• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه

وجوب تصديق النبي صلى الله عليه وسلم واتباعه
د. محمود بن أحمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/2/2022 ميلادي - 10/7/1443 هجري

الزيارات: 31833

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وجوبُ تَصْدِيقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم واتِّباعِه

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:

فالحديث عن "وجوب تَصْدِيقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم واتِّباعِه" يُجْمَع في مطلبين:

المطلب الأول: تصديقُه صلى الله عليه وسلم فيما أخْبَرَ به.

المطلب الثاني: اتِّباعُه صلى الله عليه وسلم وطاعَتُه، والأخْذُ بما شَرَعَه.

 

المطلب الأول: تصديقُه صلى الله عليه وسلم فيما أخْبَرَ به:

الإيمان في حقيقته هو التَّصديق الذي لا يعتريه شك، وتصديق النبي صلى الله عليه وسلم هو الباب الأوَّل للإيمان، فلا إيمان لِمَن لم يُصَدِّقْه صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما أخبر به، وإنْ لم يره، فقد اختاره الله تعالى ليكون الواسطةَ بينه وبين خلقه؛ لِيُبَلِّغ عنه دينَه وشرعَه، فلا ولوج ولا دخول إلى الدين إلاَّ بتصديقه صلى الله عليه وسلم، ومتابعته فيما أخبر به عن ربه.

 

فمن أصول الإيمان وركائزه العظيمة؛ تصديق النبي صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما أخبر به من أخبار وأوامر ونواهٍ، وأنه معصوم من الكذب فضلاً عن البهتان، والله تعالى أثنى على نبيِّه الكريم صلى الله عليه وسلم وزكَّاه وعَدَّله؛ فزكَّى عقلَه، فقال: ﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 2-4]؛ وزكَّى قلبَه، فقال: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ [النجم: 11]؛ وزكَّى بصرَه، فقال: ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 17،18]؛ ثم زكَّاه كلَّه وجمع له الفضلَ والثناءَ الحسن، فوصفه في الكتاب العزيز بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، (لعلى أدبٍ عظيم، وذلك أدبُ القرآن الذي أدَّبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه)[1].

 

ولقد نال النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الخُلُقَ العظيمَ ليس في أرقى المدارس، ولا على أيدي أعظم المربين والمُؤدِّبين، وإنما ناله فِطْرَةً فطره الله تعالى عليها، وامتن به عليه، (وتفصيل ذلك: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم جَمَع كلَّ فضيلة، وحاز كلَّ خصلة جميلة، فمن ذلك: شرف النسب، ووفور العقل، وصحة الفهم، وكثرة العلم، وشدة الحياء، وكثرة العبادة، والسخاء، والصدق، والشجاعة، والصبر، والشكر، والمروءة، والتودد، والاقتصاد، والزهد، والتواضع، والشفقة، والعدل، والعفو، وكظم الغيظ، وصلة الرحم، وحسن المعاشرة، وحسن التدبير، وفصاحة اللسان، وقوة الحواس، وحسن الصورة، وغير ذلك حسبما ورد في أخباره، وسِيَرِه صلى الله عليه وسلم)[2].

 

قال ابن القيم رحمه الله: (فرأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: كمال التَّسليم له، والانقياد لأمره، وتلقِّي خبرَه بالقبول والتَّصديق، دون أن يُحمِّلَه مُعارَضةً بخيالٍ باطل يُسمِّيه معقولاً، أو يُحمِّلَه شبهةً أو شكاً، أو يُقدِّم عليه آراء الرِّجال وزبالات أذهانهم، فيوحِّده بالتَّحكيم والتَّسليم والانقياد والإذعان؛ كما وحدَّ المرسِلَ سبحانه وتعالى بالعبادةِ والخضوعِ والذُّلِّ والإنابةِ والتَّوكل)[3].

 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (لَمَّا أُسري بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى؛ أصبح يتحدَّث الناسُ بذلك، فارتَدَّ ناسٌ مِمَّنْ كانوا آمنوا به وصَدَّقوه، وسَعَوا بذلك إلى أبي بكرٍ رضي الله عنه، فقالوا: هل لَكَ إلى صاحبِكَ، يَزْعُمُ أنه أُسْرِيَ به اللَّيلةَ إلى بيت المقدس؟ قال: أَوَ قال ذلك؟ قالوا: نعم! قال: لَئِنْ كان قال ذلك؛ لقد صَدَقَ. قالوا: أَوَ تُصَدِّقُه أنه ذهب الليلةَ إلى بيتِ المَقْدِسِ وجاء قَبلَ أنْ يُصْبِحَ؟ قال: نعم؛ إني لأُصَدِّقُه فيما هو أبعدُ من ذلك؛ أُصَدِّقُه بِخَبَرِ السَّماء في غَدوةٍ أو رَوحَةٍ؛ فلذلك سُمَّيَ: أبو بكر الصِّدِّيق)[4].

 

ولذا كان من الكفر والزندقة اتِّهام النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه فيما أخبر به؛ وقد ذمَّ الله تعالى المشركين بقوله: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 37-39].

 

(يقول تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾؛ أي: غير ممكن ولا مُتَصَوَّر، أن يُفترى هذا القرآنُ على الله تعالى؛ لأنه الكتاب العظيم الذي ﴿ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ وهو الكتاب الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، وهو كتاب الله الذي تكلَّم به ربُّ العالمين، فكيف يقدر أحد من الخَلق، أن يتكلَّم بمثله، أو بما يقاربه، والكلام تابع لعظمة المُتكلِّم ووصفه؛ فإن كان أحد يُماثل اللهَ في عظمته، وأوصاف كماله، أمكن أن يأتي بِمِثل هذا القرآن، ولو تنزَّلنا على الفرض والتقدير، فتقوَّله أحدٌ على ربِّ العالمين، لعاجَلَه بالعقوبة، وبادره بالنَّكال...

 

﴿ أَمْ يَقُولُونَ ﴾ أي: المُكذِّبون به عنادًا وبغيًا: ﴿ افْتَرَاهُ ﴾ محمدٌ على الله، واخْتَلَقَه، ﴿ قُلْ ﴾ لهم - مُلزِماً لهم بشيء - إنْ قدروا عليه، أمكن ما ادَّعوه، وإلاَّ كان قولهم باطلاً.

 

﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ يُعاوِنكم على الإتيان بِسُورة مِثله، وهذا محال، ولو كان مُمكنًا لادَّعوا قُدرتهم على ذلك، ولَأَتوا بمثله.

 

ولكن لمَّا بان عجزُهم تبيَّن أنَّ ما قالوه باطل، لاحظَّ له من الحُجَّة، والذي حملهم على التكذيب بالقرآن - المشتمل على الحقَّ الذي لا حق فوقه - أنهم لم يُحيطوا به عِلمًا. فلو أحاطوا به علمًا وفهموه حقَّ فهمه، لأذعنوا بالتَّصديق به، وكذلك إلى الآن لم يأتهم تأويلُه الذي وعَدَهم أن ينزل بهم العذاب ويَحِلَّ بهم النكال، وهذا التكذيب الصادر منهم، من جنس تكذيب مَنْ قبلَهم، ولهذا قال: ﴿ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ وهو الهلاك الذي لم يُبْقِ منهم أحدًا. فليحذر هؤلاء، أن يستمروا على تكذيبهم، فيحل بهم ما أحلَّ بالأمم المُكذِّبين والقرون المُهلَكين.

 

وفي هذا دليل على التثبت في الأمور، وأنه لا ينبغي للإنسان أنْ يُبادر بقبولِ شيءٍ أو ردِّه، قبل أنْ يُحيط به علمًا)[5].

 

وقال سبحانه: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ[6] وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 32، 33].

 

يُخبر تعالى عباده مُنذراً مُحذِّراً بأنه لا أظلم من أحدٍ كَذَب على الله؛ فقال عنه ما لم يقل، أو حرَّم ولم يُحرِّم، أو أذِن ولم يَأذن، أو شَرَعَ ولم يَشرع، أو كذَّب بالصدق وهو القرآن، والنبيُّ وما جاء به من الهدى ودينِ الحق، أي: فلا أحد أظلم ممن كان هذا حاله؛ كَذَب على الله، وكَذَّب بالصدق، فهذا داخلٌ في قوله تعالى: ﴿ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 33]، إن كان جاهلاً، وإلاَّ فهو أشنع وأشنع.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ هذا إخبار بفريق الفائزين من عباد الله، وهم الصادقون في كلِّ ما يخبرون به، والمُصدِّقون بما أوجب اللهُ تعالى التصديقَ به، ويدخل في هذا الفريق دخولاً أولياً رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق[7] رضي الله عنه، ثم سائر الصحابة والمؤمنين إلى يوم الدِّين.

 

وقوله تعالى: ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ أي: بالصِّدق؛ وفائدة هذا الاستدراك: أنه قد يجيء الإنسانُ بالصِّدق، ولكن قد لا يُصدِّق به؛ بسبب استكبارِه، أو احتقارِه لِمَنْ قاله وأتى به، فلا بد في المدحِ من الصِّدقِ والتصديقِ، فصِدْقُه يدل على عِلمِه، وعدله، وتَصديقُه يدل على تواضعِه، وعدمِ استكباره.

 

﴿ أُولَئِكَ ﴾ أي: الذين وُفِّقوا للجَمْعِ بين الأمرين ﴿ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ فإن جميع خصال التقوى ترجع إلى الصِّدق بالحق، والتَّصديق به[8].

 

(فذَمَّ سبحانه مَنْ كَذَب أو كَذَّب بحق، ولم يمدح إلاَّ مَنْ صَدَق وصَدَّق بالحق، فلو صَدَق الإنسانُ فيما يقوله، ولم يُصَدِّق بالحقِّ الذي يقوله غيرُه لم يكن ممدوحاً، حتى يكون ممن يجيء بالصِّدق ويُصَدِّق به، فأولئك هم المتقون)[9].

 

والإيمان بنصوص الكتاب والسنة والاستدلال بهما يترتَّب عليه العمل بما فيهما؛ إذ لا يكفي فقط مجرَّد التصديق والتعظيم والاستدلال، وإنما لابد أن يتبع ذلك عملاً بمقتضى هذا كله، وإلاَّ كان تصديقُهما وتعظيمُها والاستدلالُ بهما هباءً منثوراً لا ينفع صاحبه شيئاً.


أما المخالفون فقد سقطت من نفوسهم هيبة النصوص حتى استحلُّوا حرماتها، وعاثوا فيها تكذيباً أو تحريفاً، وإنْ أحسنوا المعاملة أعرضوا عنها بقلوبهم وعقولهم ولم يستدلوا بشيء منها، فهم ﴿ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ [البقرة: 78].

 

فمن ثمرات ودلالات اتِّباع السُّنة؛ تصديق النبيِّ صلى الله عليه وسلم في كلِّ ما أخبر به من حوادث وغيبيات وتشريعات ثابتة بطرق الإثبات الشَّرعية والتي أصَّلها علماءُ الإسلام، فإذا ثبتت فلا حُجَّةَ لمَنْ خالفَها أو أنكرَها بفكره أو عقله، وهذا ما عليه أهل السنة والجماعة من قديم، إذ لا يُقدِّمون عقلاً ولا رأيًا على نصٍّ ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فمنهجهم واحد، واستدلالهم واحد، وعقيدتهم واحدة صافية؛ لأنها مستمدة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُنَّته.

 

المطلب الثاني: اتِّباعُه صلى الله عليه وسلم وطاعَتُه، والأخْذُ بما شَرَعَه:

من دلائل اتباع السُّنة طاعة النبي واتِّباعه فيما شرعه والاهتداء بهديه المبارك، والاتِّباع في اللغة هو: الاقتفاء، والاقتداء، واللَّحاق بالشيء، والسَّير خلفه[10].

 

ومن تعريف الاتِّباع في الاصطلاح ما جاء عن الإمام أحمد رحمه الله، إذْ يقول: (الاتِّبَاعُ: أَنْ يَتْبَعَ الرَّجُلُ ما جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَعَنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ هو من بَعْدُ في التَّابِعِينَ مُخَيَّرٌ)[11]. وقيل: (الاتِّباع: الائتمار بما أمَرَ اللهُ تعالى به ورسولُه صلى الله عليه وسلم، وتَرَسُّم أفعالِه وأحوالِه صلى الله عليه وسلم؛ للاقتداء بها)[12].

 

قال ابن تيمية رحمه الله: (أمَرَ الله بطاعة رسوله في أكثر من ثلاثين مَوْضِعاً من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يُذكر الله إلاَّ ذُكِرَ معه)[13]، ومن هذه المواضع:

أ- قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [آل عمران: 31]. وجه الدلالة: أنَّ من علامة مَحبَّة الله سبحانه اتِّباع نبيَّه المُرسَل.

 

قال ابن كثير رحمه الله: (هذه الآية الكريمة حاكِمةٌ على كلِّ مَن ادَّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية؛ فإنه كاذب في نفس الأمر، حتى يتَّبع الشرع المحمدي، والدِّين النبوي في جميع أقواله وأفعاله)[14].

 

فمن ادَّعى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد له من موافقته في أقواله وأفعاله، وفي ذلك يقول القاضي عياض رحمه الله: (اعلم أنَّ مَن أحبَّ شيئاً آثَرَه وآثرَ موافقتِه، وإلاَّ لم يكن صادقاً في حُبِّه، وكان مُدَّعياً، فالصَّادق في حُبِّ النبي صلى الله عليه وسلم مَنْ تظهر علامة ذلك عليه، وأوَّلُها: الاقتداء به، واستعمال سُنَّتِه، واتِّباع أقوالِه وأفعالِه، وامتثال أوامرِه، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابِه في عُسره ويُسره ومَنْشطِه ومَكرهِه، وشاهد هذا قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ ﴾، وإيثار ما شَرَعَه وحَضَّ عليه على هوى نفسِه وموافقة شهواته، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر: 9])[15].

 

ب- قوله تعالى: ﴿ قُلْ لاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50]. وجه الدلالة: إنْ كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعمل إلاَّ بالوحي، فلا يسع أحداً من أُمَّته إلاَّ العمل بالوحي المُنزَّل عليه.

 

ج- قوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الأحقاف: 9]. وجه الدلالة: أمر الله تعالى بالتَّأسِّي بالنبي صلى الله عليه وسلم واتِّباعه؛ لأنَّ الله تعالى هو الذي أوحى إليه هذه الشريعة المباركة.

 

وفي الأمر المُوَجَّه للنبي صلى الله عليه وسلم بأنْ ينفي عن نفسِه العلمَ أو المعرفةَ أو التشريع، ونسبته إلى سبحانه وتعالى وأنه وحي من عنده دلالات عِدَّة، منها:

أ- أمانة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في التبليغ عن رب العالمين، فما يأتي به ليس من عند نفسه، وإنما من لدن حكيم خبير.

 

ب- صدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فهو الصادق المصدوق، يُخبر عن ربِّه كلَّ شيء، فلا يخجل أن يُبلِّغ عن ربِّه عتابَه له، ولا يجد في نفسه شيئاً عندما ينفي عن نفسه العلم، وأنه وحي من عند الله تعالى، وأنَّ عمله هو التبليغ عنه سبحانه.

 

ج- اتِّباع النبيِّ صلى الله عليه وسلم وطاعتُه إنما مرجعها إلى اتِّباع أمرِ الله تعالى وطاعتِه، فما جاء به النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنما هو من عند الله سبحانه.



[1] تفسير الطبري، (29/ 18).

[2] التسهيل لعلوم التنزيل، للكلبي (4/ 137).

[3] مدارج السالكين، (2/ 387).

[4] رواه الحاكم في (المستدرك)، (3/ 62)، (رقم 4407) وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي؛ وأبو نعيم في (معرفة الصحابة)، (1/ 82)، (رقم 62)؛ وصححه الألباني لشواهده في (السلسلة الصحيحة)، (1/ 305)، (رقم 306).

[5] تفسير السعدي، (ص 364).

[6] ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ مبتدأ، والخبر ﴿ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ ﴾ وعليه؛ فالذي جاء بالصِّدق: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ومَنْ صدَّق به: هم أبو بكر، وسائر المؤمنين.

[7] لُقِّبَ أبو بكر رضي الله عنه بالصِّدِّيق؛ لأنَّه أوَّلُ مَنْ صدَّق رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

[8] انظر: تفسير السعدي، (1/ 724)؛ أيسر التفاسير، (4/ 486).

[9] درء تعارض العقل والنقل، (8/ 404).

[10] انظر: معجم مقاييس اللغة، (1/ 195)؛ أساس البلاغة، (ص 59).

[11] الفقيه والمتفقه، (1/ 439)؛ إعلام الموقعين، (2/ 200، 201).

[12] الاجتهاد والتقليد في الإسلام، (ص 114).

[13] مجموع الفتاوى، (19/ 103).

[14] تفسير ابن كثير، (1/ 359).

[15] الشفا بتعريف حقوق المصطفى، (2/ 24).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حب النبي صلى الله عليه وسلم لها
  • دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها
  • ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليها
  • أحاديث فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم
  • أكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (بطاقة)
  • تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
  • عدل النبي صلى الله عليه وسلم: عدالة الإسلام

مختارات من الشبكة

  • وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومواطنها وفوائدها وثمراتها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • أدلة وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب تلبية المسلم لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - ملفات خاصة)
  • وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته، وحكم من سبه(مقالة - ملفات خاصة)
  • الحكمة من وجوب النفقة على الرجل(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • ما معنى حرف وجوب لوجوب ؟(استشارة - الاستشارات)
  • من عظيم قدره صلى الله عليه وسلم عند ربه: وجوب قطع الصلاة لإجابة ندائه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب