• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

عبد الرحمن بن عوف ودوره في الأزمات (خطبة)

عبد الرحمن بن عوف ودوره في الأزمات (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/4/2022 ميلادي - 29/8/1443 هجري

الزيارات: 19140

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبدالرحمن بن عوف ودوره في الأزمات

 

الخطبة الأولى

إخوة الإسلام: في ظل ما يعانيه العالم من أزمات ومشكلات، وارتفاع في الأسعار، وشكوى كثير من الفقراء من الغلاء - نذكر الأغنياء والأثرياء ورجال الأعمال بسيرةٍ لا كالسير، ورجل لا كالرجال؛ بسيرة ملياردير الصحابة عبدالرحمن بن عوف ودوره في الأزمات، وكيف سخر ماله في خدمة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتقديم المساعدات العاجلة عند كل نائبة، رجل باع ماله لله، واشترى رضوانه دار كرامته، رجل لم يخشَ الفقر ولا الفاقة، بل كلما ازداد إنفاقه، زاده الله تعالى من فضله أضعافًا مضاعفة، رجل كان ما ترك فقيرًا إلا أعطاه، ولا محتاجًا إلا أغناه، ولا أرملة إلا أنفق عليها؛ فأعيروني الأسماع والقلوب، أحباب علام الغيوب.

 

نسبه ونشأته رضي الله عنه:

هل تعرفون ذلك الصحابي؟ هل شباب الأمة تعرَّفوا على سيرته أم أنهم لا يعرفون إلا لاعبي الكرة والفنانين والفنانات؟ هل تعرفت أيها الغني على ذلك الملياردير الذي سخر ماله؟

إنه عبدالرحمن بن عوف بن عبدعوف الزهري بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي؛ أبو محمد.

 

أحد العشرة، وأحد الستة أهل الشورى، وأحد السابقين البدريين، القرشي، الزهري.

 

وهو أحد الثمانية الذين بادروا إلى الإسلام[1]، وهو من بني زهرة؛ أخوال النبي صلى الله عليه وسلم وأقاربه من جهة أمه السيدة آمنة.

 

ولقد نشأ عبدالرحمن بن عوف نشأةً صافية، وعرف بين قومه بسداد رأيه، ورجاحة عقله، وكان لا يأبه بأعمال الجاهلية وعاداتها، وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر الشورى فيهم، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راضٍ.

 

إسلام عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه:

أسلم عبدالرحمن بن عوف قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ حيث إن أبا بكر عمل بالدعوة مباشرة بعد إسلامه، وكان رضي الله عنه رجلًا مألفًا لقومه محبًّا سهلًا، وكان أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجلًا تاجرًا ذا خُلُق، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وتجارته وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه، فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيدالله، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالرحمن بن عوف، رضي الله عنهم، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعهم أبو بكر رضي الله عنه، فعرض عليهم الإسلام، وقرأ عليهم القرآن، وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله، وكان عمره عند إسلامه ثلاثين عامًا.

 

ولقد نال عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ما نال الصحابة الكرام من إيذاء المشركين، فاضطر إلى الهجرة خارج مكة مرتين؛ مرةً إلى الحبشة، وأخرى إلى المدينة؛ حيث استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فضائله ومناقبه رضي الله عنه:

وها هي زهرات من مناقبه ومن فضائله رضي الله عنه تدلك - أيها المسلم - على المنزلة التي أنزله الله تعالى إياها ما ناله محابة ولا مجاملة، وما نال تلك الأوسمة إلا لفضله وعمله ودوره في الدعوة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقد وقر الإيمان في القلب وصدقته الجوارح.

 

هو أحد العشرة المبشرة بالجنة، يكفيه فخرًا وشرفًا؛ إنه مبشر بالجنة كان يمشي بين الناس، ويعلم الكل أن الذي يسير بينه رجل من أهل الجنان؛ عن ‌عبدالرحمن بن الأخنس: ((أنه كان في المسجد فذكر رجلٌ عليًّا، فقام ‌سعيد بن زيد، فقال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته وهو يقول: ‌عشرة ‌في ‌الجنة: النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير بن العوام في الجنة، وسعد بن مالك في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، ولو شئت لسميت العاشر، قال: فقالوا: من هو؟ فسكت قال: فقالوا: من هو؟ قال: هو سعيد بن زيد))[2].

 

تلك المكارم ‌لا ‌قَعْبَانِ ‌من ‌لبنٍ
شِيبا بماء فعادا بعد أبوالا

عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((عبدالرحمن بن عوف أمين في أهل السماء، وأمين في أهل الأرض))[3].

 

روي عن عمر رضي الله عنه، أنه قال في عبدالرحمن: "هذا العدل الرضي".

 

وقال عمر في عبدالرحمن بن عوف أيضًا: "أنه سيد من سادات المسلمين".

 

ولقد صلى وراءه النبي صلى الله عليه وسلم: ومن مناقبه التي لا تبارى أنه صلى خلفه سيد البرايا صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، يقول المغيرة بن شعبة: ((عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر، فعدلت معه، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز، ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة، فغسل كفيه، ثم غسل وجهه، ثم حسر عن ذراعيه، فضاق كما جبته، فأدخل يديه، فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما إلى المرفق، ومسح برأسه ثم توضأ على خفيه، ثم ركب فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدموا عبدالرحمن بن عوف، فصلى بهم حين كان وقت الصلاة، ووجدنا عبدالرحمن وقد ركع بهم ركعةً من صلاة الفجر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصفَّ مع المسلمين فصلى وراء عبدالرحمن بن عوف الركعة الثانية ثم سلم عبدالرحمن، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ففزع المسلمون فأكثروا التسبيح؛ لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: قد أصبتم، أو قد أحسنتم))[4].

 

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ((لما رأى من عبدالرحمن بن عوف الجود في سبيل الله، قال: أذهبُ يا ابن عوف؛ فقد أدركت صفوها وسبقت كدرها))[5].

 

وها هي التزكية المحمدية لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه عن ‌سعيد بن زيد رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء، ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنهم، قال: ‌اثبت ‌حراء، ‌فإنما ‌عليك ‌نبي، أو صديق، أو شهيد، وذكر سعيد أنه كان معهم))[6].

 

شجاعة عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه:

ولقد كان رضي الله عنه شجاعًا لا يبارى، وأسدًا من أسود الله تعالى؛ فقد شهد عبدالرحمن بدرًا والمشاهد كلها، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، حتى إنه حصلت له إصابات بالغة، فقيل: إنه أُصيب يوم أحد بعشرين جراحة، وأن إحدى هذه الإصابات تركت عرجًا دائمًا في إحدى ساقيه، كما سقطت يوم أحد بعض أسنانه، فتركت خللًا واضحًا في نطقه وحديثه.

 

يغشون حومات المنون وإنها
في الله عند نفوسهم لصَغَارُ

انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف، وجوده الذي لا يخاف الفقر.

 

انظروا طهره وعفته.

 

انظروا صدقه وأمانته.

 

وكانت ‌شجاعته وسخاؤه كفرسي رهان.

 

انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن، والفضيلة، والعظمة، ثم لا تعجبوا، ومن مواقف بطولته ما كان في يوم أحد، فقد كان من النفر القليل الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يفر كما فر غيره؛ قال الحارث بن الصمة: ((سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وهو في الشعب: هل رأيت عبدالرحمن بن عوف؟ قلت: نعم يا رسول الله، رأيته إلى ‌جنب ‌الجبيل، ‌وعليه ‌عسكر من المشركين، فهويت إليه لأمنعه، فرأيتك، فعدلت إليك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إن الملائكة تقاتل معه، قال الحارث: فرجعت إلى عبدالرحمن، فأجده بين نفر سبعة صرعى، فقلت له: ظفرت يمينك، أكل هؤلاء قتلته؟ قال: أما هذا لأرطأة بن عبدشرحبيل، وهذان فأنا قتلتهما، وأما هؤلاء فقتلهم مَن لم أرَه، قلت: صدق الله ورسوله))[7].

 

تجارته: كان رضي الله عنه تاجرًا، بارك الله في صفقة يمينه:

إخوة الإسلام، لقد جعل الله تعالى البركة في صفقة يمين عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه حتى عبر عن ذلك بقوله: "فلقد رأيتني لو رفعت حجرًا لرجوت أن أصيب ذهبًا أو فضة"[8].

 

فهو التاجر الناجح، أكثر ما يكون النجاح وأوفاه.

 

وهو الثري، أكثر ما يكون الثراء وفرة وإفراطًا.

 

وهو المؤمن الأريب، الذي يأبى أن تذهب حظوظه من الدين، ويرفض أن يتخلف به ثراؤه عن قافلة الإيمان ومثوبة الجنة، فهو رضي الله عنه يجود بثروته في سخاء وغبطة ضمير!

 

ولم تكن التجارة عند عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه شرهًا ولا احتكارًا، بل لم تكن حرصًا على جمع المال شغفًا بالثراء، كلا، إنما كانت عملًا، وواجبًا يزيدهما النجاح قربًا من النفس، ومزيدًا من السعي، وكان ابن عوف يحمل طبيعة جياشة، تجد راحتها في العمل الشريف حيث يكون.

 

ومع أن المؤرخين لم يذكروا نوع تجارته، ولكن من النتف القليلة من أخباره يمكن القول: إن مصادر دخله كانت متعددة، فقد كانت له تجارة بين الحجاز والشام وغيرها، وكان له في المدينة بيع وشراء في العقار، فقد باع أمواله بكيدمة وهو سهمه من بني النضير بأربعين ألف دينار[9].

 

وعمل في التجارة بالأنعام والخيول، فقد كان على مربطه ألف فرس وألف بعير وعشرة آلاف غنم[10].

 

كما كان يزرع بالجرف وخصص لسقيه عشرين جملًا لنقل الماء إليه، وكان يدخل قوت أهله من ذلك لمدة سنة[11].

 

كما أنه أوصى لمن بقي من مقاتلين غزوة بدر أن لكل رجل فيهم 400 دينار، وكانوا مائة فأخذوها، وأوصى أيضًا بالتصدق بألف فرس في سبيل الله من حر ماله.

 

قال محمد بن عبدالرحمن بن عوف: "توفي عبدالرحمن، فكان فيما ترك ذهب قطع بالفؤوس؛ حتى مجلت أيدي الرجال منه"[12].

 

دور عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه في الأزمات:

معاشر الموحدين كان رضي الله عنه من المسارعين إلى الخيرات السابقين إلى المكرمات، يترك بابًا من أبواب الخير إلا وأسهم فيه؛ فقد تصدق ليوم العسرة بأربعة آلاف دينار وكان نصف ماله[13].

 

وكلما زاد ماله، زاد مقدار إنفاقه، فبعد أن تصدق بأربعة آلاف صار يتصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس، ثم حمل على ألف وخمسمائة راحلة، وكل ذلك في سبيل الله[14].

 

وأعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا[15].

 

ومن أروع صور الإنفاق في الأزمات تلك القافلة التي أتت، وأهل المدينة في عناء شديد، فقد قدمت قافلته رافدةً وافدة، تجوب المدينة، سبعمائة جمل محملة بالزبيب والحبوب، والطعام والثياب، فاجتمع عليها التجار، وأرادوا نهبها بالشراء، فقال: كم تعطوني في الدرهم الواحد؟ قالوا: نعطيك في الدرهم درهمًا، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك ثلاثة، قال: وجدت من زادني، فقالوا: نحن تجار المدينة ولا يزيدك على ما زدناك أحد، قال: لا والذي نفسي بيده، قد زادني رب العالمين إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة؛ فقال: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، أشهدكم، وأشهد الله وملائكته أنها في فقراء المدينة، وفي مساكين المدينة فقسمت في غداة واحدة، وتوزع الناس يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.

 

وإذا كانت الجارة والثروات، إنما تحصى بأعداد رصيدها وأرباحها، فإن ثروة عبدالرحمن بن عوف إنما تعرف مقاديرها وأعدادها بما كان ينفق منها في سبيل الله رب العالمين.

 

آه أيها المسلمون، أين نحن من عبدالرحمن بن عوف وأخلاقه؟

آه أيها المسلمون من تجار يستغلون الأزمات، ويحتكرون السلع، ويرفعون أسعارها، لقد أصاب كثير من التجار السعار والشغف بحب الأموال؛ فاحتكروا السلع، ولم يرحموا فقيرًا أو ضعيفًا أو مسكينًا، أو أرملة أو يتيمًا، لا همَّ لهم إلا المال، انتفخت جيوبهم بالأموال، وخويت لقلوبهم من الرحمة، والرأفة، والخوف من الكبير المتعال.

 

وتبرع بمائة راحلة جاءته من مصر على فقراء المدينة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وردت له قافلة من تجارة الشام، فحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة.

 

كان عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه يقرض الله قرضًا حسنًا، فيضاعفه الله له أضعافًا، فقد باع يومًا أرضًا بأربعين ألف دينار، فرقها جميعًا على أهله من بني زهرة، وأمهات المسلمين، وفقراء المسلمين، وقدم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام، ويومًا آخر ألفًا وخمسمائة راحلة، وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرًا، حتى وصل للخليفة عثمان نصيب من الوصية فأخذها، وقال: "إن مال عبدالرحمن حلال صفو، وإن الطعمة منه عافية وبركة".

 

وبلغ من جود عبدالرحمن بن عوف أنه قيل: "أهل المدينة جميعًا شركاء لابن عوف في ماله، ثلث يقرضهم، وثلث يقضي عنهم ديونهم، وثلث يصلهم ويعطيهم"[16].

 

هذه حقيقة رجل ثري في الإسلام.

 

فهل رأيتم ما صنع الإسلام به، حتى رفعه فوق الثراء بكل مغرياته ومضلاته، وكيف صاغه في أحسن تقويم؟

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

فأبعث رسالة إلى الأغنياء ورجال الأعمال: أين دوركم في الأزمات؟

إخوة الإسلام: بعد أن رأينا سيرة لا كالسير، ورأينا الجود والكرم، ورأينا الإيثار الذين قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 262، 263].

 

وسمعنا دعوة الله عز وجل وهو يدعونا إلى الإنفاق؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 267، 268].

 

فهنيئًا لمن أعتق نفسه من النار بالدرهم والدينار، وهنيئًا لمن وسع قبره بالبذل والعطاء، فإن الله لا يستقل شيئًا، والبخل إنما هو من شيمة العبد يوم ينسى الله ولقاءه: ﴿ قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100].

 

أين الذين يسارعون في الخيرات؟ أين الذين يعملون ليوم تنفع فيه خُلَّة ولا شفاعة؟

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 254].

 

أين الذين يتقون النار بالإنفاق على من أصابهم الإملاق؟

ويستعرض صلى الله عليه وسلم في الصحيح فضل الصدقة؛ فيقول في حديث عن عدي بن حاتم الطائي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه عز وجل، ليس بينه ‌وبينه ‌ترجمان، فينظر عمن أيمن منه، فلا يرى إلا شيئًا قدمه، وينظر عمن أشأم منه، فلا يرى إلا شيئًا قدمه، وينظر أمامه، فتستقبله النار، فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة فليفعل))[17].

 

فانظر لنفسك كيف تنزل نفسك تلك المنازل، فوالله، لا يبقى للإنسان إلا ما قدم في الدنيا لوجهه تبارك وتعالى.



[1] «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة» (1/ 68)، «طبقات ابن سعد: 3/ 1/ 87 - 97، نسب قريش: 265، 448، طبقات خليفة: 15، تاريخ خليفة: 166.

[2] أخرجه أحمد (1629)، وأبو داود (4650)، وابن ماجه (133)، وابن أبي عاصم في السنة (1434)، والنسائي في الكبرى (8219)، والشاشي (216).

[3] أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 134)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 616 رقم 1415).

[4] صحيح أبي داود: (149).

[5] مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (6/ 20).

[6] أخرجه أحمد 1/ 188، 189، وأبو داود (4648) في السنة: باب في الخلفاء، والترمذي (3758) في المناقب، باب: مناقب سعيد بن زيد وقال: هذا حديث حسن صحيح.

[7] معرفة الصحابة لأبي نعيم (2/ 771)

[8] رواه أحمد، حديث رقم 13890.

[9] إتحاف الخيرة المهرة 7/ 223.

[10] تاريخ ابن خلدون 1/ 256.

[11] Sahaba.rasoolona.com/sahaby/21609

[12] مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (6/ 20).

[13] تاريخ دمشق 35: 26.

[14] تاريخ دمشق 35/ 263، سير أعلام النبلاء 1/ 81، أسد الغابة 3/ 475.

[15] أسد الغابة 3/ 475 [22].

[16] فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب (1/ 570).

[17] مسند أحمد (30/ 181 ط: الرسالة)، وأخرجه الترمذي (2415)، وابن ماجه (185)، و(1843)، وابن أبي عاصم في "السنة" (606).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
  • عبد الرحمن بن عوف (خطبة)
  • المسلمون ومواجهة أزمات العصر (خاطرة)
  • تجاوز الأزمات بعد البلاء

مختارات من الشبكة

  • الذاكرة الشعبية لعبد الرحمن بن عبد الله الشقير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • لقاء فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن عبد العزيز الدهامي على قناة وصال (برنامج أني صائم)(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الدهامي)
  • دورة سماحة الشيخ "عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين" العلمية الصيفية السادسة عشرة(مقالة - المسلمون في العالم)
  • من وثائق العلاقات السعودية المصرية في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود(كتاب - موقع موقع الدكتور خالد بن عبدالرحمن بن علي الجريسي)
  • الإجزاء عند الأصوليين مفهومه وأحكامه لمحمود عبد الرحمن عبد المنعم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • ثلاث فوائد من حديث: إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إصدارات دار الألوكة للنشر (التاريخية)(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • ترجمة الإمام أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت 597هـ) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من مائدة الصحابة (عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أعلام التاريخ (عبد الرحمن بن عوف) رضي الله عنه(محاضرة - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب