• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: العبرة من كسوف الشمس والقمر
    سعد محسن الشمري
  •  
    خطبة: استشعار التعبد وحضور القلب (باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    من الكبائر الشائعة: (9) إيذاء الله تعالى ورسولِه ...
    أبو حاتم سعيد القاضي
  •  
    فصل في معنى قوله تعالى: ﴿وروح منه﴾
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    لبس السلاسل والأساور
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    علة حديث ((الدواب مصيخة يوم الجمعة حين تصبح حتى ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    من هم الذين يحبهم الله؟ (خطبة)
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    خطبة (أم الكتاب 2)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    جؤنة العطار في شرح حديث سيد الاستغفار
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    دعوة للمراجعة في التعامل مع التفسير المأثور
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    معارك دعوية!
    د. أحمد عادل العازمي
  •  
    كنوز من الأعمال الصالحة (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    بيع فضل الماء
    محمد علي عباد حميسان
  •  
    بين هيبة الذنب وهلاك استصغاره
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    ثواب التسبيح خير من الدنيا وما فيها
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    كلام الرب سبحانه وتعالى (1) الأوامر الكونية.. ...
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

الأوبئة (6) من منافع كورونا

الأوبئة (6) من منافع كورونا
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/5/2020 ميلادي - 6/10/1441 هجري

الزيارات: 29615

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الأوبئة (6)

من منافع كورونا

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى؛ ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ [الْأَعْلَى: 2 - 5]، نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ كُلِّهِ، وَلَهُ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَهُ الْمُلْكُ كُلُّهُ، وَبِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ، عَلَانِيَتُهُ وَسِرُّهُ، فَأَهْلٌ أَنْ يُحْمَدَ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُرِي عِبَادَهُ مِنْ آثَارِ رُبُوبِيَّتِهِ مَا يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيُعَرِّفُهُمْ بِهِ، فَيَعْبُدُونَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ، وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَتَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَالْزَمُوا دِينَهُ، وَاعْمَلُوا بِشَرِيعَتِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِهِ؛ فَإِنَّهُ سُلْوَانٌ فِي الْكُرُوبِ وَالْأَحْزَانِ، وَسَبِيلٌ إِلَى الْجَنَّاتِ وَالرِّضْوَانِ ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزُّخْرُفِ: 43- 44].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: لِلَّهِ تَعَالَى أَلْطَافٌ بِعِبَادِهِ تَخْفَى عَلَيْهِمْ، فَيَظُنُّوهَا شَرًّا وَهِيَ خَيْرٌ ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 216]. وَكَمْ مِنْ أَمْرٍ جَزَعَ النَّاسُ مِنْهُ وَتَبَرَّمُوا فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ خَيْرًا عَظِيمًا. وَحِينَ أُلْقِيَ يُوسُفُ فِي الْجُبِّ، ثُمَّ بِيعَ عَبْدًا، ثُمَّ سُجِنَ؛ كَانَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِعِزٍّ عَظِيمٍ، وَشَرَفٍ كَبِيرٍ، يَؤُوبُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِي أَرْزَاقِهِمْ، وَيَقْصِدُونَهُ فِي حَاجَاتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ يَحْكِي لُطْفَ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يُوسُفَ: 100]. وَهَذَا اللُّطْفُ الرَّبَّانِيُّ يُبْصِرُهُ أَهْلُ الْبَصَائِرِ فِي كُلِّ مَا يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ أَقْدَارِ اللَّهِ تَعَالَى مَهْمَا كَانَتْ مَرَارَتُهَا، وَإِنْ عَظُمَتْ خَسَائِرُهَا؛ فَأَذْهَبَتِ الْأَمْوَالَ، وَفَرَّقَتِ الْأَحْبَابَ، وَأَزْهَقَتِ الْأَرْوَاحَ.

 

وَهَذَا الْوَبَاءُ الْعَامُّ (كُورُونَا) ضَرَبَ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَحَصَدَ كَثِيرًا مِنَ الْأَرْوَاحِ، وَلَا يَزَالُ يَحْصُدُهَا، وَكَبَّدَ الدُّوَلَ خَسَائِرَ مَالِيَّةً ضَخْمَةً، وَقَطَعَ السُّبُلَ بَيْنَ الْمُدُنِ، وَفُرِضَ بِسَبَبِهِ حَظْرُ التَّجَوُّلِ، وَضُيِّقَتِ الْحُرِّيَّاتُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي أَثَّرَتْ فِي حَيَاةِ النَّاسِ، وَقَلَبَتْهَا رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ. وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفِيهِ مِنْ أَلْطَافِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَوِ اجْتَمَعَ الْفِئَامُ مِنَ الْأَذْكِيَاءِ لِعَدِّهَا لَعَسُرَ عَلَيْهِمْ إِحْصَاؤُهَا، وَلَخَفِيَ عَلَيْهِمْ كَثِيرٌ مِنْهَا:

فَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: اسْتِشْعَارُ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخَلْقِ؛ فَإِنَّ انْتِشَارَ هَذَا الْوَبَاءِ، وَوُقُوفَ الْعَالَمِ كُلِّهِ عَاجِزًا أَمَامَهُ؛ أَحْيَا فِي الْقُلُوبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ، وَقُدْرَتَهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْبَشَرِ بِأَضْعَفِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَهُوَ فَيْرُوسٌ صَغِيرٌ ضَعِيفٌ لَا يُرَى بِالْعَيْنِ؛ وَيُلَاحَظُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَةِ عَوْدَةُ الْخِطَابِ الْإِيمَانِيِّ حَتَّى عِنْدَ كُفَّارِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَعْدَ أَنْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ السُّبُلُ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْحِيَلُ ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطَّلَاقِ: 12]، ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الْمُلْكِ: 1].

 

وَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: مَعْرِفَةُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ بِحُرِّيَّةِ التَّنَقُّلِ حَيْثُ شَاءُوا، وَمَتَى أَرَادُوا، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ غَفَلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَنْهَا. فَلَمَّا لَزِمُوا الْبُيُوتَ، وَضُرِبَ عَلَيْهِمْ حَظْرُ التَّجَوُّلِ؛ لِئَلَّا يَتَفَشَّى الْوَبَاءُ فِي النَّاسِ؛ أَدْرَكُوا قِيمَةَ هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي كَانُوا يَرْتَعُونَ فِيهَا وَيُقَصِّرُونَ فِي شُكْرِهَا ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: 34].

 

وَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: عَوْدَةُ الرَّوَابِطِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ لِلْأُسْرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَاجْتِمَاعُهُمْ فِي مَنْزِلِهِمْ، وَقَدْ كَانَتْ كَثِيرٌ مِنَ الْبُيُوتِ قَبْلَ الْوَبَاءِ أَشْبَهَ بِالْفَنَادِقِ الَّتِي لَا ضَابِطَ لِلدَّاخِلِ فِيهَا وَالْخَارِجِ مِنْهَا. وَقَدْ تَمْضِي الْأَيَّامُ وَلَا يَرَى أَفْرَادُ الْأُسْرَةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَهُمْ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ؛ فَالرِّجَالُ وَالشَّبَابُ يَقْضُونَ لَيْلَهُمْ فِي الِاسْتِرَاحَاتِ وَمَعَ الْأَصْحَابِ، وَفِي النَّهَارِ نِيَامٌ أَوْ فِي وَظَائِفِهِمْ، وَالْأَطْفَالُ تَسْرِقُ أَوْقَاتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ وَعُقُولَهُمُ الْأَلْعَابُ الْإِلِكْتِرُونِيَّةُ، وَالْبَنَاتُ مُعْتَزِلَاتٌ فِي غُرَفِهِنَّ عَلَى أَجْهِزَتِهِنَّ. فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأَزْمَةُ اجْتَمَعُوا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَرَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا.

 

وَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: مَعْرِفَةُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا، وَأَنَّهَا لَا تُسَاوِي شَيْئًا، وَأَنَّ أَمْنَهَا قَدْ يَزُولُ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْ غَيْرِ حُسْبَانٍ؛ إِذْ قَلَبَ هَذَا الْوَبَاءُ أَحْوَالَ الدُّوَلِ وَالشُّعُوبِ، وَهَوَّنَ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّ عَافِيَتَهَا تَدُومُ لَهُمْ ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الْحَدِيدِ: 20]، كَمَا أَدْرَكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ الْمَوْتَ حَقِيقَةٌ قَدْ غَفَلُوا عَنْهَا، وَهُوَ قَدْ يَفْجَأُ صَاحِبَهُ بِلَا سَابِقِ إِنْذَارٍ، وَقَدْ رَأَوْا ذَلِكَ عِيَانًا فِي ضَحَايَا الْوَبَاءِ ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الْجُمُعَةِ: 8]. فَوَجَبَ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْ هَذِهِ النَّازِلَةِ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ بِالْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَقَدْ يَأْتِيهِ فَجْأَةً بِالْوَبَاءِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَهُوَ فِي غَفْلَةٍ.

 

وَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: تَرْشِيدُ الْإِنْفَاقِ وَالِاسْتِهْلَاكِ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ -وَخَاصَّةً فِئَاتِ الشَّبَابِ- قَدِ اعْتَادُوا عَلَى الْإِسْرَافِ، وَكَثْرَةِ ارْتِيَادِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَقَاهِي، وَتَرْكِ الْأَكْلِ مَعَ الْأَهْلِ فِي الْبُيُوتِ. وَمَعَ فَرْضِ حَظْرِ التَّجَوُّلِ قَلَّ الضَّغْطُ عَلَى أَرْبَابِ الْأُسَرِ مِنْ قِبَلِ أَوْلَادِهِمْ، وَلَزِمُوا الْبُيُوتَ، فَقَلَّ الِاسْتِهْلَاكُ وَالْإِنْفَاقُ بِلَا حِسَابٍ ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الْأَعْرَافِ: 31]. كَمَا أَنَّ لُزُومَ النِّسَاءِ وَالْفَتَيَاتِ الْبُيُوتَ لِلِاحْتِرَازِ مِنَ الْوَبَاءِ قَلَّلَ مِنَ اسْتِهْلَاكِ مَوَادِّ الزِّينَةِ الَّتِي كَانَتْ تَسْتَهْلِكُهَا النِّسَاءُ مِنْ قَبْلُ.

 

وَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: إِدْرَاكُ نِعْمَةِ الْمَسَاجِدِ وَالْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمَّا أُغْلِقَتْ، وَمُنِعَ التَّجَمُّعُ لِلْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ؛ لِئَلَّا تَنْتَقِلَ الْعَدْوَى فِي النَّاسِ؛ تَأَلَّمَ الْمُصَلُّونَ لِذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ بَكَوْا مَسَاجِدَهُمْ، فَعُظِّمَتِ الشَّعَائِرُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الْحَجِّ: 32]، وَكَانَ بَعْضُ الْمُصَلِّينَ مِنْ قَبْلُ كَأَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ قَبِيلِ الْعَادَةِ، فَلَا يَسْتَشْعِرُ قِيمَةَ الْمَسَاجِدِ، وَلَا فَضْلَ الْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ، وَأَهَمِّيَّتَهَا فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ. فَلَمَّا حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ أَدْرَكَ نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِهَا؛ وَلِذَا فَإِنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ فِي أَزْمَةِ الْوَبَاءِ يَجِدُونَ شَوْقًا عَظِيمًا لِلْمَسَاجِدِ وَالْجُمَعِ وَالْجَمَاعَاتِ. وَإِذَا انْتَهَى الْمَنْعُ مِنَ الْمَسَاجِدِ بِانْتِهَاءِ الْوَبَاءِ سَتُعْمَرُ بِالْمُصَلِّينَ، وَتَعِجُّ بِالْقَارِئِينَ ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [النُّورِ: 36- 38].

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ....

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 48].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: الْقَدَرُ سِرُّ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا، وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا؛ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ الْقَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: 23]. وَكُلُّ مَا يُقَدِّرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَفِيهِ خَيْرٌ، سَوَاءٌ عَلِمَهُ الْبَشَرُ أَمْ جَهِلُوهُ، وَلَا يُقَدِّرُ اللَّهُ تَعَالَى شَرًّا مَحْضًا، حَتَّى هَذَا الْوَبَاءُ النَّازِلُ بِالنَّاسِ فِيهِ مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ:

وَمِنْ مَنَافِعِهِ: تَقْلِيلُ نِسْبَةِ التَّلَوُّثِ فِي الْأَرْضِ، وَكَأَنَّ الْبَشَرَ عَلَى الْكُرَةِ الْأَرْضِيَّةِ دَخَلُوا كُلُّهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ فِي إِجَازَةٍ مَفْتُوحَةٍ بِسَبَبِ هَذَا الْوَبَاءِ، فَتَوَقَّفَتْ أَكْثَرُ الْمَصَانِعِ فِي الدُّوَلِ الصِّنَاعِيَّةِ، وَرَبَضَتِ الطَّائِرَاتُ فِي الْمَطَارَاتِ، وَضُيِّقَتْ حَرَكَةُ النَّقْلِ إِلَى أَقْصَى دَرَجَةٍ، فَانْخَفَضَتْ نِسْبَةُ التَّلَوُّثِ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ. وَقَدْ كَانَ خُبَرَاءُ الْبِيئَةِ مِنْ قَبْلُ يَصِيحُونَ بِالدُّوَلِ يُنَبِّهُونَهُمْ إِلَى زِيَادَةِ التَّلَوُّثِ، وَالِاحْتِبَاسِ الْحَرَارِيِّ، وَلَا تَلْتَفِتُ الدُّوَلُ إِلَيْهِمْ، حَتَّى جَاءَ هَذَا الْفَيْرُوسُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِيُغْلِقَ مَسَارِبَ التَّلَوُّثِ رَغْمًا عَنِ الدُّوَلِ الصِّنَاعِيَّةِ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هُودٍ: 107].

 

وَمِنْ مَنَافِعِ هَذَا الْوَبَاءِ: أَنَّ مَنِ ابْتُلُوا بِالْإِصَابَةِ بِهِ ثُمَّ تَعَافَوْا مِنْهُ، أَوِ الَّذِينَ رَأَوُا الْمُصَابِينَ بِهِ يَخْتَنِقُونَ؛ عَرَفُوا قِيمَةَ الْهَوَاءِ الَّذِي يَتَنَفَّسُونَهُ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ مُنْذُ وُلِدُوا، وَأَنَّهُ نِعْمَةٌ لَا يُقَدِّرُهَا النَّاسُ قَدْرَهَا، وَقَلَّ مِنْهُمْ مَنْ تَفَكَّرَ فِيهَا؛ إِذْ لَمَّا كَثُرَ الْمَرْضَى بِالْوَبَاءِ لَمْ تَكْفِهِمْ أَجْهِزَةُ التَّنَفُّسِ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ، وَاسْتَشْعَرَ مُسِنٌّ إِيطَالِيٌّ تَسْعِينِيٌّ هَذِهِ النِّعْمَةَ الْعَظِيمَةَ؛ إِذْ وُضِعَ عَلَيْهِ جِهَازُ التَّنَفُّسِ وَكَانَتْ كُلْفَتُهُ فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ خَمْسَ مِئَةِ يُورُو، فَبَكَى بَعْدَ أَنْ عُوفِيَ وَقَالَ: «أَنَا لَا أَبْكِي بِسَبَبِ مَا دَفَعْتُهُ مِنْ مَالٍ، وَلَكِنَّنِي أَبْكِي لِأَنِّي كُنْتُ أَتَنَفَّسُ هَوَاءَ اللَّهِ تَعَالَى مُنْذُ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً بِالْمَجَّانِ، فَهَلْ تَعْرِفُونَ كَمْ أَنَا مَدِينٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَمْ أَشْكُرْهُ عَلَى ذَلِكَ».

 

وَبَعْدُ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَنْظُرَ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ فِي كُلِّ مَا يَمُرُّ بِهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَأَنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بِهِ سُبْحَانَهُ، فَيَظُنَّ أَنَّهُ لَا يُقَدِّرُ لِلْمُؤْمِنِينَ إِلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاءَ».

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأوبئة (1) بين الوباء والطاعون
  • خطبة عن الأمراض والأوبئة
  • الأوبئة (2) القوة الربانية والضعف البشري
  • الأوبئة (3) بين المنافع والأضرار
  • الأوبئة (4) التغيير الحضاري الشامل
  • الأوبئة (5) الوقاية والعلاج
  • مع الأوبئة
  • الأوبئة (8) الدعاء لرفع الوباء
  • الأوبئة (9) العبادة في الوباء
  • الأوبئة (10) أقسام الناس في الوباء
  • انتشار الأوبئة وظهور الفاحشة
  • الأوبئة (11) العدوى بين الإثبات والنفي
  • الأوبئة (12) التنجيم والعرافة والكهانة في الأوبئة

مختارات من الشبكة

  • أسباب فيروس كورونا(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الخير الكامن في المصائب والابتلاءات (كورونا أنموذجا) علمني كورونا خمسين درسا(مقالة - ملفات خاصة)
  • الوقف الذري: أحكامه ومنافعه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • برعاية إسلامية: حملة توعية لتلقي لقاح كورونا في كتالونيا(مقالة - المسلمون في العالم)
  • تأثير جائحة كورونا في تطور الثروة اللفظية والدلالية في اللغة العربية: دراسة لغوية اجتماعية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تاريخ مرض كورونا(مقالة - ملفات خاصة)
  • مواعظنا من فيروس كورونا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الهلع من فيروس كورونا(استشارة - الاستشارات)
  • المجتمع العربي والدافعية في التعلم... بعد أزمة كورونا(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كورونا.. آية للعالمين (قصيدة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين
  • يوم مفتوح للمسجد للتعرف على الإسلام غرب ماريلاند
  • ندوة مهنية تبحث دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في التعليم الإسلامي
  • مسلمو ألميتيفسك يحتفون بافتتاح مسجد "تاسكيريا" بعد أعوام من البناء
  • يوم مفتوح بمسجد بلدة بالوس الأمريكية
  • مدينة كلاغنفورت النمساوية تحتضن المركز الثقافي الإسلامي الجديد
  • اختتام مؤتمر دولي لتعزيز القيم الأخلاقية في مواجهة التحديات العالمية في بلقاريا
  • الدورة العلمية الثانية لتأهيل الشباب لبناء أسر مسلمة في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/5/1447هـ - الساعة: 13:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب