• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

نور المشكاة في شرح حديث (سبعة يظلهم الله)

نور المشكاة في شرح حديث (سبعة يظلهم الله)
الشيخ نشأت كمال

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/8/2022 ميلادي - 16/1/1444 هجري

الزيارات: 14624

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نور المشكاة في شرح حديث ((سبعة يظلهم الله))

 

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ))؛ متفق عليه.

 

هؤلاء السبعة اختلفت أعمالهم في الصورة، وجمعها معنى واحد؛ وهو مجاهدتهم لأنفسهم، ومخالفتهم لأهوائها، وذلك يحتاج أولًا إلى رياضة شديدة، وصبر على الامتناع مما يدعو إليه داعي الشهوة أو الغضب أو الطمع، وفي تجشم ذلك مشقة شديدة على النفس، ويحصل لها به تألُّم عظيم، فإن القلب يكاد يحترق من حرِّ نار الشهوة أو الغضب عند هيجانها إذا لم تُطْفأ ببلوغ الغرض من ذلك، فلا جرم كان ثواب الصبر على ذلك أنه إذا اشتدَّ الحر في الموقف، ولم يكن للناس ظلٌّ يظلُّهم، ويقيهم حرَّ الشمس يومئذٍ، وكان هؤلاء السبعة في ظلِّ الله عز وجل، فلم يجدوا لحر الموقف ألمًا؛ جزاءً لصبرهم على حرِّ نار الشهوة، أو الغضب في الدنيا.

 

وقوله: ((سبعة))؛ يعني: سبعة أصناف، وليس سبعة أشخاص.

وقوله: ((يظلهم الله))؛ يعني: يوم القيامة.

 

روى البخاري (4712) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أنا سيِّدُ الناسِ يومَ القيامةِ، وهل تدرُونَ مِمَّ ذلك؟ يجمَع اللهُ الناسَ الأوَّلينَ والآخِرِينَ في صعيدٍ واحدٍ، يُسْمِعُهُمُ الداعي، ويَنْفُذُهُمُ البَصَر، وتدنُو الشمسُ، فيبلُغُ الناسَ من الغَمِّ والكَرْبِ ما لا يُطيقونَ، ولا يحتملونَ، فيقول الناس: ألا ترَوْنَ ما قد بلَغَكم، ألا تنظُرون مَن يشفَعُ لكم إلى ربِّكم؟ فيقول بعضُ الناس لبعض: عليكم بآدمَ، فيأتونَ آدمَ عليه السلام، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلَقَكَ اللهُ بيده، ونفَخَ فيك من رُوحِه، وأمَرَ الملائكة فسجدوا لك، اشفَعْ لنا إلى ربِّكَ، ألَا ترى إلى ما نحن فيه، ألا تَرَى إلى ما قد بَلَغَنا؟ فيقول آدَمُ: إنَّ ربي قد غضِب اليومَ غضبًا لم يغضَبْ قبلَهُ مثلَهُ، ولن يغضبَ بعدَهُ مثلَهُ، وإنه قد نَهاني عن الشجرة فعصَيْتُه، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذهبُوا إلى غيري، اذهبوا إلى نُوحٍ... اذهبوا إلى محمدٍ، فيأتون محمدًا، فيقولون: يا محمدُ، أنت رسولُ الله وخاتَمُ الأنبياء، وقد غَفَرَ اللهُ لك ما تقدَّمَ من ذَنْبك وما تأخَّرَ، اشفَعْ لنا إلى ربِّك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فأنْطَلِقُ، فآتي تحت العرش، فأقَعُ ساجدًا لربِّي عز وجل، ثم يفتح الله عليَّ من محامده، وحُسْن الثناء عليه شيئًا، لم يفتَحْه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمدُ، ارفَعْ رأسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، واشفَعْ تُشَفَّعْ، فأرفَعُ رأسي، فأقولُ: أُمَّتي يا ربِّ، أُمَّتي يا ربِّ، أُمَّتي يا ربِّ، فيُقال: يا محمدُ، أدخِلْ من أمَّتِك مَن لا حِسابَ عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شُركاءُ الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصْراعَينِ من مصاريع الجنة، كما بين مكَّةَ وحِمْيرَ، أو كما بين مَكَّةَ وبُصْرَى)).

 

وروى أحمد (22186) عن أبي أمامة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تَدْنُو الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى قَدْرِ مِيلٍ، وَيُزَادُ فِي حَرِّهَا كَذَا وَكَذَا، يَغْلِي مِنْهَا الْهَامُ كَمَا تَغْلِي الْقُدُورُ، يَعْرَقُونَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ خَطَايَاهُمْ، مِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى سَاقَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَبْلُغُ إِلَى وَسَطِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ)).

 

وقد وردت أحاديث أخرى فيها نفس الثواب؛ ومنها: حديث أبي اليسر في صحيح مسلم (3006): ((مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا، أَوْ وَضَعَ عَنْهُ، أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ)).


[1] الأول: إمام عادل:

والمراد به: صاحب الولاية العظمى، ويلتحق به كل من وُلِّي شيئًا من أمور المسلمين فعدل فيه.

ويؤيده رواية مسلم (1827) من حديث عبد الله بن عمرو رفعه: ((أَنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ, عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ, وَأَهْلِيهِمْ, وَمَا وُلُّوا)).

 

وأحسن ما فُسِّر به العادل أنه الذي يتَّبع أمر الله، بوضع كل شيء في موضعه من غير إفراط ولا تفريط، وقدَّمَه في الذكر؛ لعموم النفع به.

 

وهو أقرب الناس من الله يوم القيامة، وهو على منبر من نور على يمين الرحمن عز وجل، وذلك جزاء لمخالفته الهوى، وصبره عن تنفيذ ما تدعوه إليه شهواتُه وطمعُه وغضبُه، مع قدرته على بلوغ غرضه من ذلك، فإن الإمام العادل دعته الدنيا كُلُّها إلى نفسِها، فقال: إني أخاف اللهَ ربَّ العالمين، وهذا أنفعُ الخلق لعباد الله، فإنه إذا صلَح صلَحت الرعية كلُّها، وقد روي أنه ظِلُّ الله في الأرض؛ لأن الخلق كلهم يستظلون بظلِّه، فإذا عدل فيهم أظلَّه اللهُ في ظِلِّه.

 

ويؤيده قوله تعالى: ﴿ يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ [النحل: 90].

 

ومن ذلك العدل بين النساء:

روى أبو داود (2133) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَشِقُّهُ مَائِلٌ)).

 

ومن ذلك العدل بين الأولاد:

روى البخاري (2587) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عَمْرة بنت رَواحة: لا أرضى حتى تُشهِد رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيت ابني من عَمْرة بنت رَواحة عطيةً، فأمرتني أن أُشهِدَك يا رسولَ الله، قال: ((أعطيتَ سائرَ ولدِكَ مثلَ هذا؟))، قال: لا، قال: ((فاتَّقوا اللهَ، واعدِلُوا بين أولادِكم))، قال: فرجَع فرَدَّ عطيَّتَه.

 

ولا يجوز أن يخص بعض ولده بعطاء ابتداء، وهل ذلك على جهة التحريم أو الكراهة؟ قولان لأهل العلم، وإلى التحريم ذهب طاووس ومجاهد والثوري وأحمد وإسحاق، وأن ذلك يُفسَخ إن وقع، وذهب الجمهور ومالك في المشهور عنه، والشافعي، وأبو حنيفة، وغيرهم إلى أن ذلك لا يُفسَخ إذا وقع.

 

[2] والثاني: ((وشابٌّ نشأ في عبادة الله)):

وفي قوله: ((شابٌّ نشأ في عبادة الله)) فضل من يسلم من الذنوب، وشغل بطاعة ربه طول عمره، وفي رواية: ((حتى تُوفي على ذلك)).

وروى أحمد (17371) عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجب ربك تعالى لشابٍّ ليس له صَبْوة))، فإن الشباب شعبة من الجنون، وهو داعٍ للنفس إلى استيفاء الغرض من شهوات الدنيا ولذَّاتها المحظورة، فمن سَلِم منه فقد سَلِم.

وذكر ابن الملقن في التوضيح (6/448) قال: قيل لابن عباس: رجل كثير الصلاة، كثير القيام، يقارف بعض الأشياء، ورجل يصلي المكتوبة، ويصوم مع السلامة، قال: لا أعدل بالسلامة شيئًا.

 

[3] النوع الثالث: ((ورجل قلبُه مُعلَّق في المساجد)):

وفي الإكمال للقاضي عياض: أي: شديد الحب فيه، والملازمة له، والعلاقة شدة الحب فيه فضل النيات، واعتقاد الخير، وأنه مكتوبٌ لصاحبه، مُدخرٌ له، محسوبٌ في عمله، وفضل لزوم المساجد والصلاة فيها وعمارتها.

 

وفي الإفصاح لابن هبيرة: وأما المُعلَّق القلب بالمسجد؛ فإنه يكون فوق أن يلازم مسجدًا واحدًا؛ ولكن يكون همته بمساجد المسلمين، وقيام الجماعات فيها، متفقدًا عمارتها، وأهلها، فيكون قلبه مُعلَّقًا ها هنا من العلاقة، من قولك: علقت بكذا: إذا أشرب قلبك ذلك، إلا أن قوله: ((مُعلَّق)) بتشديد اللام يقتضي تكثير ذلك منه؛ وذلك أن المساجد منازل الأُلَّاف في الله عز وجل، فكما أن الأُلَّاف من أهل الدنيا يشتاقون الديار التي اجتمعوا فيها بأُلَّافهم، ويحنون إلى المنازل التي صاحبوا فيها إخوانهم؛ فكذلك المؤمنون تتعلَّق قلوبهم بالمساجد؛ من حيث إنهم فيها عرفوا الإخوان في الله عز وجل، وهي الأماكن المنسوبة من بين الأرض كلها إلى الله؛ لكونها بيوتًا له.

 

وفي المفهم للقرطبي: وقوله: ((ورجل قلبه مُعلَّق في المساجد))؛ أي: يحب الكون فيها للصلاة والذكر، وقراءة القرآن؛ وهذا إنما يكون ممن استغرقه حبُّ الصلاة، والمحافظة عليها، وشغف بها.

 

وفي شرح صحيح مسلم للنووي: في أكثر النسخ: ((مُعلَّق في المساجد))، وفي بعضها: ((مُتعلق)) بالتاء، وكلاهما صحيح؛ ومعناه: شديد الحب لها، والملازمة للجماعة فيها، وليس معناه: دوام القعود في المسجد.

 

وفي التوضيح لابن الملقن: في مسلم: ((بالمساجد)) وكلاهما صحيح؛ أي: شديد المحبة لها، وملازمة الجماعة فيها؛ ومعناه: دوام القعود فيها للصلاة والذكر والقراءة؛ وهذا إنما يكون مَن استغرقه حب الصلاة، والمحافظة عليها، وشغفه بها، وحصل له هذه المرتبة؛ لأن المسجد بيت الله، وبيت كل تقي، وحقيق على المزور إكرام الزائر، فكيف بأكرم الكرماء؟!

 

وفي الفتح لابن حجر: قوله: ((مُعلَّق في المساجد)) هكذا في الصحيحين، وظاهره أنه من التعليق؛ كأنه شبَّهه بالشيء المُعلَّق في المسجد كالقنديل مثلًا؛ إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، وإن كان جسده خارجًا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي: ((كأنما قلبه مُعلَّق في المسجد))، ويحتمل أن يكون من العلاقة وهي شدة الحب، ويدل عليه رواية أحمد: ((مُعلَّق بالمساجد)، وكذا رواية سلمان: ((من حبها))، وزاد الحموي والمستملي: ((مُتعلِّق)) بزيادة مثناة بعد الميم وكسر اللام، زاد سلمان: ((من حبها))، وزاد مالك ((إذا خرجَ منه حتى يعودَ إليه))، وهذه الخصلة هي المقصودة من هذا الحديث للترجمة، ومناسبتها للركن الثاني من الترجمة، وهو فضل المساجد ظاهرة، وللأول من جهة ما دل عليه من الملازمة للمسجد، واستمرار الكون فيه بالقلب، وإن عرض للجسد عارض.

 

فضل صلاة الجماعة:

في صحيح مسلم (251) عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ))، قال إسحاق: ((في المكاره، وكثرة الخُطَى إلى المساجد، وانتظار الصلاةِ بعد الصلاةِ، فذلكُمُ الرِّباطُ، فذلكُمُ الرِّباطُ، فذلكُمُ الرِّباطُ)).

 

وقوله: ((يمحو اللهُ به الخطايا)) هو كناية عن غفرانها أو محوها من كتاب الحفظة، ((ويرفع به الدرجاتِ)) هو أعلى المنازل في الجنة، ((إسباغ الوضوء)) إتمامه، ((على المكاره))؛ كشدة البرد، وألم الجسم، ((فذلكُمُ الرِّباط)) أصله الحبس على الشيء؛ كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة، ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل: الجهاد جهاد النفس.

 

((وكثرة الخُطى إلى المساجد))؛ يعني به: بعد الديار، ((وانتظار الصلاة بعد الصلاة))؛ أراد به: الجلوس في المسجد، أو تعلُّق القلب بالصلاة، والاهتمام بها، والتأهُّب لها.

 

وفي صحيح البخاري (477) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صَلاةُ الجَمِيعِ تَزِيدُ عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَصَلاتِهِ فِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى المَسْجِدَ، لا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلاةَ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً، إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ المَسْجِدَ، وَإِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ، كَانَ فِي صَلاةٍ مَا كَانَتْ تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي عَلَيْهِ المَلاَئِكَةُ - مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُؤْذِ يُحْدِث فِيهِ)).

 

وفي صحيح مسلم (654) عن عبدالله، قال: "مَنْ سرَّه أن يَلْقى اللهَ غدًا مسلمًا؛ فَلْيُحافظْ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنَّ، فإن الله شَرَعَ لنبيِّكم صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الهُدى، وإنهُنَّ من سُنَن الهُدَى، ولو أنكم صليتم في بُيُوتِكم كما يُصلِّي هذا المتخلِّفُ في بيته، لتركتم سُنَّةَ نبيِّكم، ولو تركتم سنة نبيكم لَضَلَلْتُم، وما من رجلٍ يتطهَّرُ، فيُحسِن الطُّهُورَ، ثم يعمِدُ إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنةً، ويرفَعُه بها درجةً، ويحُطُّ عنه بها سيئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّفُ عنها إلا مُنافقٌ معلومُ النفاق، ولقد كان الرجُل يُؤتى به يُهادَى بين الرجلينِ حتى يُقامَ في الصَّفِ".

 

[4] ((ورجلانِ تحابَّا في الله، اجتمعا على ذلك وتفرَّقا عليه)):

من فضائل الحب في الله:

في صحيح مسلم (2566) عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمُ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي)).

 

وفي المسند (18524) عن البراء بن عازب، قال: كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيُّ عُرى الإسلام أوثق؟))، قالوا: الصلاة، قال: ((حَسَنةٌ، وما هي بها؟))، قالوا: الزكاة، قال: ((حَسَنةٌ، وما هي بها؟))، قالوا: صيامُ رمضان، قال: ((حَسَنٌ، وما هو به؟))، قالوا: الحج، قال: ((حَسَنٌ، وما هو به؟))، قالوا: الجهاد، قال: ((حَسَنٌ، وما هو به؟))، قال: ((إنَّ أوْثق عُرى الإيمانِ أنْ تُحِبَّ في الله، وتُبغِض في الله)).

 

وقال ابن عباس: أحِبَّ في الله، وأبْغِضْ في الله، ووالِ في الله، وعادِ في الله؛ فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان- وإن كثرت صلاته وصومه- حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا.

 

من لوازم الحب في الله ذكرك أخاك بالخير والدعاء له:

في صحيح مسلم (2732) عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ)).

 

من لوازم الحب في الله زيارتك أخاك في الله، والسؤال عنه، والوقوف بجانبه:

في صحيح مسلم (2567) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم ((أنَّ رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرْصَدَ اللهُ له على مَدْرَجَتِه مَلَكًا، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريدُ أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببْتُه في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك، بأن الله قد أحبَّكَ كما أحبَبْتَه فيه)).

 

وفي صحيح البخاري (2442) عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، وَلا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ)).

 

وفي سنن أبي داود (3256) وابن ماجه (2119) عن سويد بن حنظلة، قال: خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنا وائل بن حجر، فأخذه عدوٌّ له، فتحرج الناس أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي، فخلَّى سبيله، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته أن القوم تحرَّجوا أن يحلفوا، وحلفت أنا أنه أخي، فقال: ((صدقْتَ، المسلمُ أخو المسلمِ)).

 

من خطر المحبة أن الإنسان يُحشَر مع من أحبَّ:

في صحيح البخاري (6168) عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المرءُ مع مَنْ أحَبَّ)).

 

وفي صحيح البخاري (3688) عن أنس رضي الله عنه، أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: ((وماذا أعددْتَ لها))، قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أنتَ مَعَ مَنْ أحبَبْتَ))، قال أنس: فما فرحنا بشيء، فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنتَ مَعَ مَن أحببْتَ))، قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.

 

الحب في الله، والبغض في الله من الفرائض، والحب في الله من أصول الإيمان، وأعلى درجاته.

واجتماعهما على معنى أنهما يجتمعان بسبب تحابِّهما في الله، ويفترقان على ذلك يحتمل.

 

ظاهره أن حبهما لله صادق في حين اجتماعهما وافتراقهما؛ أي: داما على المحبة الصادقة الدينية، المبرأة عن الأغراض الدنيوية، ولم يقطعاها بعارض في حال اجتماعهما، ولا حال افتراقهما.

 

معناه: اجتمعا على حب الله، وافترقا على حب الله؛ أي: كان سبب اجتماعهما حب الله، واستمرا على ذلك حتى تفرَّقا من مجلسهما، وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما، وفي هذا الحديث الحثُّ على التحابِّ في الله، وبيان عظم فضله، وهو من المهمات، فإن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، وهو عبارة عن خلوص المودة في الغِيبة والحضور، فهو في الإخلاص كالمنفق المستخفي.

 

قال بعض السلف: إذا كان لك أخ تحبه في الله، فأحْدَث حدثًا فلم تبغضه في الله لم تكن محبتك لله، أو هذا المعنى.

 

وقوله عز وجل: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]؛ يعني: أنهم أعداء في الآخرة مع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا لما رأوا سوء العاقبة فيها بالمقارنة، وهو يدل على أن المحبة بين المؤمنين تنفع يوم القيامة بخلاف غيرهم.

 

وقال تعالى: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ﴾ [المجادلة: 22].

 

من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما فقد صار حبه كله له، ويلزم من ذلك أن يكون بغضه لله، وموالاته له، ومعاداته له، وألَّا تبقى له بقية من نفسه وهواه، وذلك يستلزم محبة ما يحبه الله من الأقوال والأعمال، وكراهة ما يكرهه من ذلك، وكذلك من الأشخاص، ويلزم من ذلك معاملتهم بمقتضى الحب والبغض، فمن أحبه الله أكرمه، وعامله بالعدل والفضل، ومن أبغضه لله أهانه بالعدل؛ ولهذا وصف الله المحبين له بأنهم: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54].

 

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يحبُّك، وحُبَّ عمل يبلغني إلى حُبِّك)).

فلا تتم محبة الله ورسوله إلا بمحبة أوليائه وموالاتهم، وبغض أعدائه ومعاداتهم.

وسُئل بعض العارفين: بما تنال المحبة؟ قال: بموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه، وأصله الموافقة.

 

وفيه دليل على أنه يجب أن يكون للرجل أعداء يبغضهم في الله كما يكون له أصدقاء وإخوان يحبهم في الله، بيانه أنك إذا أحببت إنسانًا لأنه مطيع لله، ومحبوب عند الله، فإن عصاه فلا بُدَّ أن تبغضه؛ لأنه عاصٍ لله، وممقوت عند الله، فمن أحب بسبب فبالضرورة يبغض لضدِّه، وهذان وصفان متلازمان لا ينفصل أحدهما عن الآخر، وهو مطرد في الحب والبغض في العادات؛ ولذلك قال الله تعالى لموسى عليه السلام: هل واليت لي وليًّا، وهل عاديت لي عدوًّا.

 

[5] الصنف الخامس: ((ورجل دَعَتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ فقال: إنِّي أخافُ الله)):

هذا الحديث ذكره البخاري في صحيحه في باب فضل من ترك الفواحش، وذكر معه حديث سهل بن سعد الساعدي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَوَكَّلَ لِي مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ وَمَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ تَوَكَّلْتُ لَهُ بِالْجَنَّةِ)).

 

وذكر بعده باب إثم الزناة، وذكر أحاديث؛ منها:

عن أنس سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ، وإمَّا قالَ: مِن أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَظْهَرَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَيَقِلَّ الرِّجَالُ، وَيَكْثُرَ النِّسَاءُ حتَّى يَكونَ لِلْخَمْسِينَ امْرَأَةً القَيِّمُ الوَاحِدُ)).

 

وعن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَزْنِي العَبْدُ حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)).

 

وعن عبدالله رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل للهِ نِدًّا وهو خلقَكَ))، قلت: ثمَّ أيُّ؟ قال: ((أن تقتُلَ ولدَكَ من أجل أن يطعَمَ مَعَك))، قلت: ثم أيُّ؟ قال: ((أن تُزاني حَلِيلةَ جارِكَ)).

 

وذكر بعده باب رجم المحصن، وذكر حديث علي أنه رجم امرأة وقال: رجمتُها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر أن رجلًا جاء للنبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ بالزنا فرجَمه.

 

وقوله: ((ورجلٌ دَعَتْه امرأةٌ ذات منصبٍ وجمالٍ، فقال: إنِّي أخافُ الله)):

معنى دَعَتْه: عرَضَتْ نفسَها عليه؛ أي: للفاحشة.

 

وقول المدعو في مثل هذا: ((إنِّي أخافُ الله))، وامتناعه لذلك، دليل على عظيم معرفته بالله تعالى، وشدة خوفه من عقابه، ومتين تقواه، وحيائه من الله تعالى، وهذا هو المقام اليُوسُفيُّ.

 

وخص ذات المنصب والجمال؛ لكثرة الرغبة فيها، وعسر حصولها وهي جامعة للمنصب والجمال، لا سيما وهي داعية إلى نفسها، طالبة لذلك، قد أغنت عن مشاق التوصل إلى مراودة ونحوها، فالصبر عنها لخوف الله تعالى، وقد دعت إلى نفسها مع جمعها المنصب والجمال من أكمل المراتب، وأعظم الطاعات، فرتَّبَ الله تعالى عليه أن يُظِلَّه في ظِلِّه.

 

الجنة والمكاره والنار والشهوات:

عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حجبت -وفي رواية: حُفَّت- الجنة بالمكاره، وحجبت- وفي رواية: حُفَّت- النار بالشهوات)).

((حجبت))؛ يعني: غطيت.

((بالشهوات)): الملذات التي منع الشرع من تعاطيها، أو التي قد تؤدي إلى ترك الواجبات، أو الوقوع في المحرمات.

((بالمكاره)): المشاق التي تستلزمها الطاعات، وترك المحرمات.

 

وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع بلاغته في ذم الشهوات، وإن مالت إليها النفوس، والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس، وشق عليها.

 

فهذا رجل كأنه امتثل هذا الحديث؛ ولذلك عصمه الله، ومنَّ عليه بفضله حتى خافه بالغيب، فترك ما يهوى؛ كقوله تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ﴾ [النازعات: 40]، وقوله: ﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾ [الرحمن: 46]، فتفضل الله على عباده بالتوفيق والعصمة، وأثابهم على ذلك.

 

وهو يشبه حديث الثلاثة أصحاب الغار، فإن أحدهم الذي عَفَّ عن المرأة خوفًا من الله، وترك لها المال الذي أعطاها.

وهذا الرجل نال الرتبة العليا لمخالفة نفسه وهواه، لا سيما في أمر غريزي، وهو الشهوة.

 

تركيب الشهوة في بني آدم بخلاف الملائكة:

وفي صحيح البخاري (6243) عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا أدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَة، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ المنطِقُ، والنَّفْسُ تَمنَّى وتَشْتَهي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ)).

 

يعني: لا حيلة له ولا خلاص من الوقوع فيما كتب عليه، وقدر له، ومنه: المعصية بالنظر إلى العورات، والنساء الأجنبيات.

وهذه الشهوة جعل الشرع لها مخارج من الحلال، وحرم سائرها.

 

الدواعي والدوافع للمعصية:

عظم أجر هذا الرجل لتوافر الدواعي للمعصية، ومع هذا تركها خوفًا من الله، ومنه حديث أبي هريرة في صحيح البخاري (7212) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثَةٌ لا يكلِّمُهم الله يومَ القيامَةِ، ولا يزكِّيهمْ، ولا ينْظُر إليْهِمِ، ولهمْ عذابٌ أَليمٌ: شيخٌ زانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وعائلٌ مسْتَكْبِرٌ))؛ والسبب أن هؤلاء ليس لهم داعٍ للمعصية؛ ولذلك جاءت الشريعة برجم المحصن، وجلد البكر.

 

تعظيم المناهي والحمية عن فعل المحرمات:

قال البقاعي: وما قصَّر بعشرات فرق الأمة إلى التقصير في حرف النهي؛ لأن الملة الحنيفية مبنية على الاكتفاء باليسير من المأمورات، والمبالغة في الحمية من عموم ما لا يتناهى من المنهيات؛ لكثرة مداخل الآفات منها على الخلق فيما بعد الموت، ويصعب هذا الحرف على الخلق بما استقر في أوهامهم أن دنياهم لا تصلح إلا بالمثابرة على صنوف المنهيات، لنظرهم لجدواها في الدنيا، وعماهم عن وبالها في الأخرى... والحمية أصل الدواء، فمن لم يحتم عن المنهيات لم ينفعه تداويه بالمأمورات؛ كالذي يتداوى ولا يحتمي يخسر الدواء، ويتضاعف الداء.

 

وههنا سؤال مهم جدًّا: كيف نجح الرجل في ترك الفاحشة؟ الجواب: أنه كان له من الرصيد ما أهَّله لذلك، ولو كان من التقوى مفلسًا لما استطاع أن يقول هذا، ولو كان ممن لا يغضُّون أبصارهم عن الحرام لما استطاع أن يفعل هذا.

يعني: قوله هذا نتيجة طبيعية وترجمة لحياته، لم يأتِ من فراغ.

 

وههنا سؤال آخر مهم جدًّا: وينبغي أن يسألَ كُلَّ واحد منا نفسَه: لو كنت مكانه ماذا سأفعل؟ في الفاحشة، في رؤية الحرام، في أكل المال الحرام، في كذا وكذا، إني أخاف الله.

 

[6] السادس: ((ورجُلٌ ذكَرَ اللهُ خاليًا، ففاضَتْ عيناه)).

هذا جمع بين ثلاثة أمور: ذكر الله، والخلوة به، وفيض العين.

[أ] ذكر الله تعالى:

وذكر الله من أحب العبادات لله تعالى، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، وقال تعالى: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35].

 

وروى البخاري (969) عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما العملُ في أيامٍ أفضلُ منها في هذه؟)) قالوا: ولا الجهادُ؟ قال: ((ولا الجهادُ، إلَّا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجِعْ بشيءٍ)).

 

ويدخل في ذلك جميع الأعمال؛ ومنها: الصوم، وصلاة الجماعة، وقراءة القرآن، والصدقات، وذكر الله، وبِرُّ الوالدين، وصِلة الرَّحِم، والدعاء، والاستغفار... إلخ.

 

[ب] الخلوة بالله تعالى:

الخلوة إلى الله هي عبادة من العبادات، وهي ابتعاد الإنسان عن أعيُن الخلق، والجلوس مع الله ومناجاته بالدعاء؛ لإزالة الهموم، وفك الكرب، ويطلب من الله عز وجل كل ما يحتاج إليه.

 

وهذه الخلوة فيها معنى المعية، وهي تقوم على المناجاة والذكر.

 

في الخلوة مع الله تهذيب النفس وتزكيتها، والاستئناس بمجالسته؛ لأن من طبائع النفس حُبَّ مجالسة الناس، والميل إلى اللهو والعبث والبطالة.

 

ومن فضائل الخلوة بالله وثمارها: نيل صاحبها لمحبة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ الخفيَّ))؛ رواه مسلم، والمراد بالعبد الخفي: الذي يُكثِر من عبادة الله في خلوته بربِّه.

 

الخلوة عبادة لا يحسنها إلا العاقلون المخلصون، ولا يقترب منها الماجنون اللاهون.

 

[ج] البكاء من ذكر الله وخشيته:

الحديث ذكره البخاري في صحيحه في باب البكاء من خشية الله، وذكر بعده باب الخوف من الله، وذكر بعده باب الانتهاء عن المعاصي، وذكر بعده باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تعلمونَ ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلًا ولَبَكيتُمْ كثيرًا))، وذكر عن أبي هريرة رضي الله عنه، كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو تعلمونَ ما أعلمُ لضحكتُمْ قليلًا، ولَبَكيتُمْ كثيرًا))، وعن أنس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تعلمونَ ما أعلمُ لضحكتم قليلًا، ولَبَكيتُمْ كثيرًا)).

 

وفي صحيح مسلم، باب فضل استماع القرآن، وطلب القراءة من حافظه للاستماع والبكاء عند القراءة والتدبُّر.

 

وأعظم ذلك البكاء من سماع القرآن، قال تعالى: ﴿ قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ﴾ [الإسراء: 107 - 109].

 

وعن عبدالله، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأْ عليَّ القرآنَ))، قال: فقلت: يا رسول الله،‍ أقرأُ عليكَ؟ وعليك أُنْزِل؟ قال: ((إنِّي أشتهي أن أسمَعَه مِن غَيْري))، فقرأتُ النساء حتى إذا بلغتُ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، رفعت رأسي، أو غمزني رجل إلى جنبي، فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل.

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [المائدة: 83].

 

وفي المسند والسنن عن مطرف، عن أبيه، قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء صلى الله عليه وسلم».

 

وقال عبدالله بن شداد: سمعت نشيج عمر وأنا في آخر الصفوف يقرأ: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].

 

[7] الصنف الأخير وهو ((رجل تصدَّق بصَدَقة فأخفاها حتى لا تعلم شمالُه ما تنفق يمينُه)):

وقوله: ((حتى لا تعلمَ شمالُه ما تُنفقُ يمينُه)) فيه مبالغة في الإخفاء حتى لا يعلم أحدٌ مَنْ هذا الذي أنفق.

 

أولًا: ما هي الصدقة؟

الصدقة هي: ما يُعطى على وجه التقرب إلى الله تعالى، سميت بذلك لأنها تدل على صدق إيمان صاحبها، وتصديقه بوعد الله على ما وعد من جزاء وعِوَض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والصَّدَقةُ بُرهانٌ)).

 

فالمتصدق إنما يتعامل مع الله لا مع المساكين، أو كما هو حال الناس مع الضرائب، فقد يكذب أو يزوِّر في أرباحه؛ ليدفع أقلَّ قدر ممكن من الضرائب، أما المتصدِّق فهو إنما يعامل الله الذي يُعطي الكثير على القليل، فهو يجتهد أن يُعطي أكثرَ مما وجب عليه لا أقَلَّ.

 

والمقصود من قوله: ((رجل تصدَّق بصَدَقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما أنفقَتْ يمينُه)) حتى لا يعلم مَن حوله بنفقته، لدرجة أن لو كانت الشمال تعقل ما علمت شيئًا عما أنفقَتْه اليمينُ، فهو يُخفيها عن جوارحه، فكيف بالناس؟!

فخير الصدقة ما كان سِرًّا لوجه الله جل وعلا، وعدم علم الناس بصدقتك أقرب إلى إخلاصك وأتقى لقلبك، وأقرب منك إلى ربِّك، وأدْعَى إلى ثباتك، وأحوط ألا يصيبك العجب فيما أنت فيه.

 

ومن الصدقة المخفية إنظار المُعسِر:

إنظار المعسر من مكارم الأخلاق، وأفضل منه التجاوز عنه، أو عن بعض دينه، قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280]، وعن أبي اليسر رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مَنْ أنْظَرَ مُعْسِرًا أو وَضَع عنه، أظلَّه اللهُ في ظِلِّه))؛ أخرجه مسلم (3006).

 

الصدقة بين الإسرار والجهر:

الإسرار بصدقة التطوُّع أولى وأحبُّ إلى الله؛ وأما أداء فريضة الزكاة فإظهارها أفضلُ وأحسنُ، قال تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 271].

 

وقد ذهب جمهور المفسِّرين إلى أن الإخفاء في هذه الآية بصدقة التطوُّع، وكذلك سائر نوافل العبادات يكون الإخفاء فيها أفضل، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضلُ صلاةِ المرْءِ في بيته إلا المكتوبة)).

 

إذًا فالجهر يكون أفضل في عدة حالات:

منها: أداء فريضة الزكاة وإعلانها كشعيرة من شعائر الإسلام، وهذا مستفيض من حال الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أدائهم الزكاة.

 

ومنها: المصلحة العامة للمسلمين؛ كالنفقة في سبيل الله أو بناء المساجد... إلخ، فهذا عبدالرحمن بن خباب يحدِّثنا عن نفقة عثمان؛ حيث قال: شهِدْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يحثُّ على جيش العسرة، فقام عثمان بن عفان، فقال: يا رسول الله, عليَّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ على الجيش فقام عثمان بن عفان، فقال: يا رسول الله, عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، ثم حضَّ على الجيش فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله, عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فأنا رأيت رسول الله ينزل عن المنبر وهو يقول: ((مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ، مَا عَلَى عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ))؛ سنن الترمذي.

 

وفي مسند أحمد (20630) عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنهما قال: جاء عثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في ثوبه حين جهَّز النبي صلى الله عليه وسلم جيش العسرة، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقلِّبها بيده ويقول: ((مَا ضَرَّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ)) يُردِّدها مرارًا.

 

الدينار أربعة وربع جرام ذهب بما يعادل 4700 جنيه، يعني الألف دينار بـ 4700000 يعني 4 مليون و700 ألف جنيه.

 

ومنها: فتح باب الخير بالتنافس على الإنفاق حينما يكون الأمر متعلقًا بكفالة بعض المنكوبين من المسلمين.

 

ففي صحيح مسلم (1017) عن جرير بن عبدالله قال: كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم عراة مجتابي النمار) جمع نمرة، وهي: كساء من صوف مخطط، لابسيها قد خرقوها في رؤوسهم) متقلدي السيوف، عامتهم من مضر (بل كلهم من مضر) فتمَعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة.. فدخل ثم خرج، فأمر بلالًا فأذَّن وأقام، فصلى ثم خطب: فقال: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [النساء: 1] والآية الأخرى التي في آخر الحشر: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ﴾ [الحشر: 18]، ثم قال: ((تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ))، حَتَّى قَالَ: ((وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ))، فجاء رجل من الأنصار بِصُرَّةٍ كادت كفُّه تعجِزُ عنها؛ بل قد عجَزَتْ، ثم تتابع الناس حتى رأيت كَوْمَينِ من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنه مُذْهبةٌ) يشبه الذهب من الفرح)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حسنةً فله أجْرُها، وأجْرُ مَن عَمِل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيءٌ، ومَنْ سَنَّ في الإسلام سُنةً سيئةً كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَن عمِل بها من بعده من غير أن ينقُص من أوْزارِهم شيءٌ)).

 

وقد أثنى الله تعالى على المنفقين سرًّا وعلانيةً، فقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].

 

متى يكون الإخفاء أفضل: الإخفاء يكون أفضل في حالات:

منها: إذا كان متعلقًا بشخص بعينه؛ لأن ذلك ألطف به ومراعاة لشعوره.

ومنها: إن رأى من نفسه تطلُّعًا إلى ثناء الناس وحمدهم له.

وكان من دعاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اللهم اجعل عملي كلَّه صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحدٍ فيه شيئًا.

 

وإذا أخلصت في العمل ثم أثنى عليك الخلق وأنت غير متطلع إلى مدحهم، فليس هذا من الرياء؛ إنما الرياء أن تُزيِّن عملك من أجلهم، وقد سُئل النبي عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه، فقال: ((تلك عاجِلُ بُشْرى المؤمن))؛ رواه مسلم (2642).

 

وأخيرًا أذكِّر نفسي وإخواني بهذا الحديث الذي رواه البخاري (1442) ومسلم (1010) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من يومٍ يصبح العبادُ فيه إلا ملكانِ ينزلانِ، فيقول أحدهما: اللهم أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقول الآخرُ: اللهُمَّ أعْطِ ممسِكًا تَلَفًا)).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سبعة يظلهم الله
  • شرح حديث: سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله
  • سبعة يظلهم الله في ظله (قصيدة)
  • سبعة يظلهم الله في ظله (خطبة)
  • شرح حديث أبي هريرة: "سبعة يظلهم الله في ظله"
  • شرح حديث: (سبعة يظلهم الله تعالى في ظله...)

مختارات من الشبكة

  • نور المشكاة في شرح أقوال الصلاة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأربعون العقدية: المشكاة شرح حديث لا تعجز، واستعن بالله(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح المشكاة (النسخة 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فتح الإله بشرح المشكاة (الجزء الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فتح الإله بشرح المشكاة (الجزء الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة شرح المشكاة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الثاني من شرح المشكاة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة نور الأنوار شرح المنار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة مصباح مشكاة الأنوار من صحاح حديث المختار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • قبس من المشكاة(مقالة - حضارة الكلمة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب