• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات
علامة باركود

عبادة التفكر

الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/10/2007 ميلادي - 16/10/1428 هجري

الزيارات: 99744

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عبادة التفكر

 

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70-71 ]. 

أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون: لعبادة التفكر والاعتبار في الإسلام أهمية عظمى، وتظهر هذه الأهمية لمن أدرك أن وسيلة التفكر هي مناط التكليف، فلا تَفكُّر إلا بالعقل، ولا تكليف على مَن فقد عقله.

 

وهذه العبادة العظيمة تنعدم أو تقل كثيرًا حينما تغلب الماديات على حياة الناس؛ فينشغلون باللهو والترف، مع أن هذه العبادة تقرب إلى الله تعالى وتظهر حقيقة الدنيا ومتعها وزخرفها.

بها يستدل العبد على عظمة الله بآياته الكونية، ويدرك سننه الشرعية، ويعلم حقيقة الوجود، وأهمية العمل لليوم الموعود، ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190- 191]. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: "ومعنى الآية أن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 190] أي: هذه في ارتفاعها واتساعها، وهذه في انخفاضها وكثافتها واتضاعها، وما فيهما من الآيات المشاهدة العظيمة من كواكب وسيارات وثوابت وبحار، وجبال وقفار، وأشجار ونبات، وزروعٍ وثمار، وحيوانٍ ومعادن، ومنافعَ مختلفة الألوان والطعوم والروائح والخواصّ ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ﴾ [آل عمران: 190] أي: تعاقبُهما وتقارضهُما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرًا، ويقصر الذي كان طويلاً، وكل ذلك تقدير العزيز العليم". ا هـ[1].  

وهذا التفكر في خلق السموات والأرض إنما يفعله أولو الألباب، المؤمنون بالله تعالى، ويحرم منه الكافرون والماديّون ومن غلبت شهواتُهم عقولَهم؛ فعطلتها عن التفكر والاعتبار ﴿ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ ﴾ [غافر: 13] ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ ﴾ [ق: 37 - 38]. لذا كان القرآن يعجب من عقول الكافرين والماديين كيف لم تدرك عظمة الله بآياته الكونية ﴿ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 185] ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 47 - 49] ﴿ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22] ﴿ وَفِي الأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20] ﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [النَّازعات: 27- 33]. 

وفي خلق الإنسان من مواضع التفكر والاعتبار، ما يدل على إتقان خلق الجبار - تبارك وتعالى - ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الرُّوم: 20]، خلقه الله من منيٍّ يمنى، وحوَّله من نطفة قذرة إلى إنسان سويّ مكرم، وسخر له المخلوقات ﴿ قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ ﴾ [عبس: 17- 22] ﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [الزُّمر: 6] ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].

آيات بينات في هذا المخلوق الضعيف، آياتٌ في لحمه وعظمه، وجسده وروحه، وحركته وسكونه، وعقله وإدراكه.

 

هذا العقل الصغير الذي أعطاه الله من العلم ما استطاع به أن يبني هذه الحضارة العظيمة، في مبانيها وصناعاتها ومكتشفاتها، أرأيتم لو أن الله خلق الإنسان بلا عقل، هل يصل إلى ما وصل إليه في الماضي والحاضر؟! وما الذي كان سيميزه عن سائر الحيوان؟ وانظروا كيف يكون حالُ الإنسان حينما يُسلبُ العقل؟

هذا العقل الذي حيّر العقولَ وأرباب العلم والطب الحديث، صنع الإنسانُ الحاسوبَ لعله يؤدي وظيفة العقل البشري؛ لكن ظهر أن العقل البشري يفهم ويميز، والحاسوب يحفظ فقط؛ بل إن مخزون العقل البشري من الذاكرة أكبرُ من مخزون الحاسوب، والعقل البشري يحفظ من المعلومات ما لا يستطيع أكبرُ حاسوب على وجه الأرض أن يحفظها، حتى أفاد علماء الحاسوب وصنّاعه أنهم إذا أرادوا صناعة حاسوب يختزن من المعلومات مثل ما يختزنُ العقل البشري - حفظًا فقط ومن دون فهم - فإن عليهم أن يصنعوا حاسوبًا في حجم الأرض كلها.

 

فالعقل البشري يحفظ في اليوم الواحد ما يستطيع الحديث عنه في أسبوع أو شهر أو سنة مما يمُرّ به من أحداث، وما اطلع عليه من مراكب وملابس ومآكل ومشارب، وما رآه من بشرٍ وحيوان ونبات وجماد وغير ذلك مما يطول عده، يحفظها الإنسان وقد خرج من بطن أمه لا يستطيع التمييز بينها، ولا يعرف منها شيئًا ﴿ وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78].

 

فالنفس البشرية وما فيها من عجائبَ وأسرار موضوع للتفكر والاعتبار ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].

 

وفي أنواع الحيوان والنبات، وعجائب البحار وسائر المخلوقات، ما يستحق أن يتفكر فيه العبد ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 36] ﴿ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الذاريات: 49].

وما لا نعلمه أكثر وأكثر تخبر عنه الآية القرآنية ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8]، آية موجزة في حروفها، محكمة في مبناها، عظيمة في معناها، تشمل ما خلق الله في الماضي والحاضر، وما سيخلقه في المستقبل مما لا يعلمه البشر، ويدخل في معناها كل ما يوجد على وجه الأرض من مكتشفات ومخترعات وصناعات، مما لا يعلم أسراره وكنهَه كُلُّ البشر أو أكثرُهم، فلو أخبر الله تعالى عن كل مخلوق لأشكل ذلك على البشر؛ لأن مخلوقاتٍ كثيرة غابت عنهم ظهرت لغيرهم حسب اختلاف الزمان والمكان، فلو أخبر الله مثلاً عن مخلوق يسمى السيارة أو الطائرة، يختصر المسافات، وينقل كثيرًا من البشر والبضائع؛ لتواردت الأسئلةُ الكثيرةُ على أذهانِ الصحابة ومن بعدهم ممن لم يشاهدوها، ما كيفيتها؟ وما صفتها؟ وكيف تسير أو تطير؟ وغيرُ ذلك من الأسئلة التي يطرحها من ذُكِر له شيءٌ لكنه لم يره.

 

فهذه الآية تنتظم هذه المخلوقات وغيرها: ﴿ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 8] كما تنتظم ما سيظهر بعد زوال جيلنا، وقدوم أجيال أخرى عندها من المخترعات والمكتشفات والمخلوقات ما لم نره أو ندركه؛ فسبحان من خلقها وأبدعها، له الحمد والثناء لا نحصي ثناءً عليه كما أثنى هو على نفسه.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ * خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 43 - 44].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

الخطبة الثانية

الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فيا أيها الإخوة المؤمنون: عبادة التفكر من أعظم العبادات التي حُرِمها كثير من الناس بأسباب المعاصي والمحرمات، التي بها قست القلوب أن تلين لذكر الله؛ فصار من مظاهر ذلك: التكاسلُ والتقاعسُ عن الطاعةِ والعبادة، والفرائض والواجبات.

ومن صفات المتفكرين: الإسراعُ في الطاعات، والبعدُ عن المحرمات ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].

 

ومن صفات المشركين: عدم التفكر فيما خلق الله تعالى ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105 - 106].

وأكثرُ الناس تفكّرًا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج ابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لعائشة: "أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم" قالت: "وأيُّ شأنه لم يكن عجبًا! إنه أتاني ليلة فدخل معي في لحافي، ثم قال: ((ذريني أتعبدُ لربي)). فقام فتوضأ، ثم قام يصلي فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله! ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر"؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا، ولمَ لا أفعل وقد أُنزل علي هذه الليلة ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190 - 191] ثم قال: ((ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها))[2]. قيل للإمام الأوزاعي: "ما غاية التفكر فيهن"؟ قال: "يقرؤهن وهو يعقلهن"[3].

وقال أبو سليمان الدارانيرحمه الله: "إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء إلا رأيت لله عليّ فيه نعمة، ولي فيه عبرة"[4]، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "تفكُّر ساعة خير من قيام ليلة"[5]، وفي قوله تعالى: ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الحَقِّ ﴾ [الأعراف: 146]. قال الحسن رحمه الله: معناه: "أمنع قلوبهم التفكر في أمري"[6]، وقال بشر الحافي: "لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوه"[7]، وقال عمر بن عبدالعزيز: "الفكرة في نعم الله أفضل العبادة"[8]، وبكى رحمه الله يومًا بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: "فكَّرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتُها، ولئن لم يكن فيها عبرةٌ لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادَّكر". ا هـ[9].

أيها الإخوة المؤمنون: هذه منزلة تلك العبادة العظيمة، وهذا هو حال السلف مع التفكر، فما حالنا معه؟


لابد أن نراجع أنفسنا، ونحاول إصلاح قلوبنا التي صارت كالحجارة أو أشدَّ قسوة؛ وذلك بالرجوع إلى الله تعالى، والمسارعة في الطاعات، واكتسابِ الخيرات، والبعد عن المحرمات، والتجافي عن الشهوات، والتخفيف من اللهاث وراء الدنيا وحظوظها، وكلُّ ذلك يحتاج إلى مجاهدةٍ للنفس والهوى والشيطان، مع المصابرة والمرابطة على الفرائض والواجبات؛ حتى ينالَ العبد لذة هذه النعمة العظيمة.

أسأل الله تعالى أن لا يحرمنا إياها بذنوبنا، وأن يرزقنا الاعتبار والتفكر، وأن يجعلنا من عباده الصالحين، إنه سميع مجيب.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين. وأقم الصلاة...

 


[1] تفسير ابن كثير (1/ 657).

[2] أخرجه ابن حبان (620) وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (186) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" إلى عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في التفكر، وابن المنذر وابن مردويه في الترغيب، وابن عساكر (1/ 195) وجوّد إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة (68) وانظر: "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان" (620) و"موارد الظمآن" (523).

[3] "الدر المنثور" للسيوطي (1/ 195) و"إتحاف السادة المتقين" للزبيدي (13/ 309).

[4] تفسير ابن كثير (1/ 958).

[5] أخرجه أبو الشيخ في العظمة (42) والديلمي، كما في "فردوس الأخبار" (2215) عن ابن عباس رضي الله عنهما وأخرجه أحمد في "الزهد" (172) وأبو نعيم في الحلية (1/ 209) والبيهقي في الشعب (118) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - وأخرجه الديلمي كما في "فردوس الأخبار" (2215) عن أنس - رضي الله عنه - بنحوه، وأخرجه أبو الشيخ في العظمة من حديث أبي هريرة مرفوعاً (43) ولا يصح مرفوعاً، انظر: "الموضوعات" لابن الجوزي (143-144) و"اللآليء المصنوعة" (2/ 327) و"تنزيه الشريعة المرفوعة" (2/ 305) و"الفوائد المجموعة" (242) وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (173).

[6] "إتحاف السادة المتقين" (13/ 310).

[7] تفسير ابن كثير (1/ 658).

[8] "إتحاف السادة المتقين" (13/ 310).

[9] تفسير ابن كثير (1/ 658).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بيانُ معنى التفكر، وأن شرفَ الإنسان به
  • الوظيفة الحتمية بين الاهتداء والاعتداء
  • التفكر في طريق الآخرة (خطبة)
  • قل انظروا ماذا في السماوات والأرض
  • طفلي وعبادة التفكر
  • خطبة: لفت الأنظار للتفكر والاعتبار (1)
  • التفكر عبادة لطالما بعدنا عنها
  • التفكر: مجالاته وفوائده (خطبة)
  • التفكير والتفكر في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • توحيد الله تعالى في عبادة التفكر: مسائل عقدية وأحكام (كتاب تفاعلي)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التدبر وعبادة التفكر (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التدبر وعبادة التفكر(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • عبادة التفكر (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • عبادة التفكر (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • أسباب الحرمان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفكر في خلق الإنسان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التفكر والاعتبار (بطاقة)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • شرح باب التفكر في عظيم مخلوقات الله(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- دعوة
عمر - المغرب 24-04-2013 02:51 PM

هاذه دعوة موجزة مختصرة من قوله جل وعلا {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب