شذرة في بيان أحاديث عشرة

شذرة في بيان أحاديث عشرة

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد: فهذا بيان عن عشرة أحاديث، سأل عن مُخرِّجيها وثبوتها أحدُ الإخوة الفضلاء من الأئمة والخطباء، وقال: إنه وجدَها في بعض الكتب[1].

1- حديث: أيما امرأةٍ أقسمَ عليها زوجُها قسمَ حقٍّ فلم تبرره حُطَّتْ عنها سبعون صلاة.

قلت: نسبه رجلٌ غير معروف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:

جاء في "مصنَّف عبدالرزاق" (7/ 486، رقم 13990) عن الثوري عن إسماعيل بن أمية قال: جاء رجلٌ فشكا امرأتَه إلى ابن المسيب فقال ابنُ المسيب: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأةٍ لم تستغنِ عن زوجها ولم تشكرْ له لم ينظر اللهُ عزَّ وجلَّ إليها يوم القيامة.

فقال رجلٌ عند ابن المسيب: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيتما امرأةٍ أقسم عليها زوجُها قسمَ حقٍّ فلم تبرره حُطَّتْ عنها سبعون صلاة.

قالَ: فقال رجلٌ آخرُ عند ابن المسيب: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأةٍ ألحقتْ بقوم نسباً ليس منهم لم يعدل وزنُـها يوم القيامة مثقالَ ذرة".

وقد جُعل الحديثُ المسؤولُ عنه في الكتاب المذكور "إشعار المتزوِّج" من قول سعيد بن المسيب! وهذا غير صحيح.

♦♦♦♦

2- قول سعيد بن المسيب: إذا دعا الرجلُ امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح.

قلت: هذا حديثٌ مرفوعٌ متفقٌ عليه، ونسبتُه إلى ابن المسيب قصورٌ كبيرٌ.

♦♦♦♦

3- حديث: أيما امرأةٍ رفعتْ صوتها فوق صوت زوجها لعنها كلُّ شيء طلعتْ عليه الشمسُ.

قلت: لم أجده إلا في "شرح عقود اللجين في بيان حقوق الزوجين" لمحمد بن عمر بن علي نووي البنتني الجاوي (ت: 1316) مِنْ غير إسنادٍ ولا عزوٍ!

♦♦♦♦

4- حديث: أيما امرأةٍ رفعتْ صوتها ولو بالذكر فعليها لعنةُ الله.

قلت: لم أجده، وقال الوادعي في "المقترح" عن لفظٍ مشابهٍ وهو "لعن اللهُ امرأةً رفعتْ صوتها ولو بذكر الله": لا يثبتُ.

♦♦♦♦

5- حديث: أيما امرأةٍ عذَّبتْ زوجَها بلسانها فهي في لعنةِ اللهِ وسخطه، ِولعنةِ الملائكة، والناس أجمعين.

قلت: لم أجده.

♦♦♦♦

6- حديث: ما مِن امرأةٍ تؤذي زوجَها بلسانها إلا جعل اللهُ لسانَـها يومَ القيامة سبعين ذراعاً، ثم عُقد خلف عنقها.

قلت: لم أجده إلا في "تفسير" حقي مِنْ غير إسناد، معزواً إلى كتاب "روضة العلماء"[2]، وفيه طولٌ دالٌّ على وضعه!

♦♦♦♦

7- قول عمر: لولا أنَّ الله سترَ المرأةَ بالحياء لكانتْ لا تساوي كفاً مِنْ تراب.

قلت: لم أجده إلا في "شرح عقود اللجين في بيان حقوق الزوجين" لمحمد بن عمر بن علي نووي البنتني الجاوي مِنْ غير إسنادٍ ولا عزوٍ، وقد أورده على أنه حديثٌ نبويٌّ!

♦♦♦♦

8- قول أبي بكر: أيما امرأةٍ آذتْ زوجَها بلسانها لم يقبل اللهُ منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة مِنْ عملها حتى ترضيه وإنْ صامتْ نهارها وقامتْ ليلها وأعتقت الرقابَ وحملتْ على جياد الخيل في سبيل الله وكانتْ أول مَنْ يردُ النار...

قلت: هذا القول قطعة مِنْ حديثٍ مرفوعٍ مطولِّ، فيه:... وأيما امرأةٍ آذتْ زوجَها لم تُقبل صلاتُـها ولا حسنةٌ مِنْ عملها حتى تعفيه وترضيه ولو صامت الدهرَ وقامتْ وأعتقت الرقابَ وحملتْ على الجياد في سبيل الله لكانتْ أول مَنْ يردُ إلى النار إذا لم ترضه وتعفه...

أخرجه الحارثُ بنُ أبي أسامة في "مسنده"، وفي سنده داود بن المحبر عن ميسرة بن عبد ربه.

قال الحافظ ابنُ حجر في "المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية": "هذا الحديثُ بطوله موضوعٌ على رسول الله، والمتَّهمُ به ميسرة بن عبد ربه لا بُورك فيه".

وقال الهيثمي في "بغية الحارث عن زوائد مسند الحارث": "هذا حديثٌ موضوعٌ وإن كان بعضه في أحاديث حسنة بغير هذا الإسناد؛ فإنَّ داود بن المحبر كذاب".

وقد ورد حديث: "لو أنَّ امرأة أطاعتْ ربها وحفظتْ فرجَها ثم آذتْ زوجها بكلمةٍ باتتْ والملائكةُ تلعنُها" مِنْ قول عائشة بسندٍ ضعيفٍ:

قال البيهقي في "شُعَب الإيمان": "أخبرنا أبو عبدالله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا يحيى بنُ أبي طالب أنا يزيد نا أبو جَناب يحيى بنُ أبي حية عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: بئس البيتُ الحمامُ بيتٌ لا يستر وماء لا يطهّر. وما يسرُّ عائشةَ أنَّ لها مثل أُحد ذهباً وأنها دخلت الحمّام.

وقالتْ [عائشة]: لو أنَّ امرأة أطاعتْ ربَّـها وحفظتْ فرجَها ثم آذتْ زوجها بكلمةٍ باتتْ والملائكةُ تلعنُها".

قال المناوي في "فيض القدير": رواه البيهقي من حديث يحيى بن أبي طالب عن أبي جناب عن عطاء عن عائشة.

ويحيى: أوردَه الذهبي في "ذيل الضعفاء" وقال: وثَّقه الدارقطني، وقال موسى بن هارون: أشهدُ أنه يكذب.

وأبو جناب: هو يحيى بن أبي حية أوردَه الذهبي في "الضعفاء" وقال: ضعَّفه النسائي والدارقطني. ومِنْ ثمَّ أورده ابنُ الجوزي في "الواهيات" وقال: لا يصح، وقال القطان: لا أستحلُّ أنْ أروي عن أبي جناب، وقال الفلاس: متروك الحديث".

♦♦♦♦

9- حديث: اثنان لا تجاوز صلاتُـهما رؤوسَهما: عبد آبق مِنْ مواليه حتى يرجع، وامرأة عصتْ زوجها حتى ترجع.

قلت: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: اثنان لا تجاوز صلاتُـهما رؤوسهما: عبد آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصتْ زوجها حتى ترجع.

قال المنذري في "الترغيب والترهيب": رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" [4/ 67، برقم 3628]، و"المعجم الصغير" [1/ 289، برقم 478] بإسنادٍ جيدٍ، والحاكمُ [4/ 191، برقم 7330]".

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 313): "رجاله ثقات".

وقال المناوي في "فيض القدير" (1/ 150): "قال الحاكم: صحيح، وردَّه الذهبيُّ بأنه مِنْ حديث بكر بن بكّار وهو ضعيفٌ". وهو في "معجمي" الطبراني مِنْ وجه آخر ليس فيه بكر بن بكّار الضعيف.

♦ وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا تجاوز صلاتُـهم آذانهم: العبدُ الآبق حتى يرجع، وامرأةٌ باتتْ وزوجُها عليها ساخطٌ، وإمامُ قومٍ وهُمْ له كارهون. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.

♦♦♦♦

10- حديث: إذا هربت المرأةُ مِنْ بيتِ زوجها لم تُقبل لها صلاةٌ حتى ترجعَ وتضعَ يدَها في يده وتقول: اصنعْ فيَّ ما شئتَ، وإنَّ المرأة إذا صلَّتْ ولم تدعُ لزوجها رُدَّتْ عليها صلاتُـها حتى تدعو لزوجها.

قلت: لم أجده. وفي "الفوائد المجموعة" للشوكاني ص (136): "حديث: إذا خرجت المرأةُ مِنْ بيتِ زوجها بغير إذنه لعنَها كلُّ شيءٍ طلعتْ عليه الشمسُ والقمرُ إلا أنْ يرضى عنها زوجُها. قال [السيوطي] في "الذيل"[3][2/ 779، برقم 977]: هو مِنْ نسخة أبي هدبة عن أنس مرفوعاً". وهي نسخةٌ موضوعةٌ.