• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

دية العقل

د. بندر بن فهد السويلم

المصدر: مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود - العدد 14 - السنة 1416هـ.
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/9/2007 ميلادي - 6/9/1428 هجري

الزيارات: 37295

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

دِيَة العقْل

 

المقدّمة:

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين، وبعد:

فإنَّ الله تعالى قد مَنَّ على الإنسان بنعم عظيمة، وآلاء جسيمة لا تُعَدُّ ولا تحصى.

 

والعقل من أعظم هذه النِّعم وأغلاها، وهو أفضل ما وهب الله لعباده؛ لأنَّ الله تعالى خصَّ به الإنسان دون سائر الحيوان، وميَّزه به عن سائر المخلوقات؛ لينظر في ملكوت السَّماوات والأرض، ويتدبَّر خلْق الله، ويتأمَّل كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم فيقوَى إيمانه، وتزيد طاعاته، ويميز الخبيث من الطِّيِّب، يجلب به المصالح ويدفع به المضارَّ، فلا يأتي إلا صالحًا ولا يترك إلا طالحًا.

 

فالعقل هو عُمْدة التكاليف، وبه يُعرف الله ويُفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلّا أنَّه لمَّا لم ينهض بكلِّ المراد من العبد بُعثِت الرُّسل، وأنُزلت الكتب. فمثال الشَّرع الشَّمس، ومثال العَقل العينُ، فإذا فُتِحت وكانت سليمةً رأت الشَّمس، وأدْركَت تفاصيل الأشياء[1].


قال الشَّاعر:

وأفْضَلُ قَسْمِ اللهِ لِلمَرْءِ عَقْلُهُ
فَلَيْسَ مِنَ الخَيْرَاتِ شَيْءٌ يُقارِبُهْ
إِذَا أَكْمَلَ الرَّحْمَنُ لِلمَرْءِ عَقْلَهُ
فَقَدْ كَمُلَتْ أَخْلَاقُهُ وَمَآرِبُهْ
يَعِيشُ الفَتَى فِي النَّاسِ بالعَقْلِ إِنَّه
عَلَى العَقْلِ يُجْري عِلمَه وتَجَارِبُهْ
يَزِيدُ الفَتَى فِي النَّاسِ جَوْدَةُ عَقْلِه
وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ مَكَاسِبُهْ[2]

 

ولمَّا كان العقل بمنزلةٍ شريفةٍ عالية؛ فإنَّه ممَّا قد قَصَد إليه الدِّين بالحفظ؛ فحِفْظه والقيامُ بما يَكْفل صحَّته وسلامَته ضرورةٌ من ضَرُورات الدِّين الحنيف. ويكون حفْظُه بأمرين:

الأوّل: مراعاته من جانب الوُجود بفعل ما به قيام العقل وثبَاته.


والآخر: مراعاته من جانب العَدَم بمنْع الاختلال الواقع فيه والمتوقَّع، مما يؤدِّي إلى مَفْسدته وفَوَاته[3].

 

فحرَّم الشَّرع كلَّ ما يُفْضي إلى تعْطيله، أو هَلاكه مِنَ المُسْكِرات والمُخَدِّرات ونحوهما، وحرَّم الاعتداء عليه بأيَّة وسِيلةً كانت، وأَوْجب الشَّرع العُقوبة على تناول ما يَضُرُّ بالعقلِ أو يُغَيِّبه ويزيله. كما حرَّم الجناية عليه بالضَّرب أو التَّرويع وغير ذلك.

 

وقد رأيتُ أن أبيِّن حكمَ الشَّرع، واجتهاد الفقهاء في دِيَة العقل والمسائل المُتعلِّقة بها؛ لتوضيح الأمر وتحقيق الحكم، ضاربًا عن الأحكام المُتعلِّقة بالاعتداء على العقل بشرب الخمر، أو الجناية عليه بتناول المُخدِّر.

 

وجعلتُ ذلك بعُنوان (دِيَة العقل) ورسَمْته في مباحث:

المبحث الأوَّل: معنى الدِّيَة ومعنى العقل، وبيان مشروعيَّة الدِّيَة.

المبحث الثاني: مَحَلّ العقل ومسكنه.

المبحث الثّالث: دِيَة ذَهَاب العقل.

المبحث الرّابع: دِيَة ذَهَاب بعض العقل.

المبحث الخامس: إنكار الجاني زَوال عقل المجْنيِّ عليه.

 

أرجو الله تعالى أن يكون خالصًا لوجْهه الكريم، وأن ينفع به، ويجعل أثره في موازين العمل يوم لا ينفع مالٌ ولا بَنون.

 

وصلَّى الله وسلَّم على أشرف نبيِّ، وأكرم هاد؛ نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجْمعين.


المبحث الأوَّل: معنى الدِّيَة ومعنى العقل، وبيان مشروعيِّة الدِّيَة:

وفيه ثلاثة مطالب:

المطْلب الأوَّل: معنى الدِّيَة:

1- التَّعريف اللُّغويِّ:

الدِّيَة: مصدر الفعل وَدَى، والأصل وِدْيَة، يقال: وَدَيْتُه وِدْيَة. فحذفت الواو وهي فاء الكلمة، والهاء عِوضٌ عنها.

 

وهي حقُّ القتيل، أي: المال الذي هو بدل النَّفس، يقال: وَدَى فلان فلانًا إذا أدَّى دِيَته إلى وليّه.

 

ويقال: وَدَيْتُ القتيلَ أَدِيهِ، إذا أعطَيْتُ دِيَتَه[4].


2- التَّعريف الاصطلاحيِّ:

في المذهب الحنفيِّ: (اسم لضمان يجب بمقابَلة الآدميِّ أو طرَف منه)[5].

 

وفي المذهب المالكيِّ: (مالٌ يجب بقتل آدميٍّ حرٍّ عِوضًا عن دمه)[6].

 

وفي المذهب الشَّافعيِّ: (المال الواجب بجناية على الحرِّ في نفس أو فيما دونها)[7].

 

وفي المذهب الحنبليِّ: (المال المؤدَّى إلى مجنيٍّ عليه أو وليِّه بسبب جنايةٍ)[8].

 

وبعد تأمُّل هذه التَّعريفات وما بينها من أَوْجُه اتّفاق واختلاف، وقصور وتكامل، فإنّه يحسن وضع تعريف نصْطلح عليه وعلى ضوْئه يكون الحديث عن دية العقل وهو:

(مالٌ مُسْتَحَقٌّ بمقابَلَة إتلاف نفس مسلم معْصوم حرٍّ أو ما دونها).

 

فقولنا: "مال" هو ما يُباح نفعه في كلِّ الأحوال، أو يُباح اقتناؤه بلا حاجة فخرج بذلك ما لا نفع فيه؛ كالحشرات وما فيه نفع محرَّم؛ كالخمْر وما لا يُباح إلا عند الاضْطرار؛ كالمَيْتة، وما لا يُباح اقتناؤه إلا لحاجة؛ كالكلْب[9].

 

وقولنا: "مُسْتَحق" يدلّ على أنّه حقٌّ للمجنيِّ عليه أو لوليِّه.

 

وقولنا: "بمقابلة إتلاف" يعني بسبب جناية مؤدِّية إلى الإتلاف.

 

وقولنا: "نفس مسلم معصوم حرٍّ أو ما دونها" يشمل دية النفس كاملةً، وما دونها من الأعضاء والمنافع، ويَخرُج به المال المستحق بمقابلة إتلاف مال الغَير أو استهلاكه.

 

ويَخرج بالمسلم غيره؛ كالذِّمِّيِّ، والمُعَاهَد. ويَخرج بالمعصوم نفْسُ غير المعصوم؛ كزانٍ مُحْصَنٍ وحَرْبيٍّ، وما ليس بمعصوم ممّا هو دون النّفس؛ كمن وجب عليه قِصاصٌ في طرَف.


وتُسمّى الدِّيَة عقلاً، وإنّما سمِّيت بذلك لأمرين:

1- أنَّ العقل هو المنْع، والدِّيَة تَعْقل الدِّماء من أن تُسْفك، أي تَمْنع إراقةَ الدِّماء أو تمسك الدّماء عن الإراقة[10].

 

وقيل: الدِّيَة تَعْقِل لسانَ وليِّ المقتول، أي تَمْنعه.

 

قال الموفَّق بن قَدَامَة رحمه الله: "العَاقِلَة: من يَحْمِل العقل، والعقل: الدِّيَة، تسمَّى عقلا، لأنَّها تعقِل لسان وليِّ المقتول.

 

وقيل: إنِّما سمِّيت العاقلة؛ لأنهَّم يَمنعون عن القاتل، والعقل: المنع، ولهذا سُمِّي بعض العلوم عقلاً، لأنّه يمنع من الإقدام على المضارِّ"[11].


2- أنّ الدِّيَة إذا أُخِذت من الإبل تُجمَع فتُعقَل ثمّ تُساق إلى وليِّ الجناية[12].

 

قال الحافظ ابن حَجَر رحمه الله: وسُمِّيت الدِّيَة عقلاً تسْميةً بالمصدر؛ لأنَّ الإبل كانت تُعْقل بفِناء وليِّ القتيل، ثُمَّ كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدِّيَة ولو لم تكن إبلاً"[13].


المطلب الثّاني: معنى العقل:

1- التّعريف اللّغويّ:

العقل مصدر عَقَل يَعْقِل عَقْلاً ومَعْقُولاً.

 

والعقل: العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها، أو العلم بخير الخيرين وشرِّ الشّرَّين، أو مطلق الأمور، أو قوَّةٌ بها يكون التَّمييز بين القبح والحسن. وابتداء وجوده عند اجْتِنان الولد ثمَّ لا يزال ينمو إلى أن يكمُل عند البُلوغ.

 

والعقل: الحِجْر، والنُّهى ضدّ الحُمْق.

والعقل: التَّثبُّت في الأمور.

والعقل: القلب.

والقلب: العقل.

 

وسُمِّي العقل عقلاً؛ لأنّه يَعقل صاحبه عن التَّورُّط في المهالك؛ أي: يِحْبِسه ويَمْنعه، فالعقل: المنع؛ ومنه: عقل النَّاقة بالعِقِال، وهو الحبل الذي يمنعها من الشُّرودِ إذا نَفَرت.

 

والعقل: الدِّيَة، يقال: عَقَل القتيل عقلا: وَدَاه.

 

ويقال: رجل عاقِل، وهو الجامِع لأمره ورأيه، مأخوذ من عَقَلْتُ البعير، إذا جَمَعْتُ قَوَائِمَه.

 

وقيل العاقِل: الذي يَحْبس نفسه ويَرُدُّها عن هواها. أخذًا من قولهم: قد اعتُقِل لسانُه، إذا حُبِس ومُنِع الكلام. وهذا راجعٌ إلى المنع كما سبق.

 

والمعقول: ما تعْقِله بقلبك، والمعقول: العقل، يقال: ما له معقول؛ أي: عقل[14].

 

فالمَعْنى الجامِع لمادَّة العقل: المنع؛ لأنّه يَمنع من الوُقُوع في الضَّرر والهوى وهذا يسْتدعي التّأمُّل والحِلْم والتَّثبُّت.


2- التَّعريف الاصطلاحيُّ:

اختُلف في تحديد مفهوم العقل اختلافًا كبيرًا وتعدَّدت الآراء في ذلك، ولا يكاد أحدٌ ممَّن تناول تعريف العقل إلّا ويشير إلى هذه الأقوال أو بعضها.

 

فمن العلماء من قال: "هو قوة يُفْرق بها بين حقائق المعلومات".

 

ومنهم من قال: "هو مادَّة وطبيعة".

ومنهم من قال: "هو جَوْهر بسيط".

ومنهم من قال: "هو عَرَض يُخالف سائر العلوم والأعْرَاض".

ومنهم من قال: "هو جملة العلوم الضَّروريَّات".

ومنهم من قال: "هو ما حَسُنَ معه التَّكليف".

ومنهم من قال: "العقل غريزة وحكْمة وفطْنة".

ومنهم من قال: "ليس بجسم ولا عَرَض وإنّما هو نور في القلب".

ومنهم من قال: "ليس بجَوْهر ولا عَرَض، وإنّما هو فضل من الله يؤتيه من يشاء".

 

ومنهم من قال: "هو بعض العلوم الضَّروريَّات" خلافًا لمن قال: هو جوهرٌ، وخلافًا لمن قال: عَرَض يخالف سائر العلوم والأعْراض، وخلافًا لمن قال: "هو جُمْلة العلوم الضَّروريَّات"[15].


وأجْمع شيء في بيان معنى العقل وأجمله: أنّ العقل لا يُحَدُّ بِحَدٍّ واحد، وإنّما هو اسمٌ مشترك يطلق على عدَّة معانٍ، وهي:

الأوّل: أنّه بعض العلوم الضَّروريَّة؛ كجواز الجائزات واستحالة المُستحيلات، وكالعلْم بأنّ الواحد ينقُص عن الاثنين، وأنَّ الشَّخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد.


الثّاني: أنَّه الغريزة التي في الإنسان، يتهيَّأ بها لإدراك العلوم النَّظريَّة وتدبُّر الأمور الخفيَّة، وبها يعلم ويُميِّز المنافع والمضارَّ، وهذا المعنى هو مَحَلُّ الفكر وأصله، وهو في القلب كالنّور، وضوؤه مشرقٌ إلى الدِّماغ، ويكون ضعيفًا في مبتدأ العمر فلا يزال يَربَى حتّى تتم الأربعون، ثمَّ يَنْتهي نَماؤه، فمن النَّاس من يكثر ذلك النُّور في قلبه، ومنهم من يقلُّ، وبهذا كان بعض النَّاس بليدًا وبعضهم ذكيًّا بحسب ذلك.


الثّالث: أنّه شيءٌ يستفاد من التَّجارِب، فيُطْلق على العلوم المستفادة من التَّجرِبة حتّى إنَّ من لم تحنِّكه التَّجارِب بهذا الاعتبار لا يسمَّى عاقلاً، والعلوم المستفادة بالتَّجرِبة فرع الغريزة، وبعض العلوم الضَّروريَّة.


الرّابع: أنّه جمْع العمل إلى العلم، فيطلق على العلم والعمل به.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: "والمقصود هنا أنَّ اسم العقل عند المسلمين وجمهور العقلاء إنَّما هو صفة، وهو الذي يسمَّى عَرَضًا قائمًا بالعاقل، وعلى هذا دلَّ القرآن في قوله تعالى: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾[16]. وقوله: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾[17]. وقوله: ﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾[18]. ونَحو ذلك ممَّا يدلُّ على أنَّ العقل مصدر عَقَلَ يَعْقِل عَقَلاً، وإذا كان كذلك، فالعقل لا يسمّى به مجرَّد العلم الذي لم يعمل به صاحبه، ولا العمل بلا علم، بل إنّما يسمّى به العلم الذي يعمل به والعمل بالعلم، ولهذا قال أهل النَّار:

﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾[19]. وقال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾ [الحج: 46].

 

والعقل المشروط في التَّكليف لابدَّ أن يكوِّن علومًا يميِّز بها الإنسانُ بين ما ينفعه وما يضرُّه؛ فالمجنون الذي لا يميِّز بين الدَّراهم والفُلوس، ولا بين أيّام الأسبوع، ولا يفقه ما يقال من الكلام - ليس بعاقل. أمَّا من فَهِم الكلام وميَّز بين ما ينفعه وما يضرّه فهو عاقل".

 

فالعقل بهذا الاعتبار ما ينظر به صاحبه في العواقب، ويقْمَع به الشَّهوات، وهذا هو النِّهاية في العقل والثَّمرة الأخيرة، وهو المراد بقول القائل:

"إِذَا تَقَرَّبَ النَّاسُ بِأَبْوَابِ البِّرِّ، فَتَقَرَّبْ أَنْتَ بِعَقْلِكَ[20].


المطلب الثالث: الأصل في شرعيَّة الدِّيَة:

الأصل في شرعيّة الدِّيَة في الإسلام الكتاب والسُّنَّة والإجماع والمعقول.

 

1- الكتاب:

قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةً ﴾[21].

 

فقد دلَّت الآية على أنَّ القتل الخطأ فيه الدَّية، وهذا يدلُّ على مشروعيَّتها.

 

قال الماورديُّ: "فنصَّ على دِيَة أُجْمل بيانها حتَّى أخذ من السُّنَّة"[22].

 

(ب) وقال عزّ من قائل: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾[23].

 

عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: كانت في بني إسرائيل قِصَاص، ولم تكن فيهم الدِّيَة، فقال الله لهذه الأمّة: ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ﴾[24] إلى هذه الآية: ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ﴾ [25] قال ابن عبّاس: فالعَفْو أن يقبلَ الدِّيَة في العمْد، قال ﴿ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 178] أن يطلُب بمعروف، ويؤدِّي بإحسان[26].

 

وللنَّسائيِّ: "ذلك تخفيفٌ من ربِّكم ورحمة ممَّا كُتِب على من كان قبلكم"[27].


2- السُّنَّة النَّبويَّة:

(أ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنَّه عامَ فتْحِ مَكَّةَ قََتَلَتْ خُزَاعةُ رجُلاً مِنْ بَني لَيْثٍ بقَتيلٍ لهم في الجَاهِليَّة فقامَ رسُولُ الله صلَّى الله علَيْه وسلَّم فقالَ: ((إنَّ اللهَ حَبَسَ عنْ مكَّةَ الفِيلَ وسَلَّطَ عَلَيْهِم رَسُولَه والمُؤمِنِينَ، أَلَا وإنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي وَلَا تَحِلُّ لأحَدٍ بَعْدِي، ألَا وإنَّها أُحِلَّتْ لِي سَاعةً مِنْ نَهَار، ألا وإنَّها - سَاعَتِي هذه - حرامٌ: لا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ، وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ أَنْ يُقَادَ )) مُتَّفَق عليه، واللَّفظ للبُّخَارِيِّ[28].

 

(ب) وَعنْ أبي شُرَيْحٍ الكَعْبِيِّ[29] أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم قالَ: ((ثمَّ إنَّكُم يا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ قَتَلْتُم هذا الرَّجُلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وإنِّي عَاقِلُه فََمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ بَعْدَ اليَوْمِ فأَهْلُه بَيْنَ خِيرَتَيْنِ؛ إمَّا أنْ يَقْتُلُوا أوْ يَأْخُذُوا العَقْلَ))[30].

 

(جـ) وعَنْ عَمْرو بنِ شُعَيْبٍ[31] عَنْ أبِيه عَنْ جَدِّه أنَّ رسُولَ الله صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم قالَ: ((مَنْ قَتَلَ مُتَعَمِّدًا دَفَعَ إلَى أَوْلِيَاءِ المَقْتُولِ فَإِنْ شَاؤوا قَتَلُوا وإِنْ شَاؤوا أَخَذُوا الدِّيَةَ وَهِيَ ثَلاثُونَ حِقَّةً، وَثَلاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً ومَا صَالَحُوا عَلَيْه فَهُوَ لَهُم))[32].

 

(د) عن عَمْرو بْنِ حَزْمٍ[33] أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عَلَيْه وسَلَّم كَتَبَ إلَى أَهْلِ اليَمَنِ بِكِتَابٍ فِيه الفَرَائضُ والسُّنَنُ والدِّيَاتُ، وكانَ في الكِتَابِ: ((أَنَّ مَنِ اعْتَبَطَ مُؤْمِنًا قَتْلاً عَنْ بَيِّنَةٍ فَإِنَّهُ قَوَدٌ إِلَّا أَنْ يَرْضَى أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِئَةً مِنَ الْإِبِل))[34].


3- الإجْماع:

انعقَد الإجْماع على مشروعيَّة الدِّيَة في الجُمْلة، وقد حكى الإجماعَ غيرُ واحد.

 

قال ابن المنذر: "وأجمع أهل العلْم على أنَّ على أهل الإبل مِئةً من الإبِل"[35].

 

قال ابْن حَزْم: "واتَّفقوا على أنَّ الدِّيَة على أهل البادية مئةٌ من الإبل في نفس الحرِّ المسلم المقتول خطأ، لا أكثر ولا أقلَّ"[36].

 

وقال الموفَّق بنُ قُدامَة: "وأجْمع أهل العلم على وجُوب الدِّيَة في الجملة"[37].


4- المَعقُول:

فإنَّ التَّعدِّي على الغَير قد يكون له أثرٌ بتفويت النَّفس أو ما دونها، وقد تتعذَّر مُقابَلة الجِناية بعقاب مُماثل لها، أو يَرْغب من له الحقُّ في مال يَجْبُر ما أصابه، فشُرِعت الدِّيَة لجبْر الإصابة وتخفيف الضَّرر، ولو قلنا بعدم مشروعيَّة الدِّيَة لكَثُر القِصَاص من ناحية، وسَقَط حقُّ المجْنيِّ عليه عند تعذُّر القِصَاص، وفي هذا إضرارٌ بالغٌ بالمجْنيِّ عليه أو وليِّه، والشرع قد جاء برفع الضَّرر ومنْعه.

 

وفي تشريع الدِّيَة جانبٌ آخرٌ مَعقُولٌ، وهو زجْر المُعتدين، وقمْع عُدوانهم، وصيانة الإنسانِ وأعضائه ومنافعه، وحفْظها من التَّلف، وتعْظيم ذلك، وبيان ما فيه من خَطر ومسؤوليَّة كبيرة لا يسْلَم منها الجاني.


المبحث الثّاني: مَحَلُّ العقل ومسْكنه

العقل قائمٌ بالنَّفس البشريَّة التي تعقل، متعلِّق بها، ومتعلِّقٌ بالبدن[38]. واختلف أهل العلم في مَحَلِّ العقل من البَدَن على أقوال:


القول الأوَّل: مَحَلُّه القلب، وهو المشهور من مذهب مالك[39]، وبه قال أصحاب الشَّافعيَّة[40]، وأكثر أصحاب الحنابِلة[41]، وهي أشهر الرِّوايتين عن أحمدَ، وهو قول جماعة من الفلاسفة[42]، وبه قال القاضي أبو زيد وشَمْس الأئمَّة السَّرَخْسِيِّ[43].

 

وحُكي عن الأطبَّاء حتَّى قيل: العقل القلب، والقلب العقل[44].


القول الثَّاني: مَحَلُّه الدِّماغ أو الرَّأس، وبه قال قومٌ من أصحاب أبي حنيفة[45] وهو مرويٌّ عن أبي حنيفة، وقال القرطبيُّ: وما أراها عنه صحيحةً[46].

 

وبه قال ابنُ الماجِشُونِ[47]، وهو روايةٌ عن أحمد[48]، وهو قول أكثر الفلاسفة[49] وقال به جماعةٌ من الأطبَّاء[50]، وبه قال أبو المعين النَّسَفِيُّ[51].


القول الثَّالث: لا مَحَلَّ له[52] قال الشَّيخ محمَّد الأمين الشِّنقيطيُّ -رحمه الله- في بيان فساد هذا القول: "من زَعَم أنَّ العقل لا مركز له أصلاً في الإنسان لأنَّه زمانيٌّ فقط لا مكانيٌّ، فهو في غاية السُّقوط والبُطلان كما ترى"[53].


القول الرَّابع: إنَّه إن قيل هو جوهرٌ وإلا في القلب[54]: أي إن قلنا جوهرٌ فهو في الرأس، وإن قلنا ليس بجوهر فمَحَلُّه في القلب. وهذا القول غير منسوب لأحَد.

 

ولم أقف على أدلَّة للقول الثَّالث ولا القول الرَّابع، والمشهور من الأقوال الأوَّل والثَّاني، فيكون الاستدلال لهما بخصوصهما.


الأدلَّة والمناقشات:

أوَّلاً: حُجَّة من يرى أنَّ العقل مَحَلُّه الدِّماغ:

الدَّليل الأوَّل:

أنَّ العقلاء يُضِيفُون العقل إلى الرأس، ويظهر هذا جليًّا في أقوالهم، حيث يُعَبِّرون عن العاقل بأنَّه ثقيل الرأس، أو في دماغه عقلٌ، ويعبّرون عن خلافه بأنَّه فارغ الدِّماغ، وليس في رأسه عقلٌ؛ فهذا يدلُّ على أن مَحَلَّه الرأس[55].

 

ونُوقش: أنَّ العقل يَفِيض إلى الرَّأس، كما يَفِيض إلى سائر الحواسِّ، فصحَّ أن يُقال: هذا ثقيل الرَّأس، وهذا في دماغه عقلٌ. وصحَّ أن يقال: هذا فارغ الرأس، وهذا ليس في دماغه عقلٌ لحُصُول الجفاف لمَّا لم يَفِضِ العقل إلى الرَّأس[56].

 

ويُجاب عن هذا بأنَّ التَّسليم بإفاضة العقل إلى الرأس دليلٌ على تعلُّق العقل بالدِّماغ، ويعني أنَّ العقل ليس في الدِّماغ، فعلم أنَّه في القلب وأنَّه ينتهي إلى الرأس بالإفَاضَة.


الدَّليل الثَّاني:

أنَّ الإنسان لا يزول عقله لو ضُرِب على غَير رأسه، أمَّا إذا اختَلَّ رأسه أو ضُرب عليه فَسد عقله، وبَطِلت العلوم والأنظار والفكر وأحوال النَّفس، وإن كان قلبه سليمًا، وأنَّ القلب قد يَمرض ويَبقى العقل سليمًا، ولو كان مَحَلّه القلب لتأثَّر العقل بمرض القلب[57].

 

ونوقش: الاحتجاج بأنَّ العقل يزول بالضَّرب على الرَّأس دون غيره بعدم التَّسليم، فإنَّ الوسائل التي يزول بها عقل الإنسان كثيرةٌ، فكما أنَّه يزول بضرب الرَّأس يزول كذلك بالتَّرويع، ويزول بقطع عضو من أعضاء الجسم، ولم يقل أحدٌ: إنَّ العقل في ذلك العضو المقطوع[58].

 

ونوقش: أيضًا بأنَّ ضرب الرَّأس لا يمنع زوال العقل، وهو في القلب بفساد الدِّماغ؛ لما بينهما من الارتباط[59].

 

كما نُوقش: بأنَّ استقامة الدِّماغ شرْطٌ في حصول أحوال العقل والقلب على وجه الاستقامة، والشَّيء قد يفسد لفساد محلِّه، وقد يفسد لفساد شرطه، ومع الاحتمال فلا جزم، ويُصار إلى النُّصوص[60].

 

كما أنَّ وجود الصِّلة بين القلب والدِّماغ، وما للدِّماغ من أثر على التَّصوُّر والوعي لا يعني لُزوم أن يكون مَحَلُّ العقل والتَّصرُّف في البدن والتَّحكُّم فيه هو المخَّ.

 

أمَّا ما يتعلَّق بمرض القلب مع بقاء العقل سليمًا؛ فلأنَّ العقل قوَّةٌ معنويَّةٌ، وليس قوَّةً حسِّيَّةً؛ ولذا لا يؤثِّر فيه المرضُ الحسِّيُّ الذي حلَّ بمحلِّه وهو القلب[61].


الدَّليل الثَّالث:

دلَّ العلْم الحديث على أنَّ المخَّ هو الذي يتحكَّم في تصرُّف الإنسان، وهذا يعني أنَّ العقل يَسْكن في الدِّماغ الذي في الرأس.


ونوقش: من وجْهين:

الوجه الأوَّل: أنَّ العقل قوَّةٌ معنويَّة لا يمكن أن يُدْرك بواسطة الحسِّ، فمن الجائز أنَّ الله تعالى قد أَوْدع العقل في أيِّ جزء أو عضو من البدن، ونحن لا نشعر إلا عن طريق الوحي بذلك، والوحي قد دلَّ على أنَّ محلَّ العقل القلب، فتعيَّن اعتبار ذلك لدلالة الشَّرع.


والوجه الآخر: أنَّ العلم الحديث علمٌ مَخْلوقٌ مَبنيٌّ على نظر واستنتاج يَعْرض له الخطأ كما يَعْرض له الصَّواب، وعلم الوحي هو علم خالق يعلم ما خلق، ولا مقارنة بين علم الخالق وعلم المخلوق، وقد قال-الله تعالى-: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾[62].

 

فاللَّطافة هي العلم بدقائق الأمور، والخِبْرة هي العلم ببواطن الأمور، والدَّقيق الخَفِي، والباطن المستور كلُّه ممَّا يَخفَى على المخلوق، كما هو الشَّأن في الرُّوح حيث يقول سبحانه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾[63].


ثانيًا: حُجَّة من يرى أنَّ العقل مَحَلُّه القلب

الدّليل الأوّل:

قوله تعالى: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾[64].

 

فالفِقْه هو الفَهْم والعلم والمعرفة، وهذه الأشياء هي العقل، وذلك يكون بالقلب[65]. أي: إنَّه على الرَّغم من وجود مَحَلِّ العقل وهو القلب إلَّا أنَّهم لا يَفْقهون.


الدّليل الثّاني:

قوله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾[66].

 

فأضافَ الله سبحانه العقل إلى القلب؛ لأنَّه محلُّه، كما أنَّ السَّمع محلُّه الأُذُن[67].

 

قال ابن القيِّم رحمه الله في الاستدلال بالآية: "ولم يُرِد بالقلب هنا مُضْغَة اللَّحم المُشترَكَة بين الحيوانات؛ بل المراد ما فيه من العقل واللُّبِّ"[68].

 

وقوله سبحانه: ﴿ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46] يدلُّ على أنَّ القلب الذي في الصَّدر هو الذي يبصر المعاني ويميِّز بينها ويعقلها، فهو محلُّ العقل[69]. وليس معنى عمى القلب عمى المضغة، وإنِّما الذي يعمى هو ما فيه من العقل.


الدَّليل الثَّالث:

قوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾[70].

 

فعبَّر الله عزَّ وجلَّ بالقلب عن العقل من باب ذِكْر المَحَلِّ وإرادة الحال[71].


الدَّليل الرَّابع:

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ  قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((....أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) متفَّق عليه[72].

 

فجعل مدار تصرُّف الجسد كلِّه على القلب. وكم من آية وحديث يدلُّ على مُجَازاة العبد على ما في قلبه[73].

 

قال الحافظ بن حَجَر: "ويُستدلُّ به على أنَّ العقل في القلب"[74].


القول الرَّاجح:

بعد النَّظر في الأقوال السَّابقة واستبعاد القولين الأخيرين، وتأمُّل الأدلَّة التي استدلَّ بها القائلون بأنَّ العقل في الدِّماغ، وما ورد عليها من نقاش، ووضوح قوَّة الاستدلال للقول بأنَّ العقل في القلب ووجاهتها، يظهر أنَّ القول بأنَّ مَحَلَّ العقل القلب هو أرجح القولين، وذلك لوُضوح دَلالة الكتاب والسُّنَّة على ذلك وسلامتها من المُعَارِض،، والله أعلم.

 

وإذا تقرَّر أنَّ العقل يسْكن في القلب لدَلالة النَّصِّ الشَّرعيِّ. فإنَّ العَلاقة بين العقل والدِّماغ مَوْجودةٌ ثابتةٌ عند أهل العلم، كما أنَّ الرُّوح التي هي النَّفس متعلِّقةً بالقلب والدِّماغ، ولكن اختُلف في تفسير ذلك على قولين:

القول الأوَّل: أنَّ أصل العقل ومنشأه ومادَّته في القلب وانتهاءه يكون في الدِّماغ، فكأنَّ فروعه وثمرته في الدِّماغ[75].


الآخر: أنَّ أصل العلم والعمل الاختياريِّ الإرداةُ، وأصل الإرادة في القلب، ولا تكون الإرادة إلَّا بعد تصوُّر المراد، وهذا يكون في الدِّماغ، فمنه المبتدأُ، ثمَّ لابدَّ أن يكون القلب مُتصوِّرًا، وإذا تصوَّر وأراد صعد ذلك إلى الدِّماغ؛ فكان منه المبتدأُ وإليه الانتهاءُ[76].

 

قال فضيلة الشَّيخ محمَّد بن صالح بن عُثَيْمِينَ - حفظه الله -: "والذي ترجَّح عندي الآن أنَّ التَّصوُّر والإدراك للمعاني محلُّه الدِّماغ، ثم يبعث بذلك إلى القلب، والقلب يأمر ويدبِّر فيبعث بأوامره إلى الدِّماغ، والدِّماغُ يحرِّك الأعضاء"[77].


ثمرة الخلاف في محلِّ العقل:

للخلاف السابق ثَمرةٌ في تَدَاخُل الدِّيَات أو عدمه؛ إذا زال العقل بعدوان على طَرَف الإنسان أو بسبب جرحه الذي يُوجِب غرمًا، كأنْ يَجْرحه أو يقطع عُضوًا من أعضائه فيزولَ عقله.

 

وستظهر هذه الثَّمرة عند الحديث عن دِيَة ذَهاب العقل بجنايةٍ تنوَّع أثرُها.

 

وقد ذُكِر أيضًا أنَّ القِصاص لا يجري في العقل للاختلاف في محلِّه[78]، فكأنَّ المانع من القِصاص في العقل وجود الخلاف، وأنَّه لو لم يكن الخلاف مَوْجودًا، وكان المتقرِّر من القولين أحَدَهُما لساغ القِصاص، وهذا محلُّ نَظَر، وليس ثَمرةً للخلاف فيما يَظْهر، لأنَّ عدم القِصَاص فيه إنَّما هو لتعذُّره، سواءٌ قلنا إنَّ محلَّه القلب، أو قلنا إنَّ محلَّه الدِّماغ، فليس لهذا الخلاف أثرٌ في جريان القصاص فيه من عدمه،، والله أعلم.


المبحث الثّالث: دِيَة ذَهَاب العقل.

وفيه مطلبان:

المطلب الأوَّل: دِيَة ذَهَاب العقل عند عدم رجاء عَوْد العقل

وفيه فرعان:

الفرع الأوَّل: دِيَة ذَهَاب العقل بجنايةٍ لم يتنوَّع أثرها:

وفيه مسألتان:

المسألة الأولى: في وجوب الدِّيَة:

إذا جنَى شخصٌ على آخر فزال عقل المجنيِّ عليه، وأُمِن من عَوْد العقل، ولم يتنوَّع أثر الجناية؛ بأن جنى عليه جنايةً يزول بها عقله ولا تُوجب غُرمًا؛ كالتَّخويف واللَّطمة واللَّكمة، وما لا يؤثِّر من الخشب ونحوه في الجسد غير الألم. فللعلماء في وجوب الدِّيَة قولان:


القول الأوَّل: تَجِب فيه الدِّيَةُ، وهي الدِّيَة الكاملة للنَّفس.

 

وبهذا قالت الحنفيَّة[79] والمالكيَّة[80] والشَّافعيَّة[81] والحنابلة[82].

وحُكِي الإجماعُ على هذا. قال ابن المنذر: "وأجْمعوا أنَّ في العقل ديةً"[83].

وقال الوزير ابن هُبَيْرَة: "وأجْمعوا على أنَّ في ذَهَاب العقل الدِّيَة"[84].

 

وقال الموفَّق بن قُدَامة: "مسألةٌ، قال: وفي ذَهَاب العقل الدِّيَة" لا نعلم في هذا خلافًا، وقد رُوي ذلك عن عمر وزيد - رضي الله عنهما - وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء"[85].


القول الثَّاني: لا ديةَ في ذَهَاب العقل بالجناية عليه لا عمْدًا، ولا خطأً، غير أنَّه إذا كانت الجِناية عمْدًا، فإنَّما هي ضربةٌ كضربة ولا مزيد، فإن لم يذهب عقل المقتصِّ منه فلا شيء عليه. وبهذا قال ابن حَزْمٍ - رحمه الله-[86].


الأدلَّة والمُناقَشات:

أولاً: حُجَّة ابن حَزْمٍ:

أنَّ الواجِب في الجناية إذا كانت عمْدًا القِصاص من الجاني، فيُعتَدى عليه بمثل ما اعتدى به على المجنيِّ عليه، فالمجنيُّ عليه له أن يُرَدَّ له بالقِصَاص من الجاني بمثل ما اعتدى به الجاني عليه[87].

 

أمَّا إذا كانت الجناية خطأً، فالخطأ مَعْفوٌّ عنه، لا جناح على الإنسان فيه، فلا يُوجَب على أحد غُرمٌ في جناية خطأ، إلَّا أن يُوجِب ذلك نصٌ صحيحٌ أو إجماعٌ متيقَّنٌ، وإلا فهو مَعْفوٌ عنه[88].

 

ويُناقَش قوله "بالقِصَاص" في العمْد بأنَّ مُماثَلَة العُقوبة للجناية في هذا غير واردة؛ لاختلاف النَّاس في القدرة على التَّحمُّل؛ فقد يتحمَّل الإنسان ضربةً ولا يضرُّه بسببها شَيءٌ، وقد يُزيل قدْر هذه الضَّربة عقل الآخر، وقد يقتل غيره فيكون في الاستيفاء حَيْفٌ.. فلمَّا تعذَّر استيفاء القَوَدِ تعيَّن البدل وهو الدِّيَة.

 

ولأمر آخر وهو اختلاف الناس في مَحَلِّ العقل[89]، والقول بالقَوَدِ إنما يعني المُماثلة في إيقاع أثر الجناية على الجاني كما كان لجنايته أثرٌ بزوال العقل عن المجنيِّ عليه، وليس هناك من طريق مَعلُومة مؤكَّدة بيقين يمكن أن تُفْضي بأثر مماثل لأثر جنايته.

 

ويُناقَش قوله "بالعَفْو" عن الخطأ بأنَّ المقصود من العفو في حال الخطأ هو رفع الإثْم، لا رفع الواجب من الدِّيَة، ولهذا جاء تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ﴾[90]؛ أي: ما تَعمَّدت قلوبُكم فعليكم الجُناحُ، وما أخطأتم فيه فليس عليكم به جناحٌ، وكان الله غفورًا للعمْد ورحيمًا برفْع إثمِ الخطأ[91]. ويؤيِّد ذلك ما رواه ابن عبَّاس رضي الله عنهما قال: أنزل الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾[92]. (قال: قد فعلت)؛ أخرجه مسلمٌ[93].

 

قال الحافظ ابن رجب: "والأظهر والله أعلم أنّ النَّاسي والمخطئ إنَّما عُفي عنهما بمعنى رفع الإثم عنهما، لأنَّ الإثم مُرتَّبٌ على المقاصد والنِّيَّات، والنَّاسي والمُخطئ لا قصد لهما فلا إثم عليهما. أمَّا رفع الأحكام عنهما فليس مرادًا من هذه النُّصوص فيحتاج في ثبوتها ونفيها إلى دليل آخر)[94].


ثانيًا: حُجَّة القول بوجوب الدِّيَة

الدليل الأوَّل:

رَوَى البَيْهَقِيُّ حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ مَرْفُوعًا: (وفي العَقْلِ الدِّيَةُ مائةً مِنَ الإبِلِ)[95]. فالحديثُ صريحُ الدَّلالةِ في إيجَاب الدِّيَة الكاملةِ عند إزالَة العَقْلِ.

 

ونُوقِشَ: بأنَّ الحديثَ في سَنَده عبدُالرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أنْعُم[96]، ولا يُحْتَجُّ بروايتِه. قال عنه الحافِظُ بْنُ حَجَرٍ وغَيْرُه: ضعيفٌ في حفْظِه[97].


الدَّليل الثَّاني:

أنَّ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه قَضَى في رَجُلٍ رَمَى رجُلاً بِحَجَرٍ في رَأْسِه فذَهَبَ سمْعُه ولسَانُه وعَقْلُه وذَكَرُه فلمْ يَقْرَبِ النِّسَاءَ، فقَضَى فيه عُمَرُ بأربَعِ دِيَاتٍ[98].

 

فجناية هذا الرجل أتْلَفَت أربع منافع، والقضاء فيها كان بأربع دِيَات على الجاني، فدلَّ هذا على أنَّ لكلِّ منفعةٍ ديةً كاملةً، والعقل أحد هذه المنافع، فكانت الجناية على العقل المفضية إلى زواله موجبةً للدِّية الكاملة.

 

ونُوقش: بأنَّ الخبر في هذا عن عمر لا يصحُّ؛ لأنَّ أبا المهلَّب عبدالرَّحمن بن عمرو[99] لم يدرك عمر بن الخطَّاب فزاد الأمر وهنًا على وَهْن[100].

 

ويُجاب بعدم التَّسليم بهذه المناقشة؛ فقد ذكَر الحافظ بن حجر: أنَّ أبا المهلَّب قد روى عن عمر رضي الله عنه وأنَّه ثِقةٌ فيما يرويه[101].


الدليل الثَّالث:

عنْ زيدِ بْنِ ثابِتٍ رَضِيَ الله عنه قال: في الرَّجُلِ يُضْرَب حتَّى يَذْهَبَ عقلُه الدِّيَةُ كاملةً[102].

 

فأَوْضح زيد بن ثابت رضي الله عنه أنَّه مَتَى اعتدي على شخص، وزَال عقْله فعلى الجاني الدِّيَة كاملةً.

 

وناقشه ابنُ حَزْم بأنَّ المالكيَّة يُخالفون زيد بن ثابت في غير وجوب الدِّيَة كاملةً عند إتلاف العقل، وأنَّه لا مسوِّغ يجعل بعض كلام زيد حُجَّةً وبعضه ليس بحُجَّة[103].

 

ويُجاب بأنَّ ما أورده ابنُ حَزْم من نقاشٍ؛ فإنَّما هو في موضوع آخر، فلا تستقيم هذه المناقشة على الأثر ذاته، أمَّا إذا استقرَّ هذا الأثر من جهة سنده، وتوجَّه الاستدلال وسَلِم من النِقاش فإنَّه حُجَّةٌ يُعوَّل عليها.


الدليل الرَّابع:

أنَّ العقل هو أكبر المعاني قدْرًا، وأعظم الحواسِّ نفعًا، فبه يَعرِف الإنسان حقائق المعلومات، ويتعلَّق التكليف به، وهو شَرط في ثُبوت الوِلايات، وصحَّة التَّصرُّفات وأداء العبادات، وبه يتميَّز الإنسان عن البَهِيمة؛ فإنَّ أفعال المجانين تخرج مخرج أفعال البهائم، وتفويت العقل تفويتٌ لمنفعة الإدراك؛ لأنَّه ينتفع بنفسه في معاشه ودنياه وآخرته فكان زواله؛ كتفويت الحياة، وصار العقل أحقَّ بإيجاب الدِّيَة من بقيِّة الحواسِّ، وأَوْلى منها بكمال الدِّيَة[104].


القَول الرَّاجح:

بعد استِعراض أقوال العلماء وأدلَّتهم وما ورد من مُناقشات يظهر أنَّ القَول بوجوب الدِّية كاملةً عند إتلاف العقل أرْجَحُ لقوَّة أدلَّة هذا القول، حيث أُجيب على المناقشات الواردة على بعض ما وجَّه به القائلون بهذا القول، ولسلامة التَّوجيه الأخير ووضوحه. ولوُرود المناقشة على ما ذهب إليه ابن حَزْم.


المسألة الثانية: التَّعزير على اللَّطمة ونحوها التي ذهب بها العقل:

إذا تقرَّر وجوب الدِّيَة في العقل إذا زال من الضَّرب والتَّرويع واللَّكم ونحو ذلك، ففي تَعْزير الجاني على اللَّطم ونحوه مع دفع دية العقل قولان، هما وجهان عند الشَّافعيِّة[105]:


القول الأوَّل: لا تعزير في هذه الحالة؛ لأنَّ الجاني مَسؤولٌ عن غُرْم الدِّيَة وتسليمها، وهذا أغلظ وأشدُّ من التَّعزير.


القول الثاني: يعزَّر الجاني على الألم؛ لأنَّ تغريم الدِّيَة في غير مَحَلِّ الألم، ومَحَلِّ الألم ليس فيه غُرْمٌ، وإذا كان الأمر كذلك وجب ألا يخلو من تعزير يقابل هذا الألم لعدم الغُرْم الذي يقابله.

 

وبهذا يقول مالكٌ رحمه الله "في العمْد الذي يتعذَّر فيه القصَاص حيث تَجِب الدِّيَة والأدَب"[106].

 

وهذه المسألة لا نصَّ فيها فدارتْ على الاستظهار، والذي يبدو أنَّ القول بالتعزير أَوْلى، تخريجًا على ما يأتي ترجيحه في الفرع الآتي، وهو وجوب الأرْشِ مع دِيَة ذَهَاب العقل بالجناية التي تَنَوَّع أثرها.


الفرع الثّاني: دِيَة ذَهَاب العقل بجناية تَنَوَّع أثرها.

إذا جنى شخص على آخر؛ فزال عقل المجنيِّ عليه، وأُمِن من عَوْد العقل، وتنوَّع أثر الجناية، بأن جَنَى عليه جناية يزول بها عقله وتُوجِب غُرْمًا؛ كأنْ يَجْرحه، أو يقطع عُضوًا من أعضائه ويذهب عقل المجنيِّ عليه، فخلافٌ بين أهل العلم في تداخل الدِّيَات:


القول الأوَّل: أنَّ دِيَة العقل لا تسْقط بما عداها، ولا يسقط بها ما عداها، سواءٌ أكان ما وجب بالجناية أقلَّ من دِيَة العقل أو أكثر؛ كالأُذُنين والأنف، فتَجِب دِيَة العقل للعقل، ويجب غُرْم الجرح أو العضو.

 

وإلى هذا ذهب المالكيَّة في القول المشهور[107]، والشافعيُّ في قوله الجديد[108]، والحنابلة[109]، وبه قال الحسن بن زياد وزُفَر من فُقهاء الحنفيَّة[110].


القول الثاني: يَدْخُل الأقلُّ في الأكثر، فإن كان ما وجب بالجُرح أو القطع أقلَّ من دِيَة العقل فلا يجب على الجاني أكثر من دية العقل. وإن كان أكثر من دية العقل دخلت دية العقل في دِيَة الجرح أو القطع؛ كما لو قَطَع أذنيه، وجَدَع أنفه فزال عقله، فيؤخذ بدِيَة الأذنين والأنف وتدخل دِيَة العقل فيهما، ليكون الأقلُّ داخلاً في الأكثر.

 

وهذا قوْل أكثر الحنفيَّة[111]، والمالكيَّة في غير المشهور[112]، وقول الشَّافعيِّ في القديم[113].


الأدلَّة والمناقشات:

أولاً: حُجَّة القائلين بالتداخل:

الدليل الأوَّل:

أنّ الجاني لم يوجدْ منه إلا جنايةٌ واحدةٌ، والواجب في العقل دِيَة النَّفس من حيث المعنى؛ لأنَّ جميع منافع النفس تتعلَّق بالعقل، وإذا ذهب العقل اختلَّت منافع النَّفس، فكان تفويته مُسْقِطًا للتَّكاليف مُشبِهًا للموت، فتتداخل الدِّيَات، كما تتداخل في دِيَة النَّفس[114].

 

ونوقش: بأنَّ منافع الأعضاء لا تبطُل بذَهَاب العقل؛ فإنَّ المجنون تُضْمَن منافعه وأعضاؤه بعد ذَهَاب عقله بما تضمن به منافع الصحيح وأعضاؤه، ولو ذهبت منافعه وأعضاؤه لم تُضْمَن، كما لا تُضْمَن منافع الميِّت وأعضاؤه، وإذا جاز أن تضمن بالجناية عليها بعد الجناية عليه، جاز ضمانها مع الجناية عليه، كما لو جنى عليه فأَذَهَب سمعه وبصره بجراحه في غير مَحَلِّهما[115].


الدليل الثاني:

أنّه لو ضربه فأَوْضَحه[116] وذهب عقله لكان العقل زائلاً عن مَحَلِّه وهو مَحَلُّ الجناية التي هي المُوضِحَة؛ لأنَّ العقل في الرأس، فلا تتعدَّد الدِّيَة كما لا تتعدَّد الدِّيَة فيما لو قطع أذنيه وذهب سمعه، لأنَّ المنفعة التي تذهب مع مَحَلِّها ليس فيها إلا دِيَةٌ واحدةٌ[117]:

ويُنَاقَشُ بأنَّ هذا الدليل قائمٌ على اعتبار أنَّ العقل في الرأس، وليس هذا صحيحًا كما تقدَّم في بيان مَحَلِّ العقل ومسكنه.


ثانيًا: حُجَّة القائلين بعدم التَدَاخُل

الدليل الأوَّل:

أنَّ عُمَرَ رَضِيَ الله عنْه قَضَى في رَجُلٍ رَمَى رَجُلاً بِحَجَرٍ في رَأْسِه فذَهَبَ سمْعُه ولسَانُه وعقْلُه وذَكَرُه فلمْ يَقْرَبِ النِّسَاءَ، فقَضَى فيه بأرْبَعِ ديَاتٍ[118].

 

فهذا القضاء بتعدُّد الدِّيَات لتنوُّع أثر الجناية -: دليلٌ واضحٌ على عدم تداخل الدِّيَات بما فيها دِيَة العقل التي كانت واحدةً من الدِّيَات الواجبة بسبب هذه الجناية.


الدليل الثاني:

أنَّ مَحَلَّ العقل القلبُ، والجناية التي زال بها العقل لم تكن على مَحَلِّه وهو القلب، فاختَلَف المَحَلُّ، وما اختَلَف مَحَلُّه لا يتداخل فيما دون النَّفس، كما لو قُطِع أنفه وقطع يده وجبت دية الأنف ودية اليد، أو أوضحه فذهب بصره أو سمعه[119].


الدليل الثّالث:

أنَّه لو جنى على أذنه أو أنفه فذهب سمعه أو شمُّه لم يدخل أَرْشهما في دية الأنف والأذن مع قربهما منهما فهاهنا أولى[120].


القول الرَّاجح:

يظهر من خلال النَّظر في أقوال العلماء في هذه المسألة، وما استدلَّ به كلُّ فريق، أنَّ أرجح القولين هو عدم تداخل الدِّيَات في هذه المسألة، وذلك لسلامة أدلَّة هذا القول من الاعتراض، وورود المناقشة على أدلَّة القول بالتَّداخل. والله أعلم.


المطلب الثاني: دِيَة ذَهَاب العقل عند رجاء عَوْد العقل:

قد يزول العقل بسبب الجناية عليه زَوالاً مُؤقَّتًا، وذلك حينما يقرِّر أهل الخِبْرة العدولُ أنَّ عَوْد العقل أمرٌ مُحْتمَل، ولا يخلو الأمر من:

أولاً: أن يقول أهل الخِبْرة: يُرجى عَوْد العقل، لكن لا نعرف له مدَّة، فتجب الدِّيَة؛ لأنَّ انتظار عَوْد العقل إلى غير غاية يُفْضي إلى إسقاط موجب الجناية، أو تأخير حقِّ المجنيِّ عليه إلى ما لا نهاية.


ثانيًا: أن يقوى الاحتمال بعَوْد العقل، ويضرب الخُبراء أمدًا لعوده، فيُنْتَظر إلى مُضِيِّ هذه المدَّة وانقضائها ثمَّ لا يخلو:

1- أن تمضي المدَّة ولا يزول العارض الحادث، أي لا يعود العقل، فهنا تجب الدِّيَة؛ لأنَّ زوال العقل لم يعد مُؤقَّتًا، وأصبح عوده مَيئوسًا.

 

وتجب الدِّيَة أيضًا فيما لو مات المجنيُّ عليه قبل الاستقامة، وقبل أن تمضي المدَّة المقرَّرة.


2- أن يعود العقل في المدَّة المذكورة، فلا يخلو:

(أ) أن تكون الدِّيَة قد دُفِعت لمسْتحقِّها، فهنا تُرَدُّ الدِّيَة إلى الجاني، لأنَّه قد تبيَّن أنَّ الدِّيَة لم تكن واجبة.

 

(ب) أن يعود العقل قبل أن يسلِّم الجاني الدِّيَة فلا يَجب عليه شيءٌ.

 

وقد بيَّن ذلك العلماء رحمهم الله تعالى واعتبروا لوجوب الدِّية في ذَهَاب العقل أن يُؤْمَنَ من عَوْده وإلَّا فلا تجب الدِّيَة، ومثل العقل السَّمع، والبصر، والشَّم، وشعر الرَّأس، والكلام، والذَّوق، واللَّمس، والمشي ونحو ذلك[121].


المبحث الرَّابع: دِيَة ذَهَاب بعض العقل:

وفيه مطلبان:

المطلب الأوَّل: نقصان العقل وزيادته:

لم يتَّفق العلماء على القول بتفاوت العقل وقابليَّته للزيادة والنُّقصان، ويمكن عرض الخلاف في قولين:

القول الأوَّل: ويقضي بأنَّ العقل يتفاوت ويزيد وينقص، فمن الناس من يكون عقله كثيرًا، ومنهم من يكون عقله قليلاً، وبه قال بعض الحنابلة[122]، وأبو حامد الغزَّاليُّ فيما عدا العقل بمعنى بعض العلوم الضَّروريَّة[123].


القول الثّاني: أنَّ العقل شيءٌ واحدٌ في جميع الناس لا يزيد ولا ينقص، وبه قالت الأشعريَّة، والمُعْتزِلَة[124]، وبعض الحنابلة[125].


الأدلة والمناقشات:

أولاً: حُجَّة القائلين بأنَّه شيء واحد لا يزيد ولا ينقص:

الدليل الأوَّل:

أنَّ العقل هو بعض العلوم المعلومة بالضَّرورة؛ كالعلم باستحالة اجتماع الضِّدَّين، والعلم باستحالة كون الجسم في مكانين، والعقلاء في هذا متساوون، وهذا يدلُّ أنَّ العقل واحد[126].

 

ونوقش: بأنَّ العقلاء في هذا الأمر متساوون، لكن من كان عقله كثيرًا فإنَّه يَتَدبَّر دقائق العلوم، ويتفكَّر في الأشياء بقوَّة عقله، وليس هذا لمن دونه، فإنَّه ليس كلُّ الأجسام تظهر، ولا كلُّ ضدٍّ يُعرف، فيحصل الاختلاف ويكون التّفاوت[127].


الدّليل الثّاني:

أنَّ العقل لو تفاوت لأدَّى ذلك إلى أنَّ بعض العقلاء لا يستقرُّ له أمرٌ، ولا يصلح له شأنٌ، لأنَّه لا يتفكَّر في غوامض الأمور.

 

ونُوقِشَ: بأنَّ من لا يتفكَّر في غوامض الأمور من العقلاء يستتبُّ أمره، ويستقرُّ حاله، لكن من عقله أكثر فشأنه أصلح، لأنَّه يتفكَّر فيما يؤول أمره إليه، وفيما يصلحه وما يفسده، فيكون أصلح شأنًا من عاقل قليل العقل[128].


ثانيًا: حُجَّة القائلين بزيادة العقل ونقصانه

الدَّليل الأوَّل:

عَنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ الله عنْه عَنِ النَّبِيِّ صلَّى الله علَيْه وسلَّم قالَ: ((ما رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الحَازِمِ مِنْ إحْدَاكُنَّ)) قُلْنَ: وما نُقْصَانُ دِينِنَا وعَقْلِنَا يا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ((أَلَيْسَ شَهَادَةُ المَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: ((فَذَلِكَ مِنَ نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ))؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: ((فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا)) أخْرجَه البُخاريُّ[129].

 

فبيَّن عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ مِن علامة نقص العقل عند المرأة، ما يكون لها من عدم ضبط الأمر حتّى احتاجت عند الشَّهادة إلى امرأة أخرى تذكِّرها كما في القرآن الكريم، وهذا يدلُّ على تفاوت الناس في العقل، والتفاوت يشعر بإمكانيَّة الزيادة والنَّقص.

 

قال الحافظ ابنُ حَجَر في مَعْرِض عدِّه فوائدَ الحديث: "وأنَّ العقل يقبل الزِّيادة والنُّقصان، وكذلك الإيمان كما تقدَّم"[130].


الدَّليل الثَّاني:

أنَّ كلَّ الناس يقولون "عقل فلان قليل"، "وعقل فلان أكثر من عقل فلان"، "وفلان غير عاقل"[131]. وهذا الكلام يدلُّ على التَّفاوت في العقل بزيادة ونقصان، وإلَّا لكان من لَغْو الكلام الذي لا فائدة منه.

 

ونُوقِشَ: بأنَّ المراد من هذا كلِّه الأكثر استعمالاً وتفكُّرًا وتدبُّرًا من الآخر، فيكون عقل فلان أرجح من عقل فلان من هذا الوجه، وليس المقصود أنَّه يزيد وينقص[132].

 

وأُجِيبَ بأنَّ كَثْرة التَّدبُّر والتَّفكُّر علامةٌ على كثرة العقل، فإنَّه لو كان ذلك العقل كغيره من العقول لما تفكَّر وتدبَّر أكثر[133].


القول الرَّاجح:

إذا تأمَّلنا ما ذكره العلماء، واستعرضنا الأدلَّة والمناقشات؛ فإنَّه يظهر أنَّ القول بزيادة العقل ونقصانه أرجح من القول بنفي ذلك، وذلك لعدم نهوض الاستدلال له لما ورد من المناقشة، ولقوَّة دليل القول بالزِّيادة والنقصان واستناده إلى نص صحيح، والجواب عن المناقشة التي وردت على الدَّليل الثاني.

 

قال شيخ الإسلام ابْنُ تَيْميَّة: "ولهذا كان الصَّواب عند جماهير أهل السُّنَّة - وهو ظاهر مذهب أحمد وأصحُّ الروايتين عنه، وقول أكثر أصحابه: أنَّ العلم والعقل ونحوهما يقبل الزِّيادة والنُّقصان"[134].


المطلب الثّاني: الواجب من الدِّيَة في حال النَّقص

إذا فات العقل كلُّه وجَبَت فيه الدِّيَة كاملةً، وإذا فات بعضه وأمكن ضبطه بمقدار، فيجب من الدِّيَة بنسبة ما فات، وهذه قاعدةٌ في فوات العقل وغيره من المنافع والمعاني[135]، وبناءً على هذا؛ فإنَّه إذا نقص العقل فلا يخلو:

أولاً: أن يكون النَّقص معلومًا فيجب من الدِّيَة بقدر النَّاقص؛ لأنَّ ما وجبت فيه الدِّية وجب بعضها في بعضه.

 

ويُعلَم النَّقص بالزَّمان أو بمقابلة الصَّواب من قوله وفعله بالخطأ.

 

فمثال العلم بالنَّقص عن طريق الزَّمان: أن يُجَنَّ يومًا ويُفِيق يومًا أو أكثر أو أقلَّ، فلو جُنَّ من الشَّهر يومًا فله جزءٌ من ثلاثين جزءًا من الدِّيَة. وهذه الطريقة أقرب إلى ضبط النَّقص من الطَّريقة التَّالية.

 

ومثال معرفة النَّقص بغير الزَّمان: أن يُنْظَر إلى صوابه في أقواله وأفعاله وإلى الخطأ فيهما، وتُعْرف النِّسبة بينهما، فيجب من الدِّيَة قِسْط الزَّائل بحسب هذه النسبة. وإن كان يُجَنُّ في يَوْمين ويَعْقِل في يوم لزم الجاني ثلثا الدِّيَة.

 

وهذه الطريقة مَحَلُّ نظر؛ لأنَّ الإنسان مهما كان عاقلاً فإنَّه يُخطئ، ومن ثَمَّ؛ فإنَّ في إيجاب قِسْط الزائِل بحسب هذه النسبة جَوْرًا على من وجبت عليه الدِّيَة وإضرارًا به. وفي المقابل فإنَّ الإنسان مهما كان مَجنونًا فإنَّه قد يصيب، واحتساب هذا الصواب جَوْر في المجنيِّ عليه. والوقوف على الخطأ الحقيقيِّ والصَّواب الحقيقيِّ منه غير ممكن. ولا يمكن أن نحمل الخطأ المتوقَّع حال الصواب على المتوقَّع حال الخطأ؛ لأنَّه يتفاوت ويختلف من شخص إلى آخر، ولا سبيل إلى العلم به.

 

وقد أشار الفقهاء إلى اعتبار قول أهل الخبرة العدول في ضرب أمد لعود العقل والانتظار تبعًا لذلك، ومن هنا فإنَّه يمكن أيضًا القول بالرجوع إلى أهل الاختصاص في الطِّبِّ واعتبار أقوالهم في حساب نسبة الزائل إذا أمكنهم حساب ذلك.


ثانيًا: أن يكون قدْر النَّقص مَجْهولاً. ومثاله: أن يصير مدهوشًا، أو يفزع ممَّا لا يُفْزَع منه، أو يَسْتَوْحش إذا انفرد، أو إذا سَمِع صيحةً زال عقله ثُمَّ يعود[136]. فتجب فيه حُكُومة، وهذا هو الذي ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفيَّة والشَّافعيَّة والحنابلة[137]؛ لأنَّه تعذَّر إيجاب جزء مقدَّر من الدِّية فُعِدل إلى الحكومة.

 

ويرى المالكيَّة فيما لو ذهب بعض العقل أنَّ على الجاني من الدِّيَة بحساب ما ذهب، ولم يفرِّقوا بين ما إذا عُلِم النَّقص أو لم يُعْلَم[138]، وهو قولٌ بعيدٌ فيما يظهر؛ لتعذُّرِ حساب ما نقص في هذه الحالة.


المبحث الخامس: إنكار الجاني زوال عقل المجنيِّ عليه:

إذا أنكر الجاني زوال عقل المجنيِّ عليه ونَسَبَه إلى التَّجانُن وافتعال الجنون؛ فإنَّ المجنيَّ عليه يُرَاقب في مواطن خَلَواته من حيث لا يشعُر؛ لأنَّه في الغالب لا يُعْرف ذَهَاب عقله من عوده إلَّا من ذلك، ولابدَّ من تَكرار الخَلَوات. والمراد أنَّه يُخْتَبر بما يغلب على الظَّنِّ عدم التَّحيُّل والتَّصنُّع فيه، ويُستغْفَل فيها ونطَّلع عليه بحيث لا يشعر بنا هل يفعل أفعال العقلاء أم غيرهم؟

 

ويَحْتمل أن نجلس معه فيها، ونُحادثه ونُسايره في الكلام، ونَنْظر خطابه وجوابه، فإن كانت أحواله مُستقيمةً مُنْضبطةً، صُدِّقَ الجاني، وعليه يمينٌ لأنَّه يحتمل أن تكون الأحوال المستقيمة صادرةً منه اتِّفاقًا وجَرْيًا على العادة فوافقت المراقِب.


أمَّا إذا كانت أحواله في أقواله وأفعاله غير مُنْضَبطة وجبت الدِّيَة، وليس على المجنيِّ عليه يمينٌ؛ لأنَّه غير مؤهَّل، ولأنَّ يمينه تُثْبت جنونه[139].


ويمكن أن يُستفاد من أقوال أهل الطِّبِّ والخبرة والاختصاص إذا أمكن الوقوف على حال المجنيِّ عليه من خلال الوسائل والمُكتَشَفات التي يَثْبُت بها صدقه أو كذبه إذا لم يطْرُقها الاحتمال.


والعِلْم عند الله، وصلَّى الله وسلَّم وبارَك على رسول الله محمَّد بن عبدالله خير خلق الله، وعلى من سار على هداه إلى يوم الدِّين.

 


[1] الجامع لأحكام القرآن للقُرْطُبيِّ: 10/ 294.

[2] رَوْضَة العقلاء ونزهَة الفُضَلاء لابْن حِبَّان: ص17. وأورَده الماورْدِيُّ في أدَبِ الدُّنيا والدِّين" ص17، 18، وعزَاه للشاعر إبْرِاهيم بن حسَّان، وترتيب الأبيات مختلِف ومعها غيرها. وصدْرُ البيتِ الثالث هكذا: يَعِيشُ الفَتَى بِالعَقْلِ فِي النَّاسِ إِنَّهُ.

[3] الموافقات: 2/ 8.

[4] لسان العرب: 15/ 383، مادة (وَدَى)، والمصباح المنير: 2/ 813 مادة (وَدَى)، والقاموس المحيط: 4/ 399 مادة (الدِّية).

[5] سمي بها لأنَّها تؤدَّى عادةً؛ لأنَّه قلَّما يجري فيه العفو لعظم حرمة الآدميِّ، ولم يسمَّ قيمة، لأن قيمة اسمها يقوم مقام النائب، وفي قيامه مقام الفائت قصورٌ لعدم المماثلة بينهما. وضمان المال سُمِّي قيمة ولا يُسمَّى دِيَة؛ لأنَّ معنى القيام فيه أكمل؛ لوجود المماثلة المطلقة. ينظر: البناية في شرح الهداية: 10/ 122.

[6] كفاية الطَّالب 2/ 272، وفي حاشية العدويِّ على الكفاية 2/ 272 (ويسمى ذلك المال دِيَة أي في اللغة والاصطلاح تسمية بالمصدر).

[7] مُغْني المحتاج 4/ 53.

[8] الإقْناع 4/ 199، والمبدِع 8/ 327.

[9] شرح مُنتهى الإرادات 2/ 142.

[10] الاخْتيار لتعليل المُخْتار 5/ 58.

[11] المغْني: 12/ 39.

[12] الاختيار لتعْليلِ المختار: 5/ 58.

[13] فتْح الباري: 12/ 246.

وقال الأزْهريُّ: والعقل في كلام العرب الدِّيَة، سمِّيت عقلاً لأنَّ الدِّيَة كانت عند العرب في الجاهلية إبلاً؛ لأنها كانت أموالهم، فسمِّيت الدِّية عقلاً لأنَّ القاتل كان يكلَّف أن يسوق الدّية إلى فِناء ورثة المقتول فيعقلها بالعقل ويسلّمها إلى أوليائه. ينظر: لسان العرب: 11/ 461 مادة (عقل).

[14] لسان العرب 11/ 458 وما بعدها مادة (عَقَل)، والقاموس المحيط 4/ 18 مادة (عَقَل).

[15] التَّمهيد في أصول الفقه: 1/ 43.

ولمزيد اطلاع يُنْظر: تيسير التَّحرير على كتاب التَّحرير: 2/ 245، وحاشية العدويِّ على الخِرَشيِّ: 8/ 36، وإحياء علوم الدِّين: 1/ 84. والمنخول من تعليقات الأصول: 44، وأدب الدُّنيا والدِّين: 18، 19، وصحيح مسلم بشرح النَّوويِّ: 2/ 68، ومغني المحتاج 1/ 32، المسَوَّدة لابن تيميَّة: 496، والمختصر في أصول الفقه لابن اللَّحَّام: 37، وشرح الكوكب المنير لابن النَّجَّار: 1/ 79، والمطلع على أبواب المقنع: 24، وحاشية الروض المربع لابن قاسم: 1/ 193.

[16] سورة البقرة من الآية 73.

[17] سورة الحج من الآية 46.

[18] سورة آل عمران من الآية 118.

[19] سُورة المُلْك من الآية 10.

[20] المستصفى للغزَّالي: 1/ 23، وإحياء علوم الدِّين: 1/ 85، والمسوَّدة: 499، ومجموع فتاوَى شيخ الإسلام ابن تيميَّة: 9/ 271.

وقال الغزَّاليُّ في المستصفى 1/ 23: (وقد يطلق على من جمع العمل إلى العلم حتى إن المفسد وإن كان في غاية من الكياسة يمنع من تسميته عاقلاً. فلا يقال للحجَّاج عاقلٌ. بل (داهية)، ولا يقال للكافر عاقل وإن كان مُحيطًا بجملة العلوم الطبية والهندسية، بل إما فاضل، وإما داهية وإما كيِّس).

ويقسم ابن القيِّم العقل إلى قسمين: عقل غريزة وهو أب العلم ومربِّيه ومثمره، وعقل مكتسب وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته. ينظر: مفتاح دار السَّعادة 1/ 117.

[21] سورة النساء من الآية 92.

[22] الحاوي الكبير 12/ 210.

[23] سورة البقرة من الآية 178.

[24] سورة البقرة من الآية 178.

[25] سورة البقرة من الآية 178.

[26] صحيح البُّخاري مع الفتح: 12/ 205، رقم: 6881.

[27] سنن النّسائي 8/ 37.

[28] صحيح البّخاري مع فتح الباري: 12/ 205، رقم: 6880، وصحيح مسلم: 2/ 988-989، رقم: 1355.

[29] هو خُوَيْلد بن عَمْرو الخُزَاعِيُّ ثمَّ الكَعْبِيُّ، مختلَفٌ في اسمه، أسلم قبل الفتح، وكان معه لواء خُزاعة يوم الفتح، مات بالمدينة سنة ثمان وستين، ينظر: الإصابة في تمييز الصحابة 4/ 102.

[30] أخْرَجه التِّرْمِذِي بلفْظِهِ في سُنَنه 2/ 430، رقم 1427، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو دَاود في سُنَنِه: 4/ 172، رقم: 4504، والإمام أحمدُ في المُسْنَد: 6/ 385، والبَيْهَقِيُّ في السُّنَن الكُبْرى 8/ 52. وقال الألْبَانِي: صحيح. ينظر: إرواء الغَلِيل 7/ 276.

[31] عمْرو بن شُعَيب: هو أبو إبراهيم أو أبو عبدالله عمرو بن شعيب بن محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص القُرَشِيُّ السَّهْمِي. سكن مَكَّة، وكان يخرج إلى الطائف، روى عن أبيه، وكان جُل رِوايته عنه، وروى عن عَطاء والزُّهْرِيِّ وسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وجماعة، وروى عنه جمْعٌ منهم الأَوْزَاعِيّ والحَكَم بن عُتَيْبَةَ وقَتَادَةُ ومَكْحُولٌ، مختلَف في الاحتجاج بروايته فضعَّفه ناس مطلقًا ووثَّقه الجمهور، مات سنة 118هـ. ينظر: تهذيب الأسماء واللغات: 2/ 28، وتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ: 8/ 48 وما بعدها.

[32] أخْرَجه التِّرْمِذِي بلفْظِه في سُنَنه 2/ 424، رقم 1406، وابنُ ماجَة في سُنَنه 2/ 877 رقم 2626، والبَيْهَقِيُّ في السُنَنِ الكُبْرى 8/ 53، والإمام أحمد في المُسْنَد 2/ 183.

قال التِّرْمِذِي: (حديث حَسن غريب). وقال الألبَاني: (هو كما قال وإنما لم يصحِّحه والله أعلم؛ للخلاف المعروف في عمرو بن شُعَيْب عن أبيه عن جَدِّه) ينظر: إرْواءُ الغَليلِ 7/ 259.

[33] هو أبو الضَّحَاك عَمْرُو بن حَزْم بن زيدٍ بن لوذان الأنْصَاريُّ، صحابي شهد الخَندق وما بعدها، واستعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على نَجْرَان، واشتُهِر بالكتاب الذي رواه في الفرائض والزكاة والدِّيَات، مات بعد الخمسين، وقيل قبل ذلك، ينظر: الإصَابة في تَمْييزِ الصَّحابَة 2/ 525.

[34] أخرجه الحَاكِم في المُسْتَدْرك 1/ 397، والبَيْهَقِي في السُنَن الكُبْرَى 4/ 89، وابن حَزْمٍ في المُحَلَّى 10/ 411، وأخرج الدَّارِمِي شِقَّه الأوَّل في سننه 2/ 109، برقم 3257، وشِقَّه الآخَرَ في سُنَنِه 2/ 113، 114 برقم 2170. وفي سند الحديث سُلَيْمَانُ بن داود، سمَّاه الحاكِم: سُلَيْمَانَ بنَ داود الدِّمَشْقِي الخَوْلانِي، وسمَّاه ابن حَزْم: سُلَيْمَانَ بنَ داود الجَزَرِيَّ. وقال ابن حَزْم في المُحَلَّى 10/ 412: "أما حديث ابن حَزْم فإنه صحيفة ولا خير في إسناده؛ لأنه لم يسنده إلا سُلَيْمَانُ بنُ داود الجَزَرِيُّ، وسُلَيْمَانُ بنُ قَرْم وهما لا شيء). وأخرجه الإمام مَالِك في المُوَطَّأ مُرْسلاً بلفظ "أن في النَّفْس مائةً مِنَ الإبل"؛ الموطأ 611 رقم 1545.

وفي نَصْبِ الرَّايَةِ 2/ 341، 343 ذكر الاختلاف في ثبوت الحديث من أقوال أهل العلم، ونقل الصَّنْعَانِي في كتابه سُبُل السَّلام 3/ 470-471 أقوالاً في تصحيحه وشهرته، وأخرى في تضعيفه.ثم قال: وإذا عرفْتَ كلام العلماء هذا عرفْتَ أنه معمول به، وأنه أولى من الرأي المحْض.

وفي إرواء الغليل 7/ 303 ذكر؛ "وفي النَّفْسِ مِائةً مِنَ الإبل" وقال: (صحيح. وهو مُرسَل صحيحُ الإسناد). وكان قد قال عند كلامه على جزء منه: (أما حديث عَمْرِو بنِ حَزْمٍ فهو ضعيف، فيه سُلَيْمَانُ بن أَرْقَمَ وهو ضعيف جدًّا. وقد أخطأ بعضُ الرواةِ فسمَّاه سليمان بن داود وهو الخَوْلَانِيُّ وهو ثِقة، وبناء عليه توهَّم بعض علماء صِحَّته وإنما هو ضعيف من أجل ابن أَرْقَمَ هذا) إلى أن قال: (الصواب فيه أنه من رواية أبي بكر بن محمد بن عمْرِو بن حَزْمٍ مُرْسَلاً فهو ضعيف لإرساله).

[35] الإقناع لابن المنذر 1/ 358.

[36] مراتب الإجماع 140.

[37] المغني 12/ 5.

[38] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 9/ 303.

[39] حاشية العدويّ على الخرشيّ: 8/ 36. وحاشية العدوي على شرح أبي الحسن: 2/ 276.

[40] مغني المحتاج: 1/ 33، وحاشية الشّرقاويّ والعدويّ: 2/ 319، صحيح مسلم بشرح النّووي: 2/ 68.

[41] التمهيد في أصول الفقه: 1/ 48، شرح الكوكب المنير: 1/ 83، والمطلع: 24.

[42] التمهيد في أصول الفقه 1/ 48.

[43] تيسير التحرير: 2/ 247.

والقاضي أبو زيد هو عبدالله بن عمر الدّبوسيّ من كبار علماء الحنفيّة وهو أول من وضع علم الخلاف، من مؤلفاته: تأسيس النظر، وتقويم الأدلة، وغيرهما، توفي ببخارى سنة 430هـ.

ينظر: الفتح المبين في طبقات الأصوليين 1/ 236.

وشمس الأئمة السَّرَخْسِيِّ هو محمد بن أحمد بن أبي سهل الفقيه الأصوليّ، له مؤلفات من أبرزها: المبسوط في الفقه، وله كتاب في الأصول يسمى أصول السَّرَخْسِيِّ. تُوفِّيَ سنة 482هـ وقيل غير ذلك.

ينظر: الفتح المبين 1/ 264.

[44] المختصر في أصول الفقه لابن اللَّحام ص38. وفي شرح الكوكب المنير 1/ 83.

[45] المسَوَّدة 500، والمطلع 24، ومغني المحتاج 1/ 33.

[46] الجامع لأحكام القرآن 12/ 77، وذكر العدويُّ والشَّرقاويُّ أن أبا حنيفة قال: مَحَلُّه الرأس. ينظر: العدويّ على الخرشيّ 8/ 36، وحاشية الشّرقاويّ: 2/ 368 وفي شرح الكوكب المنير 1/ 84 ذكر أن الحنفيّة قالت: محلّه الدّماغ.

[47] العدوي على الخرشي: 8/ 36.

وابن الماجشون هو: أبو مروان عبدالملك بن عبدالعزيز بن عبدالله بن أبي سلمة الماجشون المدنيّ، فقيهٌ فصيح اللسان دارت عليه الفتيا في أيامه بعد أبيه، تفقّه على الإمام مالك وعلى أبيه، ومن تلامذته سحنون وابن حبيب، توفي سنة 212هـ، ينظر: الدّيباج المذهب: 153.

[48] شرح الكوكب المنير 1/ 84، والتمهيد في أصول الفقه 1/ 48 والمسوّدة 500، والأمنيّة في إدراك النّيّة: 17.

[49] تيسير التّحرير: 2/ 247، وفي شرح العدويّ على الخرشيّ 8/ 36 قاله أكثر الفلاسفة.

[50] مغني المحتاج 1/ 23 التمهيد في أصول الفقه 1/ 48.

[51] تيسير التحرير 2/ 247.

وأبو المعين النّسفيّ هو عبدالعزيز بن عثمان المعروف بالقاضي النّسفيّ الحنفي من أهل الكوفة، كان عالمًا في النظر والفقه والأصول وأحد علماء الحنفية الذين يرجع إليهم في الفتاوى والوقائع، من تصانيفه: المنقذ من الزّلل من مسائل الجدل، وكفاية الفحول في علم الأصول، توفي سنة 563هـ.

ينظر: الفتح المبين 2/ 35.

[52] حاشية الشّرقاويّ 2/ 369.

[53] أضواء البيان 5/ 715.

[54] شرح الكوكب المنير 1/ 85.

[55] التمهيد في أصول الفقه 1/ 51.

[56] التمهيد في أصول الفقه 1/ 52.

[57] التمهيد في أصول الفقه 1/ 52 وتيسير التّحرير 2/ 247، والأمنية في إدراك النّيّة 17، وإزالة السّتار عن الجواب المختار لهداية المحتار 67.

[58] التمهيد في أصول الفقه 1/ 52.

[59] تيسير التحرير 2/ 247.

[60] الأمنية في إدراك النّيّة 17.

[61] إزالة السّتار عن الجواب المختار لهداية المحتار 67، 68.

[62] سورة الملك الآية 14.

[63] سورة الإسراء الآية 85.

وينظر: إزالة السّتار عن الجواب المختار لهداية المحتار 67.

[64] سورة الأعراف آية 179.

[65] التمهيد في أصول الفقه 1/ 49.

[66] سورة الحج آية 46.

[67] الجامع لأحكام القرآن للقرطبيّ 12/ 77.

[68] مفتاح دار السّعادة 1/ 195.

[69] إزالة السّتار عن الجواب المختار لهداية المحتار ص66.

[70] سورة ق آية 37.

[71] تيسير التّحرير 2/ 247، وشرح الكوكب المنير 1/ 83.

[72] صحِيح البُخَارِيِّ معَ الفتْح 1/ 126، رقم 52، وصحِيح مُسْلِمٍ 3/ 1220، رقم 1599.

[73] إزالة السّتار 66، وذكر من الآيات قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ ﴾ [العاديات: 9].

[74] فتح الباري 1/ 129.

[75] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/ 303، ومفتاح دار السّعادة 1/ 195، وتيسير التّحرير 2/ 247.

[76] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 9/ 304.

[77] إزالة السّتار عن الجواب المختار لهداية المحتار 71.

[78] حاشية الروض المربع لابن قاسم 7/ 262.

[79] المبسوط 26/ 69، وبدائع الصّنائع 7/ 311، والبناية 10/ 141، وحاشية ابن عابدين 6/ 575.

[80] شرح الخرشيّ 8/ 35، والشرح الكبير للدّردير 4/ 271، والتّاج والإكليل 6/ 260 وحاشية العدوي على شرح أبي الحسن 2/ 276.

[81] الحاوي الكبير 12/ 248، روضة الطّالبين 9/ 289، وفتح الوهَّاب 2/ 140، ومغني المحتاج 4/ 68.

[82] الكافي لابن قدامة 4/ 101، وكشّاف القناع 6/ 50.

[83] الإجماع 117.

[84] الإفصاح 2/ 209.

[85] المغني 12/ 151.

[86] المحلّى 10/ 435.

[87] المحلّى 10/ 435.

[88] ذكره ابن حزم في باب ديات الجراح والأعضاء فيما دون النفس في العمد والخطأ، مستندًا إلى قوله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5] وحديث ابن عباس مرفوعًا: (( إنَّ اللَّه تَجَاوزَ عَنْ أُمَّتي الخَطأ والنِّسيان وما اسْتُكْرهُوا عَلَيْه))؛ ينظر: المحلَّى 10/ 404.

[89] الحاوي الكبير 12/ 246، 247.

[90] سورة الأحزاب من الآية 5.

[91] الجامع لأحكام القرآن للقرطبيِّ 14/ 120، وتفسير القرآن العظيم لابْن كثير 3/ 467.

[92] سورة البقرة من الآية 286.

[93] صحيح مسلم 1/ 116 رقم 126.

[94] جامع العلوم والحكم 328، 329.

[95] السُّنَن الكُبْرَى 8/ 85، 86.

ويذكر في الاستدلال في كِتاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لعمْرِو بن حَزْم: "وفي العقْل الدِّيَةُ" وقال الأَلْبَانيُّ: ضعيف. وليس في نُسْخَةِ عمْرِو بن حَزْم - أي (وفي العقْلِ دِيَةٌ) - كما قال الحافظ في التَّلْخِيصِ؛ ينظر: إرْوَاءِ الغَلِيلِ 7/ 322.

وقد رَجَعْتُ إلى كتاب عمرو بن حزم في السُنَنُ الكبرى 4/ 89 والمسْتَدْرك 1/ 365-367 ولم أجد هذه القطعة فيه.

[96] هو أبو أَيُوبَ عبْدُالرحمن بن زِيَاد بن أنعم القاضي الأفريقيُّ، كان رجلاً صالحًا، مات سنة ست وخمسين ومائة وقيل غير ذلك. واختلف في عمره، ينظر: تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6/ 173 وما بعدها.

[97] تَقْرِيبُ التَّهْذِيب 1/ 480، وتَهْذِيب التَّهْذِيبِ 6/ 173، 176 وينظر: إرْوَاء الغَليلِ 7/ 322، 323.

[98] أخرجه ابنُ أبي شَيْبَة في المُصَنَّف 9/ 167، وكذلك 9/ 266 وعن ابن أبي شيبة أخرجه البَيْهَقِيُّ في السُّنَنُ الكُبْرَى 8/ 86، وأخرجه في موضع آخَرَ من طريق أُخْرى وفي آخره (وهو حيّ) والأثر حَسَّنَه الأَلْبَاني في إرواء الغليل 7/ 322.

[99] هو أبو المهلَّب عبدالرحمن بن عمرو، تابعيٌّ من أهل البصرة، مختلف في اسمه، ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 250.

[100] المحلّى 10/ 435.

[101] تهذيب التهذيب 12/ 250.

[102] أخرجه البيهقي من طريقَيْنِ في السنن الكبرى 8/ 86، وأخرجه ابن حَزْمٍ في المُحَلَّى 10/ 434، وأخرجه ابن أبي شَيْبَةَ عن حَجَّاجٍ عن مَكْحُولٍ عن زَيْد قال: في العقْلِ الدِّيَة. مُصَنَّف ابن أبي شَيْبَةَ: 9/ 265، وهي إحدى الطريقَيْنِ عند البَيْهَقِيِّ. ولهذا شواهِدُ عنِ الحَسَنِ ومُجَاهِدٍ: فقد روى ابن أبي شَيْبَةَ 9/ 266، عنِ الحَسَن في رجل أَفْزَعَ رَجُلاً فذهب عقْلُهُ، قال: لو أَدْرَكَهُ عُمَرُ لَضَمَّنَهُ، وأخرجه البَيْهَقِيُّ في السنن الكبرى 8/ 86. وروى ابن أبي شَيْبَة في مُصَنَّفه 9/ 266، وابن حَزْم في المُحَلَّى 10/ 434 عن مجاهد قال: في العقل الدية.

[103] المحلّى 10/ 424.

[104] المبسوط 36/ 69، وبدائع الصّنائع 7/ 312، والبناية 10/ 141 والاختيار 5/ 37، والحاوي الكبير 12/ 247، والمهذَّب 2/ 203 ومغني المحتاج 4/ 68، والمغني 12/ 152، والكافي لابن قدامة 4/ 101 وكشّاف القناع 6/ 50.

[105] الحاوي الكبير 12/ 248، ومغني المحتاج 4/ 68.

[106] المدوّنة 4/ 435.

[107] حاشية الدُّسوقي 4/ 272، والشَّرح الكبير للدَّردير 4/ 279، وشرح الخِرَشيِّ 8/ 36-43.

[108] الحاوي الكبير 12/ 248.

[109] المغني 12/ 152، والكافي 4/ 102، وكشّاف القناع 6/ 50.

[110] بدائع الصّنائع 7/ 317، وينظر: التّشريع الجنائيّ الإسلاميّ لعبد القادر عودة 2/ 276.

[111] بدائع الصّنائع 7/ 311، 317.

[112] حاشية الدّسوقيّ 4/ 272، وشرح الخرشي 8/ 36.

[113] الحاوي الكبير 12/ 248، ومغني المحتاج 4/ 68، 69.

[114] بدائع الصنائع 7/ 317، والحاوي الكبير 12/ 248.

[115] المغني 12/ 153.

[116] الموضحة: هي الشَّجَّة في الرأس أو الوجه التي تصل إلى العظم وتظهره، وسمّيت مُوضِحَة؛ لأنها أبدت وضح العظم وهو بياضه، وديتها خمْسٌ من الإبل. ينظر: المغني 12/ 158، 159.

[117] الخرشي 8/ 43، والشرح الكبير للدردير 4/ 279.

[118] أخرجه ابن أبي شَيْبَةَ في المصنَّف 9/ 167، وكذلك 9/ 266 وعن ابن أبي شَيْبَةَ أخرَجَهُ البَيْهَقِيُّ في السنن الكبرى 8/ 86، وأخرجه في موضع آخَرَ من طريقٍ أُخْرَى وفي آخِره (وهو حَيٌّ). والأثر حَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ في إرواء الغليل 7/ 322. وقد تقدم ما ورد عليه من نقاش وجواب في ص29.

[119] بدائع الصنائع 7/ 317، والحاوي الكبير 12/ 249، والمغني 12/ 152.

[120] المغني 12/ 152.

[121] بدائع الصنائع 7/ 312، والشرح الكبير للدردير 4/ 279، وشرح الخرشيّ 8/ 43، وروضة الطّالبين 9/ 289، 290، ومغني المحتاج 4/ 68، والمغني 12/ 107، 117، 118، 119، وكشّاف القناع 5/ 550، 6/ 35، 50.

[122] التمهيد في أصول الفقه: 1/ 52.

[123] ذكر الغزّالي أن العقل يتفاوت على ثلاثة معان ولا يتفاوت على معنى واحد:

أ- العقل الغريزيّ: وهو الوصف الذي يفارق الإنسان به سائر الحيوان، فهذا يتفاوت؛ فإنه مثل نور الصبح فإنه أوائله يخفى خفاءً يشقّ إدراكه ثم يتدرج إلى الزيادة إلى أن يكمل بطلوع قرص الشمس، فالعقل يبدأ إشراقه عند سنّ التمييز ثم لا يزال ينمو ويزداد نموًا خفيّ التدريج إلى أن يتكامل بقرب الأربعين سنة.

ب- علوم التَّجارِب، إذ تسمى عقلاً، فهذا يتفاوت، والناس يختلفون بكثرة الإصابة وسرعة الإدراك، ويكون سببه إما تفاوتًا في الغريزة وإما تفاوتًا في الممارسة.

ج- انتهاء قوة الغريزة إلى معرفة عواقب الأمور وقمع الشهوات الداعية إلى اللذة العاجلة وقهرها، وهذا يتفاوت الناس فيه وتتفاوت أحوال الشخص الواحد فيه، ويكون سبب التفاوت إما تفاوت الشهوة، فيقدر العاقل على ترك بعض الشهوات دون بعض، وإما التفاوت في العلم المعرّف لغائلة تلك الشهوة، ولهذا يقدر الطبيب على الاحتماء من بعض الأطعمة المضرّة، وقد لا يقدر من يساويه في العقل على ذلك إذا لم يكن طبيبًا وإن كان يعتقد على الجملة أن فيه مضرَّة. ولكن إذا كان علم الطبيب أتمّ كان خوفه أشدّ، وكذلك يكون العالم أقدر على ترك المعاصي من الجاهل لقوّة علمه بضرر المعاصي.

د- العلم الضروريّ بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات، كالعلم بأن الاثنين أكثر من الواحد، وأن الشخص الواحد لا يكون في مكانين في وقت واحد - وهو الذي عناه بعض المتكلِّمين - فهذا لا يتفاوت لأن من عرف أن الاثنين أكثر من الواحد عرف أيضًا استحالة كون الجسم في مكانين.

ينظر: إحياء علوم الدّين 1/ 87.

ويرى الماورديّ أن العقل على قسمين: غريزيٌّ ومكتسب، فالغريزيّ هو العقل الحقيقي، وله حدٌّ يتعلّق به التكليف، لا يجاوزه إلى زيادة، ولا يقصر عنه إلى نقصان. والمكتسب فهو نتيجة العقل الغريزيّ، وهو نهاية المعرفة، وصحة السياسة، وإصابة الفكر، وليس لهذا حدٌّ، لأنه ينمو إن استعمل، وينقص إن أهمل. ينظر أدب الدنيا والدين 18، 20.

[124] التمهيد في أصول الفقه 1/ 53.

[125] المسوَّدة ص 500، وشرح الكوكب المنير 1/ 86.

[126] التمهيد في أصول الفقه 1/ 56.

[127] التمهيد في أصول الفقه 1/ 56.

[128] الاستدلال والمناقشة في التمهيد في أصول الفقه 1/ 56، 57، ولمزيد اطلاع ينظر: المسوّدة 498، 500، وشرح الكوكب المنير 1/ 76-88.

[129] صحيح البُخَارِيِّ مع الفتح: 1/ 405، رقم: 304، وهو عند مسلم من حديث عبدالله بن عمر صحيح مسلم 1/ 86، 87، رقم 132.

[130] فتح الباري 1/ 406. وقال - رحمه الله -: "وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهنّ على ذلك؛ لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرًا من الافتتان بهنّ، ولهذا رتّب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النّقص، وليس نقص الدّين منحصرًا فيما يحصل به الإثم؛ بل في أعمّ من ذلك قاله النّوويّ، لأنه أمرٌ نسبيٌّ، فالكامل مثلاً ناقص عن الأكمل".

[131] التمهيد في أصول الفقه 1/ 57.

[132] التمهيد في أصول الفقه 1/ 56.

[133] التمهيد في أصول الفقه 1/ 56.

[134] مجموع فتاوى شيخ الإسلام 10/ 721، 722.

[135] التشريع الجنائي الإسلامي: 2/ 279.

[136] ردّ المحتار: 6/ 576، والمهذَّب: 2/ 203 وروضة الطَّالبين 9/ 289، والمغني 12/ 152، والكافي لابن قدامة 4/ 101، 102.

[137] الحكومة: أرْش ما ليس فيه مقدّرٌ من الشرع، وطريقة تقديرها أن يقوّم المجنيّ عليه كأنه عبدٌ لا جناية به ثم يقوّم وهي به قد برئت، فما نقصته الجناية فله مثله من الدّية، كأن تكون قيمته وهو عبدٌ صحيحٌ عشرةً، وقيمته وهو عبدٌ به الجناية تسعةً، فيكون فيه عشر ديته. فيتمّ استخراج الأرْش بهذه النّسبة.

ينظر: بدائع الصّنائع 7/ 324، والمغني 12/ 178، والكافي 4/ 102، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 34/ 165، 171، وكشّاف القناع 6/ 36، 58.

[138] التّاج والإكليل 6/ 260، والشرح الكبير للدَّردير وحاشية الدُّسوقيِّ 4/ 272.

[139] روضة الطَّالبين 9/ 290، وكشَّاف القِنَاع 6/ 50.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أهمية العقل
  • حفظ العقل (خطبة)
  • من عادات العقل في التراث الإسلامي
  • نعمة العقل
  • سجن العقل

مختارات من الشبكة

  • العقل والقلب أين موقع "العقل" من جسم الإنسان؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل المظلوم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل في قصائد ديوان (مراكب ذكرياتي) للدكتور عبد الرحمن العشماوي(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مقتضيات تعظيم الوحي(مادة مرئية - موقع أ.د. عبدالله بن عمر بن سليمان الدميجي)
  • صور من ذكاء وكمال عقل الصحابة رضي الله عنهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العلاقة بين القرآن والعقل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم العقل في اللغة والاصطلاح(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل والشرع ( العقل والذكاء )(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • العقل والشرع ( العقل والتأويل )(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • العقل والشرع ( العقل والغيب )(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
1- جزاك الله خيرا أستاذنا
فوزية سليمان - مصر 24-11-2013 01:44 AM

مشكور لقد استفدت من علمك كثيرا، من الموضوعات الشرعية القانونية التي تعرض على شبكة الإنترنت فهى مفيده جدا لنا الباحثين ،
كثر الله من أمثالك.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب