• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة (المساجد والاحترازات)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    لماذا قد نشعر بضيق الدين؟
    شهاب أحمد بن قرضي
  •  
    حقوق الأم (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    الدرس الواحد والعشرون: غزوة بدر الكبرى
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    أهم مظاهر محبة القرآن
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    تفسير سورة المسد
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    الحديث: أنه سئل عن الرجل يطلق ثم يراجع ولا يشهد؟
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    التجارب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة مختصرة عن أيام التشريق
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    قالوا عن "صحيح البخاري"
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (12)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    عشر أيام = حياة جديدة
    محمد أبو عطية
  •  
    من مائدة الحديث: فضل التفقه في الدين
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    خطبة: فما عذرهم
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    خطبة: وسائل السلامة في الحج وسبل الوقاية من ...
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    العشر من ذي الحجة وآفاق الروح (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفو (2)

من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفو (2)
ناصر عبدالغفور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/4/2020 ميلادي - 18/8/1441 هجري

الزيارات: 23283

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفُوِّ (2)

 

8- الله تعالى يحب صفة العفو كما يحب جميع صفاته:

من أهم ما يستفاد من حديث عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو...)) محبةُ الله تعالى لصفة العفو، فالله تعالى عفوٌّ يحب العفو ويحب أهل العفو؛ لذا فقد رغب فيه أيما ترغيب - كما سيأتي - وهذا شأن كل الصفات العلى، فالله تعالى يحب صفاته ويحب من اتصف بها[1]، فهو "سبحانه كامل في أسمائه وصفاته، فله الكمال المطلق من جميع الوجوه، الذي لا نقص فيه بوجه ما، وهو يحب أسماءه وصفاته، ويحب ظهور آثارها في خلقه، فإن ذلك من لوازم كماله"[2]؛ فالله تعالى كريم يحب الكرم وأهله، رحيم يحب الرحمة وأهلها، حليم يحب الحلم وأهله، ستير يحب الستر وأهله، حيي يحب الحياء وأهله، عليم يحب العلم وأهله، معطٍ يحب العطاء وأهله.

 

كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر))، ((إن الله تعالى جميل يحب الجمال))، ((إن الله تعالى جواد يحب الجود ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها))، ((إن الله رفيق يحب الرفق))، ((إن الله كريم يحب الكرماء))، وفي رواية: ((إن الله كريم يحب الكرم))، ((إن الله محسن يحب الإحسان))، ((إن الله تعالى وتر يحب الوتر))[3]، وبالمقابل فهو سبحانه يبغض أضداد صفاته وأهلها.

 

9- لعفوه سبحانه ومحبته للعفو خَلَقَ الخلق على هيئة تقتضي عفوه:

إن الله تعالى يحب ظهور آثار صفاته، ومن ذلك صفة العفو؛ لذا فقد خلق الخلق على هيئة تقتضي ظهور هذه الصفة؛ فخلقهم ضعفاء يذنبون ويخطئون ولم يجعلهم معصومين، فلو أن الخلق عصموا من الخطأ ونزهوا عن الزلل، فعمن يعفو الله تعالى، وعمن يصفح ولمن يغفر؟ يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "وهو سبحانه لمحبته للعفو والتوبة، خلق خلقه على صفات وهيئات وأحوال تقتضي توبتهم إليه واستغفارهم، وطلبهم عفوه ومغفرته"[4]، ويقول في موضع آخر: "فإذا كان يحب العفو والمغفرة والحلم والصفح والستر - لم يكن بدٌّ من تقديره للأسباب التي تظهر آثار هذه الصفات فيها، ويستدل بها عباده على كمال أسمائه وصفاته، ويكون ذلك أدعى لهم إلى محبته وحمده، وتمجيده والثناء عليه بما هو أهله؛ فتحصل الغاية التي خلق لها..."[5].

 

وفي الحديث الصحيح: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))؛ [مسلم].

 

وعن ابن مسعود رضي الله عنه يرفعه: ((لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلًا، وبه مهلكةٌ، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش، قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه، فأنام حتى أموت، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده عليها زاده: طعامه وشرابه، فالله أشد فرحًا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده))؛ [متفق عليه].

 

10- الفرق بين عفو الله تعالى وعفو المخلوق:

من الصفات الإلهية ما يتصف به بعض الخلق، ومن ذلك صفة العفو، فالله تعالى عفوٌّ ومن خلقه من هو عفوٌّ، لكن ليس هذا الاشتراك من قبيل التماثل، وإنما هو تشابه في أصل الصفة لا غير، أما حقيقة الصفة وتمامها فشتان شتان بين عفو الله وعفو المخلوق[6]؛ فالله تعالى كامل في ذاته وصفاته، أما المخلوق فناقص في ذاته وصفاته.

 

أ- فعفو الله تعالى يكون عن غِنًى: فهو سبحانه الغني عن جميع الخلائق؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15]، فإذا عفا عن بعض خلقه، لم يكن عفوه عن حاجة أو افتقار إلى من عفا عنه، بخلاف المخلوق فقد يعفو عن بعض من أساء إليه؛ لحاجته إليه وافتقاره إليه في تحقيق مصلحة، أو دفع مضرة.

 

ب- عفو الله تعالى يكون عن علم وإحاطة بمن عفا عنه، وبكل أحواله وإساءاته سواء الظاهرة أو الخفية، أما المخلوق فلا يتعدى علمه ما ظهر له عيانًا، فيكون عفوه حسب هذا العلم القاصر، فمثلًا شخص أساء إلى آخر بالسب والشتم مع حقد وغل مدفونين في قلب المسيء، فإذا عفا عنه، فإنما يعفو بحسب ما يعلم من السب والشتم دون ما أضمر من حقد وغل.

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "إذ المخلوق قد يغفر بعجزه عن الانتقام وجهله بحقيقة ما صدر من المسيء..."[7].

 

ج- عفو الله تعالى يكون عن قدرة لا عن عجز: فليس العجز أو الضعف سببَ عفوِ الله تعالى عن عباده؛ فهو العزيز القادر المقتدر الذي قهر كل شيء ولا يعجزه شيء؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44]، فالله تعالى قادر على البطش والانتقام بكل من عصاه، لكنه الحليم سبحانه الذي سبقت رحمته غضبه، وليس أجمل من عفو مع قدرة، فإنه يدل على الكمال الذي لا كمال بعده.

 

أما المخلوق فإنه قد يعفو لضعفه وعجزه عن الانتقام ممن أساء إليه، ولو قدر عليه لما عفا عنه، وقد مر معنا قول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "فما كل من قدر عفا، ولا كل من عفا يعفو عن قدرة"؛ [المدارج].

 

د- المخلوق قد يعفو لكن يبقى بقلبه شيء تجاه المسيء إليه، فيكون عفوه ناقصًا، أما الله تعالى فهو الكامل في ذاته، الكامل في صفاته، الكامل في عفوه، فإذا عفا عن عبده، فإنه يعفو عفوًا كاملًا لا يدخله شيء.

 

ذ- عفو الله تعالى تام ليس فيه عتاب ولا منٌّ، بخلاف المخلوق فإنه قد يعفو عمن أساء إليه، لكنه لا يلبث أن يعاتب المذنب في حقه ولو بعد حين، أو يمن عليه بأنه عفا عنه ولم يؤاخذه بإساءته، خاصة إذا كان العفوُّ ذا سلطة وقدرة على الانتقام والمؤاخذة.

 

11- دعاء الله تعالى باسمه العفو:

قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]، ومن أسمائه سبحانه التي أمرنا أن ندعوه بها اسمه (العفو)، وهذا الدعاء ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

دعاء مسألة، دعاء ثناء، ودعاء عبادة[8]:

أ- سؤال الله تعالى باسمه (العفو):

وهو أن يتوسل العبد لله تعالى بهذا الاسم في سؤاله، فذلك أرجى لقبول مسألته، والفوز بعفو الله عنه.

 

ومن ذلك الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))، ولسائل العفو أن يقول: "اللهم يا عفو اعف عني"، أو: "اللهم اعف عني يا عفو"، ونحو ذلك.

 

ومما ورد في دعاء الله تعالى باسمه العفو دعاء المسألة:

حديث معاذ بن رفاعة قال: ((قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه على المنبر لما استُخلف، ثم بكى فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الأول على المنبر ثم بكى، فقال: اسألوا الله العفو والعافية؛ فإن أحدًا لم يعطَ بعد اليقين خيرًا من العافية))[9].

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي))[10].

 

ب- الثناء على الله تعالى باسمه العفو:

فالله تعالى يحب أسماءه ويحب من يثني عليه بها، وذلك بأن يكثر الإنسان من ذكرها وحمد الله على اتصافه بها، فهو سبحانه أهل الحمد والثناء، ومما يُثنَى به عليه أسماؤه وصفاته، بل إنه جل في علاه "لا يُثنَى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وكذلك لا يُسأل إلا بها"[11].

 

ج- التعبد باسم الله تعالى العفو:

التعبد لله تعالى باسمه العفو يتضمن أمرين اثنين:

♦ اتخاذ الأسباب لنيل عفوه سبحانه.

♦ مجاهدة النفس للتحلي بصفة العفو.

 

1- اتخاذ الأسباب الموصلة لعفو الله تعالى:

لا ريب أن كل منا يرجو عفو الله تعالى، فمن عفا الله عنه، فقد نال الخير بحذافيره، وسلم من الشر بحذافيره، فلا أسلم للعبد ولا أنجى له في دينه ودنياه من الفوز بعفو الله عنه، ولا أدل على هذا الأمر من ذلك الإرشاد النبوي العظيم لأم المؤمنين ولأهل الإسلام أجمعين بسؤال العفو من رب العالمين في ليلة القدر التي تعظم في قدرها عشرات السنين: ((يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ما أدعو؟ قال: تقولين: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني))[12]، ولو علم صلى الله عليه وسلم دعاء أعظم من سؤال العفو، لعلمه إياها رضي الله عنها وأرضاها في تلك الليلة المباركة التي ﴿ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴾ [الدخان: 4].

 

ومن الأسباب التي ينال العبد بها عفو الله تعالى:

♦ الإلحاح في الدعاء: فيكثر من سؤال العفو في صلاته وجلوسه وممشاه وفي يومه كله.

 

♦ التحلي بالعفو: فإذا أردت أن يعفو الله عنك فاعفُ عن عباده، فكيف ترجو عفو الله عنك وقد أسأت وأصررت، وتأبى أن تعفو عن غيرك.

 

قال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]؛ أي: "إذا عاملتم عبيده بالعفو والصفح، عاملكم بذلك"[13].

 

2- التحلي بصفة العفو:

من أعظم صور التعبد باسم الله تعالى (العفو) مجاهدة النفس للتخلق بصفة العفو؛ يقول الإمام الغزالي حجة الإسلام عليه رحمة المنان: "وحظ العبد من ذلك لا يخفى، وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه، كما يرى الله تعالى محسنًا في الدنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة، بل ربما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم، وإذا تاب عليهم محا سيئاتهم؛ إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وهذا غاية المحو للجناية"[14].

 

وقد رغب الله تعالى في التحلي بالعفو في كثير من الآيات؛ من ذلك قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]؛ يقول القاضي البيضاوي رحمه الله تعالى: "أي: يكثر العفو عن العصاة مع كمال قدرته على الانتقام، فأنتم أولى بذلك، وهو حث للمظلوم على العفو بعدما رخص له في الانتظار[15]؛ حملًا على مكارم الأخلاق"[16].

 

ويقول الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [الحج: 60]، قد يقول قائل: سياق الكلام يقتضي أن تختم الآية باسم أو أسماء تدل على العزة والانتقام والانتصار؛ كقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [إبراهيم: 47]، أو نحو هذا، والجواب - والله أعلم - من وجهين:

♦ أن الآية ختمت باسمي العفو والغفور؛ للترغيب في العفو والصفح والتجاوز والغفران.

 

♦ الإشارة إلى أن أجلَّ صور النصر أن يجعل الله عبده في مقام العافين، فإن العبد لا يزداد بعفوه إلا عزة.

 

يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى: "﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ﴾ [الحج: 60]؛ أي: يعفو عن المذنبين، فلا يعاجلهم بالعقوبة، ويغفر ذنوبهم فيزيلها، ويزيل آثارها عنهم، فالله هذا وصفه المستقر اللازم الذاتي، ومعاملته لعباده في جميع الأوقات بالعفو والمغفرة، فينبغي لكم أيها المظلومون المجني عليهم أن تعفوا وتصفحوا وتغفروا؛ ليعاملكم الله كما تعاملون عباده؛ ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]"[17].

 

وقال تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، وقال جل وعلا: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199].

 

ولقد أحسن القائل:

مكارم الأخلاق في ثلاثة
من كملت فيه فذاك الفتى
إعطاء من يحرمه ووصل من
يقطعه والعفو عمن اعتدى

 

فحري بكل عاقل أن يجاهد نفسه للتحلي بهذه الصفة العظيمة؛ فإن الشارع الحكيم علق عليها أمورًا عظيمة، الواحد منها كفيل بالحث على الاتصاف بها.

 

من ذلك:

♦ العفو سبب لنيل المغفرة:

قال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، فمن عفا عن الناس وتجاوز عن زلاتهم، جزاه الله تعالى من جنس عمله؛ فعفا عنه وتجاوز عن أخطائه وزلاته.

 

♦ العفو سبب لنيل الأجر العظيم:

قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]: أي: "يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا... وفي جعل أجر العافي على الله ما يهيج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم؛ فإن الجزاء من جنس العمل"[18]، ومما يورده البعض في هذا الباب الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ من بُطْنان العرش: ليقم من على الله أجره، فلا يقوم إلا من عفا عن ذنب أخيه))، لكنه حديث ضعيف[19]، وقد روي موقوفًا عن الحسن رحمه الله تعالى بلفظ: ((ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا من كان له على الله أجر فليقم، فلا يقوم إلا من عفا...))[20].

 

♦ العفو سبب لنيل التقوى:

قال الله جل في علاه: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة: 237]، عن ابن عباس: "﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ قال: أيما عفا، كان أقرب إلى الله عز وجل"[21]؛ يقول الإمام الرازي رحمه الله تعالى: "موضع ﴿ أَنْ ﴾ رفع بالابتداء، والتقدير: والعفو أقرب للتقوى، واللام بمعنى "إلى"... ومعنى الآية: عفو بعضكم عن بعض أقرب إلى حصول معنى التقوى، وإنما كان الأمر كذلك لوجهين؛ الأول: أن من سمح بترك حقه فهو محسن، ومن كان محسنًا فقد استحق الثواب، ومن استحق الثواب، نفى بذلك الثواب ما هو دونه من العقاب وأزاله، والثاني: أن هذا الصنع يدعوه إلى ترك الظلم الذي هو التقوى في الحقيقة؛ لأن من سمح بحقه وهو له معرض تقربًا إلى ربه، كان أبعد من أن يظلم غيره، يأخذ ما ليس له بحق"[22].

 

♦ العفو سبب الفوز بالجنة:

جعل الله تعالى العفو من صفات أهل الجنان؛ فقال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134]، فالعفو من أعظم أسباب دخول دار الأبرار، والفوز برضا العزيز الغفار.

 

♦ العفو سبب لنيل العزة والرفعة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله))[23].

 

وقد ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى أن فيه وجهين:

♦ "أحدهما أنه على ظاهره، وأن من عرف بالعفو والصفح ساد وعظم في القلوب، وزاد عزه وإكرامه

.

♦ والثاني أن المراد أجره في الآخرة وعزه هناك"[24].

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "والعفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل، وباطنه عز ومهانة وانتقام[25]، ظاهره عز وباطنه ذل، فما زاد الله بعفو إلا عزًّا، لا[26] انتقم أحد لنفسه إلا ذل، ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو؛ ولهذا ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه قط"[27].

 

♦ العافي يحصل على ما يشاء من الحور العين:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره في أي الحور شاء))[28].

 

فمن كان متحليًا بالعفو كاظمًا للغيظ في دار الدنيا، أقامه الله يوم القيامة ذلك المقام العظيم مخيرًا إياه في الحور العين اللواتي فاق جمالهن الخيال، فمهما تخيلت، فالوقوف على حقيقة جمالهن من المحال، فما بالك بحورية يقول عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض، لأضاءت ما بينهما، ولملأته ريحًا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها))؛ [متفق عليه][29].

 

ولما علم سلفنا الصالح مقدار العفو وعظم شأنه، فقد ضربوا أروع الأمثلة في التحلي به متعبدين لله بذلك، ولعلي أكتفي بمثال واحد فيه عبرة وأي عبرة:

روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال: ((قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولًا كانوا أو شبانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه؟ قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه، قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله))[30].

 

فأسال الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يمنَّ علينا بعفوه في الدنيا والآخرة، وأن يجعلنا من العافين عن الناس، إنه مجيب مَن دعاه ومعطي مَن رجاه.



[1] طبعًا مع الفرق العظيم والبون الشاسع بين صفات الله تعالى وصفات مخلوقاته، فالفرق بين صفات الخالق وصفات المخلوق كالفرق بين الخالق والمخلوق، كما أن من صفات الله تعالى ما يختص به سبحانه ولا يشاركه فيه غيره، وإنما كلامي عن الصفات التي فيها مشاركة في أصلها، كصفة العفو والكرم والعلم والجود والجمال وغيرها.

[2] روضة المحبين: 64.

[3] وهذه الأحاديث كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مخرجة في صحيح الجامع للعلامة الألباني رحمه الله تعالى، إلا الأول فهو مخرج في المشكاة والإرواء.

[4] شفاء العليل: 116.

[5] روضة المحبين: 64.

[6] ومن أسباب ضلال بعض أهل البدع أنهم سووا بين التشبيه والتمثيل، فعطلوا كثيرًا من الصفات أو بعضها بحجة أنها تستلزم التشبيه، مع أن الذي ورد تنزيه الله تعالى عنه المثيل لا الشبيه؛ قال تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، والتشبيه أعم من التمثيل، فما من شيئين إلا بينهما تشابه من وجه واختلاف من وجه، بخلاف التمثيل فهو مماثلة الشيء للآخر في خصائصه، وقد تصدى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لإبطال هذا الضابط الفاسد؛ ألا وهو: اعتماد التشبيه في تنزيه الله تعالى في كتابه القيم "العقيدة التدمرية"، فلينظر فإنه جد مفيد.

[7] الروح: 242.

[8] ومن أهل العلم من يكتفي بقسمين: دعاء المسألة، ودعاء العبادة.

[9] رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.

[10] رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

[11] بدائع الفوائد: 1/ 172.

[12] أخرجه الترمذي والبيهقي والحاكم وغيرهم، والحديث صحيح: انظر الصحيح (ح رقم: 3337).

[13] تيسير الرحمن: 563.

[14] المقصد الأسنى: 140.

[15] هكذا ثبتت في الكتاب، ولعل الصواب: الانتصار، والله أعلم.

[16] تفسير البيضاوي: 272.

[17] تيسير الرحمن: 543.

[18] تيسير الرحمن: 760.

[19] وممن ضعفه العلامة الألباني رحمه الله تعالى، وقد أورده في السلسة الضعيفة تحت رقم: 2583.

[20] نوادر الأصول في أحاديث الرسول؛ لأبي عبدالله الحكيم الترمذي: 2/ 56.

[21] تفسير الثوري: 70.

[22] مفاتيح الغيب: 6/ 123 - 124.

[23] رواه مسلم في البر والصلة، باب: استحباب العفو والتواضع.

[24] شرح النووي على مسلم: 16/ 141.

[25] هكذا وردت كلمة الانتقام نكرة، ولعل الأنسب التعريف؛ أي: والانتقام ظاهره عز وباطنه ذل.

[26] (لا) هنا بمعنى (ما).

[27] الروح: 242.

[28] صحيح ابن ماجه.

[29] نسأل الله تعالى من فضله.

[30] صحيح البخاري، كتاب التفسير: باب: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، العرف: المعروف.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • آيات عن العفو والصفح
  • ليلة القدر بين السلام والعفو
  • سلوا الله العفو والعافية
  • خطر المشاحنة والمخاصمة وفضل العفو والمسامحة (خطبة)
  • من آثار الإيمان باسم الله تعالى العفو (1)
  • ضبط اسم الستير وبيان معناه
  • اسم الله الأعظم
  • اسم الله تعالى (الحفيظ)

مختارات من الشبكة

  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في حفظ الحقوق وأداء الأمانات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في الشوق إلى دار السلام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في توجيه السلوك (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة أثر الإيمان: أثر الإيمان في تحقيق الأمن النفسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتاب تهذيب الآثار: أثر من آثار الطبري في خدمة السنة(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • من آثار الإيمان باسم الله تعالى: الغفور (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آثار الإيمان باسم الله تعالى: الغفور (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آثار الإيمان باسم الله تعالى: الغفور (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من آثار الإيمان باسم الله السلام (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العفو العام والعفو الخاص(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية
  • ختام ناجح للمسابقة الإسلامية السنوية للطلاب في ألبانيا
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/12/1446هـ - الساعة: 8:23
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب