• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

إثارة الساكن في حكم حجز الأماكن

إثارة الساكن في حكم حجز الأماكن
د. محمد بن علي اليحيى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/4/2019 ميلادي - 24/8/1440 هجري

الزيارات: 65374

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إثارة الساكن في حكم حجز الأماكن


أحكامُ الشريعة المتعلقة بالمساجد كثيرةٌ، والرعاية لها من الشارع عظيمةٌ، وتتشكَّل أهميتُها من اجتماع حقِّ الله تعالى وحقِّ عباده فيها، فهي موضع عبادته واجتماع عباده، وفي صلاة الجمعة وعند دخول شهر رمضان، تتجدَّد واقعةٌ عريضةٌ، ومشكلةٌ كبيرةٌ بين المصلِّين؛ ألا وهي ظاهرة حجز الأماكن في المساجد، وخاصة الحَرَمينِ الشريفَينِ.

 

فهل حجز الأماكن في المساجد قبل الحضور، داخلٌ في الاعتداء على حقِّ الله تعالى أو على حقِّ عباده؟ وهل يُفرَّق بين وضع الفُرُش وبين توكيل الآخرين في حفظ المكان؟ وهل يجوز رفع السجاد بعد وضعها؟

 

الناظر في كتب الفقهاء يجدهم قد اختلفوا في هذه المسألة على أقوال:

القول الأول: جواز حجز الأماكن في المساجد بوضع فُرُش أو أحدٍ ينوب مكانه، ولا يجوز لمن جاء أن يرفعها أو يصلي عليها، إلا إذا حضرت الصلاة فيبطل حقُّه، وهذا قول الحنابلة في المذهب عندهم.

 

قال البهوتي رحمه الله: (و) حرم أيضًا (رفع مصلى مفروش) ليصلي عليه ربُّه إذا جاء؛ لأنه افتيات على ربِّه، وتصرُّف في ملكه بغير إذنه، فيجوز فرشه (ما لم تحضر) أي: تقم (الصلاة) [1].


أدلتهم:

أولًا: أن صاحب الفراش ملك المكان بوضعه، فرَفْعُه داخلٌ في الافتيات عليه، والتصرُّف في ملكه بغير إذنه، فهو سابق إلى المكان بهذا الفراش، وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ))؛ رواه أبو داود (3071) [2] من حديث أسمرَ بنِ مُضرِّسٍ رضي الله عنه.

 

الرد: الحديث يدل على تملُّك الشيء بحوزه وقبضه، بخلاف وضع السجاد في أماكن الصلاة، ثم مفارقتها وعدم استعمالها فيما وضعت له.

 

ثانيًا: أن الفراش نائب عن صاحبه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الرجل من مكانه، فقال: ((لا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ))؛ رواه البخاري (911)، ومسلم (2177) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

 

الرد: هذا قياسٌ مع الفارق، فكيف يساوي بين المصلِّي والفِراش الذي يُصلِّي عليه، ولو كان للفراش حرمة، لما جاز رفعه إذا حضرت الصلاة، ولم يحضر صاحبه.

 

ثالثًا: من حديث عائشة رضي الله عنها "أن سعدًا رضي الله عنه لما أصيب، ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْمَةً فِي المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ"؛ رواه البخاري (463)، ومسلم (1769)، فهذا نوع من الحجز للمكان داخل المسجد.

 

الرد: أن هذا حجز مخصوص، وله علة خاصة، كما نصَّ عليه في الحديث، كما أنه لا يلزم أن يكون في الصفوف التي يتسابق الناس إليها، ثم إن سعدًا جالس في خيمته، لم يخرج منها.

 

رابعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ))؛ رواه أبو داود (2019) من حديث عائشة رضي الله عنها [3].

 

قال الشاشي رحمه الله: إذا وضع مصلَّاه كان أحقَّ به؛ لحديث ((منى مناخ من سبق)) فإذا نزل بمنى برحله، ثم خرج لحاجته، ليس لغيره نزع رحله [4].

 

الرد: لا يسلم بهذا القياس، ففرق بين المسألتين؛ بل فيه دلالة على النهي، فإن النبي نهى أن يُتحجر له شيء في منى، وجعل المكان حقًّا للسابق، فقد قيل له: أَلَا نَبْنِي لَكَ بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ، فَقَالَ: ((لَا؛ إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ)).

 

خامسًا: أن رفع السجاد يفضي إلى الخصومات والنزاعات.

الرد: أن الخصومة المتعلقة بسبب هذه السجاجيد؛ يتحملها واضعها لا رافعها، فهو المطالب بدَرْء هذه الخصومات؛ لأنها وقعت بسببه.

 

القول الثاني: جواز حجز الأماكن في المساجد، بوضع فُرُش أو مَنْ ينوب مكانه، ولا يجوز لمن جاء أن يصلي عليها؛ ولكن له تنحيتها، فيجوز لصاحب السجاد وضعها، ويجوز لغيره رفعها، وهذا قول الشافعية في المذهب عندهم، والقول الآخر عند الحنابلة [5].

 

قال النووي رحمه الله: يجوز أن يبعث الرجل من يأخذ له موضعًا يجلس فيه، فإذا جاء الباعث تنحَّى المبعوث، ويجوز أن يفرش له ثوبًا ونحوه، ثم يجيء ويصلي موضعه، فإذا فرشه لم يجز لغيره أن يصلي عليه؛ لكن له أن يُنحِّيَه، ويجلس مكانه.

 

دليلهم:

أما النيابة فلما روي: أن محمد بن سيرين رحمه الله، كان يرسل غلامه إلى مجلس له يوم الجمعة، ليجلس فيه، فإذا جاءه محمد قام الغلام، وجلس فيه محمد [6].

 

وأما الفرش ونحوها، فلأن الأصل جواز الوضع فلا دليل يمنع، وأمَّا جواز الرفع، فالفرش لا حرمة لها بنفسها، والمنهي عنه إقامة الرجل لا الفراش، فالسبق بالأجسام لا بما يُفرش، والسابق هو الذي يستحق المكان المقدم، فهو مأمور به، ولا يتم الأمر بالتقدم إلى الصف الأول؛ إلا برفع هذا المفروش، فيكون الرفع مأمورًا به.

 

وقد نصَّ الشافعي رحمه الله على إرسال المبعوث فقال: ((ولا أكره للرجل يوم الجمعة أن يوجه من يأخذ له موضعه، فإذا جاءه الآمر تنحَّى له)) [7]، فقاس الشافعية وضع الفرش على الإرسال.

 

الرد: أن جواز الوضع وجواز الرفع؛ فيه نوع تعارض، فما الفائدة من ذلك، إذا قيل للواضع: إن لك حق الوضع ولغيرك حق الرفع، ثم إنه لا بد من تحديد صاحب الحق في ذلك، فإن كان الحق لصاحب السجاد فليس لغيره رفعها، وإن كان للسابق فليس للحاجز بالفُرُش وضعها.

 

القول الثالث: تحريم حجز الأماكن في المساجد بالفُرُش، ولمن سبق إلى المكان، الحق في رفع السجاجيد لا الصلاة عليها، وهذا قول المالكية، واختاره الإمام ابن تيمية والسعدي وابن إبراهيم وابن باز وابن عثيمين.

 

واستثنى المالكية والشافعية حجز المكان للمفتي والمقرئ والواعظ؛ لأجل معرفة مكانه وقصد الناس إليه [8].

 

قال الدسوقي المالكي رحمه الله في حاشيته: وأما السبق بالفرش فهو تحجير لا يجوز.

 

وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله: ليس لأحد أن يفرش شيئًا، ويختص به مع غيبته ويمنع به غيره، هذا غصب لتلك البقعة ومنع للمسلمين مما أمر الله تعالى به من الصلاة، والسنة أن يتقدَّم الرجل بنفسه، وأما من يتقدَّم بسجادة فهو ظالم ينهى عنه، وقد نصَّ على وجوب رفع السجاجيد، والإنكار على فاعليها ومنعهم من وضعها، لا سيما ولاة الأمر، ولهم الحق في مصادرتها والتصدُّق بثمنها.

 

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: المساجد لله، والناس فيها سواء، وليس لأحد فيها حق إلا إذا تقدَّم بنفسه، فإذا سبقه غيره فهو أحق منه، فإذا تحجَّر شيئًا لغيره فيه حق، كان آثمًا عاصيًا لله، وكان ظالِمًا لصاحب الحق، وليس الحق فيها لواحد؛ بل جميع من جاء قبله له حق في مكانه، فيكون قد ظلم خلقًا كثيرًا، وله كلام طويل غليظ على من فعل ذلك.

 

وقال الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله: المساجد لله سبحانه، والسابق أحق من المتأخِّر، والسبق والتقدم إلى المسجد يكون بالبدن لا بالفراش والوطاء، فمنع الناس والحالة هذه لا يجوز؛ بل هو ظلم وغصب لتلك البقعة من المسجد بدون حق...فلا شك أن فعلَ ذلك في المسجد الحرام أعظمُ تحريمًا وأشد منعًا، لعظم حرمة ذلك المسجد، وله كلام طويل غليظ على من فعل ذلك.

 

وقال ابن باز رحمه الله: المسجد لمن سبق، فلا يجوز لأحد أن يحجز مكانًا في المسجد، فحجزه أمر لا يجوز وغصب للمكان ولا حق لمن غصبه، فالسابق أولى منه وأحق به حتى يتقدم الناس إلى الصلاة بأنفسهم، كما نصَّ على تحريم دفع المال لمن يحجز له.

 

وقال ابن عثيمين رحمه الله: ما يفعله بعض الناس يحجز، ويذهب إلى بيته وينام ويأكل ويشرب، أو إلى تجارته يبيع ويشتري، فهذا حرام ولا يجوز، هذا هو القول الصحيح في هذه المسألة.

 

أدلتهم:

أولًا: ذكر الإمام ابن تيمية اتفاق المسلمين على النهي عن ذلك، فقال: ما يفعله كثير من الناس من تقديم مفارش إلى المسجد يوم الجمعة أو غيرها، قبل ذهابهم إلى المسجد، فهذا منهي عنه باتفاق المسلمين؛ بل محرم[9].

 

ثانيًا: أن المبكر إلى الصلاة أحق بالمكان من التأخُّر، فالسابق أحق من الحاجز، وهذا من العدل الذي جاءت به الشريعة، فالناس في بيوت الله سواء، فالحجز يترتَّب عليه غصب بقعة من المسجد ليست له، وغيره ممن سبقه أحقُّ بها، وقد جاء الوعيد في غصب البقاع.

 

وهل تصحُّ صلاته في هذه البقعة المغصوبة؟ على قولين ذكرهما الإمام ابن تيمية [10]، فهو فاعل لمعصية الغصب، وهذه المعصية إن لم تبطل الصلاة فإنها تنقصها.

 

ثالثًا: أن الشريعة أمرت بإتمام الصفوف الأول فالأول، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، وَإِنْ كَانَ نَقْصٌ فَلْيَكُنْ فِي الصَّفِّ الْمُؤَخَّرِ))؛ رواه النسائي (818)، وأصله في مسلم (434) من حديث أنس رضي الله عنه، فمن وضع سجادة، فهو مانع لغيره من امتثال النصِّ الشرعي، وعمارة هذه البقعة بالصلاة.

 

رابعًا: أن النبي صلى الله وعليه وسلم ذكر التبكير إلى الصف الأول، والاستهام عليه عند المزاحمة، ولو شُرع السبق بالفرش، لحضَّ على ذلك، ولفعله أصحابه، فقال: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ))؛ رواه البخاري (615)، ومسلم (437) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

 

خامسًا: عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ رضي الله عنه، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ»؛ رواه أبو داود (862)، وحسَّنه الألباني. فحجزه مكانًا في المسجد يعاوده، داخلٌ في النهي النبوي.

 

الرد: النهي وارد على مَنْ داوَمَ على ذلك، بخلاف من حجز مكانًا للصلاة وليس لذات المكان، وقد ذكر بعض العلماء أن الحكمة في ذلك؛ انشغال باله في المكان الأول لو صلى في غيره، فنُهي عن مداومته عليه[11].

 

سادسًا: أن هذا الفعل يترتَّب عليه مفاسد كثيرة، والشريعة جاءت بدَرْئها:

منها: أن الحجز قد يترتب عليه تخطي رقاب الناس، وهو منهيٌّ عن ذلك.

ومنها: أن حجز المكان يفضي إلى عدم التبكير إلى الصلاة وهو مأمور بذلك، فالفضيلة للسابق بنفسه.

ومنها: أن هذا الفعل يوقع البغضاء والشحناء في قلب من سبق إلى المكان وحُرم منه بسبب هذه الفرش.

 

ومنها: أن هذا الفعل يسبب الخصومات والمنازعات بين السابقين لهذه الأماكن والحاجزين، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إيذاء المصلين في المسجد، فحرم أكل الثوم والبصل؛ لأجل ذلك.

 

ومنها: أنه يترتب عليه تضييق على الناس وإيقاع مشقة عليهم، إذا تتابع بعضهم على حجز الأماكن.

 

ملخص بحث المسألة ونتائجها:

أولًا: مسألة حجز الأماكن في المساجد، محكومةٌ بقاعدتين عظيمتين من قواعد الشريعة؛ وهما: قاعدة تحقيق العدل ومراعاة حقوق الخلق، وقاعدة تحقيق الأُلْفة بين المؤمنين وعدم شقاقهم، وخاصة في أماكن العبادة ومواضع الصلاة جماعة، فعلى الواضع والرافع تحقيق هذه المقاصد الشرعية واعتبارهما، فهما أعظم من المقاصد الجزئية المتعلِّقة بالمكان وغيره.

 

ثانيًا: أن وضع الفُرش في أماكن الصلاة وحِرْمان المصلِّين منها؛ داخل في الاعتداء من وجهين: أحدهما: في حق الله تعالى؛ وهو تعطيل البقعة من العبادة، والثانية: حرمان السابقين إليها.

 

وقد شاهدت بنفسي في المسجد الحرام، من يرسل صبيًّا بالثمن، ليحرس لهم السجاد التي وضعوها، ومنعوا غيرهم من مواضعها، فيأتون بعد ذلك بأعداد كبيرة، بعد مجيء الناس واكتمال الصفوف، وحجتهم في ذلك، الاجتماع على الإفطار والحديث بعده، ألا فليتَّق الله هؤلاء من فعلتهم، وليعلموا أن المساجد لم تُبْنَ إلا لأجل العبادة.

 

ثالثًا: أن السجاجيد والفُرش ليس لها حرمة ولا اعتبار، فللمتقدم بنفسه رفعها والسبق إلى أماكنها، ولكن ليعلم أن الفضيلة المتعلِّقة بذات العبادة، مقدمة على الفضيلة المتعلِّقة بمكانها، خاصة إذا كانت سببًا في تشتيت فكره وانشغال قلبه، وفرق بين رجل صلَّى في موضع متأخِّر من المسجد، وقد اجتمع عليه قلبه وخشع في صلاته، وبين من حرص على موضع متقدم، ففاته ما هو أهم من المكان، وهو لب العبادة ومقصودها الأعظم، وكم وقعت منافرات وخصومات شخصية، داخل بيت الله الحرام وأمام الكعبة المشرفة، يتعجب العاقل من مضي بعضهم، إلى آخر ما تمكنه قدرته من النزاع والشجار، ولو تنازل لاستراح من ذلك كله، وأدرك الأجر من ربِّه كاملًا، مع سلامته من إثم الزيادة في الاعتداء عند الرد على الظالم البادئ.

 

رابعًا: في التفريق بين وضع الفُرُش وبين إرسال من ينوب عنه بالمكان، مجال للنظر والتأمُّل، فقد يقال: إن المقصد من البقعة أداء العبادة، وهذا النائب لم يُرد بها إلا تحجير المكان، فخالف مقصود الشريعة في فعله، فلما ترتب عليه منع غيره من استعمالها بالطاعة؛ استوى هو والفُرُش في الحكم، فلا يحق له ولا لغيره تحجر ذلك؛ بل السابق أحق بهذا المكان، ويمكن أن يقال: إن النائب قد ملك المكان بجلوسه فيه، ثم تنازل عنه لمن أرسله إليه؛ ولكن ليس له أجر المكان؛ لأنه لم يتقدم بنفسه. والاحتياط في ذلك ألا يتحجر المكان لا بفراش ولا بإنسان.

 

خامسًا: على المحتج بخلاف الفقهاء في حكم الحجز بالسجاد عند وضعها، أن يتقبل احتجاج غيره بخلافهم عند رفعها، فليس له الحق في الاحتجاج بالخلاف وتبرير فعله بذلك، ومنعه لغيره من رفعها،

وقد رأيت من يضع سجادة بعد صلاة الفجر في المسجد الحرام، ثم يذهب إلى بيته فيصلي فيه الظهر والعصر، ولا يأتي المسجد إلا قبل غروب الشمس، ويحتج بتجويز بعض الفقهاء، وما علم أنهم أسقطوا حقَّه عند حضور الصلاة.

 

وإني لأتفطر لرجل حريص على تطبيق السنة، في التبكير إلى صلاة الجمعة، حريص على إدراك الصفوف الأولى، فإذا ما جاء مسابقًا مسارعًا إلى الخيرات، تفاجأ بهذه الأقلام والكراسي وغيرها، فانفتل بنفس منكسرة إلى مكان آخر، حفاظًا على قلبه من الشرود عند مقابلة هؤلاء المعتدين، وبعدًا عن شقاقهم وخصوماتهم، وقول كيف لهذا الحاجز، أن يفارق المسجد لراحته أو أشغاله، وقد حرم هذا الناسك من بغيته في طاعة ربِّه.

 

سادسًا: عند رفع السجاد لا بد من الاحتياط لأمرين: فيمن وضع شيئًا وهو داخل المسجد أو من خرج لحاجة وهو يريد العود إليه، بشرط عدم تخطي الصفوف، كما نصَّ عليه جماعة من الفقهاء ومنهم ابن عثيمين.

 

وليس هذا على إطلاقه في الأحقية، فليس لمن هو داخل المسجد، أن يتحجر مكانًا ثم يتركه وينقطع عنه طويلًا، ويمنع غيره من السبق إليه، فالداخل والخارج سواء في تعطيل هذه البقعة من العبادة؛ ولكن من انصرف لأجل سبب يتعلق بالمكان؛ كشدَّة حرٍّ أو برد أو تشويش وهو منشغل بالعبادة، فهذا الذي له الحق في تحجر المكان؛ لأن انصرافه عن هذا المكان، كان لأجل هذا السبب المتعلِّق به.

 

سابعًا: على الذين يأتون متأخِّرين إلى الصلاة، ويبتغون الصفوف الأولى- مع خلو مؤخرة المسجد - فيطلبون من غيرهم أن يفسحوا لهم، احتجاجًا بنصٍّ يأمر بالتفسُّح والتوسُّع، أن يتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي تخطَّى رقاب الناس يوم الجمعة: ((اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ، وَآنَيْتَ))؛ رواه أبو داود (1118) من حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه.

 

ومنه يُعلم أن طلب التفسُّح إنما يكون عند ضيق المكان، لا أن يتجاوز مؤخرة المسجد الخالية، ويطالب السابقين بالتوسعة له، فهذا هو طريق الجمع بين النصوص.

 

وصلى الله وسلم على محمد.

د/ محمد بن علي اليحيى

جامعة القصيم - كلية الشريعة - قسم أصول الفقه

13/ 8/ 1440هـ



[1] انظر: شرح منتهى الإرادات (1/ 322)، والمغني؛ لابن قدامة (2/ 261)، والكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 335)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (5/ 294)، والمبدع في شرح المقنع (2/ 176).

[2] الحديث ضعفه الألباني؛ لكن المعنى ثابت من نصوص أخرى.

[3] الحديث حسَّنه الترمذي (881)؛ لكن ضعَّفه الألباني.

[4] انظر: فيض القدير (6/ 244).

[5] انظر: المجموع شرح المهذب (4/ 547)، وروضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 46)، والبيان في مذهب الإمام الشافعي (2/ 592)، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف (5/ 294).

[6] انظر: البيان 2/ 592.

[7] انظر: البيان 2/ 592.

[8] انظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (5/ 159)، والتاج والإكليل لمختصر خليل (7/ 127)، وحاشية الدسوقي (3/ 368)، وشرح مسلم للنووي 14/ 160، ومجموع الفتاوى 22/ 189 ،193-24/ 216، وفتاوى ابن سعدي ص182، وفتاوى ابن إبراهيم 3/ 38، وفتاوى ابن باز 12/ 208، ومجموع فتاوى ورسائل العثيمين (12/ 393-24/ 41) رسالة: حجز المكان في المسجد؛ للسدحان.

وقد نصَّ المالكية على ذمِّ لبس الثياب ذات الأكمام الطويلة، التي تنفرش على الأرض؛ لأن المصلي ليس له من المسجد إلا موضع سجوده وجلوسه، ولم أجد نصًّا عن الحنفية في هذه المسألة، إلا شيئًا محتملًا يُشير إلى المنع من حجز المكان، وقد يكون بسبب قصور بحثي؛ انظر: حاشية ابن عابدين1/ 662.

[9] مجموع الفتاوى 22/ 189، كما ترى فإن الخلاف قائم بين العلماء في حكم وضع الفرش، حتى لو قيل إنه يفرق بين الوضع والرفع أو بين الكراهة والتحريم، فإن طائفة من العلماء نصَّت على الإباحة كما تقدم في القول الأول والثاني.

[10] مجموع الفتاوى 22/ 189.

[11] انظر: حاشية ابن عابدين1/ 662.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القراءة في المواصلات والأماكن العامة
  • نظافة الأماكن العامة بحاجة لحل جذري

مختارات من الشبكة

  • وسائل إثارة الدافعية للتعلم(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة إثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة والبيت العتيق(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • من وحي الإلهام صفحات من الدهشة والإثارة في عالم النبات والحيوان(مقالة - موقع د. محمد السقا عيد)
  • إثارة دافعية الطلاب(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • سريلانكا: جماعة بوذية متطرفة تهدد المسلمين مجددا بإثارة العنف(مقالة - المسلمون في العالم)
  • توصيات لعلاج أسباب الإثارة الجنسية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مخطوطة إثارة الفكر بما هو الحق في كفاية الذكر(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • إثارة جنسية بالأحجام الكبيرة!(استشارة - الاستشارات)
  • من صفات المنافقين إثارة الشبهات في الإسلام(مادة مرئية - موقع موقع الأستاذ الدكتور سعد بن عبدالله الحميد)
  • سريلانكا: منظمة بوذية متطرفة تسعى إلى إثارة أعمال عنف دامية(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب