• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حكم السفر لبلاد يقصر فيها النهار لأجل الصوم بها: ...
    أ. د. عبدالمجيد بن محمد بن عبدالله ...
  •  
    تحريم التفكر في ذات الله جل وعلا
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    امتنان الله تعالى على الخليل عليه السلام بالهداية
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    التفاف الرعية بالراعي ونبذ الفرقة والشقاق (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    العفو في هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأثره
    التجاني صلاح عبدالله المبارك
  •  
    التسبيح هو أفضل الكلام
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    التحذير من الكسل (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    توهم إضاعة الدين بسبب الاختلاف في ثبوت بعض ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    سنة التدافع وفقهها (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    علة حديث: من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    لا تكونوا عجلا
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: صبره وثباته
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    {وجادلهم بالتي هي أحسن}
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    القمار والميسر... متعة زائفة، وعاقبة مؤلمة
    بدر شاشا
  •  
    ومضات نبوية: "يا حنظلة ساعة وساعة"
    علي بن حسين بن أحمد فقيهي
  •  
    من تجالس؟ (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

الثابتون على الحق (4) أصحاب الأخدود

الثابتون على الحق (4) أصحاب الأخدود
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/9/2019 ميلادي - 19/1/1441 هجري

الزيارات: 28121

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الثابتون على الحق (4)

أصحاب الأخدود

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ؛ ﴿ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [الْبُرُوج: 9]، نَحْمَدُهُ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَالْعَافِيَةِ وَالْبَلَاءِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، وَالْأَمْرِ الرَّشِيدِ، وَالْبَطْشِ الشَّدِيدِ، وَهُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَخْبَارَ الثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ، الْمُعَذَّبِينَ فِي دِينِهِمْ؛ لِيَقْوَى عَزْمُهُمْ، وَيَذْهَبَ حُزْنُهُمْ، وَيَتَلَاشَى يَأْسُهُمْ، وَيَثْبُتُوا عَلَى دِينِهِمْ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ؛ فَإِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ، وَالسَّبَبُ لِنَجَاتِكُمْ وَفَوْزِكُمْ بَعْدَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَكُمْ ﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ﴾ [الزُّخْرُف: 43- 44].

 

أَيُّهَا النَّاسُ: فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ عَنِ الثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ وَمَا جَرَى لَهُمْ مَعَ الْمُكَذِّبِينَ، مِنَ التَّقْتِيلِ وَالتَّشْرِيدِ، وَالْحَرْقِ وَالتَّعْذِيبِ، وَمَا زَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَّا رُسُوخًا فِي الْحَقِّ، وَشُهْرَةً عِنْدَ الْخَلْقِ، حَتَّى إِنَّنَا لَنَذْكُرُ أَخْبَارَهُمْ وَأَحْوَالَهُمْ بَعْدَ مِئَاتِ السِّنِينَ مِنْ وَفَاتِهِمْ.

 

وَمِمَّا قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِ الثَّابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ: أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، الَّذِينَ حُرِّقُوا وَهُمْ أَحْيَاءٌ لِتَمَسُّكِهِمْ بِدِينِهِمْ، وَنَوَّهَ اللَّهُ تَعَالَى بِذِكْرِهِمْ فِي سُورَةِ الْبُرُوجِ: ﴿ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [الْبُرُوج: 4- 9].

 

وَمُلَخَّصُ خَبَرِهِمْ أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا بِنَجْرَانَ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُقُودٍ عِدَّةٍ، يَحْكُمُهُمْ مَلِكٌ حِمْيَرِيٌّ يَمَانِيٌّ يَعْتَنِقُ الْيَهُودِيَّةَ، وَأَنَّهُمْ آمَنُوا بِالْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَغَضِبَ عَلَيْهِمْ وَحَرَّقَهُمْ.

 

وَأَمَّا سَبَبُ إِيمَانِهِمْ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَلِذَلِكَ قِصَّةٌ مُلَخَّصُهَا: أَنَّ مَلِكَهُمُ الْحِمْيَرِيَّ اتَّخَذَ لَهُ سَاحِرًا، وَكَانَ لِذَلِكَ السَّاحِرِ تِلْمِيذٌ يَتَعَلَّمُ السِّحْرَ عَلَى يَدَيْهِ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الثَّامِرِ، فَإِذَا ذَهَبَ لِتَعَلُّمِ السِّحْرِ مَرَّ بِرَاهِبٍ نَصْرَانِيٍّ يَتَعَبَّدُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي صَوْمَعَتِهِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهِ مُعْجَبًا بِعِبَادَتِهِ، ثُمَّ إِنَّ الْغُلَامَ لَزِمَهُ، ثُمَّ اعْتَنَقَ دِينَهُ النَّصْرَانِيَّةَ، وَتَرَكَ دِينَ الْمَلِكِ الْيَهُودِيِّ، فَأَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِ الْغُلَامِ لَمَّا لَزِمَ الرَّاهِبَ كَرَامَاتٍ يَنْتَفِعُ بِهَا النَّاسُ، فَكَانَ يَسْتَفِيدُ مِنْ ظُهُورِ هَذِهِ الْكَرَامَاتِ عَلَى يَدَيْهِ فِي دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ، حَتَّى كَثُرَ الْمُتَنَصِّرُونَ، فَغَضِبَ الْمَلِكُ وَامْتَحَنَ النَّاسَ فِي دِينِهِمْ.

 

وَأَوْفَى رِوَايَةٍ فِي قِصَّتِهِ وَأَصَحُّهَا: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ، فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ، أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللَّهِ فَشَفَاهُ اللَّهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللَّهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللَّهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ فَخُدَّتْ، وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا، حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 

وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: «فَأَمَّا الْغُلَامُ فَإِنَّهُ دُفِنَ، فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِصْبَعُهُ عَلَى صُدْغِهِ كَمَا وَضَعَهَا حِينَ قُتِلَ».

 

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَرْزُقَنَا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَة: 281].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: عَقَّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ ﴾ [الْبُرُوج: 10]. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالرَّحْمَةِ».

 

وَلِلْإِمَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيِّ تَعْلِيقٌ نَفِيسٌ عَلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ الْعَجِيبَةِ، قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: «وَهَذَا الْحَدِيثُ كُلُّهُ إِنَّمَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ لِيَصْبِرُوا عَلَى مَا يَلْقَوْنَ مِنَ الْأَذَى وَالْآلَامِ وَالْمَشَقَّاتِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا؛ لِيَتَأَسَّوْا بِمِثْلِ هَذَا الْغُلَامِ فِي صَبْرِهِ وَتَصَلُّبِهِ فِي الْحَقِّ وَتَمَسُّكِهِ بِهِ، وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي حَقِّ إِظْهَارِ دَعْوَتِهِ، وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الدِّينِ، مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ وَعَظِيمِ صَبْرِهِ، وَكَذَلِكَ الرَّاهِبُ صَبَرَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِالْحَقِّ حَتَّى نُشِرَ بِالْمِنْشَارِ، وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَمَّا آمَنُوا بِاللَّهِ تَعَالَى وَرَسَخَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ، صَبَرُوا عَلَى الطَّرْحِ فِي النَّارِ، وَلَمْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ. وَهَذَا كُلُّهُ فَوْقَ مَا كَانَ يُفْعَلُ بِمَنْ آمَنَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِكِفَايَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ إِعْزَازَ دِينِهِ وَإِظْهَارَ كَلِمَتِهِ. عَلَى أَنِّي أَقُولُ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَى الْأَنْبِيَاءِ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَأَصْحَابُهُ أَقْوَى أَصْحَابِ الْأَنْبِيَاءِ فِي اللَّهِ تَعَالَى؛ فَقَدِ امْتُحِنَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْقَتْلِ وَبِالصَّلْبِ وَبِالتَّعْذِيبِ الشَّدِيدِ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَتَكْفِيكَ قِصَّةُ عَاصِمٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِمَا، وَمَا لَقِيَ أَصْحَابَهُ مِنَ الْحُرُوبِ وَالْمِحَنَ وَالْأَسْرِ وَالْحَرْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَلَقَدْ بَذَلُوا فِي اللَّهِ نُفُوسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَفَارَقُوا دِيَارَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ، حَتَّى أَظْهَرُوا دِينَ اللَّهِ تَعَالَى، وَوَفَوْا بِمَا عَاهَدُوا عَلَيْهِ اللَّهَ، فَجَازَاهُمُ اللَّهُ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ، وَوَفَّاهُمْ مِنْ أَجْرِ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ بِسَبَبِهِمْ أَفْضَلَ الْإِجْزَاءِ... وَقَدْ أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى لِهَذَا الْمَلِكِ الْجَبَّارِ الظَّالِمِ مِنَ الْآيَاتِ وَالْبَيِّنَاتِ، مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ وَالثَّبَاتِ: أَنَّ الرَّاهِبَ وَالْغُلَامَ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ، وَالْمَنْهَجِ الصِّدْقِ، لَكِنْ مَنْ حُرِمَ التَّوْفِيقَ اسْتَدْبَرَ الطَّرِيقَ» انْتَهَى كَلَامُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة أصحاب الأخدود (1)
  • أصحاب الأخدود.. تاريخ يتجدد
  • المسلمون في ميانمار وأصحاب الأخدود
  • خطبة عن أصحاب الأخدود
  • قصة أصحاب الأخدود
  • الثابتون على الحق (2) مؤمن آل فرعون
  • الثابتون على الحق (6) بلال بن رباح
  • أصحاب الأخدود
  • أصحاب الأخدود (خطبة)
  • من أجل أوصاف الطائفة المنصورة أنهم ظاهرون على الحق
  • الثابتون على الحق (7) خباب بن الأرت

مختارات من الشبكة

  • الثبات: أهميته وسير الثابتين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة دروب النجاح (6) العقلية النامية: مفاتيح النمو الشخصي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أبنائي يسرقونني(استشارة - الاستشارات)
  • سجين بلا قيود(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسائل قلبية إلى المبتلى بالأمراض الروحية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دور الصحابة رضي الله عنهم في حفظ القرآن مدونا ومكتوبا في السطور(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • مرتكزات منهج التيسير في الشريعة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأرض شاهدة فماذا ستقول عنك يوم القيامة؟! (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة دروب النجاح (1) البوصلة الداخلية: دليل لاختيار مسارك الجامعي بثقة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • تحريم الحلف بملة غير الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • المؤتمر الدولي الخامس لتعزيز القيم الإيمانية والأخلاقية في داغستان
  • برنامج علمي مكثف يناقش تطوير المدارس الإسلامية في بلغاريا
  • للسنة الخامسة على التوالي برنامج تعليمي نسائي يعزز الإيمان والتعلم في سراييفو
  • ندوة إسلامية للشباب تبرز القيم النبوية التربوية في مدينة زغرب
  • برنامج شبابي في توزلا يجمع بين الإيمان والمعرفة والتطوير الذاتي
  • ندوة نسائية وأخرى طلابية في القرم تناقشان التربية والقيم الإسلامية
  • مركز إسلامي وتعليمي جديد في مدينة فولجسكي الروسية
  • ختام دورة قرآنية ناجحة في توزلا بمشاركة واسعة من الطلاب المسلمين

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/5/1447هـ - الساعة: 15:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب