• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المرأة في القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (11)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الإنصاف من صفات الكرام ذوي الذمم والهمم
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الأسوة الحسنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    أحكام المغالبات
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    تفسير: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: الاستطابة
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    ثمرات الإيمان بالقدر
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    العشر وصلت... مستعد للتغيير؟
    محمد أبو عطية
  •  
    قصة موسى وملك الموت (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشاكر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (12)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    تلك الوسائل!
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    حقوق المسنين (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تعوذوا بالله من أربع (خطبة)
    عبدالله بن عبده نعمان العواضي
  •  
    حكم المبيت بالمخيمات بعد طواف الوداع
    د. محمد بن علي اليحيى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / سيرة
علامة باركود

خاتم النبيين (37)

خاتم النبيين (37)
الشيخ خالد بن علي الجريش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/2/2023 ميلادي - 27/7/1444 هجري

الزيارات: 2597

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خاتم النبيين (37)


بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأُصلِّي وأسلِّم على المبعوث رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبه والتابعين، وبعد:

فمرحبًا بكم أيُّها الكِرام، في برنامجكم خاتم النبيين، أيها الكِرام كان حديثنا في الحلقة الماضية عن غزوة مؤتة في تاريخها وسببها، وأيضًا كيف تجهَّز المسلمون لها، وأيضًا تحدَّثْنا عن قوَّادِها الثلاثة، وعن عدد كل من المسلمين والكُفَّار، وأيضًا تطرَّقْنا إلى شجاعة القوَّاد الثلاثة رضي الله عنهم، ثم أتبعنا ذلك بشجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه بعدهم، وكيف كانت نتيجة تلك الغزوة، مع ذكرنا للدروس والعِبَر منها، وفي حلقتنا لهذا الأسبوع نتطرَّق لعددٍ من السرايا التي حدثت في هذه السنة الثامنة، فمن ذلك سرية ذات السلاسل، والسلاسل هو موقع ماء بأرض يُسمَّى السلاسل، فسُمِّيت السرية به، وقد وقعت في شهر جُمادَى الأولى من السنة الثامنة من الهجرة، وكان سببها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جموعًا من العرب قد أجمعوا رأيَهم أنْ يُغيرُوا على المدينة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص، وكان حديثَ عَهْدٍ بإسلام؛ إذ إنه أسلم قبل أربعة أشهر، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عمرو، اشدد عليك سلاحَك ثم ائتني))، قال عمرو فأتيته وهو يتوضَّأ، فنظر إليَّ وقال: ((يا عمرو، إني أريد أنْ أبعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك، وأزعب لك من المال زعبةً صالحةً))؛ أي: أمدُّك بالمال، فقال عمرو رضي الله عنه: يا رسول الله، ما أسلمت رغبة في المال؛ ولكن في الجهاد معك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجُلِ الصالِحِ))؛ أخرجه أحمد بإسناد صحيح.


ثم عقد لواءه وبعثه في ثلاثمائة رجل ومعهم ثلاثون فرسًا، فخرج بهم عمرو رضي الله عنه يسير بالليل، ويكمن في النهار، فلمَّا قرب من القوم بلَغَه أن عددَهم كبيرٌ وكثيرٌ، فبعث رافع بن مكيث الجهني رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمدُّه بمدَدٍ من الرجال، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجرَّاح في مئتين من الصحابة، فيهم: أبو بكر، وعمر رضي الله عنه، وعن الجميع، وأمره أن يلحق بعمرو، وأن يجتمعا ولا يختلفا، فلحق أبو عبيدة رضي الله عنه ومَنْ مَعَه، فلمَّا وصلوا إليهم حصل خلافٌ يسيرٌ بين عمرو وأبي عبيدة، فتذكَّر أبو عبيدة كلامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فانقاد لعمرو، فسار الجيش حتى وطئ أرض العدوِّ، فترامَوا بالنَّبْل فترةً، ثُمَّ حمل عليهم المسلمون، فهرب الأعداء وتفرَّقُوا في البلاد، وأمر عمرو ألَّا يُوقِدَ نارًا في الجيش، وكذلك لقوا العدوَّ من الغد فهزموهم، فأراد بعض الجيش أن يتبعوهم حتى يثخنوا فيهم، فنهاهم عمرو عن ذلك، ثم قفلوا راجعين إلى المدينة، فناموا في ليلتهم فاحتلم عمرو في ليلة باردةٍ شديدةِ البرودةِ، فخرج إلى أصحابه وأخبرهم بذلك، فغَسَل فَرْجَه وتوضَّأ وضوءه للصلاة، وفي رواية أنه تيمَّم، وفي رواية أخرى أنه توضَّأ وتيمَّم عن الباقي من الغسل، ثم صلَّى بهم، فلمَّا وصلوا المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ذكروا تلك الثلاثة كلها، وهي عدم إيقاد النيران مع شدة البرد، وعدم اتباع العدو، وكذلك صلاته بهم وهو جُنُب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال عمرو رضي الله عنه: خشيت إن أوقدوا نارًا أن يرى العدوُّ قِلَّتَهم، ونهيتهم عن اتباع العدوِّ خشيةَ أن يعطف العدوُّ عليهم من ورائهم، وأمَّا عدم غسلي، فخشيت أن أهلك وتذكَّرْتُ قولَ الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، فضحك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأقرَّه ولم يقل شيئًا، ومن السرايا أيضًا سرية عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عنه إلى الغابة، وكان سببها أنَّ رجلًا من بني جشم، يُقال له: رفاعة ابن قيس، قد نزل في جَمْع عظيم من قومه في الغابة، يريد حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي، وكان عبدالله قد طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يُعينه على مَهْرِ زوجتِه، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: ((كم أصدقتها?))، فقال: أصدقتُها مئتي درهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كنتم تغرفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم، ما عندي ما أعطيك))، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله ورجلين معه من المسلمين، فخرجوا إليهم هؤلاء الثلاثة، فتمكَّن عبدالله رضي الله عنه من قتل رفاعة ابن قيس، فلما قتل رئيسهم؛ هربوا وتفرَّقُوا وضعفوا فسَبَوا منهم نساءً، وأخذوا منهم إبلًا وغنمًا كثيرة، وجاؤوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد تلك السرايا والأحداث في تلك السنة الثامنة جاء الفتح العظيم المبين، وهو فتح مكة، وهو الفتح الذي أعَزَّ الله تعالى به دينَه ورسولَه وحزبه المؤمنين، ودخل الناس في دين الله تعالى أفواجًا، وقد طَهَّر الله تعالى بهذا الفتح بيتَه من أدران المشركين؛ حيث يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 1 - 3]، وقال الله تعالى: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [الحديد: 10].


إن هذا الفتح هو كما سمَّاه الله تعالى فتحًا، فقد كان سببًا كبيرًا للتفريج عن المسلمين، وانتشار الإسلام، وكبت الكافرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا هِجْرةَ بعد الفتح؛ ولكن جهاد ونيَّة، وإذا استنفرتم فانفروا))؛ رواه البخاري ومسلم.


ومعنى الحديث: لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها كانت بعد الفتح دار إسلام.


وفي هذا الحديث دليلٌ على أن مكة ستبقى إلى قيام الساعة دار إسلام، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم.


إن فتح مكة حدثٌ عظيمٌ وجسيمٌ وكبيرٌ، وتغيَّرت الأحوالُ بسبب هذا الفتح، فأعزَّ الله عباده وجنده؛ ولكن تبقى بعض الأسئلة عن هذا الفتح؛ في سببه، وكيف كان التعامل مع هذا السبب? وما هو موقف قريش من هذا الفتح? وما هي الأحداث الإيجابية للمسلمين التي صاحبت هذا الحدث? وكيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش? وما هي نتائج هذا الفتح المبين؟ وما مقدمات هذا الفتح؟


إن الإجابة عن تلك الأسئلة هو ما سنعرفه بإذن الله تعالى في خلال الحلقة القادمة بإذن الله عز وجل، ونختم حلقتنا هذه ببعض الدروس والعِبَر مما تم ذكره، فمن ذلك ما يلي:

الدرس الأول: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قد أسلم في شهر صفر، ثم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم قائدًا في شهر جُمادى الأولى، فكان بينهما قرابة أربعة أشهر، فتأمَّل حسن استجابة عمرو لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وهو حديث عهد، وهكذا شأن المؤمن إذا عرَف الحقَّ، فإنه يملأ قلبه منه، ويحمد الله تعالى أنْ هَداهُ إليه، ولا يكون مُتذبذِبًا ولا مُتأرجِحًا؛ وإنما تراه في ازدياد من الخير، فيا أخي الكريم، إذا وفَّقَك الله تعالى وهداك إلى حسن بعد سوء، وهدًى بعد ضلالة، فاثبت ولا تتزعزع، واحرص على ما يقوِّيك على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرسل عَمْرًا قائدًا لتلك السريَّة إلا وقد رأى كفاءته وصلابة دينه وتمسُّكه؛ فحريٌّ بنا جميعًا أن نكون كذلك؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [مريم: 12]، وذلك بخلاف من يعرف الهدى بعد الضلال ويهديه الله تعالى إلى سواء الصراط، ثم يبقى مُتمسِّكًا ببعض واقعه السابق السلبي من رفقة أو صحبة سيئة وأفعال وأقوال يزعم المشقة بالتخلي عنها ونحو ذلك؛ بل عليه أن يستثمر تلك الفرصة العظيمة وهي الهداية، فهكذا كان عمرو بن العاص رضي الله عنه يزداد إيمانه يومًا بعد يوم حتى أقرَّه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يقود عددًا من الصحابة فيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عن الجميع.


الدرس الثاني: في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو: ((نِعْمَ المالُ الصالحُ للرجل الصالح))، في هذا درس عظيم في معرفة فقه المال الصالح والمراد به.


إن كلمة "نِعْمَ" هي كلمة مدح، وإن الممدوح في الحديث هو المال الصالح الطيب النقي، ويقتضي هذا ذمَّ المال السيئ الذي يكتسبه المرء من طرق غير مشروعة، وإن هذا المال الصالح هو ممدوح للرجل الصالح الذي ينفقه في الخير، وذلك بخلاف الرجل السوء الذي قد يكتسب مالًا صالحًا ثم ينفقه في سوء، فإن هذا الحديث أوضح المدخل والمخرج للمال بحيث يكونان صالحينِ، فإنه ممدوح، أمَّا إذا تخلَّف أحد الوصفين فإنه لا يستحقُّ المدح والثناء؛ فقد يكون المال صالحًا ومصروفًا في سوء؛ فهذا مذموم، وقد يكون المال سيئًا ومصروفًا في صلاح؛ فهذا مذموم؛ ولكن الممدوح الكامل هو المال الصالح في المصرف الصالح، فهذا المال بهذا الوصف سينجو صاحبُه عندما يسأل عن مالِه من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنْفَقَه? فتأمَّل أخي الكريم أموالك في مورِدِها ومصرفها، فإنه لا يرد عليك شيء أو يصدر منك شيء إلا وأنت مسؤول عنه، فقبل أن تستلم ما يرد عليك أو تصرف ما يصدر منك تأمَّل المورد والمصدر، وكونه موافقًا لأمر الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، أمَّا السعي الحثيث اللاهث وراء المتشابهات موردًا ومصدرًا، فإنَّ صاحبَه على خطرٍ عظيمٍ، فتأمَّل قبل أن يفوت الأوان فلا تستلم شيئًا أو تصرف شيئًا من تلك الأموال إلا وعندك حُجَّة لك تكون وقايةً أمامَ الله تعالى، فإنَّ المال السوء عليك غُرْمُه، ولغيرك غُنْمه، وليس الحلال ما حلَّ في الجيب واليد؛ وإنما هو ما وافَقَ الكتاب والسُّنَّة.


الدرس الثالث: في غزوة ذات السلاسل عندما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة ومن معه مددًا لجيش عمرو، أمره أن يجتمعا ولا يختلفا؛ إن الاختلاف والخلاف ممَّا يُضيِّع الجهود ويُمزِّق الكلمة، ولا يربح من ورائه أحد؛ ولذلك يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: الخلافُ شَرٌّ، فإذا تنازع اثنانِ في أمرٍ ما فليتأمَّل كُلٌّ منهما رأي صاحبه، فقد يكون أرشد من رأيه، وليكن طرحُه لرأيِه أيضًا بهدوء، فقد يكون خاطئًا من حيث لا يشعُر؛ لأنه ليس معصومًا، وليكن شِعارُه رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأيُ غيري خطأ يحتمل الصواب.


والمشكلة تكمن في أن بعض الناس في خلافاتهم لا يتأمَّلون إلا آراءهم، ولا يتأمَّلون جليًّا بوضوح في آراء الآخرين، ويعتبرون آراءهم صوابًا لا تحتمل الخطأ وآراء غيرهم خطأ لا تحتمل الصواب، وهذا خلل في التفكير، ثم إنَّ التنازل من أحدهما للآخر إذا لم يكن ثمة مضرَّة ظاهرة هو حسم للخلاف كما تنازل أبو عبيدة رضي الله عنه لرأي عمرو رضي الله عنه؛ بل قال أبو بكر رضي الله عنه: اتبعوا عَمْرًا؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسلمه الراية إلا وهو أعلم به منكم، فعلينا بتقليل دائرة الخلاف والاختلاف ما أمكن، وتوسيع دائرة الاتفاق ما أمكن، سواء على مستوى الأسرة أو الزملاء أو الوظيفة أو غيرها، وليَكُنْ النقاش هادئًا ومتَّزنًا ومرِنًا مع احترام صاحب الرأي، فإذا كنا كذلك ربح الجميع، وإن كنا لسنا كذلك فقد يخسر الجميع.


الدرس الرابع: في هذه الغزوة أقرَّ النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص بأنه لم يغتسل من الجنابة في تلك الليلة الباردة؛ حيث لو فعل ذلك لتضرَّر، وهذا من رحمةِ الله بعباده؛ ولكن على من احتلم في ليلة شاتية وباردة فإن وجد شيئًا يستره عن البرد وماءً دافئًا فليغتسل بالماء، فإنَّ هذا هو الواجب، وليحرص عليه، أمَّا إن لم يجد ذلك ويلحقه ضررٌ في غسله، فليتيمَّم، وليكن حكيمًا في تدبير أموره، ولا يستعجل في التيمُّم ما دام الغسل ممكنًا ومحتملًا؛ حيث خفة البرودة وتدفئة الماء والسعي في طلبه هذا أمر واجب.


وهذا إذا كان في البراري والفلوات، أما من كان في البيوت والاستراحات ونحوها فإن الأمور مُهيَّأةٌ بحمد الله، فليحرص عليها، وليغتسل كما أمره الله عز وجل، ولا يعدل إلى التيمُّم.


الدرس الخامس: في قصة عبدالله بن حدرد أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم كثرة المهر، وفي هذا دَرْسٌ عظيمٌ للأُمَّة بأن يعلموا أنَّ أعظمَ النساء بركةً أيسرُهُنَّ مؤونةً، فيا معاشر الآباء والأزواج، لا تجعلوا كثرة المهور مانعًا لشبابنا ورجالنا من الزواج.


وهذه الزوجة ليست سلعةً تُباع وتُشترى حتى يُغالى في مهرها؛ وإنما ذلك المهر هو لتكاليف الزواج، فلتكن تكاليفُه بحكمةٍ واقتداء، وانبذوا الإسراف في المقتنيات والمأكولات والملبوسات، فكم من شابٍّ عجز عن كثرة المهور فأضلَّه الشيطان! وكم من عانسٍ مكثت وقتًا طويلًا بسبب المهر وكثرته! فيا ترى مَن يعلق الجرس في تقليل المهور? وتفعيل ذلك ليكون ذلك صدقةً جاريةً له، إن ممَّن يبتدئ بذلك هم الخطباء في منابرهم والإعلاميُّون في إذاعاتهم، والآباء في مجالسهم ومع أهلهم وذويهم، وأيضًا الجمعيات الأسرية في وسائل تواصُلهم، وأيضًا كذلك الكُتَّاب بأقلامهم وصحفهم، ولنكن بذلك عمليين وواقعيين حتى نُكوِّن مجتمعًا أُسَريًّا ناجحًا مُباركًا صالحًا ومُصْلِحًا.


الدرس السادس: اتَّضَح في تلك السريَّة حنكة عمرو وحكمته رضي الله عنه؛ حيث كان مشهورًا بذلك قبل إسلامه، فقد نهاهم عن إيقاد النار مع أن الليلة باردة حتى لا يعلم عدوُّهم قِلَّتَهم، ونهاهم عن اتِّباع عدوِّهم حتى لا ينعطف عليهم العدوُّ، فيكون خدعةً على المسلمين، وثمة درس آخر وهو استجابة هؤلاء الصحابة الكِرام الأجلَّاء رضي الله عنهم لأميرهم مع حاجتهم لما أرادوا؛ ولكن أمر الأمير فوق حاجتهم الشخصية، ويدركون أنهم لو عملوا ما أرادوا لتنازعوا، وهكذا يجب أن يكون المسلم في سلمه وحربه وفي سفره وإقامته تحت أمر أميره ونهيه ما دام أمرُه ونهيُه تبعًا لأمر الله تعالى ورسوله، وإن من الحكمة عند الأصحاب التنازُل عن الأمور الشخصية لتحقيق المصالح العامة، وهكذا إذا سافرت رفقة فجعلوا عليهم أميرًا فإنهم إن أطاعوه أمنوا الخلاف والاختلاف في سفرهم هذا، وحسنت أمورهم، ففي تلك الغزوة ظهرت بعض قدرات عمرو الحربية وحكمته وحنكته رضي الله عنه.


الدرس السابع: أنَّ الله عز وجل حافظ دينه وعباده وذلك من خلال تيسير الله تعالى لهذا الفتح المبين لفتح مكة؛ حيث إن الله عز وجل أراد ذلك السبب فحصل، فلمَّا أراد حصول هذا السبب المذكور أتبعه بهذا الفتح المبين والذي سنتعرض له بإذن الله تعالى في حلقتنا القادمة.


ما أجمل أيها الكرام أن يكون للإنسان وقفات مع هذه السيرة النبوية! يعرف أحكامها وحكمتها، ويعرف خطى النبي صلى الله عليه وسلم، ويعرف كيف كان تعامُله مع أصحابه، ويقيس عليها حالته مع أهله وأصحابه وجيرانه ومجتمعه، ويكسب بذلك علمًا غزيرًا وعملًا صالحًا بإذن الله تبارك وتعالى، سواء في المعاملات أو في الأخلاق أو في العبادات أو في غيرها مما يحتاجه من تعامل مع هذا المجتمع.


إن قراءتنا في السيرة ومناقشتنا فيها، وأن نعمر مجالسنا عليها، إن هذا عمل جميل وجليل، وينبغي لنا الحرص عليه سواء في رحلاتنا أو في سفرنا أو في مكثنا في بيوتنا أو في اجتماعاتنا أو ما إلى ذلك؛ لأن حياتنا إنما هي مقتضبة ومختصرة، فعلينا أن نملأها من هذا الخير العظيم الذي في سيرة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم حتى تصحَّ أعمالنا، وتسلم صدورنا، وتتنقَّى قلوبُنا، ونكون بإذن الله تعالى على خطى هؤلاء الأصحاب الأفذاذ الأجِلَّاء رضي الله عنهم.


أسأل الله تبارك وتعالى لنا جميعًا الهُدى والسَّداد والتُّقَى والرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبيِّنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • خاتم النبيين (32) أحداث السنة السابعة من الهجرة
  • خاتم النبيين (33)
  • خاتم النبيين (34) أحداث وقعت بعد غزوة خيبر
  • خاتم النبيين (35) أحداث السنة الثامنة من الهجرة
  • خاتم النبيين (36) أحداث غزوة مؤتة
  • خاتم النبيين (38)
  • خاتم النبيين (39)
  • خاتم النبيين (40)
  • خاتم النبيين (41)
  • خاتم النبيين (42) أحداث السنة التاسعة من الهجرة
  • خاتم النبيين (45) شيء من هديه عليه الصلاة والسلام

مختارات من الشبكة

  • خاتم النبيين (31): كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بكونه خاتم النبيين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين (2)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • مقتطفات من سيرة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وإمام المرسلين (1)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خاتم النبيين (لا نبي بين محمد وعيسى عليهما الصلاة والسلام)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ...)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم لأصول الدين لشيخ الإسلام ابن تيمية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خاتم النبيين (44)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (43) حجة الوداع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وسلم(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/11/1446هـ - الساعة: 21:31
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب