• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: { ودت طائفة من أهل الكتاب لو ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    عاشوراء بين مهدي متبع وغوي مبتدع (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطبة: كيف نجعل أبناءنا قادة المستقبل؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الدرس الثلاثون: العيد آدابه وأحكامه
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة به من
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    حسن المعاملة (خطبة)
    عبدالعزيز محمد مبارك أوتكوميت
  •  
    زكاة الفطر تطهير للصائم مما ارتكبه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    مجالس من أمالي الحافظ أبي بكر النجاد: أربعة مجالس ...
    عبدالله بن علي الفايز
  •  
    لماذا لا نتوب؟
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    وكن من الشاكرين (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    حكم صيام يوم السبت منفردا في صيام التطوع مثل صيام ...
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    وما الصقور؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    آيات عن مكارم الأخلاق
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    عاشوراء بين نهاية الطغاة واستثمار الأوقات (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    عاشوراء (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القابض ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / النصائح والمواعظ
علامة باركود

صلاح القلب

صلاح القلب
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 8/3/2019 ميلادي - 2/7/1440 هجري

الزيارات: 52187

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

صلاح القلب


1 - القلب:

إن العبد مسافرٌ إلى الله في كل لحظةٍ من لحظات حياته، شاء أمْ أبى، كالقوم الذين تُقِلُّهم سفينةٌ، فهي تمشي بهم مُتَّجهة إلى الشاطئ الآخر، ناموا أم استيقظوا فهي تمشي بهم ليلَ نهارَ.

 

فالمفرِّطُ غافلٌ عن السفر، منشغلٌ عن تحصيل الزاد، فسرعان ما تصِل بهم السفينةُ إلى الشاطئ وتتركهم، فيجدُ نفسَه بلا زادٍ ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37].

 

وأما المؤمن، فهو مستيقظٌ للرحلة، مسافرٌ إلى الله بقلبه قبل أن يُسافر بجسده.

 

فقد هاجر إلى الله وسابَقَ إليه، وبيَّن لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصولَ هذه الهجرة، فقال فيما ثبت في البخاري: ((المسلم مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده، والمهاجرُ مَن هجَر ما نهى اللهُ عنه))[1]، فهذا المسلم الحقُّ، قد سالم المسلمين جميعًا، فلا يحمِل لهم في قلبه إلَّا الحُبَّ والودَّ، ولا يصِل إليهم منه إلَّا الخيرُ والنفعُ.

 

ثم رأى الذنوب تتنوَّع، والفتن تتلوَّن، فعلِم أنها نارٌ في صورة شهواتٍ، وعذابٌ في صورة ملذَّاتٍ، فولَّاها ظهره، وتذكَّر ما رواه الشيخان أن رسول الله قال: ((حُفَّتِ النارُ بالشهوات، وحُفَّتِ الجنةُ بالمكاره))[2].

 

فهذا السالكُ إلى الله لا تمرُّ عليه لحظةٌ من عمره إلَّا وسخَّرها في طاعة الله، فهو إن وجد شيئًا يُقرِّبُهُ إلى الله سارع إليه؛ كالصلاة أو الصيام، أو بر الوالدين، أو إكرام الضيف، أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، أو صِلة الأرحام، أو تلاوة القرآن.

 

المباحات:

بل إنه لا يتوقَّف عند العبادات، بل يستحضر النيات الصالحة في المباحات فيقلبها إلى طاعات:

فإذا أكل: لم يأكل بنية التلذُّذ ككثير من الناس، بل أكل بنية التقوِّي بهذا الأكل على طاعة الله، فصار الأكلُ في حقِّه طاعةً وقُرْبةً.

 

وإذا لبسَ: لم يلبس بلا نيةٍ، بل لبس بنية التزام أمر الله في ستر عورته، والتزام أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في التجمُّل فيما رواه مسلمٌ: ((إنَّ اللهَ جميلٌ يُحبُّ الجمال))[3]، فصار اللبسُ في حقِّه طاعةً وقُرْبةً.

 

وإذا نام: لم ينمْ عادةً، بل نوى أن يستريح بالنوم لكي يستعينَ به على قيام الليل، وعلى الاستيقاظ للفجر، فصار النومُ في حقِّه طاعةً وقُرْبةً.

 

وإذا اجتهد في تحصيل المعاش: نوى بجمْع المال كفَّ نفسِه عن المسألة، والإنفاقَ على الوالدين أو الزوجة والأطفال، ونوى بجمْع المال التمكُّن من صِلة الرَّحِم به، أو تحصيل القدرة على الحج والعمرة ونحو ذلك.

 

فالمسافر إلى الله يعلمُ أن أوقاته فُرصٌ ثمينةٌ لاكتساب الأجْر، وتحصيل الثواب، فتراه في جلسات الغافلين ذاكرًا، وفي ليل النائمين قائمًا، وفي خوض الخائضين صامتًا، وفي وسط العاصين طائعًا، وحينما يُنادي المنادي: "حيَّ على الصلاة" ملبِّيًا.

 

وهو ينشغلُ عن عيوب الناس بإصلاح قلبه، ومراقبة ربِّه، والانشغال بعيوب نفسه.

فالقلب: إذا راقب الربَّ، أمر البصرَ فغضَّ عن المعاصي.

والقلبُ: إذا أحبَّ القرآن، أمر اللسانَ فتلا كتابَ الله.

والقلبُ: إذا علم فضلَ البِرِّ والصِّلة، أمر الجوارح فبرَّت ووصَلت.

والقلبُ: إذا أحبَّ المسجدَ، ساق الجسدَ إليه.

والقلبُ: إذا عرف فضل الصَّدَقة، أمر اليد فتصدَّقت.

والقلبُ: إذا عرف فضل الصيام، أمر الجسد فصام.

والقلبُ: إذا أحبَّ الذِّكر، أمر اللسان فتحرَّك بذكْرِ الله.

والقلبُ: إذا أحبَّ العلم، أمر الجسَدَ فتعلَّم.

 

أما إذا فسدَ القلبُ؛ فأحبَّ المعاصي والذنوب، والشهوات المحرَّمة والملذَّات، أمر الجوارح بذلك.

 

ولقد بيَّن لنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك أحسنَ بيانٍ، وبأوجز عبارة كما ثبت في (الصحيحين): ((ألا وإنَّ في الجسد مُضغةً، إذا صلَحت صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدت فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلب))[4].

 

فالمؤمن: مهمومٌ بأمر نفسه، مشغولٌ بإصلاح قلبه؛ خشيةَ أن يفسُد القلبُ فيُفسِد عليه حياتَه وآخِرتَه.

 

عرض الفتن على القلوب:

واعلم أن القلب يُختبَر في اليوم الواحد عدة مرات، بل قد يُختبَر في الساعة الواحدة عدة مرات.

 

فإذا بالمعاصي تقترب منه، والفتن تُعرضُ عليه، فإذا ابتعد عن المعصية، أو أنكَرَ الفتنة، نُكت فيه نكتةٌ بيضاء، وإذا ارتكب المعصية، أو تشرَّب الفتنة، نُكت فيه نكتةٌ سوداء، حتى يزدادَ قلب المؤمن بياضًا وإيمانًا وثباتًا، ويزداد قلبُ العاصي سوادًا وضَعْفًا ومهانةً، ولقد صوَّر لنا النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أصدقَ تصويرٍ، فقد روى مسلمٌ في (صحيحه) عن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُعرَض الفتنُ على القلوب كعَرْض الحصير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشرِبها نُكتتْ فيه نُكتةٌ سوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكتتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصير على قلبين: قلبٌ أبيضُ مثل الصَّفا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض، والآخَرُ أسودُ مُرْبادًّا كالكوز مُجخِّيًا، لا يعرِفُ معروفًا ولا يُنكِرُ منكرًا، إلا ما أُشربَ من هواه))[5].

 

2 - أقسام القلوب:

قسَّم العلماء القلوب إلى ثلاثة أقسام:

1 - قلب سليم.

2 - وقلب ميت.

3 - وقلب مريض.

 

القلب السليم:

وهو القلب الذي سلِم من الشهوات المحرَّمات.

وهو القلب الذي سلِم من الشُّبُهات المضلَّات.

وهو القلب الذي سلِم من عبودية غير الله.

وهو القلب الذي سلِم من اتباع غير رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وهو القلب الذي خلَصت عبوديتُه لله، فلا يتوكَّل إلا على الله، ولا يرجو إلا الله، ولا يخاف إلَّا من الله، ولا يدعو إلا الله، ولا يُفوِّض أمورَه كلَّها إلَّا لله.

 

وهو القلب الذي إذا أحبَّ أحبَّ في الله، وإذا أبغضَ أبغضَ في الله، وإذا أعطى أعطى لله، وإذا منعَ منعَ لله.

 

وهو القلب الذي يقتدي في كل شؤونه برسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهنيئًا لصاحب هذا القلب!

 

فهو القلبُ الذي لا ينجو يوم القيامة إلَّا مَنْ أتى به ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89].

 

القلبُ الميِّتُ:

هو القلب الذي لا حياةَ فيه.

هو القلب الذي يسعى لتحصيل الشهوات المحرَّمة.

هو القلب الذي يعبُد هواه، ولا يُرضي مولاه.

هو القلب الذي يبيعُ دينَه بدُنياه.

 

هو القلب الذي إذا أحبَّ أحبَّ لهواه، وإذا أبغض أبغض لهواه، وإذا أعطى أعطى لهواه، وإذا منع منع لهواه.

 

فالشهوةُ قائدُه، والجهلُ سائقُه، والغفلة مركبُه، ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43].

هذا القلبُ: الدنيا تُسخطه وتُرضيه، والهوى يصمُّه ويُعميه.

هذا القلبُ: إذا ذُكِّر بالله ينفر، وإذا ذُكِّر بالدنيا والشهوات يستبشر.

 

روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الذي يذكرُ ربَّه، والذي لا يذكر ربَّه: مثلُ الحي والميت))[6].

نعم، الذي يذكرُ ربَّه حيُّ القلب، حيُّ الضمير، والذي لا يذكُر ربَّه ميِّتُ القلب، ميتُ الضمير.

فمخالطة صاحب هذا القلب سَقَمٌ، ومعاشرته ضَررٌ، ومجالستُه هلاكٌ.

 

القلب المريض:

هو قلبٌ له حياةٌ، وبه عِلَّةٌ:

له حياةٌ: من محبَّة الله، والإيمان به، والإخلاص له، والعمل على مرْضاته.

وبه أمراضٌ: من محبَّة الشهوات، وتحصيل الملذَّات، أو الحسد والكِبْرِ، وحبِّ العلوِّ في الأرض، ونحو ذلك.

 

فهذا القلب ممتحَنٌ بين داعيينِ: داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة، وداعٍ يدعوه إلى الدنيا وملذَّاتها الفانية، فأحيانًا يقوى إيمانُه، فيُجيب داعيَ الله فيستقيم، وأحيانًا يضعُف إيمانُه فيُجيب داعيَ الهوى فيمرض.

 

3 - علامات مرض القلب:

1 - من علامات مرض القلب: أنه يُؤْثِر ملذَّاتِه على طاعة الله ومرْضاته، فكلَّما هوى شيئًا فعلَه.

 

2 - ومن علامات مرض القلب: أن صاحبَه لا تُؤلمه جراحاتُ المعاصي (ما لجُرْحٍ بميِّت إيلامُ).

فالقلب الصحيح يتوجَّعُ بالمعصية، ويتألَّمُ لها، فيُحدِثُ له ذلك توبةً وإنابةً إلى الله عز وجل.

قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201]، وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [آل عمران: 135]، ذكرُوا الله، ذكرُوا عظمةَ الله، فخافُوا عِقابَه فاستغفروا وتابُوا.

 

وإذا خَلَوْتَ بِريبةٍ في ظُلْمةٍ
والنفْسُ داعيةٌ إلى العِصيانِ
فاسْتحْيِ مِنْ نَظَرِ الإلهِ وقُلْ لها
إنَّ الذي خَلَق الظَّلامَ يَراني

 

أما صاحب القلب المريض، فلا يتألَّمُ للذنب، ولا يتأثر بالمعصية؛ حتى يتراكم الذنبُ على الذنب فيسودّ القلبُ.

 

3 - ومن علامات مرض القلب: أن صاحبه لا يحزنُ لجهله بالحقِّ، ولا يتألمُ لعدم معرفته بأحكام ربِّه، والجهل مصيبةٌ كُبرى يتألم لها مَن في قلبه حياةٌ.

 

وقيل: ما عُصي الله بذنْبٍ أقبح من الجهل.

وفي الجَهْلِ قبْل الموْتِ مَوتٌ لأهْلِه
وأجْسامُهم قبْل القُبُورِ قُبُورُ
وأرواحُهم في وحْشةٍ من جُسُومِهم
وليس لهم حتى النُّشُورِ نُشورُ

 

4 - ومن علامات مرض القلب:

استبدال صاحبه بالأغذية النافعة الأغذيةَ الضارَّة المؤذية.

فيستبدل سماع القرآن الذي هو ﴿ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ ﴾ [يونس: 57]، إلى سماع الغناء الذي يمرضُ القلب، ويبعدُه عن الربِّ جل وعلا.

 

ويَستبدل تحريك اللسان بالذِّكر الذي به حياة القلب، ونور البصر، وجلاء الصَّدر، ومغفرة الذنب، إلى تحريك اللسان بالغيبة التي بها فسادُ النفس، وقسوة القلب.

 

ويستبدل بالنظر في ملكوت السماوات والأرض والتفكُّر في عظمة الله الذي به يقوى الإيمان - النظرَ إلى النساء الأجنبيَّات، والمسلسلات الماجنات، الذي به يضعُفُ الإيمان.

 

5 - ومن علامات مرض القلب:

أن صاحبه رضي بالدنيا واطمأنَّ بها، ولم يشعُر فيها بغُربةٍ، ولا يرجو الآخرة، ولا يسعى لها سعيَها ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ﴾ [الإسراء: 18].

 

أما صاحب القلب الصحيح:

فهو لا يرضى بالآخرة بديلًا، فهو وإن كان بظاهره من أهل الدنيا، فهو بقلبه من أهل الآخرة.

يشعرُ في الدنيا بغُربة بين أهلها، مشتغلٌ بتحصيل زاد الآخرة، كما ثبت في البخاري أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((كُنْ في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ))[7].

 

4 - علامات صحة القلب:

1 - من علامات صحة القلب: كثرةُ الذكرِ؛ لأن من أحبَّ شيئًا، أكثَرَ من ذكرِه.

من أحبَّ المال، أكثر من ذِكْرِه، ومَنْ أحبَّ العقار، أكثرَ من ذِكْره، ومَنْ أحبَّ التجارة، أكثر من ذِكْرها، ومَنْ أحَبَّ الطعام، أكثر من ذِكْره... ومَنْ أحَبَّ اللهَ أكثر من ذِكْره. روى الترمذي والحاكم، وصححه الذهبي والألباني عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عند مليكِكُمْ، وأرفَعِها في دَرَجاتِكم، وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخيرٍ لكم من أن تلْقَوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقَكُمْ؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ذكرُ الله))[8].

 

لأن الذاكرين هم السابقون الفائزون؛ ففي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سبَقَ المفرِّدون))، قالوا: وما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: ((الذَّاكِرون اللهَ كثيرًا، والذاكرات))[9].

 

لأن الذكرَ يُرطِّبُ اللسان؛ فقد روى الترمذي، وصحَّحه الحاكم والذهبي والألباني، عن عبدالله بن بُسر رضي الله عنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرتْ عليَّ، فأخبرني بشيء أتشبَّثُ به، فقال: ((لا يزالُ لِسانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْر الله تعالى))[10].

 

لأنَّ الذكر يثقل الميزان، ويُحبِّب العبدَ إلى الرحمن: أخرج مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحانَ اللهِ وبحمدِه، سبحانَ اللهِ العظيم))[11].

 

2 - ومن علامات صحة القلب: القلق والوحشة ممَّا سوى الله، فلا يزالُ صاحب هذا القلب مستوحِشًا قَلِقًا حتى يصِلَ بقلبه إلى الله، فيتعلَّق به، ويأنس به، ويطْمئنُّ إليه، فلا يرى شوقًا إلا إليه، ولا لذَّةً إلَّا بطاعته، كما قال سيِّدُ العارفين صلى الله عليه وسلم: ((وجُعِلَتْ قُرَّةُ عيني في الصلاة))[12]، ولا يرى نعيمًا ولا سرورًا إلَّا في مَرْضاته، فتراه يتلذَّذ بالصلاة والصيام، والصَّدَقة والقيام، وكلِّ عملٍ في طاعة الواحد العلَّامِ، ولا ترتاحُ نفسُه، ولا يطمئنُّ قلبُه إلَّا بذِكْر ربِّه ومحبوبه ومعبوده ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، ولا يرضى إلَّا بالله ربًّا، وبدينه شرْعًا، وبرسوله قُدوةً وإمامًا.

 

روى مسلمٌ عن العباس مرفوعًا: ((ذاقَ طعْمَ الإيمان مَنْ رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم رسولًا))[13].

 

3 - من علامات صحَّة القلب: أن يتعب الجسد في الطاعة، ولا يملَّ القلبُ؛ ولذلك ثبت في (البخاري) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُقيمُ الليل حتى تتورَّم قدماهُ، فتقول عائشة رضي الله عنها: أتفعل ذلك وقد غفَر الله لكَ ما تقدَّم من ذنْبِك وما تأخَّر؟ فيقول: ((أفلا أكونُ عبْدًا شكُورًا))[14].

 

4 - ومن علامات صحة القلب: المحافظة على الأوقات؛ لأن صاحب القلب السليم يعلمُ أن وقته هو رأسُ ماله، فإنِ استخدمه في الطاعة كان من الصالحين الفائزين، وإنْ أضاعه في المعاصي كان من الخاسرين.

 

فاسمع إلى ما رواه الترمذي - وقال: حسنٌ صحيحٌ - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال: سُبحانَ اللهِ العظيم وبحمْدِه، غُرِسَتْ له نخْلةٌ في الجنَّة))[15]، فكم نخلةٍ خسِرها مَنْ أضاع أوقاته، وأفنى في الباطل حياته!

 

5 - ومن علامات صحة القلب: الاهتمام بإخلاص العمل لله؛ لأنه يعلمُ أن العمل إذا تسرَّب إليه حُبُّ الشهرة أو حبُّ السمعة أو الرياء، حبِط، ولا يُقبَلُ من العمل إلا ما كان لله خالصًا، والإخلاصُ: أن تعمل العمل لا تُريدُ به إلَّا وجهَ الله[16].

 

6 - ومن علامات صحة القلب: أن يتحسَّر لفوات طاعةٍ؛ لأنه يعلم أن الطاعة الواحدة أعظمُ من الدنيا بأسرها؛ لأن الدنيا زائلةٌ، أمَّا ما عند الله فلا يزول ولا يفنى ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ [النحل: 96]، فلو أن تاجرًا يبيع ويشتري طوال يومه ليربح دراهمَ معدودةً، فإذا بصَفْقة قد ضاعت منه كان سيشتريها بألفٍ ويربح فيها سبعةً وعشرين ألفًا، ولا يستغرق ذلك إلا ساعةً من نهارٍ... فكم تراه حزينًا أسيفًا على تضييع هذه الصفقة!

 

فصاحبُ القلب السليم يتألم إذا ضاعت منه صلاةُ الجماعة أشدَّ من ألمِ هذا التاجر على تلك الصفقة.

 

7 - ومن علامات صحَّة القلب: أن يُصبح ويُمسي وهمُّه الآخرة؛ لأن الآخِرة قد سيطرت على قلبه، فهو يفكِّرُ ماذا سيصنع في قبره؟ وكيف سيكون حالُه في حشْره ونشْره؟ وكيف يُرضي ربَّه؟ ورغم ذلك يكفيه الله مؤنة الدنيا فيرزقه من حيث لا يحتسب ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].

 

روى الترمذي وحسنه: ((مَنْ أصبح وهمُّه الدنيا، شتَّت اللهُ شمْلَه، وجعل فقْرَه بين عينيه، ولم يأتِه من الدنيا إلَّا ما قُدِّر له، ومَنْ أصبح وهمُّه الآخِرة، جمَع الله له شَمْله، وجعل غِناه في قلبه، وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ))[17].



[1] صحيح: أخرجه البخاري (6484)، وأبو داود (2481)، والنسائي (5011)، وأحمد في (المسند) (2/ 163)، وابن حبان في (صحيحه) (196)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (10/ 187).

[2] صحيح: أخرجه البخاري (6487)، ومسلم (2823)، وأبو داود (4744)، والترمذي (2560)، والنسائي (3772)، وأحمد في (المسند) (2/ 260)، وابن حبان في (صحيحه) (719) من حديث أبي هريرة.

[3] صحيح: أخرجه مسلم (91)، وأبو داود (4091)، والترمذي (1998، 1999)، وابن ماجه (59)، وأحمد في (المسند) (1/ 399، 412، 416)، والطبراني في (الكبير) (10533)، وابن حبان في (صحيحه) (224).

[4] صحيح: أخرجه البخاري (52)، ومسلم (1599)، وابن ماجه (3984)، وأحمد في (المسند) (4/ 274)، والدارمي (2531)، وابن حبان في (صحيحه) (297).

[5] صحيح: أخرجه مسلم (144)، وأحمد في (المسند) (5/ 386، 405).

[6] صحيح: أخرجه البخاري (6407)، ومسلم (779).

[7] صحيح: أخرجه البخاري (6416)، والترمذي (2333)، وابن ماجه (4114)، وأحمد في (المسند) (2/ 24)، والطبراني في (الكبير) (13470)، وابن حبان في (صحيحه) (698).

[8] صحيح: أخرجه الترمذي (3377)، وابن ماجه (3790)، وأحمد في (المسند) (5/ 195)، والحاكم في (المستدرك) (1/ 496) وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (2629).

[9] صحيح: أخرجه مسلم (2676)، والترمذي (3596)، وأحمد في (المسند) (2/ 323)، وابن حبان في (صحيحه) (858)، والحاكم في (المستدرك) (1/ 495).

[10] صحيح: أخرجه الترمذي (3375)، وابن ماجة (3793)، وأحمد في (المسند) (4/ 188، 190)، وابن حبان في (صحيحه) (814)، والحاكم في (المستدرك) (1/ 495) وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (7700).

[11] صحيح: أخرجه البخاري (6406)، ومسلم (2694)، والترمذي (3467)، وابن ماجه (3806)، وأحمد في (المسند) (2/ 232)، وابن حبان في (صحيحه) (831).

[12] صحيح: أخرجه النسائي (3949، 3950)، وأحمد في (المسند) (3/ 128)، والحاكم في (المستدرك) (2/ 160)، وصحَّحه على شرط مسلم، وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (3124).

[13] صحيح: أخرجه مسلم (34)، والترمذي (2623)، وأحمد في (المسند) (1/ 208)، وابن حبان في (صحيحه) (1694).

[14] صحيح: أخرجه البخاري (4837)، ومسلم (2820)، وأحمد في (المسند) (6/ 115)، والبيهقي في (السنن الكبرى) (7/ 39)، وأبو نعيم في (الحلية) (8/ 289).

[15] صحيح: أخرجه الترمذي (3464)، وابن حبان في (صحيحه) (826، 827)، والحاكم في (المستدرك) (1/ 501، 502) وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (6429).

[16] راجع محاضرة (كيف تكون مخلصًا؟) في شريطين.

[17] صحيح: أخرجه الترمذي (2465)، وصححه الشيخ الألباني في (الصحيحة) (949، 950).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تجريد القلب بمحبة الله
  • إذا صدق القلب
  • قسوة القلب
  • حوار بين العين والقلب
  • صيام القلب (خطبة)
  • ذم قسوة القلب
  • إصلاح القلب في الكتاب والسنة
  • استيقظ أيها القلب
  • خطبة في الاهتمام بصلاح القلب
  • القلب ملك الجوارح
  • شمس قلب أشرقت من جديد
  • من أهم الأدعية بصلاح القلب

مختارات من الشبكة

  • قاعدة: الدين الإسلامي هو الصلاح المطلق، ولا سبيل إلى صلاح البشر الصلاح الحقيقي إلا بالدين الإسلامي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ابدأ بقلبك قبل أن يحل الضيف(مقالة - ملفات خاصة)
  • من القلب إلى القلب(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الشيخ: عبدالرحمن بن عبدالعزيز المحرج في محاضرة بعنوان ( كلمة من القلب إلى القلب )(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • لماذا صلاح القلب؟ (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دلائل صلاح القلب (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • العناية باستقامة القلب وصلاحه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب الحرص على سلامة القلب وصلاحه، والحذر من أسباب قسوته وفساده(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • دع القلق واهنأ بشهر الصيام(مقالة - ملفات خاصة)
  • سلسلة أنواع القلوب(11) تأثر القلوب الحية بمواقف اليهود العدوانية(1)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أزناكايفو تستضيف المسابقة السنوية لحفظ وتلاوة القرآن الكريم في تتارستان
  • بمشاركة مئات الأسر... فعالية خيرية لدعم تجديد وتوسعة مسجد في بلاكبيرن
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/1/1447هـ - الساعة: 15:10
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب