• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    سمات المسلم الإيجابي (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    المصافحة سنة المسلمين
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    الدرس الثامن عشر: الشرك
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    مفهوم الموازنة لغة واصطلاحا
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (5)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من نفس عن معسر نجاه الله من كرب يوم القيامة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

شمولية القدوة في حياة نبي الأسوة صلى الله عليه وسلم

شمولية القدوة في حياة نبي الأسوة صلى الله عليه وسلم
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2018 ميلادي - 2/4/1440 هجري

الزيارات: 36224

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

شمولية القدوة في حياة نبي الأسوة صلى الله عليه وسلم

 

أما بعد:

إخوة الإسلام، إن الأمةَ الإسلامية تعيش مرحلةً عصيبة تفتقد فيها إلى القدوات التي تعمل على بناء جيل النصر المنشود الذي يُعيد للأمة مكانتها وريادتها بين سائر الأمم، وأصحبت الأضواء تسلَّط على التافهين والتافهات ممن لا خلاقَ لهم مِن الممثلين والمهرجين، وجعلهم قدوات لأبناء الأمة؛ مما أنتج جيلًا مسخًا إمعة، حتى رأينا مَن يسخر من الصحابة والتابعين والدعاة، وحالنا وحالهم كما قال الشاعر:

إِذَا عَيَّرَ الطَّائِيَّ بِالْبُخْلِ مَادِرٌ
وَعَيَّرَ قسًا بِالْفَهَاهَةِ بَاقِلُ
وَقَال السُّهَا لِلشَّمْسِ أَنْتِ كَسِيفَةٌ
وَقَالَ الدُّجَى لِلْبَدْرِ وَجْهُكَ حَائِلُ
فَيَا مَوْتُ زُرْ إِنْ الْحَيَاةَ ذميمةٌ
وَيَا نَفْسُ جِدِّي إِنَّ دَهْرَكِ هَازِلُ

 

وجوب الاقتداء بإمام الأنبياء:

اعلَم علمني الله وإياك أنه يجب على كل مسلم ومسلمة الاقتداء والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم; فالاقتداء أساس الاهتداء؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، قال ابن كثير: "هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمِرَ الناسُ بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز وجل"[1].


اعلموا أن الله أمرنا بطاعته ومتابعته والاقتداء به، ووعد على ذلك محبته وجنته ورضوانه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، وقال سبحانه: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]، وحذرنا الله تعالى من مخالفة أمره، فقال تعالى: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، فإن بيان المشروع من العبادات والأعمال لا يعرف إلا من طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أمره الله أن يُبين للناس ما نزل إليهم من ربهم، فقال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 44].

 

شمولية القدوة بالنبي صلى الله عليه وسلم:

والنبي الأمين صلى الله عليه وسلم، هو الإنسان الكامل في إيمانه، الكامل في خلقه، الكامل في معاملته، الكامل في قيادته، لذا جعله الله تعالى لنا أسوة شاملة كاملة، فقال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].

 

فلم يتهم النبي صلى الله عليه وسلم بجانب من جوانب الحياة، ويهمل الجانب الآخر، ولم يهتم بقضية من القضايا، ويهمل القضايا الأخرى، بل كان صلى الله عليه وسلم متوازنًا مع جميع مناحي الحياة، ففي العبادة هو إمام العابدين، وفي الحياة الزوجية هو أسوة للأزواج أجمعين، وفي الأبوة تجده الأب الحنون الرحيم، وفي القيادة تجده القائد الأعظم الذي جمع بين الحزم واللين، بين الشدة والرفق الرفق بين العدل والعفو...

 

قال ابن حزم: مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمَنِّه، آمين.

 

وإليكم عباد الله صورًا من مجالات الأسوة في حياته صلى الله عليه وسلم:

الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة به عبادةً:

إخوة الإسلام، نبينا الهمام صلى الله عليه وسلم هو أعبد الخلق للخالق سبحانه وتعالى، وأخشاهم وأتقاهم، لذا كانت عبادته وطاعته صلى الله عليه وسلم دستورًا للسالكين وسراجًا للعارفين، فهو يقوم وينام ويصوم ويفطر؛ وذلك لأنه أسوة لأمته في الطاعة والعبادة؛ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) [2].


كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يبكي حتى يبل الثرى؛ عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَزُورَنَا، فقَالَ: أَقُولُ يَا أُمَّهْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: زُرْ غِبًّا تَزْدَدْ حُبًّا، قَالَ: فَقَالَتْ: دَعُونَا مِنْ رَطَانَتِكُمْ هَذِهِ، قَالَ ابْنُ عُمَيْرٍ: أَخْبِرِينَا بِأَعْجَبِ شَيْءٍ رَأَيْتِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَسَكَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا كَانَ لَيْلَةٌ مِنَ اللَّيَالِي، قَالَ: «يَا عَائِشَةُ ذَرِينِي أَتَعَبَّدُ اللَّيْلَةَ لِرَبِّي»، قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَكَ، وَأُحِبُّ مَا سَرَّكَ، قَالَتْ: فَقَامَ فَتَطَهَّرَ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ حِجْرَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ لِحْيَتَهُ، قَالَتْ: ثُمَّ بَكَى فَلَمْ يَزَلْ يَبْكِي حَتَّى بَلَّ الْأَرْضَ، فَجَاءَ بِلَالٌ يُؤْذِنُهُ بِالصَّلَاةِ، فَلَمَّا رَآهُ يَبْكِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا، لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَةٌ، وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191][3].


وكان صلى الله عليه وسلم يصوم ويفطر ويقوم ويرقد قدوةً لأمته ولاتباعه صلى الله عليه وسلم؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَوْمِهِ تَطَوُّعًا، قَالَ: "كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا، وَمَا كُنَّا نَشَاءُ أَنْ نَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ، وَلَا نَرَاهُ نَائِمًا إِلَّا رَأَيْنَاهُ" [4].


وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يضحك حتى تبدو نواجذه صلى الله عليه وسلم:

عن ابْن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم قال: (إِنِّي لأعْلم آخر أهل النَّار خُرُوجًا وَآخر أهل الْجنَّة دُخُولًا، إِلَى أَن قَالَ: فَيَقُول الله تَعَالَى: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجنَّة، فَإِن لَك مثل الدُّنْيَا وَعشر أَمْثَالها، فَيَقُول: أَتسخر بِي وَأَنت الْملك)، قَالَ: فَلَقَد رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ضحك حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه) [5].

 

قال ابن القيم: "وكان جل ضحكه صلى الله عليه وسلم التبسم، بل كله تبسم، فكان نهاية ضحكه أن تبدو نواجذه، وكان يضحك مما يضحك منه، وهو مما يتعجب من مثله، ويُستغرب وقوعه ويستندر"[6].

يا من له الأخلاق ما تهوى العُلا
منها وما يتعشَّقُ الكُبراءُ
زانتْكَ في الخُلُق العظيمِ شمائل
يُغرَى بهن ويُولعُ الكُرماءُ

 

الرسول صلى الله عليه وسلم زاهدًا:

ومن صور حياته صلى الله عليه وسلم التي ترسم لنا معاني الرضا والقناعة: زهده صلى الله عليه وسلم، وهو من هو؟! أكرم الخلق وحبيب الحق صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.

 

كان يدعو الله أن يجعل عيشه كفافًا:

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: (اللهُمَ قَنِّعْنِي بِمَا رَزَقْتَنِي، وَبَارِكْ لي فِيهِ، وَاخْلُفْ عَلَيَّ كُلَّ غَائِبَةٍ لِي بِخَيْرٍ)[7].


عن عمر رضي الله عنه قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ، فَجَلَسْتُ، فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ، وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ، وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ، قَالَ: فَابْتَدَرَتْ عَيْنَايَ، قَالَ: «مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ»، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَمَا لِي لَا أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لَا أَرَى فِيهَا إِلَّا مَا أَرَى، وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَأَنْتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَفْوَتُهُ، وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الْآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا؟»، قُلْتُ: بَلَى [8].


وعن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: "ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر" [9].

 

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم"[10].

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما شبِع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام بُرٍّ ثلاث ليال تباعًا حتى قُبض" [11].

من ألبس الدنيا السعادة حلة
فضفاضة لبس القميص مرقَّعا
وهو الذي لو شار نالت كفه
كل الذي فوق البسيطة أجمَعا
مسك به اختتم المهيمن رسله
وأبان أمرَ الدين والدنيا معا


الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة به زوجًا:

النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة في بيته مع نسائه صلى الله عليه وسلم، فوضع لنا أسس التعامل مع المرأة، وكيف تكون الحياة الزوجية حياة طيبة سعيدة؛ عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَلَيه وسَلم بِيَدِهِ خَادِمًا قَطُّ، وَلاَ امْرَأَةً، وَلاَ شَيْئًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلاَ انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ مِنْ شَيْءٍ يُؤْتَى إِلَيْهِ، حَتَّى تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ فَيَكُونُ هُوَ يَنْتَقِمُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ خُيِّرَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا، حَتَّى يَكُونَ إِثْمًا، فَإِذَا كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ الإِثْمِ[12].

 

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه كان يخدم أهله، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ككثير من الأزواج الذين يتكبرون ويأنفون من مساعدة زوجاتهم، ويعاملونهن بمبدأ السيد والأمة، كلَّا بل كان النبي صلى الله عليه وسلم عطوفًا رحيمًا متواضعًا في بيته؛ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ فَصَلَّى[13].


الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة به أبًا:

أيها الآباء، نحن الآن نفتقد الأسوة والقدوة لدى كثير من الآباء والأمهات؛ يقول أحد الدعاة: جاءني ذات مرة رجل يشتكي من شرب أبنائه للدخان، وأنه أعيته الحيل في منعهم عن ذلك، فقالت له: وأنت هل تدخن؟ قال: نعم، قلت: إذًا كيف تريد أن ينتهوا وأنت تنهاهم بلسانك وتحثهم على الدخان بفعلك؟!

 

فالوالد يدخن أو يدمن المخدرات والأم متبرجة، والبيت لا ترى فيه من يصلي أو يقرأ القرآن، فلا بد أن يكون المنتج الذي ينتج عن تلك الأسرة رديئًا، وغير سوي، يهدم ولا يبني، يُخرب ولا يعمر، يفرِّق ولا يؤلِّف..

 

أيها الآباء، هيَّا لنرى الوالد الأسوة والقدوة كيف ربَّى أبناءَه على الصلاح والفلاح؛ إنه حبيب الله صلى الله عليه وسلم.

 

دعوته لهنَّ للإسلام بالحسنى رحمةً بهن:

يا من لا تأمر أبناءَك بالصلاة، وتراهم يجاهرون بالإفطار في شهر رمضان، أنت مسؤول أمام الله تعالى عن ذلك، وأريدك أن تتأمل حال النبي صلى الله عليه وسلم مع بناته الطاهرات رضي الله عنهن أجمعين.

 

عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، قَالَ: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ - أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ، لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ أُغْنِى عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لاَ أُغْنِى عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مالِي لاَ أُغْنِى عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا) [14].

قال ابن إسحاق: وأما بناته، فكلهن أدركن الإسلام، فأسلمن، وهاجرنَ معه صلى الله عليه وسلم.

 

عنايته صلى الله عليه وسلم بهن في مرضهن حتى في أشد الأوقات:

فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج لبدر أمر عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يبقى عند زوجته رقية بنت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت مريضة، فعن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ - أي: عثمان بن عفان - عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - وهي رقية - وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ) [15].

 

السرور وحسن الاستقبال لبناته صلى الله عليه وسلم:

عن عَائِشَة أُمِّ الْمُؤْمِنِيِنَ رضي الله عنها قَالَتْ: إِنَّا كُنَّا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهُ جَمِيعًا لَمْ تُغَادَرْ مِنَّا وَاحِدَةٌ، فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَام تَمْشِي، لَا وَاللَّهِ مَا تَخْفَى مِشْيَتُهَا مِنْ مِشْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ قَالَ: (مَرْحَبًا بِابْنَتِي)، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ سَارَّهَا، فَبَكَتْ بُكَاءً شَدِيدًا، فَلَمَّا رَأَى حُزْنَهَا، سَارَّهَا الثَّانِيَةَ، فَإِذَا هِيَ تَضْحَكُ، فَقُلْتُ لَهَا أَنَا مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ: خَصَّكِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسِّرِّ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ أَنْتِ تَبْكِينَ، فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلْتُهَا عَمَّا سَارَّكِ، قَالَتْ: مَا كُنْتُ لِأُفْشِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قُلْتُ لَهَا: عَزَمْتُ عَلَيْكِ بِمَا لِي عَلَيْكِ مِن الْحَقِّ لَمَّا أَخْبَرْتِنِي، قَالَتْ: أَمَّا الْآنَ فَنَعَمْ، فَأَخْبَرَتْنِي قَالَتْ: أَمَّا حِينَ سَارَّنِي فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ قَدْ عَارَضَنِي بِهِ الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلَا أَرَى الْأَجَلَ إِلَّا قَدْ اقْتَرَبَ، فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي، فَإِنِّي نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ)، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ بُكَائِي الَّذِي رَأَيْتِ، فَلَمَّا رَأَى جَزَعِي سَارَّنِي الثَّانِيَةَ، قَالَ: (يَا فَاطِمَةُ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) [16].


أمرهن بالحجاب والستر في اللباس:

ومن صور الأبوة الرحيمة التي تخاف على بناتها من عذاب الله تعالى، ومن فتنة الدنيا - أمرهنَّ صلى الله عليه وسلم بناته بالحجاب وذلك استجابةً لأمر الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 59].

 

فاين الآباء والأمهات من أحوال ومِن لباس بناتهنَّ؛ حيث تخرج الفتيات سافرات متبرجات، فيحدث ما لا تُحمد عقباه من تحرُّش أو اختطاف واغتصاب، والسبب الرئيس في ذلك هو غفلة الآباء والأمهات عن فريضة الحجاب التي تحصن البنات من الذئاب البشرية.

 

الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة قائدًا:

إخوة الإسلام، نبينا الهمام عليه الصلاة والسلام في مجال القيادة يتصدر البشرية جمعاء؛ لأن الذي علَّمه هو رب الأرض والسماء، فضرب أروع الأمثلة في فن القيادة للبشرية، وهاكم بيان ذلك بحول الله وطوله.

 

قائد متواضع رقيق صلى الله عليه وسلم:

مع كونه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أولَ الناس، وأَوْلى بالمؤمنين من أنفسهم، فإنه كان شديد التواضع لأدنى الناس منزلةً قبل أعلاهم؛ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَقْبَلَهُ الرَّجُلُ فَصَافَحَهُ لاَ يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ الَّذِي يَنْزِعُ، وَلاَ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَصْرِفُهُ وَلَمْ يُرَ مُقَدِّمًا رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ [17].


عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا يَنْزِعُ يَدَهُ مِنْ يَدِهَا حَتَّى تَذْهَبَ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ مِنَ الْمَدِينَةِ، فِي حَاجَتِهَا»[18].


عادل يراعي الضعيف قبل القوي والبعيد قبل القريب صلى الله عليه وسلم:

وكان الناس عنده سواسية لا يحابي في الحق ولدًا ولا بنتًا، ولا حميمًا ولا قريبًا، ولا كبيرًا ولا عظيمًا، بل الأمة كلها عنده سواء، ولا يعطي أعزَّ أهله قبل أن يعطيَ عموم الأمة من العطاء؛ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ حَسَنٍ الضَّمْرِيِّ أَنَّ ابْنَ أُمِّ الْحَكَمِ أَوْ ضُبَاعَةَ ابْنَتَيِ الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ عَنْ إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا قَالَتْ: أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْيًا، فَذَهَبْتُ أَنَا وَأُخْتِي وَفَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَأْمُرَ لَنَا بِشَىْءٍ مِنَ السَّبْي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «سَبَقَكُنَّ يَتَامَى بَدْرٍ»، ثُمَّ ذَكَرَ قِصَّةَ التَّسْبِيحِ قَالَ عَلَى أَثَرِ كُلِّ صَلاَةٍ لَمْ يَذْكُرِ النَّوْمَ [19].

أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعَلتنا من أمَّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.

 

أما بعد:

فقائد صبور يتغافل عن الأخطاء صلى الله عليه وسلم:

يبقى المسيء بالسماحة والرفق، ويصبر على إساءته، ويدَعُ معاقبته؛ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قَسْمًا، أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اعْدِلْ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ؟ قَدْ خِبْتُ وَخَسِرْتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ»، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْهُ...» [20].


وحين يصل إليه أن أحد رعيته قد أساء القول فيه، والناقل له من أخص أصحابه الثقات، يذكِّر نفسه بما أصاب إخوانه من الأنبياء ويصبر، قَالَ عَبْدُاللَّهِ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْمًا، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَاحْمَرَّ وَجْهُهُ قَالَ شُعْبَةُ: وَأَظُنُّهُ قَالَ: وَغَضِبَ حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أُخْبِرْهُ، قَالَ شُعْبَةُ: أَحْسَبُهُ قَالَ: «يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَمُوسَى»، شَكَّ شُعْبَةُ فِي: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَمُوسَى؛ قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" [21].

 

ومن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأسف عند إيقاع العقوبة على من ارتكب حدًّا، ويعرف ذلك أصحابه رضوان الله عليهم، بل ربما بكى صلى الله عليه وسلم؛ عن عَبْدِاللهِ، قَالَ: إِنِّي لَأَذْكُرُ أَوَّلَ رَجُلٍ قَطَعَهُ، أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ، وَكَأَنَّمَا أُسِفَّ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّكَ كَرِهْتَ قَطْعَهُ؟ قَالَ: " وَمَا يَمْنَعُنِي، لَا تَكُونُوا عَوْنًا لِلشَّيْطَانِ عَلَى أَخِيكُمْ، إِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَدٌّ أَنْ يُقِيمَهُ، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22][22].

 

وروى أبو يعلى عن علي رضي الله تعالى عنه قال: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد سرق فأمر بقطعه، ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، تبكي فقال: «وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم»؟ قالوا: يا رسول الله، ألا عفوت عنه، قال: ذلك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود، ولكن تعافوا بينكم [23].

 

وهكذا، فإن الحصيف من الناس يطلب السلامة في آخرته، فيتحلل من المظالم أو يردها، خشية أن يحاسب عليها يوم القيامة، وأُسوته في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم القائل: «من كان لأخيه عنده مظلمة من مال أو عرضٍ، فليتحلله اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهمٌ، إلا الحسناتُ والسيئاتُ» [24].

الدعاء...



[1] تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي السلامة (6/ 391).

[2] أخرجه: البخاري 6/ 169 ( 4837 )، ومسلم 8/ 141-142( 2820 ) ( 81 ) عن عائشة، وأخرجه: البخاري 6/ 169 ( 4836 )، ومسلم 8/ 141 ( 2819 ) ( 79 ) ( 80 ) عن المغيرة.

[3] صحيح ابن حبان مخرجًا (2/ 387)، «السلسلة الصحيحة» (68)، «التعليق الرغيب» (2/ 220).

[4] مسند أحمد ط الرسالة (21/ 131)، إسناده صحيح على شرط الشيخين، وأخرجه البيهقي 3/ 17 من طريق أبي حاتم الرازي، عن محمد بن عبدالله الأنصاري بهذا الإسناد، وانظر (12012).

[5] البخاري (5/ 2402، رقم 6202)، ومسلم (1/ 174، رقم 186).

[6] زاد المعاد (1/ 182).

[7] رواه ابن خزيمة: [4/ 217] [2728]، والحاكم: [1/ 626]؛ قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ولم يُخرجاه، وحسَّنه ابن حجر في الفتوحات الربانية: [4/ 383]).

[8] أخرجه مسلم (2/ 1105، رقم 1479)، وأبو يعلى (1/ 149، رقم 164).

[9] رواه البخاري: [6455]).

[10] رواه مسلم: [2970]).

[11] رواه البخاري: [5416]، ومسلم: [2970]).

[12] أخرجه عبدالرزاق (9/ 442)، وأحمد (6/ 281، رقم 26448)، وعبد بن حميد (ص 430، رقم 1481)، وابن عساكر.

[13] مسند أحمد ط الرسالة (41/ 423) إسناده صحيح على شرط الشيخين.

[14] رواه البخاري ( 2602 )، ومسلم ( 206 )..

[15] أخرجه البخاري (3/ 1139، رقم 2962)، وأخرجه أيضًا: الترمذي (5/ 629، رقم 3706) وقال: حسن صحيح.

[16] أخرجه: البخاري 8/ 79 ( 6285 ) و( 6586 )، ومسلم 7/ 142 ( 2450 ) ( 98 ).

[17] (أخرجه الترمذي، في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، باب تواضعه من جليسه 4/ 564 (2490)).

[18] رواه البخاري 8/ 24 ( 6072 ) معلقًا.

[19] (أخرجه البخاري في آخر كتاب: الأنبياء 6/ 513 (3475) وغيره، ومسلم في كتاب: الحدود، باب: قطع السارق الشريف وغيره 3/ 1315 (1688)).

[20] صحيح: أخرجه البخاري (3610) في المناقب، باب: علامات النبوة في الإسلام، ومسلم (1064) في الزكاة، باب: ذكر الخوارج وصفاتهم، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد ذكر البخاري ومسلم تتمة كلام أبي سعيد عقب حديثه السابق.

[21] (أخرجه البخاري في كتاب الأدب: باب من أخبر صاحبه بما يقال فيه 10/ 475 (6059)).

[22] (أخرجه أحمد (4168)، 419 (3977)، وصححه الحاكم 4/ 424 (8155))،

[23] مجمع الزوائد (6/ 262) وعزاه لأبي يعلى؛ انظر فتح الباري 12/ 87.

[24] أخرجه البخاري، ح (2429).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القدوة
  • القدوة الحسنة
  • القدوة
  • أثر القدوة في سرعة الاستجابة
  • القدوة والاقتداء
  • القدوة لغة واصطلاحا

مختارات من الشبكة

  • النبي - صلى الله عليه وسلم - القدوة والأسوة(مقالة - ملفات خاصة)
  • نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في التواضع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: كان صلى الله عليه وسلم رحيما بالمؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • القدوة والأسوة الحسنة محمد صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ثناء الأنبياء على الله تعالى (7) ثناء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ربه سبحانه(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • من فضائل النبي: أكرم الله جبريل بأن رآه النبي صلى الله عليه وسلم في صورته الحقيقية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من فضائل النبي: استأذن ملك القطر ربه ليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خاتم النبيين (31): كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والزعماء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل نبي ولاة من النبيين)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 21/11/1446هـ - الساعة: 10:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب