دعاء وشعر وجدا بخط الإمام محيي الدين النووي (نص محقق)

دعاءٌ وشِعرٌ وُجِدَا بخطِّ الإمام محيي الدِّين النَّوَوِي

(نصٌّ محقَّقٌ)

الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فقد وقفتُ على دعاءٍ وشِعرٍ وَجَدَهما الشَّيخ أبو العبَّاس شهاب الدِّين أحمد بن الأمير زين الدِّين أبي يوسف قراجا بن عبد الله الميداني [1] بخطِّ الإمام أبي زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مِرَى الحِزامي النَّووي الدِّمشقي (المتوفى 676 هـ)، وذلك في آخر نسخته التي بخطِّه من كتاب «الأذكار«المحفوظة في مكتبة تشستربيتي بمدينة دبلن الإيرلنديَّة، رقم (3049)، وموضعهما في وجه واحد [279/ ب]، فقمتُ بنسخهما على الطَّريقة الإملائيَّة الحديثة، ثمَّ قابلتُ المنسوخ بالمخطوط، وبموطن الشَّاهد من ترجمة الإمام النَّواوي المحفوظة بخطِّ مصنِّفها الحافظ السَّخاوي (ص50، 118-119)، وأثبتُّ الفروق في الهامش، وذكرتُ شيئًا من الفوائد، والله الموفِّق.

[الدُّعاء والشِّعر بخطِّ الميداني وَجَدَهُما بخطِّ الإمام النَّووي]

[الدُّعاء والشِّعر بخطِّ الحافظ السَّخاوي وُجِدَا بخطِّ الإمام النَّووي]

[النَّصُّ المحقَّق]

قال الشَّيخ أبو العبَّاس شهاب الدِّين أحمد بن الأمير زين الدِّين أبي يوسف قراجا بن عبد الله الميداني -رحمه الله تعالى-:

[وَجَدتُ] [2] بخطِّ الشَّيخ الإمام العلَّامة محيي الدِّين أبي زكريَّا يحيى بن شرف النَّووي، رضي الله عنه، ما مثالُهُ حرفًا بحرفٍ [3]:

دعاءٌ جَمَعَهُ شيخُنا الإمام الحافظ العالم تقي الدِّين أبو محمَّد إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر، رضي الله عنه [4]، أملاهُ علينا يوم الخميس العشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وستِّين وستمائة [5]:

إلهي، إنَّ حسناتي لا تَنفعُكَ، وسيِّئاتي لا تَضرُّكَ، وأنتَ الغنيُّ عنِّي، وأنا الفقيرُ إليكَ، والفقر إليكَ موجبُ الغِنَى بكَ، إذ في تَأميلكَ بلوغ المأمولِ، وفي قصدكَ نيل السُّولِ، فتقبَّل منِّي ما لا ينفعُكَ، واغفر لي ما لا يضرُّكَ، وارحم فاقتِي، وفقرِي، وضعفِي، وضُرِّي، فإنِّي أستحي أن أسألكَ الجنَّة بحسناتي وأنا لا أرضاها، وأنتَ أولى بالمغفرةِ بحُبِّكَ العفو عن سيِّئاتٍ أخشاها، فالسَّيِّئاتُ منِّي موجبةٌ لعفوكَ عنِّي.

يا مَن وسِعَت رحمتُهُ كُلَّ شيءٍ، وغَمرت نعمتُهُ كُلَّ حَيٍّ، لقد رَبِحَ عبدٌ في معاملته لمن يقولُ: ﴿ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [سورة الإسراء:84]، فشاكِلَتِي ما تَعلم، وشاكلتُكَ أن تَعفُو وتَرحَم.

يا مَن سَنَّ الفضلَ والجميلَ، أنتَ حسبِي ونِعم الوكيلُ.

وَجَدتُ أيضًا بخطِّه -رحمه الله- [6]: [الطَّويل]

وَأَنْتَ الَّذِي أَرْجُوكَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ عَلَيْكَ اعْتِمَادِي فِي جَمِيْعِ النَّوَائِبِ وَأَنْتَ الَّذِي أَدْعُوكَ سِرًّا وَظَاهِرًا أَعِذْنِي بِلُطْفٍ مِنْ جَمِيْعِ المَصَائِبِ

♦♦ ♦ ♦♦

أقولُ: وفي هذا النَّصِّ عدَّة فوائد، منها:

الفائدة الأولى: أنَّه يجوز للمسلم في الصَّلاة وغيرها الثَّناء على الله تعالى والدُّعاء بما شاء من أمور الدُّنيا والآخرة ما لم يكن إثمًا، والدُّعاء بالمأثور أفضل، ففي الصَّحيحين [7] أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما علَّم الصَّحابة التَّشهد، قال: (ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ، فَيَدْعُو)، وفي لفظ [8]:(ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ)، وفي لفظ آخر: (ثُمَّ ليَتَخَيَّر بَعْدُ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ أَوْ مَا أَحَبَّ)، قال الإمام النَّووي [9]: (وفيه أنَّه يجوز الدُّعاء بما شاء من أمور الآخرة والدُّنيا ما لم يكن إثمًا، وهذا مذهبنا، ومذهب الجمهور) ا.هـ، وقال أيضًا [10]:(وله أن يدعوَ بما شاء من أمور الآخرة والدُّنيا، وله أن يدعوَ بالدَّعوات المأثورة، وله أن يدعوَ بدعوات يخترعها، والمأثورة أفضل) ا.هـ.

الفائدة الثَّانية: أنَّ العالم الرَّباني يربِّي طلَّابه على التعلُّق بالله تعالى وحده، واللُّجوء إليه بالدُّعاء والتَّضرُّع، وإظهار تمام الافتقار والتذلُّل بين يديه، ويلقِّنهم ما يعمِّق علاقتهم بربِّهم، ويرشدهم لما فيه صلاح دينهم ودنياهم وآخرتهم.

الفائدة الثَّالثة: أنَّ المتعلِّم الموفَّق يعرف قدر شيوخه، ويذكرهم بخير، ويبذل جهده في ضبط العلم النَّافع في الصُّدور والسُّطور، ويوثِّق تفاصيله، ويعزو الفوائد إلى أصحابها وأهلها.

الفائدة الرَّابعة: أنَّ الشِّعر الذي وُجد بخطِّ الإمام النَّووي وما تضمَّنه من مقامات التَّعبُّد لله ربِّ العالمين ما هو إلَّا ثمرة جليلة من ثمرات ثني الرُّكب عند أهل العلم، والتَّلقِّي عنهم، ولزوم حلقاتهم ودروسهم الجامعة للأدب والمعرفة.

نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علَّمنا، وأن يزيدنا علمًا نافعًا وعملًا صالحًا متقبَّلًا.

---

[1] لم أجد من ترجم له، ويتبيَّن من خلال نسخه الخطِّيَّة التي وصلتنا بأَّنه قد اعتنى بنسخ الكتب والأجزاء بخطِّه المتقن الجميل لنفسه، ولازم أهل العلم، كالعلامة ابن العطَّار تلميذ الإمام النَّووي، وقرأ عليهم، وحضر مجالس العلم والقراءة والسَّماع، كدار السُّنَّة النُّوريَّة بدمشق، ففي شهر رجب سنة 706 هـ فرغ من نسخ كتاب الأذكار، وأتمَّ قراءته ومقابلته على شيخه ابن العطَّار في شهر شوال الذي وصفه في طبقة السَّماع بـ: «الأخ، الصَّالح، المحصِّل، اللَّبيب، الأديب، المقرئ»، ودعا له، فقال: «وفَّقهُ الله توفيق العارفين، وجعلهُ من عباده المخلصين»، وأثنى على قراءته ومقابلته، فقال: «قرأَ عليَّ جميع هذا الكتاب.. قراءةً متقنةً مضبوطةً مُصحَّحة، مُقابلًا معي بأصلي»، وأذن له في الرواية عنه وأجازه له رواية ما يجوز له تسميعه، وفي شهر ذي القعدة حضر مجلس سماع لرسالة ابن العطَّار عن «قوم من أهل البدع يأكلون الحيات والضفادع وينزلون النيران ويؤاخون النساء والصبيان وغير ذلك» (ص 61-62)، وفي 4 من شهر ذي الحجة فرغ من نسخ «جزء تساعيات ابن العطَّار«، وأتمَّ قراءته ومقابلته على شيخه ابن العطَّار الذي وصفه وأثنى عليه ودعا له في طبقة السَّماع (ص ١١٠) فقال: «الولد المبارك.. نفعه الله ورفعه، وزاده من فضله وجمعه، ومن حمده وشكره أوزعه، قراءةً حسنةً بروايتي فيها عن مشايخي«، وأجازه له رواية ما يجوز له تسميعه، وفي 21 من شهر ذي الحجة نسخ جزءًا فيه فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأبي طالب العشاري سماعًا من شيخه ابن العطَّار.

[2] انمحت هذه الكلمة بسبب الرطوبة، وأثبتُّها كما في فقرة الشِّعر الذي وجده بخطِّه.

[3] في نسخة «ترجمة شيخ الإسلام النَّووي« بخطِّ السَّخاوي (ص 118): (ووُجد بخطِّه -رحمه الله- ما نصُّه)».

[4] في نسخة «ترجمة شيخ الإسلام النَّووي« بخطِّ السَّخاوي (ص 118): (شيخُنا الإمام العالم الجليل تقي الدِّين أبو محمَّد بن إبراهيم بن أبي اليُسر، أملاهُ)، ابن أبي اليسر التَّنُوخي (589 هـ - 672 هـ): محدِّث، مُسنِد الشَّام، انظر ترجمته: «بغية الطلب» (4/ 1607-1609)، و«صلة التكملة« (2/ 642-643)، و«ذيل مرآة الزمان» (3/ 38-45)، و«مشيخة ابن جماعة» (1/ 207-216)، و«المقتفي على كتاب الروضتين« (1/ 1/ 286-287)، و«طبقات علماء الحديث« (4/ 272)، و«تاريخ الإسلام« (15/ 238)، و«تذكرة الحفاظ» (4/ 188)، و«العبر» (3/ 325)، و«المعين في طبقات المحدثين» (ص 213)، و«الوافي بالوفيات« (9/ 44-46)، و«البداية والنهاية» (17/ 513)، و«ذيل التقييد» (1/ 461-462)، و«عقد الجمان» عصر المماليك (2/ 123)، و«شذرات الذهب» (7/ 590).

[5] وعمر الإمام النَّووي يومها 32 سنة تقريبًا، رحمه الله تعالى وإيَّانا برحمته الواسعة.

[6] في نسخة «ترجمة شيخ الإسلام النَّووي« بخطِّ السَّخاوي (ص 50): (ووُجد بحاشِية نسخة من الرَّوضة أنَّه وُجد بخطِّه من الشِّعر:

وَأَنْتَ الَّذِي أَرْجُوهُ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ عَلَيْكَ اعْتِمَادِي فِي جَمِيْعِ النَّوَائِبِ وَأَنْتَ الَّذِي أَدْعُوهُ سِرًّا وَجهرةً أَجرْني بِلُطْفٍ مِنْ جَمِيْعِ المَصَائِبِ)

[7] «صحيح البخاري» (835)، و«صحيح مسلم» (402).

[8] «صحيح البخاري» (6328).

[9] «المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج» (4/ 117).

[10] «الأذكار» (ص 136).