• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / خواطر إيمانية ودعوية
علامة باركود

اللهم إني ابرأ إليك مما صنع خالد

اللهم إني ابرأ إليك مما صنع خالد
محمد السيد حسن محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/11/2021 ميلادي - 2/4/1443 هجري

الزيارات: 15494

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

اللهم إني ابرأ إليك مما صنع خالد


هذا خالد بن الوليد بن المغيرة، وكيف كان من صلب رجل عادَى الله ورسوله، ولعل ذلك من بركة دعاء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وحين جاءه جبريل الملك عليه السلام، وليطبق عليهم الأخشبين ولو شاء لفعل! ويكأنه صلى الله عليه وسلم كان رؤوفًا رحيمًا، وبالناس كل الناس؛ وكيما يهتدوا، وإن نكصوا! فلعل الله تعالى أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا! وهذه بحق رحمة نبي، وهذه بحق أيضًا رأفة رسول.

 

فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها: أَنَّها قالَتْ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا[1].

 

وهذا ابنه خالد بن الوليد نفسه، وإذ كان يومًا عدوًّا مبارزًا، وإذ جاء يومًا مسلمًا تائبًا آيبًا، وسبحان ﴿مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [المؤمنون: 88].

 

وتبارك من كانت القلوب بين إصبعين من أصابعه، وجل وعز من يقلبها كيف شاء ويشاء، وحاضرًا ومستقبلًا، من قدرته ومآثره، وعلى حد قول نبيه وعبده ورسوله ومجتباه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم، من حديث عبدالله بن عمرو: إنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِن أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ، يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، ثُمَّ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا علَى طَاعَتِكَ[2].

 

وهذا قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم أرسل خالدًا بن الوليد إلى بني جذيمة، يدعوهم بدعاية الإسلام، وإذ كان ذلك بعد فتح مكة المكرمة البلد الحرام، وكيما يبسط الإسلام سناه على مكة ضواحيها وأجوارها، وكما قد انبسط هداه على مكة دورها وزقاقها وأنحائها وأرجائها، وكما قد أنيرت مكة البلد الأمين؛ ببعث محمد صلى الله عليه وسلم النبي العربي الأمي الصادق الأمين، هاديًا ومبشرًا، وداعيًا إلى الله وسراجًا منيرًا، وكما قد استظل البيت الحرام بقوافل التوحيد والصلاح والفلاح، وحين صعد بلال الرق المولى العبد الحبشي، وفي إعلان عام للعالمين أن هذا الدين، وهكذا قد رفع هامات أقوام، وحين أعلاهم منابر النور، ومراقي الصعود، ومآذن الصلاة، ركن الدين الثاني، وحين أهملهم أقوامهم، وقد كانوا رعاعًا ليس لهم من وزن، وحين كانوا متاعًا، وليس لدنهم من قيمة، ويوم أن ارتقى ( بلال ) ظهر الكعبة المشرفة المكرمة، وفي أول بادرة، ومذ كان بعث الإسلام الخالد. ولينادي صوتًا أكبت الأعداء، وأسخن البعداء، وأرق السفهاء، أسعد الحنفاء وأفرح الأولياء، وأسر النجباء، نديًّا طريًّا حانيًا رقيقًا: حي الصلاة، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.

 

وإذ كان من شأن إرساله صلى الله عليه وسلم خالدًا داعيًا، وبدعاية الإسلام الخالدة ﴿ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ ولم يبعثه مقاتلًا، بل مسالِمًا.

 

وغير أنه رضي الله تعالى عنه، وحين دعاهم إلى الإسلام، ولم يحسنوا أن يقولوا: أسلمنا، وقالوا: صبأنا صبأنا؛ أي: رجعنا رجعنا! وإذ كان رجوعًا عن كفرهم إلى إيمانهم! أو لعله يفهم أنه كان إدبارًا عن كفرهم إلى إسلامهم، وهذا وجه حَمَّال، وإذ فهم خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه أنهم قد أبوا، وأن من أسلم منهم قد ارتد! فأخذ فيهم قتلًا قتلًا بأيدي جنوده، وعدة أفراده، وقوة عتاده! إلا عبدالله بن عمر وسالم مولي بني حذيفة رضي الله تعالى عنهما، وإذ زايلوا المقاتلة، وحين تبدى لهما ألا سند لخالد يسنده، وإن تأول! وما عليهما! وقد ذهب مذهبه! ولأنهما كانا يعرفان عرفًا، ولأنهما كان يعلمان علمًا - أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى حد ما روى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَعَثَ جَيْشًا، وأَمَّرَ عليهم رَجُلًا فأوْقَدَ نَارًا وقالَ: ادْخُلُوهَا، فأرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا، وقالَ آخَرُونَ: إنَّما فَرَرْنَا منها، فَذَكَرُوا للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ لِلَّذِينَ أرَادُوا أنْ يَدْخُلُوهَا: لو دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إلى يَومِ القِيَامَةِ، وقالَ لِلْآخَرِينَ: لا طَاعَةَ في مَعْصِيَةٍ، إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ[3].

 

وفي هذا برهانان:

فأما البرهان الأول، فهو إجراء خالد بن الوليد عمل القتل – الخطأ - في بني جذيمة تأُّولًا، وليس يمكننا اتهامه بالعمد، بل تأويل خاطئ، ودلالة براءته صلى الله عليه وسلم من ذلكم فعل، كان عنوانه رأسًا لباب كلامنا أعلاه، ولأن التاريخ نقل أن القوم قالوا: صبأنا صبأنا، وبمعنى العودة والرجوع والنكوص والإدبار والممانعة، وهذا الذي تأوله خالد، وإلا فنحن أمام جيل لا يَعمِد مخالفة لنبيه صلى الله عليه وسلم، وإذ نحن أيضًا أمام جيل كان محبًّا للناس أن يسلموا وجوههم لله، وهذا الذي قد كان خالد خرج من أجله وسببه وموجبه.

 

وهذا الذي يسميه الناس في أدبياتهم بـ(إشكاليات التنفيذ)، وحين خرج داعيًا، واستشكل فصار مقاتلًا!

 

وأما البرهان الثاني، فهو وجود قاعدة عريضة من المجتمع المسلم، ولتقول لأميرها قولًا معروفًا، وحين يأخذ بعض المؤمنين على يد بعضهم بعضًا، وحين تجشم لذلك كل من عبدالله بن عمر وسالم مولي بني حذيفة رضي الله تعالى عنهما، وفي إشارة أن هذه الأمة تنهض قولًا بالحق وبه يعدلون، وفي مشهد يأخذ فيه الأخ على يد أخيه، وهذا من مطلق معنى قوله تعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة:71]، وكذا قوله تعالى: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [التوبة: 78و79].

 

ثناء وتحميد ومدح وتمجيد!

ولأن هذه الأمة آمرة بالمعروف، ناهية عن المنكر، وإذ كان هذا من سبب ثناء ربها عليها، وإذ كان ذلكم من موجب إشادة قرآنها بها أيضا، وحين قال الله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [آل عمران:110].

 

وهذا من سر بقائها، وهذا من سبب خلودها، وهذا من موجب إلف قلوب أبنائها، وإلا فإن قومًا آخرين، ولما تداعوا إلى منكرهم، وليضرب الله تعالى قلوب بعضم ببعض، ومن بعد لعنه تعالى لهم أيضًا، وكما سبق نظم القرآن الحكيم آنفًا.

 

فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونماذج مضيئة:

هذا وإذ كان موقف الصحابيين عبدالله بن عمر وسالم مولي بني حذيفة رضي الله تعالى عنهما، وعلى صحيح الدليل منسجمًا، وعلى إيجاب الأمر والنهي منتظمًا، وعلى حد قول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: لا يَمنَعَنَّ أحَدَكم مَخافةُ النَّاسِ أنْ يقولَ بالحَقِّ إذا شَهِدَه أو عَلِمَه[4].

 

وإلا فإن أممًا تقاد على غير ما أنف، فبوارٌ تاريخها، وكنسٌ لمجدها، وإتيانٌ على بنيانها، وهدٌ لجبالها، ولو كانت شمًّا صمًّا رواسيَ!

 

وهذا الذي أنبأنا عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحين ضرب مثلًا خالدًا، فقال: مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا[5].

 

ولذا فإن القائد الأبهر، وإن الراعي الأمهر، الفذ الحكيم الأقدر، ليصنع من أمته جيلا ليقول له ﴿قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ [طه:44]، حقًّا لسلطانه، وموجبًا لحكمه السديد، ونظامه الرشيد.

 

ولذا أيضًا فإن الراعي الأشم هو ذاك الذي يأمر رعيته أن تقول له: أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ ولأنه حق من حقوقه له عليهم! ولأنه فضلًا أن يكون من أوجب واجباتهم نحو أميرهم.

 

وهذا الذي حدث يوم تولى أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، وحين قال: فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبين النبي صلى الله عليه وسلم، وعلمنا، فعلمنا أن أكيس الكيس التقى، وإن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف، حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي، حتى آخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زغت فقوموني[6].

 

وهذا هو نداء عمر الفاروق رضي الله تعالى عنه، ومن فوق منبره؛ ليسمع العالم كله؛ وليسمع التاريخ، وحين سجله له موقفًا خالدًا: أيها الناس من رأى منكم فيَّ اعوجاجًا فليقوِّمه، فقام له رجل وقال: والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي يقوم اعوجاج عمر بالسيف[7].

 

وهذا كناية عن المبالغة في الأخذ على يد الأمير، وإلا فإنه ليس كل اعوجاج يقوم بالسيف، وإلا اختل الأمن، وفقد الأمان، وانشل النظام.

 

ويكأنه برهان أمة عز أفرادها، وحين أخذوا على أيدي بعضهم بعضا، فنجوا، ونجوا جميعًا، لا أن يغرقوا، ويغرقوا جميعًا أيضًا!

 

وهذا الذي حدث، يوم أن وقف كل من عبدالله بن عمر وسالم مولي بني حذيفة موقفا مخالفا لعهد خالد، ولفعله في بني جذيمة، ولو كان تأولًا، وحين وضح لهم الحق! وله يخضعون أنوفهم، وله يذعنون قلوبهم، وعن رضا وطواعية، وعن حسبة وتلبية.

 

كلفة تجاوز الموظف العام:

وغير أن قولة الحق، يحسن إعمالها، وحين يحسب لها حسابها، حكمة وموعظة حسنة، وإلفًا ومعروفًا، ورفقًا، ولأن الرفق يزين، ولأن نزعه يشين، ولأن إهمالها - كلمة الحق - يكلِّف الأمة!

 

وهذا الذي حدث يوم أن أعمل خالد قتلًا في بني خذيمة، وحين بعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عليًّا بن أبي طالب ليوديهم جميعًا؛ أي: يدفع دية من قتل، واعتبار أنه قتلٌ خطأٌ لا عمدٌ، ولـتأويل أنف ذكره، ويجبر خاطر من كسر! حتى أودى ميلغة كلب، وكأنما قد قتله خالد! وحتى وزع عليهم جميعا ما قد بقي من مال، جبرًا للخواطر الكواسر، ومما فعله خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه متأولًا، وفي مشهد سيظل عالقًا بأذهان التاريخ، فلا ينسى ذلكم المجد العالي الرفيع السامق، ويكأن نبيًّا قد كان ها هنا، في مصاف أنبياء خلدهم التاريخ، وحين جبر خواطر قد انكسرت، وحين رفع رؤوسًا قد انحنت صلى الله عليه وسلم.

 

وهذا نداء حان: وألا فيحسن كلٌّ فيما نصِّبَ عليه، وألا فليتقن كلٌّ فما وكل إليه.

 

ودلك على صحة مذهبنا هذا أنه وحين: انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد، ثم دعا علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: يا علي، اخرج إلى هؤلاء القوم، فانظر في أمرهم، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك، فخرج حتى جاءهم ومعه مال قد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم به، فودى لهم الدماء وما أصيب من الأموال، حتى إنه ليدي ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقية من المال، فقال لهم علي عليه السلام حين فرغ منهم: هل بقي لكم دم أو مال لم يود إليكم؟ قالوا: لا، قال: فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال احتياطًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره الخبر، فقال: أصبت وأحسنت، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبل القبلة قائمًا شاهرًا يديه، حتى إنه ليرى بياض ما تحت منكبيه وهو يقول: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات[8].

 

والميلغ والميلغة: الإناء الذي يلغ فيه الكلب[9].

 

سؤال وجواب!

بيد أننا لا نقف كثيرًا أمام استفهام كان نصه: ولِمَ لَمْ يعاقب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خالدًا بن الوليد على فعله هذا؟

 

ولأن خالدا تأول، وحين سمعهم يقولون: صبأنا صبأنا.

 

وهذا تأَوُّلٌ، وإن عُدَّ خطأً.

 

بل إن خالدًا لم يعزل، وغير أنه لم يبعد! وفي بادرة أخرى؛ دلالة على رفق هذا النبي صلى الله عليه وسلم حين تَرَأَّف برعيته، وكيما تتفتق في أذهانهم طاقات البذل، وكيما تتفلق من طاقاتهم آيات العطاء، ودونما خوف أو وجل، مما يمكن أن يقعوا من خطأٍ، أو أن يزلوا فيه من قدم!

وهذه مدرسة تربوية سديدة، وهذه طريقة محمدية رشيدة!

 

المسؤولية المدنية التقصيرية للدولة عن أفعال موظفيها!

وهذا سبق إسلامي فريد.

 

لكنه، وعلى ما أنف، كلف خزانة الدولة كثيرًا، وإذ كان الخلف من الله تعالى، وإذ كانت الدولة ضامنة لعمل آحاد رعيتها، ولأنه أثناء العمل وبسببه.

 

وليس يرجع فيه على المخالف من الرعية؛ ضمانًا لانسياب أعمال الأمة، وإلا نكص الأفراد وتباطؤا وتخاذلوا وتخوفوا وتراجعوا، فيقف دولاب العمل، وهذه كلفة أعظم!

 

وهكذا وحين تطلق أعنة الإبداع، فإنك تراهم وقد تجشموا وإن أخطؤوا، وتبصرهم وقد تجلدوا وإن تأولوا، وتلقاهم مقبلين غير مدبرين وقد تجاسروا وتسابقوا وتنافسوا؛ وليصلح الله بهم دولاب العمل أيضا، ومن ثم معه تهون الكلفة أيضًا.

 

وغُنْمُ الدولة عمَلَهم، نظيره تحمل غُرْمِهِم، إلا من تعسف في استعمال السلطات المخولة له، وإلا من تجرأ من سبب الصلاحيات المنوطة به.

 

وهذه تحكمها القوانين والأنظمة الشرعية، وإذ توضحها وتفسرها وتفصلها لوائحها التنفيذية، وإذ كان من شأنها الإبانة والإبداء والتوضيح، وإذ كان من عملها الإفصاح والإنشاء والتصريح، وكيما تتحدد المخالفات وضوابطها، وكيما لا تتبدد المسؤوليات ومعالمها.

 

وهذا أيضًا كفاء أن يكون المكلف عالما بمدلولات اللغات، ومختلف اللهجات، لقوم حل بهم؛ دعوة، أو حربًا، أو سلمًا، أو مفاعلة، وكأي مجال مما تقتضيه اجتماعيات الناس، وتعاملاتهم البينية، ولأن العادة حاكمة.



[1] ينظر: [صحيح البخاري: 3231].

[2] ينظر: [صحيح مسلم: 2654].

[3] [صحيح البخاري: 7257].

[4] [تخريج المسند، شعيب الأرناؤوط: 11793]، خلاصة حكم المحدث: صحيح.

[5] [صحيح البخاري: 2493].

[6] [تاريخ دمشق، ابن عساكر: ج3 /301].

[7] [أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، علي محمد الصلابي: 1 /142].

[8] [تاريخ الطبري، الطبري: ج 2 /41].

[9] [لسان العرب، ابن منظور: ج 8 / 460].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • جوانب من الحياة الشخصية لخالد بن الوليد
  • خالد بن الوليد رضي الله عنه
  • خالد بن الوليد (قصيدة)
  • على خالد بن الوليد فلتبك البواكي (خطبة)
  • البطل الصنديد خالد بن الوليد (خطبة)
  • خالد بن الوليد (بطاقة)

مختارات من الشبكة

  • سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • تفسير: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم..)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أدعية الاستسقاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدعية والأعمال التي يستحب فعلها عند نزول المطر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث البراء بن عازب: إذا أويت إلى فراشك، فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح الدعاء النبوي "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد"(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب