• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

حفظ البطن (خطبة)

حفظ البطن (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2019 ميلادي - 19/5/1440 هجري

الزيارات: 22969

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حفظ البطن (خطبة) [1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران، 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء، 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70 - 71].


أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


أيها الناس، إن خلق الإنسان آية باهرة على قدرة رب العالمين، وبرهان ساطع على إبداع أحسن الخالقين، فلو فكر الإنسان فيما أودع الله فيه من أمارات كماله، وأدلة توحده وجلاله لأقبل عليه بالعبادة والشكر، ولا نقطع إليه بالثناء والحمد، فشغل به عن غيره، وانصرف إليه عن كل شاغل عنه.


وبعون الله تعالى سنقف اليوم متأملين في عضو من أعضاء الإنسان ليدعونا ذلك إلى شكر الله عليه، واستعماله في مراضيه، هذا العضو هو البطن.


انظر - أيها العاقل - بعين بصرك وعين بصيرتك إلى نعمة الله عليك ببطنك، لترى كم فيه من النعم والمنن، وكم فيه من مظاهر رحمة الله بك، وآثار إكرام الله لك. فالبطن لك مستودع الحياة الذي تقوم على ما فيه حياة بدنك وصحته؛ فقد جعل الله تعالى فيه أجهزة متعددة تقوم بدور الحفاظ على نعمة الحياة؛ ففيه الجهاز الهضمي، وفي نهايته الجهاز التناسلي، والجهاز البولي، وفي كل جهاز منها أجزاء دقيقة يقوم عليها، ويستمر عمله بها.


انظر كم في بطنك من عجائب الإنشاء ودقة الخلقة، وعظم وظائفها، واستمرار أعمالها، فتأمل في المعدة، والأمعاء الغليظة والأمعاء الدقيقة، والبنكرياس، والزائدة الدودية والكبد والمرارة والطحال والصفاق والكُلى وغيرها، ستجد أن سلامتها سبب لسلامتك وابتهاجك ونشاطك، وأن سقمها طريق إلى عنائك وخسارتك وإعاقتك وتكدر عيشك.


وتأمل كذلك في الوظائف التي يقوم بها الجهاز الهضمي؛ فأنت تأكل وتشرب فتسلم الطعام إلى هذا الجهاز وتنتهي وظيفتك إلى هنا، وهو الذي يتولى بعد ذلك هضمه وتنقيته وامتصاص ما يفيد الجسم منه، وطرد الفضلات الزائدة، وكل ذلك يقوم على عمل دقيق واتقان بديع من غير كسل ولا توقف.


فلم يحتج الغذاء بعد ذلك منك إلى عمل آخر أو قضاء وقت في متابعته والاطمئنان على الانتهاء منه، وتوزيع حصص البدن منه، فتبارك الله أحسن الخالقين.


أيها المسلمون، ولو نظرنا نظرة أخرى إلى بديع خلق الله لعضو البطن فسنرى عجبًا، فمن ذلك: أن الله تعالى لما جعل البطن حاويًا ما به بقاء حياة الإنسان مما يحتويه من الأجهزة والأعضاء فإنه قد اختار أن يكون البطن في منتصف بدن الإنسان من أجل الحفاظ عليه، كما أنه تعالى جعل أكثر أعضائه وأجهزته فيه في مقدمة الجسم ولم يجعلها في ظهره؛ من أجل مصالح كثيرة للإنسان، منها: أن يرى الخطر عليها فيحميها منه، فسبحان الخالق القدير.


إن المرء لو بقي يسرد آيات قدرة الله في كل جزء في البطن مما يذكره الأطباء والحكماء لما كفته خطب عديدة، غير أن الإشارة إلى بعض ذلك تكفي اللبيب ليعتبر فيشكر بارئه العظيم.


أفلا نشكر الله تعالى على نعمة البطن التي منّ بها علينا، فنملأه بالحلال، ونحميه من الحرام؛ فإن الشكر طريق إلى دوام النعمة، وابتعاد النقمة.


عباد الله، لما كان أكثر المهام التي يقوم بها البطن هي استقبال الطعام والشراب وهضمهما وتحويلهما إلى مواد نافعة للجسم، وإخراج ما زاد عن ذلك إلى خارج البدن؛ فإن شكر الله عليه: أن لا يدخل المسلم فيه غذاء إلا من حلال، وأن ينزهه عن كل حرام من مطعوم ومشروب. قال تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [النحل: 114].


والحرام في المطعوم والمشروب يشمل ما كان حرامًا في أصله مثل أكل لحم الخنزير والميتة، ومهر البغي وحلوان الكلب، وثمن الكلب، وشرب الخمر وسائر المسكرات، ويشمل أيضًا كل طعام وشراب مباحين جاءا من طريق حرام كالربا والرشوة والغش والسرقة وأخواتها، وسائر أكل أموال الناس بالباطل.


إن اختيار الحلال والتنزه عن الحرام هو من حفظ البطن المأمور به، والحياء الصادق من الله تعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء)، قال: قلنا: يا نبي الله، إنا لنستحيي والحمد لله، قال: (ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)[2].


فمن شكر الله تعالى على نعمة البطن: أن لا يدخل إليه المسلم إلا ما أحله الله فيكون ذلك البطن خاليًا من الحرام، فينبت الجسم من آثار ذلك الطعام نباتًا حسنًا، فيكون أثره صلاح حال المسلم في دنياه وآخرته.


إن المؤمن يتحرى الحلال في طعمته وشربته، ولا تغلبه شهوته وهواه وحرصه على لذات الدنيا ومصالحها حتى يوصل الحرام إلى بطنه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني لذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه[3]. سبحان الله! هكذا بطون المؤمنين النقية لا تقبل لقمة الحرام وإن كانت من غير تعمد.


وعلى رب الأسرة وعائلها الحريص على إطعام أسرته أن ينتبه من أن يصل به حرصه إلى جلب الحرام وإطعام أهله وأولاده منه، ولا شك أن الأسرة الصالحة من زوجة وأولاد يعينون عائل الأسرة من زوج وأب على الحلال، "وهكذا كانت عادة النساء في الأزمنة الفاضلة؛ كان الرجل إذا خرج من منزله تقول له امرأته أو ابنته: إياك وكسب الحرام؛ فإنا نصبر على الجوع والضر، ولا نصبر على النار"[4]. قال بعض الصالحين: " الدنيا بطنك، فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا"[5]. يعني: يعرف زهد الإنسان بزهده فيما يدخل بطنه؛ فإن كان لا يتحرى ذلك فليس بزاهد ولو زهد ثوبه ومنظره، وإن كان متحريًا بعيداً عن إدخال الحرام إليه فهو الزاهد حقًا، ولو حسن ملبسه، وبرقت النعمة على وجهه.


عباد الله، إن أكل الحرام له آثار سيئة على صاحبه في الدنيا والآخرة، فلو فكر أَكَلةُ الحرام بذلك وأيقنوا بما جاءت به النصوص الشرعية من التحذير من ذلك لارتدعوا وسلموا.


فمن تلك الآثار السيئة: عدم قبول الأعمال الصالحة عند الله وحجب إجابة الدعاء عن آكل الحرام، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب، ومطعمة حرام ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك)؟[6].


قال ابن رجب رحمه الله: "وفي هذا الحديث إشارةٌ إلى أنَّه لا يقبل العملُ ولا يزكو إلاَّ بأكل الحلال، وإنَّ أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبولَه، فإنَّه قال بعد تقريره: (إنَّ الله لا يقبلُ إلاَّ طيباً) إنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة:172]، والمراد بهذا أنَّ الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الأكل حلالاً، فالعملُ صالح مقبولٌ، فإذا كان الأكلُ غير حلالٍ، فكيف يكون العمل مقبولاً. وما ذكره بعد ذَلِكَ من الدعاء، وأنَّه كيف يتقبل مع الحرام، فهوَ مثالٌ لاستبعاد قَبُولِ الأعمال مع التغذية بالحرام؟"[7].


وقال أبو عبد الله الناجي الزاهد رحمه الله: "خمسُ خصال بها تمامُ العمل: الإيمان بمعرفة الله - عز وجل - ومعرفةُ الحقِّ، وإخلاصُ العمل للهِ، والعمل على السُّنَّةِ، وأكلُ الحلالِ، فإن فُقدَتْ واحدةٌ، لم يرتفع العمل.."[8].


ومن الآثار السيئة لأكل الحرام: سوء المصير يوم القيامة والعقوبة فيه، والإفلاس من الحسنات يومئذ، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَس ﴾ [البقرة: 275], وقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]. وقال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)[9]. قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: " إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه، فمن استطاع أن لا يأكل إلا طيبا فليفعل"[10].


فاتقوا الله - عباد الله - فيما تأكلون وتشربون؛ تحروا كسبكم، واقنعوا بالحلال منه ولو كان قليلاً، وتجنبوا أكل المحرمات وشربها، وأتقنوا أعمالكم وانصحوا فيها، وابتعدوا عن الخيانة في الأعمال والتقصير فيها؛ حتى يسلم كسبكم فتطعموا أنفسكم وأهليكم وأولادكم الحلال الطيب المبارك.


أيها الأحباب الفضلاء، إن البطن وعاء محدود فينبغي ملؤه بالطعام والشراب بقدر الحاجة؛ فالشبع الدائم الذي قد يحصل إلى حد التخمة أحيانًا يعود على الجسد بالمضرة، وكم تكلم الحكماء والأطباء عن مفاسد التخمة والإفراط في الأكل، وقبلهم يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن، بحسب ابن آدم أكيلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه)[11].


إن الأطباء عندما يتكلمون عن أضرار زيادة الأكل فإنما يعنون أن حاجة الجسد من الطعام يسيرة فيكفي منه القليل، والباقي يكون زائداً عن الحاجة فيتحول إلى سموم تضر البدن؛ إما بحصول أمراض، وإما بحدوث سمنة مفرطة، وإما تضرر بعض أعضاء الجهاز الهضمي، وقد تصل ببعض الناس في حالات إلى الموت. وكم من إنسان أكل أكلة فأسرف فيها فكانت داءه الذي امتنع بسببه عن كثير من الطعام بعد ذلك. قال الشاعر:

ورُبّتَ أكلةٍ منعت أخاها
بلذة ساعةٍ أكلاتِ دهرِ
وكم من طالبٍ يسعى لشيء
وفيه هلاكه لو كان يدري![12]

 

وأما الأنبياء والحكماء وأطباء القلوب والأرواح فإنهم إذا حذروا من مفاسد الشبع الدائم وكثرة الطعام فغرضهم أن مخالفة ما حذروا منه تؤدي إلى أضرار دينية وأضرار معرفية؛ فالشبع مجلبة للآثام منقصة للإيمان، مقس للقلب، فإذا ملأ الإنسان بطنه انتكست بصيرته، وتشوشت فكرته؛ لما يستولي على معادن إدراكه من الأبخرة الكثيرة المتصاعدة من معدته إلى دماغه، فلا يمكنه نظر صحيح، ولا يتفق له رأي صالح، وقد يقع في مداحض فيروغ عن الحق. وكذلك يغلب عليه الكسل والنعاس فيمنعه عن وظائف العبادات، وحينما تقوى قوى البدن وتكثر المواد والفضول فإنه سينبعث غضبه وشهوته وتشتد مشقته لدفع ما زاد على ما يحتاجه بدنه فيوقعه ذلك في المحارم[13]. كما أن البِطنة نذهب الفطنة، وتزيل صفاء الفكر والرأي، فعلى العاقل البعد عن الشره وشدة الشهوة إلى الطعام؛ فإن الطعام الكثير واللذيذ وإن كان حلو الأوائل لكنه مر العواقب.


قال الشاعر:

وَأَنتَ إذا أعطيتَ بَطنَكَ سُؤْلَه ♦♦♦ وَفَرْجَكَ نالا مُنْتَهَى الذمِّ أجمعا[14]

 

أيها المسلمون، وللحفاظ على سلامة الإنسان روحيًا وعقليًا وبدنيًا حث الإسلام على التقليل من الأكل، ودعا إلى الصيام؛ فقد شرع الله تعالى صيامًا سنويًا واجبًا هو شهر رمضان، وصيامًا مستحبًا في أيام معلومة من الأسبوع والشهر والسنة، وذلك أن هذا التجويع الشرعي للبدن يعود عليه بالصحة فيريح الجهاز الهضمي من عمله، ويخرج عن الجسد المواد السامة، وهو أيضًا عبادة تذكر العبد بنعمة الله عليه بالطعام، وتحثه على الرحمة بالجوعى والمحتاجين، وتصلح قلبه وروحه. وهذه النتيجة الطيبة يصل إليها العبد الصائم إذا لم يسرف عند سحوره وإفطاره وعشائه، أما إذا فرط في الأكل عند ذلك فلا فائدة كبيرة تعود عليه من الصيام.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد:

أيها المسلمون، ما هو حال البطون يوم القيامة التي انحرف بها أصحابها عن الصراط المستقيم؟ وقبل الحديث عن هذا أسوق بشارة لكل مسلم أصابه مرض في بطنه-في معدته أو كبده أو أمعائه أو كُلاه أو غير ذلك- فساقه ذلك المرض إلى الموت، هذه البشارة قالها رسولنا صلى الله عليه وسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (المبطون شهيد والمطعون شهيد)[15]. وفي رواية لمسلم: (ومن مات في البطن فهو شهيد)، يعني: أنه يعطى ما يعطاه الشهيد من الأجر والإكرام يوم القيامة، وما أعظمها من كرامة للمسلم إذا صبر على دائه، واحتسب أجره به عند ربه!


عباد الله، لقد ذكرت بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما ينال البطون من نار الآخرة، فيقول تعالى عن أهل جهنم وما يدخلونه إلى بطونهم: ﴿ إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ﴾ [الدخان: 43] ﴿ طَعَامُ الأَثِيمِ ﴾ [الدخان: 44] ﴿ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ﴾ [الدخان: 45] ﴿ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ﴾ [الدخان: 46]، ويقول عن مقدار هذا الطعام: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 51] ﴿ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ ﴾ [الواقعة: 52] ﴿ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ ﴾ [الواقعة: 53]. ويقول جل وعلا عن الشراب: ﴿ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ ﴾ [الحج: 19] ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾ [الحج: 20].


فليحذر الإنسان الحريص على نفسه أن يصير هذا المصير، وتكون بطنه وعاء لهذا العذاب المرير.


ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم عن الذي يشرب في آنية الذهب أو الفضة: (الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم)[16].


ويقول عن الذي كان في الدنيا يأمر الناس بالمعروف ولا يفعله، وينهاهم عن المنكر ويرتكبه: (يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه - يعني: تخرج أمعاءه - فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه)[17].


ألا فلنحفظ - عباد الله - بطوننا عما يضر أرواحنا وأجسامنا، وعما يعود علينا بالشر في دنيانا وأُخرانا، فاللبيب من سمع ووعى، وعما يضره كفّ وانتهى.


نسأل الله السلامة وأن يعيننا على الاستقامة، وأن يوفقنا لأداء شكر فضله علينا بنعمة البطن، وأن يجنبنا كل حرام يصل إليه.


هذا وصلوا وسلموا على النبي المختار...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني، صنعاء، في 19/ 5/ 1440ه، 25/ 1/ 2019م.

[2] رواه الترمذي، وهو حسن

[3] رواه البخاري.

[4] إحياء علوم الدين (2/ 58).

[5] حلية الأولياء (10/ 233).

[6] رواه مسلم.

[7] جامع العلوم والحكم (ص: 100).

[8] جامع العلوم والحكم (ص: 101).

[9] رواه مسلم.

[10] رواه البخاري.

[11] رواه الترمذي وابن حبان وابن ماجه، وهو صحيح.

[12] زهر الأكم في الأمثال والحكم (ص: 281).

[13] فيض القدير (4/ 242).

[14] لباب الآداب (ص: 118).

[15] رواه البخاري.

[16] متفق عليه.

[17] رواه مسلم.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • يا أم البطن! (قصة للأطفال)
  • صيام البطن عن أكل الحرام
  • إعلانات رمضان فقيرة التوعية والتثقيف .. " البطن أولا "

مختارات من الشبكة

  • احترام النفس البشرية في الحروب النبوية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أهمية حفظ المتون عند السلف(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • كراسة متابعة الطالب لحفظ المتون العلمية "من حفظ المتون حاز الفنون" (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (4) وسائل تسهيل الحفظ وتثبيته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (3) الحفظ النموذجي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (2) أسس حفظ القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الطريقة النموذجية لحفظ القرآن الكريم (1) مدخل إلى حفظ القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ اللغة العربية من حفظ الدين(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • أصول حفظ الكليات الخمس في بينات القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ البطن عن أكل الربا(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب