• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة
علامة باركود

عالمية الأخلاق الإسلامية

عالمية الأخلاق الإسلامية
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/12/2018 ميلادي - 23/3/1440 هجري

الزيارات: 16429

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عالمية الأخلاق الإسلامية

 

أما بعد:

أمة الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، نقف اليوم مع عالمية الأخلاق في الرسالة الإسلامية؛ لنتعرف على جانب مشرق من جوانب الشريعة الغرَّاء، ولنتعرف على الأخلاق التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت تلك الأخلاق عالمية في طبعها؟ فهي لا تُفرِّق بين عربي ولا عجمي، ولا بين أبيض ولا أسود، ولا بين مسلم وكافر، فالأخلاق في الإسلام تتَّسم بالثبوت، فهي ثابتة لا تتغيَّر ولا تتلوَّن.

 

يقول الرافعي رحمه الله: لو أنني سئلت أن أُجمل فلسفة الدين الإسلامي كلها في لفظين، لقلتُ: إنها ثبات الأخلاق، ولو سئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يُوجز علاج الإنسانية كلها في حرفين، لما زاد على القول: إنه ثباتُ الأخلاق، ولو اجتمع كلُّ علماء أوروبا ليدرسوا المدنية الأوروبية، ويحصروا ما يعوزها في كلمتين، لقالوا: ثباتُ الأخلاق[1].

 

• يقصد بثبات الأخلاق الإسلامية: أن الفضائل الأساسية للمجتمع من صدق ووفاء وأمانة وعفة وإيثار - من الفضائل الاجتماعية المرتبطة بنظام الشريعة العامة؛ كالتسمية عند الطعام، وإفشاء السلام، وتحريم الخلوة بالأجنبية، كلها أمور لا يستغني عنها مجتمع كريم، مهما تطورت الحياة، وتقدم العلم؛ بل تظل قيمًا فاضلة ثابتة.

 

اعلموا يا رعاكم الله أن الأخلاق في الإسلام لا تتغير ولا تتطور تبعًا للظروف الاجتماعية والأحوال الاقتصادية؛ بل هي حواجز متينة ضد الفوضى والظلم والشر؛ كما قال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]، وإليكم أيها الأحباب صورًا مشرقة من الأخلاق الإسلامية التي اتَّسمت بالعالمية:

أولًا: الرحمة رحمة عالمية: الرحمة في الإسلام خلق عظيم، بل قصر وحصر الله الرسالة والرسول في كلمة واحدة ألا وهي الرحمة؛ فقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].

 

قال ابن عباس في تفسيرها: "من آمن بالله ورسوله تمت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عُوفي مما كان يصيب الأمم في عاجل الدنيا من العذاب من الخسف والمسخ والقذف، فذلك الرحمة في الدنيا"، ومصداق هذا في كتاب الله عز وجل؛ حيث قال: ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 32، 33].

 

وها هو صلى الله عليه وسلم يُعلنها رحمةً عامةً بكل مَن في الأرض من إنس وحيوان وهوام وجماد، فيأمرنا ويحضنا على الرحمة بالجميع؛ لننال رحمة الله تعالى، عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء، الرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصلَه الله، ومن قطعها قطعه الله)) [2].

 

شمولية رحمته صلى الله عليه وسلم العالمين جميع العالم: والرحمة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم عمَّ نورُها جميع تلك العوالم رحمة حتى بالطير:

عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تُعَرِّشُ[3]، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها))، ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: ((من حرق هذه؟)) قلنا: نحن قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار)) [4].

 

رحمة بالمخالفين من الأمم والشعوب التي لم تؤمن به:

وهام بعض الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو على المشركين بالهلاك والعذاب، فكان رد النبي الأوَّاب صلى الله عليه وسلم أنه لم يبعث لعانًا وإنما هو رحمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: ((إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا؛ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً)) [5].

 

وقد روى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه، "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولةً، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان"[6].

 

كان غُلامٌ يهوديٌّ يَخدمُه صلى الله عليه وسلم فمَرِضَ، فأتاهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعودُهُ، فقعَد عندَ رأسه، فقال لهُ: ((أسلِمْ))، فنظَرَ إلى أبيهِ وهوَ عندَهُ، فقال له: أطِعْ أبا القاسِم صلى الله عليه وسلم، فأسلمَ، فخَرَجَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((الحمدُ للَّهِ الذي أنقَذَهُ منَ النار)) [7].

 

عن خالد بن الوليد رضي الله عنه قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، فأتت اليهود، فشكوا أن الناس قد أسرعوا إلى حظائرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا لا تحلُّ أموال المعاهدين إلا بحقِّها)) [8].

 

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قدم طفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن دوسًا عصت وأبَتْ، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: ((اللهم اهدِ دوسًا وأتِ بهم)) [9]؛ رواه البخاري.

 

ثانيًا: العدل عادلة عالمية:

اعلم بارك الله فيك أن العدل أساس الملك، وبالعدل قامت السماوات والأرض، والشريعة الغرَّاء جاءت لتعمِّم العدل على جميع العالمين؛ على المسلمين وغير المسلمين، على المحاربين، وغير المحاربين، فهي بحقٍّ شريعة عالمية عادلة؛ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [النساء: 58].

 

العدل:

مع كل الناس كافرهم ومؤمنهم، غنيِّهم وفقيرهم، قويِّهم وضعيفهم، أبيضهم وأسودهم، كيف؟ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]؛ أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم؛ بل يجب العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاءً أم أعداءً.

 

قَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الممتحنة: 8].

 

يقول الرب تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]، وقال ابن كثير: "ومن هذا قول عبدالله بن رواحة رضي الله عنه لَمَّا بعَثه النبي صلى الله عليه وسلم يَخْرُص على أهل خيبر ثمارَهم وزرعهم، فأرادوا أن يَرْشُوه ليَرفُق بهم، فقال: والله لقد جئتكم من عند أحب الخَلْق إليَّ، ولأنتم أبغض إليَّ من أعدائكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على ألا أعدلَ فيكم، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض" [10].

 

هذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يأمر مناديَه أن يُنادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها، قام إليه رجل ذمِّي من أهل حمص فقال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله، قال: وما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس، ما تقول؟ قال: نعم، أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلًا، فقال عمر: ما تقول يا ذمِّي؟ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم، كتاب الله أحق أن يُتَّبع من كتاب الوليد، قم فاردُد عليه ضيْعتَه، فردَّها عليه [11].

 

اشتكى يهودي عليًّا إلى عمر رضي الله عنهما، وكان جالسًا بجانبه، فقال له عمر: "قم يا أبا الحسن، قف بجانب اليهودي موقف القضاء"، وبعد تبرئة علي باعتراف اليهودي، لاحظ عمر على وجه عليٍّ تَغيُّرًا، فقال له: "أوَقد ساءك أني أوقفتك بجانب اليهودي موقف القضاء"، فقال علي: "لا، وإنما خشيت ظنَّ اليهودي مُحاباتي عليه؛ لما ناديته باسمه، وناديتني بيا أبا الحسن"، وهذا عمر رضي الله عنه أيضًا يقول في رسالته إلى أبي موسى الأشعري يوصيه: "ساوِ بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييئَس ضعيف من عدلك".

 

يقول غوستاف لوبون: "فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب، ولا دينًا سَمْحًا مِثل دينهم"[12].

 

ثالثًا: خلق الوفاء وفاء عالمي شمولي:

ومن الأخلاق العالمية التي هي مِن أُسس الأخلاق في الإسلام الوفاء بالعهود والمواثيق، ولقد أمَر المولى سبحانه عباده بالوفاء ونهاهم عن الغدر، ونقض العهود، فقال سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، وقال سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾ [النحل: 91]، وقال: ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152]، وقال سبحانه: ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 95]، ومن هنا وجَب على كل مسلم ومسلمة الوفاء بالعهود التي أخَذها الله علينا، وأخذناها على أنفسنا.

 

والذي يتدبَّر القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ليجد أن الوفاء ليس مقصورًا على المسلمين أنفسهم؛ بل هو عام لكل إنسان على ظهر الأرض، فيجيء الوفاء بالعهد، ولا ينظر إلى دين المعاهد، ولا لونه ولا وطنه، فالكل سواء أمام شريعة رب الأرض والسماء؛ قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 91].

 

تعال أخي المسلم إلى سيرة مَن علَّم البشريَّة الوفاء بالعهد، إلى سيرة سيِّدنا محمد صلى الله عليه وسلم لنأخذ موقفًا واحدًا من المواقف العظيمة التي جسَّد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم خُلق الوفاء بالعهد، قبل غزوة "بدر" يخبره حذيفة بن اليمان، والحديث في "صحيح مسلم": أن كفَّار "قريش" قد أخذوه قبل أن يدخل المدينة هو وأبا حُسَيل، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا، قلنا: ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عَهْد الله وميثاقه لننصرفَنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معك يا رسول الله، فماذا قال لهما صاحب الوفاء يا تُرى؟ ماذا قال لهما مَنْ بعثه الله ليتمِّمَ به مكارم الأخلاق؟ ومع أنه كان في أشدِّ الحاجة إلى الرجال ضد المشركين الذين أخرجوه من مكة، الذين سفكوا دماء المسلمين، واستحلُّوا أموالهم، وعذَّبُوهم أشدَّ العذاب، وبالرغم من كلِّ هذا، قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصرفَا نَفِي لهم بعَهْدِهم، ونستعين الله عليهم)) [13].

 

يرسل إليه أبو عبيدة بن الجرَّاح يَستفتيه في فتوى غريبة جدًّا، ويقول له: إنَّ أحد الجنود قد أمَّن قرية من بلاد العراق على دمائهم وأموالهم وهي في طريقنا، فماذا نصنع؟ وتأمَّل معي في هذا الموقف الغريب: جندي - لا يُعرف اسمه - من جيش المسلمين يُعطي الأمان لقرية بأكملها، وربَّما هذه القرية إن لم تفتح، فقد تكون ثَغرة عظيمة يتضرَّر بها المسلمون كثيرًا إذا انقلَبت عليهم.

 

فبماذا أجابه الفاروق عمر رضي الله عنه؟ قال بعد حمد الله والثناء عليه: "إن الله تعالى قد عظَّم الوفاء، ولا تكونون أوفياءَ حتى تفوا، فأوفوا لهم بعهدهم، واستعينوا الله عليهم" [14].

 

وفاء مع المؤمنين ووفاء مع المخالفين:

وتأمل في قول الله عز وجل: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾ [الأنفال: 58].

 

قال أبو جعفر الطبري: "يقول تعالى ذكره: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾ يا محمد مِن عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد: أن ينكث عهده، وينقض عقده، ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر: ﴿ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾ يقول: فناجزهم بالحرب، وأَعْلِمْهم قبل حربك إياهم أنك قد فسَخت العهد بينك وبينهم بما كان منهم من ظهور أمارات الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾: الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبين أن يغدر به، فيحاربه قبل إعلامه إيَّاه أنه له حربٌ، وأنه قد فاسَخه العقدَ.

 

كان من شروط صلح الحديبية أن يردَّ المسلمون من جاءهم من قريش مسلمًا دون أن يأذن أولياؤه، فلما عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم المعاهَدةَ مع سهيل بن عمرو، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه، فلما رأى سهيل أبا جندل، قام إليه فضرب وجهه، ثم قال: يا محمد، قد لجَّت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا، قال: ((صدقت))، فقام إليه فأخذ بتلابيبه، وصرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني؟! فزاد الناس شرًّا إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا جندل، اصبِر واحتسب؛ فإن الله عز وجل جاعلٌ لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدًا، وإنا لن نغدر بهم)) [15].

 

ومن صور الوفاء التي حث عليها الله وأمر بها الوفاء مع العدو وعد الغدر والخيانة؛ يقول المولى سبحانه وتعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 4].

 

ومن صور الوفاء مع العدو أيضًا أن معاوية رضي الله عنه كان بينه وبين الروم أمد، فأراد أن يدنوَ منهم، فإذا انقضى الأمد غزاهم، فإذا شيخ على دابة، يقول: "الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يحلن عقدة، ولا يشدها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء))، فبلغ ذلك معاوية، فإذا الشيخ عمرو بن عبسة"[16].

 

وفي خلافة عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كتب إلى عدي بن أرطأة: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه، وضعُفت قوته، وولَّت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يُصلحه" [17].

 

ومن عجائب ما يؤثر إبَّان فتح الأندلس أن امرءًا إسبانيًّا اعتدى على فتى من العرب وقتَله، ثم فرَّ هاربًا حتى رأى بستانًا فلجأ إليه، فدخله فوجد فيه شيخًا جليلًا، فاستجار به؛ ليجيره من شرِّ أعدائه، فخبَّأه الرجل في مكان منفرد، ثم ارتفع الصياح بفناء البستان، ودخل نفر من الناس يحملون القتيل، فنظره الشيخ فوجده ابنه، واعتقد أن ذلك الشاب الذي التجأ إليه هو الذي قتل ابنه، فأخذ منه الحزن مأخذه، ولكن الشيخ قد أخفى حزنه، وانتظر حتى أقبل الليل، وهدأت الأصوات، ثم قام ودخل على الفتى، وأنبأه بنبئه الحادث المؤلم، فهلع فؤاد الفتى لهول المصاب، وكاد يموت من الخوف؛ ولكن الرجل رأى من الوفاء أن يؤمن ويهدئ رَوعه حتى سُرِّي عنه، ثم قال: ما كنت لأخفر ذمتي وأنقض عهدي معك؛ ولكن لا آمن عليك من قومي أن يقتلوك، فخُذ مؤونة سفرة، وارحَل عني، والله ولي أمري".

أقول قولي، وأستغفر الله لي ولكم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان، ولك الحمد أن جعَلتنا من أمَّة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، أما بعد:

رابعًا: الإحسان عالميٌّ:

ومن الأخلاق الرفيعة التي جاء بها دين الإسلام خُلقُ الإحسان، وعندما نُقلِّب صفحات القرآن الكريم والسنة المطهرة، نرى بوضوح أن هذا الخلق خلق عالمي عاش تحت مِظلته الناس قاطبة؛ بل تعدَّاهم حتى شمل الحيوان، ويتضح ذلك في فتح مكة حينما دخلها رسول الله والمسلمون، وقد أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم سادة مكة، فقال لهم: ((ما تظنُّون أني فاعلٌ بكم))، قالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم، فقال قولته المشهورة والتي دان له بها أهل قريش من المشركين بعد فتح مكة، قال: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء)) [18].

 

يقول ول ديورانت: "لقد كان أهل الذمة يتمتَّعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد نظيرًا لها في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، وكانوا يتمتَّعون بحُكْم ذاتي يخضعون فيه لعلمائهم وقضاتهم وقوانينهم" [19].

 

وهذا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه يُوصِي أسامةَ بن زيد وجيشه: "يا أيها الناس، قفوا أُوصِكم بعشرٍ، فاحفظوها عني: لا تخونوا ولا تَغُلُّوا، ولا تَغدِروا ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأةً، ولا تَعقِروا نخلًا، ولا تُحرِّقوه، ولا تقطعوا شجرة مُثمِرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرُّون بأقوام قد فرَّغوا أنفسَهم في الصوامع، فدَعُوهم وما فرَّغوا أنفسهم له".

 

مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بباب قوم وعليه سائل يسأل: شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ قال: يهودي، قال: فما ألجأك إليَّ ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضُرَباءه، فوالله ما أنصفناه، أن أكلنا شبيبته، ثم نخذله عند الهرم: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ [التوبة: 60]، والفقراء هم المسلمون، وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضُربائه [20].



[1] مجلة الرسالة/ العدد 115.

[2] أخرجه الحميدي (591) و(592)، وأحمد (2/ 160) (6494).

[3] أي: ترفرف بأجنحتها، انظر: معالم السنن 2/245.

[4] أخرجه: البخاري في "الأدب المفرد" (382).

[5] أخرجه مسلم (4 /2006، رقم 2599).

[6] أخرجه مالك «الموطأ» (277)، وأحمد (2 /22) (4739).

[7] أخرجه: البخاري 2/118 (1356).

[8] أخرجه أحمد (4 /89، رقم 16862)، وأبو داود (3 /356، رقم 3806).

[9] أخرجه البخاري (3 /1073، رقم 2779)، ومسلم (4 /1957، رقم 2524).

[10] تفسير القرآن العظيم (1: 565).

[11] البداية والنهاية؛ ابن كثير (9: 213).

[12] حضارة العرب؛ غوستاف لوبون، ص720.

[13] صحيح الإمام مسلم (12/ 144).

[14] ((مصنف ابن أبي شيبة)) (12 /453 و454)، ((مصنف عبد الرزاق)) (5 /222)، ((سنن سعيد بن منصور)) (2 /274)، ((الأموال)) (ص200، رقم 500).

[15] مسند أحمد (18413) بسند صحيح، وأصله عند البخاري في صحيحه.

[16] الأموال؛ لابن زنجويه (1 /170).

[17] كتاب الأموال؛ أبو عبيد، ص (57).

[18] ابن الأثير؛ الكامل (2/ 252).

[19] خلاصة التحقيقات في الرد على الشبهات والتصورات ص 66.

[20] كتاب الخراج، أبو يوسف، ص: (126).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الأخلاق الإسلامية
  • الأخلاق الإسلامية وأهميتها للمجتمع الإنساني
  • رمضان وخصوصية تعزيز القيم والمبادئ والأخلاق الإسلامية
  • إندونيسيا: ملكة جمال الأخلاق الإسلامية ردا على ملكة جمال العالم

مختارات من الشبكة

  • عالمية اللغة العربية بعالمية القرآن الكريم سمة ملازمة لها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • اتفاق تعاون بين الندوة العالمية وجامعة تيريسا العالمية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مكتب الندوة العالمية بسريلانكا يحصل على شهادة الجودة العالمية الآيزو(مقالة - المسلمون في العالم)
  • عالميتنا الإسلامية أم عولمتهم المتوحشة (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • بالتعاون مع المراكز الإسلامية الندوة العالمية في البرازيل تعقد الملتقى الشبابي الثالث للمسلمين الجدد والأقليات(مقالة - المسلمون في العالم)
  • عالمية الشريعة الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخصائص العالمية للتربية الاقتصادية الإسلامية(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الصحة بين الأيام العالمية والهدية الإسلامية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البرازيل: الندوة العالمية تشارك في الاحتفال بيوم الجالية الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)
  • مكتب الندوة العالمية في البرازيل يقيم الدورة الثالثة لمدرسي اللغة العربية والتربية الإسلامية(مقالة - المسلمون في العالم)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب