• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القريب، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    قبسات من علوم القرآن (3)
    قاسم عاشور
  •  
    من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اتقوا الأرحام
    أ. د. زكريا محمد هيبة
  •  
    ورع وإخلاص طلاب علم الأمس... مشاعل تنير دروب ...
    نوال محمد سعيد حدور
  •  
    {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    إزالة الغفلة (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    اتقوا فتنة التبرج
    د. لحرش عبد السلام
  •  
    كثرة تلاوته صلى الله عليه وسلم القرآنَ على فراشه ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عمى البصيرة يورد المهالك
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    شرح أحاديث الطهارة
    لطيفة بنت عبداللطيف
  •  
    خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    حقوق اليتيم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الإسلام كفل لأهل الكتاب حرية الاعتقاد
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أثر الأدلة الشرعية في تحقيق مقصد حفظ الدين (دليل ...
    عمرو عبدالله ناصر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

اسم الله اللطيف (خطبة)

اسم الله اللطيف (خطبة)
الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي التميمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2022 ميلادي - 23/6/1443 هجري

الزيارات: 30973

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اسم الله اللطيف

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ، نَعِيشُ الْيَوْمَ مَعَكُمِ فِي تَدَبُّرِ، وَفَهْمِ، وَتَعَلُّمِ؛ اِسْمٍ مَنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، أَلَا وَهُوَ اِسْمُ اللهِ (اللَّطِيفُ)، وَالَّذِي أَثْبَتَهُ اللهُ لِنْفْسِهِ فيِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، حَيْثُ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. وَبِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].

وَهُوَ اللَّطِيفُ بِعَبِدِهِ وَلِعَبْدِهِ
وَاللُّطْفُ فِي أَوْصَافِهِ نَوْعَانِ
إِدْرَاكُ أَسْرَارِ الأُمُورِ بِخِبْرَةٍ
وَاللُّطْفُ عِنْدَ مَوَاقِعِ الإِحْسَانِ
فَيُرِيكَ عِزَّتَهُ وَيُبْدِي لُطْفَهُ
وَالْعَبْدُ فِي الْغَفَلَاتِ عَنْ ذَا الشَّانِ

 

فَاللهُ هُوَ اللَّطِيفُ بِعِبَادِهِ، يَلْطُفُ بِهِمْ وَيَعْصِمُهُمْ مِنَ الشَّرِّ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ، وَيُسَبِّبُ لَهُمْ مِنْ مَصَالِحِهِمْ وَأرَزْاَقِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، وَيَسُوقُ إِلَيْهِمُ الرِّزْقَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، وَبَلَغَ مِنْ لُطْفِهِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَنْ حَقَّقَ لَهُمْ آمَالَهُمْ بِلُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَيُرَقِّيهِمْ إِلَى أَعْلَى الْمَرَاتِبِ بِأَسْبَابٍ لَا تَكُونَ عَلَى بَالِهِمْ، لِيَتَوَصَّلُوا بِهَا إِلَى الْمَحَابِّ الْجَلِيلَةِ، وَالْمَقَامَاتِ النَّبِيلَةِ.

 

وَاللَّطِيفُ هُوَ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالسَّرَائِرِ وَالْخَفَايَا وَالْخَبَايَا، وَيُرِيدُ بِعِبَادِهِ الْخَيْرَ وَالْيُسْرَ، وَيُقَيِّضُ لَهُمْ أَسْبَابَ الصَّلَاحِ وَالْبِرِّ، وَيَنْقُلُهُمْ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، بِلُطْفٍ عَجِيبٍ، ويَلْطُفُ بِهِمْ فِي أُمُورِهِمُ دُونَ أَنْ يَشْعُرُوا فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ بِحِكْمَتِهِ، فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَثَلًا لِمَاذَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ يَجِدُونَ حَرًّا شَدِيدًا؟ وَمَا عَلِمُوا أنَّهُ قَدْ يَكُونَ لإِنْضَاجِ ثِمَارِهِمْ، أَوْ لِلْقَضَاءِ عَلَى مَيْكُرُوبَاتٍ فِي بُلْدَانِهِمْ، أَوْ لِغَيْرِهَا مِنْ لُطْفِهِ وَحِكْمَتِهِ.

 

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَمِنَ الْجَهْلِ، وَالْمَعَاصِي، وَالْبِدَعِ؛ إِلَى التَّوْبَةِ، وَالْعِلْمِ، وَالسُّنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257].

 

وَلْيَعْلَمْ كُلُّ مَنْ عَاشَ فِي بِيئَةٍ صَالِحَةٍ، وَمُجْتَمَعٍ نَقِيٍّ مِنَ الشِّرْكِ؛ وَرَزَقَهُ اللهُ بِأَبَوَيْنِ صَالِحَيْنِ، يُحْسِنَانِ تَرْبيتَهُ، وَقَيَّضَ لَهُ رُفَقَاءَ صَالِحِينَ مُتَّقِينَ، مُلَازِمِينَ لَهُ، وَهَدَاهُ لِلْخَيْرِ؛ هِدَايَةً لَا تَخْطُرُ بِبالِهِ، وَيَسَّرَ لَهُ الْحُصُولَ عَلَيهَا؛ دُونَ تَخْطِيطٍ مِنْهُ؛ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللهِ بِهِ. فَتَجِدُ إِنْسَانًا اِهْتَدَى فِي طَائِرَةٍ، أَوْ عَلَى مَتْنِ باخِرَةٍ، أَوْ فِي صَالَةِ اِنْتِظارٍ بِمَشْفًى أوْ مَطَارٍ، أَوْ سَاقَ لَهُ فِي طَرِيقِهِ دَاعِيَةً.

 

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِالْهَادِينَ النَّاسَ إِلَى الْخَيْرِ؛ إذْا قَيَّضَ اللهُ لَهُمْ مَنْ يَهْتَدِي بِهِمْ، وَيَقْبَلُ إِرْشَادَهُمْ؛ فَتَتَضَاعَفُ بِذَلِكَ الْخَيْرَاتُ والأُجُورُ لَهُمْ.

 

وَمِنْ لُطْفِهُ بِعِبَادِهِ أَنَّهُ تَوَّابٌ غَفُورٌ، رَحِيمٌ وَدُودٌ؛ يَتُوبُ عَلَيهِمْ؛ وَجَعَلَ فِيهِمْ يَقَظَةَ الضَّمِيرِ وتأنِيبَهُ، وَأَنْفُسًا لَوَّامَةً؛ تَلُومُ وَتَنَدَمُ عَلَى فَعْلِ الْمَعَاصِي؛ حَتى يُقْلِعَ الْعَبْدُ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَيَكُفَّ.

 

وَمِنْ لُطْفِهِ بِعَبْدِهِ وَوَلِيِّهِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُتِمَّ عَلَيْهِ إِحْسَانِهِ، وَيَشْمَلَهُ بِكَرَمِهِ، وَيُرَقِّيَهُ إِلَى الْمَنَازِلِ الْعَالِيَةِ؛ أَنْ يُيَسِّرَهُ لِلْيُسْرَى، وَيُجَنِّبَهُ الْعُسْرَى، وَيَغْفِرُ لَهُ، وَيَرْحَمُهُ، وَيَشْفِي مَرَضَهُ.

 

إِنَّ مِنْ لُطْفِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَنْ يَجْعَلَ أَرْزَاقَهُمْ بِحَسَبِ عِلْمِهِ بِمَصَالِحِهِمْ، لَا بِمَا تَشْتَهِي أَنْفُسُهُمْ، وَيُقَدِّرُ الأَصْلَحَ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19].

 

وَمِنْ لُطْفِهِ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدِهِ أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مَا يَظُنُّهُ الْعَبْدُ خَيْرًا؛ وَلَكِنَّهُ فِي حَقِيقَتِهِ شَرٌّ؛ فَقَدْ يَصْرِفُ عَنْه سَفَرًا مِنْ لُطْفِهِ بِهِ؛ لِعِلْمِهِ بِمَا سَيُحْدِثُ لَهُ فِي سُفَرِهُ هَذَا لَوْ سَافِرَ فِيهِ. وَقَدْ يُؤَخِّرُ تَخَرُّجَهُ مِنْ الْجَامِعَةِ، أَوْ اِلْتِحَاقَهُ بِوَظِيفَةٍ مِنْ لُطْفِهِ بِهِ، فَلَوْ تَخَرُّجَ، أَوْ تَوَظُّفَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَتَّمْنَاهُ هُوَ؛ لَحَدَثَ لَهُ مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ.

 

إِنَّ مَنْ مَظَاهِرِ لُطْفِ اللهِ بِعِبَادِهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُمْ فَوْقَ الِكِفَايَةِ، وَكَلَّفَهُمْ دُونَ الطَّاقَةِ، فَمَا هِيَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ بِالنِّسْبَةِ لأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً؟ وَمَا هُوَ صَوْمُ شَهْرٍ بِالنِّسْبَةِ لاِثْنَيِّ عَشَرَ شَهْرًا؟ وَمَا هِيَ نِسْبَةُ اِثْنَيْنِ وَنِصْفَ بِالْمَائِةِ مِنْ مَالِهِ يُخْرِجُهُ للزَّكَاةِ، مُقَابِلَ سَبْعَةٍ وَتِسْعِينَ وَنِصْفٍ بِالْمَائَةِ لَهُ؟

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ لُطْفِهِ: تَوْفِيقُهُ لِعِبَادِةِ مِنْ خِلَالِ أَمْرِهِمْ بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الأَذْكَارِ وَالأَوْرَادِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ.

 

وَمَنْ نَجَا مِنْ حَادِثٍ أَوْ مُصِيبَةٍ، أَوْ رَجَعَ سَالِمًا بَعْدَ طُولِ غِيَابٍ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ لُطْفِ اللهِ بِهِ. وَانظُرْ إِلَى يُوسُفَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ- مَاذَا قَالَ حِينَمَا اِجْتَمَعَ مَعَ أَهْلِهِ بَعْدَ فُرَاقٍ بَلَغَ عَشَرَاتِ السِّنِينَ، وَبَعْدَ اِجْتِمَاعِ الشَّمْلِ: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100]؛ حَيْثُ مَرَّ بِمَصَاعِبَ عَظِيمَةٍ مُنْذُ صِغَرِ سِنِّهِ؛ فَتَآمَرَ عَلَيْهِ أُخْوَتُهُ، وَحَرَمُوهُ مِنَ الْبَقَاءِ مَعَ وَالِدَيْهِ؛ مِحَنُنٌ مُتَوَالِيَةٌ، لَوْ نَجَا مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهَا؛ لَصَعُبَ أَنْ يَنْجُو مِنَ الثَّانِيَةِ، غَيَاهِبُ الْجُبِّ، ثُمَّ رِقٌّ، ثَمَّ تُهْمَةٌ ظَالِمَةٌ تَقُودُ إِلَى السِّجْنِ، بَعيدًا عَنْ أَهْلِهِ وَمَعَارِفِهِ وَحِيدًا؛ وَلَكِنَّ اللهَ لَطَفِ بِهِ؛ فَالتَّدَابِيرُ لَيْسَتْ بَشَرِيَّةً، إِنَّمَا هِي إِلَهِيَّةٌ.

 

فَالْجُبُّ كَانَ حِمَاِيَةً لَهُ مِنَ الْقَتْلِ، وَالرِّقُّ كَانَ حِمَاِيَةً لَهُ مِنَ التَّيَهَانِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَالسَّجْنُ كَانَ حِمَاِيَةً لَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، بِالنَّجَاةِ مِنْ فِتْنَةِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَصُوَيْحِباتِهَا، وَتَعَرَّفَ فِي السِّجْنِ عَلَى رَجُلٍ يُوصِّلُهُ لِلْمُلِكِ، فَكَانَتْ هَذِهِ مِنْ أَلْطَافِ اللهِ بِهِ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِهِ أَنْ جَعَلَ مَعْرِفَتَهُ بِتَعْبِيرِ الرُّؤَى سَبِيلًا لِنجاتِهِ، وَتَوَلِّي خَزَائنِ الْأَرْضِ، وَاِجْتِمَاعِ شِمْلِ أَسْرَتِهِ، وَتَوْبَةِ إِخْوَتِهِ، وَبَرْدِ كَبِدِ أَبِيهِ، وَشِفَاءِ عَيْنِهِ، فَحَكَى عَنْه اللهِ قَوْلَهُ: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾.

 

وَمِنْ لُطْفِهُ بِعِبَادِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ فِي حَالَاتٍ، وَحَبَّبَ فِي حَالَاتٍ مَا يُقَوِّي الأَوَاصِرَ الْاِجْتِمَاعِيَّةَ؛ حَتى يَكُونَ النَّاسُ كُلٌّ مِنْهُمْ لَطِيفًا بالآخَرِ، فَأَوْجَبَ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ، وُصِلَةَ الأَرْحَامِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السّلامِ، وَحَبَّبَ إِفْشَاءَ السَّلَامِ، وَالتَّهَادِي، وَالْعَفْوَ، وَالصَّفْحَ.

 

وَمِنْ لُطْفِهُ بِعِبَادِهِ أَنْ حَثَّهُمْ عَلَى الْقَوْلِ اللِّينِ وَالْحَسَنِ؛ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ لَطِيفًا مَعَ النَّاسِ، بَلْ وَأَمَرَ بِتَلْطِيفِ الْكَلاَمِ حَتَّى مَعَ الطُّغَاةِ، بَلْ وَمَعَ فِرْعَوْنَ أَكبرِ طَاغِيَةٍ عَرَفَهُ التَّارِيخُ، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُوسَى، ولأخيهِ هَارُونَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: ﴿ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [طه: 44]، وَقِيلَ: إِنَّ أَحَدَ الْخُلَفَاءِ قَالَ لَهُ رَجِلٌ: "إِنَّي سَأَقُولُ لَكَ قَوْلًا وَأُغْلِظُ عَلَيْكَ فِيهِ"، فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة: "لَقَدْ أَرْسَلَ اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ، إِلَى مَنْ هُوَ أَشَرُّ مِنِّي فَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَوْلًا لِيِّنًا".

 

وَأَثَابَ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ، وَالصَّدَقَةِ؛ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَالِي الْأَخْلَاقِ؛ فَهَذَا كُلَّهُ مِنْ أَلطافِهِ بِعِبَادِهِ.

 

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِعَبْدِهِ أَنْ يُعْطِيَ عَبْدَهُ مِنْ الأولَاد ِ، والأَمْوَالِ، والأَزْوَاجِ؛ مَا بِهِ تَقَرُّ عَيْنُهُ فِي الدُّنْيَا، وَيَحْصُلُ لَهُ السُّرُورُ.

 

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ أَنْ يُعَافِيَهُ مِنْ أَسْبَابِ الْاِبْتِلاَءِ، الَّتِي تُضْعِفُ إِيمَانَهُ، وَتُنْقِصُ إِيقَانَهُ. كَمَا أَنَّ مِنْ لُطْفِهِ بِالْمُؤْمِنِ الْقَوِيِّ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْاِبْتِلاَءِ وَالْاِمْتِحَانِ، وَيُعِينُهُ عَلَيهَا وَيَحْمِلُهَا عَنْهُ، وَيَزْدَادُ بِذَلِكَ إِيمَانُهُ، وَيَعْظُمُ أَجْرُهُ؛ فَسُبْحَانَ اللَّطِيفِ فِي اِبْتِلَائِهِ، وَعَافِيَتِهِ، وَعَطَائِهِ، وَمَنْعِهِ.

 

وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِعَبْدِهِ أَنْ يَمُنَّ عَلَيهِ بِخُلُقٍ وَاسِعٍ، وَصَدْرٍ مُتَّسِعٍ، وَقلبٍ مُنْشَرِحٍ، بِحَيْثُ يُعَطِيهِ نَظَرًا ثَاقِبًا. وَمِنْ لُطْفِ اللهِ تَعَالَى بِعَبْدِهُ أَنْ يَجْعَلَ مَا يَبْتَلِيهِ بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي سَبَبًا لِرَحْمَتِهِ؛ فَيَفْتَحُ لَهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ فِي الْمَعْصِيَةِ بَابَ التَّوْبَةِ، وَالتَّضَرُّعِ، وَالْاِبْتِهَالِ إِلَى رَبِّهِ، وَاِزْدِرَاءِ نَفْسِهِ وَاِحْتِقَارِهَا، وَزَوالِ الْعُجْبِ وَالْكِبْرِ مِنْ قَلْبِهِ. وَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ اِحْتِسابَ الأجْرِ؛ فَخَفَّتْ مَصَائِبُهُ، وَهَانَ مَا يَلْقَاهُ مِنَ الْمَشَاقِّ فِي حُصُولِ مَرْضَاتِهِ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا؛ أمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ، وَمِنْ لُطْفِ اللهِ بِعِبَادِهِ؛ أَنْ خَلَقَ لَهُمْ مَوَاسِمَ الْخَيْرِ ؛ فَيَعْمَلُ الْعَبْدُ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ؛ لِيَكْسَبَ بِهِ الأَجْرَ الْجَزِيلَ، فَفِي ثَوَانٍ يقولُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ؛ يَحْصُدُ مَلاَيِينَ الْحَسَنَاتِ. ويُحْيِي لَيْلَةً وَاحِدَةً كَأَلْفِ شَهْرٍ، ويُصَلِّى صَلاًةُ بِمَائَةِ أَلْفِ صَلاَةً، ويَصُومُ يَوْمًا يُكَفِّرُ اللهُ عَنْهُ سَنَتَيْنِ، يَقُولُ: أَسَتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إلّا هُوَ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ، وَأَتُوبُ إِلَيهِ؛ فَيُغْفَرُ لَهُ، وَلَوْ كَانَ فَارًّا مِنَ الزَّحْفِ.

وَبِمُقْتَضَى تَوْحِيدِكَ لِاِسْمِ اللهِ اللَّطِيفِ؛ أَنْ يَتَلَطَّفَ الْمُسْلِمُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَحْنُوَ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ، وَيَسْعَى لِلْوِفَاقِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِينَ، وَيَنْتَقِيَ لَطَائِفَ الْقَوْلِ فِي حَديثِهِ مَعَ الآخَرِينَ، وَيَبُشَّ فِي وُجُوهِهِمْ، وَيَحْمِلَ قَوْلَهُمْ عَلَى مَا يَتَمَنَّاهُ مِنَ الْمُسْتَمِعِينَ؛ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَديثِ.

 

اللَّهُمْ الْطُفِ بِنَا، وتُبْ عَلِيْنَا.

 

اللَّهُمَّ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى؛ وَاحْفَظْ لِبِلَادِنَا الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ، وَالسَّلَامَةَ وَالْإِسْلَامَ، وَانْصُرِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى حُدُودِ بِلَادِنَا؛ وَانْشُرِ الرُّعْبَ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِنَا؛ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيِّينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ؛ وَنَسْأَلُهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْـمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَـمـْكُمُ اللهُ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح اسم الله تعالى اللطيف
  • اللطيف جل جلاله
  • اسم الله اللطيف
  • مناجاة العبد الضعيف للمولى اللطيف

مختارات من الشبكة

  • حكم قول: باسم الشعب، باسم العروبة، باسم الوطن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المشتقات (اسم الفاعل - اسم المفعول - الصفة المشبهة - اسم التفضيل)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • إزالة الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • خطبة: موسى عليه السلام وحياته لله عز وجل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العدل ضمان والخير أمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الورد والآس من مناقب ابن عباس (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنين مسجد (4) وجوب صلاة الجماعة وأهميتها (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • على ضفاف عاشوراء {ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ
  • فعاليات متنوعة بولاية ويسكونسن ضمن شهر التراث الإسلامي
  • بعد 14 عاما من البناء.. افتتاح مسجد منطقة تشيرنومورسكوي
  • مبادرة أكاديمية وإسلامية لدعم الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي في التعليم بنيجيريا
  • جلسات تثقيفية وتوعوية للفتيات المسلمات بعاصمة غانا
  • بعد خمس سنوات من الترميم.. مسجد كوتيزي يعود للحياة بعد 80 عاما من التوقف
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/1/1447هـ - الساعة: 16:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب