هكذا كان العتاب

هكذا كان العتاب

قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الحديد: 16، 17].

هكذا كان العتاب من الله تعالى للمؤمنين..

قال ابن مسعود: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربعُ سنوات".

وعن أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه: أن هذه الآية قرئت بين يديه، وكان عنده قوم من اليمن، فبكَوا بكاءً شديدًا، فقال أبو بكر: "هكذا كنا حتى قسَتِ القلوب".

والمعنى: ألم يجئ الوقتُ ويَحِنِ الحينُ للذين آمنوا أن يتمكن الإيمان في نفوسهم، ويخالط شغافَ قلوبهم، فتَلينَ من جحودها، وتَرِقَّ من قسوتها وغلظتها، وتتحرر من جاهليتها وجهلها.. فتخشاه لذكره، وتخافه وتطمئن إليه، وتسارع إلى طاعته، بالامتثال لأوامره، والانتهاء عما نهى عنه من غير توانٍ ولا فتور، وتخشع لما نزل من القرآن، وهو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟!

نعم.. إنه عتاب من المولى عز وجل، واستبطاء للاستجابة من القلوب التي أفاض عليها من فضله، فبعَثَ إليها الرسل، وأنزَلَ عليها الآيات، وبيَّن لها طريق النور من الظلمات..

إنه عتاب فيه وُدٌّ، وفيه حض ونداء من الله الرحيم، نداء لعل القلوب تخشع وتلين وتعرف حق الله تعالى عليها، فهذا القلب إن طال عليه الأمد بلا تذكير تبلَّد وقسا وأظلَمَ وأعتم، ولا بد من تذكيره حتى يتذكر ويخشع.. ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ قال ابن كثير: أمَا آنَ للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله؛ أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن، فتفهمه وتنقاد له، وتسمع وتطيع. [انظر تفسير ابن كثير، ج 8، ص 19].

ثم تأتي الآية بعد ذلك في قوله تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾.. فكما أن الأرض يأتي عليها الموت، فكذلك القلب، قد يجمد ويخمد ويقسو ويبلد، لكن يمكن أن تدبَّ فيه الحياة، وأن يُشرِق فيه النورُ، وأن يخشع لذِكر الله؛ فالله يُحيي الأرض بعد موتها، فتنبض بالحياة، وتزخر بالنبت والزهر، وتمنح الأكل والثمار.. وكذلك القلوب.

وقال رجل لطاوس بن كَيْسان: أَوصِني، فقال: "أوصيك أن تحب الله حبًّا حتى لا يكون شيء أحبَّ إليك منه، وخَفْهُ خوفًا حتى لا يكون شيء أخوف إليك منه، وارجُ الله رجاء يحول بينك وبين ذلك الخوف، وارضَ للناس ما تَرضى لنفسك".

ويروى عن داود عليه السلام أن الله تعالى أوحى إليه: "يا داود، لو يعلم المدبِرون عني كيف انتظاري لهم، ورفقي بهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لَماتوا شوقًا إليَّ، وتقطَّعت أوصالهم من محبَّتي.. يا داود، هذه إرادتي في المدبِرين عنِّي، فكيف إرادتي بالمقبلين عليَّ؟!".

﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾

هذه الآية سمعها الفُضيل بن عِياض، فامتثل لأمر الله، وقال: بلى آنَ، بلى آن.. وتَغيَّر حالُه.. وبعدما كان ابن عياض يقطع الطريق على الناس، ويسلبهم ما معهم، صار عابدَ الحرمين، وممن يُضرب به المثل في الزهد والورع.

فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء، ويصرفها كما أراد.

فاللهم يا مقلِّب القلوب، ثبِّتْ قلوبنا على طاعتك، ويا مصرِّف القلوب، صرِّفْ قلوبنا على محبتك.

واجب عملي:

اذهب لزيارة المقابر بنية الاتعاظ؛ عن بريدة بن الحصيب، أن رسول الله قال: ((نهيتُكم عن زيارة القبور فزُورُوها؛ فإن في زيارتها تذكرة))؛ أخرجه أبو داود.

التجويد:

تابع مخارج الحروف:

اللسان: وله عشرة مخارج، وهي:

1) أقصى اللسان: عند قاعدته من الحلق مما يلي الحلق، وما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه حرف (القاف).

2) أقصى اللسان: من أسفل مخرج (القاف) قليلًا، وما يليه من الحنك الأعلى، ويخرج منه (الكاف).

3) وسط اللسان: بينه وبين وسط الحنك الأعلى، ويخرج منه ثلاثة أحرف، هي: (الجيم - الشين - الياء الساكنة).

4) من إحدى حافتي اللسان ومع ما يليه من الأضراس من الجهة اليسرى واليمنى، واليسرى أكثر استعمالًا، ولا يخرج منه إلا حرف (الضاد).

5) من أدنى حافتي اللسان إلى منتهى طرفه مع ما يليه من أصول الثنايا العليا: ويخرج حرف (اللام).

6) من طرف اللسان مع ما فوقه من الحنك الأعلى أسفل اللام: وتخرج (النون).

7) من طرف اللسان مائلًا إلى الظهر أسفل اللام قليلًا: ويخرج حرف (الراء). وتسمى (اللام والنون والراء) بالحروف الذلقية؛ نسبة إلى طرف اللسان.

8) من بين طرف اللسان فوق الثنايا العليا والسفلى: ويخرج منه (الصاد - الزاي - السين)، وتسمى بحروف الصفير.

9) من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا جهة الحنك: ويخرج منه (الطاء - الدال - التاء).

10) من طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا: ويخرج منه (الظاء - الذال - الثاء)، وتسمى بالحروف اللثوية؛ نسبة إلى اللثة.

الشفتان: ولهما مخرجان:

أ- من بطن الشفة السفلى مع أطراف الثنايا العليا: ويخرج منه (الفاء).

ب- من بين الشفتين: ويخرج منه (الباء والميم والواو)، الباء والميم بانطباق الشفتين، والواو بانفتاحهما قليلًا مع ضمهما معًا.

الخيشوم:

وله مخرج واحد، وهو أقصى الأنف، وتخرج منه الغنة.

علوم القرآن:

القصص في القرآن:

لقد احتوى القرآن على قصص، ولكنه أحسن القصص، وهو قصص حقيقيٌّ لا خيالي، قال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ ﴾ [يوسف: 3].

أنواع القصص القرآني:

• قصص الأنبياء، متضمنًا دعوتهم، والمعجزات التي أيَّدهم الله بها، وموقف المعاندين لهم.

• قصص متعلق بحوادث عابرة وأشخاص لغير الأنبياء صالحين وغيرهم؛ كقصة أهل الكهف، وأصحاب الجنة.

• قصص متعلقة بحوادث وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، مثل غزوة بدر والأحزاب والهجرة.

فوائد القصص:

♦ إيضاح أسس الدعوة إلى الله، وما بعث به الأنبياء.

♦ تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

♦ إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم، بما يخبره عن أحوال الماضين.

♦ تصديق الأنبياء السابقين.

♦ إظهار ما كتمه أهل الكتاب أو حرَّفوه، وقد تتكرر القصة في القرآن لحِكَمٍ كثيرة، ومن أبرزها قصة سيدنا موسى عليه السلام.

كيف تحفظ القرآن؟

كيف تبرمج عقلك لتكون مبدعًا في حفظ القرآن؟

من يرغب في حفظ القرآن لا بد من برمجة عقله، وذلك في عدة نقاط:

• حدِّد ما تريد حفظه.

• اجعل أهدافًا لحفظك للقرآن، على الأقل ثلاثة.

• ضع تصورًا داخليًّا لأهدافك، وتخيلها كما لو أنها تتحقق.

• احلم بأحلام جديدة (كحفظ المزيد من الأجزاء)، واجعلها حقيقة، عن طريق تكرار رؤيتها وسماعها، والشعور كأنها تحققت.

• ثق بالله الذي منحك عقلك المبدع، والقدرة على تحقيق أهدافك.

• ركز ذهنك على ما تريد (وهو حفظ سورة البقرة مثلًا)، وليس على تفاصيل عمل ما تريد.

• فكِّر في عدد من نتائج وثمار حفظك لكتاب الله.

• عش المشاعر والأحاسيس التي يعيشها حافظ القرآن، وتخيل نفسك وأنت تنعم بنعمة حفظ القرآن، أو وأنت تتلوه في المحراب إمامًا في صلاة التراويح.

• أعِدْ قراءة هذه الخطوات، واجعلها أمامك، واقرأها كلما احتجت إليها.