• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    موقف الشيعة من آيات الثناء على السابقين الأولين ...
    الدكتور سعد بن فلاح بن عبدالعزيز
  •  
    الحج: أسرار وثمرات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل بعض أذكار الصباح والمساء
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    المال الحرام
    د. خالد النجار
  •  
    نصائح متنوعة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    قصة موسى عليه السلام (خطبة)
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    مفهوم المعجزة وأنواعها
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (8)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الشافي، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    موانع الخشوع في الصلاة
    السيد مراد سلامة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (11)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    شموع (107)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المنة ببلوع عشر ذي الحجة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    أهمية التعلم وفضل طلب العلم
    د. حسام العيسوي سنيد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

وتواصوا بالحق: في رحاب سورة العصر (5) (خطبة)

وتواصوا بالحق: في رحاب سورة العصر (5) خطبة
وضاح سيف الجبزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/11/2022 ميلادي - 22/4/1444 هجري

الزيارات: 15655

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في رحاب سورة العصر(5)

وتواصوا بالحق

 

الحَمدُ لِلَّهِ لا شَرِيكَ لَهُ
مَن لَم يَقُلها فَنَفسَهُ ظَلَما
المُولِجِ الليلَ في النهارِ وفي الل
يلِ نَهارًا يُفرِّجُ الظُّلَما
الخافِضِ الرافِعِ السَّماءَ عَلى ال
أَرضِ وَلَم يَبنِ تَحتَها دِعَما
الخالِقِ البارِئِ المُصَوِّرِ في ال
أَرحامِ ماءً حَتَّى يَصِيرَ دَما

 

وَأَشهدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، أَحَاط بِكُل شيءٍ عِلمًا، وَوَسِع كُلَّ شيءٍ رَحمةً وَحِلمًا، لا تُدركهُ الأبصار، وُكُلُّ شيءٍ عندهُ بِمقدَار.

 

الشَّمْسُ وَالْبَدْرُ مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ
وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ فَيْضٌ مِنْ عَطَايَاهُ
الطَّيْرُ سَبَّحَهُ وَالْوَحْشُ مَجَّدَهُ
وَالْمَوْجُ كَبَّرَهُ وَالْحُوتُ نَاجَاهُ
وَالنَّمْلُ تَحْتَ الصُّخُورِ الصُّمِّ قَدَّسَهُ
وَالنَّحْلُ يَهْتِفُ حَمْدًا فِي خَلايَاهُ
وَالنَّاسُ يَعْصُونَهُ جَهْرًا فَيَسْتُرُهُمْ
وَالْعَبْدُ يَنْسَى وَرَبِّي لَيْسَ يَنْسَاهُ


وَنشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه، بَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَمَحَجَّةً لِلسَّالِكِينَ، وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ؛ فَأَشْرَقَتْ بِرِسَالَتِهِ الْأَرْضُ بَعْدَ ظُلُمَاتِهَا، وَتَأَلَّفَتْ بِه الْقُلُوبُ بَعْدَ شَتَاتِهَا.

 

نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَةٍ
منَ الرُّسْلِ والأوثانُ في الأرضِ تُعْبَدُ
فَأمْسَى سِرَاجًا مُسْتَنيرًا وَهَادِيًا
يَلُوحُ كما لاحَ الصَّقِيلُ المُهَنَّدُ
وأنذرَنا نارًا، وبشَّرَ جنَّةً
وعلَّمنا الإسلامَ فاللهَ نَحْمَدُ

 

عباد الله، ومع الدرس الرابع من دروس سورة العصر، وكيفية النجاة من الخسران المبين.

 

أيها المسلمون، أقسم سبحانه في هذه السورة بالعصرِ أنَّ كلَّ أحدٍ في خُسْرٍ ﴿ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [العصر: 3] عرفوا الحق وصدَّقوا به، ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [العصر: 3] عَمِلوا بما عَلِموه من الحق، ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر: 3] وصَّى به بعضُهم بعضًا تعليمًا وإرشادًا، ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3] صبروا على الحق، ووصَّى بعضُهم بعضًا بالصبر عليه والثباتِ حتى الممات.

 

عباد الله، إن الإيمان والعمل الصالح هما أصلا النجاة، وإنما جاء ذكر التواصي بالحق والتواصي بالصبر بعدهما من باب ذكر الخاص بعد العام؛ لإبراز كمال الاعتناء بهما، ولأن التواصي بهما من أفضل الأعمال الصالحة.

 

﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر: 3] والمراد بالتواصي بالحق -كما قال الإمام الطبري-: أوصى بعضهم بعضًا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه، واجتناب ما نهى عنه فيه[1].

 

والحقُّ أيها المسلمون: هو الثابت، والله عز وجل هو الحق، ووعده حق، كما جاء في حديث استفتاح صلاة الليل، وفيه: ((وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ))[2].

 

فالله هو الحق، وهو المعبود بحق، وكل معبود دونه باطل، وهو الذي يُحِقُّ الحقَّ بكلماته، ويحكم بين خلقه بالحق، ويُوجِدُ الأشياء بالحق بحسب مقتضَى حكمتِه جلَّ شأنُه، وهو سبحانه خلق العالم العلوي والسفلي بسبب الحق، ولأجل الحق، وضمَّنه الحق، فبالحق كان، وللحق كان، وعلى الحق اشتمل، والحق هو: توحيده وعبادته وحده لا شريك له، ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ﴾ [الرعد: 14].

 

والحقُّ نقيضُ الباطل ويضادُّه، كما قال تعالى: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]، وقال: ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 8].

 

فالحقُّ لا يمكن أن يجتمع مع الباطل، والحقُّ مثل الضوء إذا ظهر ذهب الظلام، فالحقُّ يزيل الباطل ويطاردُه في مشارب أودية الطغاة، وعلى قمم تلال الاستبداد، يقول الله تعالى: ﴿ وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ [الإسراء: 81]، وقال: ﴿ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الشورى: 24]، وقال: ﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ ﴾ [الرعد: 17].

 

والحق أصلٌ وأساسٌ تعود إليه هذه الدنيا، ويوم بدأت الدنيا بدأت بالحق، وتنتهي أيضًا إلى الحق، وبعد الدنيا يتجلى الحقُّ في أوضح وأظهر صُوَرِه، يوم ينزل الله تعالى لفصل القضاء بين عباده، وتوضع الموازينُ القسطُ ليوم القيامة: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].

 

أيها المسلمون، لو تجرَّدت العقول من الهوى، ولو رُفِع عنها حُجُب التقليد العمياء، لرأت الحق أبلج البرهان، ولشهدت الهدى عُلويَّ البيان، يقول أمير المؤمنين عُمَر رضي الله عنه: الْحَقُّ أَبْلَجُ لَا يَخْفَى عَلَى فَطِنٍ[3].

 

قد جاء شاهدُ قومِها من أهلها
الحقُّ أبْلجُ شامخُ البُنيان

والشمس الساطعةُ لا تُحجَبُ بالأكُف، وقيل: من ركِب الحقَّ غلب الخلقَ[4]، وقيل: جولة الباطل ساعة، وجولة الحق إلى قيام الساعة[5].

 

الحقُّ أبلج أهل الفضلِ تعرفُهُ
وليس يُقذَفُ إلا يانعُ الثَّمَرِ
الحقُّ أبلجُ والكتابُ مؤيَّدٌ
وليغْلِبنَّ مُغَلِّبُ الغلَّابِ
فإن الحقَّ أبْلَجُ ليس يخفى
طَلاوته على الذهن السليم

 

أيها الناس، لمَّا ذُكِر التواصي بالحق في سورة العصر بصيغة الجمع دلَّ على أهمية الاجتماع للدعوة إلى هذا الحق، والأمرِ به، والذبِّ عنه، ولزومُ الحقِّ عملًا وعِلْمًا ودعوةً وتعليمًا من الأمور الشاقة التي تحتاج إلى التواصي والتعاون، وذلك لِما يعترضُ طريقَ الحق من العقبات والمرارات والتحدِّيات.

 

والتواصي بالحق ضرورة؛ فالنهوض بالحق عسير، والمعوقات عن الحق كثيرة: هوى النفس، ومنطق المصلحة، وتصوُّرات البيئة، وطغيان الطغاة، وظلم الظلمة، وجور الجائرين.. والتواصي تذكيرٌ وتشجيعٌ، وإشعارٌ بالقُرْبى في الهدف والغاية، والأُخوةِ في العبءِ والأمانة؛ فهو مضاعفة لمجموع الاتجاهاتِ الفردية؛ إذْ تتفاعل معًا فتتضاعف بإحساس كلِّ حارس للحق أنَّ معه غيرَه يُوصيه ويُشجِّعُه ويقفُ معه، ويحبه ولا يخذله.

 

والعقبات التي تصرف الناس عن الحق كثيرة؛ لذا لزم من أراد لنفسه النجاة: أن يتواصى مع إخوانه على لزوم الحق والتحذير مما يصد عنه من العقبات والصوارف، ومن أخطر هذه الصوارف؛ الشبهاتُ المتمثلة في التضليل ولبس الحق بالباطل، والشهواتُ المتمثلةُ في الهوى والركونِ إلى الدنيا؛ ولذا نجدُ أنَّ الإمام عليَّ بنَ أبي طالبٍ رضي اللهُ عنه كان يشتدُّ خوفُهُ من اثنين: طولِ الأمل، واتباعِ الهوى، قال: فأمَّا طولُ الأملِ فيُنسِي الآخرة، وأمَّا اتباعُ الهوى فيصدُّ عن الحق[6].

 

ويضربُ ابنُ القيمِ مثلًا للحقِّ والعقباتِ من حولِهِ فيقول: مَثَلُ الحق مَثلُ طريقٍ مستقيم واسعٍ، وعلى جنبيه قُطَّاعٌ ولصوص، وعندهم خواطئ قد ألبسُوهنَّ الحُليَّ والحُلَل، وزينوهن للناظرين، فيمر الرجل بالطريق فيتعرضنْ له، فإن التفتَ إليهنَّ طمِعْن في حديثه فألقين إليه الكلام، فإن راجعهُن وأجابهُن دَعِينَه إلى الذبح، فإذا دخل عرِين الموت صار في قبضتهن أسيرًا أو قتيلًا، فكيف يُحارِبُ قومًا مَن هو أسيرٌ في قبضتهم، قتيلُ سلاحِهِم؟! بل يصير هذا عونًا من أعوانهم، قاطعًا من قُطَّاع الطريق، ولا يعرفُ حقيقةَ هذا المثلِ إلَّا مَنْ عَرَف الطريقَ المستقيمَ وقُطَّاعَ الطريق ومكرَهُم وحِيَلَهُم.

 

وقد نصب سبحانه الجسرَ الذي يمرُّ الناس مِن فوقِه إلى الجنة، ونصب بجانبيه كلاليبَ تخطَف الناس بأعمالهم، فهكذا كلاليبُ الباطلِ؛ من تشبيهات الضلال، وشهواتِ الغيِّ تمنع صاحبَها من الاستقامة على طريق الحق وسلوكِه، والمعصومُ من عصمَه الله[7].

 

عباد الله، ويتأكَّد التواصي بالحق في وقتٍ نرى فيه حقوق الله تُنتهَك، وحدوده تتجاوز، وأوامره تضيع، ويطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم قصصًا وروايات ونَظْمًا ونثرًا، وتوسعت فيه مليشيا الإلحاد، وانتشرت فيه كتائب الردة، وأطلت برأسها قوافل التطاول على الثوابت والمسلَّمات.

 

مَلأ الشعوبَ جُناتُها وعُصاتُها
مِن مُلحدٍ عاتٍ ومِن مغرورِ
فإذا السَّحاب جرى سَقاهم غيثَه
واختصَّنا بصواعق التدميرِ
قد هبَّتِ الأصنامُ مِن بعد البِلى
واستيقظت مِن قبْل نفخ الصُّورِ
والكعبةُ العليا توارى أهلُها
فكأنهمْ مَوتى لغير نُشورِ
وقوافلُ الصحراء ضلَّ حُداتها
وغدتْ منازلها ظلالَ قبورِ
أنا ما حسدتُ الكافرين وقدْ غَدَوْا
في أنعُمٍ ومواكبٍ وقصورِ
بلْ محنتي ألا أرى في أُمَّتي
عَملًا تُقدِّمهُ صَداقَ الحُورِ

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم وأستغفر الله، فاستغفروه ثم توبوا إليه، إنه هو الغفور التواب الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله بنى السماء فأحكم ما بنى، أحمده سبحانه وأشكره أجزل العطاء لمن كان محسِنًا، وغفر الذنب لمن أساء وجنى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مسرًّا ومعلنًا، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، دعا إلى الله فما ضعف وما ونى، صلـى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أهل العز والسنا، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

عباد الله، وبدون التواصي يا عباد الله فإن النفوس غالبًا ما تضعف أمام شبهات الباطل وشهواته، وإذا كثر الباطل على النفوس واعتادت سماعه ورؤيته ولم يوجد التواصي بالحق ورد الباطل؛ فإن ذلك يكسبها تحريفًا للحق وحبًّا للباطل، فإذا جاء الحق بعد ذلك ردته أو كذبت به إن قدرت على ذلك، وإلَّا حرفته ولبسته بالباطل.

 

وقد كان حبيبنا صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ قَائِلًا: ((اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ))[8].

 

قال الإمام الرازي - في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾ [العصر: 3] -: دلت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه؛ فلذلك قرن به التواصي[9].

 

ونظرًا لِثِقَلِ الحقِّ فقد كان السلف يتواصون به، وينبِّهون على ثِقَلِه، فقد جاء في وصيةِ أبي بكر لعمر رضي الله عنهما: وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمْ فِي الدُّنْيَا الْحَقَّ وَثِقَلُهُ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ لا يُوضَعُ فِيهِ إِلَّا الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا؛ وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ وَخِفَّتِهُ عَلَيْهِمْ، وحُقَّ لِمِيزَانٍ لا يُوضَعُ فِيهِ إِلَّا الْبَاطِلُ أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا[10].

 

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ))[11].

 

أيها المسلمون، ألا وإن أسعد الناس بالحق هم الذين عَلِمُوا الحق وعرَفوه، وانقادُوا له وعَمِلوا به، ودعوا إليه، وهم ﴿ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ﴾ [النساء: 69]، فاللهم اجعلنا منهم يا رب.

 

ومضة الختام:

ما زال قيسٌ والغرامُ كعهدِهِ
وربوعُ ليلى في ربيعِ جمالِها
وهضابُ نجدٍ في مراعِيها المَها
وظباؤها الخفِراتُ مِلءُ جبالها
والعشقُ فيَّاضٌ وأُمةُ أحمدٍ
يتحفَّزُ التَّاريخُ لاستقبالِها
لو حاولت فوق السماء مكانةً
رفَّت على شمس الضُّحى بهلالِها
ما بالها تلقى الجدودَ عواثرًا
وتصدُّها الأيامُ عن آمالِها!


اللهم أرِنا الحقَّ حقًّا وارْزُقنا اتِّباعه، وأرِنا الباطِلَ باطلًا وارْزُقنا اجتنابه، ولا تلبسه علينا فنضل، وثبتنا على الحق حتى نلقاك به، اللهم جنِّبْنا الفِتَن، ما ظهر منها وما بطن، واسلك بنا سبيل النجاة يا رب العالمين، اللهم أذقنا رحمتك، وخصنا بعفْوِك، وواصلنا برحمة من عندك، وآتنا من لدنك رحمةً، إنك أنت الوهَّاب.



[1] تفسير الطبري (24/ 590).

[2] رواه البخاري في صحيحه، من حديث ابن عباس، باب التهجد بالليل (2/ 48)، ورواه مسلم، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/ 532).

[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية (20/ 44).

[4] سحر البلاغة وسر البراعة (ص201).

[5] المحاضرات في اللغة والأدب (ص130).

[6] فضائل الصحابة لأحمد (1/ 530).

[7] الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية (4/ 1256).

[8] رواه مسلم في صحيحه، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (1/ 534).

[9] تفسير الرازي (32/ 282).

[10] الزهد لابن المبارك (1/ 319).

[11] رواه أحمد في المسند (18/ 54)، وأبو يعلى في مسنده (2/ 536)، والطبراني في المعجم الأوسط (3/ 162).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع سورة العصر: في رحاب سورة العصر (1) (خطبة)
  • في رحاب سورة الإسراء
  • الخسران المبين: في رحاب سورة العصر (2) (خطبة)
  • في رحاب سورة الشورى
  • النجاة من الخسران المبين بالإيمان والعمل: في رحاب سورة العصر (3) (خطبة)
  • وتواصوا بالصبر: في رحاب سورة العصر (4) (خطبة)
  • في رحاب سورة (والليل)
  • تدبر سورة العصر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وتواصوا بالصبر (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • التبيان في بيان حقوق القرآن (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كلمات مضيئات (6)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإخلاص في الذكر عند قيام الليل والأذان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (2) الملك(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شموع (84)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهجرة بين مراد الشيطان وقدر الرحمن(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 27/11/1446هـ - الساعة: 15:13
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب