• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    نفحات تربوية من الخطب المنبرية (PDF)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    أهمية العمل وضرورته
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    حق الكبير في البر والإكرام (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    تفسير: (قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الحديث السابع: تفسير الحياء من الإيمان
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    كلمة في اجتماع الكلمة (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    تخريج حديث: من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    من مشاهد القيامة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الفيل (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    خطبة: آداب المجالس
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    الغايات والأهداف من بعثة الرسول صلى الله عليه ...
    أبو سلمان راجح الحنق
  •  
    آيات الصفات وأحاديثها
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    صحبة النور
    دحان القباتلي
  •  
    منهج أهل الحق وأهل الزيغ في التعامل مع المحكم ...
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    بلدة طيبة ورب غفور (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    مواقيت الصلوات: الفرع الرابع: وقت صلاة العشاء
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

موعظة الشتاء (خطبة)

موعظة الشتاء (خطبة)
أحمد بن عبدالله الحزيمي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/12/2018 ميلادي - 3/4/1440 هجري

الزيارات: 30703

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

موعظة الشتاء


الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِنْعامِهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَنِّهِ وَإكْرَامِهِ، الْحَمْدُ للَهِ الَّذِي ﴿ جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ﴾ [يونس: 5]، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ؛ أَبَانَ لِعِبَادِهِ مِنْ آياتِهِ مَا بِهِ عِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبَرِينَ وَهِدَايَةٌ للمُهتدِينَ وَحُجَّةٌ عَلَى الْمُعَانِدِينَ الْمُلْحِدِينَ.


وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَهُ الْأَوَّلِينَ والآخرينَ، بِيَدِهِ مَلَكُوتُ السَّماواتِ والأَرْضِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إمَامُ المتقينَ، وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، فَصَلَوَاتُ اللَّهِ وَسلامُهُ عَلَيهِ وَعَلَى آله وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

أما بعدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا النَّاسُ - فَإِنَّهَا خَيْرُ الْوَصِيَّةِ، فِي كُلِّ وَقْتٍ وَفِي كُلِّ حالٍ: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ"، لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنَ الْوَصِيَّةِ بِهَا. إِنَّ تَقْوَى اللَّهِ تُورِثُ الْمَرْءَ فِي الدُّنْيا انْشِراحًا وَانْبِساطًا، وَفِي الْآخِرَةِ فَوْزًا وَسُرُورًا: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].


عِبَادَ اللَّهِ:

مِنْ آيَاتِ اللَّهِ السَّاطِعَةِ وَالشَّاهِدَةِ: خَلْقُ اللَّيْلِ وَالنّهارِ، وَتَعَاقُبُ السُّنُونِ وَالْأَعْوَامِ، وَسُرْعَةُ انْقِضائِهَا، وَمَجِيءُ الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى اِخْتِلاَفِهَا كَمَا قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، وَإِنَّ هَذَا التَّنوَّعَ فِي فُصُولِ السَّنَةِ وَتَنْقُّلَهُ وَتَغَيُّرَهُ يَدْعُو الْمُسْلِمُ إِلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ فِي الْكَوْنِ الْفَسِيحِ، وَمَا أَوْدَعَ اللهُ فِيهِ مِنَ الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ، إِذْ لَوْ كَانَ الزَّمانُ كُلُّه فَصْلاً وَاحِدًا لَفَاتَتْ مَصَالِحُ الْفُصُولِ الْباقِيَةِ، وَقَدْ خَصَّ اللَّهُ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ كُلَّ فَصْلٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ.


عِبَادَ اللَّهِ:

هَذِهِ الْأيَّامُ نَعيشُ بِدَايَةَ فَصْلِ الشِّتَاءِ، حَيْثُ التَّغَيُّرُ الْوَاضِحُ فِي دَرَجَاتِ الْحَرارَةِ، فَقَدْ كُنَّا قَبْلَ أيَّامٍ نُعَانِي مِنْ شِدَّةِ حَرارَةِ الْجَوِّ، وَنَبْحَثُ عَنِ الْبُرودَةِ مُسْتَخْدِمِينَ شَتَّى الْوَسَائِلِ وَالسُّبُلِ، وَها نَحْنُ فِي هَذِهِ الْأيَّامِ، نُعَانِي مِنْ بُرودَةِ الْجَوِّ، فَسُبْحَانَ مُغَيِّرِ الْأَحْوالِ. إِنَّ هَذَا التَّغْيِيرَ وَالْاِنْتِقالَ -أَيُّهَا الإخوَةُ- فِيهِ دَليلٌ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْكَوْنِ مُدَبِّراً وَمُتَصَرِّفاً. لَهُ مُدَبِّرٌ يُدَبِّرُ شُؤونَهُ، وَمُتَصَرِّفٌ يَتَصَرَّفُ بِهِ، وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلاَلُهُ.


عِبَادَ اللَّهِ:

إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي تَقَلُّبِ فُصُولِ الْعَامِ يرَى عَظِيمَ صُنعِ اللهِ، وَحِكْمَتَهُ وَتَدْبِيرَهُ، ويَرَى فَضْلَهُ عَلَى عِبَادِهِ، فَفِي الشِّتَاءِ تتَجَلَّى قُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكمَتُهُ، وَفِي هَذَا الْفَصْلِ الَّذِي دَائِمًا نَنْتَظِرُ أيَّامَهُ لِمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ، نَجِدُ فِيهِ الْعِبَرَ والآياتِ مِنْ بَرْدٍ وَمَطَرٍ وَصَواعِقَ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ وَتَغْيِيرٍ لِوَجْهِ الْأرْضِ، لِتَتَعَلَّقَ قُلُوبُ الْعِبَادِ بِالرَّبِّ الْوَاحِدِ الْأحَدِ الْمُتَصَرِّفِ فِي شُؤُونِ الْكَوْنِ بِعِلمِهِ وَحِكمَتِهِ.


وَتَأَمَّلُوا مَعِي -عِبَادَ اللَّهِ- هَذِهِ الْحِكْمَةَ الْبالِغَةَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَقِيَامِ الْحَيَوَانِ وَالنّباتِ عَلَيهِمَا، وَتَفَكَّرُوا فِي دُخُولِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِالتَّدَرُّجِ وَالْمُهْلَةِ حَتَّى يَبْلُغَ نِهَايَتَهُ، وَلَوْ دَخَلَ عَلَينَا مُفَاجَأَةً لأَضَرَّ ذَلِكَ بِالأبدانِ وَالنّباتِ وَالْحَيَوَانِ فَأَهْلَكَهَا، وَلَوْلَا لُطْفُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ وَرحمتُهُ وَبِرُّهُ وَإحْسَانُهُ لَمَا كَانَ ذَلِكَ، فَنَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى عَلَى جَزِيلِ فَضْلِهِ، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُوزِعَنَا شُكْرَ نِعَمِهِ إِنَّه قَرِيبٌ مُجِيبٌ.


عِبَادَ اللَّهِ:

حينمَا يَدْخُلُ فَصْلُ الشِّتَاءِ يَعْنِي أَنَّ السَّمَاءَ فَوْقَنَا سَتَتَغَيَّرُ، وَأَنَّ الْأرْضَ تَحْتَنَا سَوْفَ تَتَجَدَّدُ، وَأَنَّ الْهَوَاءَ مِنْ حَوْلِنَا سَوْفَ يَتَأَثَّرُ. وَالسُّؤَالُ الْمُلِحُّ هُوَ: بِقُدْرَةِ مَنْ وَقَعَ ذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي أَذِنَ بِذَلِكَ؟ وَمَنِ الَّذِي يَمْلِكُ تِلْكَ الْقُدْرَةَ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ؟ أَسَأَلُوا الْعُلَمَاءَ، حَاوِرُوا الْخُبرَاءَ، بَلْ اسأَلُوا أهْلَ الْأرْضِ قَاطِبَةً، مَنْ مِنْكُمْ فَعَلَ ذَلِكَ؟ لَنْ تَجِدَ إِجَابَةً مِنْ أحَدٍ مُطْلَقًا. فَالْكُلُّ هُنَا يَخْنِسُ؟ لَنْ تَجِدَ جَوَابًا فِي الْأرْضِ وَلَكِنَّكَ سَتَجِدُ الْجَوَابَ فِي السَّمَاءِ فَقَطُّ، مِنْ رَبِّ السَّمَاءِ فَقَطُّ، مِنْ الْقَادِرِ الْمُقْتَدِرِ سُبْحَانَه، الَّذِي أَخَبَرَ عَنْ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ حينما قَالَ: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ وَمَا يَجْرِي فِي السَّمَاءِ وَالْأرْضَ مِنْ تَغَيُّرَاتٍ هُنَا وَهُنَاكَ فَهِيَ بِأَمْرِهِ سُبْحَانَه. فحينَمَا يَذْهَبُ فَصْلٌ وَيَأْتِي فَصْلٌ فَبِإِذْنِ اللهِ، وحينمَا تَرْتَوِي أرْضٌ وَتَجُفُّ أرْضٌ فَبِأَمْرِ اللهِ، وحينمَا تَفْتَحُ السَّمَاءُ أَبْوَابَهَا بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ فَبِإِذْنِ اللهِ، وحينما تُمْسِكُ السَّمَاءُ مَاءَهَا فَبِإِذْنِ اللهِ، وحينما تُنْبِتُ أرْضٌ وَتُمْسِكُ أُخْرَى فَهُوَ بِأَمْرِهِ، فَرَبُّكَ هُوَ قَيُّومُ السَّماواتِ وَالْأرْضِ، وَهُوَ مَالِكُ خَزَائنِ السَّماواتِ وَالْأرْضِ، ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22].


وَلِذَلِكَ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُ- إِذَا دَخَلَ الشِّتَاءُ عَلَيكَ وَرَأَيْتَ أثَرَ قُدْرَتِهِ وَقُوَّتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَرحمتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمُلْكِهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَحَرَّكَ قَلْبُكَ، وَيَزِيدَ إيمَانُكَ وَتَقْوَى عَقِيدَتُكَ، إِنَّ الْبَعْضَ لَا يَرَى فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ سِوَى أَنَّ مَنْسُوبَ الْمَاءِ يَزِيدُ وَقُوَّةَ الْبَرْدِ تَشْتَدُّ، وَتَعُمُّ السُّيُولُ، وَتَخْضَرُّ الْأرْضُ وَتَكْثُرُ الْحاجَةُ لِلْمَدَافِئِ، دُونَ أَنْ يَنْبِضَ قَلْبُ هَؤُلَاءِ بِلَحَظَاتِ تَفَكُّرٍ وَتَأَمُّلٍ إِيمانِيَّةٍ، يَتَذَكَّرُ فِيهَا أَنَّ الشِّتَاءَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، قَالَ سُبْحَانَه: ﴿ إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الجاثية: 3 - 6].


عِبَادَ اللَّهِ:

إِنَّ أَخْذَ الْأُهْبَةِ لِهَذَا الْفَصْلِ مِنَ الْعَامِ، وَالاِسْتِعْدَادَ لَهُ بِأَنْوَاعِ الْمَلاَبِسِ وَالْمَدَافِئِ هُوَ مِنْ بَابِ الْأخْذِ بِالْأَسْبَابِ الَّتِي هَيَّأَهَا الْمَوْلَى سُبْحَانَه لَنَا، وَأَنْعَمَ بِهَا عَلَينَا، وَكَانَ الْخَلِيفَةُ الْمُسَدَّدُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْه إِذَا حَضَرَ الشِّتَاءُ تَعَاهَدَهُمْ وَكَتَبَ لَهُمُ الْوَصِيَّةَ قائلاً: "إِنَّ الشِّتَاءَ قَدْ حَضَرَ وَهُوَ عَدُوٌّ، فَتَأَهَّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ مِنَ الصُّوفِ وَالْخِفَافِ وَالْجَوَارِبِ، وَاتَّخِذُوا الصُّوفَ شِعَارًا وَدِثَارًا؛ فَإِنَّ الْبَرْدَ عَدُوٌ، سَرِيعٌ دُخُولُهُ، بَعِيدٌ خُرُوجُهُ".


عِبَادَ اللَّهِ:

نَحْنُ نَعيشُ الْآنَ فِي نِعْمَةٍ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ، فَنَلْبَسُ ونُغَيِّرُ فِي كُلِّ عَامٍ، وَنَقْتَنِي كُلَّ وَاقٍ يَقِينَا مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ، فنَنَامُ مُلْتَحِفِينَ، وَنَخْرُجُ إِلَى مَسَاجِدِنَا بمِثْلِ ذَلِكَ، وَيَعِيشُ بَعْضُنَا وَكَأَنَّه فِي وَسَطِ الصَّيْفِ، لَيْسَ ذَلِكَ إلّا مِنْ نِعْمَةِ الْخَالِقِ سُبْحَانَه عَزَّ وَجَلَّ. وحِينمَا نَأْخُذُ بِالْاِسْتِعْدَادِ لِتهيِئَةِ بُيُوتِنَا بالمدَافِئِ وَالْمَلاَبِسِ الشِّتْوِيَّةِ وَأَجْوَدِ أَنْوَاعِ الْفُرُشِ، فإنَّ مِنْ إِخْوَانِنَا الْفُقرَاءِ مَن يَجْلِسُونَ جلسَتَهُمُ العَائِليةَ بِلَا مَدَافِئَ أَوْ سَخَّانَاتٍ أَوْ مَلاَبِسَ شِتْوِيَّةٍ... وَتَرْتَعِدُ أَجْسَادُهُمْ فِي جُنْحِ اللَّيَالِي مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ وَرُبَّما ذَهَبَ أَطْفَالُهُمْ إِلَى مَدَارِسِهِمْ مِنْ غَيْرِ الْكِسَاءِ الَّذِي يَلْبَسُهُ أَبْنَاؤُنَا وَإِخْوَانُنَا فَيَخْتَرِقُ الْبَرْدُ عِظَامُهُمْ... وَلَيْسَ ذَلِكَ إلّا مِنْ قِلَّةِ ذَاتِ الْيَدِ، وَقِلَّةِ الْمُحْسِنِينَ الَّذِينَ كَانُوا يُتَابِعُونَهُمْ فِي رَمَضانَ ثُمَّ غَفَلُوا عَنْهُمْ... وَمِنْ أُولَئِكَ الْفُقرَاءِ كَثِيرٌ مِنَ الْعُمَّالِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ لَدَيْنَا وَيَعِيشُونَ قَرِيبًا مِنَّا مِنْ أَصْحَابِ الرَّوَاتِبِ الزَّهِيدَةِ، فَلَا يَدْرِي أحَدُهُمْ هَلْ يُنْفِقُ رَاتِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَمْ يَبْعَثُ بِهِ إِلَى أُسْرَتِهِ.


عِبَادَ اللَّهِ:

تَفَقَّدُوا هَؤُلَاءِ وَأَغِيثُوهُمْ وَأَعِينُوهُمْ؛ "فَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"، و"مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْه كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" كمَّا صَحَّ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.


وإنْ نَنْسَى -أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ- فَلَا نَنْسَى إِخْوَانَنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا، جُنُودَنَا الْمُرابِطِينَ عَلَى الْحُدودِ الذينَ يَحْمُونَ بِلادَنَا بِلادَ الْحَرَمَيْنِ بِأَرْواحِهِمْ فِي هَذِهِ الظُّروفِ وَالْأَحْوالِ، فَلَا تَنْسَوْهُمْ مِنَ الدُّعاءِ الصَّادقِ الْمُسْتَمِرِّ؛ أَنْ يَنْصُرَهُمُ اللهُ وَيَدْحَرَ عَدُوَّهُمْ، وَلَا تَنْسَوْا أُسَرَهُمْ وَذَوِيهِمْ، تَفَقَّدُوا أَحْوالَهُمْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ قَالَ: "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.


اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا إلَهَنَا فِي تَعَاقُبِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ عَبِرَةً ومُدَّكَرًا، وَفِي تَوالِي الشُّهورِ وَالْفُصُولِ وَالْأَعْوَامِ عِظَةً وَمُعْتَبَرًا.


أقولُ هَذَا الْقَوْلَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، إِنَّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، ذِي الْفَضْلِ وَالْإحْسَانِ، وَالصَّلاَةُ وَالسّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَقُدْوَتِنَا مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

 

أمَّا بعدُ:

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الشِّتَاءُ مَرْتَعٌ خَصْبٌ لِلصَّالِحِينَ، يَتَزَلَّفُونَ فِيه بِشَتَّى الطَّاعَاتِ، وَيَتَقَرَّبُونَ إِلَى رَبِّهِمْ بِمُخْتَلِفِ الْقُرُبَاتِ، وَلِهَذَا جَاءَ - فِي الْمُسْنَدِ والترمذيِّ وَحَسَّنَهُ الألبانيُّ - أَنَّ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَمَ قال: «الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ: الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ»، وَمَعْنَى كَوْنِهِ "غَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ" أَنَّهَا غَنِيمَةٌ حَصَلَتْ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَلَا تَعَبٍ وَلَا مَشقَّةٍ. فَيَسْتَفِيدُوا مِنْ قِصَرِ النَّهَارِ، فَيَصُومُوهُ لِقِلَّةٍ سَاعاتِهِ وَعَدَمِ حاجَةِ الْجِسْمِ إِلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، أَمَّا لَيْلُ الشِّتَاءِ؛ فَلِطُولِهِ كَانَ فُرْصَةً ثَمينَةً لِلْقِيَامِ والتَّهجُّدِ والدُّعاءِ وَالاِسْتِغْفارِ؛ حَيْثُ يَتَسَنَّى لِلْبَدَنِ أَنْ يَأْخُذَ حَظَّهُ الْوَافِي منَ النَّومِ، ثُمَّ يَقُومُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الصَّلاةِ فَيُنَاجِي ربَّهُ، وَيَدْعُوهُ.


مَعَاشِرَ الْأَحِبَّةِ:

وَإِنْ تَعْجَبُوا مِنْ شَيْءٍ، فعَجَبٌ مِنْ حَسْرَةِ الصَّالحينَ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَتَحَسَّرُونَ، وَمِنْ بُكائِهِمْ عَلَى مَاذَا يَبْكُونَ، فَهَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ جَعَلَ يَبْكِي، وَاشْتَدَّ بُكاؤُهُ؛ فَقِيلَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ: "إِنَّمَا أَبْكِي عَلَى ظَمَأِ الْهَوَاجِرِ، وَقِيَامِ لَيْلِ الشِّتَاءِ، وَمُزَاحَمَةِ الْعُلَمَاءِ بِالرُّكَبِ عِنْدَ حِلَقِ الذِّكْرِ"، اللهُ أكْبَرُ! يَبْكُونَ عَلَى فَوَاتِ انْقِطاعِ الطَّاعَاتِ عَنْهُمْ، وَحِيلَةِ الْمَوْتِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ.


عِبَادَ اللَّهِ: هَذِهِ أَخْبَارُ مَنْ قَبْلَنَا مَعَ فَصْلِ الشِّتَاءِ، أَمَّا أَخْبَارُ بَعْضِنَا وَتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ فَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

وَأَخِيرًا -أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ- فَإِنَّ مِنْ كَمَالِ نَعِيمِ أهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ فِيهَا حَرًّا وَلَا بَرْدًا، قَالَ قَتادَةُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: عَلِمَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ تُؤْذِي وَشِدَّةَ الْبَرْدِ تُؤْذِي، فَوَقَاهُمْ أَذَاهُمَا جَمِيعًا: ﴿ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 13].

ثم صَلُّوا - عِبَادَ اللَّهِ - وَسَلِّمُوا علَى مَن أُمِرْتُمْ بالصَّلاةِ والسَّلامِ عَليهِ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وجاء الشتاء (خطبة)
  • أحكام الشتاء (خطبة)
  • الشتاء (خطبة)
  • الشتاء أحكام وعبر
  • الشتاء والبرد (خطبة)
  • الشتاء والنزهة (خطبة)
  • خطبة فيها موعظة
  • موعظة في تمييز الإنسان بالعقل
  • غنائم وكنوز الشتاء (خطبة)
  • مواعظ الشتاء (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • موعظة وذكرى(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • سلسلة شرح الأربعين النووية: الحديث (28) «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة...» (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من قصص أنطونس السائح ومواعظه: (3) صاحب الكرم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجلة الموعظة الحسنة الجدارية... العدد الثالث (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مجلة الموعظة الحسنة الجدارية... العدد الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الإسلام أمرنا بدعوة وجدال غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجلة الموعظة الحسنة الجدارية... العدد الأول (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • من قصص أنطونس السائح ومواعظه: (2) صاحب الحية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حق الكبير في البر والإكرام (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك
  • أعمال شاملة لإعادة ترميم مسجد الدفتردار ونافورته التاريخية بجزيرة كوس اليونانية
  • مدينة نابريجناي تشلني تحتفل بافتتاح مسجد "إزجي آي" بعد تسع سنوات من البناء
  • انتهاء فعاليات المسابقة الوطنية للقرآن الكريم في دورتها الـ17 بالبوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 29/3/1447هـ - الساعة: 16:42
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب