• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / مواضيع عامة
علامة باركود

شكر الله على نعمة الرجلين (خطبة)

شكر الله على نعمة الرجلين (خطبة)
عبدالله بن عبده نعمان العواضي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/1/2019 ميلادي - 6/5/1440 هجري

الزيارات: 26571

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شكر الله على نعمة الرجلين[1]

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [الأحزاب: 70-71].


أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي رسوله محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.


يقول الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور: 45].


أيها الناس، إن الخلق مظهر من مظاهر قدرة الله تعالى، وآية بديعة من آيات قوته وإتقان صنعه، والإنسان خلق من خلق الله جل وعلا أوجده سبحانه في هذه الدنيا تام الخلقة، مستوفي الأعضاء، جميل النشأة، حسن التصوير، فتبارك الله أحسن الخالقين.


ومما خلق الله تعالى من الأعضاء للإنسان: آلة المشي، ففي الآية السابقة ذكر الله تعالى أن ماء الحياة هو أصلٌ لخلق كل ما يدب على هذه الأرض، وبعد ذلك بيّن تعالى وسيلة مشي هذه المخلوقات؛ فذكر أن منها ما يمشي على بطنه كالأفاعي، ومنها من يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنها من يمشي على أربع كالأنعام.


ومن نظر في آلة مشي الإنسان يرى أن الله تبارك وتعالى قد ميزه بتلك الآلة عن سائر المخلوقات، فخلق له رجلين اتصفتا بأحسن ما يمكن أن تكون عليه من الصفات؛ فقد خلقهما الله تعالى اثنتين ولم يكونا واحدة، وجعلهما متساويتين غير متباينتين، وجعلهما في أسفل البدن لا في أعلاه، وكونهما أحسن تكوين، فأنشأهما من لحم وعظم وعصب ودم، وجعل فيهما القوة التي بها يستطيع الإنسان حمل جسمه، والمشي بهما إلى مسافات بعيدة، ودفع ما يريد دفعه، وغير ذلك مما يحتاج فيه إلى قوة الرجلين.


كما برأهما الله تعالى ليِّنتين ليستطيع بهما المرء سهولة الحركة وتنوع التصرف؛ فعليهما يمشي، وبهما يتسلق المرتفعات ويصعد العوالي، وعليهما يقعد أنواع القعدات، وغير ذلك من منافع لين الرجلين.


وكوّن سبحانه وتعالى كل رِجل من قدم وساق وركبة وفخذ، وفي كل واحد من هذه الأجزاء أشياء دقيقة من الخَلق ليكمل انتفاع الإنسان بها، فسبحان الخالق القدير!


أيها المسلمون، هذه منزلة الرجلين في الخلق والنفع، وأما منزلتهما في الشرع فإنهما فيه عضو ذو مكانة مهمة في بدن الإنسان؛ فلذلك رتب على الاعتداء عليهما القصاص في حال العمد: الرجل بالرجل واليمنى باليمنى واليسرى باليسرى، وفي حال الخطأ وشبه العمد رتب على ذلك عوضًا ماليًا، ففي الرجلين كلتيهما الدية كاملة، وفي كل رجل نصف الدية، وفي كل أصبع عشر من الإبل، قال الله تعالى: ﴿ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ﴾ [المائدة: 45]. وفي حديث عمرو بن حزم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل)[2].


عباد الله، ليتأمل الإنسان في نعمة الله عليه بالرجلين حتى يدرك عظم منة الله عليه بهما، فبرجليه يعيش حياة طبيعية مستقرة؛ يمشي بهما إلى حيث يشاء، ويتحرك كيف يشاء، ويلبس ما يشاء، ويمدهما ويثنيهما، ويرفعهما ويخفضهما، ويستعين بهما في صلاح عيشه الدنيوي كما يريد، ويتجمل بهما بين الناس بلا تعيير ولا نعت انتقاص يكدر خاطره، ويؤذي شعوره.


ولينظر نظرة أخرى إلى من أصيب في رجليه ببتر أو عرج أو عاهة أو ألمٍ كم يجد من العناء والنصب، ويفقد من المصالح والمنافع، ويلاقي من الضرر، ويخسر من المال والعافية، وكم يشتاق أن يكون ذا رجلين صحيحتين حتى يصل بذلك إلى ما يتمناه.


ألا فليستيقظ الإنسان الغافل الصحيح الرجلين بعد هذا ليشكر الله على هذه النعمة، قبل أن لا يذكر قدرها إلا بعد إصابته بها، نسأل الله السلامة للجميع.


وإن من شكر الله تعالى على نعمة الرجلين السليمتين: استعمالهما فيما يحب الله تعالى، وإبعادهما عما يكره ويسخط. سئل أبو حازم رحمه الله فقيل له: " فما شكر الرجلين؟ قال: إن رأيتَ ميتًا غبطتَه استعملت بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته كففتهما عن عمله وأنت شاكر لله عز وجل"[3].


أيها الأحبة الفضلاء، إن استعمال الرجلين في مصالح الحياة الدنيوية لا يغفل عنه الإنسان، لكن هناك أعمال صالحة يصل المرء إليها باستعمال نعمة المشي، وهذه هي التي يغفل عنها كثير من الناس، فكان لابد من التذكير بها حتى نسعى إليها.


فمن العبادات التي تؤديها الرجلان:

المشي إلى المساجد لصلاة الجماعة والجمعة، وها أنتم-أحبابي- قد وصلتم إلى هذا المسجد ماشين على أقدامكم أو راكبين سياراتكم فاحمدوا الله على هذه النعمة. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].


وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في بيان فضل المشي إلى الصلوات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يلقى الله غداً مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن؛ فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)[4].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من غسل يوم الجمعة واغتسل وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ؛ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها) [5].


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضًا: (وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة)[6].


وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا خرج المسلم إلى المسجد كتب الله له بكل خطوة خطاها حسنة، ومحى عنه بها سيئة حتى يأتي مقامه)[7].


وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم مشى إلى صلاة مكتوبة فصلاها مع الإمام غفر له ذنبه) [8].


ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: وصل الصفوف في الصلاة، وعدم ترك فرجة في الصف، ولذلك أجر عظيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجراً من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدّها)[9].


ومن العبادات التي تؤديها الرجلان كذلك: أداء بعض أفعال الصلاة، ومن ذلك القيام، وخاصة الوقوف الطويل في الصلاة كصلاة الليل، فعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً)[10]. وفي فضل القيام في الصلاة قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة القاعد نصف صلاة القائم)[11].

ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: السفر إلى الحج والعمرة والقيام بأعمالهما.


ومن العبادات كذلك: خدمة الوالدين، وقضاء حوائج المسلمين، والسعي على الأرملة واليتيم والمسكين، والشفاعة الحسنة للناس، والمشي إلى نصرة المظلوم.


فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ فقال: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم: تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دَينًا أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهراً، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضى ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يقضيها له ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام)[12]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله تعالى قدميه يوم تزل الأقدام)[13].


أيها المسلمون، ومن العبادات التي تؤديها الرجلان: الخروج لطلب العلم النافع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة)[14]." أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعي قاصداً به وجه الله تعالى جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلمًا مكرمًا"[15].


وقد ضرب علماؤنا السابقون رحمهم الله أروع الأمثلة في المشي إلى طلب العلم وقطعوا المسافات الطوال لإدراك بغيتهم من العلم[16]. حتى لقد سار جابر بن عبد الله رضي الله عنهما من المدينة إلى عبد الله بن أنيس رضي الله عنه في الشام من أجل حديث واحد![17].


ومن العبادات التي تؤديها الرجلان أيضًا: الخروج إلى طلب الرزق من أجل الاستعانة بذلك على عبادة الله، وإعفاف النفس عن الآخرين، وتوفير القوت للأهل والأولاد والتصدق على المحتاجين. قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].


عباد الله، ما أجمل أن يمشي المسلم إلى زيارة أخيه المسلم وتفقد أحواله وتجديد عهد المحبة بينهما، فالمشي إلى ذلك عبادة من العبادات، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً زار أخًا له في قرية أخرى فأرصد الله له على مدرجته ملَكًا فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه[18].


أما إذا كان المَزور مريضًا فالأجر أعظم، والأثر أكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عاد مريضًا أو زار أخاً له في الله ناداه مناد بأن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا)[19].


ومن حق المسلم على أخيه المسلم المشي إلى إجابة دعوته، وتشييع جنازته، كما قال عليه الصلاة والسلام: (حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده وإذا مات فاتبعه)[20].


ولمواضع العبرة نصيب للرجلين من العبادة، فالسير في الأرض للتفكر والنظر في بديع خلق الله، ورؤية مصارع العصاة والحائدين عن الحق عبادة، قال تعالى: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الأنعام: 11].


ومشي المسلم إلى المقابر للاتعاظ والاعتبار عبادة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإن فيها عبرة) [21].


أيها الأحبة الفضلاء، إن الإنسان إذا انحرف عن الهداية انحرفت قدمه عن الصراط المستقيم، فمشت رجلاه إلى أفعال سخط الله، أو مواضع غضبه تبارك وتعالى، وحينما نتكلم عن المشي بالرجلين إلى الحرام فإن ذلك يشمل من وصل إلى الحرام على قدميه أو على مركب، فلا فرق في ذلك.


فمن مشى إلى قتل نفس بريئة أو أخذ مال معصوم أو ممارسة فاحشة فقد عصى الله وما شكر ربه تعالى على نعمة المشي وغيرها من سائر النعم.


ومن سعى برجليه إلى الفتن واستشرافها فما أدى شكر نعمة المشي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ومن يشرف لها تستشرفه، ومن وجد ملجأ أو معاذاً فليعذ به)[22].


إن من سيئات الرجلين: أن يمشي بهما المسلم إلى النميمة أو تفرقة الصف المسلم أو إثارة الحقد والبغضاء بين المسلمين، فما أشد ما ينتظر هذا الماشي من العقاب، فعن ابن عباس قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة)[23].


ومن سيئات الرجلين: الاختيال في المشي تكبراً وزهواً، فالمسلم مأمور بالتواضع في المشي والبعد عن التكبر فيه، قال تعالى: ﴿ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18] ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل رأسه يختال في مشيته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة) [24].


وقال ابن إسحاق لما سرد قصة أبي دجانة وأخْذه السيف من رسول الله يوم أحد وتبختره بين الصفين به: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى أبا دجانة يتبختر: (إنها لمشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن)[25].


ومن سيئات الرجلين لدى المرأة: كشف قدميها وما فوقهما من الرجلين لينظر إليهما من لا يحل له النظر إلى ذلك، والمشي في الطرقات والأسواق بإصدار صوت الحذاء أو النعل للفت الأسماع والأنظار إليها ليعلم ما عندها من الحسن والزينة، قال تعالى: ﴿ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]. واللائق بالمؤمنة ستر زينتها إلا لمن أحل الله له النظر إليها، والمشي بين الناس بحياء من غير استدعاء النظر إليها، قال تعالى عن ابنة صاحب مدين: ﴿ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ ﴾ [القصص: 25].


ومن السيئات كذلك: أن يصيب الإنسان بقدمه أو رجله أحداً ظلمًا، ركلاً أو رفسًا، فمن فعل ذلك اقتص منه يوم القيامة.

ومن سيئات الرجلين أيضًا: الذهاب إلى أماكن اللهو والمجون كدور الرقص والغناء، وكذلك تتبع النساء وملاحقتهن في الأسواق والطرقات، فإن هذا العمل المشين لا يليق بذي خلق كريم، ولا بامرئ يخاف الله العظيم، ويخشى على حرماته. يذكر بعض أهل الأدب في القرون السالفة أن امرأة قدمت مكة للحج أو العمرة فطافت يومًا بالبيت وحدها، فجعل أحد الماجنين يتتبعها ويريد منها أن تكلمه وهي تأبى، وفي اليوم التالي جاءت لتطوف مع أخيها فجاء ذلك الرجل لملاحقتها، فلما رأى أخاها معها انكف وانزجر، فقالت متمثلة بقول أحد الشعراء:

تَعْدُو الذئابُ على مَنْ لا كِلاَبَ له *** وتَتّقي صَوْلَةَ المُسْتأسِدِ الحامي[26].

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أيها المسلمون، إن استقامة المرء في رجليه، بلزومها طريق الحق، وعدم انحرافهما عنها، دليل على محبة الله لصاحبها، فما أحسن أن يكون المسلم كذلك، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)[27]. والمعنى: أن الله يسدده في هذه الجوارح فلا يقع منه بها إلا الخير.


وأما من لم تستقم رجلاه على صراط الحق فليتذكر أنهما ستشهدان عليه يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65]، وعن أنس بن مالك قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مما أضحك؟ قال: قلنا الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فيقول: فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً، قال: فيختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي قال: فتنطق بأعماله قال: ثم يخلى بينه وبين الكلام قال: فيقول: بعداً لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل)[28].


عباد الله، ألا من كان منحرف الخطى عن الجادة سالكًا مناهج الغضب فليتب إلى ربه وليكن مثل ذلك القائل الكريم:

لعمرك ما أهويتُ كفّي لريبةٍ
ولا حملتني نحو فاحشةٍ رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها
ولا دلّني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماشٍ ما حييتُ بمنكر
من الأمر ما يمشي إلى مثله مثلي[29]

فعلى المسلم العاقل أن يسارع إلى مسالك الخيرات، ومواضع الطيبات، وخصال الصالحات، وليستغل نعمة المشي إلى ذلك قبل أن يندم حينما يحبس عن ذلك، وليكن له قدوة بأولئك الصالحين الذين يسارعون إلى الخير مع وجود الإعاقة في أرجلهم، فهذا عمرو بن الجموح رضي الله عنه كان رجلاً أعرج شديد العرج، وكان له بنون أربعة، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك فيه، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، وقال لبنيه: ما عليكم أن لا تمنعوه؛ لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه فقتل يوم أحد[30]، رضي الله عنه وأرضاه.


هذا وصلوا وسلموا على خير البشر...



[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في: 5/جمادى الأولى/1440هن 11 /1 /2019م.

[2] رواه النسائي، وهو صحيح بشواهده.

[3] حلية الأولياء (3/ 243).

[4] رواه مسلم.

[5] رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وهو صحيح..

[6] رواه محمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة بسند حسن.

[7] متفق عليه.

[8] رواه ابن خزيمة، وهو صحيح.

[9] رواه الطبراني في الأوسط، وهو حسن.

[10] متفق عليه.

[11] رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح.

[12] رواه الطبراني في الكبير، وهو حسن.

[13] رواه أبو نعيم وأبو الشيخ الأصبهاني، وهو حسن.

[14] رواه مسلم.

[15] المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (9/ 421).

[16] ينظر في هذا الموضوع كتاب: الرحلة في طلب الحديث، للخطيب البغدادي.

[17] جامع بيان العلم وفضله - مؤسسة الريان (1/ 186).

[18] رواه مسلم.

[19] رواه ابن ماجه، وهو صحيح.

[20] رواه مسلم.

[21] رواه أحمد، وهو حسن صحيح.

[22] متفق عليه.

[23] متفق عليه.

[24] متفق عليه.

[25] سيرة ابن هشام (2/ 66).

[26] كتاب الأغاني، للأصفهاني (1/ 88).

[27] رواه البخاري.

[28] متفق عليه.

[29] أمالي القالي (ص: 241).

[30] سيرة ابن هشام (2/ 90).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الغيث وشكر الله
  • شكر الله عز وجل
  • شكر الله بالقول والعمل
  • شكر الله على نعمه
  • نعمة الرجلين (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المسلم وشكر الله على نعمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر النعم ونعمة المركبات والسيارات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • رسالة للحسن بن وهب (255هـ) في الشكر ووصية صاحبه(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شكر الله على نعمة الأمن (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • خطبة: شكر النعم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر النعم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شكر النعم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وجوب شكر النعم وشأنه في العاجلة والآجلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • شكر النعم في رمضان (خطبة)(مقالة - موقع العميد: عبدالعزيز بن عبدالله القصير)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب