• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

معين السماء بحديث الاستسقاء

معين السماء بحديث الاستسقاء
محمد السيد حسن محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2021 ميلادي - 24/4/1443 هجري

الزيارات: 5623

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معين السماء بحديث الاستسقاء

 

قال ابنُ هشام رحمه الله تعالى: وحدَّثني مَن أثقُ به، قال: أقحَط أهلُ المدينة، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوا ذلك إليه، فصعِد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى، فما لبِث أن جاء من المطر ما أتاه أهلُ الضواحي يشكون منه الغرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ حوالينا ولا علينا، فانجاب السحابُ عن المدينة، فصار حواليها كالإكليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أدرك أبو طالب هذا اليوم لسرَّه، فقال له بعض أصحابه: كأنك يا رسول الله أردت قوله:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثِمالُ اليتامى عصمة للأرامل

قال: أجل[1].

 

ولا يزال ربنا الرحمن سبحانه ممتنًّا على عباده فرحًا وغبطة وسرورًا وحبورًا، وحين يغدق عليهم نعمه، أو نحوًا من ذلك أمنًا وسلامًا، أو ابتلاءً، وحين يحلُّ بهم ما يكون داعية غم أو ترح أو حزن، أو ما أشبه ذلك من منغصات الدنيا التي ما انفكت أن تكون سبيل تمحيص لأولياء الله تعالى، وإن كانت نظرة آحادهم إليها لا كما يجب أن تكون من توجيهها وجهتها التي ما أنزلت إلا من أجلها قدرًا مقدورًا، وإن كل ذلك إلا ابتلاء، وإن عموم ذلك إلا اختبارٌ منه تعالى لعبيده، كيما يتحرك ساكن الإيمان في ألبابهم، وكيما يتأكد عامل اليقين في قلوبهم، ومن إلف فطرة فطر سبحانه الناس عليها، وكل ذلكم كيما يتنمى فيهم جانب صدقهم حين اللجأ إليه تعالى وحده، دليل توحيد، وموجب إفراد له تعالى بالألوهية، وذلك لأنه سبحانه يريد لفت أنظار عبيده إليه وحده، وإذ لا يكشف ضرًّا عنهم سواه، وإذ لا يعمهم نفعًا إليهم غيره سبحانه، ومنه فقد كانت حقيقة عبودية العبيد إلى مولاهم الحق الرحمن سبحانه؛ حين يتوجهون إليه تعالى وحده، وليس لأحد سواه؛ وذلك حين يطلبون منه نفعًا، أو حين يدعونه كشف الضر عنهم ودفعًا؛ لأنهم والحال هذه فإنما هم يدعون قادرًا حيًّا، سميعًا بصيرًا يجيب دعاءهم، ولأنهم حينئذ قد ربَّى فيهم ربهم عزتهم، وحين لا يكون لجأهم إلا إليه، وحين لا يكون صدق توكلهم إلا عليه، سبحانه وحده، وإذ إن ذلك هو موجب مطلق الإعزاز منه تعالى لعبيده، وإذ إنه لم يلجِئهم إلى سواه، فيكونون والحال هذه أذلاءُ لا يرفعون لهم رأسًا، ولا تعلو لهم قامة، والأمر عند هذا الحد ليبدو واضحًا جليًّا، حين كان الله تعالى هو المعبود وحده لا سواه، وبحيث كان نفع عبادة العبيد لا إلى ربهم عائدًا، وإنما كان نفعها إليهم وحدهم راجعًا، وإنما كان كشف الضر عنهم وحدهم مرفوعًا، وليس لربنا الرحمن في ذلك من نفع - ولو واحدًا، أو بعضًا منه قل أو كثُر - وحين قد نفع عبده، وليس يضيره سبحانه من نقص خزائنه، ولو من مثل مثقال ذرة، وإلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، وحين قد سأل كل واحد منهم مسألته، ولا تقل كيف تمييز، ولا تسل أنَّى تعريف؟! ولا تحسبن كيف سماع كل في آن؟! ولا تعجب إجابة كل واحد منهم مسألته، وفي آن أيضًا؟! وكل ذلكم خارج قدراتنا، بل ليس ذلكم من شيء من طاقاتنا القاصرة المتقاصرة القصيرة الممعنة في حدود قدراتها، والتي لا شأن لها من ذلكم من شيء! وجميع ذلكم داخل في قدرة ربنا وخالقنا، بل من قدرته، لا هي قدرته وحسب!!!

 

وأنت حصيف حين علمك أن المخيط إذا أدخل بحرًا، بلغ جنس مائه ثلاثة أرباع الكرة الأرضية التي منحناها ربنا الرحمن سبحانه! فإنما لم ينقص منه شيئًا ظاهرًا، وهذا من تقريب المعاني إيجابًا لآثارها من صدق العبودية، والافتقار إلى الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه.

 

فعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع، إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار، إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي، إنكم تخطؤون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي، فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم، ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل واحد، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أُدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثم أُوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنَّ إلا نفسه قال سعيد: كان أبو إدريس الخولاني إذا حدث بهذا الحديث جثَا على ركبتيه"[2].

 

ولعل هالة إخبات تغمرك، وحين تعرف أنه ليس عبد واحد هو ذاك الذي يرفع يديه إلى مولاه ليعطيه مسألته، وإنما سائر من خلق من عبيد إنسًا وجنًّا، من أزل وإلى الأبد! مؤمنهم وكافرهم، وحين دعوا الله مخلصين له الدين، وحين ابتلوا بقاصفة الريح وإعصارها إنسًا وجنًّا من أزل وإلى الأبد أيضًا!

 

وأولاء هم المؤمنون، وإذ هم يعرفون ربهم رخاءهم ومن قبل شدتهم! وهؤلاء هم الكافرون، وإذ لا يرفعون له تعالى أكفًّا، وإلا حين شِدَّتهم وعُسرهم وضِيقهم، وأما حال يسرهم، وكأنما هم الخالقون، لما هم فيه من نعم! ومنه فلا يشكرون، ولا هم يذكرون!

 

وأنت خبير بتشنيع القرآن الحكيم على من كان ذا وصفهم، وحين قال الله تعالى ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت:65].

 

وحديث بابنا غدق بعبارات علم عن ربنا جل وعز وتبارك، وتندرج منه نفحات فيض الرب الرحيم المتعال، وهو دال على حسن استنباط لأبي طالب، وحين قد تأكدت لديه بواعث النبوة، وإشراقات الرسالة لابن أخيه رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وليس يكون ذلك إلا من فراسة قد منَّ الله تعالى بها على أبي طالب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم!

 

وكما أن الحديث دال على مدى ما أكرم الله تعالى به رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من بركة دعائه، وحين كان صدق لجأ مفترض فيه صلى الله عليه وسلم إليه تعالى، وأنه دال على صدق بركته صلى الله عليه وسلم، وحين أجابه ربه سبحانه، وتوا حين دعا!

 

والحديث وإن كان دالًّا على مشروعية صلاة الاستسقاء، وحين يقحط بأهل محلة من المحلات، إلا أنني أنحو فيه نحوًا دالًّا على أهمية صدق العبيد، وحينما حل بهم بلاء، وأنه ليس يكون أحد أحق بذلك التجاء إليه منه سبحانه قدرة نافذة له، وإعزازًا لعبيده منه تعالى وتنزه وتقدس وجل وعز.

 

ودلالة الحديث واضحة في جواز الاستسقاء بالفاضل الحي، وهو هنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، مع وجود المفضول، وهم سائر أصحابه، وعموم أتباعه رضي الله عنهم أجمعين، وعمل الناس على ألا يستسقى إلا بفاضل، ودلك على هذا قول أنس بن مالك رصي الله تعالى عنه، أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون[3].

 

وبيد أنه إذا وجه الكلام وجهته، فإنك لا تكاد تتنسم منه إلا حقًّا، وإنك لا تنهض واجدًا فيه من شبهة، وذلك حين توجيه اللفظ على أنه طلب أن يدعو الفاضل الله تعالى لهم بإنزال المطر، والفرض أنه ها هنا هو العباس عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه فينتهض تعميمه، وفي كل نظير.

 

وإلى ها هنا لا إشكال، وخروجًا مما قيل وأثير من هذا الجانب، ولأن التأويل الحسن السائغ هو الواجب، وحين حل الاحتمال، وبدل أن نعطل الاستدلال، أو نقحم قولًا على أساس ديننا الحنيفي العظيم، وتماشيًا مع أصول الشريعة، وتماهيًا مع قواعد الملة! وبه دل على أن الاستسقاء دعاء أيضًا.

 

وهذا مِن فقه وكرم عمر رضي الله تعالى عنه، وحلمه وتكريمه لذوي رحم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حين قدم العباس في دعائه وسؤاله واستسقائه به، وذلك رغم فضله، وسبق علم الناس عن دينه وتقواه.

 

لكنه وعلى أية حال سنن لنا، لنحذوه، وأن ننزل الناس منازلهم، حقًّا واجبًا في أعناق ذوي المروءة والفقه والعلم والدين من الناس، ولقد رأيت كم كان تقديم عمر الفاروق للعباس رضي الله تعالى عنهما، مع ما سبق ذكره من الفضل لكل، وهو وإن دل فإنما يدل على ذلكم تواضع آخر لعمر رضي الله تعالى عنه، ومن قد رفع قدر الناس رفع الله تعالى قدره، فحق له ليُرْفَعَنَّ! ومن قد أنزل قدرهم، فدين عليه لَيُقْضَيَنَّ! فتأمله جيدًا يا رعاك مولاك!

 

على أن الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه إنما كان يعرف فضل العباس، وذلك لأنه ليس يغيب عن باله ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضرته، حيث قال: "... مهلًا يا عباسُ، لَإسلامُك يومَ أسلمتَ كان أحبَّ إليَّ من إسلامِ الخطابِ، ومالي إلا أني قد عرفتُ أنَّ إسلامَك كان أحبَّ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من إسلامِ الخطاب.."[4].

 

ومن حديث عمر الفاروق الآنف تبيَّن أن الاستسقاء بميت ليس في الشرع جائز؛ إذ لو كان الاستسقاء بالميت جائزًا، لقدِّم الرسول؛ لأنه الأفضل قطعًا.

 

وحين القول بجواز الاستسقاء بالفاضل الحي، وعدمه بميت فاضلًا أو مفضولًا، فإنما كان ذلك لأن الميت - وضعًا - لا يجيب أحدًا، وكذا الحي، ولأن الله تعالى قال: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل:62]. وفي إلماحة قرآنية خاطفة آسرة، وأن ذلك مختص بمن له الخلق والأمر، ويكأنك تقرأ نظمًا هكذا، ويكأنك تطالعه ولأول مرة، وحين استحضار هذا الجفاء وهذا الاستدبار، وهذا الإمعان في ظلم النفس، وحين قال الله تعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر:67].

 

وكذا قوله تعالى: ﴿ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى:12].

 

وألا يجوز الاستسقاء بالميت؛ حمايةً لعقيدة العبد، وجناب توحيده؛ لأنه ليس يكشف ضرًّا، ولا يجلب نفعًا، وإنما ذلكم هو من اختصاص ذي القدرة كلها، وذي الإرادة كلها، وذو الملك كله، وذو الملكوت كله، وهو الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه وحده.

 

وقول أبي طالب ولما لم يحدث قحط بعد! ولما لم تكن نبوته صلى الله عليه وسلم بعد! ولما لم يدعُ استسقاءً بعد! فإن ذلك دال على أنه علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى ما سبق وأنه فراسة من أبي طالب، منة من الله تعالى عليه، إذ إن الفضل كله لله تعالى، حين ينعم على عُبَيْدٍ مِن عبيده بفضله، وإذ قد أنعم عليه تعالى بجزيل منِّه، وعظيم عطائه، وفيض منحه.

 

والحديث دال على ما لصلاح العبد في دينه من عظيم أهمية، وأن ذلك هو ترياقه عند مواجهة الأزمات، وحلول الابتلاءات، كما أنه دال على وجوب إصلاح العبد من نفسه، حين كان متعرفًا إلى مولاه حال رخائه؛ ليعرفه ربه حين حلول شدة به، وما أكثرها! لأنه سبحانه هو الركن الأحد، ولا ركن لأحد على الحقيقة غيره سبحانه، وذلك لأنه تعالى قال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 194]، ولأنه تعالى قال: ﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر:14]، ومنه قوله تعالى: ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ [فاطر:13].

 

ودونك الفعل (فأُنزِلَ) مقترنًا بفاء التعقيب؛ دلالة على فورية إجابة الله لعبده، وإذ لا تراخي مع الإجابة، وإذ إنك تعامل ربًّا كريمًا، ذا جود، ومنٍّ وفضل، وإنعام، لا حدود لكل، وعلى حدة!

 

ومنه فليكن أحدنا عبدًا منيبًا أولًا، فيحقق الله تعالى رجاءه، ويجيب مولاه سبحانه سؤله ودعاءه، وثانيًا أيضًا وفي لا زمن يكاد فيه أن يحسب في عداد العادين!

 

ومادة الاستسقاء من المفاعلة؛ دلالة على وجوب مجاهدة العبد لتحقيق مراده، وداعية على اختبار صدق اللجأ إلى مولاه الله تعالى!

 

وكون أن الاستسقاء من المفاعلة، دلالة أخرى على وجوب أن يكون المسلم جادًّا في عمله؛ فلا خور في عقيدة، ولا ضعف في التجاء إلى رب الأرض والسماء!

 

ودلالة الحديث على وجوب تضرُّع العبد إلى مولاه سبحانه، وفي كل شأن يهمه، ولو كان شراك نعله! فربه مجيبه، ومولاه جابر بخاطره، فليس يرد أحدًا منكسرًا أبدًا، وحاله أنه وقد انطرح بين يديه، رافعًا شكواه وحاجته إليه.

 

وبيد أننا لا نخرج عن نطاق الاستسقاء، وحين كان ابتهالًا إلى الله تعالى خالقنا ورازقنا أن ينزل علينا مطرًا سحًّا غدقًا مُجللًا، وليحيي الله تعالى به العباد والبلاد.

 

ومنه فإن إظهار فقر العبد إلى ربه لداعية خير إلى استغنائه به تعالى، واستغنائه به وحده معه؛ لأنه كريم كرمًا لا حدَّ له، ولأنه حليم حلمًا لا نهاية له!

 

ولئن كان الاستسقاء من المفاعلة، فإنه دال على أن البدء من العبد حين توجه إليه تعالى بطاعته، وحين قد أفرده سبحانه بدعائه، ودلك على هذا قول الله تعالى ربنا الرحمن سبحانه: ﴿ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُون ﴾ [النمل:(62)]، فإنه سبحانه إذا دعاه عبده أجابه، وذلكم كله لدليل حنو رباني، وذلكم كله لموجب لطف إلهي، من الله تعالى على أولاء العبيد المحاويج المساكين إلى عفوه، ومنه وجوده، وإكرامه، وتجاوزه، فإنه سبحانه حسن التجاوز، عظيم المن، واسع الفضل، جازل المنح، باسط يديه بالرحمة، وهو سبحانه مبتدئ النعم قبل استحقاقها! ولا يبلغ مدحته قول قائل ولا يجزي بآلائه أحد!

 

ومن حيث كان معنى الفعل (أقحط) هو احتِباس المطر، ثم ما يستتبع ذلك من الجدب، ولأَنه من أَثره، وهو فعل يقع على ما لم يسم فاعله[5]، والفعل (أقحط) دال بمعناه على وقوعه بشدة أفزعت القوم، وبدلالة سرعة قد أتوا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى المنبر! ومنه نفيد أنه إذا اشتد خطب امرئ، أو أهل محلة، فإن مسارعتهم باللجأ إلى ربهم سبحانه؛ ولأنه آكد لإجابته، وإنما كان ذلك لموجب الاضطرار الموجب هو الآخر للإجابة، كما قد حكى القرآن العظيم في آية النمل السابقة الذكر.

 

وإذ قد (أقحط أهل المدينة)، دلالة على حلول عموم البلاء على أهل المدينة، ومنه فإنه إذا عم البلاء، فلقد كان السبب منعقدًا، والحال كذلك إلى هرولة إلى الله تعالى؛ لاستجلاب رضاه ونفعه، ودفعًا لضرر مُحدق قد حلَّ بالبلاد والعباد، وإذ إنه ليس يُدرَى ما بعده، فقد تكون جائحة، وإنما قد كان ترياقها أن تدفع بالدعاء والاستسقاء.

 

ومن قوله: أقحط أهل المدينة، دلالة على الاستسقاء عند حلول الجدب العام، أو شبهه أو خوفه أو مظنته.

 

وصلاة الاستسقاء سنة مؤكدة؛ إظهارًا لفقر العباد إلى الله تعالى مولاهم الحق سبحانه، وذلك حين يخرجون، ومنه فلا يرجعهم ربهم صفرًا، أو هكذا حسهم، وهكذا ظنهم الحسن بربهم، وهذا هو عقدهم فيه تعالى، يجيب مضطرًّا، ويجبر منكسرًا، ويغيث ملهوفًا، وينمي حاجة محتاج، ويشفي مريضًا، ويغني عائلًا، ويهدي ضالًّا، ويأوي يتيمًا سبحانه.

 

وصلاة الاستسقاء ركعتان جهريتان بسورتي الفاتحة والأعلى في الأولى، والغاشية بعد الفاتحة في الثانية.

 

وصلاة الاستسقاء بغير أذان ولا إقامة، وإنما ينادى لها بالصلاة جامعة، كما أنه لا يشترط الأذان لخطبتها.

 

وصلاة الاستسقاء كصلاة العيد، فيكبَّر سبعًا في الركعة الأولى، وخمسًا في الثانية.

 

ويخطب الإمام في الناس، ويندب تحويل ردائه، والمصلون معه، مع رفع اليدين إظهارًا لمطلق الخضوع، وإخباتًا بداعية التذلل والخشوع، لله تعالى مولاهم الحق المبين.

 

وهذه خمسة آداب لرسولنا صلى الله عليه وسلم مع ربه سبحانه، وقد كان حريًّا أن نقتديها، وقد كان مليًّا أن نتأملها، وهي: "قد أرسلني أميرٌ من الأُمراءِ إلى ابنِ عباسٍ أسأَلُهُ عن الصلاةِ في الاستسقاءِ فقال ابنُ عباسٍ: ما منعَه أن يَسألَني؟ خرج النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ متواضعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا فصلَّى ركعتينِ، كما يُصلِّي في العيدِ، لم يَخطبْ خطبتَكم هذه[6].

 

ومنه فإن هذه موجبات من موجبات تترى؛ لتدلك على صدق العبد حين اللجأ إلى الله تعالى.

 

فإن خروجه صلى الله عليه وسلم على هذه الهيئات الخمسة من ضعة ماشيًا بلا جمهرة، فلربما فتنت عبدًا، ولا لأمة حرب، ولا سيف قتال، فلربما أورثت وضعًا توجبه ساحات القتال؛ نكاية من عدو، وإذ كان منه قوله صلى الله عليه وسلم في أبي دجانة: إنها لمشية يبغضها الله عز وجل إلا في مثل هذا الموضع[7]، والأمر ها هنا مع الله تعالى العلي الأعلى، ملتمسًا منه عونًا، ومستمطرًا من لدنه مطرًا!

 

ومن كونه متبذلًا دون تجمُّل بزي، وبغير تزين بلباس، ولأن الحين هو حين التضرع والفقر والاستكانة إلى مولاه.

 

ومن كونه متخشعًا ظاهرًا عليه الخشوع، باديًا عليه صلى الله عليه وسلم كله! هيئته، وحركته، ومشيته، وقلبه ولبه وفؤاده من قبل، وإذ لما كان القلب خاشعًا وبهذه المثابة، وهو القائد وبهذا الوضع، فلزِم منه أن يتبعه جنده من الجوارح والأعضاء، وضعًا، وحالة، ونتيجة، وموجبًا، وسببًا معًا، وهذا من جليل لطفه تعالى بعبيده أيضًا!

 

ومن كونه متخشعًا مترسِّلًا، مترسلًا يعني: في مشيه ما يسرع، وهذا ترسل أكثر مما كان يعتاده صلى الله عليه وسلم؛ دلالة على هَمٍّ يَحدوه صلى الله عليه وسلم، وهو إذ يروح واقفًا مخبتًا بين يدي ربه الرحمن الرحيم المتعال، وحاله ذلكم الذي أنف، متواضعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا.

 

ومن كونه متضرعًا، مُظهرًا حاجته إلى الله تعالى، ومبديًا فاقته وفقره إليه سبحانه.

 

وتضرع ليس يُعلمُ إلا خبرًا، وهو ما أخبر به الإمام الحبر الترجمان عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، حين كان وصفه للرسول صلى الله عليه وسلم، وبهذه المثابة سالفة الذكر وآنفة البيان.

 

وظاهر حديث المسند الآنف الذكر أنه صلى الله عليه وسلم لم يخطب خطبتكم هذه، ومنه فإنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الاستسقاء، ومن ثم لم يخطب، أو إنه - احتمالًا - قد خطب، وإنما على غير صورة خطبتكم، وحين تخطبون.

 

والاستسقاء بالرسول صلى الله عليه وسلم دليل جواز الاستسقاء بالفاضل الحيِّ، وكما أنف بيانه، وهذا يكشف عن معدن أولاء الصحابة الأخيار، ولما قد تربوا على علم منه صلى الله عليه وسلم، ولما قد صنع فيهم الخير على يديه، حتى صاروا به فاتحي أمم من بعده صلى الله عليه وسلم، فرضي الله تعالى عنهم، وحين قد صارت عقائدهم راسخة، ولا تسل عن رسوخ الجبال! وحتى أضحت قلوبهم عامرة بتوحيد ربهم صافيًا، ولا تسل عن صفاء السماء حين كان صيفٌ، لا يظن معه ولو رقعة من سحاب؛ ليعكر صفوها، أو يذهب بعض بريقها ولمعانها!

 

وأما الأموات فلا يجيبون أحدًا، وهذا ما جاء الإسلام به، وهو الذي كان عليه عمل الأولين من القرون الثلاثة المفضلة الأولى، وإلى يوم الدين، عملًا بنص القرآن كما قال تعالى: ﴿ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 14].

 

ونزولًا على تعليم ولد عدنان رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما هو الشأن الآن معنا، ولأنهم كانوا قد استقوا بالعباس، عم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كان حيًّا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتًا.

 

فعن ثمامة بن عبدالله بن أنس، عن أنس بن مالك، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون[8].

 

وانظر تواضع عمر، وحين قدم العباس عم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو إذ كان خليفة وأمير المؤمنين، وراعي المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، أمة قد سبقت! وجيلا قد تفرد!

 

وانظر إسناد العمل لمن يحسنه عملًا إداريًّا ممتازًا، وهو ذاك الذي تركه لنا أولاء الأولون المتقون المؤمنون، الحنفاء الاتقياء الأنقياء الفضلاء!

 

وانظر معرفة الفضل وأهله، وكيف كان من عمر الفاروق، وحين نعته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين لم يَصْبُ سواه إليها، وإن هو إلا الفضل، ولإحسان إلى هذا النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا، ومنه الإحسان إلى آل بيته، وجنبًا إلى جنب مع قولهم بتقديم الفاضل، وإن كان في النفس منها بقية، وحين قال نبينا صلى الله عليه وسلم لعمر مناديًا ومخاطبًا ومزكيًا وفاضلًا وتقيًّا نقيًّا رضي الله تعالى عنه: إنَّ الشَّيطانَ ليخافُ منكَ يا عمرُ[9].

 

وإذ كانت هذه مثابته، فأي فضل كان عليه! وأحسبه من باب إخفاء السريرة، وإمعانًا في وجل، وإمعانًا من خشية، وهو كذلكم إظهار لخفاء، وإخفاء لنقاء، ولأن الله تعالى يحب من عباده من كان تقياه خفيًّا نقيًّا سبحانه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ العَبْدَ التَّقِيَّ، الغَنِيَّ، الخَفِيَّ[10].

 

وأؤكد مرة أخرى لمناسبة هذا الحديث أو غيره، وكما هو المنهج أبدًا في التذكير أن عقيدة صحيحة يتبعها عمل صالح، وتعلق قلب بمولاه، لقمن كل ذلك أن ينتج أثره من إجابة الدعاء، ومن غوث مستغيث بربه تعالى، ومولاه الملك الحق المبين سبحانه؛ لأنك رأيت أنهم ما برحوا حتى سقاهم الله عز وجل!

 

ومرة أخرى فهذا هو أمير المؤمنين الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه، وعلى فضله، يقدم العباس - رضي الله عنه - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لأنه ولما قد تواضع لمولاه؛ وإذ إن مولاه كان قد رفعه ووالاه.

 

وعلى ما سلف بيانه، فإنه لو كان الاستسقاء بالميت جائزًا، لقدم الفاروق عمر رضي الله تعالى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأنه الأفضل، ومنه فإنه لا يجوز الاستسقاء بالميت، وحاله أنه لا يكشف ضرًّا، ولا يجلب نفعًا، لا عن نفسه التي بين جنبيه، فضلًا عن أن يكون عن غيره، ومن باب أَولى.

 

وصدق عبد في عبوديته موجب لاستمطار مِنَحِه تعالى وفضلِه، ويوم أن قدم بين يدي ربه، لاهثًا بالدعاء لداعية الاستسقاء، ولغير داعية الاستسقاء، ودلك عليه ما أنف.

 

وأزيد فأقول: ولأن تظاهر الاستدلال قمنٌ أن يجعل المسألة من باب اليقين وعينه، وليس وحسب من باب العلم وظنه، كما أنه يوجب التعلق بعتبات باب ربنا الرحمن ذي المنة والفضل والإنعام.

 

فعن أبي لبابة بن عبدالمنذر قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو لبابة بن عبدالمنذر: إن التمر في المرابد يا رسول الله، فقال: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانًا ويسد مثقب مربده بإزاره، وما نرى في السماء سحابًا فأمطرت، فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا: إنها لن تقلع حتى تقوم عريانًا وتسد مثقب مربدك بإزارك، ففعل فأصحت[11].

 

فأخبر أنه لن يتوقف نزول المطر إلا أن تفعل، ففعل فتوقف نزوله! وذلك علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، منضافًا إلى أعلام أخر ليس هذا باب بيانها.

 

وفيه إثارة المستقبِل؛ لأنه أمعن في البلاغ، بدلالة قيامهم كلهم إلى أبي لبابة، يحثونه على فعل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والمربد: موضع يجفف فيه التمر، وثعلبه: ثقبه الذي يسيل منه ماء المطر[12].

 

وفيه أن مراعاة الإمام لمصالح الأمة معتبرة، بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم: حتى تقوم عريانًا، وتسد مثقب مربدك بإزارك، ففعل فأصحت.

 

وفيه تلطف الإمام مع رعيته؛ كيما يكون قريبًا كل منهم إلى قلب الآخر، بدلالة قوله: حتى يقوم أبو لبابة عريانًا، وفيه إعمال لقوله تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [التوبة:128].

 

والاستسقاء دعاء واستغفار، والاستسقاء يمكن أن يكون مع صلاة، أو بدونها، وبخطبة أو بدونها أيضًا، فعن عبدالله بن أبي بكر أنه سمع عباد بن تميم يحدِّث أباه عن عمه عبدالله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى، فاستسقى فاستقبل القبلة، وقلب رداءه، وصلى ركعتين، قال أبو عبدالله: كان ابن عيينة يقول: هو صاحب الأذان، ولكنه وهم؛ لأن هذا عبدالله بن زيد بن عاصم المازني مازن الأنصار[13].

 

وشاهد الحديث أنه صلى الله عليه وسلم استسقى أولًا، وهذا دعاء، ولم يصل ركعتين تاليًا، ومن دليل حديث أبي لبابة.

 

ومنه فإن الاستسقاء يمكن أن يكون مع صلاة، وشاهده أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد دعائه، وكما من حديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن عبدالله بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهما.

 

وجواز الاستسقاء بغير خطبة، وشاهده من حديث الباب أنه صلى الله عليه وسلم استسقى، ثم صلى ركعتين، ولم يذكر الخطبة.

 

والاستسقاء يجوز أن يكون بغير صلاة، ولأنه صلى الله عليه وسلم "استسقى على منبر المدينة استسقاء مجردًا في غير يوم جمعة، ولم يُحفظ عنه في هذا الاستسقاء صلاة"[14].

 

وفيه عدم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وشاهده قوله: على المنبر.

 

ويكون الاستسقاء حين حل وقته، ووقته إذا حل جدب أو جفاف، فعَن أبي أُمَامَة قَالَ: وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ضحى فكبر ثلاث تكبيرات، ثم قال: اللهم اسقنا ثلاثًا اللهم ارزقنا سمنًا ولبنًا وشحمًا ولحمًا، وما نرى في السماء سحابًا، فثارت ريح وغبرة، ثم اجتمع سحاب فصبت السماء، فصاح أهل الأسواق وثاروا إلى سقائف المسجد وإلى بيوتهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم، فسألت الطريق ورأينا ذلك المطر على أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى كتفيه ومنكبيه كأنه الجمان، فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم، وانصرفت أمشي على مشيه، وهو يقول هذا أحدثكم بربه، قال أبو أمامة: ما رأيت عامًا قط أكثر سمنًا ولبنًا وشحمًا ولحمًا، إن هو إلا في الطريق ما يكاد يشتريه أحد، ثم انصرف نحو الرجال، فوعظهم ونهاهم، ثم انصرف نحو النساء فوعظهنَّ، فشدَّد عليهنَّ في الحرير والذهب، فأقبل رجل من بني عامر، فقال: يا رسول الله، بلغنا أنك شددت في لبس الحرير والذهب، والذي بعثك بالحق، إني لأحب الجمال وإنما الكبر من جهل الحق، حتى من حبي الجمال جعلت حراز سوطي هذا من جلد نمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، وإنما الكبر من جهل الحق وغمط الناس بعينه؛ رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبيدالله بن زحر عن علي بن يزيد وكلاهما ضعيف[15].



[1] [السيرة النبوية - ابن هشام الحميري - ج 1/180و181].

[2] [صحيح مسلم، كتاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ، حديث رقم: 4802].

[3] [صحيح البخاري، أبواب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث رقم: 978].

[4] شرح معاني الآثار، الطحاوي، الصفحة أو الرقم: 3 /320]، وقال المحدث الطحاوي رحمه الله تعالى: صحيح.

[5] [لسان العرب، ابن منظور: ج 7 /374].

[6] مسند أحمد: ج5 /115، وقال المحدث أحمد شاكر رحمه الله تعالى: إسناده صحيح.

[7] [التاريخ الكبير، البخاري:3/ 154].

[8] [صحيح البخاري، أبواب الاستسقاء، باب سؤال الناس الإمام الاستسقاء إذا قحطوا، حديث رقم: 978].

[9] [صحيح الترمذي، الألباني: 3690].

[10] [صحيح مسلم: 2965].

[11] [عمدة القاري، العيني: ج 7 / 36].

[12] [لسان العرب، ابن منظور: ج 1 /238]. و[النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: ج 1 /213].

[13] [صحيح البخاري، أبواب الاستسقاء، باب تحويل الرداء في الاستسقاء، حديث رقم: 980].

[14] [أوجز المسالك الى موطأ مالك 1: ج4 /95]. و[زاد المعاد في هدي خير العباد، الإمام شمس الدين ابن قيم الجوزية:143].

[15] [مجمع الزوائد، الهيثمي: ج 2 / 214].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحث على الاستسقاء
  • صلاة الاستسقاء
  • خطبة: الاستسقاء على المنبر في الجمعة
  • خطب الاستسقاء (10): من حكم حبس القطر (خطبة)
  • خطب الاستسقاء (11) النعيم بالماء
  • خطبة: استسقاء
  • خطبة الاستسقاء والجمع للصلاة
  • خطبة الاستسقاء والضراعة
  • مع الاستسقاء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • معين المرشد المعين على الضروري من علوم الدين (أدلة مسائل منظومة ابن عاشر) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة كتاب التاريخ لابن معين برواية عباس الدوري(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة حديث يحيى بن معين (ج1)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شرح حديث معن بن يزيد: « لك ما نويت ... »(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة الجزء الثاني من حديث ابن معين(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • حديث: من أكل من هذه الشجرة، فلا قربنا ولا يصلين معنا(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • صدر حديثاً (المدح والذم في القرآن الكريم: دراسة موضوعية بلاغية) لمعن الحيالي(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • صدر حديثاً (جامع البيان في تفسير القرآن) للعلامة السيد معين الدين الإيجي (ت894هـ)(مقالة - موقع الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معاضة الشهري)
  • صمت الرحيل(مقالة - المسلمون في العالم)
  • من معين الهجرة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب