَاوُسَ خَافِيَةٍ عَنِ النَّاسِ؛ فَهِيَ عِنْدَ اللهِ مَعْلُومَةٌ. فَحَرَكَاتُهُ وَأَقْوَالُهُ، وَأَحَادِيثُ نَفْسِهِ، كُلُّهَا تَحْتَ رِقَابَةِ الوَاحِدِ الأَحَدِ.

 

﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ فَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُ تَعَالَى أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِهِ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ، وَقُرْبِ مَلَائِكَتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْعِرْقِ الْكَبِيرِ الَّذِي فِي رَقَبَتِهِ. ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾ فَهُنَاكَ مَلَكٌ عَنْ يَمِينِ الإِنْسَانِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ، وَمَلَكٌ عَنْ شِمَالِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ، فَمَا يَتَكَلَّمُ بِكَلِمَةٍ، وَمَا يَصْدُرُ منه مِنْ فِعْلٍ؛ إِلَّا وَيُبَادِرُ الْمَلَكَانِ بِتَسْجِيلِهَا: لَهُ أَوْ عَلَيْهِ. فَالْمَلَكُ مُرَاقِبٌ لأَعْمَالِكَ، وَحَافِظٌ لَهَا، وَمُعَدٌّ لِكِتَابَةِ أَفْعَالِكَ وَمُسْتَعِدٌّ للشَّهَادَةِ عَلَيْكَ.

 

ثَمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾، فَالْمَوْتُ بِمَا فِيهِ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ مُلاَقِيَنَا لا مَحَالَةَ، لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَفِرَّ مِنْهُ، وَلهُ سَكْرَةٌ؛ شَعَرَ النَّبِيُّ، -صَلَّى اللهِ عَلَيه وَسَلَّمَ-، بِهَا فَقَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ إِنَّ لِلْمَوْتِ لِسكرَاتٍ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)؛ فَشُعُورُ غَيْرِهِ بِهَا مِنْ بَابِ أَوْلَى. فَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحِيدَ عَنْهُ، أَوْ نهْرُبَ وَنَرُوغَ مِنْهُ حَيْثُ جَاءَ مَا لَا يُردُّهُ دُعَاءٌ، وَلَا دَوَاءٌ.

 

وَقَدْ أَتَوْا بِطَبِيبٍ كَي يُعُالٍجَنَي
وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هَذَا الْيَوْمَ يَنْفَعُنِي

ثَمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّوَرِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾، فَيَوْمُ وُقُوعِ الْوَعِيدِ؛ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ – عَلَيهِ السَّلَامُ نَفْخَةً عَظِيمَةً يَقُومُ مِنْ هَوْلِهَا النَّاسُ مِنْ قُبُورِهِمْ. ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ يَا لِهَوْلِ الْمَوْقِفِ! سَتُسَاقُ كُلُّ نَفْسٌ لِلْمُحَاكَمَةِ، وَمَعَهَا مَنْ يَسُوقُهَا إِلَى الْمَحْشَرِ، وَمَنْ يَشْهِدُ عَلَيْهَا.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ ﴾ فَلَقَدْ كُنَتْ أَيُّهَا الْجَاحِدُ لِلْبَعْثِ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا الْمَشْهَدِ؛ فَالْيَوْمَ اِنْكَشَفَ عَنْكَ الْغِطَاءُ، وَأَرَيْنَاكَ مَا كَانَ مَسْتُورًا عَنْكَ، ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ حَيْثُ أُعْطِيتَ قُوَّةً فِي الِإبْصَارِ؛ لِتَرَى مَا أَمَامَكَ وَحَوْلَكَ مِنَ الأَهْوَالِ، وَتَنْظُرَ إِلَى الْمِيزَانِ؛ الذي تُوزَنُ به حَسَنَاتُكَ وَسَيِّئَاتُكَ بِنَظَرٍ حَادٍّ.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾، فَمَعَكَ أَيُّهَا الْمَخْلُوقُ قَرِينٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يُبَيِّنُ أَنَّ مَعَهُ سِجِلٌّ قد كَتَبَ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ فَعَلْتَهُ، وَهُوَ مَعَهُ الآنَ مُعَدٌّ وَمُثْبَتٌ، وَهُوَ مُسْتَعِدٌّ للشَّهَادَةِ عَلَيْكَ. وَبَعْدَ ظُهُورِ هَذَا السِّجِلِّ يَصْدُرُ الأَمْرُ النَّافِذُ مِنَ الْقَوِيِّ الْجَبَّارِ: ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾ فَيُلْقَى فِي النَّارِ كُلُّ كَثِيرِ الْكُفْرِ بِاللهِ، كَمَنْ يَكْفُرُ بِالرُّسُلِ وَبِالْنِّعَمِ وَبِالْبَعْثِ، وَمُعَانِدٍ لِأَمْرِ اللهِ وَرَسُلِهِ، وَيَمْنَعُ الزَّكاَةَ، وَيَمْنَعُ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِي الإِسْلَامِ، بإِثَارَةِ الشُّبَهِ، أَوْ بِقُوَّةِ سُلْطَانِهِ وَمَالِهِ، وَمَنَ يَعْتَدِي عَلَى أَعْرَاضِ النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، فَلَا يَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّهُ شَاكٌّ فِي الْحَقِّ. ﴿ الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ ﴾ حَيْثُ جَعَلَ مَعَ اللهِ شُركاءَ وَأَنْدَادًا يَعْبُدُهُمْ مِنْ دُونِهِ؛ فَيُلْقَى كُلُّ مَنْ اِتَّصَفُ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، سَواءً بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا أَمْ جَمِيعِهَا، فِي الْعَذَابِ الَّذِي وَصَفَّهُ اللهُ بِالشِّدةِ.

 

ثُمَّ نَقِفُ مَعَ عَجَائِبِ الْقُرْآنِ: ﴿ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ فالْقَرِينُ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ الْمَلَكُ، أَمَّا الْقَرِينُ فِي هَذِهِ الآيَةِ فَهُوَ الشَّيْطَانُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِإنْسَانَ بَدَأَ يُلْقِي التُّهَمَ وَمُبَرِّرَاتِ ضَلَالِهِ عَلَى الشَّيْطَانِ، لِيُبَرِّئَ نَفْسَهُ؛ فَيُبَادِرُ قَرِينُهُ مِنَ الشَّيَاطِينِ إِلَى إِبْعَادِ التُّهَمِ عَنْ نَفْسِهِ، فَيُعْلِنُ بَراءَتَهُ مِنْ طُغْيَانِ هَذَا الرَّجُلِ، وَيُبَيِّنُ بِأَنَّ هَذَا الإِنسانَ أَصْلًا ضَالٌّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْمَسْؤُولُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِ.

 

ثُمَّ يَصْدُرُ الأَمْرُ الإِلَهِيُّ: ﴿ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴾، فَالْخُصُومَةُ بَيْنَ الإنسانِ وَشَيْطَانِهِ لَا فَائِدَةَ مِنْهَا الآنَ، فَكُلُّ شَيْءٍ مُسَجِّلٌ، وَلَا يُظْلَمُ أَحَدٌ؛ لِأَنَّهُمْ بَيْنَ يَدِيِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ.

 

﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾، حَيْثُ قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُقَالُ لِجَهَنَّمَ: هَلِ امْتَلَأْتِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، فَيَضَعُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدَمَهُ عَلَيْهَا، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ "، أَيْ: كَفَانِي كَفَانِي. (رَوَاهُ البُخارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وَهُنَا يَنْتَهِي مَشْهَدُ الْحِسَابِ الْمُفْزِعِ الشَّدِيدِ. ثُمَّ تَنْقِلُنَا هَذِهِ السَّوْرَةُ الْعَظِيمَةُ لِمَشْهَدِ آخَرَ مِنْ مُشَاهِدِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، تَشْتَاقُ لَهُ الْأَنْفُسُ؛ حَيْثُ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ فَهِيَ غَيْرُ بَعِيدَةٍ عَنِ الْمُتَّقِينَ، فَهُمْ يَرَوْنَهَا، وَيَسْتَمْتِعُونَ بِقُرْبِ دُخُولِهِمْ إِيَّاهَا، وَهَذَا الْوَعْدُ آتٍ بِلَا شَكٍّ.

 

ثُمَّ قَال تَعَالَى: ﴿ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ ﴾ فَيَنَالُ الجنة كُلُّ رَجَّاعٍ إِلَى الْحَقِّ تَائِبٍ مِنْ الذَّنْبِ، حَافِظٍ لِحُدُودِ اللهِ فَلَا يَقَعُ فِيهَا، وَحَافِظٍ لِذُنُوبِهِ لِيَتُوبَ مِنْهَا ﴿ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ ﴾ وَالْخَوْفُ مِنَ اللهِ بِالْغَيْبِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَهْلِ الإِيمَانِ. ﴿ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ﴾، فَيَنَالُ الْجَنَّةَ كُلُّ رَاجِعٍ إِلَى طَاعَةِ اللهِ، بَعِيدٍ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

 

ثُمَّ جَاءَ الأَمْرُ الإِلَهِيُّ تَكْرِيمًا لَلمُؤْمِنِينَ ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ حَيْثُ سَلِمُوا مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَمِنْ الْغُمُومِ وَالآفَاتِ، وَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ الْخُلُودِ؛ حَتَّى يَطْمَئِنَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنَّ هَذَا النَّعِيمَ لَنْ يَزُولَ أَبَدًا.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا ﴾ فَلَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا رَبَّهُمْ حَتَّى تَنْتَهِيَ مَسَائِلُهُمْ، وَلَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَزِيدُ، وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا؛ فَهُوَ أَعْظَمُ نَعِيمٍ فِي الْجَنَّةِ. أَعْطَانَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ ذَلِكَ النَّعِيمَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاِسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًَا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمَا كَثِيرَا.

 

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

عباد الله، ثُمَّ جَاءَ الْمَشْهَدُ الأَخِيرُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ﴾، حَيْثُ تَوَعَّدَ اللهُ الكُّفَّارَ بَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِهْلَاكِهِمْ كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ مِمَّنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَبَطْشًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ نَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ بِكَثْرَةِ الْأَسْفَارِ وَالتِّجَارَةِ؛ فَمَا مَنَعَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ لَا كَثْرَةُ الْمَالِ، وَلَا قُوَّةُ الْحُصُونِ.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ فَفِي مَصَارِعِ الْغَابِرِينَ ذَكْرَى وَتَذْكِرَةٌ لَا يَتَّعِظُ بِهَا إِلَّا أَصْحَابُ الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ، الْمُسْتَمِعِين لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِحُضُورِ قُلُوبِهِمْ.

 

ثُم قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى سُهُولَةِ الْخَلْقِ وَالإِنْشَاءِ عَلَى اللهِ، وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِحْيَاءَ الْمَوْتَى أَمْرٌ هَيِّنٌ بِالْقِيَاسِ عَلَى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلَائِقِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْيَسِيرِ؛ فَمَا أَصَابَنَا ﴿ مِنْ لُغُوبٍ ﴾ أَيْ: تَعَبٍ أَوْ إِعْيَاءٍ.

 

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ فَلَا تَتَأَثَّرْ بِمَا يَقُولُونَ لَكَ؛ فَإِنًّ مَا قَالُوهُ قَدْ قِيلَ بِحَقِّ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ﴾، ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ﴾ فَأَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَنْ يُكْثِرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُحَافِظَ عَلَى صَلَاتَيِّ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ؛ لأَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَيْهِمَا؛ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى بَقِيَّةِ الْفُرُوضِ أَيْسَرُ. كَذَلِكَ أَمَرَهُ اللهُ بِالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِهِ فِي هَذَينِ الْوَقْتَينِ، وَبِالْمُحَافَظَةِ عَلَى أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَعَلَى الأَذْكَارِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ﴾.

 

ثُمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ ﴾ وَاسْتَمِعْ لِصَيْحَةِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ مَوْضِعٍ قَرٍيبٍ مِنَ الْمَحْشَرِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ ﴾ أَيْ: نُمِيتُ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ نُحْيِي لِلْبَعْثِ، وَإِلَيْنَا الْمَآلُ وَالْمَرْجِعُ؛ فَلَا أَحَدَ يَهْرُبُ أَوْ يَتَخَلَّفُ عَنْ أَمْرِنَا. ثمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ فَإِذَا جَاءَ الْبَعْثُ تَشَقَّقَتْ قُبُورِهِمْ وَخَرَجُوا مِنْهَا؛ فَالْحَشْرُ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ مَعَ كَثْرَةِ النَّاسِ.

 

ثمَّ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ للنَّبِّيِ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بِأَنَّ اللهَ يَعْلَمُ بِتَكْذِيبِهِمْ لَهُ، وَبِأَنَّهُ، -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَيْسَ عَلَيْهِم ْبِجَبَّارٍ بِحَيْثُ يجْبِرُهُمْ عَلَى الْإِسْلاَمِ؛ وَإِنَّمَا بُعِثَ إِلَيْهِمْ مُذَكِّرًا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ وَإِنَّمَا عَلَيْكَ أَنْ تُذَكِّرَهُمْ بِالْقُرْآنِ الَّذِي يُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ المُؤْمِنَةِ؛ الَّتِي لَا تَحْتَاجُ لجَبَّارٍ يُجْبِرُهَا عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ فِيهَا مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ مَا لَا يَمْلِكُهُ الجْبَابِرَةُ وَسِيَاطُهُمْ، وَلِمَ لَا وَهُوَ أَعْظَمُ الذِّكْرِ؟! فَإِذَا كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ وَعِيدِ اللهِ فَسَيَرْتَدِعُونَ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَنْفَعُ مَنْ فِي قَلْبِهِ خَوْفٌ مِنَ اللهِ، وَيُؤَثِّرُ فِيهِ.

 

عِبَادَ اَللَّهِ؛ اِتَّقُوا اَللَّهَ حَقَّ اَلتَّقْوَى، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اَلْمَسْؤُولِيَّةَ اَلْمُلْقَاةُ عَلَى عَوَاتِقِنَا عَظِيمَة، مَسْؤُولِيَّة حِمَايَةِ أَبْنَائِنَا، وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا مِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْفِكْرِيَّةِ وَالْعَقَدِيَّةِ، وَمِنَ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلْأَخْلَاقِيَّةِ، فَعَلَى كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَقُومَ بِمَا أَمَرَهُ اَللَّهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ، بِحِمَايَةِ هَذِهِ اَلنَّاشِئَةِ مِنْ جَمِيعِ اَلِانْحِرَافَاتِ اَلَّتِي تُؤَثِّرُ عَلَى أُمُورِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. أَوْ تَضُرُّ بِبِلَادِهِمْ، جَعَلَهُمْ رَبِّي قُرَّةَ أَعْيُنٍ لَنَا.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا،اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا،

اللَّهُمَّ إِنِّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ

اللَّهُمَّ امْدُدْ عَلَيْنَا سِتْرَكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا النِّيَّةَ وَالذُرِّيَّةَ وَالْأَزْوَاجَ وَالْأَوْلَادَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع سورة التكوير(1)
  • وقفات مع سورة التكوير (2)
  • وقفات مع سورة ق (خطبة)
  • الانضباط .. وقفات مع سورة النور
  • وقفات مع سورة القصص
  • وقفات مع سورة العصر: في رحاب سورة العصر (1) (خطبة)
  • وقفات مع سورة النمل
  • وقفات مع سورة البروج

مختارات من الشبكة

  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: وقفات مع اسم الله العدل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع الذكاء الاصطناعي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات ودروس من سورة آل عمران (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: وقفات مع سورة ق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع سورة ق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مهمة لتعظيم الله جل جلاله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (10)(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (9)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع القرآن: وقفة مع آية (8)(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية
  • بدأ تطوير مسجد الكاف كامبونج ملايو في سنغافورة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/2/1447هـ - الساعة: 13:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب