• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتنة الابتلاء بالرخاء
    أ. د. فؤاد محمد موسى
  •  
    الحج ويوم عرفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

حكم العذر بالجهل

حكم العذر بالجهل
د. محمد بن علي بن جميل المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/10/2022 ميلادي - 3/4/1444 هجري

الزيارات: 32565

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حكم العذر بالجهل


ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري، أصعب مسائل العقيدة وأعمقها، وأكثرها خلافًا بين أهل السنة هي مسألة العذر بالجهل، فهي مسألة دقيقة ندَّتْ فيها أفهام، وزلَّتْ فيها أقدام، وكثُر فيها الاضطراب، وصارت محنةً وفتنةً على بعض الطلاب، وهي مسألة كبيرة شائكة، وآثارها كثيرة خطيرة، وعلى الخائض فيها أن يسأل الله الهداية، وأن يوسِّع صدره في النظر في خلاف العلماء وأدلتهم، وأن يعلم أن الحكم على الناس أولًا وآخرًا هو لله سبحانه، فهو الحَكَم، وله الحُكم، وإليه يُرجع الحُكم، ﴿ وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [القصص: 70].

 

والأصل ألَّا يحكم المسلم على من ظاهره الإسلام بالكفر والشرك لوقوعه في بعض صور الشرك الأكبر لجهله أو تأويله، وأن يجتهد في تعليمه ودعوته ونصحه، وأن يعامله معاملة المسلم بحسب ظاهر حاله، فإنه يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسولُ الله، ويصلي ويصوم، ويدعو الله ويرجوه ويخافه؛ لكن مع ذلك لا يعلم أن ما وقع فيه من الشرك الأكبر الذي يناقض دينه الذي يعتزُّ به، وقد يضطرُّ المسلم للحكم على بعض مَن وقع في الشرك الأكبر، كأن يكون قاضيًا أو مفتيًا رُفِعت إليه مسألةٌ يجب عليه النظر فيها؛ ليعلم صحة إسلام مَن وقع في الشرك الأكبر من الأعيان، فلا بأس بالتكلم في ذلك عند الضرورة والحاجة بقدرها، فتكفير الأعيان حكم شرعي قضائي، يترتب عليه أحكام شرعية أخرى غليظة، من الحكم بالردة، والتفريق بين الأزواج، وإقامة الحد، وعدم التوارث بين الأقارب لاختلاف الدين، فهو أعظم الأحكام خطرًا، فيحرم الخوض في تكفير الأعيان لكل أحد؛ بل يتولاه أهل الاختصاص من أهل العلم والقضاة، وقد يحتاجون أحيانًا إلى الاجتماع والتشاور في أمر إصدار الحكم بكُفْر المعين أو عدم كفره، وبهذا يُعلم أن الإكثار من الخوض في مسائل التكفير والإعذار من غير حاجة ولا ضرورة من فضول العلم، وعلى الطالب أن يعتني بما هو أهم من هذه المسألة الخطيرة، فيحرص على طلب العلم النافع، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والله يحكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون.

 

وقبل الخوض في أدلة المسألة أؤكد على أن أعظم ما أمر الله به هو التوحيد، وأعظم ما نهى عنه هو الشرك، والعلماء الذين يعذرون من وقع من المسلمين في الشرك جهلًا أو تأويلًا لا يُهوِّنون من أمر الشرك، ولا يرون أن الكفر لا يكون إلا بالجحود والتكذيب كما هو قول المرجئة؛ بل يرون أن الكفر قد يكون بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشك وبالترك، كمن ترك الصلاة بالكلية، وكمن أعرض عن العمل بدين الله وعن تحكيم شريعته، فمثل هؤلاء لا يُعذرون، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ ﴾ [الأحقاف: 3].

 

فالخلاف في مسألة الإعذار إنما هو في مسلم غير معرض عن دين الله؛ بل هو يُعظِّم الله وكتابه ورسوله، ويصلي ويصوم ويُزكِّي ويتصدَّق، ويرجو رحمة الله، ويخاف عذابه؛ ولكنه وقع في شرك قولي أو فعلي وهو لا يعلم أنه شرك، كأن يدعو غير الله سبحانه أو يذبح لغير الله تعالى، فهل هذا المسلم الجاهل يُعذر بجهله ولا يُحكم بكفره أو أنه لا يُعذر بجهله ويُحكم عليه بالكفر بمجرد وقوعه في هذا الكفر القولي أو الفعلي؟!

 

فهذه هي المسألة التي اختلف فيها أهل العلم، مع اتفاقهم بأن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شركٌ أكبرُ، وأن الذبح لغير الله شرك أكبر؛ لأن الدعاء والذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله سبحانه، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18]، وقال سبحانه: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

 

ولا بُدَّ في هذه المسألة من التفريق بين الألفاظ العامة والحكم الخاص، ففرق بين مقام التكفير العام لكل من وقع في هذا الشرك وبين مقام تنزيل هذا الحكم على شخص معين، فيوجد فرق بين الحكم العام على النوع، والحكم الخاص على المعين، فعلماء أهل السنة يقولون: من استغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك؛ لكن العلماء يختلفون في شخص معين جاهل يدعو رسول الله أو يدعو بعض الأموات من الأولياء والصالحين فيقول: يا رسول الله، أو يا وليُّ احفظني أو ارزقني أو اشفني أو اقضِ حاجتي، فبعض العلماء المحققين لا يُكفِّرونه بعينه؛ بل يرونه مسلمًا ضالًّا، ويعذرونه بجهله إذا لم يكن مُفرِّطًا في تعلُّم دينه، فإن من موانع تكفير الشخص المعين: الجهل والخطأ والإكراه والنسيان، ومن أشهر العلماء الذين يرون إعذار المسلم الجاهل بالتوحيد: ابن تيمية وابن القيم والسعدي والمعلمي وابن عثيمين.


قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (35/ 165): "المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع يقال: هي كفر، قولًا يطلق كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن الإيمان من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله، ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم، ولا يجب أن يُحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر حتى يثبت في حقه شروط التكفير وتنتفي موانعه".

 

وقال ابن تيمية أيضًا في كتابه بغية المرتاد (ص: 353): "ثبوت التكفير في حق الشخص المعين موقوف على قيام الحجة التي يكفر تاركها، وإن أطلق القول بتكفير من يقول ذلك، فهو مثل إطلاق القول بنصوص الوعيد مع أن ثبوت حكم الوعيد في حق الشخص المعين موقوف على ثبوت شروطه وانتفاء موانعه".

 

وبعض علماء أهل السنة لا يعذرون الجاهل بالتوحيد، ككثير من أئمة الدعوة النجدية وعلماء اللجنة الدائمة؛ وذلك لأن وجوب إفراد الله بالعبادة، وحرمة الشرك الأكبر مسألة ظاهرة لا تُخفى، فالتوحيد هو أصل الإسلام، وقد أوضحه الله في كتابه أعظم الإيضاح، وأمر بعبادته وحده، والدعاء هو أصل العبادة، فلا يعذرون من استغاث بغير الله مطلقًا، سواء كان عالمًا أو جاهلًا، وإن نشأ في بادية بعيدة، ولم يخطر بباله أن هذا شرك أكبر، وبعض من أخذ بهذا القول يعذر الجاهل بالتوحيد إن كان بعيدًا في بادية ليس فيها علماء وطلاب علم ودعاة يبينون للناس أن هذا من الشرك الأكبر، المنافي للتوحيد الذي هو أعظم ما أمر الله به عباده.

 

وقد وردت أدلة كثيرة من القرآن والسنة يدل ظاهرها على صحة العذر بالجهل، منها:

﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، وقد استجاب الله هذا الدعاء للمؤمنين، كما جاء في الحديث الصحيح: ((أن الله قال: قد فعلت))، والنسيان هو الذهول عن الشيء، والخطأ هو مخالفة الصواب من غير قصد المخالفة، فهو يشمل من أخطأ جهلًا أو متأولًا، وقد جاء في الحديث المشهور: ((إنَّ اللهَ وضَعَ عن أُمَّتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرِهوا عليه))، فلا يأثم من أخطأ جهلًا أو متأولًا، سواء كان خطؤه في التوحيد أو غيره، قال الله سبحانه: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 5]، قال ابن تيمية: "قال الله تعالى: (قد فعلت)، ولم يفرق بين الخطأ القطعي في مسألة قطعية أو ظنية، والظني ما لا يجزم بأنه خطأ إلا إذا كان أخطأ قطعًا، فمن قال: إن المخطئ في مسألة قطعية أو ظنية يأثم فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع القديم"؛ انتهى من مجموع الفتاوى (19/ 210) بتصرُّف يسير.

 

ويدل على الإعذار بالجهل قول الله سبحانه عن قوم موسى: ﴿ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، فقد توهَّم بنو إسرائيل جواز عبادة غير الله، ولم يحققوا لجهلهم معنى لا إله إلا الله، ومع ذلك لم يُكفِّرهم موسى عليه الصلاة والسلام، وإنما نهاهم عن الشرك، وعلَّمهم التوحيد.

 

وقد روى الترمذي وصححه عن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى حُنين مرَّ بشجرة للمشركين يُقال لها: ذات أنواط، يُعلِّقون عليها أسلحتهم، فقالوا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبحانَ الله! هذا كما قال قوم موسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾، والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم))، ولم يُكفِّر النبي صلى الله عليه وسلم من طلب ذلك من أصحابه الذين كانوا حديثي عهد بالجاهلية، ولا يعلمون أن اعتقاد النفع في شجرة شرك أكبر، وإنما أنكر عليهم طلبهم التبرُّك بتلك الشجرة، وعلَّمَهم التوحيد، ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنة.

 

ويدل على الإعذار بالجهل قول الله تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، فهذه الآية تدل على أن الله سبحانه لا يُعذِّب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه، وأن الجهل بالشرع عذر عند الله سبحانه، فالتكاليف الشرعية لا تلزم العبد إلا بعد علمه بها، أو تمكُّنه من معرفتها، فإن أمكنه معرفتها فأعرض عنها فإنه مؤاخذ مذموم، ويعاقبه الله على تفريطه.


فمن استغاث بغير الله سبحانه، وظن أن هذه الاستغاثة ليست شركًا، فلا يحكم عليه بالشرك لجهله، وقد سُئل ابن تيمية عن حكم الذين يستغيثون بأصحاب القبور عند الشدائد، ويتضرعون إليهم، فقال: "هذا ضال جاهل مشرك عاصٍ لله باتفاق المسلمين، فإنهم متفقون على أن الميت لا يُدعى ولا يُطلب منه شيء، سواء كان نبيًّا أو شيخًا أو غير ذلك... وإما إذا كان جاهلًا لم يبلغه العلم، ولم يعرف حقيقة الشرك الذي قاتل عليه النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، فإنه لا يُحكَم بكفره، ولا سيَّما وقد كثر هذا الشرك في المنتسبين إلى الإسلام، ومن اعتقد مثل هذا قربة وطاعة فإنه ضال باتفاق المسلمين، وهو بعد قيام الحجة كافر، والواجب على المسلمين عمومًا وعلى ولاة الأمور خصوصًا النهي عن هذه الأمور، والزجر عنها بكل طريق، وعقوبة من لم ينته عن ذلك العقوبة الشرعية، والله أعلم"؛ انتهى من كتاب جامع المسائل، المجموعة الثالثة (ص: 146، 151).

 

وقال ابن تيمية في كتابه الاستغاثة (ص: 412): "فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن يدعو أحدًا من الأموات، لا الأنبياء ولا الصالحين ولا غيرهم، لا بلفظ الاستغاثة ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت ولا إلى [غير] ميت ونحو ذلك؛ بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وأن ذلك من الشرك الذي حرَّمَه الله ورسوله؛ لكن لغلبة الجهل وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين لم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول مما يخالفه".

 

وقال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (11/ 407): "كثيرٌ من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثيرٌ من علوم النبوَّات حتى لا يبقى مَن يُبلِّغ ما بعث اللهُ به رسولَه من الكتاب والحِكمة، فلا يعلم كثيرًا مما يبعث اللهُ به رسولَه، ولا يكون هناك مَن يُبلِّغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر؛ ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئًا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة؛ فإنه لا يُحكَم بكفره حتى يُعرَّف ما جاء به الرسول".

 

وينبغي التنبيه على أن المسائل الظاهرة والخفية أمر نسبي، تختلف باختلاف الأشخاص والأماكن والأزمنة، قال ابن عثيمين كما في لقاء الباب المفتوح (48/ 16، بترقيم المكتبة الشاملة آليًّا): "تجب إقامة الحجة قبل التكفير، وذلك في كل المسائل التي يمكن أن يجهلها الناس، فلا نقسم المسائل إلى مسائل ظاهرة ومسائل خفية؛ لأن الظهور والخفاء أمر نسبي، قد تكون المسألة ظاهرةً عندي وخفيةً عند غيري، فلا بُدَّ إذًا من إقامة الحجة وعدم التسرُّع في التكفير؛ لأن إخراج رجل من مِلَّة الإسلام ليس بالأمر الهيِّن، وهناك موانع تمنع من تكفير الشخص وإن قال أو فعل ما هو كفر".

 

وقال ابن عثيمين كما في مجموع فتاواه ورسائله (2/ 131): "شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفِّر، ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام، ولا نبَّهَه أحدٌ على ذلك؛ فهذا تجري عليه أحكام الإسلام ظاهرًا، أما في الآخرة فأمرُه إلى الله".

 

هذا، وتوجد مسائل ظاهرة لا يمكن أن تخفى على أحد كائنًا مَنْ كان؛ كسَبِّ الله ورسوله، والاستهزاء بشريعة الله سبحانه، وإهانة المصحف، فمن تعمَّد ذلك بلا إكراهٍ فهو كافرٌ ولو كان أجهل الجاهلين؛ لأن هذا كفر بذاته، ولا يُنظَر فيه إلى الجهل من عدمه، ومن ذلك من كان كافرًا من اليهود أو النصارى أو المجوس أو المشركين أو الملاحدة، وسمِعَ بالإسلام، ففرَّط في البحث والسؤال عن دين الله سبحانه، وأعرض عن سماع كتابه ومعرفة ترجمته، وقلَّد علماء ديانته أو كبراء قومه؛ فهذا لا يُعذَر بجهله، كما بيَّن الله ذلك في كتابه في آيات كثيرة؛ كقوله سبحانه: ﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [الملك: 10، 11]، ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ﴾ [الأحزاب: 67، 68].

 

وهذه الآيات استدل بعمومها العلماء الذين لا يعذرون المسلم الجاهل بالتوحيد، والمخالفون لهم يقولون: العبرة في إعذار المسلم الواقع في بعض صور الشرك هو عدم تفريطه في تعلُّم دينه، فإن فرَّط في تعلُّم دينه، فهو غير معذور بجهله، ويدخل في عموم هذه الآيات كغيره، وإن لم يُقصِّر في تعلُّم دينه ولم يُفرِّط فيه ولم يقع منه إعراض عن العلم فهو معذور عند الله سبحانه، سواء كان عدم تقصيره راجعًا إلى عجزه عن التعلُّم أو غفلته أو سهوه.

 

والعجز عن التعلُّم نوعان: عجز حقيقي، كمن ينشأ في بادية بعيدة، وعجز حكمي، كمن نشأ في مدينة أهلها يُعظِّمون قبور الصالحين، ويُفتيهم شيوخهم بأن دعاء أولئك الصالحين مشروع، وأنه لا يُنافي التوحيد.


وقد يظن بعض العلماء أنَّ شخصًا معينًا معذورٌ بجهله؛ لعدم تفريطه في تعلُّم دينه، ويكون في حقيقة الأمر مفرطًا، قد قامت الحجة عليه وإن كان عالمًا متأولًا أو جاهلًا مقلدًا، ويكون غير معذور عند الله سبحانه، فالأمر خطير، والله المستعان.

 

مسألة: الحجة تقوم على الإنسان بشرطين:

1- فهم الحجة، بمعنى: إدراك معنى الخطاب الشرعي، ومعرفة دلالته على الحكم، وتحقق فهم الخطاب يختلف باختلاف الناس، فمنهم من يكفيه بلوغ النص؛ كالعرب في زمن البعثة، فقد كانوا يفهمون معنى كلام الله سبحانه، حتى وإن لم ينتفعوا به، فقد صاروا كالعُمْي الصُّمِّ، وختم الله على قلوبهم، فلم ينتفعوا بأسماعهم وأبصارهم وعقولهم، ومن الناس من لا يكفيه بلوغ النصِّ، كأن يكون أعجميًّا لا يعرف اللغة العربية، فلا بُدَّ من ترجمته له، أو يكون عاميًّا لا يعرف تفسير الآية، فلا بُدَّ من تفسيرها له حتى يفهم المقصود من الآية.

 

قال ابن تيمية في الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح (1/ 221، 222): "المراد أنه يسمعه سمعًا يتمكَّن معه من فهم معناه؛ إذ المقصود لا يقوم بمجرد سمع لفظ لا يتمكن معه من فهم المعنى، فلو كان غير عربي وجب أن يُترجم له ما يقوم به عليه الحجة، ولو كان عربيًّا- وفي القرآن ألفاظ غريبة ليست لغته - وجب أن يُبيِّن له معناها، ولو سمع اللفظ كما يسمعه كثيرٌ من الناس، ولم يفقه المعنى، وطلب مِنَّا أن نُفسِّره له ونُبيِّن له معناه، فعلينا ذلك".

 

2- انتفاء الشبهة، بمعنى ألَّا تعرض للمسلم شبهةٌ توجِب له عدم معرفة المعنى الصحيح للنص، وتحول دون فهمه للآية أو الحديث كما أراد الله ورسوله، سواء كان من علماء المبتدعة أو من العوامِّ المقلِّدين لعلمائهم الضالِّين، فمثلًا قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن: 18] نصٌّ عامٌّ واضحٌ يدل على عدم جواز دعاء غير الله سبحانه؛ لكن بعض علماء أهل البدع يرى أن هذه الآية إنما هي في النهي عن دعاء الأصنام، أما دعاء الموتى الصالحين فلا يدخل في عموم الآية، وتابعهم على هذا الخطأ العوامُّ المقلدون لهم، والله المستعان.

 

مسألة: أنواع قيام الحجة:

1- قيام حقيقي، والمراد به أن تتحقق شروط قيام الحجة في المكلف، بحيث يكون فاهمًا للخطاب، وترتفع عنه الشبهة المانعة، فإن قامت عليه الحجة فلا يُعذر بوقوعه في الشرك، سواء كان معاندًا أو جاحدًا أو معرضًا عن الحجة أو متشاغلًا بدنياه وشهواته.

 

2- قيام حكمي، والمراد به المفرِّط في تعلُّم دينه، فهو غير معذور، ويكون في حكم من قامت عليه الحجة، وإن لم تتحقق في نفس الأمر، أما إذا لم يحصل منه التفريط في تعلُّم دينه والسؤال عنه فهو معذور، حتى وإن أمكنه تعلُّم دينه الصحيح، مثل عدم علمه بالمخالفة أصلًا، فقد كثرت الشبهات لا سيما في عصرنا هذا بواسطة دعاة الضلالة والبدعة، فكم من مسلمين يقعون في بعض صور الشرك، وهم حريصون على التمسُّك بدينهم، ولا يعلمون أن ما يقعون فيه شرك أكبر.

 

قال ابن القيم في الطرق الحكمية (ص: 146، 147): "أهل البدع الموافقون لأهل الإسلام؛ ولكنهم مخالفون في بعض الأصول؛ كالرافضة والقدرية والجهمية وغلاة المرجئة ونحوهم هؤلاء أقسام: أحدها: الجاهل المقلد الذي لا بصيرة له، فهذا لا يكفر ولا يفسق، ولا تُرَدُّ شهادتُه، إذا لم يكن قادرًا على تعلُّم الهدى، وحكمه حكم المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلًا، فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوًّا غفورًا. القسم الثاني: المتمكن من السؤال وطلب الهداية، ومعرفة الحق؛ ولكن يترك ذلك اشتغالًا بدُنْياه ورياسته، ولذَّته ومعاشه، وغير ذلك، فهذا مُفرِّط مستحقٌّ للوعيد، آثم بترك ما وجب عليه من تقوى الله بحسب استطاعته، فهذا حكمه حكم أمثاله من تاركي بعض الواجبات، فإن غلب ما فيه من البدعة والهوى على ما فيه من السنة والهدى: رُدَّتْ شهادتُه، وإن غلب ما فيه من السنة والهدى: قُبِلت شهادته. القسم الثالث: أن يسأل ويطلب، ويتبين له الهدى، ويتركه تقليدًا وتعصُّبًا، أو بغضًا أو معاداةً لأصحابه، فهذا أقل درجاته: أن يكون فاسقًا، وتكفيره محل اجتهاد وتفصيل".

 

ختامًا: مسألة حكم العذر بالجهل كغيرها من المسائل الاجتهادية، من أصاب فيها من أهل العلم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، فمن رجح من العلماء العذر بالجهل أو عدم العذر بالجهل فلا إنكار عليه، ولا يجوز التشنيع على من أخذ بأحد القولين من العلماء وطلاب العلم، ولا يجوز التبديع والتضليل والتكفير للمخالف في هذه المسألة الاجتهادية، لا سيَّما والعلماء يتكلمون في كثير من جزئياتها بحسب غلبة الظن، ويختلفون في الحكم على المعين، والله أعلم بعذره أو عدم عذره، فلا بُدَّ من الإعذار في مسألة الإعذار.

 

وهذا المقال تم تلخيصه من عدة بحوث أهمها:

• كتاب (إشكالية العذر بالجهل في الحكم العقدي) لسلطان العميري.

 

• كتاب (مناقشة وبيان للاعتراضات الواردة على ورقتَي: العذر بالجهل وقيام الحجة) لإبراهيم بن محمد صديق، مع الاستفادة من الورقة الأولى في بحث مسألة العذر بالجهل.

 

والله أعلم بالعباد، وهو يحكم بينهم يوم المعاد.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العذر بالجهل لا يساوي القول بمشروعية الجهل
  • حكم العذر بالجهل في العقيدة
  • أحوال العذر بالجهل "حديث ذات أنواط" دراسة تطبيقية
  • جهل الإنسان (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • العذر بالجهل في أصل الدين(مادة مرئية - موقع الدكتور عبدالله بن محمد الغنيمان)
  • عذرا أهل سوريا.. عذرا أهل حلب(مقالة - المسلمون في العالم)
  • الفرق بين الرخصة والعذر(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • لا أحد أحب إليه العذر من الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العفو عن النجاسة للعجز أو العذر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حبسني العذر..(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الجمع بين الصلاتين في الشتاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فما عذرهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عذرا.. لو كان غير رمضان لأثرتكم به(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا يتهيأ للمرء أن يخبر بكل عذر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب