• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

التحقيق في المسائل الخلافية وليس الخلاف حجة

التحقيق في المسائل الخلافية وليس الخلاف حجة
الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2022 ميلادي - 7/11/1443 هجري

الزيارات: 14767

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التحقيق في المسائل الخلافية وليس الخلاف حجة

 

الحمد لله، نحمَده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:

أهمية التحقيق في المسائل الخلافية وأن الخلاف ليس حجة:

الحمد لله القائل: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، القائل: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله))[1]، أما بعد:

فإن القرآن العظيم والسنة المطهرة هما المرجع عند الاختلاف والتنازع في أي أمر؛ يقول الله عز وجل: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 10]، فرد الله التنازع إلى الدليل من كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل القرآن والسنة حاكمين عند الاختلاف، ولم يجعل الاختلاف حاكمًا عليهما، وهكذا سار المسلمون عبر قرون طويلة، إلا عند ضعف سلطان الحق، وتغلب سلطان الباطل، كما هو حاصل في زماننا هذا؛ إذ انتفش الباطل، وطل قرنه، وانتشرت الأهواء، وكثرت الفتاوى المضللة، والمفتون المضلون والمتساهلون، واختلفت آراؤهم وفتاواهم اختلافًا بينًا، فأصبح المرجع- مع الأسف- عند كثير من المسلمين هو الاختلاف وليس الدليل، وقد كان الناس قبل عقود- بل سنوات قليلة- إذا تباحثوا في مسألة ما، قال أحدهم: ما الدليل؟ واليوم وبعد أن سمع فتوى فلان وفلان، قال لك: المسألة فيها خلاف، فرد التنازع إلى الخلاف لا إلى الدليل من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وبدلًا من أن يجعل القرآن والسنة حاكمين عند الاختلاف، جعل الاختلاف حاكمًا عليهما، ومرد ذلك إلى الجهل والهوى، والتساهل والتهاون في اتباع الشرع، والأخذ بالدليل، وليعلم أن الاحتجاج بالخلاف مطلقًا، واعتقاد أن للمسلم الأخذ بأحد الأقوال المختلف فيها فيه ضياع للدين ونقض للشريعة؛ لأن أكثر مسائل الفقه مختلف في حكمها، أما المسائل الفقهية المجمع عليها فإنها قليلة؛ فهل ألزمنا الشارع باتباع القليل فقط، وترك لنا الخيار في الكثير؟! فالاحتجاج بالخلاف، وجعله ندًّا للنص، جهلٌ بالشرع، ومسلك خطير، ومزلق كبير، ولو فتح هذا الباب لانهدمت كثير من أصول الإسلام، وتقوضت دعائمه وأحكامه وشرائعه، وقد نبَّه علماء الأمة على خطأ كثير من الناس في ظنهم أن اختلاف العلماء في مسألة من المسائل حُجة تبيح لهم أن يختاروا منها ما يشاؤون. قال الإمام الشافعي: (كل ما أقام الله به الحجة في كتابه، أو على لسان نبيه منصوصًا بينًا، لم يحل الاختلاف فيه لمن علمه)[2].

 

كما بين العلماء أن الخلاف ليس بحجة عند أحد من علماء المسلمين، قال ابن عبد البر: (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله)[3].

 

وقال الخطابي: (ليس الاختلاف حجة، وبيان السنة حجة على المختلفين)[4].

 

وقال الشاطبي: (صار الخلاف في المسائل معدودًا في حُجج الإباحة، فربما وقع الإفتاء في المسألة بالمنع، فيقال: لمَ تمنع والمسألة مختلف فيها؟ فيجعل الخلاف حجة في الجواز لمجرد كونها مختلفًا فيها، لا لدليل يدل على صحة مذهب الجواز، ولا لتقليد مَن هو أولى بالتقليد من القائل بالمنع، وهو عين الخطأ على الشريعة؛ حيث جعل ما ليس بمعتمد معتمدًا، وما ليس بحجة حجة)[5]؛ مثال ذلك في زماننا: أن يفتي عالم ثقة في مسألة ما بالتحريم مستدلًّا بدليل صحيح، ثم يفتي بحلها مجهول من مجاهيل الفضائيات، أو طويلب علم دون دليل، أو دون فهم صحيح للأدلة، فيأتي المستفتي ويعترض على العالم، ويقول له: لمَ تفتي بالتحريم والمسألة مختلف فيها؟ فيشير الشاطبي إلى أن من فعل هذا: لا هو أخذ بالدليل، ولا بقول الأعلم؛ فما هو إلا الهوى واتباع الشهوات.

 

والخلاف نوعان: خلاف سائغ معتبر، وله حظ من النظر، وخلاف غير سائغ، وغير معتبر، ولا حظ له من النظر، والخلاف السائغ درجات، كما أن غير السائغ كذلك درجات أو دركات.

 

فما كان من المسائل الاجتهادية التي لا دليل عليها من كتاب أو سنة، أو كانت أدلتها متكافئة لدى الطرفين، وتجاذبها دليلان شرعيان صحيحان يتعذر الجزم بصواب أحدهما؛ فهذه من مسائل الخلاف المعتبر، وتسميتها بالمسائل الاجتهادية أولى من تسميتها بالمسائل الخلافية؛ للتمييز بينهما، فكل مسألة اجتهادية هي مسألة خلافية، وليس كل مسألة خلافية هي مسألة اجتهادية، فإذا قيل: المسألة فيها خلاف، يقال: هل هو خلاف سائغ معتبر أم لا؟ وهل هو خلاف اجتهادي بلا نص من كتاب أو سنة، أم خلاف مع النص؟ وقد فرق العلماء بينهما؛ قال ابن تيمية: (إنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس، والصواب الذي عليه الأئمة: أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبًا ظاهرًا؛ مثل: حديث صحيح لا معارض له من جنسه، فيسوغ - إذا عدم ذلك فيها - الاجتهاد؛ لتعارض الأدلة المتقاربة، أو لخفاء الأدلة فيها)[6]، والمسائل الخلافية خلافًا غير معتبر ولا سائغ كثيرة جدًّا، ولا تحصى، ولا يصح أن يقال عنها: (المسألة فيها خلاف)، ومن ذلك:

1- ركنية قراءة الفاتحة للإمام والمنفرد مسألة خلافية[7]، مع وجود النص الصريح: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب))[8].

 

2- ركنية الطمأنينة في الصلاة، مسألة خلافية[9] ليس فيها إجماع، مع وجود النص الصحيح: ((ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تستوي وتطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا))[10].

 

3- صلاة الاستسقاء جماعة سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من مسائل الخلاف[11].

 

4- مدة المسح على الخفين للمقيم يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن مسألة خلافية[12] مصادمة لنص الحديث الصريح: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم"[13].

 

5- تختم الرجال بالذهب، ولبسهم الحرير، من مسائل الخلاف[14]، مع وجود النص الصريح.

 

6- النبيذ المسكر كثيره وإن كان من غير عصير العنب، يحرم قليله ولو لم يسكر، عند جماهير العلماء، وهي مسألة خلافية[15] ليس فيها إجماع.

 

7- حرمة حلق اللحى، وهو قول الأئمة الأربعة؛ بل حكي الإجماع على ذلك[16]، وهي من مسائل الخلاف[17]، مع أن أدلة التحريم صريحة، والأمر بإعفائها واضح كوضوح الشمس، وبألفاظ مختلفة عند البخاري ومسلم[18]: ((أعفوا اللحى))، ((أرخوا اللحى))، ((وفروا اللحى))، ((أوفوا اللحى))، ثم يأتي من يحلقها، أو يأخذ منها أخذًا شديدًا يتنافى مع هذه الألفاظ المحكمة، ويقول: المسألة فيها خلاف، مستشهدًا بقول فلان وفلان.

 

8- ومن مسائل الخلاف التي يتذرع بها بعض من يسعى لهدم الأسرة المسلمة: مسألة ولاية المرأة، وحكم الولي في النكاح؛ فجماهير المسلمين ومن قبلهم الصحابة الكرام يرون أنه لا يصح النكاح بدون ولي للمرأة؛ لحديث: ((لا نكاح إلا بولي))[19]، وهي مسألة خلافية[20]، الخلاف فيها غير معتبر، والمسائل الخلافية كثيرة جدًّا لا حصر لها، كما أن المسائل الاجتهادية ذات الخلاف السائغ المعتبر كثيرة أيضًا، ومن ذلك: وضع اليمنى على اليسرى بعد الركوع أم إرسالهما؟ النزول على الركبتين أم على اليدين في السجود؟ قراءة الفاتحة خلف الإمام في الجهرية، جلسة الاستراحة وتركها، البخور هل هو مفطر للصائم أم لا؟ اختلاف المطالع في رؤية الهلال، وهل لكل بلد رؤيتهم أم يلزم جميع البلاد رؤية بلد واحد؟ حكم زكاة الحلي المعد للاستخدام والزينة، وغيرها من المسائل.. وإن مما يؤسف له ما انتشر بين صفوف الشباب والفتيات- حتى بعض المحافظين منهم، وممن ظاهره الاستقامة- من البحث عن المسائل المختلف فيها؛ للأخذ بالأسهل منها، بغض النظر عن ثبوتها بالدليل أو من قال بها، وتعدى ذلك إلى تبنيها، والدفاع عنها، والرد على من ينبههم على خطئها بقولهم، رغم بعدها عن الدليل وافتقارها إليه؛ مثل: عدم المواظبة على صلاة الجماعة، والأخذ من اللحية أخذًا شديدًا أشبه بحلقها، وسماع المعازف، والتشبه بالفسقة والكفرة في اللباس والزينة، وكشف الفتاة الشابة وجهَها وكفَّيْها أمام الرجال الأجانب، وربما جزءًا من ساعدها، وظهور بعض الزينة منها؛ كالحلي وغيرها، واختلاطها بالرجال الأجانب اختلاطًا شائنًا، وسفرها من غير محرم، وتزيين البيوت بالمجسمات من ذوات الأرواح؛ كالحيوانات وغيرها، وغير ذلك من المسائل الخلافية خلافًا غير معتبر، ومخالفًا للأدلة الصحيحة الصريحة. وأسوأ من ذلك أن يعدها من الرخص، فإذا نبهته قال لك: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه))[21]، وهذا خلط بين رخص الشريعة واختلاف العلماء؛ فالمقصود بالحديث رخص الله لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؛ كترخيصه للمسافر الفطر في رمضان وجمع الصلوات وقصرها، وما شابه ذلك، أما ما تساهل فيه بعض العلماء، وحكموا بجوازه خلافًا للدليل؛ فليس من رخص الله؛ قال أبو أحمد الكرجي القصاب[22]: (أرى كثيرًا من الناس يحملون هذا الخبر على غير محله، ويتأولونه على غير جهته؛ فيرون أن الرخص المذكورة عن أهل العلم داخلة في الخبر، وليس كذلك؛ لأن رسول الله أضاف الرخص إلى الله عز وجل، فقال: ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يحب أن تؤتى عزائمه))، ورخصه غير رخص غيره، فمن سمى رخص العلماء رخصة، فقد افترى على الله الكذب)[23].

 

أما تتبُّع رخص العلماء وتساهلاتهم، فهو زللٌ كبير نبَّه العلماء على خطورته على صاحبه؛ قال ابن حزم: (واتفقوا أن طلب رخص كل تأويل بلا كتاب ولا سنة فسق لا يحل)[24]، وقد يكون العالم نفسه معذورًا في هذا ومأجورًا، بعكس من تتبع زلته أو رخصته بالهوى والتشهي، قال الشنقيطي: (إن كان من مسائل الاجتهاد فيما لا نص، فلا يحكم على أحد المجتهدين المختلفين بأنه مرتكب منكرًا، فالمصيب منهم مأجور بإصابته، والمخطئ منهم معذور)[25].

 

شبهة والرد عليها: قد يقال: لا خلاف في الأخذ بالدليل؛ لكن ما تحرمه بدليل يحله غيرك بدليل آخر، وما تفهمه من الدليل أنت، أو من أخذت بقوله يخالفك في فهمه غيرك، فلا تلزمني بدليلك أو بفهمك أو فهم فلان، فليس من أخذت بقوله بأولى ممن أخذت بقوله، ما دام هناك خلاف في المسألة بين العلماء، سواء في الأخذ بالدليل أو في فهمه، هذه الشبهة يدندن حولها أصحاب الأهواء والشهوات، ولأن طرحها كثر في وسائل الإعلام المختلفة القديمة والحديثة تأثر بها شباب المسلمين وفتياتهم، وتلقفها بعض طلبة العلم تحت الضغط الهائل من هذه الوسائل، ووطأة الانهزام النفسي، وللرد عليها يقال: نعم، لو كان في المسألة دليلان صحيحان صريحا الدلالة، وأخذ بكل واحد منهما علماء ثقات، فلن يلزمك أحد بأحد القولين، وهذا ما سبق بيانه وتسميته بمسائل الخلاف السائغ والمعتبر، وكذلك لو كان هناك نص واحد يحتمل معنيين، ويتعذر الترجيح بينهما، كحديث: ((لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة))[26].

 

لكن الكلام هنا عن المسائل المعارضة بالدليل الصحيح أو القياس الجلي، وما عليه العلماء الثقات مقابل أقوال شذ فيها بعض العلماء، أو أقوال لأنصاف العلماء وأرباعهم؛ بل بعضهم ليس هو من العلم في شيء، ثم تأتي الفتاة أو الشاب ويقول: المسألة فيها خلاف، ويعني بالمخالف أحد هؤلاء مقابل العلماء الثقات، ومقابل القول المستند إلى دليل صحيح، وفهم واضح صريح.

 

وفي الختام، أذكر كل من تساهل، وقدَّم الخلاف على الدليل، أو تتبع رخص العلماء، وقلَّد المتساهلين، وترك متابعة الراسخين في العلم والثقات من العلماء، أذكرهم بأن الاختيار بالهوى والتشهي مضادٌّ للرجوع إلى الله ورسوله المأمورين به، وأن تتبع رخص العلماء وزللهم وتساهلاتهم من الاستهانة بالدين، واتباع الهوى.

 

ومن مقاصد الشرع المطهر: إخراج الإنسان عن داعية هواه؛ فمن استرسل مع هواه لم يحقق هذه المقاصد، وكلما استكثر الإنسان من ذلك كان أدعى لخروجه من ربقة التكليف والعبودية الحقة لله سبحانه، حتى يصير عبدًا لهواه، وتذهب هيبة الدين من قلبه، ويستهين بالمحرمات، وهذا ما نشاهده اليوم من المتساهلين، ما أن يبدأ أحدهم في تساهلاته وتنازلاته إلا وتجده بعد مدة قصيرة قد ذاب معها وانجرف، وربما ضاع وانحرف.

 

نسأل الله العفو والسلامة، فليحذر أولئك المتساهلون، وليعدوا جوابًا للسؤال بين يدي الله الجبار، يوم يبعثون ليوم عظيم؛ ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [المطففين: 6].

 

ولا يصح أن يحتجَّ على إباحتها بوجود من أفتى بجوازها، فإن اختلاف العلماء ليس بحجة شرعية في نفسه، ولا يؤثر على الحكم الشرعي بشيء.

 

قال ابن عبد البر: (الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله)؛ ا هـ.

 

وقال ابن تيمية: (تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في الأمر نفسه؛ فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام في الأمر نفسه، فإن ذلك وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ا هـ.

 

والواجب في حال وجود الخلاف في مسألة، البحث عن القول الأرجح دليلًا لمن كان أهلًا لذلك، ومن لم يمكنه الترجيح فإنه يقلد من يثق بعلمه وتقواه، وليس للمرء في حال الاختلاف بين العلماء أن يختار من أقوال العلماء لمجرد التشهي.

 

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يهدينا ويهدي شبابنا وفتياتنا للحق، وأن يردهم إليه ردًّا جميلًا، وأن يرينا وإياهم الحق حقًّا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلًا ويرزُقنا اجتنابه، وأن يحبب إلينا وإليهم قبول الحق، ويكره إلينا وإليهم الباطل والزيغ والفساد.

 

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...

 

يتبع...



[1] أخرجه البخاري (7137).

[2] ((الرسالة)) (ص: 560).

[3] ((جامع بيان العلم وفضله)) لابن عبد البر (2/ 922).

[4] ((أعلام الحديث)) (3/ 209).

[5] ((الموافقات)) (5/ 93).

[6] ((الفتاوى الكبرى)) (6/ 96).

[7] ينظر: ((المبسوط)) للسرخسي (1/ 22).

[8] أخرجه البخاري (756)، ومسلم (394).

[9] انظر: ((التجريد)) للقدوري (2/ 525)، ((التبصرة)) للخمي (1/ 284).

[10] جزء من حديث أخرجه البخاري (6667)، ومسلم (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[11] ينظر: ((الهداية)) (1/ 88)، ((العناية)) للبابرتي (2/ 91)، ((البناية)) للعيني (3/ 150).

[12] ينظر: ((التاج والإكليل)) (1/ 319)، ((الشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي)) (1/ 142).

[13] أخرجه مسلم (276).

[14] ينظر: ((شرح النووي على مسلم)) (14/ 32)، ((إكمال المعلم)) للقاضي عياض(6/ 604).

[15] ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (6/ 46)، ((الدر المختار وحاشية ابن عابدين)) (6/ 453).

[16] ينظر: ((مراتب الإجماع)) لابن حزم (ص: 157)، ((الإقناع في مسائل الإجماع)) لابن القطان (2/ 299).

[17] ينظر: ((إعانة الطالبين)) للدمياطي (2/ 386)، ((تحفة المحتاج)) للهيتمي (9/ 375).

[18] ينظر: البخاري (5893،5892)، ومسلم (260،259).

[19] أخرجه أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

[20] ينظر: ((الهداية)) (1/ 196)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (3/ 117).

[21] أخرجه أحمد (5866)، وابن حبان (2742) من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

[22] وهو من أعيان القرن الرابع الهجري.

[23] ((النكت الدالة على البيان في أنواع العلوم والأحكام)) (2/ 500).

[24] ((مراتب الإجماع)) (ص: 175).

[25] ((أضواء البيان)) (1/ 464).

[26] أخرجه البخاري (946).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • استدلال ابن كثير باللغة في المسائل الخلافية

مختارات من الشبكة

  • حاجة كتاب (غاية النهاية) لابن الجزري للتحقيق ، وحاجة التحقيق للتنسيق(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • التحقيق في مسائل أصول الفقه التي اختلف النقل فيها عن الإمام مالك بن أنس (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحقيق والإيضاح لكثير من مسائل الحج والعمرة(مقالة - ملفات خاصة)
  • التحقيقات التي حظي بها كتاب البرهان للإمام الزركشي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مخطوطة التحقيق في مسألة الطلاق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تحقيق الكلام في المسائل الثلاث ( الاجتهاد والتقليد، السنة والبدعة، العقيدة ) (PDF)(كتاب - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • مخطوطة المسائل البهية الزكية على المسائل الاثني عشرية (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة المسائل البهية الزكية على المسائل الاثني عشرية(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الخلاف في المسائل الاجتهادية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مسائل في فقه الخلاف: التأدب بأدب الخلاف والتسامح في مورد الاجتهاد(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب