• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

شرح حديث العرباض: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين

شرح حديث العرباض: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/6/2020 ميلادي - 15/10/1441 هجري

الزيارات: 177871

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شرح حديث العرباض: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين

 

عَنْ أبِي نَجيحٍ العِرْباضِ بنِ سارِيةَ - رَضْيَ اللهُ عنه - قَالَ: «وَعَظنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم موعظةً بلِيغةً وَجِلتْ منها القلوبُ، وذَرَفتْ منها العُيون، فَقُلنَا: يا رَسولَ اللهِ كأنَّها مَوْعظةُ مُودِّعٍ فأوْصِنا. قَالَ: «أُوصِيكمْ بِتقوَى اللهِ، والسَّمعِ والطَّاعةِ وإنْ تأمَّرَ عليكم عبدٌ حَبَشِيٌّ، وإنَّه مَنْ يَعِشْ منكم فَسَيرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخلفاءِ الراشدينَ المهديينَ، عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ، وإيَّاكم ومُحدثاتِ الأمورِ، فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ». رواه أبو داود والترمذي، وقال: «حديثٌ حسَنٌ صَحِيح».


«النَّواجِذُ» بالذَّالِ المعْجَمةِ: الأنْيابُ، وقِيل: الأَضراسُ.

 

قَالَ العلَّامةُ ابنُ عثيمينَ – رحمه الله -:

قال المؤلف - رحمه الله تعالى - فيما نقله في باب الأمور بالمحافظة على السنة وآدابها، عن العرباض بن ساريةَ - رضي الله عنه - قال: «وعظنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً، وجِلتْ منها القلوب، وذرَفت منها العيون»، وهذا من دأبِه صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يعظُ النَّاسَ بالمواعظِ أحيانًا على وجهٍ راتبٍ، كما في يومِ الجمعةِ، خطب يومَ الجمعةِ، وخطب العيدين. وأحيانًا على وجهٍ عارض، إذا وُجد سبب يقضي الموعظة قام - عليه الصلاة والسلام - فوعظ الناس.

ومن ذلك موعظته صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الكسوف، فإنه خطب ووعظ موعظةً عظيمة بليغةً، من أحبَّ أن يرجعَ إليها فعليه بكتابِ "زاد المعاد" لابن القيم رحمه الله.

 

أما هنا فيقول: «وعظنا موعظةً بليغة، وجِلت منها القلوب، وذرَفتْ منها العيون».

 

«وجلت»: يعني خافت. وذرفت العيون من البكاء، فأثرت فيهم تأثيرًا بالغًا، حتى قالوا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا؛ لأن المودع إذا أراد المغادرة، فإنه يعظ من خلفه بالمواعظ البليغة التي تكون ذكرى لهم فلا ينسونها، ولهذا تجد الإنسان إذا وعظ عند فراقه لسفر أو غيره، فإن الموعظة تمكث في قلب الموعوظ وتبقى، لهذا قالوا: كأنَّها موعظة مودعٍ فأوصنا.

 

فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أوصيكم بتقوَى اللهِ»، وهذه الوصية التي أوصى بها الله - عز وجل - عباده، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ (النساء: 131)، والتقوى كلمة جامعة من أجمع الكلمات الشرعية، ومعناها: أن يتخذ الإنسان وقاية من عذاب الله، ولا يكون هذا إلا بفعل الأوامر واجتناب النواهي، ولا يكون فعل الأوامر واجتناب النواهي إلا بعلم الأوامرِ والنَّواهِي. إذًا فلابد من علم، ولابد من عمل، فإذا اجتمع للإنسان العلم والعمل، نال بذلك خشية الله، وحصلت له التقوى.

 

فتقوَى اللهِ إذن: أن يتَّخذَ الإنسان وقايةً من عذابه، بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، ولا وصول إلى ذلك إلا بالعلم. وليس المراد بالعلم أن يكون الإنسان بحرًا في العلم، بل المراد به: العلمُ بما يتعين عليه من أوامر الله. والناس يختلفون في ذلك: فمثلًا من عنده مال يجب أن يعلم أحكام الزكاة، ومن قدر على الحج وجب عليه أن يعلم أحكام الحج، وغيرهم لا يجب عليهم، فعلوم الشريعة فرض كفاية إلا ما تعين على العبد فعله، فإنَّ علمَه يكون فرض عينٍ.

 

قال صلى الله عليه وسلم: «والسَّمعُ والطاعةُ وإن تأمر عليكم عبدٌ حبَشِيٌّ».

السمع والطاعة، يعني لولى الأمر.

 

«وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبَشِيٌّ»، سواء كانت إمرته عامة، كالرئيس الأعلى في الدولة، أو خاصة كأمير بلدة، أو أمير قبيلة وما أشبه ذلك. وقد أخطأ من ظنَّ أن المراد بقوله: «وإِنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبِشيٌّ» أن المراد بهم الأمراء الذين دون الولي الأعظم الذي يسمِّيه الفُقهاء الإمام الأعظم، لأنَّ الإمارة في الشرع تشمل الإمارة العظمى، وهي الإمامة وما دونها؛ كإمارة البلدان، والمقاطعات والقبائل وما أشبه ذلك. ودليل هذا أن المسلمين منذ تولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يسمون الخليفة (أمير المؤمنين) فيجعلونه أميرًا. وهذا لا شك فيه، ثم يسمى أيضًا إمامًا، لأنه السلطان الأعظم، ويسمى سلطانًا. لكن الذي عليه الصحابة أنهم يسمونه (أمير المؤمنين).

 

وقوله: «وإنْ تأمَّرَ عليكم عبدٌ حبَشِي»، يعني حتَّى ولو لم يكن من العرب، لو كان من الحبشة، وتولى، وجعل الله له السلطة، فإن الواجب السمع والطاعة له، لأنه صار أميرًا، ولو قلنا بعدم السمع والطاعة له، لأصبح الناس فوضى، كلٌ يعتدي على الآخر، وكلٌ يضيع حقوق الآخرين، وقوله: «والسمع والطاعة» هذا الإطلاق مقيد بما قيده به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنَّما الطَّاعةُ في المعروفِ» ثلاث مرات، يعني فيما يقره الشرع، وأما ما ينكره الشرع، فلا طاعة لأحد فيه حتى لو كان الأب أو الأم أو الأمير العام أو الخاص، فإنَّه لا طاعة له.

 

فمثلًا لو أمر ولي الأمر بأن لا يصلي الجنود، قلنا: لا سمع ولا طاعة، لأن الصلاة فريضة، فرضها الله على العباد وعليك أنت أيضًا، أنت أول من يصلي، وأنت أول من تفرض عليه الصلاة، فلا سمع ولا طاعة.

 

ولو أمرهم بشيء محرم، كحلق اللحى مثلًا. قلنا: لا سمع ولا طاعة، نحن لا نطيعك، إنما نطيع النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: «اعفُوا اللحَى، وحفُّوا الشَّوارب».

 

وهكذا كل ما أمر به ولي الأمر، إذا كان معصية لله، فإنه لا سمع له ولا طاعة، يجب أن يعصى علنًا ولا يهتم به، أن من عصى الله وأمر العباد بمعصية الله، فإنَّه لا حق له في السمع والطاعة. لكن يجب أن يطاع في غير هذا. يعني ليس معنى ذلك أنه إذا أمر بمعصية تسقط طاعته مطلقًا. لا؛ إنما تسقط طاعته في هذا الأمر المعين الذي هو معصية لله، أما ما سوى ذلك، فإنه تجب طاعته، وقد ظن بعض الناس أنه لا تجب طاعة ولي الأمر إلا فيما أمر الله به، وهذا خطأ، لأن ما أمر الله به فإنه يجب علينا أن ننفذه ونفعله، سواء أمرنا به ولي الأمر أم لا.

 

فالأحوال ثلاثة: إما أن يكون ما أمر به ولي الأمر مأمورًا به شرعًا، كما لو أمر بالصلاة مع الجماعة مثلًا، فهذا يجب امتثاله لأمر الله ورسوله ولأمر ولي الأمر. وأما أن يأمر ولي الأمر بمعصية الله، من ترك واجب أو فعل محرم، فهنا لا طاعة له ولا سمع. وأما أن يأمر الناس بما ليس فيه أمر شرعي ولا معصية شرعية، فهذا تجب طاعته فيه، لأن الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ (النساء: 59) فطاعة ولي الأمر في غير معصيةٍ طاعة لله ولرسوله. والله الموفق.

 

ثم قال صلى الله عليه وسلم: «فإنَّه من يَعشْ منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا» يعني أن من يعش منكم ويمد له في عمره، فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ اختلافًا كثيرًا في الولاية، واختلافًا كثيرًا في الرأي، واختلافًا كثيرًا في العمل، واختلافًا كثيرًا في حال الناس عمومًا، وفي حال بعض الأفراد خصوصًا، وهذا الذي وقع؛ فإن الصحابة - رضي الله عنهم - لم ينقرضوا حتى حصلت الفتن العظيمة في مقتل عثمان رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقبلها مقتل عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وغير ذلك من الفتن المعروفة في كتب التاريخ.

 

والذي يجب علينا نحن إزاء هذه الفتن، أن نمسك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، وألا نخوض فيه، وألا نتكلم فيه؛ لأنه كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: هذه دماء طهَّر الله سيوفنا منها، فيجب أن نطهر ألسنتنا منها، وصدق رضي الله عنه، فما فائدتنا أن ننبش عما جرى بين علي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهما، أو بين علي ومعاوية رضي الله عنهما من الحروب التي مضت وانقضت، ذكرُ هذه الحروب وتذكُّرُها لا يفيدنا إلا ضلالًا؛ لأننا في هذه الحال نحقد على بعض الصحابة، ونغلو في بعض، كما فعلت الرافضة حين غلوا في آل البيت، فزعموا أنهم يوالون آل البيت، وبالله العظيم إن آل البيت لبرآء من غلوهم، وأول من تبرأ من غلوهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فإن السبئية أتباع عبد الله بن سبأ، وهو أول من سن الرفض في هذه الأمة، وكان يهوديًّا، أظهر الإسلام ليفسد الإسلام، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وهو العَلمُ الذي قد سبر حال القوم وعرفها، قال: «إن عبد الله بن سبأ يهودي دخل في الإسلام ليفسده، كما دخل بولس في دين النصارى ليفسده، هذا الرجل - أعني عبد الله بن سبأ - عليه من الله ما تولاه تظاهر بأنه يحب آل البيت، وبأنه يدافع عنهم، ويدافع عن علي بن أبي طالب، حتى أنه قام بين يدي علي بن أبي طالب يقول له: «أنت الله حقًّا» - قاتله الله - لكن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أمر بالأخدود؛ يعني بالحفر فحفرت، ثم ملئت حطبًا، ثم دعا بأتباع هذا الرجل ثم أوقد فيهم النار، أحرقهم بالنار؛ لأن ذنبهم عظيم والعياذ بالله، ويقال: إن عبد الله بن سبأ أفلت منه وهرب إلى مصر. والله أعلم.

 

قال ابن عباس- رضي الله عنهما - حينما بلغه الخبر: إنَّ علي بن أبي طالب أصاب في قتلهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من بدَّل دينَه فاقتلوه»، وهؤلاء بدلوا دينهم؛ ولكن لو كنت إياه لم أحرقهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تعذبوا بعذاب الله» فبلغ ذلك علي بن أبي طالب فقال: ما أسقط ابن أم الفضل على الهنات يعني: العيب، كأنه - رضي الله عنه - صوب ما قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهم.

 

إنني أقول: إنَّ من مذهب أهل السنة والجماعة؛ أن نسكت عما شجر بين الصحابة، فلا نتكلم فيه، نعرض بقلوبنا وألسنتنا عما جرى بينهم، ونقول: كلهم مجتهدون، المصيب منهم له أجران، والمخطئ منهم له أجر واحد، تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم، ولا تسألون عما كانوا يعملون، لو قرأ إنسان التاريخ حول هذه الأمور؛ لوجد العجب العجاب، وجد من ينتصر لبني أمية، ويقدح في علي بن أبي طالب وآل النبي، ووجد من يغلو في علي بن أبي طالب وآل النبي ويقدح قدحًا عظيمًا في بني أمية؛ لأن التاريخ يخضع للسياسة.

 

لذا يجب علينا - نحن - فيما يتعلق بالتاريخ ألا نتعجل في الحكم، لأن التاريخ يكون فيه كذب، ويكون فيه هوى وتغيير للحقائق، ينشر غير ما يكون، ويحذف ما يكون، كل هذا تبعًا للسياسة، ولكن - على كل حال - ما جرى بين الصحابة - رضي الله عنهم - يجب علينا أن نكف عنه. كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، حتى لا يكون في قلوبنا غل على أحد منهم، نحبهم كلهم، ونسأل الله أن يميتنا على حبهم، نحبهم كلهم ونقول: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق -: «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا» وهذا هو الذي وقع. ولكن هل هذه الجملة تنزل على كل زمان، بمعنى أن من عاش من الناس فسوف يرى التغير، أو أن هذا خاص بمن خاطبهم الرسول عليه الصلاة والسلام؟. نقول: إنه ينطبق على كل زمن، فالذين عمروا منا يجدون الاختلاف العظيم بين أول حياتهم وآخر حياتهم، فمن عاش ومد له في العمر؛ رأى التغير العظيم في الناس، رأى التغير لأنه كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا» قد وقع، وحصل خلاف بين الأمة في السياسة، وفي العقيدة، وفي الأفعال، والأحكام العملية، ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم حث عند هذا الاختلاف على لزوم سنة واحدة فقال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوًا عليها بالنواجذِ».

 

فالرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا - عندما نرى هذا الاختلاف - أن نلزم سنته، فقال: «عليكم بسنتي» يعني ألزموها. وكلمة: عليكم، يقول علماء النحو: أنها جار ومجرور محول إلى فعل الأمر، يعني: ألزموا سنتي.

 

وسنته عليه الصلاة والسلام هي: طريقته التي يمشي عليها، عقيدة، وخلقًا، وعملًا، وعبادةً وغير ذلك، نلزم سنته، ونجعل التحاكم إليها، كما قال الله تعالى: ﴿ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ (النساء: 65)، فسنة النبي - عليه الصلاة والسلام - هي سبيل النجاة لمن أراد الله نجاته من الخلافات والبدع، وهي - ولله الحمد - موجودة في كتب أهل العلم الذين ألفوا في السنة، مثل "الصحيحين" البخاري ومسلم، والسنن والمسانيد وغيرها مما ألفه أهل العلم وحفظوا به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وقوله: «وسنة الخلفاء الراشدين المهديين»، الخلفاء: جمع خليفة، وهم الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته علمًا وعملًا ودعوة وسياسة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدين الأربعة؛ أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، وألحقنا بهم في جنات النعيم، هؤلاء الخلفاء الأربعة ومن بعدهم من خلفاء الأمة، الذين خلفوا النبي صلى الله عليه وسلم في أمته، هم الذين أمرنا باتباع سنتهم، ولكن ليعلم أن سنة هؤلاء الخلفاء تأتي بعد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فلو تعارضت سنة خليفة من الخلفاء مع سنة محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الحكم لسنة محمد صلى الله عليه وسلم لا لغيرها؛ لأنها - أعني سنة الخلفاء - تابعة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

 

أقول هذا؛ لأنه قد جرى نقاش بين طالبين من طلبة العلم في صلاة التراويح، أحدهما يقول: السنة أن تكون ثلاثًا وعشرين ركعة. والثاني يقول: السنة أن تكون ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة. فقال الأول للثاني: هذه سنة الخليفة عمر بن الخطاب أنها ثلاث وعشرون، يريد أن يعارض بهذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال الآخر: سنة النبي صلى الله عليه وسلم مقدمة، هذا إن صحَّ عن عمر أنها ثلاث وعشرون، ومع أن الذي صح عن عمر بأصح إسناد، رواه مالك في "الموطأ" أنه أمر تميمًا الداري وأبي بن كعب أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة لا ثلاث وعشرون، هذا الذي صح عنه رضى الله عنه. على كل حال لا يمكن أن نعارض سنة الرسول - عليه الصلاة والسلام - بسنة أحد من الناس، لا الخلفاء ولا غيرهم، وما خالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم من أقوال الخلفاء، فإنه يعتذر عنه ولا يحتج به، ولا يجعل حجة على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

المهم أن سنة الخلفاء الراشدين تأتي بعد سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر!! هذا وهما أبو بكر وعمر فكيف بمن عارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم بقول من دون أبى بكر وعمر بمراحل.

 

يوجد بعض الناس إذا قيل له: هذه هي السُّنَّةُ، قال: لكن قال العالم الفلاني كذا وكذا، من المقلدين المتعصبين. أما من احتج بقول عالم وهو لا يدري عن السُّنَّةِ فهذا لا بأس به، لأنَّ التقليد لمن لا يعلم بنفسه جائز ولا بأس به.

 

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تمسكوا بها»؛ أي تمسكوا بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، «عضوا عليها بالنواجذ»، والنواجذ: أقصى الأضراس، وهو كناية عن شدة التمسك، فإذا تمسك الإنسان بيديه بالشيء وعض عليه بأقصى أسنانه، فإنه يكون ذلك أشد تمسكًا مما لو أمسكه بيد واحدة، أو بيدين بدون عض، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نتمسك أشد التمسك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده عليه الصلاة والسلام.

 

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أمر باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، وحثَّ على التمسك بها، والعضِّ عليها بالنواجذ، قال: «وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمور»؛ يعني أحذركم من محدثات الأمور، أي من الأمور المحدثة، وهذه الإضافة من باب إضافة الصفة إلى موصوفها، والأمور المحدثة يعني بها - صلوات الله وسلامه عليه -: المحدثات في دين الله. وذلك لأنَّ الأصل فيما يدين به الإنسان ربه، ويتقرب به إليه، الأصل فيه المنع والتحريم، حتى يقوم دليل على أنه مشروع.

 

ولهذا أنكر الله - عزَّ وجلَّ - على من يحللون ويحرمون بأهوائهم؛ فقال تعالى: ﴿ وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ﴾ (النحل: من الآية116)، وأنكر على من شرع في دينه ما لم يأذن به؛ فقال: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ (الشورى: من الآية21)، وقال: ﴿ قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ ﴾ (يونس: من الآية59).

 

أما الأمور العادية وأمور الدنيا، فهذه لا ينكر على محدثاتها إلا إذا كان قد نصَّ على تحريمه، أو كان داخلًا في قاعدة عامة تدل على التحريم، فمثلًا السيارات والدبابات وما أشبهها، لا نقول: إن هذه محدثة لم توجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز استعمالها، لأن هذه من الأمور الدنيوية، الثياب وأنواعها، لا نقول لا تلبس إلا ما كان يلبسه الصحابة، البسْ ما شئتَ مما أحل الله لك؛ لأن الأصل الحل، إلا ما نص الشرع على تحريمه، كتحريم الحرير والذهب على الرجال، وتحريم ما فيه الصورة وما أشبه ذلك.

 

فقوله صلوات الله وسلامه عليه: «وإيَّاكم ومحدثاتِ الأمورِ» يعني في دين الله، وفيما يتعبد به الإنسان لربه، ثم قال: «فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالة» يعني أن كل بدعة في دين الله فهي ضلالة، وإن ظن صاحبها أنها خير، وأنها هدى، فإنها ضلالة لا تزيده من الله إلا بعدًا.

 

وقوله صلوات الله وسلامه عليه: «كلُّ بدعةٍ ضلالةٍ» يشمل ما كان مبتدعًا في أصله، وما كان مبتدعًا في وصفه. فمثلًا: لو أن أحد أراد أن يذكر الله بأذكار معينة بصفتها أو عددها، بدون سنة ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنا ننكر عليه ولا ننكر أصل الذكر، ولكن ننكر ترتيبه على صفة معينة بدون دليل.

 

فإن قال قائل: ما تقولون في قول عمر - رضي الله عنه - حين أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري - رضي الله عنهما - أن يقوما بالناس في رمضان في تراويحهم، وأن يجتمع الناس على إمام واحد بعد أن كانوا أوزاعًا، فخرج ذات ليلة والناس خلف إمامهم فقال: «نعمت البدعة هذه» فأثنى عليها ووصفها بأنها بدعة، والرسول - عليه الصلاة والسلام - يقول: «كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ».

 

قلنا: إن هذه البدعة ليست بدعة مبتدأة، لكنها بدعة نسبية، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ثلاث ليال أو أربع ليال في رمضان، يقوم بهم، ثم تخلف في الثالثة أو الرابعة، وقال: «إنِّي خَشِيتُ أن تُفرضَ عليكم» فصار الاجتماع على إمام واحدٍ في قيام رمضان سنة سنها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن تركها خوفًا من أن تفرض علينا.

 

ثم بقيت الحال ما هي عليه، يصلي الرجلان والثلاثة والواحد على حده؛ في خلافة أبي بكر وفي أول خلافة عمر رضي الله عنهما جمع الناس على إمام واحد، فصار هذا الجمع بدعة بالنسبة لتركه في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام، وفي عهد أبي بكر، وفي أول خلافة عمر رضي الله عنهما، فهذه بدعة نسبية، وإن شئت فقل: إنها بدعة إضافية، يعني بالنسبة لترك الناس لها هذه المدة آخر حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلافة أبي بكر وأول خلافة عمر. ثم إنه بعد ذلك استؤنفت هذه الصلاة، وإلا فلا شك أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ» عام، وهو صادر من أفصح الخلق وأنصح الخلق - عليه الصلاة والسلام - وهو كلام واضحة، كل بدعة مهما استحسنها مبتدعها، فإنها ضلالة. والله الموفق.

المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 274 - 287)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح حديث: بادروا بالأعمال سبعا
  • شرح حديث: وصلوا كما رأيتموني أصلي
  • شرح حديث الثلاث وسبعين فرقة
  • شرح حديث عمر: من نام عن حزبه من الليل
  • تخريج حديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين
  • شرح حديث إياس بن عبدالله: "لا تضربوا إماء الله"
  • درر مختصرة من أقوال الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

مختارات من الشبكة

  • العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أنس: "اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث عمرو بن عوف: "فو الله ما الفقر أخشى عليكم"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث حذيفة: لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أم سلمة: يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث عائشة: عليكم بما تطيقون فوالله لا يمل الله حتى تملوا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أنس: لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب