• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

التحذير من بدعة الإرجاء التي انتشرت في أوساط غالب المسلمين

التحذير من بدعة الإرجاء التي انتشرت في أوساط غالب المسلمين
د. محمد بن علي بن جميل المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2022 ميلادي - 30/3/1444 هجري

الزيارات: 7025

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحذير من بدعة الإرجاء التي انتشرت في أوساط غالب المسلمين


من أدقِّ مسائل العقيدة وأكثرها خلافًا بين أهل السُّنَّة أنفسهم، فضلًا عن غيرهم، مسائل الإيمان والكفر، وبعض تلك المسائل الحق فيها ظاهر، وبعضها خفيٌّ، وبعضها الخلاف فيها لفظيٌّ، وبعضها الخلاف فيها هو في مسائل فرضية لا وجود لها في الواقع؛ وإنما تكلَّف بعضُهم فتصوَّروها في أذهانهم فرضًا مع عدم وجودها شرعًا؛ مثل: الخلاف في إيمان شخص اعتقد الحق بقلبه، ونطق الشهادتين بلسانه، إلا أنه طوال حياته لم يعمل أي عمل صالح بجوارحه، فهذا تصوُّر لشيء غير موجود أصلًا، فلا بُدَّ لهذا الإنسان إن كان مؤمنًا أن يعمل أي عمل صالح يتقرَّبُ به إلى الله سبحانه، ولو فعل صلاةً واحدةً في بعض الأوقات، أو قولَ تسبيحةٍ أو دعاءً لله أو استغفارًا في بعض الأحوال، أو برًّا بالوالدين أو إحسانًا إلى مسكين يبتغي به الثواب من الله، أو ترك بعض الفواحش والآثام خوفًا من الله، أما تصوُّر وجود مؤمن يدَّعي الإيمان بقلبه، وينطق الشهادتين، ثم يترك جنس العمل الصالح مُطْلقًا طول حياته؛ فهذا لا يمكن وجوده إلا في عقول المرجئة الذين حكموا بإيمانه!

 

فالمرجئة قالوا: الإيمان تصديقٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وأخرجوا الأعمال الصالحة من مُسمَّى الإيمان، وقد شنَّع عليهم أهل العلم، وبيَّنوا بطلان مذهبهم، وأنه مخالف لكتاب الله وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ [الأنفال: 2 - 4]، فجعل الله من صفات المؤمنين الخوف من الله والتوكُّل عليه، وهذان عملان قلبيان، والصلاة، وهي تتضمن أعمالًا قلبية وقولية وعملية بالجوارح، فكل ذلك من الإيمان، وفي أول سورة المؤمنون وصف الله المؤمنين بصفات تتضمن فعل الأعمال الصالحة، وترك الأعمال السيئة، فدلَّ ذلك على أن الأعمال الصالحة من الإيمان، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمانُ بضعٌ وسبعون شعبةً، فأفضلُها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطةُ الأذى عن الطريق، والحياءُ شُعْبةٌ من الإيمان))، وفي القرآن الكريم نحو سبعينَ آيةً يؤكد الله فيها على أهمية العمل الصالح، وأنه من الإيمان؛ كقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 277]، وعطف الأعمال الصالحة على الإيمان لبيان أهميته، ومثله في نفس الآية عطف إقام الصلاة وإيتاء الزكاة على الأعمال الصالحة؛ لبيان أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة من أهم الأعمال الصالحة، ولا يعني العطف أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ليست من الأعمال الصالحة.

 

وقد اعتنى الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه بتقرير أن الأعمال الصالحة من الإيمان، ومن تبويباته: "باب: الصلاة من الإيمان"، "باب صوم رمضان احتسابًا من الإيمان"، وقال في أول كتاب الإيمان: "هو قول وفعل، ويزيد وينقص، قال الله تعالى: ﴿ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ﴾ [الفتح: 4]... والحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وكتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض، وشرائع، وحدودًا، وسننًا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان...".

 

وقد ألَّف العلماء كثيرًا من الكتب باسم كتاب الإيمان، وبيَّنوا فيها أن الإيمان اعتقادٌ بالقلب، وقولٌ باللسان، وعملٌ بالجوارح، وأكَّدوا فيها على أن الأعمال الصالحة من الإيمان، وردوا على المرجئة الذين جعلوا الإيمان: التصديق والقول فقط، وبِناءً على هذا نفى المرجئة زيادة الإيمان ونقصانه، وقرروا أن من آمن بقلبه، ونطق الشهادتين بلسانه، فهو مؤمن كامل الإيمان، وإن ترك جميع الأعمال الصالحة طول عمره، وهذا القول الشنيع بدعة وضلالة، وللأسف الشديد فقد انتشرت بدعة الإرجاء في الأمة الإسلامية، وصار يقرر الإرجاء كثيرٌ من العلماء الذين تأثروا بعلم الكلام، فلا يكاد ينجو المسلم العامي أو طالب العلم الذي يقرأ في كتب الأشاعرة والماتريدية من الإرجاء.

 

ولبدعة الإرجاء آثار سيئة كثيرة في حياة المسلمين، فهذه البدعة تؤدي إلى التهاون في ترك العبادات، واقتراف المعاصي، والتهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإغضاء الطرف عن سائر المنكرات المنتشرة في الأمة حتى ما يتعلق بالشرك والردة وترك الحكم بالشريعة، فإن كثيرًا من المرجئة يبرِّرون الأعذار لمن يقع في الكفر والإلحاد، ولا يحكمون بالكفر والرِّدَّة إلا على مَنْ وقع في كفر التكذيب والجحود، فقصروا الكفر على الكفر الاعتقادي، مع أنه معلوم عند أهل السُّنَّة أن الكفر يكون بخمسة أشياء: بالاعتقاد وبالقول وبالفعل وبالشكِّ وبالترك، فالكفر الاعتقادي ككفر من اعتقد أن غير الله يُدبِّر الكون أو يعلم الغيب، والكفر القولي كمن دعا غير الله أو سَبَّ الله ورسوله، والكفر الفعلي كمن سجد لغير الله أو ذبح لغير الله أو بدَّل شرع الله أو حكم بالقوانين الوضعية المخالفة للشريعة، والكفر بالشكِّ كمن يشكُّ في البعث بعد الموت، والكفر بالترك كمن يترك الصلاة أو يترك الحكم بشريعة الله، والأدلة على ذلك معروفة في كتب أهل السُّنَّة، ويكفي في هذا أن الله حكم بكفر إبليس لعنه الله حين ترك سجدةً واحدةً أمره الله بها لآدم، مع كون إبليس يصدق أن الله حق، ويؤمن أن الله شديد العقاب، ويعلم أن الله يبعث الناس ويحاسبهم في الآخرة؛ ولكن لم ينفعه تصديقه؛ لأنه ترك العمل بما أمره الله من السجود لآدم، وهذا من أعظم الأدلة الدالَّة على أن تارك الصلاة كافرٌ، كما هو إجماع الصحابة.

 

والمقصود أن المرجئة يتهاونون حتى مع المرتدين والمنافقين، وصارت بدعتهم سببًا للتلاعب بالدِّين، ولهم شبهات معروفة قد أجاب عنها أهلُ العلم قديمًا وحديثًا.

 

ومذهب المرجئة يوافق أهواء الناس، فغالب الناس مرجئة، يتهاونون بالطاعات، ويقعون في المحرمات، من غير خوف من الله، ويقولون: الإيمان في القلب، ويُغلِّبون الرجاء على الخوف، ويغفلون أن الله سبحانه أمر رسولَه عليه الصلاة والسلام أن يقول: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الزمر: 11 - 13]، فكل مَن لا يخاف عذاب الله إن عصاه فهو متأثِّر بالمرجئة، وقد وصف الله المؤمنين بفعل الطاعات وترك المحرَّمات، وأخبر أنهم مع ذلك يخافون عذابه، فقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ ﴾ [المعارج: 23 - 28] فكل من يأمن عذاب الله فهو من المرجئة أو من المتأثرين ببدعة المرجئة.

 

فيجب على المسلم أن يخاف من التهاون في عبادة الله سبحانه، وأن يحذر أشد الحذر من فعل المعاصي الظاهرة والباطنة، ولا يتأثر بمذهب المرجئة المخالف لكتاب الله وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [المنافقون: 9، 10]، وقال سبحانه: ﴿ وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ ﴾ [الأنعام: 120].

 

فالإيمان يتضمَّن التصديق بالحق، والعمل به، ولا يكفي التصديق بلا عمل؛ بل قد توعَّد الله تعالى الذين تركوا التصديق أو تركوا العمل، وجعلهم سواء في الوعيد، فقال سبحانه: ﴿ فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾ [القيامة: 31، 32].

 

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (7/ 142): "التولِّي ليس هو التكذيب؛ بل هو التولِّي عن الطاعة؛ فإن الناس عليهم أن يُصدِّقوا الرسول فيما أخبر، ويُطيعوه فيما أمر".

 

وقال سبحانه متوعِّدًا المجرمين المتهاونين بالصلاة، المكذبين بالحق: ﴿ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [المرسلات: 46 - 50].

 

فهذه الآيات ونحوها تقلع الإرجاء من القلوب، وتجعل المؤمن يخاف ربَّه، ويتقي الله في سِرِّه وعلنِه، ويعمل الأعمال الصالحة ويرجو رحمة ربِّه، ومن رجا رحمة الله من غير عمل صالح فهو مغرور.

 

وتأمَّل قول الله سبحانه: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون: 4، 5]، فقد توعَّد الله المصلين الذين يسهون عن صلاتهم، فيصلونها في غير أوقاتها، أو لا يطمئنون فيها، أو يضيعون بعض الصلوات ولا يحافظون عليها، فما بالك بمن يترك الصلاة بالكلية؟!

 

قال الله تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 59، 60].

 

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما قال: سمِعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ بين الرجلِ وبين الشِّرْكِ والكُفْرِ تركَ الصلاةِ))؛ رواه مسلم في صحيحه.

 

وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العَهْدُ الذي بيننا وبينهم الصلاةُ، فمَنْ تَرَكَها فقد كَفَر))؛ رواه الترمذي وغيره، وهو حديث صحيح.

 

فتارك الصلاة بالكلية كافرٌ، وإن زعم أنه مسلم، أما مَن يُصلِّيها أحيانًا ويتركها أحيانًا فهو مجرم فاسق، وهو من جملة المسلمين بحسب الظاهر، وإن كنا نخاف عليه من النفاق؛ بل إن بعض تاركي الصلاة أشرُّ من المنافقين الذين كانوا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فقد كان المنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يصلون رياءً، ولا يحافظون على الصلاة دائمًا، ويذكرون الله قليلًا، ومع ذلك ذمَّهم الله وتوعَّدَهم، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، فعلى من يتهاون بصلاته أن يخاف على نفسه النفاق، وأن يتوب إلى الله سبحانه، ويعمل الأعمال الصالحة، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 145، 146].

 

وهذه الآية من الأدلة الواضحة على أن العمل الصالح من الإيمان، فقد جعل الله من شروط توبة المنافقين أن يصلحوا أعمالهم، ويخلصوا عباداتهم لله، وبذلك يكونون مع المؤمنين، ولا يكفي أن يصدقوا بقلوبهم، ويقولوا بألسنتهم من غير عمل بجوارحهم.

 

والمرجئة يجعلون من وقع من المسلمين في كبيرة من الكبائر كمن أفطر في نهار رمضان أو فعل بعض الفواحش ولم يتب إلى الله سبحانه حتى مات مؤمنًا كاملَ الإيمان، والصواب أنه مسلم فاسق، لا نُسمِّيه مؤمنًا كامل الإيمان كالمرجئة، ولا نُكفِّره كالخوارج؛ بل هو مؤمن ضعيف الإيمان، وهو تحت مشيئة الله سبحانه، إن شاء عذَّبه بذنبه، وإن شاء غفر له، وإن عذَّبه لا يخلده في النار كما يخلد الكفار المشركين، قال الله سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: 116].

 

وهذه بعض أقوال العلماء في بيان أهمية العمل الصالح، وأنه من الإيمان:

1- قال التابعي الجليل الحسن البصري: "إن الإيمان ليس بالتحلِّي ولا بالتمنِّي؛ إنما الإيمان ما وقر في القلب، وصدَّقه العمل"؛ رواه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان (93).

 

2- قال الإمام مالك بن أنس: "الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص"؛ رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل في كتاب السُّنَّة (213).

 

3- قال الإمام الشافعي: "الإيمانُ قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص"؛ رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1751).

 

4- قال الإمام أبو عُبيد القاسم بن سلام في كتابه الإيمان (ص: 19): "الأمر الذي عليه السُّنَّة عندنا ما نصَّ عليه علماؤنا: أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعًا".

 

5- قال الإمام أحمد بن حنبل: "الإيمان لا يكون إلا بعمل"؛ رواه الخلال في كتاب السُّنَّة (962).

 

6- قال الإمام البخاري: "لقيت أكثر من ألف رجل من العلماء بالأمصار, فما رأيت أحدًا منهم يختلف في أن الإيمان قول وعمل"؛ رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السُّنَّة والجماعة (320).

 

7- قال الإمام الآجُرِّي في كتابه الأربعون حديثًا (ص: 111): "الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجبٌ على جميع الخلق، وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح".

 

8- قال الإمام ابن عبدالبَرِّ في كتابه التمهيد (9/ 238): "أجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قول وعمل، ولا عمل إلا بنيَّة، والإيمان عندهم يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، والطاعات كُلُّها عندهم إيمان".

 

9- قال الإمام البغوي في كتابه شرح السنة (1/ 38): "اتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السُّنَّة على أن الأعمال من الإيمان".

 

10- قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (1/ 147): "لا خلاف بين الجميع أنه لو أقرَّ وعمل على غير علم منه ومعرفة بربِّه لا يستحق اسم مؤمن، ولو عرفه وعمل وجحد بلسانه وكذَّب ما عرف من التوحيد لا يستحق اسم مؤمن، وكذلك إذا أقرَّ بالله تعالى وبرسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولم يعمل بالفرائض لا يُسمَّى مؤمنًا بالإطلاق".

 

11- قال الإمام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (7/ 621): "الدين لا بُدَّ فيه من قول وعمل، ويمتنع أن يكون الرجل مؤمنًا بالله ورسوله بقلبه أو بقلبه ولسانه ولم يؤدِّ واجبًا ظاهرًا، ولا صلاة ولا زكاة ولا صيامًا ولا غير ذلك من الواجبات".

 

وقد كان أئمة السلف الصالح ينكرون أشَدَّ الإنكار على المرجئة في زمانهم، مع أن المرجئة الأوائل كانوا يُعظِّمون الأعمال الصالحة، وكان منهم الفقهاء والعُبَّاد والزُّهَّاد؛ لكن أنكر عليهم السلف إخراجهم الأعمال الصالحة من مُسمَّى الإيمان، وعلموا أن قولهم يؤدي إلى التهاون بإقامة الشريعة.

 

قال التابعي الجليل إبراهيم النخعي: "فتنة المرجئة أخوف على هذه الأمة من فتنة الخوارج"؛ رواه عبدالله بن أحمد في كتاب السنة (617).

 

وقال إبراهيم النخعي أيضًا: "ترَكَتِ المرجئةُ الدِّينَ أرقَّ من الثوب"؛ رواه عبدالله بن أحمد في كتاب السنة (709).

 

وعن محمد بن يوسف قال: دخلت على سفيان الثوري وهو يُقلِّب ورق المصحف، فقال: "ما أحد أبعد منه من المرجئة"؛ رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1829).

 

فالمرجئة جعلوا القرآن العظيم كأنه هزل، مع أنه قول فَصْل، وما هو بالهزل، وهو حقُّ اليقين، فأخباره صادقة، وأحكامه عادلة، ويجب على كل مسلم ومسلمة أن يُصدِّق أخباره، وأن يعمل بأحكامه، فهو كتاب هداية وحكم وتشريع، ومن لم يهتدِ به ويحكم به ويتبعه فهو من الضالِّين المغضوب عليهم، ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]، فمن استحلَّ المحرمات فهو كافر؛ لأنه كذَّب الله فيما أخبر به من تحريمها، أو صدَّق أن الله حرَّمها لكنه عاند وامتنع من قبول أمر الله بتحريمها، ومن كره شيئًا من أحكام القرآن فهو كافر وإن عمل به، كمن يكره الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو الحج أو يكره تحريم شيء من المحرمات أو تحليل شيء المباحات، قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد: 9].

 

قال ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول (ص: 521، 522): "من فعل المحارم مستحلًّا لها فهو كافر بالاتفاق، فإنه ما آمن بالقرآن من استحل محارمه، وكذلك لو استحلها بغير فعل، والاستحلال اعتقاد أن الله لم يُحرِّمْها، وتارة بعدم اعتقاد أن الله حرَّمها، وهذا يكون لخلل في الإيمان بالربوبية أو لخلل في الإيمان بالرسالة، ويكون جحدًا محضًا غير مبني على مقدمة، وتارة يعلم أن الله حرَّمَها، ويعلم أنَّ الرسول إنما حرَّم ما حرَّمَه الله، ثم يمتنع عن التزام هذا التحريم، ويعاند المحرَّم؛ فهذا أشدُّ كفرًا ممن قبله، وقد يكون هذا مع علمه أن من لم يلتزم هذا التحريم عاقبه الله وعذَّبه، ثم إن هذا الامتناع والإباء إما لخلل في اعتقاد حِكمة الآمر وقدرته، فيعود هذا إلى عدم التصديق بصفة من صفاته، وقد يكون مع العلم بجميع ما يصدق به تمردًا أو اتِّباعًا لغرض النفس، وحقيقته كفر هذا؛ لأنه يعترف لله ورسوله بكل ما أخبر به، ويصدق بكل ما يصدق به المؤمنون؛ لكنه يكره ذلك ويبغضه ويسخطه؛ لعدم موافقته لمراده ومشتهاه، ويقول: أنا لا أقرُّ بذلك، ولا ألتزمه، وأُبغض هذا الحق، وأنفر عنه، فهذا نوع غير النوع الأول، وتكفير هذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام، والقرآن مملوء من تكفير مثل هذا النوع؛ بل عقوبته أشد".

 

فعلى كل مسلم ومسلمة أن يحذر أشدَّ الحذر من بدعة الإرجاء، وكذلك يحذر أشد الحذر من بدعة الخوارج، فهما في طرفي نقيض، والحق وسط بينهما، والإنسان يميل به هواه إلى أحد هاتين البدعتين، فإياك أن تكون مرجئًا أو خارجيًّا!

فإنْ تَنجُ منها تنجُ مِنْ ذِي عظِيمةٍ
وإلَّا فإنِّي لا أَخَالُكَ نَاجِيا

اللهمَّ رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، اهدنا لما اختُلِف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإرجاء الفكري
  • حقيقة التقوى بين اليأس والإرجاء
  • الإرجاء المعرفي!
  • التحذير من مذهب الإرجاء، وتحقيق النقل عن شيخ الإسلام فيه

مختارات من الشبكة

  • التحذير من كتابي: التحذير من فتنة التكفير، وصيحة نذير(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة المسجد النبوي 4/3/1433 هـ - التحذير من ضياع الشباب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من البدع وأهلها واجب باتفاق المسلمين(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • التحذير من أذية المسلمين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من مجالسة أهل البدع بين فعل السلف ومخالفات بعض الخلف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من البدع في الدين ومخالطة المبتدعين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من بدع شهر رجب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من البدع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من البدع(مادة مرئية - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • التحذير من البدع في شعبان وغيره (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب