• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

هدايات سورة الفاتحة

هدايات سورة الفاتحة
سعيد بن محمد آل ثابت

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2022 ميلادي - 7/11/1443 هجري

الزيارات: 16917

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هدايات سورة الفاتحة

 

♦ التعريف بها.

♦ فضلها.

♦ أسماؤها.

♦ بعض أحكامها.

♦ موجز الهدايات.

♦ هدايات السورة.


♦ التعريف بها:

وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، وَكَلِمَاتُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ كَلِمَةً، وَحُرُوفُهَا مِائَةٌ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ حَرْفًا.

فضلها:

إنها السورة الفاتحة التي امتدحها الله في كتابه، وامتدحها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لما تضمنته من عظيم المعاني، التي أُودعت أجزل وأخصر المباني، وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد بن المُعلَّى رضي الله عنه قال: كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجِبْه حتى صليت، قال: فأتيته، فقال: ((ما مَنَعَكَ أنْ تأتِيني؟))، قال قلت: يا رسول الله، إني كنت أصلي، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ألم يقل الله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]))، ثم قال: ((لأعلمنَّك أعظمَ سورةٍ في القرآن قبل أن تخرُج من المسجد))، قال: فأخذ بيدي، فلما أراد أن يخرج قلت: يا رسول الله! إنك قلتَ: ((لأعلمنَّك أعظمَ سورةٍ في القرآن))، قال: ((نعم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته))؛ رواه البخاري.

 

وفي صحيح مسلم عن ابن عباس قال: "بينما جبريل قاعدٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضًا من فوقه فرفع رأسَه، فقال: ((هذا باب من السماء، فتح اليوم لم يفتح قطُّ إلا اليوم، فنزل منه مَلَكٌ))، فقال: ((هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قَطُّ إلا اليوم، فسلَّم، وقال: أبشِرْ بنورين أوتيتهما لم يؤتَهما نبيٌّ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيتَه))".

 

وأخرج الترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأُبِيِّ بن كعب: ((كيف تقرأ في الصلاة؟))، فقرأ أُمَّ القرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، ما أنزلت في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، وإنها سبعٌ من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته)).

 

وأخرج البخاريُّ عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رضي الله عنه قال: قال:‏ "نزلنا منزلًا، فأَتتْنا امرأةٌ، فقالت: إن سيِّد الحي سَلِيم، لدغ، فهل فيكم مِنْ راقٍ؟ فقام معها رجلٌ منا، ما كنا نظنُّه يُحسِن رقيةً، فرقاه بفاتحة الكتاب، فبَرَأ، فأعطَوه غنمًا، وسقونا لبنًا، فقلنا: أكنتَ تحسن رقيةً، فقال: ما رقيتُه إلا بفاتحة الكتاب، قال: فقلت: لا تُحركوها حتى نأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرنا ذلك له، فقال: ((ما كان يُدِريه أنها رُقْيةٌ؟! اقسِمُوا، واضرِبُوا لي بسَهْمٍ معكم))".

 

وهي سورة الصلاة؛ ففي صحيح مسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((مَنْ صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأُمِّ القرآن، فهي خِداجٌ- ثلاثًا- غير تَمامٍ))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولِعَبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرةً: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾ قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل)).

 

أسماؤها:

سورة الفاتحة يقرؤها المسلم في صلاته بعدد ركعات الصَّلوات؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ((لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ))، وهذا إن دل فإنما يدلُّ على عظيم شأنها، وجليل قدرها، وأنَّه ينبغي للمسلم أن يتأمَّل معانيها، فلحكمةٍ بالغةٍ شرع الله تكرارها في الصَّلوات، من بين سور القرآن.

 

الفاتحة أعظم سورة في كلام الله سبحانه، ومِن فضل الله أنَّها يسيرة، المسلمون يَحفظونها؛ إذْ لا تصحُّ صلاتُهم إلَّا بِها، هي السَّبع المثاني، أمُّ القرآن، سورة الفاتحة وهو أشهر أسمائها على الإطلاق؛ لأن كتاب الله افتُتح بها، ولَها أسماء أخرى؛ منها: الشِّفاء، والكافية، وأمُّ الكتاب، والرُّقْية، والصلاة، والواقية، والحمد، وكثرة أسمائها تدلُّ على أهميتها وفضلها، ومن معاني أسمائها:

1- الْفَاتِحَةُ: أَيْ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ خَطًّا، وبها تُفتتح القراءة في الصلوات.

 

2- أُمُّ الْكِتَابِ: وقد ثبَتْ في الصَّحِيحِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ((﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ)).

 

قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي أول كتاب التفسير: وسميت أم الكتاب؛ لِأَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا في الصلاة، وَقِيلَ: إِنَّمَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِرُجُوعِ مَعَانِي الْقُرْآنِ كُلِّهِ إِلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ.

 

وقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والعرب تسمي كل جامعٍ أمرًا أَوْ مُقَدَّمٍ لِأَمْرٍ إِذَا كَانَتْ لَهُ تَوَابِعُ تَتْبَعُهُ هُوَ لَهَا إِمَامٌ جَامِعٌ: أُمًّا، فَتَقُولُ لِلْجِلْدَةِ الَّتِي تَجْمَعُ الدِّمَاغَ: أُمُّ الرَّأْسِ، وَيُسَمُّونَ لِوَاءَ الْجَيْشِ وَرَايَتَهُمُ الَّتِي يَجْتَمِعُونَ تَحْتَهَا أُمًّا، وَسُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِتَقَدُّمِهَا أَمَامَ جَمِيعِهَا وَجَمْعِهَا مَا سواها، وقيل لأن الأرض دحيت من تحتها.

 

3- الصَّلَاةُ: لقوله صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ: ((قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي))؛ الْحَدِيثَ رواه مسلم. فَسُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ صَلَاةً؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ فِيهَا.

 

4- الرُّقْيَةُ: لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الصَّحِيحِ حِينَ رَقَى بِهَا الرَّجُلَ السَّلِيمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ))؟ رواه البخاري ومسلم.

 

5- السَّبْعِ الْمَثَانِي: لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ، فَتُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قال في أُمِّ الْقُرْآنِ: ((هِيَ أُمُّ الْقُرْآنِ، وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَهِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ))؛ رواه البخاري.

 

وفي هذه السُّورة ذكرَ اللهُ عزَّ وجلَّ خمسةً من أسمائه الحسنى: الله، الربَّ، الرحمن، الرَّحيم، المالك.

 

فحُقَّ لمن قرأ هذه السورة المباركة بفَهْمٍ وتدبُّرٍ وامتثالٍ أن يمتلئ قلبُه يقينًا وإيمانًا، وأن يكون عالمًا راسخًا، قد أكرمه الله بنور العلم واليقين.

 

بعض أحكامها:

1- هَلْ يَتَعَيَّنُ لِلْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ أَمْ تُجْزِئُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا؟

عَلَى قَوْلَيْنِ مَشْهُورَيْنِ: الأول: فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ مَهْمَا قَرَأَ بِهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ فِي الصَّلَاةِ، وَاحْتَجُّوا بِـعمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [الْمُزَّمِّلِ: 20]، وبمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: ((إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ)) قَالُوا: فَأَمَرَهُ بِقِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْفَاتِحَةَ وَلَا غَيْرَهَا فدَلَّ على ما قلنا.

 

الثاني: أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا، وَهُوَ قَوْلُ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ: مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وَأَصْحَابهُمْ وَجُمْهُور الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بـحديث: ((مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ)) وَالْخِدَاجُ: هُوَ النَّاقِصُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ ((غَيْرُ تَمَامٍ))، وبمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)).

 

وَفِي صَحِيحِ ابْنِ خزيمة وابن حبان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تجزئ صلاةٌ لا يُقرأ فيها بأُمِّ القُرآنِ)) ثمَّ إِنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي مُعْظَمِ الرَّكَعَاتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَكْثَرُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّمَا تَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ أَخْذًا بِمُطْلَقِ الْحَدِيثِ ((لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ)). وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا تَتَعَيَّنُ قِرَاءَتُهَا بَلْ لَوْ قَرَأَ بِغَيْرِهَا أَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ تعالى: ﴿ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ [المزمل: 20]، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

2- هَلْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ؟

فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ:

1- أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا كَمَا تَجِبُ عَلَى إِمَامِهِ؛ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ.

 

2- لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ قراءة بالكلية؛ لا الفاتحة ولا غيرها، ولا فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَلَا السِّرِّيَّةِ؛ لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ))؛ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ.

 

3- أَنَّهُ تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، ولا يجب ذلك فِي الْجَهْرِيَّةِ؛ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا))، فَدَلَّ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ، وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

 

موجز هدايات السورة:

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: هذه الكلمات الأربع ذات معنى كبير؛ لما شملته من عظيم المعاني، فمعنى "بسم الله"؛ أي: ابتدئ بكل اسم لله تعالى؛ لأن لفظ "اسم" مفردٌ مضافٌ فشمل جميع الأسماء الحسنى.

 

أما لفظ الجلالة "الله" فمعناه المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة؛ لما اتصف به من صفات الألوهية، وهي صفات الكمال.

 

﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: اسمان دالَّان على أنه تعالى ذو الرحمة الواسعة العظيمة التي وسعت كل شيء، وعمَّت كلَّ حيٍّ، وكتبها للمتقين المتبعين لرسله وأنبيائه.

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: معنى "الحمد" هو الثناء على الله بصفات الكمال، وبأفعاله الدائرة بين الفضل والعدل، فله الحمد الكامل بجميع الوجوه.

 

﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: الرب هو المربِّي جميع العالمين، وهم مَن سِوى الله، وتربيته لهم بخلقهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة التي لو فقدوها لم يمكن لهم البقاء.

 

﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾: "المالك" هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أن يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بجميع أنواع التصرفات.

 

وقد أضاف الله تعالى الملك ليوم الدين؛ وهو يوم القيامة، يوم يُدان الناس بأعمالهم؛ أي: يُجازون عليها، والسببُ في إضافة الملك ليوم الدين أن في ذلك اليوم يظهر للخلق كمال ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق.

 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾؛ أي: نخصك وحدك بالعبادة والاستعانة، فتقديم كلمة "إياك" على "نعبد" وعلى "نستعين" يفيد الحصر واختصاص العبادة لله، فكأنه قال: نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بسواك.

 

﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: أي: دلَّنا وأرشدنا ووفِّقنا إلى الصراط المستقيم، وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته، والصراط المستقيم هو معرفة الحق والعمل به، وهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد؛ ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك.

 

وهذا الصراط هو طريق أهل الإيمان والصلاح، وهو غير صراط المغضوب عليهم، وهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود، وغير صراط الضالين الذين تركوا الحق على جهلٍ وضلالٍ كالنصارى.

 

هذه السورة الكريمة - على قِصَرها - اشتملت على معانٍ عظيمة؛ فاشتملت على حَمد الله وتَمجيده والثَّناء عليه، وعلى ذِكْر المعاد، وعلى إرشاده عبيده إلى سؤاله، والتضرُّع إليه، وإخلاص العبادة له وتوحيده - تبارك وتعالى - والتبَرُّؤِ من حَوْلِهم وقوَّتِهم إلى سؤالِهم إيَّاه الهدايةَ إلى الصراط المستقيم، وهو الدِّين القويم، وتثبيتهم عليه حتَّى يُفضي بهم ذلك إلى جواز الصِّراط الحسِّي يوم القيامة، المفضي بهم إلى جنَّات النعيم في جوار النبيِّين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين، والتحذيرِ من مَسالك أهل الباطل، وهم المغضوب عليهم الذين عرَفوا الحقَّ وترَكوه، والضالِّين الذين عبدوا الله على جهلٍ فضَلُّوا وأضَلُّوا.

 

وختمت السورة بالدعاء بأهم ما يحتاج إليه العبد في دينه ودُنْياه، فإن حاجة العبد إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم، أعظم من حاجته إلى الطعام والشراب والنَّفَس، فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء، ولا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية، قال الإمام ابن تيمية عن دعاء الفاتحة: "وهو أجل مطلوب، وأعظم مسؤول، ولو عرف الداعي قدر هذا السؤال لجعله هِجِّيراه - يعني ديدنه - وقرنه بأنفاسه، فإنه لم يدع شيئًا من خير الدنيا والآخرة إلا تضمنه".

 

فلذلك يشرع بعدها للإمام والمأموم والمنفرد قول "آمين"، ومعنى آمين؛ أي: اللهم استجب لتضمنها للدعاء، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا؛ فإنه مَن وافق تأمينُه تأمينَ الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه))؛ رواه البخاري.

 

اللهم اهدنا الصراط المستقيم.

 

هدايات السورة:

بين يدي الأمة سورة عظيمة ترسم طريق الهداية وسبيل النجاة؛ بل تحوي مجمل مقاصد القرآن العظيمة، ومعانيه العالية؛ من الحكم العلمية، والأحكام العملية. ومن أسرار الفاتحة: أنها بالنسبة للقرآن كالخطبة، أو المقدمةِ بالنسبة للكتاب، والقرآن شرحٌ لها، ومعلوم أنه كلما كان صاحب الكتاب أعلم وأبلغ كان تلخيصه لمقاصد كتابه في مقدمته أكمل، هذا بالنسبة لكلام المخلوقين الذين علَّمهم الله تبارك وتعالى من النطق والبيان بحسب حاجتهم وأهليتهم، فكيف إذا كان الكتاب كتاب الله رب العالمين الذي هو بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير؟! ما ظنُّكَ بشأن السورة التي هي فاتحته وأمُّ مقاصده؟

 

والآن إلى الهدايات:

الاستعاذة: فيبدأ قارئ هذه السورة بالِاسْتِعَاذَة: (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)، قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98].

 

والاستعاذة ليست من القرآن بالإجماع؛ وإنما نذكرها طاعة لله تعالى، واعتصامًا به ولجوءًا إليه أن يمنعنا من الشيطان الرجيم، الذي يصرفنا عن تدبُّرٍ ما نقرأ من كتاب الله الكريم، وَمَعْنَى (أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)؛ أَيْ: أَسْتَجِيرُ بِجَنَابِ اللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ، أَوْ يَصُدَّنِي عَنْ فِعْلِ مَا أُمِرْتُ بِهِ، أَوْ يَحُثَّنِي عَلَى فِعْلِ مَا نُهِيتُ عَنْهُ؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَكُفُّهُ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَّا اللَّهُ.

 

(وهنا لطيفة قرآنية) أن الله تَعَالَى أمر بالاستعاذة من الشيطان، وأما الإنسان أمر بمداراته ومقابلة الإساءة بالإحسان. وتأمل: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فصلت: 34 - 36] ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأعراف: 199، 200]، ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: 96 - 98]، وذلك لأنه بمُصَانَعَةِ شَيْطَانِ الْإِنْسِ وَمُدَارَاتِهِ بِإِسْدَاءِ الْجَمِيلِ إِلَيْهِ لِيَرُدَّهُ طَبْعُهُ عَمَّا هُوَ فِيهِ مِنَ الْأَذَى، وَأَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنْ شَيْطَانِ الْجِنِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ رَشْوَةً، وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ جَمِيلٌ؛ لِأَنَّهُ شِرِّيرٌ بِالطَّبْعِ، وَلَا يَكُفُّهُ عَنْكَ إِلَّا الَّذِي خَلَقَهُ.

 

البسملة: أما قوله تعالى: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، فافتتاح القرآن بهذه الكلمة العظيمة التي هي من أعظم ما أنعم الله جل وعلا على عباده المؤمنين، وهذا إقرار منك بأن الله عز وجل هو المعين لك في كل أمورك، وأعظمها قراءة القرآن.

 

القول في تأويل لفظ الجلالة (اللَّهِ): عَلَمٌ عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يُقَالُ: إِنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ، وَهُوَ اسْمٌ لَمْ يُسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَهُوَ من التَّأَلُّهُ.

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: (الرحمن) مشتق من الرحمة، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة، وهو مبني على المبالغة، ومعناه ذو الرحمة الذي لا نظير له فيها، وهو لا يُثنى ولا يُجمع، ولا يسمى به أحد غيره. والرحمن هو من عمَّتْ رحمتُه الكائنات كلها في الدنيا؛ سواء في ذلك المؤمن والكافر، وقد ذكر ابن القيم أن وصف فعلان يدل على سَعة هذا الوصف وثبوت جميع معناه الموصوف به‏، ألا ترى أنهم يقولون: غضبان للممتلئ غضبًا وندمان وحيران وسكران ولهفان لمن مليء بذلك، فبناء فعلان للسعة والشمول؛ ولهذا يقرن الله تعالى استواءه على العرش بهذا الاسم كثيرًا؛ كقوله سبحانه‏: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5]، وكقوله أيضًا‏: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 59]، فاستوى على عرشه باسمه الرحمن؛ لأن العرش محيط بالمخلوقات وقد وسعها، والرحمة محيطة بالخلق، واسعة لهم على اختلاف أنواعهم، كما قال تعالى: ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]، فاستوى على أوسع المخلوقات بأوسع الصفات، ومن ثم وسعت رحمته كل شيء.

 

واسم الرحمن اختص به الله لا يتسمى به غيرُه، فقد قال الله: ﴿ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ﴾ [الإسراء: 110]، فقرن بين اسمي الله والرحمن، فكما أن لفظ الجلالة (الله) لا يتسمَّى به غيره، فكذلك اسم (الرحمن).

 

الرحيم: مشتق أيضًا من الفعل رحم، فإذا قيل: راحم، فهو متصف بالرحمة والمبالغة، رحمن ورحيم، ويفترق هذا الاسم عن اسم الرحمن أنه يمكن تسمية غير الله به كما في قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128].

 

فالله في ذاته بلغت رحمتُه الكمال، والرحيم دَلَّ على أنه يرحم خلقه برحمته.

 

قولك: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ﴾ تعني: أتلو القرآن مستعينًا بكل اسم من أسماء الله الحسنى؛ لأن أسماء الله جل وعلا كُلُّها لمسمى واحد، هو الله سبحانه وتعالى، ولكن لكل اسم منها يدل على صفة من صفاته، تُنـزِّهه وتُقدِّسه، فاسم الله هو أصل الأسماء، والدال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العُلى، وحين تستحضر عند قولك: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ﴾ بعض الأسماء، يفتح الله على قلبك أنواعًا من العبودية، كلٌّ مما يناسب حالك ومقصودك، فإذا قلت: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ﴾ وأنت في كرب استحضرت أسماء الله التي فيها تفريج الكروب، وإذا قلت: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ﴾ وأنت مغلوب استحضرت أسماء الله التي فيها النصر والتأييد، وإذا قلت: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ﴾ وأنت مذنب استحضرت أسماء الله التي فيها التوبة والعفو والغفران، وإذا قلت: ﴿ بِسْمِ اللَّهِ﴾ وأنت محتاج استحضرت أسماء الله التي فيها الرزق والغنى.

 

أما قوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ ففيه دلالة على سعة رحمته، وتقوية الرجاء في قلوب عباده، وقد اختار الله سبحانه هذين الوصفين في البسملة التي يُردِّدها المسلم في مختلف شؤونه وحالاته، فالإنسان في سير حياته تشمله العناية الإلهية بالرحمة الشاملة، ومن حكمة تكرار هذه الكلمة أننا نحتاج هذه الرحمة في كل طرفة عين، وفي كل حال ومجال، فمن خلال الرحمة يصدر ذلك كُلُّه عنه سبحانه، فيرزق، ويشفي، ويدبر، ويتوب، ويغفر .. فالدخول من باب الرحمة، يوصلك إلى مضمون سائر الصفات، فهو يشفيك؛ لأنه الرحيم، ويعطيك لأنه الرحيم، ويتوب عليك لأنه الرحيم، ويرزقك لأنه الرحيم، وينصرك لأنه الرحيم، والبسملة قيل: إنها آيةٌ من القرآن ولكنها منفصلة من السور، ونزلت للفصل بين السور.

 

﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ تبرُّكٌ واستعانةٌ وتفاؤلٌ واستشفاءٌ، خيرُ بدايةٍ يفتتح بها المؤمن يومه وصلاته وورده وبيته ومركبه وحياته.

 

قوله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، فهذا أمرٌ من الله سبحانه وتعالى لعباده، بالتوجُّه إليه بالحمد الكامل، والثناء الشامل في كل صلاة، فالحمد ثناء، أثنى به الله تعالى على نفسه، وقوله: ﴿ لله﴾ اللام للاختصاص والاستحقاق، فالمستحق لهذا الحمد الخالص الشامل هو الله تعالى، وفي الحديث: ((اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ))؛ رواه أحمد وغيره.

 

وكلمة (الْحَمْدُ) معناها: الإخبار بمحاسن المحمود، مع حبه وإجلاله وتعظيمه.

 

﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: هي أحق كلمة قالها العباد، وكل حمد يقع منهم في الدنيا والآخرة فهو المستحق له.

 

وكلمة (الحمد) مِفتاح المعارف الاعتقادية، وتأتي كنتيجة قلبية بعد التعرف على الله من خلال تدبُّر الألفاظ التي نُكرِّرها، فتكرار السورة في كل ركعة يجعل المتدبر قادرًا على استشعار الحمد في مختلف الحالات والظروف التي تمرُّ به في السراء والضراء، في الغِنى والفقر، في القوة والضعف، في إقبال الدنيا وإدبارها، في العز والذل، فالمؤمن يعيش حالة دائمة من الحمد لله عز وجل مردُّها اليقين والرضا بأمر الله، بل يصل إلى شكر الخالق على قضائه وقدره ليقينه أن كل ما يقضي به خالقه هو خيرٌ له.

 

قوله تعالى: ﴿ رَبِّ العَالَمِينَ﴾، وَالرَّبُّ هُوَ الْمَالِكُ الْمُتَصَرِّفُ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ الرَّبُّ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَالْعَالَمِينَ: جَمْعُ عَالَمٍ، وهو كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِكُلِّ الْعَالَمِينَ كَقَوْلِهِ: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ [الشعراء: 23، 24].

 

وقد جاء وصفه بالربوبية بعد وصفه بالألوهية، وذلك إقرار باستحقاقه جل وعلا كل أنواع وأجناس الحمد والثناء والمدح.

 

أما قوله تعالى: ﴿ الرحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ في الصحيحين واللفظ لمسلم عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْيٍ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْي تَبْتَغِى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ))، قُلْنَا: لا وَاللَّهِ، وَهِي تَقْدِرُ عَلَى أَلَّا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا)).

 

وفي مجيء ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ بعد ﴿ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ بيان أن شمول الربوبية لا يخرج شيء منها عن شمول الرحمة وسعتها، فاستحضر وأنت تردد ﴿ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ معاني ربوبيته وآثارها في الخلق، واستشعر وأنت تقرأ ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ أن الله أرحم بك من نفسك، وأن الرحمة الحقيقية هي إيصال المنافع والمصالح إلى العبد، وإن كرهتها نفسه، وكلما كنت أعرف بمعنى هذين الاسمين كنت أرضى بقضاء الرب سبحانه وتعالى، وعلمت أن قضاء الله عز وجل دائرٌ بين العدل والحكمة والرحمة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: ((اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُك))؛ رواه أحمد وصحَّحه الألباني.

 

فشهودك نعمة الله عليك في كل شيء حتى في المكروه، يجعلك تتيقَّن أن كل ما في العالم من محنة وبلية، وألم ومشقة، فهو وإن كان عذابًا وأَلَمًا في الظاهر، إلا أنه لحكمة ورحمة في الحقيقة.

 

قوله تعالى: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ: ﴿ مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ﴾ وَقَرَأَ آخَرُونَ: ﴿ مَالِكِ﴾ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ متواتر في القراءات السبع المشهورة؛ ولكن لماذا سمى الله نفسه مالك وملك؟ لأن المالك يملك وقد لا يحكم، والملك يحكم وقد لا يملك، والله هو المالك الملك الذي يملك ويحكم، وتأمل: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ...﴾ [آل عمران: 26] الآية.

 

والله جل وعلا هو مالك كل الأيام، وإنما خصَّ الله نفسه بأنه ملكُ يوم الدين ومالكُ يوم الدين لأمرين:

الأول: ففيها تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر، وكلمة ﴿ يَوْمِ الدِّينِ﴾ تُشير إلى يوم الجزاء، ثوابًا على الإحسان، وعقابًا على الإساءة، فأنت تكرر في كل ركعة هذه الآية، والتي تعني أن من أوصافه التي نثني عليه بها أنه مالك يوم الجزاء، والذي يجازي فيه كل عامل بما عمل، فيسارع الصالحون ويقلع المخطئون، ويطمئن المظلومون!

 

الثاني: لأنهم كانوا في الدنيا منازعين في الملك، مثل: فرعون ونمرود وغيرهما، وفي ذلك اليوم لا ينازعه أحد في ملكه، وكلهم خضعوا له، وفي يوم القيامة ينادي الرب سبحانه: ﴿ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ [غافر: 16]، فلا يجيبه أحدٌ فيجيب الحقُّ نفسه بنفسه: ﴿ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [غافر: 16].

 

أنت تتعرف على الله كل يوم بل في كل صلاة، بل في كل ركعة، بدأ سبحانه وتعالى في السورة بذكر ما يورث في العبد المحبة لله، وهو ربوبيته جل وعلا، وتربيته للعالمين في قوله: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾، وفي ذكر ما يبعث الرجاء في القلب في قوله: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ثم ذكر ما يبعث الخوف في القلب بالتذكير بيوم الجزاء والحساب في قوله: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾، ليُعبد الله بهذه الثلاث: بمحبته ورجائه وخوفه، وهذه الثلاث هي أركان العبادة.

 

وفي هذه الآيات الثلاث مناجاة الله للعبد في الصلاة كما جاء في الحديث ((فإذا قرأ العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ﴾ يقول الله: حمدني عبدي، وإذا قرأ: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ يقول الله: أثنى علي عبدي، وإذا قرأ: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ يقول الله: مجدني عبدي ..))، فهل نستشعر ذلك الحمد وذلك الثناء وذلك التمجيد حين نقرأ في صلواتنا؟ وهل نستشعر ونستحضر جواب الله سبحانه لنا؟

 

قوله تعالى: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وَقُدِّمَ الْمَفْعُولُ وَهُوَ إِيَّاكَ وَكُرِّرَ لِلِاهْتِمَامِ وَالْحَصْرِ؛ أَيْ: لَا نَعْبُدُ إِلَّا إِيَّاكَ، وَلَا نَتَوَكَّلُ إِلَّا عليك، وهذا هو كمال الطاعة، والدين كله يرجع إِلَى هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْفَاتِحَةُ سِرُّ الْقُرْآنِ، وَسِرُّهَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فَالْأَوَّلُ تَبَرُّؤٌ مِنَ الشِّرْكِ، وَالثَّانِي تَبَرُّؤٌ مِنَ الحول وَالْقُوَّةِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

 

﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ خطاب تخاطب به ربك، فأنت أثنيت عليه في الآيات السابقة، وبعد هذا الثناء كأنك اقتربت وحضرت بين يديه فقلت: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وهذه صورة بلاغيّة عظيمة من أساليب القرآن الكريم تسمى الالتفات.

 

﴿ إيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ حقيقة ضخمة غائبة عن الأذهان؛ في الصحيحين: ((وَأَمَّا الْمُنَافِقُ أَوِ الْمُرْتَابُ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ))؛ إذن هي الاستجابة لكل الأوامر، والانقياد والاستسلام لمن بيده ملكوت كل شيء، وهي الالتزام بالإسلام كله في شموله وسعته، وليس الأخذ بجانب من تعاليمه وأحكامه وطرح جانب آخر.

 

قوله تعالى: ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ففيها استحضارك عظم حاجتك إلى ربك عز وجل في أن يثبتك على توحيده، فما دام اعترفت أنك لا تعبد غيره، ولا تتعلق بسواه، فأنت محتاج إلى من يعينك على ذلك، ويثبتك عليه؛ لأنه لا يمكن أن تثبت في توحيد الله إلا بعون منه، وكلما كنت أتم عبودية كانت الإعانة لك من الله أعظم.

 

إذن هو اعتراف منك أنك لا تستعين غيره، وأنك تستعين بالله وتتوكل عليه في جميع أمور دينك ودنياك وتبرَّأ من حولك وقوتك إلا بحول الله وقوته؛ ليقينك أن الأمر كله بيده وحده لا يملك أحد منه مثقال ذرة، وفي سنن الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)).

 

قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ لجوؤك إلى الله عزّ وجلّ أن يثبتك على دينه، فالصراط المستقيم هو الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم. وقيل: كِتَابُ اللَّهِ، دين الله الذي لا اعوجاج فِيهِ، الْإِسْلَامُ، الْحَقُّ، وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ، وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ، فإن من اتبع الإسلام فقد اتَّبَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَدِ اتَّبَعَ الْحَقَّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ فَقَدِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ؛ وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَحَبْلُهُ الْمَتِينُ وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا.

 

ولما تقدم الثناء على المسؤول تَبَارَكَ وَتَعَالَى نَاسَبَ أَنْ يُعَقَّبَ بِالسُّؤَالِ كَمَا قَالَ: ((فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ))، وَهَذَا أَكْمَلُ أَحْوَالِ السَّائِلِ؛ أَنْ يَمْدَحَ مسؤوله ثُمَّ يَسْأَلُ حَاجَتَهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ وَأَنْجَعُ لِلْإِجَابَةِ؛ لذا فقد قُسمت سورة الفاتحة نصفين: نصفًا ثناء، ونصفًا دعاء.

 

وعند النسائي من حديث فَضَالَةَ بْن عُبَيْدٍ: أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلاتِهِ، لَمْ يُمَجِّدِ اللهَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي))، ثُمَّ عَلَّمَهُمْ رَسُولُ الله، وَسَمِعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يُصَلِّي، فَمَجَّدَ اللهَ، وَحَمِدَهُ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((ادْعُ تُجَبْ، وَسَلْ تُعْطَ!)).

 

فإن قيل: فكيف يَسْأَلُ الْمُؤْمِنُ الْهِدَايَةَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ؟ فَهَلْ هَذَا مِنْ بَابِ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؟ فَالْجَوَابُ: لَا، وَلَوْلَا احْتِيَاجُهُ لَيْلًا وَنَهَارًا إِلَى سؤال الهداية، لما أرشده الله تعالى إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ الْعَبْدَ مُفْتَقِرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَحَالَةٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فِي تَثْبِيتِهِ عَلَى الْهِدَايَةِ وَرُسُوخِهِ فِيهَا وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَيْهَا، فَأَرْشَدَهُ تَعَالَى إِلَى أَنْ يَسْأَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ أَنْ يَمُدَّهُ بِالْمَعُونَةِ وَالثَّبَاتِ وَالتَّوْفِيقِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾ [النساء: 136] فَقَدْ أَمَرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْإِيمَانِ وَلَيْسَ ذلك من باب تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِمْرَارُ وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْأَعْمَالِ الْمُعِينَةِ عَلَى ذَلِكَ.

 

ولذلك جعل الله هذا الدعاء ركنًا قوليًّا نجهر به في الصلوات اليومية؛ لأنه إذا حصل البيان والدلالة والتعريف، أدى ذلك إلى هداية التوفيق وحُبِّب الإيمان في قلب صاحبه وزُين فيه، وحصل الرشد والهداية.

 

وفي قوله تعالى: ﴿ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ فيه التفصيل بعد قوله الصراط المستقيم؛ لبيان هذا الطريق الذي هو طريق الذين تكرّم الله عليهم بأعظم النعم، وقد ذكرهم الله في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: 69]، وفيها دليلٌ على أن نعمةَ الدين أكبرُ من نعمة الدنيا، ودليلٌ على أن الله تعالى له المنة الكبرى على من أنعم عليهم بهذه النعمة، وتأمل: ﴿ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ فليحمد العبد ربه على كل عمل صالح يعمله، فإنه بنعمة الله، وعونه وتوفيقه.

 

قوله تعالى: ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ فيه الاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين، والمغضوب عليهم هم اليهود ومن كان على شاكلتهم ممن عرفوا الحق وجحدوه، وعلموا الحق وعدلوا عنه، وأما الضالُّون فهم النصارى، ومن كان على شاكلتهم ممن ضلوا الطريق، وانحرفوا عن الجادة، ولا يهتدون إلى الحق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى))؛ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وقال الألباني: حسن لشواهده. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وكل من اليهود والنصارى ضالٌّ مغضوبٌ عليه، لكن أخص أوصاف اليهود الغضب، كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 60]، وقوله عنهم: ﴿ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ [البقرة: 90]، وأخص أوصاف النصارى الضلال، كما قال الله تعالى عنهم: ﴿ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ﴾ [المائدة: 77].

 

والاستعاذة من صراط المغضوب عليهم استعاذةٌ من أسباب الغضب، والاستعاذة من صراط الضالين استعاذة من أسباب الضلال. ومن علامة اهتدائك للصراط المستقيم مخالفة المغضوب عليهم والضالين، ومن سار على نهجهم، وفي سنن أبي داود، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((من تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ)).

 

التأمين:

يُستحب لمن يقرأ الْفَاتِحَةَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَهَا آمِينَ، ومعناه: اللهم استجب، فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا ((إِذَا قَالَ:- يَعْنِي الْإِمَامَ- ﴿وَلَا الضَّالِّينَ﴾ فَقُولُوا: ﴿آمِينَ﴾ يُجِبْكُمُ اللَّهُ))، وَعنده أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ: ﴿آمِينَ﴾ وَالْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ ﴿آمِينَ﴾ فَوَافَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))، وِمَعْنَى مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ فِي الزَّمَانِ، وَقِيلَ: فِي الْإِجَابَةِ، وَقِيلَ: فِي صِفَةِ الْإِخْلَاصِ.

 

أخيرًا، إن سورةً تبلغ أهميتها أن من تركها في الصلاة بطُلت صلاته لحقيقةٌ بالاهتمام، وجديرةٌ بالتعلُّم، وأهلٌ لأن يدرس المسلمون تفسيرها، ويتفهموا معانيها، ويتواصوا لتحصيل لطائفها وأسرارها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المعاني التي اشتملت عليها سورة الفاتحة
  • ما يؤخذ من سورة الفاتحة من فوائد وأحكام (1)
  • الأخطاء الشائعة في تلاوة سورة الفاتحة
  • هدايات سورة الفاتحة (خطبة)
  • الفاتحة وتوحيد الأسماء والصفات
  • مع سورة الفاتحة
  • هدايات قرآنية في الآل والذرية

مختارات من الشبكة

  • الفاتحة: هدايات إيمانية ومحكمات ربانية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هدايات فاتحة الكتاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الفاتحة وتقرير الإيمان بالقدر (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسرار الفاتحة (1) اعرف ربك من خلال سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات سورة هود (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات الآيات الأواخر من سورة البقرة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • هدايات سورة يوسف (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: هدايات سورة التوبة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هدايات سورة الأنفال(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من هدايات سورة الشعراء: مناظرة الكليم عليه السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب