• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

الرضا والبلاء (2) (خطبة)

الرضا والبلاء (2) (خطبة)
إبراهيم الدميجي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/7/2022 ميلادي - 20/12/1443 هجري

الزيارات: 10391

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الرضا والبلاء (2)

 

الحمدُ للهِ حمدًا كثيرًا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ إرغامًا لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفَّع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عينٌ بنَظَرٍ، وسمِعتْ أُذُن بخَبَر، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واستمسكوا بدينه، واعلموا أن فعلَ الله كلُّه خيرٌ.

 

فيجب على العبد أن يحمد ربَّه على كل حال، وهذه صفة المؤمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عجبًا للمؤمن! إنَّ أمْرَه كله له خيرٌ، إنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر فكان خيرًا له، وإنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شكَر فكانَ خيرًا له، وليس ذلك إلَّا للمُؤمنِ))؛ رواه مسلم[1].

 

أمَّا المنافق والكافر فهو مثل البعير الذي يُعقَل ثم يُطلَق عِقالُه، ولا يدري لماذا عُقِل، ولا يدري لماذا أُطلِق عِقالُه! فالمؤمن ينبغي أن يكون بهذه الصفة: إذا أصيب بشيء يكرهه صبر واحتسب، وصار هذا سببًا في خضوعه وذُلِّه ورجوعه إلى الله واستغفاره، وإن أصيب بنِعَم حمد الله وشكره، وأوجب ذلك له زيادة طاعة لله جل وعلا، حيث أحدث له نِعَمًا فيُحدِث لله طاعةً.

 

عباد الله، "من ابتُلي فرُزق الصبر، كان الصبر عليه نعمةً في دِينه، وحصل له بعدما كفَّر من خطاياه رحمةٌ، وحصل له بثنائه على ربه صلاةُ ربِّه عليه، قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة: 157]، وحصل له غُفْرانُ السيئات ورَفْعُ الدرجات، فمن قام بالصبر الواجب حصل له ذلك"؛ انتهى ملخصًا.

 

أي: إنه يمتثل الآية، كما في قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، ومعنى: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ ﴾؛ أي: نحن ملك له وعبيد له، يتصرف فينا كيف يشاء، لا نملك لأنفسنا شيئًا، فإذا أصابنا بشيء فهو إليه جل وعلا، ولا يجوز لنا أن نعترض على شيء من ذلك، إنا لله ملكًا وعبيدًا، يفعل بنا ما يشاء، ﴿ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾؛ أي: مرجعنا إليه، فيُجازينا على أعمالنا، فإن كان الإنسان شاكرًا جازاه خيرًا، وإن كان كافرًا لا يَلْقى إلا جزاء عمله فقط، ولا يُظلَم شيئًا، والشاكرون هم الذين يقول عنهم جل وعلا: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة: 157]، وصلاة الله على عبده أن يُثني عليه عند الملائكة، ومن أثنى الله عليه عند ملائكته أحبَّتْه الملائكة، وصارت تدعو له بسبب بذلك، ملائكة الله جل وعلا الذين في السماء يستغفرون له، ويدعون الله له، فيكتسب عملًا ما كان يعمله؛ هو استغفار الملائكة، وهذه الصلوات صلوات الله، وأما الرحمة فأمْرٌ آخَر: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة: 157]، ثم ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]، هذا الذي ينبغي أن يكون عليه العبد إذا أصيب بشيء أن يقول هذا، لعله يتحصل على هذا الفضل العظيم، وهو صلاة الله ورحمته جل وعلا، ولو لم يكن في المصيبة إلا هذا لكفى أن يرتبط الإنسان به، وكون الإنسان يكون معافًى دائمًا ينبغي ألَّا يفرح، فقد يكون دليلًا على أن الله لا ينظر إليه، وأنه معرض عنه، نسأل الله العافية!

 

وقوله: ((وإذا أرادَ بعَبْدِهِ شَرًّا أمْسَك عنه بذَنْبِهِ))؛ أي: أخَّر عنه العقوبة بذنبه ((حتَّى يُوافِي به يومَ القيامةِ))، وفيه التنبيه على حسن الرجاء، وحسن الظن بالله فيما يقضيه لك، كما قال تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216].

 

عباد الرحمن، الابتلاء سُنَّةٌ ماضيةٌ، يُبْتلَى الناسُ على قدر دِينهم، فمن ثَخُنَ دِينُه اشتدَّ بلاؤه، ومن قلَّ دِينُه قلَّ بلاؤه، وأشدُّ الناس ابتلاءً هم الأنبياء عليهم السلام، والواجب عند نزول البلاء هو الصبر والرضا وعدم التسخُّط، فمن صبر ورضي أُجِر على مصيبته، وكفَّر بها من سيئاته، ومن سخط وقعتْ عليه مصيبتُه، ولم يُؤجَر عليها، وليعلم أن عظم الجزاء مع عظم البلاء[2].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ عِظَم الجزاءِ مع عِظَم البلاءِ)) فالبلاءُ عليه الجزاءُ لمن صبر، ومعناه: إذا كان الإنسان ابتلاؤه أعظم، فجزاؤه أعظم وأكبر، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث ابن مسعود: لمّا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو مريض، قال له: إنَّك لتُوعَك وعكًا شديدًا، قال: ((نَعَم))، أو قال: ((أجَلْ، كما يُوعَك اثنانِ منكم))، وقال: ألأنَّ لك أجرينِ؟ قال: ((نَعَم))؛ يعني: إذا كان هذا مرضه أشد فيكون أجره أكثر، وهذا الحديث صريح في ذلك، وهذا هو الصواب أن الإنسان إذا أُصيب بمصيبة إن كان له ذنوب كُفِّرت بها، مقابل ذلك، ولا يخلو أحد من الذنوب أبدًا، ((كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ))[3]، وفي الحديث الصحيح: ((لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُونَ اللهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ))[4]؛ لأن الله جل وعلا من أسمائه الغفَّار والعفو والرحيم والتواب، فلا بد أن تظهر آثار أسمائه جل وعلا على خلقه، فهذا مقتضى خلقه وأسمائه وصفاته تعالى وتقدس، وفي الأثر: "إنَّ الإنسانَ تكون له درجةٌ عند اللهِ لا يبلُغُها بعملِهِ، فيبتليه اللهُ جل وعلا بالمصائبِ حتى يبلُغَ تلك الدرجةَ".

 

عباد الله، إذا اشتد البلاء والإنسان ليس له من الذنوب ما يقابل ذلك، فإن هذا رفعة لدرجاته، وزيادة في حسناته؛ ولهذا فإن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم يُبْتَلَوْنَ بتكذيب قومِهم وبأذيَّتهم، وربما بقَتْلِهم.

 

ومعلوم أنهم خيرُ الخَلْق، فخير بني آدم هم الأنبياء والرسل: ((أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلى الإنسانُ على حسَبِ دِينِهِ، فإنْ كان في دِينِهِ صلابةٌ زِيدَ في بلائه، وإنْ كان في دِينه رِقَّةٌ خُفِّف في بلائه))[5]، فتكون بلواه على حسب ما عنده من الدِّين، وهذا من رحمة الله جل وعلا؛ لأنه لو زِيدَ في بلاء الإنسان الذي دينه ضعيف لقَدَّم دِينه دون عِرْضه حتى يسلَم، فالله جل وعلا لطيفٌ بعباده، وهو حسب مصالحهم، فإنه إذا أراد الخير بعبده هيَّأ له أسباب ذلك بفعله هو، وإن لم يكن من فعله ما يصل به إلى الدرجة العالية وقد أراد الله له تلك الدرجة ابتلاه بالمصائب.

 

هذا وإنَّ ابتلاء الأنبياء والأولياء دليلٌ على أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا دفعًا، ((وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قَوْمًا ابْتَلاهم))[6]؛ ولهذا ورد في حديث سعد: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياءُ، ثمَّ الأمْثَلُ فالأمْثَلُ..))، وهذا الحديث ونحوه من أدلة التوحيد، فإذا عرَف العبد أن الأنبياء والأولياء يصيبهم البلاء في أنفسهم الذي هو في الحقيقة رحمة، ولا يدفعه عنهم إلا الله، عرَف أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا دفعًا، فلأن لا يملكوه لغيرهم أولى وأحرى، فيحرم قصدهم والرغبة إليهم لقضاء حاجة أو تفريج كربة، وفي وقوع الابتلاء بالأنبياء والصالحين من الأسرار والحكم والمصالح وحسن العاقبة ما لا يُحصى.

 

هذا واضح وجَلِيٌّ، فقد ابتُلي بعض الناس- نسأل الله العافية- بالتعلُّق بدعاء المخلوق والشرك به، ويوجد كثير من الناس يعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعبد الأولياء، مع أن كتاب الله جل وعلا ودعوة الرسل كلها جاءت بوجوب إخلاص العبادة لله وحده، وأن الإلهية له وحده[7].

 

والله جل وعلا لما أخبر عن الملائكة أنهم عباد مكرمون، وأنهم يفعلون ما يؤمرون، ولا يعصون الله ما أمرهم قال: ﴿ وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ﴾ [الأنبياء: 29]، ماذا يكون؟ ﴿ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ﴾ [الأنبياء: 29]، يَصْلَى جهنم.

 

فالقرآن كلُّه ودعوات الرسل كلُّها تصبُّ في هذا الأصل العظيم الذي ضلَّ عنه كثيرٌ من الناس، وصار يغالط ولا يعتمد إلا على رؤيا كقولهم: رأيت كذا، وفلان رأى كذا، أو على حكايات وقصص خرافية، كقولهم: إن فلانًا دعا الولي الفلاني، أو تعلَّق به فحصل له كذا، وحصل له كذا، أو على أحاديث مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو على تحريفات كتحريفات اليهود الذين حرَّفوا النصوص تحريفات واضحة.

 

ومعلوم ما وقع فيه سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعدائه، لقد أُخْرِج من مكة ثم لم يستطِع الدخول إلا بجوار رجل مشرك، وذهب إلى الطائف فرمَوْه بالحجارة حتى أدْمَوا عَقِبيه صلوات الله وسلامه عليه، وردُّوا عليه ردًّا من أسوأ ما يكون، ثم بعد ذلك يُغْرى به السفهاء والصبيان، فيرمُونه بالحجارة، ويضربون عَقِبَيه حتى يخرج منهما الدم صلوات الله وسلامه عليه، ثم يخرج ولم يُفِق إلا وهو بقَرْن الثعالب الذي يسمى: السيل الكبير من الطائف، وهناك - فيما يروى - دعا بالدعوة المعروفة المشهورة وقال فيها: ((إنْ لم يكُنْ بكَ عليَّ غَضَبٌ فلا أُبالي، غير أنَّ عافيتَكَ أوْسَعُ لي))[8]، فيقول: إلا مصيبة تصيبني بها لا أبالي ما دام أنه بأمرك ولطاعتك، فيحمد الله على ذلك.

 

ويوم أحد شج في وجهه صلوات الله وسلامه عليه، وجعل الدم يسيل على وجهه وهو يقول: ((كيفَ يُفلِحُ قومٌ فعَلُوا هذا بنبيِّهم وهو يدعوهم إلى الله؟!))[9]، ثم بعد ذلك أنزل الله جل وعلا عليه: ﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [آل عمران: 128]، فما أعظمَ حقَّه علينا صلوات الله وسلامه وبركاته عليه!

 

بارك الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعي إلى رضوانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وارضوا بقضائه، واحمدوه على كل حال.

 

عباد الرحمن، على العبد أن يرضى بالقضاء وبالقدر، وأن يُسلِّم أمره لله، ولا يعترض ولا يتضجر، بل يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما أصابنا شيء إلا بإذن ربنا، وله الحمد على ذلك، فيكون عبدًا صحيحًا، فيسلم وينقاد، لا يعترض ولا يتضجر، ولا يتوجع، ولا ينافي هذا كونه يتعالج إذا كان مريضًا، أو كونه يصف المرض، ويقول: أنا عندي كذا وكذا، وأجد كذا وكذا لمن يكون عنده شيء من العلاج، فهذا لا ينافي كونه يسلم وينقاد لعدم الاعتراض.

 

فالمقصود: التسليم والرضا، وهو أن يُسلِّم وينقاد، وألا يكون قلبه متسخِّطًا أو متوجعًا من ربِّه، فإذا تعالج أو وصف مرضه فإنه لا يكون منافيًا لذلك؛ لأن العلاج سبب من الأسباب التي وضعها رب العالمين، والأسباب أمر الله جل وعلا أن نبذلها كما جاء في الحديث لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: هل نتداوى؟ قال: ((نَعَم، تَداوَوا عبادَ اللهِ؛ فإنَّ اللهَ ما وضَعَ داءً إلا ووَضَعَ لهُ شِفاءً، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه، إلا داءً واحدًا وهو الهَرَم))، وفي رواية: ((الموت))[10]؛ لأن هذه الحياة لا بد أن تنتهي، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "إن الله بقسطه وعدله جعل الرَّوْح والفرح باليقين والرضا، وجعل الهمَّ والحزن بالشك والسخط"[11].[12]

 

و"إنَّ الناس إذا أُرسِل إليهم الرُّسُل بين أمرين: إما أن يقول أحدهم: آمنَّا، وإما ألا يقول ذلك، بل يستمر على السيئات والكفر، فمن قال: آمنَّا، امتحنه ربُّه وابتلاه وفتَنَه، والفتنة: الابتلاء والاختبار؛ ليتبيَّن الصادق من الكاذب، ومن لم يقل آمنَّا فلا يحسب أنه يعجز الله ويفوته ويسبقه، فإنَّه إنما يطوي المراحل في يديه.

وكيفَ يفِرُّ المَرْءُ عنه بذَنْبِه
إذا كان تُطْوى في يديه المراحلُ

فمن آمن بالرسل وأطاعهم، عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتُلي بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم ولم يُطِعْهم عُوقِب في الدنيا والآخرة، فحصل له ما يؤلمه، وكان هذا المؤلم له أعظم ألمًا، وأدوم من ألم اتِّباعهم، فلا بد من حصول الألم لكل نفس آمنَتْ أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والمعرض عن الإيمان تحصل له اللذة ابتداء، ثم يصير إلى الألم الدائم.

 

وسُئِل الشافعي رحمه الله: أيُّما أفضلُ للرجل أن يُمكَّن أو يُبْتَلى؟ فقال: "لا يُمكَّن حتى يُبتلى"، والله تعالى ابتلى أُولي العزم من الرسل، فلمَّا صبروا مَكَّنهم، فلا يظنَّ أحدٌ أنه يخلص من الألم البتة، وإنما يتفاوت أهل الآلام في العقول، فأعقلهم من باع ألمًا مستمرًّا عظيمًا بألم منقطع يسير، وأشقاهم من باع الألم المنقطع اليسير بالألم العظيم المستمرّ، فإن قيل: كيف يختار العاقل هذا؟ قيل: الحامل له على هذا النقد والنسيئة[13]، والنفس مُوكَلةٌ بحبِّ العاجلِ"[14].

 

وللمؤمن الصالح موقف ثابت مع الابتلاء، فعليه أن يعلم أنَّ المصائب والبلاء امتحانٌ من الله تعالى له؛ لصبره ورضاه وحمده وشكره، بل وإيمانه، وهي علامةُ حبِّ الله له، فهي كالدواء؛ فإنَّه وإن كان مُرًّا إلا أنَّك تُسديه على مرارته لمن تحبُّ، وتتجرَّعه على كراهة مذاقه، ولله المثل الأعلى، كيف وهو يُلِظُّ حينها بـ"يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام"!

 

ونزول البلاء خيرٌ للمؤمن من أن يُدَّخر له العقاب في الآخرة - وإن كانت العافية خيرًا - وكيف لا؟! وفيه تُرفع درجاته، وتُكفَّر سيئاته، قال الحسن البصري رحمه الله: "لا تكرهوا البلايا الواقعة، والنقمات الحادثة، فَلَرُبَّ أمرٍ تكرهه فيه نجاتك، ولَرُبَّ أمرٍ تؤثره فيه عطَبُك[15]"[16]، وقال الفضل بن سهل: "إن في العلل لنِعَمًا لا ينبغي للعاقل أن يجهلها، فهي تمحيص للذنوب، وتعرُّض لثواب الصبر، وإيقاظٌ من الغفلة، وتذكيرٌ بالنعمة في حال الصحة، واستدعاءٌ للتوبة، وحضٌّ على الصَّدَقة".

 

والمؤمن يجتهد لمراضي ربه تبارك وتعالى، فهو يبحث في البلاء عن الأجر، ولا سبيل إليه إلَّا بالصبر، وفوقه الرضا والحمد والشكر، ولا سبيل إلى ذلك بعد توفيق الله إلَّا بعزيمةٍ إيمانيةٍ وإرادةٍ بالله قوية.

 

اللهم صلِّ على محمدٍ.



[1] مسلم 8/ 227 (2999).

[2] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبدالرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله تعالى (ت: 1285).

[3] الترمذي (2499)، وابن ماجه (2451)، وحسنه الألباني.

[4] مسلم 8/ 94 (2749) (11)، وفيه قد ابتدأ الخبر بالقسم فقال: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا..)).

[5] أحمد (1494)، وحسَّنه محققوه من أجل عاصم بن بهدلة، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (996).

[6] البخاري 7/ 109 (5470)، ومسلم 6/ 174 (2144) (23).

[7] تأمَّل ثناء الله تعالى في سورة الأنعام على ثمانية عشر رسولًا ونبيًّا في سياق واحد مُتَّصِل، ثم خُتم الثناء العظيم بقوله الحاسم: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 88]، وقال في سورة الإخلاص الكبرى "الزمر" للنبي الخاتم صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الزمر: 65]، فلا مسامحة في نقض التوحيد، فالشرك ينقض العمل كله: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

[8] الطبراني في الكبير (13/ 73/ 181)، وضعَّفه الألباني في السلسلة (6 / 487) من جهة تدليس وعنعنة ابن إسحاق.

[9] البخاري 4/ 139 (3231)، ومسلم 5/ 181 (1795) (111)، وتمامه: عن عائشة رضي الله عنها: أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أُحُد؟ قال: ((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمُ الْعَقَبَةِ إذ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عبد كلال، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، وإذا أنا بسحابةٍ قد أظلَّتْني، فنظرتُ فإذا فيها جبريل عليه السلام، فناداني، فقال: إنَّ اللهَ تعالى قد سمِعَ قولَ قومِكَ لَكَ، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك مَلَكَ الجِبالِ لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إنَّ اللهَ قد سَمِع قولَ قومِكَ لَكَ، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربِّي إليك لتأمرني بأمْرِك، فما شئت، إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخْشَبَيْنِ))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بَلْ أَرْجُو أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)).

[10] البخاري (4068)، ومسلم (1791) بنحوه.

[11] ابن ماجه (3427)، وصحَّحه الألباني، وأحمد (18455) بلفظ: ((إِلَّا الْمَوْتَ، وَالْهَرَمَ))، وحسَّنه محققوه.

[12] شعب الإيمان (1/ 176)، والحلية (3/ 122)، وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (2009).

[13] شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للغنيمان (94-103/ 1) مختصرًا.

[14] النقد: هو العاجلة؛ أي: متاع الدنيا الزائل، أما النسيئة فهي التأخير، والمراد بالآجلة: وهو أجر الآخرة.

[15] أي: هلاكك.

[16] زاد المعاد (3/ 11).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الرضا والبلاء (1) (خطبة)
  • هل الأفضل الدعاء برفع بلاء الدنيا، أم الرضا والتسليم؟ (خطبة)
  • هل للسن علاقة بطيب الرضا؟
  • الرضا مستراح العابدين (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • الرضا بقضاء الله (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل ينافي الرضا البكاء على الميت؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قالوا عن الرضا بالله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • درجات الرضا بالله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثمار الرضا بالله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إيثار رضا الله تعالى على رضا غيره (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عموم الرضا بالزمان والمكان واللون والجنس والنسب والزوج والولد والرزق وسائر أحوال الدنيا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النعيم في الرضا واليقين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الرضا بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آداب الرضا بالله تعالى (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب