• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

بقدر الكد تكتسب المعالي (خطبة)

بقدر الكد تكتسب المعالي (خطبة)
وليد مرعي الشهري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/1/2022 ميلادي - 17/6/1443 هجري

الزيارات: 18870

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بقدرِ الكدِّ تُكتسبُ المعالي

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربُّنا ويرضى، والشكرُ له على ما أَولى من نعمٍ سابغة وأسدى، أحمده سبحانه وهو الولي الحميد، وأتوب إليه جلَّ شأنه وهو التواب الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً نستجلب بها نعمه، ونستدفع بها نقمه، وندَّخرها عدةً لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وخليله وصفيُّه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأبرار الذين قاموا بحق صحبته، وحفظ شريعته، وتبليغ دينه إلى سائر أمته، فكانوا خير أمة أخرجت للناس.

 

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، فهي وصية الله للأولين والآخرين: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [النساء: 131].

 

عباد الله، إن ضعف الإرادة والطلب من ضعف حياة القلب، وكلما كان القلبُ أتمَّ حياة كانت همته أعلى وإرادته أقوى، فعلى قدر ذلك تكون الحياة الطيبة، وأقل الناس قدرًا أقلهم همةً، وأضعفهم إرادةً وطلبًا، إذِ الهمة المعتبرة ما كان يُرجى بها ما عند الله، وحياة الكفار أمثل دليل لذلك: ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]؛ يقول عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: قدر الرجل على قدر همته، بل حتى البهائم تتفاوت في هِممها، فالعنكبوت من حين يولد ينسج لنفسه بيتًا ولا يقبل مِنَّةَ الأم، والحيةُ تطلب ما حفر غيرُها إذ طبعها الظلم، والغراب يقع على الجيف، والأسد يأبى ذلك، والصقر لا يقع إلا على الحي، والخنفساء تُطرد فتعود.

 

إخوة الإيمان، لقد أجمع عقلاءُ كلِّ أمة على أن النعيمَ لا يدرك بالنعيم، وأنَّ من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنه بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحةَ لمن لا همَّ له، ولا لذةَ لمن لا صبر له، ولا نعيمَ لمن لا شقاءَ له، ولا راحةَ لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبدُ قليلًا استراح طويلًا، وإذا تحمَّلَ مشقةَ الصبرِ ساعةً قادته لحياة الأبد، وكلُّ ما فيه أهل النعيم المقيم، فهو صبر ساعة.

وإذا كانت النفوس كبارًا
تعِبت في مرادها الأجسامُ

لذلك قيل للربيع بن خثيم: لو أرحت نفسك؟ قال: راحتَها أريد، وقال رجل لعمرَ بنِ عبدالعزيز: تفرَّغْ لنا يا أميرَ المؤمنين فأنشأ يقول:

قد جاء شغلٌ شاغلُ
وعدلتُ عن طريق السلامة
ذهب الفراغُ فلا
فراغَ لنا إلى يوم القيامة

 

وقيل للإمام أحمد رحمه الله: متى يجد العبدُ طعم َالراحة؟ فقال: عند أول قدم تضعها في الجنة.

بَصرْتُ بالراحةِ الكبرى فلم أرها
تنالُ إلا على جسرٍ من التعبِ

عالي الهمة يعلم يقينًا أنه إذا لم يَزِدْ شيئًا في الدنيا، فسوف يكون زائدًا عليها، فهو لا يرضى أن يعيشَ في هامش الحياة، بل لا بد أن يكون في صُلبها، كبير الهِمَّةِ تتحدى همتُه ما يراه مستحيلًا، وينجزُ ما تنوءُ به العصبةُ أولو القوة، قال يحيى بن أبي كثير: "لا ينال العلم براحة البدن"، وصدق من قال: العيش في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله.

 

إمام المفسرين ابن جرير الطبري - رحمه الله - طلب منه أحدُ طلابِه أن يمليَ عليهم التفسير أو تاريخ الإسلام، فأمرهم بإحضار ثلاثينَ ألف ورقة، فقال بعضُ طلابه: هذا أمرٌ تنقطع دونَها رقاب المُطي، فقال لهم معاتبًا: الله أكبر ماتت الهمم، أحضروا ثلاثة آلاف ورقة ثم أملى عليهم.

 

جاء في ذِكر طلبِ ابن عباس – رضي الله عنهما – للعلم، أنه قال: لما قُبِضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجلٍ من الأنصار: هَلُمَّ، فلنسألْ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا بن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فيهم، فقال: فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كان يَبْلُغُني الحديثُ عن الرجل، فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريحُ عليَّ من التراب، فيخرج فيراني، فيقول: يا بن عم رسول الله، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول: لا أنا أحقُّ أنا آتيك فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: هذا الفتى كان أعقلَ مني.

بقدرِ الكدِّ تُكتسبُ المعالي
ومن طلب العُلا سَهِرَ الليالي
ومن رام العُلا من غير كدِّ
أضاع العمر في طلب المُحال
ترومُ العزَّ ثم تنامُ ليلًا يغوصُ
البحرَ من طلب اللآلي

 

فالتجلد خيرٌ من التبلد، والصلاة خير من النوم، والمنية خير من الدَّنيَّة، ومن عزَّ بزَّ، فترى عاليَ الهمة منطلقًا بإقدام وثقة نحو غايته التي حدَّدها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال ويستهين الصعاب، لذلك لا تنظر إلى من هَلَكَ كيف هلك، ولكن انظر إلى من نجا كيف نجا؟ ومن العجيب أن هناك من يرى أن همَّتَه عالية وتفوته تكبيرة الإحرام، أو يفوته في اليوم قراءة كتاب الله، أو يفوته الصف الأول، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه، لاستهموا)؛ [البخاري ومسلم]؛ أي: حصل خصام ونزاع على الأذان والصف الأول أيهم يكون الأحق؟ فلم يجدوا حلًّا لهذا النزاع إلا بالقرعة لاقترعوا، والتأخر عن مثل هذه الطاعات معناه التأخر عن مواسمَ وخيراتٍ أخرى، ولذلك صَغِّر نفسَك وأعمالَك لتعلوَ هِمَّتُك بأن تقول: منذ متى وأنا لا أخشع في الصلاة؟ ومنذ متى وأنا لم أتصدق؟ ومنذ متى وأنا لم أغتنم ساعاتي بطاعة الله؟

واحسرتاه تَقَضَّى العمرُ وانصرمت ساعاتُه بين ذلِّ العجزِ والكسلِ

 

إخوةَ الإيمان، انظروا إلى بعض الأوصاف التي ذكرها الله عن المؤمنين: ﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 37]، ما أجمل الوصف وما أجمل الهمة، وأنْعِمْ بها من هِمَّة حين يقول الله: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ ﴾ [الأحزاب: 23]، فهم صادقون جادون لم تُضِعهم الحياة الدنيا، ولم تزعزعهم السبل، ولم تُعجزهم الحِيَل.

لولا المشقة ساد الناسُ
كلُّهمُ الجودُ يُفقرُ والإقدامُ قَتَّال

إن عاليَ الهِمَّة لا يرضى بما دون أعالي الجنان، وقد ربَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمته ذلك فقال: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة)؛ [البخاري]، حتى قارئ القرآن زُرعت فيه الهِمَّةُ ليستبقَ ويزداد، وفي الحديث: (يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل، كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)؛ [صحيح أبي داود].

 

وقد رَغَّبَنا اللهُ بذلك أيضًا فعلمنا في الدعاء أن نقول: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]، وقدم ذكر الأفضل في فعل الخيرات فقال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة: 10، 11] هذا هو المقياس والمعيار بالتفاضل، هذه هي الكرامة عند الله: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فهل سيدخل أحدٌ الجنةَ بنسبِه أو منصبِه أو مالِه أو مكانتِه وجاهه؟ كل هذه لا تساوي عند الله شيئًا.

فلا تَحسبنَّ الأنساب تنجيك من لـــ
ظى ولو كنت من قيسٍ وعبدِ مدانِ
أبو لهب في النارِ وهو ابنُ هاشمٍ
وسلمانُ في الفردوسِ من خراسانِ

 

اجتمع عبدُالله بنُ عمر، وعروةُ بن الزبير، ومصعبُ بنُ الزبير، وعبدُالملك بنُ مروان بفِناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق وتزوُّج سَكينة ابنةِ الحسين، وعائشةَ بنتِ طلحةَ بنِ عبيدالله، فَنالَ ذلك، وأصْدقَ كلَّ واحدةٍ خمسَمائة ألف درهم، وجهزها بمثلها، وتمنى عروةُ بنُ الزبير الفقهَ وأن يُحملَ عنه الحديث، فنال ذلك، وتمنَّى عبدُالملكِ الخلافةَ فنالها، وتمنى عبدُاللهِ بنُ عمرَ - رضي الله عنهما - الجنةَ، والمأمول في كرمِ الجليل أنه قد نالها.

على قدر أهل العزم تأتي العزائم
وتأتي على قَدْرِ أهلِ الكرامِ المكارمُ
وتَعْظُمُ في عينِ الصغيرِ صِغارُها
وتصْغُرُ في عينِ العظيمِ العظائمُ

 

كان عطاءُ بن أبي رباح عبدًا أسودَ لامرأةٍ من أهلٍ مكة، وكان أنفُه كأنه باقلَّاة، فبعد إعتاقِه مكث ثلاثين عامًا في الحرم يتعلم ويُعلِّم، وينفع ويبذل حتى أضحى علمًا من الأعلام، ورمزًا من الرموز، فجاء سليمانُ بنُ عبدِالملك أميرُ المؤمنين إلى عطاء هو وابناه، فوجدوا الناس عليه كالغمام، فجاء ليجتازَ الصفوف لأنه الخليفة، فقال عطاء: يا أميرَ المؤمنين خُذْ مكانَك ولا تتقدم الناس، فإن الناس قد سبقوك إلى هذا المكان، فلما جاء دورُه سأله المسألة فأجابه، فلما انتهى قال سليمان ُلأبنائه: يا أبنائي عليكم بتقوى الله والتفقهِ في الدين، فوالله ما ذللت في حياتي إلا لهذا العبد.

لا تَحسب المجدَ تمرًا أنت آكله
لن تبلغ المجدَ حتى تَلْعَقَ الصَّبِرا

تسمو همةُ أبي هريرة رضي الله عنه إلى ما يقرِّبه إلى الله عز وجل وتربو عن الهِممِ الدَّنِيَّةِ حين يقول عليه الصلاة والسلام: "ألا تسألني من هذه الغنائم التي يسألني أصحابك؟ فقلت: أسألك أن تعلمني مما علمك الله، قال: فنزعت نمرةً كانت على ظهري، فبسطتها بيني وبينه، حتى كأني أنظر إلى النمل يدب عليها، فحدثني حتى إذا استوعبت حديثه قال: "اجمعها فَصُرْها إليك"، فأصبحت لا أسقط حرفًا مما حدثني.

هممٌ لو أنَّ للدهرِ بها
معهدًا لم يملك الدهرُ عُتُوَّه
غيرُكُم في لهوِهِ قَد جَمَحَت
نفسُه يهوي بها سبعين هُوَّه
وأراكم صفوةً صادقةً
فيكم الحقُّ وآثارُ النُّبوة

 

كذلك حين تبسط الدنيا بين يديك لتسألَ منها ما تريد، ويأتيَ لك منها ما تشاء، فيعزف عن ذلك ربيعةُ بن كعب حين قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: سلني وقد أتى له بوَضوئه وحاجته، فقال: أسألك مرافقتك في الجنة قال: أوَ غير ذلك، قال: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"؛ [مسلم].

إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ
فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ
فطعمُ الموتِ في أمرٍ حقيرٍ
كطعمِ الموتِ في أمرٍ عظيمِ

 

إن كانت لك همةٌ غيرَ الجنة وما يقربك إليها، فلتخسأ الهمة، إن كان لك أمنيةٌ غيرَ بيتٍ في جوارِ الدياَّن فبئست الأمنية، إن كان لك مقصدٌ غيرَ الإيمانِ والرضوانِ، فليَبْعُدِ المقصدُ والمطلبُ والهدف، نعم، من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعةَ الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة، يقول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ﴾ [الإسراء: 19]، وقدر السلعة يُعرف بقدرِ مُشتريها والثمنِ المبذول فيها، والمنادي عليها، فإذا كان المشتري عظيمًا، والثمن خطيرًا، والمنادي جليلًا، كانت السلعةُ نفيسةً غاليةً رفيعةَ القدرِ والمكانة.

 

إن كبيرَ الهمةِ من يتحرى الفضائل لا للذةٍ ولا لثروة، ولا لاستشعارِ نخوة، واستعلاءٍ على البرية، بل يتحرى مصالح العباد شاكرًا بذلك نعمة الله، طالبًا مرضاتِه غيرَ مكترثٍ بقلةِ مصاحبيه، فإنه إذا عظم المطلوب قل المساعد إلا من الله، وطرقُ العلاءِ قليلةُ الإيناس إلا من ذكر الله، يقول الفضيل بن عياض – رحمه الله –: الزم طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغترَّ بكثرة الهالكين، وقد صدق – رحمه الله - لأن الله تعالى يقول في محكم التنزيل: ﴿ وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 116]، قال سليمان الداراني: لو شك الناسُ كلُّهم في الحق ما شككت فيه وحدي، وقيل: انفرادك في طريق طلبك دليلٌ على صدق الطلب، فأنت تعمل وتبذر وتبذل، والنتيجة ليست بيدك، أمَا يأتي النبيُّ ومعه الرجل والرجلان ويأتي النبيُّ ليس معه أحد؟ قال الله عن أولئك القوم المؤمنين لما التقوا بالكفار: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]، فلم تمنعهم المثبطات عن الخير والإقدام.

أخي فامضِ لا تلفت للوراء
طريقك قد خضَّبته الدماء
ولا تلفت ها هنا أو هناك
ولا تطلع لغير السماء

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

الخطـبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخيرته من خلقه الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

فيقول عليه الصلاة والسلام: (من كانت الآخرةُ همَّه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همَّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرَّق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدِّر له)؛ [صحيح الترمذي].

 

إن المؤمن يعمل فيما يرضي ربه، ولا ينسى نصيبه من الدنيا؛ لأنه يسخرها في طاعة الله، وبَذْلُهُ لأجل ذلك يكون لآخر رَمَق؛ كما جاء في الحديث: (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسَها فليغرسها)؛ [السلسلة الصحيحة]، قال وهيب بن الورد: إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحدٌ فافعل، روت أم حَبيبة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بُنيَ له بهن بيت في الجنة"، قالت: ما تركتها منذ سمعتهن من رسول - صلى الله عليه وسلم؛ [مسلم]، هذه هي الهمة الحقيقية التي يصحبها العمل، فإن كانت الهِمةُ دون عمل وقصد للطريق، أصبحت أماني وأحلامًا، وصفةُ بليدِ الحسِّ التسويف والتمني، يدمن ركوبَه مفاليسُ العالم، قال رجل لمحمد بن سيرين: إني رأيت في منامي أني أسبح في غير ماء، وأطير بغير جناح!! فما تفسير هذه الرؤيا، فقال له: أنت رجلٌ كثير الأماني والأحلام.

 

عباد الله، مِن مثبطات الهمة ملاحظةُ سافلِ الهمةِ من طلابِ الدنيا، كمتابعةِ ما يُسَمَّونَ بمشاهيرِ التواصل - أصحاب المحتوى التافه - الذي كلما هَممت بالنهوض جذبك إليها وغرَّك قائلًا: أمامك ليل طويل فارقُد: وكذلك مما يُضعف العزيمة ويهوي بالهمم حبُّ الدنيا وكراهية الموت، وإهدار الوقت الثمين؛ إذ إن الهمة العالية هي سُلَّمُ الرقيِّ إلى الكمال في كل أبواب البر؛ لذا قال عبدالرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غدًا ما قَدِرَ أن يزيدَ في العملِ شيئًا، فمن تحلَّى بأمثالِ هذه الهمم لانَ له كلُّ صعب، واستطاع أن يَنفعَ ويؤثرَ في هذه الأمةِ - بإذن الله - مهما ضمُرت فيها معاني العلو والهمة؛ إذ إن همم الرجال تزيل الجبال.

 

صلُّوا وسلِّموا على مَن أُمرتم بالصلاة والسلام عليه.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شباب المعالي (قصيدة)
  • خطبة المسجد النبوي 29/2/1434 هـ - طلب المعالي بالأعمال الصالحة
  • رجال المعالي
  • لا تسبن أحدًا (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • المرض بقدر والصحة بقدر والعلاج بقدر والدواء من القدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دفع قدر الله بقدر الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سمو القدر في إحياء ليلة القدر (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • الإيمان بالقدر وآثاره(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان قدر ليلة القدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • قدر ليلة القدر(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • التمسوا القدر في ليلة القدر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل قدرنا الله حق قدره؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدعوة بقدر حال الداعي وقدرته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراتب القضاء والقدر التي من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقضاء والقدر(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/11/1446هـ - الساعة: 14:43
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب