• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (3)

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (3)
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/5/2020 ميلادي - 16/9/1441 هجري

الزيارات: 8549

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (3)


الحمد لله، ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا ﴾ [الأنعام: 96]، القائمِ بأرزاق خلقهِ، فما لأحدٍ منهم عنه غِنًى، الخلائقُ كلُّهم فُقراء إليه، وله سبحانه وحده مطلقُ الغنى، أحمده سبحانه وأشْكُره على جزيلِ نعمائه وعظيم إفضالهِ سِرًّا وعلَنًا، بَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا، ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بنى السبع الشداد فأحكم ما بنى، وأجزل العطاء لمن كان محسِنًا، وغفر الذنب لمن أساء وجنى، ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [النجم: 31].

 

وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، دعا إلى الله وجاهدَ في سبيله، فما ضعُفَ وما استكان وما وَنَى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار الأطهار الأمناء، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، ما سجَى ليلٌ، وما أضاءَ سَناء.

 

أمَّا بعد:

فأوصيكم أيُّها الناس ونفسي بتقوى الله عزَّ وجلَّ، فاتَّقوا الله رحمكم الله، ومن أرادَ محبة الله، فالله يحب المتقين، ومن أحبَّ أن يكونَ الله وليَّه فالله وليُّ المتقين، ومن أراد معية الله، فالله مع المتقين، ومن أراد كرامة الله، فأكرم الناس عند الله أتقاهم، ومن أراد فوز الآخرة، فالآخرة عند ربِّك للمتقين، والعاقبةُ للتقوى، ومن أراد قبول أعماله، فإنما يتقبل الله من المتقين، فاتَّقوا الله رحمكم الله، فهي أكثر خصال المدح ذكرًا في كتاب الله: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15]، فـ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

وبعد أحبتي في الله، فهذه هي الحلقة الثالثة من سلسلة حلقات الحيدة، المناظرة الكبرى بين الشيخ عبدالعزيز الكناني من أهل السنة والجماعة، وبين بشر المريسي زعيم القائلين بخلق القرآن، تعالى الله وكلامه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، وكنا قد ذكرنا في الحلقة السابقة رد الشيخ عبدالعزيز المفحم على أحد زملاء بِشرٍ، والذي عاب شكل الشيخ، بأنه إنما يعيبُ الخالق جلَّ وعلا فهو الذي خلقه بهذه الصورة، ثم ذكرنا كيف تمكن الشيخ من وضع منهجٍ مقننٍ للمناظرة؛ حيث أصَّل القرآن والسنة مرجعًا عند الاختلاف، واشترط التزام نص التنزيل، بلا تأويل ولا تفسير، وبدأت المناظرة بقول بشرٍ: قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الرعد: 16]، وبما أن القرآن شيءٌ، فالقرآن إذًا مخلوقٌ بنص القرآن، فرد عليه الشيخ عبدالعزيز بأن وصف الشيء يمكن أن يطلقَ على الخالق والمخلوق، فالله بنص التنزيل هو أكبرُ الأشياء؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 19]، وكلام الله وصفاته مثل ذاته في هذا، فهي أشياء من حيث الوجود، لكنها غير مخلوقه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وتوقَّفنا حين قال بشرٌ: قد أقررت يا عبدالعزيز أن القرآن شيء، فأتِ بدليل من نص التنزيل، إنه ليس كالأشياء المخلوقة، وإلا بطل كلامُك وصح كلامي، فصاح أصحاب بشر، جاء الحق وزهق الباطل، ظهرَ أمرُ اللهِ وهم كارهون، فسكت الشيخ عبدالعزيز حتى سكتوا، ثم قال: قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [النحل: 40]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، فدل عزَّ وجلَّ بهذه الأخبار وأمثالها في القرآن كثير على أن أمره وكلامه ليس من ضمن الأشياء المخلوقة، وأنه خارج عنها، وأن الأشياء المخلوقة إنما تكون وتخلق بقوله وأمره، فقوله وأمره ليس من تلك الأشياء المخلوقة، وإذا نظرنا في آية أخرى سنلاحظ أن الله تعالى قد ذكر خلق الأشياء كلها، فلم يدع منها شيئًا إلا ذكره، إلا كلامه وأمره فقد أخرجه من ذلك، ليدل على أن كلامهُ وأمرهُ مغايرٌ للأشياء المخلوقة، فقال عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، فبيَّن الله تعالى في مطلع هذه الآية أنه هو الذي خلق الخلق كله، ثم قال في آخر الآية: ألا له الخلقُ والأمر، يعني الأمرُ الذي تمَّ به هذا الخلق، ففرَّق الله عز وجل بين خلقه كله، وبين الأمر الذي تمَّ به الخلق، فجعل الخلق خلقًا، والأمر أمرًا، وجعل هذا غير هذا، وقال تعالى في موضع آخر: ﴿ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ﴾؛ يعني لله الأمرُ والقولُ من قبل الخلق ومن بعد الخلق، ثم جمع عز وجل بين الأشياء المخلوقة في آيات كثيرة من كتابه، وأخبر أنه خلقها بقوله وكلامه، وأن كلامه وقوله ليس منها ولا مثلها، فقال عز وجل: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الحجر: 85]، فقد أخبرنا الله عز وجل عن خلق السماوات والأرض وما بينهما، وهذا يشمل بقية المخلوقات كلها، وأخبر تعالى أنه إنما خلقها بالحق، والحق هو قوله وكلامه الذي خلق به الخلق كله، إذًا فكلامه شيء غيرُ الخلق، وخارجٌ عن الخلق، وهذا نص التنزيل على أن كلام اللهِ شيءٌ غيرُ الأشياء المخلوقة، وأنه ليس كالأشياء المخلوقة، وإنما به يكون خلق الأشياء.

 

فقال بشر: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، ادَّعى عبدالعزيز أولًا أن الأشياء إنما تكون بقوله، ثم جاء بأشياء متباينات متفرقات، فزعم أن الله عز وجل يخلق بها الأشياء، فأكذب نفسه، ونقض قوله، ورجع عما ادعاه من حيث لا يدري، وأمير المؤمنين أطال الله بقاءه الشاهد عليه والحاكم بيننا، فقال المأمون: أوضح قولك يا عبدالعزيز حتى لا ينقض بعضه بعضًا.

 

فقال عبدالعزيز: أتزعم يا بشر أني قد أتيت بأشياء متباينات متفرقات خلق الله بها الأشياء، وما قلتُ إلا ما قال الله عزَّ وجلَّ في كتابه، وما جئتُ بشيءٍ إلا من كلام الله وفي كتابه الكريم، وكلها تدل على أن الله خلقَ الأشياء بكلامه، قال بشر: يا أمير المؤمنين، ألم يقل: إن الله خلق الأشياء بقوله ومرة قلت بأمره، ومرة بكلامه، ومرة بالحق، فقال المأمون: بلى قد قلت هذا يا عبدالعزيز.

 

فقال عبدالعزيز: نعم يا أمير المؤمنين، قد قلته، وما قلته إلا على صحته، ولا خرجت عن كتاب الله عز وجل، ولا قلت إلا ما قال الله عز وجل، ولا أخبرت إلا بما أخبر الله عز وجل به أنه خلق به (مما) يوافق بعضه بعضًا، ويصدِّق بعضه بعضًا، وأنها كلها شيءٌ واحدٌ، له أسماءٌ متعددةٌ، فهو كلام الله، وهو قولُ الله، وهو أمرُ الله، وهو الحقُ، فقول الله هو كلامه، وكلامه هو الحق، والحق هو أمره، وأمره هو قوله، وقوله هو الحق، فهي أسماء متعددة لشيء واحد، ألم يسمِّ الله كلامه نورًا وهدًى وشفاءً ورحمة وقرآنًا وفرقانًا، فهذه مثل تلك، وإنما أجرى الله عز وجل مثل هذا على كلامه، كما أجراه على نفسه؛ لأنه من ذاته، فسمى كلامه بأسماء كثيرة، وهو شيءٌ واحد، كما سمى نفسه بأسماء كثيرة، وهو ذاتٌ واحدٌ، أحدٌ فردٌ صمدٌ، وإنما ينكر بشرٌ هذا ويستعظمه لجهله وقلة فَهْمه؛ قال بشرٌ: يا أمير المؤمنين، قد أصَّل بيني وبينه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وزعم أنه لا يقبل إلا نص التنزيل، فلست أقبل منه إلا بنص التنزيل أن قول الله هو كلام الله، وهو أمره، وهو الحق، فقال المأمون: ذلك يلزمك يا عبدالعزيز لما شرطت على نفسك، فقال الشيخ عبدالعزيز: صدقت يا أمير المؤمنين، يلزمني ذلك، وعلي أن آتي به من نص التنزيل، قال المأمون: فهاته؛ قال عبدالعزيز: قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 6]؛ يعني حتى يسمع القرآن؛ لأنه لا يقدر أن يسمع كلام الله من الله مباشرة، لا خلاف بين أهل العلم واللغة في ذلك، هذه واحدة، وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الفتح: 15]، فسمى الله القرآن كلامه، وسماه قوله، وهذه الثانية، وقال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الرعد: 1]، وهذه الثالثة، فقد أخبر الله عن القرآن أنه الحق، وقال الله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ﴾ [الأحزاب: 4]، وهذه الرابعة، فقد ذكر الله عز وجل أن القرآن قوله وأن قوله هو الحق، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 82]، وهذه الخامسة، فقد ذكر الله أن الحق كلامه وأن كلامه الحق، وقال جلَّ وعلا: ﴿ ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ ﴾ [الطلاق: 5]، وهذه السادسة، فقد ذكر الله عز وجل أن القرآن أمره، وأن أمره القرآن، وكل هذه أسماء متعددة لشيء واحد، وهو الشيء الذي خلق الله به الأشياء الأخرى، وهو خارج عن تلك الأشياء المخلوقة، وهو ليس كالأشياء المخلوقة، وإنما تكون به الأشياء المخلوقة، وهو كلامه، وهو قوله، وهو أمره، وهو الحق، وهذا نص التنزيل بلا تأويل ولا تفسير، فقال المأمون: أحسنت، أحسنت يا عبدالعزيز، قال بشر: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، إنه يحب أن يخطب ويهذي بما لا أعقله، ولا التفت إليه، ولا أقبل من هذا شيئًا، قال عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، أطال الله بقاءك، إذا كان لا يعقل عن الله ما خاطب الله به نبيه صلى الله عليه وسلم، وما علَّمه الله لعباده المؤمنين في كتابه المبين، وإذا كان لا يعلم مراد الله من كلامه، وهو واضح لكل من له أدنى بصيرة، فكيف ينصِبُ نفسهُ داعيةً، وكيف يدعو الناس بلا علم وبلا بصيرة، والله تعالى يقول: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108]، فقال بشر: يا أمير المؤمنين، قد اقرَّ عبدالعزيز بين يديك أن القرآن شيء، فليكن عنده كيف (شاء)، فقد اتفقنا على أنه شيء، والله عز وجل يقول: ﴿ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾، وهذه لفظةٌ عامة تشمل كلَّ شيء، فلم تدع شيئًا إلا أدخلته في الخلق، ولا يخرج عنها شيءٌ البتةَ، فصار القرآن مخلوقًا بنصِ التنزيل بلا تأويل ولا تفسير؛ قال الشيخ عبدالعزيز: فعليَّ يا أمير المؤمنين أن أكسِرَ قولهُ وأُكذِّبهُ فيما قال بنص التنزيل، وهذا ما سنعرفه في الخطبة الثانية بإذن الله، أقول ما تسمعون واستغفر الله.

♦♦♦♦♦

 

الحمد لله كما ينبغي لجلاله وكماله وعظيم سلطانه، أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا من أهل الحق وأنصاره، قال الشيخ عبدالعزيز: قال الله عز وجل عن الريح التي أُرسلت على قوم عاد: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ [الأحقاف: 25]، فهل أبقت الريحُ يا بشر شيئًا لم تدمرهُ، قال بشرٌ: لا لم يبق شيءٌ إلا دمرته، لأنها دمرت كل شيء؛ قال الشيخ: فقد أكذب الله من قال هذا بقوله تعالى: ﴿ فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾ [الأحقاف: 25]، فقد بقيت مساكنهم بعد تدميرهم، ومساكنهم أشياءُ كثيرة، هذه واحدة يا أمير المؤمنين، ومثلُها قول الله عز وجل: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42]، ومع ذلك فقد أتت الريح على الجبال والمساكن والشجر، فلم تجعلها كالرميم، والثالثة قال عز وجل عن مُلك بلقيس: ﴿ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 23]، فكأنك بقولك يا بشر يجب ألا يبقى شيءٌ يقع عليه اسمُ الشيءِ إلا دخلَ في هذه اللفظةِ وأوتيتهُ بلقيس، وقد بقي مُلكُ سليمانَ الذي لا ينبغي لأحدٍ من بعده، فلم يدخل في هذه اللفظة، فهذا كله مما يكسرُ قولك، ويدحضُ حجتك، بل إن هناك ما هو أشنعُ وأظهرُ في فضحِ مذهبك، وأبطال بدعتك، قال الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ﴾ [البقرة: 255]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ ﴾ [القصص: 50]، وقال عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ﴾ [فاطر: 11]، أفتقرُّ يا بشرٌ أن لله علمًا كما أخبرنا عن نفسه أو تخالف نص التنزيل؟

 

فقال بشرٌ: إن الله لا يجهل، وحاد عن الجواب، وأبى أن يقول: إن لله علمًا، فيسأله الشيخ عن علم الله هل هو داخل في الأشياء المخلوقة أم لا، وفهم ما يرمي إليه الشيخ، وما يلزمه في ذلك من كسر قوله، فجاء بجوابِ ما لم يُسأل عنه، فقال: إن الله لا يجهل؛ قال الشيخ عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين فليقرَّ بشرٌ أن للهِ علمًا كما أخبرنا الله في كتابه، فإني سألته عن علم الله، ولم أسأله عن الجهل، حتى يجيب بما قال، فقد حادَ بشرٌ يا أمير المؤمنين، وراغ عن جوابي، فقال المأمون: وهل تُعرفُ الحيدةُ في كتاب الله عزَّ وجلَّ؟ قال الشيخ: نعم يا أمير المؤمنين، فقال الخليفة: وأين هيَ من كتاب الله عزَّ وجلَّ؛ قال الشيخ: قال الله عزَّ وجلَّ في قصة إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه: ﴿ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴾ [الشعراء: 72، 73]، وإنما قال لهم إبراهيم هذا ليكذبهم وليعِيبَ آلهتهم ويسفه أحلامهم، فعرفوا ما أراد بهم، وإنهم بين أمرين: فإما أن يقولوا نعم يسمعوننا وينفعوننا ويضروننا، فيشهدوا على أنفسهم بالكذب، أو يقولوا: لا يسمعوننا ولا ينفعوننا ولا يضروننا، فينفوا عن آلهتهم النفع والضر، وعلموا أن الحُجةَ قائمةٌ عليهم في أيِّ القولين أجابوه، فحادوا عن الجواب، وجاؤوا بجوابٍ لم يسألوا عنه، فقالوا: ﴿ بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ ﴾ [الشعراء: 74]، وهذا ليس جوابًا لمسألة إبراهيم عليه السلام، فأقبل المأمون على بشر، فقال: يأبي عليك عبدالعزيز إلا أن تقرَّ أن للهِ علمًا، فأجبهُ ولا تحِد عن جوابهِ، وهذا ما تيسر ذكره اليوم، فنتوقف هنا، ونكمل في خطبة قادمة بإذن الله.

 

ويا بن آدم، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت، فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، اللهم صلِّ على نبيك محمد...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (1)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (2)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (4)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (5)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (6)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (7)
  • مناظرة الحيدة: المناظرة الكبرى (8)

مختارات من الشبكة

  • إسلام 50 شخصا بعد مناظرة دعوية بقرية أوندي في ملاوي(مقالة - المسلمون في العالم)
  • المناظرات الإعلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المناظرة عند ابن قيم الجوزية(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • بين الكتاب والمقال صورة من فنون المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فن المناظرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر المناظرة والمذاكرة في الدرس الفقهي التراثي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المناظرة في العقيدة الواسطية(محاضرة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • مخطوطة رسالة في فن المناظرة (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تعريف السياسة الشرعية ( حقيقته وما تجري المناظرة فيه PDF )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • أدب المناظرة(مقالة - حضارة الكلمة)

 


تعليقات الزوار
1- ممتاز
أدهم عبود - مصر 12-06-2020 11:32 AM

ممتاز جزاكم الله خيرا

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب