• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (5)

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (5)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/6/2020 ميلادي - 9/10/1441 هجري

الزيارات: 8866

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (5)

 

الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ أتَمَّ النِّعمة َعلى الأمَّة وأكملَ لها دِينها: ﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ [الفتح: 26]، وتَمَّمَ بمُحمدٍ مكارمَ الأخلاقِ كلها، نَحْمَدُهُ سبحانهُ كَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُحْمَدَ، وَنَشْكُرُهُ الشكرَ كلهُ، عَلَى هِدَايَةٍ مَنَحَهَا، وَعَافِيَةٍ أَسْبَغَهَا، وَنِعْمٍ أَتَمَّهَا، وَشَرِيعَةٍ أَكْمَلَهَا، ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ﴾ [الأنعام: 160]، وأشـهـدُ أنْ لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، شَهادة تنجي قائلها ويَسْتظِلُّ بظلِّها، ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ [محمد: 10]، وأشهَدُ أنَّ مُحمدًا عبدُ الله ورسولهُ، ومصطفاهُ وخليلهُ، جاءَ إلى جُمُوع الطغيانِ ففلَّها، وإلى رموز الكفرِ فأذلَّها، وإلى عُقَد الشِّرْكِ فَحَلَّها، وإلى دَواعِي الخلافِ فَسَلَّها، وبشَّرَ أُمَّتهُ وأنذَرها ودَلَّها، فصَلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليه وعلى آله وأصحابهِ من حازُوا المكارمَ والمفاخرَ كُلَّها، والتابعين ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يَوم ِأن تَضَعَ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وسلَّمَ، أمَّا بعدُ:

 

فاتقوا اللهَ في كلِّ أحايينِكم تربحوا، وتوكلوا عليه في كلِّ أحوالِكم تفلِحوا، والجؤوا إليه في كلِّ شؤونِكم تنجحُوا، وعلى قدر نيةِ العبدِ ورغبتهِ، يكونُ توفيقُ اللهِ لهُ وإعانتهُ، ومن أبصرَ عيبَ نفسِهِ شُغِلَ عن عيوبِ غيرِهِ، الأمورُ ثلاثةٌ: أمرٌ بانَ لكَ رشدُهُ فاتبعهُ، وأمرٌ بانَ لك عيبُهُ فدعهُ، وأمرٌ اشتبهَ عليك الحقَ فيهِ فتوقَّف حتى تعلمَهُ، صِلُوا من قطعكم، وأَعطوا من حرَمكم، واعفوا عمَّن ظلَمكم، وأدوا الأمانة لمن ائتمنكم، ولا تخونوا من خانكم، وأحسنوا إلى من أساء إليكم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].

 

وبعد أحبَّتي في الله، فهذه هي الحلقة الخامسةُ من سلسلة حلقات الحيدة، المناظرة الكبرى بين الشيخ عبدالعزيز الكناني من أهل السنة والجماعة، وبين بشر المريسي زعيم القائلين بخلق القرآن، تعالى الله وكلامه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، وكنا قد ذكرنا في الحلقات السابقة كيف استطاع الشيخ عبدالعزيز أن يبطلَ استدلال بشرٍ بقول الله تعالى: "الله خالق كلِّ شيء" على أن القرآن مخلوق، وظهر كيف انقطع بشرٌ وأُفحِمَ من كل وجهٍ حاول فيه إثباتَ صحةَ استدلالهِ، وتوقَّفنا عند قولِ بشرٍ: قد تركتك يا عبدالعزيز تخطب وتهذي كما تشاء، ومعي الآن آية أخرى من كتاب الله لا يُمكِنُك مُعارضتُها ولا ردُّهَا، كما فعلتَ في الآية الأولى، وإنما أخَّرتُها لتكون قاطعةً لحجتك، ويكون بها سفك دمك؛ قال الشيخ عبدالعزيز: هاتها وأنا أُشهدُ أمير المؤمنينَ على نفسي أنيَ أولُ من يتابعك عليها، ويقول بها، ويرجعُ عن قوله، إن كان معك نص التنزيلِ، فإن كلَّ من خالف نص التنزيل فهو كافر.

 

قال بشرٌ: قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [الزخرف: 3]، قال الشيخ: وأي شيء في هذا، وما الذي فيها يدل على أن القرآنَ مخلوقٌ، فقال بشرٌ: وهل هناك من يشك في أن معنى جعلناه؛ أي: خلقناه، فيكون معنى الآية: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾؛ أي: (إنَّا خلقناه قرآنًا عربيًّا)؛ قال الشيخ عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، أهذا نص التنزيل الذي زعم أنه سيأتي به، أم أن هذا تأويلهُ الخاص، فقال بشرٌ: ما هذا بتأويلي، إنما هو نص التنزيل، قال الشيخ: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، إن بشرًا يقول ما يخطرُ بباله تخرُّصًا من غير علمٍ، ولا يدري عواقبَ ما يقول، فإن رأى أمير المؤمنينَ أن يتحفظَ علينا ألفاظنا، ويَشهدَ علينا بما نقول، فقال المأمون: فأنا أفعل ذلك منذُ اليوم يا عبدالعزيز، قال الشيخ عبدالعزيز: فأخبرني يا بشر عن كلمةِ (جَعَلَ) أهي كلمةٌ محكمةٌ لا تحتملُ غيرَ معنى الخلْقِ عندك، قال بشرٌ: نعم، هي كلمةٌ محكمةٌ لا تحتمل غيرَ معنى الخلْقِ، وما مِنْ فرقٍ بين جعلَ وخلقَ عندي وعند سائر الناس، فسواء قالوا: خلَقَ، أو قالوا: جعَلَ، فكلاهما سِيان، قال الشيخُ عبدالعزيز: أخبرني عن نفسك ودعْ سائر الناس، فأنا من الناس، وأنا أُخالفك ولا أُوافقك، لكن أخبرني يا بشرُ بحسب زعمك أن جعلَ وخلقَ بمعنًى واحدٍ، ولا فرق بينهما أفي هذه الآية فقط، أم في سائر آيات القرآن الكريم، قال بشرٌ: بل في سائر آيات القرآن الكريم، وفي سائر كلام العرب، قال عبدالعزيز: لقد شهدَ عليك أميرُ المؤمنين أطالَ الله بقاءهُ بكلِّ ما قلت، فقال بشرٌ: فأنا أُعيدُ عليك هذا القولَ متى ما أردتَ ولا أرجعُ عنه أبدًا، قال الشيخ: فأنت تزعمُ يا بشر أن معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾؛ أي: (إنا خلقناه قرآنًا عربيًّا)، قال بشر: نعم هكذا قلت، وهكذا أقول أبدًا، قال الشيخ: فهل اللهُ عز وجلَّ تفردَ بخلق القرآنِ، أم شاركهُ في خلقه أحدٌ غيرُ اللهِ، قال بشر: بل الله خلقهُ وحده، وتفردَ بخلقه ولم يشاركهُ في خلقه أحدٌ غيرَ الله، قال الشيخ: فأخبرني عمن قال أن بعضَ بني آدم خلقوا القرآنَ من دون اللهِ، أمؤمنٌ هو عندك أم كافرٌ؟ قال بشر: بل هو كافرٌ حلالُ الدمِ قال الشيخ: وأنا أقول أيضًا أنه كافرٌ حلالُ الدم، فأخبرني يا بشر عمن قال أن اليهودَ هم من خلقوا التوراةَ من دون الله تعالى، أمؤمن هو أم كافر؟ قال بشر: بل هو كافر حلال الدم، قال الشيخ: وأنا أقولُ أيضًا أنه كافرٌ حلال الدم، قال بشر: أيُّ شيء هذه الخرافاتُ التي تسأل عنها، إنما تريد أن تُطيلَ الكلام لينقضي المجلسَ، فتنصرف سالِمًا دون أن يكون عندك جوابٌ لمسألتي، قال الشيخ عبدالعزيز: ليس يُنصفني يا أمير المؤمنين، فأمرهُ أن يجيبني عن كلِّ ما أسألهُ عنه، ثم أُجيبهُ عن مسألته وعن كلامه، فقال المأمون: أجبهُ يا بشر عما يسألك، فإني متحفظٌ على كلِّ ما يجري بينكما وشاهدٌ عليكما به، قال الشيخ: فأخبرني يا بشر عمن زعمَ أن بعضَ بني آدم خلقوا الملائكةَ من دون الله تعالى أمؤمنٌ هو عندك أم كافرٌ؟ قال بشر: بل هو كافرٌ حلالُ الدمِ، قال الشيخ: وأنا أقول هكذا أيضًا، فأخبرني يا بشرُ عمن قال أن بني آدم خلقوا الله تعالى أمؤمنٌ هو أم كافرٌ؟ قال بشر: بل هو كافرٌ حلالُ الدمِ، قال الشيخ: وأنا أيضًا أقولُ أنه كافرٌ حلالُ الدمِ، ثم أقبل الشيخ على الخليفة المأمون، فقال: يا أمير المؤمنين، قد أقرَّ بشرٌ بلسانه أنه كافرٌ حلال الدم، أربعَ مرات، قال المأمون: وكيف ذلك يا عبدالعزيز، قال الشيخ: قال الله عز وجل: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ﴾ [النحل: 91]، معناها عند بشر وقد خلقتم الله عليكم كفيلًا، لا معنى لها عنده غير ذلك، ثم قال هو بنفسه: من قال هذا فهو كافرٌ حلال الدم، فها هو قد حكم على نفسه، وقال الله عزَّ وجلَّ في آية أخرى: ﴿ وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ ﴾ [البقرة: 224]؛ معناها عند بشر: أي ولا تخلقوا الله عرضة لأيمانكم، لا معنى لها عنده غيرَ هذا، وأمير المؤمنين شاهدٌ عليه بما قال، وقد شهدَ على نفسهِ أن من قال هذا، فهو كافرٌ حلالُ الدم، وقال الله عزَّ وجلَّ في آية أخرى: ﴿ لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا ﴾ [الإسراء: 22]، معناها عند بشرٍ لا تخلق مع الله إلَهًا آخر ليس لها معنى عند بشر إلا هذا، ثم شهدَ على نفسه أن من قال هذا فهو كافرٌ حلال الدم، وقل مثل ذلك في الآيات التي تتحدث عن الملائكة والجنِّ والتوراة وغيرها، وهي كثيرة جدًّا في كتاب الله تعالى، وقد أقرَّ بشر أن من قال هذا فهو كافرٌ حلالُ الدم، فقال المأمون: ما أقبحَ هذا وما أشنعهُ، وما أعظمَ القولَ به! حسبُك يا عبدُالعزيز، فقد أقرَّ بشر على نفسه بالكفر وإحلالِ الدمِ، وأشهدَ على نفسه بذلك، وقد صدقتَ في كلِّ ما قُلتَ، ولكنَّ بشرًا قال ما قال، وهو لا يعقلُ ولا يعلمُ ما سيترتبُ عليهِ في ذلك، قال الشيخ عبدالعزيز: ثم أقبل عليَّ المأمون، فقال: يا عبدالعزيز، فصِّل لنا في كلمتي جَعَلِ وخَلَقِ، وما الفرق بينهما، واشرح ذلك؛ ليعرفه كُلُّ من حضرَ، قال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين أطال الله بقاءك.

 

وهذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية بإذن الله، فبارَك الله لي ولكم في القرآن...

♦     ♦     ♦


الحمد لله كما ينبغي لجلاله وكماله وعظيم سلطانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، وكونوا من أهل الحق وأنصاره؛ قال الشيخ عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، إن كلمةَ جَعَلَ تأتي بمعنيين، الأولُ بمعنى خلَقَ، والثاني بمعنى صيَّرَ، ولذا فإن الله عز وجل بحكمته لم يدع شيئًا من ذلك يلتَبِسُ على الناس، بل جعلَ لكلِّ معنًى منهما دليلًا يُميزهُ السامعُ بسهولة، ويعرفُ به الفرقَ بين جَعَلَ التي بمعنى خَلقَ، وجَعَلَ التي بمعنى صيَّرَ، فأمَّا جعلَ التي بمعنى خلقَ، فإن اللهَ عز وجل جعلَها من القول المفَصَّل, الذي يُمكنُ للقارئ أن يقفَ عليهِ دونَ أن يحتاجَ إلى وصلِهِ بما بعدهُ؛ إذ إن المعنى يصلحُ ويتمُ بذاته؛ كقول الله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، فجعلَ هنا بمعنى خلَقَ؛ لأن القارئ يُمكنهُ أن يُدركَ نفس المعنى، ولو لم يُكمل الجملةَ ويصِلَها بما بعدها، كأن يقرأ فيقول: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ ﴾، فإن المعنى بهذا التوقف لا يتغير، وكذلك قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [النحل: 72]، ومثل هذا في القرآن كثيرٌ جدًّا، وأما جعلَ التي بمعنى صيَّرَ، فهي التي لا يفهمُها السامعُ حتى يصِلَها بما بعدها؛ من ذلك قوله تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ ﴾ [ص: 26]، فلو قال القارئ: يا داود إنا جعلناك، ولم يصلها بما بعدها، فلنْ يفهم السامعُ مرادَ الله من هذا النداء؛ لأنه معلومٌ أن داودَ عليه السلام مخلوقٌ قبل هذا النداء، فلما وصلَ كلمة جعلناك بقوله خليفةٍ في الأرض، عقلَ السامعُ مرادَ اللهِ وكذلك حين قال الله عز وجل لأم موسى: ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، فلو لم يصل كلمةَ جاعلوهُ بالمرسلين لم تعقل أمُّ موسى ما خاطبها الله به ولم تفهمهُ؛ إذ إن موسى عليه السلام مخلوقٌ قبل إرجاعه إليها، فلما وصلَ كلمة جاعلوه بالمرسلين، عقلت أم موسى مرادَ الله بخطابها، وكذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾ [الأعراف: 143]، ومعلوم أن الجبل مخلوقٌ قبلَ أن يتجلى له ربُّ العزةِ، فلو لم يصل كلمةَ جعلهُ بـ(دكًّا)، لَما عقل السامعُ مُراد الله من خطابه، وكذلك قولُ الله عز وجل: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ﴾ [البقرة: 128]، ومعلوم أن إبراهيمَ وإسماعيلَ مخلوقان قبل هذا الدعاء، فلو لم يصل الكلمة بمسلِمينِ لك، لما عقِل السامع ما أرادا بدعائهما، وكذلك قولُ إبراهيم عليه السلامُ: ﴿ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ﴾ [البقرة: 126]، ومعلومٌ أن الله قد خلقَ مكةَ قبلَ هذا الدعاء، فلو لم يصله بـ(آمنًا)، لَمَا عقلَ السامع ما أراد إبراهيم بدعائه، ومثل هذا في القرآن كثيرٌ جدًّا يا أمير المؤمنين وهو مما تتعارفه العربُ، وتتعامل به في كلامها، وهو الذي جرت به سُنَّةُ اللهِ عزَّ وجلَّ في كتابه، من القول الموصَلِ والمفصَّلِ، فلنرجع أنا وبشر يا أمير المؤمنين إلى ما اختلفنا فيه من قولِ اللهِ عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ إلى سُنة الله في كتابه في الجَعَلين جميعًا، وإلى سُنَّةِ العربِ وما تتعارفه وتتعاملُ به في كلامها، فإن كان من القولِ الموصَلِ، فهو كما قُلتُ أنا؛ أي: إن جعلهُ قرآنًا عربيًّا؛ أي: صيَّرهُ قرآنًا عربيًّا، ومعناها أنزلهُ بلغه العرب، فقال بشر: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك يذمُنا ويكفرنا، ويقول: إنا نحرِّفُ القرآن عن مواضعه، وهو قد جاء بما هو أشنع وأفظعُ، ووصف القرآن بأسوء صفةٍ، حين سماه مُوصَلًَا ومفصَّلًا، ومعلومٌ أن الموصَلَ أقلَ شأنًا من التام الصحيحِ الكامل، والموصَلَ هو الملفقُ الذي قد وصِّلَ بعضهُ ببعضٍ، فإذا أراد أحدٌ أن يضعَ من قدر الشيء ويذُمهُ، قال: هو موصَلٌ وليس بصحيح، فقد نسبَ عبدالعزيز إلى كتابَ الله النقصَ، وقال فيه إثمًا مبينًا وبهتانًا عظيمًا، ولو قلت أنا مثل هذا الكلام، لكان قد خطب وتكلم واستغاث بأمير المؤمنين، ولأخرَجَنا من دائرة الإسلام، وأميرُ المؤمنين أطال الله بقاءه يحلُم عليه بفضله، وهو يتقوى علينا بذلك، هذا ما تيسَّر ذكرُه اليوم، نتوقف هنا، ونكمل بإذن الله في خطبة قادمة.

 

ويا بن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبِب من شئت فإنك مفارقه، واعمَل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يَبلى، والذنب لا يُنسى، والديان لا يموت، اللهم صلِّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (1)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (2)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (3)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (4)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (6)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (7)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (8)

مختارات من الشبكة

  • إسلام 50 شخصا بعد مناظرة دعوية بقرية أوندي في ملاوي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المناظرة عند ابن قيم الجوزية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • بين الكتاب والمقال صورة من فنون المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن المناظرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر المناظرة والمذاكرة في الدرس الفقهي التراثي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المناظرة في العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة رسالة في فن المناظرة (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعريف السياسة الشرعية ( حقيقته وما تجري المناظرة فيه PDF )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أدب المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة رسالة في المناظرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 14:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب