• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الشهادة في سبيل الله: أمنية غالية ومنزلة عالية (خطبة)

الشهادة في سبيل الله: أمنية غالية ومنزلة عالية (خطبة)
الشيخ محمد عبدالتواب سويدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/11/2021 ميلادي - 2/4/1443 هجري

الزيارات: 94805

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الشهادة في سبيل الله

أمنية غالية ومنزلة عالية

 

الحمدُ لله العَليمِ الخبير، السَّميع البصِير، أحاطَ بكلِّ شيءٍ عِلمًا، وأَحصَى كلَّ شيءٍ عَددًا، لا إلهَ إلَّا هو إليه المصير، أحمَدُ ربِّي وأشكرُه، وأتوب إليه وأستغفِره، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شَريكَ له العليُّ الكبير، وأشهَد أنَّ نبيَّنا محَمَّدًا عَبدُ الله ورسولُهُ البَشيرُ النَّذير، والسراجُ المُنير، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبَارِك على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وعلى آلِه وأصحابِه ذَوي الفَضلِ الكَبيرِ.

 

أما بعد:

أيها الكرماء الأجلاء عباد الله: إنَّ الله عز وجل قد حث عباده على المسارعة والمسابقة والبذل في سبيله، فقال جل وعلا: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال جل وعلا: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال جل وعلا: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، وقال تعالى: ﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20].

 

فتسابَقَ المؤمنون في هذا المضمار المبارك؛ فهذا يبذل الأموال، وآخر يتصدق بنصف ماله أو ثلثه، وذاك يعد بالكثير من الإعانات والهبات، وآخَر قد أوقَف نفسه وفرَّغها في أعمال البر والخير، يبذل وقته في نفع المسلمين إغاثة ودعوة وتعليمًا، وكلهم على خيرٍ، إن شاء الله.

 

لكنْ هناك صنفٌ من الناس هانت عليهم دُنياهم، ولم تغرَّهم مُتَعُ الحياة وزخرفها، ولم يقعدْ بهم الخوف على الذريَّة والعيال، سلكوا طريقًا جبُن عنه الكثيرُ، اختاروا طريقًا قلَّ سالكوه، وركبوا بحرًا تقاصَرتِ الهمم عن رُكوبِه، علموا أنَّ العمر محدودٌ والطريق طويل؛ فاختاروا أرفعَ المقامات وتسنَّموا ذُرَى الإسلام، علموا أنَّ أغلى ما يملكه الإنسان روحُه التي بين جنبَيْه، فقدَّموها قُربانًا إلى ربهم، يهون المال والمتاع دُون الدم، ولكنَّهم أراقوا دِماءهم في سبيل الله، سمعوا قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111]، فعقدوا البيعَ مع الله، السِّلعةُ أرواحُهم ودماؤهم، والثمنُ الموعود عند الله هو الجنة، ومَن أوفى بعهده من الله؟! فيا لله ما أعظمَه من بيعٍ، وما أعظمه من ربح!

 

لله درُّهم، ما أشجعهم! غادَرُوا أوطانهم، وهجَرُوا نساءهم، وفارَقُوا أولادهم وخلانهم يطلُبون ما عند الله، تركوا لذيذَ الفِراش ورغد العيش وخاطَرُوا بأنفُسِهم في سبيل الله يطلُبون الموت مظانَّه، لله درُّهم ما أقوى قلوبَهم، لله درُّهم ما أقوى إيمانَهم حين يعرضون رقابهم للحُتوف ويريقون دماءَهم تقرُّبًا إلى الله ربِّهم؛ طمعًا فيما عند الله.

 

• فقد روى الترمذي في سننه من حديث المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ: يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ، وَيُرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنَ الفَزَعِ الأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الوَقَارِ، اليَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الحُورِ العِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ)).

 

• وَعَنْ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((رَأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي، فَصَعِدَا بِي الشَّجَرَةَ، فَأدْخَلانِي دَارًا هِيَ أحْسَنُ وَأفْضَلُ، لَمْ أرَ قَطُّ أحْسَنَ مِنْهَا، قالا: أمَّا هَذِهِ الدَّارُ فَدَارُ الشُّهَدَاءِ))؛ متفق عليه.

 

• وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشُّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ - أي على جانب نهر - بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ، يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا)).

 

أيها المسلمون:

إنَّ الشهادة في سبيل الله درجةٌ عالية لا يهبها الله إلا لمن يستحقُّها؛ فهي اختيار من العليِّ الأعلى للصفوة من البشَر؛ ليعيشوا مع الملأ الأعلى؛ ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾ [آل عمران: 140].

 

إنها اصطفاء وانتقاء للأفذاذ من البشر ليكونوا في صُحبة الأنبياء؛ ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69].

 

أيها المسلمون:

ولو لم يكن للقتل والشَّهادة في سبيل الله من الأجر الكبير، لما تمنَّى النبي عليه الصلاة والسلام أنْ يُقتَل في سبيل الله ثلاث مرَّات، وها هو النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري يقول: ((والذي نفسي بيَدِه، لولا أنَّ رجالًا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أنْ يتخلَّفوا عنِّي، ولا أجد ما أحملُهم عليه، ما تخلَّفت عن سريَّةٍ تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أنِّي أُقتَل في سبيل الله، ثم أحيا ثم أُقتَل، ثم أحيا ثم أُقتَل، ثم أحيا ثم أُقتَل)).

 

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَلَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا الشَّهِيدُ، يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا يَرَى مِنَ الكَرَامَةِ)).

 

• وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبدٍ يموتُ، له عند الله خيرٌ، يحبُّ أن يرجع إلى الدُّنيا وأنَّ له الدُّنيا وما فيها إلَّا الشَّهيد؛ لما يرى من فَضل الشَّهادة؛ فإنَّه يسُرُّه أن يَرجع إلى الدُّنيا فيُقتل مرَّةً أُخرى))؛ الترمذي، حسن صحيح.

 

• وقال جابر بن عبدالله: لَقيني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: ((يا جابرُ، ما لي أراك مُنكسرًا؟))، قلتُ: يا رسول الله، استُشهد أبي، قُتل يوم أُحُدٍ، وترك عيالًا ودَينًا، قال: ((أفلا أُبشِّرُك بما لقي اللهُ به أباك؟))، قال: قلتُ: بلى يا رسول الله، قال: ((ما كلَّم اللهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراء حجابٍ، وأحيا أباك فكلَّمه كفاحًا، فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَّ أُعطِك، قال: يا رب، تُحييني فأُقتَل فيك ثانيةً، قال الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: إنَّه قد سبق منِّي أنَّهم إليها لا يرجعون، قال: يا رب، فأَبلِغْ مَن ورائي))، قال: وأُنزلت هذه الآيةُ: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾ [آل عمران: 169]؛ الترمذي.

 

• وفي صحيح مسلم عن مسروق قال: سُئل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]، قال: أما إنَّا قد سألنا عن ذلك النبي، فقال: ((أَرْوَاحُهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنادِيلِ، فاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطلاعَةً، فَقالَ: هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا؟ قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ نَشْتَهِي، وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرَّاتٍ، فلمَّا رأوا أنَّهم لن يُتركوا من أن يُسألُوا، قالوا: يا رب، نريدُ أن ترُدَّ أرواحَنا في أجسادنا حتى نُقتل في سبيلك مرَّةً أُخرى)).

 

أيها الكرماء الأجلاء عباد الله:

ولما علم الصحابة منزلة الشهادة وقدر الشهداء، سارعوا في طلب الشهادة والفوز بها، وفي صحيح السنة من أخبار هذا الشوق الظامئ، والحب الطهور الذي أكرم الله به هذه الكوكبة المؤمنة والطليعة الراشدة، ما لا يحدُّه حد، ولا يستوعبه بيان:

♦ فهذا عبادة بن الصامت رضي الله عنه يقول للمقوقس: "وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحًا ومساءً أن يرزقه الشهادة، وألا يردَّه إلى بلده، ولا إلى أرضه، ولا إلى أهله وولده وماله، وليس لأحد منا هَمٌّ فيما خلَّفه، وقد استودع كل واحد منا ربَّه أهلَه وولده وماله، وإنما همُّنا ما أمامنا".

 

♦ وهذا عمير بن أبي وقاص، شاب صغير توجه إلى الله جل وعلا يوم بدر، فأخذ حمائل السيف، وكانت طويلة عليه فأخذها سعد وربطها، فأصبح يسحب في الأرض من قصر الرجل وطول السيف عليه! ويتجه إلى الله، ماذا يقدم؟

 

إنه لم يرض للجنة ثمنًا إلا أن يقدِّم دمه لله عز وجل، فيأخذ السيف ويتوارى بين صفوف المسلمين؛ لأنه لو رآه النبي صلى الله عليه وسلم لردَّه، فرآه المصطفى صلى الله عليه وسلم وقال لـ عمير: ((ارجع)). فماذا كان من عمير؟ أفرح والسيوف تنتظره هناك؟ بل دمعت عيناه ورجع هذا الصبي حسيرًا كسيرًا، فيقول أخوه سعد بعد أن تأثر من منظره: يا رسول الله! والله ما خرج إلا ليُقتَلَ في سبيل الله، فلا تحرمه الشهادة في هذا اليوم، فيسمح له النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل غزوة بدر، فينتصر المسلمون ليكون أَحَدَ شهدائها بإذن الله عميرُ بن أبي وقاص.

 

♦ وها هو خيثمة بن الحارث عليه رضوان الله ورحمته، ما كان منه يوم أن دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للنُّفرة إلى غزوة بدر إلا أن جاء إلى ابن له اسمه سعد -ابن صغير- وكان معه من النساء الكثير، ومعه من البنات والأخوات يعولهن هذا الرجلُ الكبير خيثمة بن الحارث، فقال لابنه سعد: يا بني! تعلم نساءنا، وليس لهن من يحميهن، وأريد أن تبقى معهن وأذهب لأجاهد في سبيل الله جل وعلا، قال: "يا أبتاه! للنساء ربٌّ يحميهن، والله ما تطمع نفسي في هذه الدنيا بشيء دونك، لكنها الجنة يا أبتاه، والله لو كان غير الجنة لآثرتك به"، وانطلق يجاهد في سبيل الله، وجلس الأب الكبير مع هؤلاء النساء، وقُتِل هذا الابن شهيدًا -بإذن الله- في سبيل الله، ويوم جاء الخبر أباه في اليوم الثاني، قالوا له: لقد قُتِل ونحتسبه شهيدًا عند الله جل وعلا، فما كان منه إلا أن قال: "أواه أواه، والله لقد فاز بها دوني، والله لقد كان أعقل مني، لقد رأيته البارحة يسرح ويمرح في أنهار الجنة وثمارها وأزهارها، ويقول: يا أبتاه! الْحَقْ بنا، فإنَّا قد وجدنا ما وعَدَنا ربُّنا حقًّا".

 

♦ وهذا عمير بن الحُمَام، أخرج مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أنه قال: انطلق رسول الله وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون فقال رسول الله: ((لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونكم))، فدنا المشركون فقال رسول الله: ((قوموا إلى جنة عرضُها السموات والأرض))، فقال عمير بن الحمام: يا رسول الله إلى جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: ((نعم))، قال: بخ بخ! قال: ((ما يحملك على قول بخ بخ))، قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، فقال: ((فإنك من أهلها))، فأخرج تمرات من قَرَنِه - وهو جَعبة النبال - فجعل يأكل منهن، ثم قال: إن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتل حتى قتل.

 

فانظروا رحمكم الله كيف استبطأ رضي الله عنه الشهادة لتأخُّرها عنه دقائق معدودات، ولقد كانت كلمات بعضهم عند الشهادة صرخات مدوية زلزلت قلوب قاتليهم، وحملتهم على الدخول في دين الله.

 

♦ وهذا حرام بن ملحان رضي الله عنه، أحد القراء الذين بعث بهم رسول الله يدعون قومًا من المشركين إلى الإسلام، ويقرؤون عليهم القرآن، فغدرت بهم رعل وذكون من قبائل العرب وقتَلوهم عند بئر معونة، فإذا بحرام بن ملحان يتلقى سنان الرمح بظهره فيخرج من بين ثدييه، والدماء تثعب منه، فينضح من هذه الدماء على وجهه وجسده، ويقول وقد ذاق بلسم الحياة: "فزتُ وربِّ الكعبة، فزت ورب الكعبة"، حتى قال قاتله: فقلت في نفسي: ما فاز؟ ألستُ قتلتُ الرجل؟! فما زال يسأل حتى أُخبر أنه فاز بالشهادة وبما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فقال قاتله: فاز لعمر الله! أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.

 

فقد روى البخاري بسنده عن ثمامة بن عبدالله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول: لما طُعن حرام بن ملحان - وكان خاله - يومَ بئر معونة، قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: "فزتُ وربِّ الكعبة".

 

♦ وهذا أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ النَّبِيُّ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء - يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء - يعني المشركين -، ثم تقدم، واستقبله سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنةَ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ، قَالَ: فَحَمَلَ فَقَاتَلَ فقُتِلَ، فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَطَقْتُ ما أطاق، فقالت أخته: والله ما عرَفتُ أَخِي إِلَّا بِحُسْنِ بَنَانِهِ، فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً ضَرْبَةُ سَيْفٍ وَرَمْيَةُ سَهْمٍ وَطَعْنَةُ رُمْحٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]. البخاري ومسلم.

 

• ثم استمعوا رعاكم الله إلى خبر هذا الأعرابي المسلم كيف صدَق الله في طلب الشهادة فصدقه الله وبلَّغه ما أراد؛ فقد أخرج النسائي في سننه بإسناد صحيح عن شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي فآمَنَ به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي بعض أصحابه، فلما كانت غزاة غنم النبي فقسم وقسم له - للأعرابي - فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان - يعني الأعرابي - يرعى ظهرهم يعني إبلهم، وما يركبون من دواب، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسمٌ قسَمَه لك النبي، فأخذه فجاء به إلى النبي فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمته لك))، قال الأعرابي: ما على هذا اتبعتُك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت فأدخل الجنة، فقال النبي: ((إنْ تصدُقِ الله يصدُقْك))، فلبثوا قليلًا ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأُتي به النبي يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي: ((أهو هو؟))، قالوا: نعم، قال: ((صدَق الله فصدَقه))، ثم كفنه النبي في جبته، ثم قدمه فصلى عليه، وكان مما ظهر من صلاته: ((اللهم هذا عبدُك خرج مهاجرًا في سبيلك فقُتل شهيدًا، أنا شهيدٌ على ذلك)).

 

♦ وهذا عبدالله بن جحش: جهاد طويل لهذا الصحابي الجليل، جهاد في مكة، وجهاد في الحبشة، وجهاد في المدينة المنورة. وقد دار حوار رائع بينه وبين سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما، قال عبدالله بن جحش لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما يوم أُحد: "ألا تأتي ندعو الله؟"، فخلا في ناحيةٍ، فدعا سعد فقال: "يا رب، إذا لقينا القوم غدًا، فلَقِّني رجلًا شديدًا بأسُهُ، شديدًا حَرْدُهُ، فأقاتله فيك ويقاتلني، ثم ارزقني عليه الظفر حتى أقتله وآخذُ سلبَهُ"، فقام عبدالله بن جحش، ثم قال: "اللهم ارزقني غدًا رجلًا شديدًا حردُه، شديدًا بأسُه، أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني، فإذا لقيتُك غدًا قلتَ: يا عبدَالله، فيمَ جُدع أنفك وأذنك؟ فأقول: فيك وفي رسولك، فتقول: صدقتَ"، قال سعد بن أبي وقاص: "يا بُنيَّ، كانت دعوة عبدالله بن جحش خيرًا من دعوتي، لقد رأيته آخر النهار وإن أذنه وأنفه لمعلَّقانِ في خيط".

 

إنه لموقفٌ رائع لعبدالله بن جحش، الذي آثر الشهادة في سبيل الله على كل شيء، فيتمنى لقاء الله وقد شُوِّهت معالمه، وذلك في ذات الله، وطمعًا في دخول الجنة، وحدَث ما تمناه.

 

♦ وهذا عمرو بن الجموح: كان عمرو بن الجموح أعرج شديد العرج، وكان كبير السن، وكان له أربعة بنين شباب يغزون مع رسول الله إذا غزا، فلما أراد رسول الله أن يتوجه إلى أُحد، أرادَ أن يَتَوجَّهَ معه، فقال له بنوه: "إن الله قد جعل لك رخصة، فلو قعدت ونحن نكفيك، فقد وضع الله عنك الجهاد"، فأتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله فقال: "يا رسول الله، إن بَنِيَّ هؤلاء يمنعون أن أخرج معك، والله إني لأرجو أن أستشهد فأطأ بعرجتي هذه في الجنة"، فقال له رسول الله: ((أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ عَنْكَ الْجَهَادَ))، وقال لبنيه: ((وَمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَدَعُوهُ؛ لَعَلَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَهُ الشَّهَادَةَ))، فخرج مع رسول الله فقُتل يوم أُحد شهيدًا.

 

وفي صحيح ابن حبان أن عَمْرَو بْنَ الْجَمُوح جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ الْيَوْمَ دَخَلَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: ((نَعَمْ))، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا أرجعُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَا عَمْرُو! لَا تَألَّ عَلَى اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((مَهْلًا يَا عُمَرُ! فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبرَّه، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ يَخُوضُ فِي الجنة بعرجته)).

 

أرأيتم أيها المسلمون: قد خرج يتمني الشهادة مع أنه قد تجاوز الستين من العمر، فرزقه الله الشهادة؛ لأنها رزقٌ، ولا ينال هذا الرزقَ العظيم إلا من يسَّره الله له.

 

♦ وهذا حنظلة بن أبي عامر: كان حنظلة قد ألمَّ بأهله حين خروجه إلى أُحد، ثم هجم عليه الخروج في النَّفير فأنساه الغسل أو أعجله، فلما قُتل شهيدًا، أخبر رسول الله أصحابه أن الملائكة غسَّلته؛ فسمِّي غَسِيل الملائكة.

 

فعن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله قال لامرأة حنظلة: ((مَا كَانَ شَأْنُهُ؟))، قالت: خرج وهو جُنُبٌ حين سمع الهاتفة، فقال رسول الله: ((لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ))، فقد خرج في صبيحة عرسه وهو جنب، فلقي ربَّه شهيدًا.

 

وصدق من قال:

أهل الشهادة في الآثار قد أَمِنوا
من فتنةٍ وابتلاءاتٍ إذا قُبِرُوا
ويوم يُنفخ صور ليس يزعجهم
والناس قائمةٌ من هوله ذُعِرُوا
وما سوى الدَّيْنِ من ذنب وسيئةٍ
على الشهيد فعند الله مغتفَرُ
أرواحهم في عُلا الجنات سارحةٌ
تأوي القناديل تحت العرش تزدهرُ
وحيث شاءت من الجنات تحملها
طير مغرِّدةٌ ألوانها خضرُ
إن الشهيد شفيع في قرابته
سبعين منهم كما في مسندٍ حصر
والترمذي أتى باللفظ في سنن
وفي كتاب أبي داود معتبرُ
مع ابن ماجة والمقدام ناقله
في ضمن ست خصال ساقها الخبرُ
ما كل من طلب العلياء نائلها
إن الشهادة مجدٌ دونه حفرُ
وقد تردد في الأمثال من زمن
لا يبلغ المجد حتى يلعق الصَِّبُر
ربي اشترى أنفسًا ممن يجود بها
نعم المبيع ورب العرش ما خسروا

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعلتنا من أمَّة محمد عليه الصلاة والسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

أيها الكرماء الأجلاء عباد الله: ولا يظنَّ ظان أن الشهيد هو من قُتل في ساحات الوغى فحسب؛ فقد شرحت السنة وفسَّرت في أنواعها، فليس قيد في الشهادة والشهيد أن يكون قتيلًا على أيدي الكفار في معركة حربية معه، فقد أخبر النبي صلي الله عليه وسلم جملة من الشهداء.

 

♦ قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ فِيكُمْ؟))، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، قَالَ: ((إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذًا لَقَلِيلٌ))، قَالُوا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ))؛ (رواه مسلم).

 

♦ وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ))؛ (رواه أبو داود).

 

♦ وعند الترمذي عن سعيد بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد)).

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي؟ قَالَ: ((فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ))، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: ((قَاتِلْهُ))، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: ((فَأَنْتَ شَهِيدٌ))، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ؟ قَالَ: ((هُوَ فِي النَّارِ))؛ (رواه مسلم).

 

♦ وعن سويد بن مقرن رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ))؛ (رواه النسائي).

 

♦ وجاء في الموسوعة الفقهية: "ذهب الفقهاء أن للظلم أثرًا في الحكم على المقتول أنه شهيد، ويقصد به غير شهيد المعركة مع الكفار، ومن صور القتل ظلمًا: قتيل اللصوص، والبغاة، وقطاع الطرق، ومن قُتل مدافعًا عن نفسه، أو ماله، أو عن المسلمين، أو عن أهل الذمة، أو من قُتل دون مظلمة، أو دمه، أو دينه، أو أهله، أو مات في السجن وقد حُبس ظلمًا، وأولئك كما ذهب جمهور الفقهاء لهم وصف الشهادة في الدنيا، ونحسبهم كذلك في الآخرة، دون قطع أو إيجاب على الله تعالى، إلا إنهم كما قال صاحب كتاب فقه السنة: "فقد أطلق الشرع عليهم لفظ الشهداء، وهؤلاء يغسلون ويصلى عليهم"، فمن جمعت له هذه الأوصاف أو وصف منها فهو شهيد في مصر أو في أي بلد من البلاد، متى كان مسلما موحدًا للمولى تبارك وتعالى… والله تعالى أعلى وأعلم".

 

فأبشروا وأمِّلوا، واطمعوا في فضل ربكم؛ فلقد ثبت في صحيح مسلم أن سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ)).

 

أعمال تعدل الشهادة والجهاد في سبيل الله:

أيها المسلمون: إن من رحمة الله تعالى بعباده أنْ أهدى لهذه الأمَّةِ أعمالًا سهلة يسيرة، ولكن ثوابها يعدل ثواب المجاهد الشهيد في سبيل الله، ولا ننسَ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الجميع بالدعاء بالفردوس الأعلى من الجنة والتي أعدَّها الله للمجاهدين في سبيله، ومن هذه الأعمال ما يلي:

 

السعي على خدمة الأرملة والمسكين:

روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار))؛ رواه البخاري.

 

بر الوالدين:

روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه يستأذنه في الجهاد فقال: ((أحي والداك؟))، قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد))؛ رواه البخاري.

 

العمل الصالح في عشر ذي الحجة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أيام العملُ الصالح فيهن أحبُّ إلى الله من هذه الأيام العشر))، فقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء))؛ رواه أحمد والبخاري والترمذي واللفظ للترمذي.

 

العمل على الصدقة:

روى رافع بن خديج رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((العامل في الصدقة بالحق لوجه الله عز وجل كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلى أهله))؛ رواه أحمد.

 

العمل والتكسب لإعفاف النفس والعيال وبر الوالدين:

مرَّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فرأى الصحابة جدَّه ونشاطه، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يَعُفُّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياءً ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان))؛ رواه الطبراني.

 

الحج والعمرة:

جاء عن الشفاء رضي الله عنه أنها قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أريد الجهاد في سبيل الله، فقال: ((ألا أدلُّك على جهاد لا شوكة فيه؟ حجُّ البيت))؛ رواه الطبراني وصححه الألباني.

 

وروى الحسين بن علي رضي الله عنهما أن رجلًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني جبان وإني ضعيف، فقال: ((هلم إلى جهاد لا شوكة فيه: الحج))؛ رواه الطبراني وصححه الألباني.

 

مجاهدة النفس:

روى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسَه وهواه))؛ رواه ابن النجار وصححه الألباني.

 

روى فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المجاهد من جاهد نفسه في الله))؛ رواه أحمد.

 

التمسك بالسنة زمن الفتن:

روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن من ورائكم زمانَ صبر، للمتمسك فيه أجرُ خمسين شهيدًا منكم))؛ رواه الطبراني.

 

قول الحق عند سلطان جائر:

روى جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب، ورجلٌ قام إلى إمام جائر فأمَرَه ونهاه فقتَله))؛ رواه الحاكم وحسنه الألباني.

 

طلب العلم أو تعلمه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من جاء مسجدي هذا، لم يأتِه إلا لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو في منزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاءه لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره))؛ رواه الحاكم وصححه الألباني.

 

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ))؛ رواه الترمذي.

 

انتظار الصلاة بعد الصلاة:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفعُ به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغُ الوضوء على المكاره، وكثرةُ الخُطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط))؛ رواه مسلم.

 

بارَك الله لي ولكُم في القُرآن العظيم، ونفَعَنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستَغفِر اللهَ العظيم الجليل لي ولكم من كلِّ ذنبٍ، فاستغفروه يغفر لكم إنَّه هو الغفور الرحيم. وأقم الصلاة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الشهادة في سبيل الله
  • فضل الشهادة في سبيل الله
  • الشهادة في سبيل الله تعالى (خطبة)
  • { وأقيموا الشهادة لله } (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة كتاب الشهادة ( الاستفادة من كتاب الشهادة ) (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة كتاب الشهادة ( الاستفادة من كتاب الشهادة )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • شهادة الله: من حكمة الشهادة في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شهادة الأعمى وشهادة الصبي والشهادة على المنتقبة (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • حقيقة شهادة الزوجين(مقالة - موقع أ. د. علي أبو البصل)
  • الصيام قد ينال به من المقامات أعلى من مقام الشهادة في سبيل الله(مقالة - ملفات خاصة)
  • فضل الشهادة والتضحية في سبيل الله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تكفر الشهادة في سبيل الله كل الذنوب سوى الدين(مادة مرئية - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • شرح حديث: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه منازل الشهداء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من بركات النبي صلى الله عليه وسلم على أمته: أن الله تعالى نوع لهم أسباب الشهادة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب