• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

مقاصد سورة يس

أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/11/2018 ميلادي - 21/3/1440 هجري

الزيارات: 50116

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مقاصد سورة يس

 

 

"سلسلة منبريَّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبدالبديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبدالبديع أبو هاشم".

 


 

 

أيها الإخوة المسلمون الكرام، سنستأنف الحديث بعد انقضاء موسم رمضان، نستأنف حديثنا حول مقاصد سور القرآن الكريم، حيث نطلع على السورة بشكلٍ عام من حيث اسمها وفضلها - إن كان لها فضلٌ خاص - وموضوعاتها التي احتوتها واشتملتها، وهدفها الذي تحمله للأمة وتهدف إليه من بعيد، وتناسبها بين سور القرآن الكريم، وهذا يعطينا نظرةً عامةً على سور القرآن، وهذا لونٌ من ألوان التفسير وهو التفسير الموضوعي للقرآن الكريم، وقد بلغنا بفضل الله تعالى سورة يس، وهي التي نعيش معها في هذه الساعة المباركة، سائلين المولى سبحانه وتعالى أن يفتح لنا كنوزها، وأن يُبصِّرنا بأسرارها، وأن يرزقنا من دروسها ما يبلِّغنا رضاه.

 

 

 

أيها الأحبة الكرام، سورتنا اليوم هي سورةٌ معروفة، فهذا هو اسمها المعروف سورة يس وليس لها اسمٌ آخر [1]، وهي سورةٌ شاع عنها أنها ذات فضلٍ مخصوصٍ من بين سور القرآن، وورد في فضلها بعض الأحاديث في كتب السنة، إلا أن علماء الحديث حكموا على كل ما ورد في فضل سورة يس بأنها أحاديث ضعيفة لا تقوى للعمل بها، فضعفُها شديدٌ، وبالتالي فلا يُعتمد عليها في إثبات فضل هذه السورة[2]، ومن ذلك ما رُوي من أن ((لكل شيءٍ قلبًا ويس قلبُ القرآن))، أو ((وقلب القرآن يس))[3]، وما رُوي أيضًا: ((يس لما قُرأت له...)) وغير ذلك [4].

 

 

 

أما عن زمان نزول هذه السورة، فإنه كان قبل الهجرة، إذًا هي من السور المكية[5]، وقبل الهجرة لم يبعد النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة أيضًا، ما خرج منها إلا نادرًا تجاه الطائف ونحو ذلك، فمعظم ما نزل قبل الهجرة أو أكثره نزل في مكة، في حدود مكة، فهي سورةٌ مكيةٌ زمانًا ومكانًا، نزلت في حدود مكة كأرض وبلد، ونزلت في الزمان المكي قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وذكر بعض العلماء أن نزولها في مكة كان قبل نزول سورة الفرقان.

 

 

 

أيها الأحبة الكرام، سورتنا حينما نستعرض موضوعاتها التي اشتملتها نجدها بدأت بالقسم العظيم ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 1 - 3]، يقسم الله تبارك وتعالى بكتابه الذي هو هذا القرآن على صدق بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول حق ونبي صدق لم يفتر شيئًا لا على الخالق ولا على المخلوق، وما بعثه الله تعالى إلا رحمةً للناس كما يرسل دائمًا رحمةً بالعباد، وبيَّن وظيفته أنه بُعث لينذر هؤلاء الناس الذين لم يأتهم نذيرٌ من قبل ذلك ولا عهد لهم بالرسالات، فكل ما عندهم من معتقدات وتصورات وفهم عن الدنيا وما فيها؛ إنما هي أهواء، إنما هي نظرات سطحية، فلم يأتهم تعريفٌ حقيقيٌّ بالكون وما فيه، ولا تشريعٌ حكيمٌ يُعبد الله به، وهذه أول مرة ﴿ لِتُنْذِرَ قَوْمًا ﴾ [يس: 6] ﴿ مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ ﴾ [القصص: 46] ، ﴿ مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ ﴾ [يس: 6] لم يُنذر الآباء ولا الأجداد ولم يأتهم نذير من قبلك، كما في سورةٍ أخرى فلم يأتهم رسولٌ من عند الله ، فكانت هذه أول مرة يُبعَثُ فيها رسولٌ إلى أمة العرب، وهو محمد بن عبدالله.

 

 

 

إنما ما يُقال من أن هؤلاء كانت فيهم بعض الموروثات عن ملة إبراهيم وعن دين إسماعيل، نعم، ولكنها بقايا قليلة ليست منهجًا كاملًا أو متكاملًا، ليست رسالة بأكملها، إنما هي بقايا تناثرت في الأجيال حتى وصلت إليهم، مع ما سمِعوا عن بعض كتب أهل الكتاب على ما فيها من تحريف وتبديل؛ إنما أن جاءهم رسول؛ لم يحصل ذلك، أن جاءهم منذرٌ منهم، أول منذر لهم هو رسول الله محمد بن عبدالله المكي القرشي عليه الصلاة والسلام، وكما تعلمون لقد قابلوا هذه الرسالة وحاملها ومبلِّغها صلى الله عليه وسلم بالصدود والعناد والتكذيب والإعراض، واستغربوا أن يأتي رسولٌ من البشر، واستغربوا كذلك واستعظموا أن يكون الرسول المبعوث هو محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، ولم يأت أمر البعثة والرسالة لواحد ممن يعظمهم الناس من أصحاب النوادي ممن يطعمون الناس ويسقونهم، ممن لهم تبع كثير في الجاهلية، كانوا يعدون هؤلاء ملأً وعظماءَ، فكيف تأتي الرسالة السماوية لهذا اليتيم الفقير، ولم تأت لواحد من العظماء الأغنياء الشعراء البلغاء، وهكذا، فردوا رسالة ربهم، واستنكروا للنبي صلى الله عليه وسلم الذي بُعث فيهم وهو منهم، حتى تنكَّروا لقرابته، وتنكَّروا لصدقه وأمانته عليه الصلاة والسلام، فساق الله لهم مثالًا مما حدث في بني إسرائيل بعد يوشع عليه السلام، وأيام إلياسين أو أيام ياسين، ويقال: هو حبيب النجار رجلٌ معروفٌ بالصلاح في بني إسرائيل، كان راعيًا عليهم بالنبوة والدعوة في زمان من الأزمان.

 

 

 

قصَّ الله عليهم قصته حينما بعث الله ثلاثة أنبياء أو ثلاثة رسل إلى قريةٍ من القرى بغض النظر عن اسمها فلا تنشغل بذلك، فكذبوا هؤلاء الرسل، جاءهم اثنان فكذبوهما فعززهما الله بثالث فكذبوه أيضًا، فجاء من أقصى المدينة من هناك من بعيد رجلٌ، بغض النظر عن اسمه أيضًا لا تنشغل بهذا، إنما هو بموقفه هذا بنصرة دين الله، وبتأييد رسل الله، وبالنصح الأمين لقومه، كان رجلًا، رجلًا بمعنى الكلمة، بغض النظر عن ذكورته، فلو فعلت هذا الدور امرأة لكانت في مقام ومصافِّ الرجال؛ لذلك سمَّاه الله هنا رجلًا ولم يُسمِّه باسمه، فهذا أكرم له، والرجال مواقف، جاء وعلَّم قومه أن هؤلاء رسلٌ من عند الله صادقون لا يبتغون أجرًا ولا يطلبون دنيا، فاتبعوهم وأنا قبلكم اتبعتهم وآمنت بربكم، وأعلنت أنه واحدٌ لا شريك له، مهما أصابني بشيءٍ لا يستطيع أحدٌ أن يفكَّ عني هذا الضر أبدًا حتى يفكه الله ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ [يس: 25، 26] بمجرد أن أعلن إيمانه بين قومه أجهزوا عليه فقتلوه، وبمجرد أن قُتل جاءته الملائكة تُبشِّره بمقعده يوم القيامة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]، قال المفسِّرون هذه بشارةٌ تنزل على المؤمن ساعة وفاته، يُبشَّر بالجنة، وعلى الكافر كذلك يُبشَّر بالنار والعياذ بالله، فيبقى المؤمن في قبره مهنئًا مبشَّرًا فرحًا متعجِّلًا ليوم القيامة، ويبقى الكافر في قبره معذبًا مهانًا خائفًا مرعبًا من يوم القيامة، فبشرته الملائكة ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ [يس: 26] من يبلغهم عني، من يوصلهم خبري ﴿ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26، 27][6].

 

 

 

تستمر الآيات في السورة لتبين عظمة الله سبحانه وتعالى، وأنه هو الجدير بأن يؤمن الناس به وحده لا شريك له، وأن يعبدوه حق عبادته دون الأصنام والأوثان والآلهة المزعومة الأخرى، ذلك من خلال آياته في الكون ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا ﴾ [يس: 33]، هل من أحدٍ أحيا أرضًا مثلما أحياها الله؟ هل من أحدٍ أنبت نباتًا بأنواعٍ وأصناف وأشكال ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴾ [يس: 34]، هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء؟ كلا، إذًا هو الله الواحد، ﴿ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ ﴾ [يس: 37] آيةٌ عجيبة وعلى مقياسها فقل، وليس في القرآن هذا القول صريحًا ولكن بمعناه في آياتٍ أخرى، وآيةٌ لهم أيضًا النهار نسلخ منه الليل، فإذا هم مبصرون، بالليل الناس لا يرون شيئًا، تُظلم الدنيا، وبالنهار تنكشف الأشياء فيبصرها الناس، هذه آية وتلك آية، والعلم الحديث إلى اليوم على ما كشف الله له من العلوم، فإنهم لا يزالون بغير إجابةٍ مقنعة على سرِّ توالي الليل والنهار والدورة الفلكية هذه، فانتهوا إلى قولٍ قد رأوا له علامات في هذا الكون الفسيح العظيم الدقيق، رأوا أنها حركةٌ مستمرة لا تُنتقص، حرارة الشمس بنفس الدرجة التي هي عليها منذ ملايين السنين، ضوء النهار، ظلمة الليلة لم تختلف هي هي، قد يزيد النهار، قد يطول الليل، هذا بتقدير الله ومذكورٌ في القرى ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ [الحج: 61]؛ لكن حتى متى؟ رأوا بعض الشواهد والعلامات التي تؤشر بنهاية هذا النظام في يوم من الأيام لا يعلمه أحد، فهم منشغلون بشيءٍ وهو يوم أن يخرب العالم وتنتهي هذه الحياة على هذه الأرض، أين سنذهب وأين سنعيش، ينبغي أن نبحث عن كوكبٍ آخر نلجأ إليه عند ذلك المصير، وعند ذلك المنتهى، يقول الله تعالى: ﴿ فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لَا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ ﴾ [القيامة: 7 - 12]، حركةٌ دؤوب، أعلمُ العلماء اليوم لا يفهمها، لا يعلم منتهاها، إذًا من فعلها؟ ذلك الحجر المعبود من دون الله، ذلك الوثن، ذلك العظيم في الناس الذي مجده الناس كفرعون مثلًا؟! لا، العلماء لم يعرفوا، فالجهلاء من باب الأولى، والجماد من باب الأولى، والأولى أن يجهل هذه الحقائق، إذًا هو الله وحده لا شريك له، هو الله الذي لا إله إلا هو يُعبد.

 

 

 

ومن آياته أيضًا ﴿ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴾ [يس: 41]، هذه الأمة ونحن ذرية في أصلاب آبائنا المؤمنين من قوم نوح الذين نجوا في السفينة كنا في ظهورهم ذرًّا صغيرًا لا يراه ولا يعلمه إلا الله، جئنا في أمثالهم يومًا من الأيام، حملنا الله في الفلك أولًا في ظهور آبائنا، وجعل الله لنا من مثل ذلك الفلك الأول ما نركبه الآن من السفن المواخر في البحر، المنشآت كالأعلام، تخوض غمار البحار بثقلها وعِظَم حجمها مع أن الماء سائل يبتلع ما وضع فيه، والأجسام الكثيفة تسقط وتغوص فيه وتغور، لماذا لا يغوص الفلك؟ نفسرها تفسيرًا ماديًّا؛ لأن ميكنتها كذا؛ لأنها مصنوعة بشكل كذا، لأن نظرية علمية كذا، من الذي أنشأ هذه النظريات أو رتَّبها في الكون؟ الله سبحانه وتعالى، آيةٌ تدل على الله، وآيات وآيات إلى أن يصل القرآن في هذه السورة مع كفار مكة إلى قولهم الباطل الذي يدل على الجهل ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يس: 48]، تكرر هذا السؤال عدة مرات في عدة مواقف حكاها القرآن، أو حكى بعضها على الأقل، وهو سؤالٌ يدل على الجهل، نجهل متى الساعة، وهل جهلي بالشيء يعني عدمه؟! إن لم أرَ بعيني كعبةً في أرضٍ أنفي وجود الكعبة من الدنيا! إن لم أر قارةً من القارات أو بلدًا من البلاد أو شخصًا من الأشخاص، أنفي بأن فلانًا لا يوجد على ظهر الأرض، بأن بلد كذا لا وجود له؛ لأني ما رأيته أو لا أعلم بوجوده! قال الحكماء في أمثالهم: من جهل شيئًا عاداه، ومن قبلهم قال أحكم الحاكمين سبحانه في قرآنه ما يفيد هذا المعنى ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [يونس: 39]، من المفترض أني إذا جهلت شيئًا لا أصدقه ولا أُكذِّبه على الأقل إذا قُدِّم لي خبرٌ فلا أصدق ولا أكذب؛ لكن أن أنكر وأنفي وأمنع، فهذا تطاولٌ مني وقولٌ بغير علم، وربما الذي أوصل إليَّ الخبرَ كان على علمٍ، فأرد العلم بالجهل، وأرد الحق بالهوى، وهذا باطلٌ كبير وفسادٌ عظيم في العقول، هؤلاء فعلوا هذا: ﴿ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يس: 48]، لا يريدون جوابًا على ذلك؛ وإنما يقصدون الاستبعاد، كما قالوا: ﴿ رَجْعٌ بَعِيدٌ ﴾ [ق: 3] يقصد الإنكار ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَ آبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ ﴾ [الصافات: 16، 17] هذا شيءٌ لا يحصل أبدًا ﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا ﴾ [المعارج: 6، 7].

 

 

 

لكن الله في كل مرة يجيبهم جوابًا يفحمهم، جوابًا لا يعطيهم ما أرادوا ولكن جوابًا يفيد بأن هذا المسؤول عنه حق، وأنه يومٌ كائنٌ لا محالة، فيقول سبحانه وتعالى: ﴿ مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ﴾ [يس: 49]، ما ينظرون؛ يعني: ما ينتظرون، ليس بينهم وبين هذا اليوم إلا مجرد صيحة واحدة وهي النفخة في الصور، ينفخها الملك الكريم إسرافيل عليه السلام، في شيءٍ اسمه الصور لا يعلمه إلا الله، ولا ينفخ إلا بإذن الله، ساعة ينفخ يقوم الناس والعباد والخلق جميعًا من موتهم إلى البعث يوم القيامة ﴿ فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ﴾ [الزمر: 68]، وساعتها يولولون ويتحسَّرون ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾ [يس: 52]، يا ويلنا الآن، لا ينفع، كنتم تقولونها في الدنيا، قولوها في الدنيا تنفعكم أما في الآخرة فقد فات الأوان، ولات ساعة مندم، ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾ [يس: 52]، فيجابون: ﴿ هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً ﴾ [يس: 52، 53]؛ أي: ما كانت إلا صيحة واحدة ﴿ فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: 53]، وينصب الميزان وتزلف الجنة للمتقين، وتُقرب النار أو يُؤتى بالنار وتُجرُّ إلى أرض المحشر ليدخلها الكافرون: ﴿ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ ﴾ [يس: 63، 64]، اصلوها؛ أي: ادخلوها، وذوقوا عذابها بما كنتم تعلمون، ليس بإجرام، وليس بظلم، وليس بتعدٍّ من الله سبحانه وتعالى، ولكن بعدلٍ كامل، بأعمالكم.

 

 

 

وهكذا، ثم تعود السورة إلى ما بدأت به لتربط طرفيها، النبي صلى الله عليه وسلم كان يُبلِّغ الناس: إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، جئت لأنبهكم قبل مجيء يوم القيامة لتحذروا، انتبهوا أيها الناس، وخاصة في مسألة البعث، فجاءه رجلٌ كافرٌ صنديد بعظمٍ قد تفتَّت وبلي، ففركه بين أصابعه هكذا فانفرك وصار ترابًا، ثم نفخ فيه فذراه وبعثره في الهواء، قال يا محمد - عليه الصلاة والسلام -: أتزعم أنَّ ربك يبعث هذا بعدما رُمَّ وبلي؟! أهذا كلامٌ تقوله! أهذا كلامٌ يُعقل يا رجل! أتقول هذا؟! فلم يترك الله تبارك وتعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم ليجيب من عنده بل أنزل عليه القرآن، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليتكلَّم من عند نفسه وإنما ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، فأنزل الله تعالى الآيات في أواخر السورة ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا ﴾ [يس: 77 - 80] [7]، كان عندهم أشجار خضراء تنمو وتتغذَّى وبالتأكيد كأي نبات فيها ماء، يأخذون غصنين من هذه الشجرة خاصة، ويقومون هكذا يحكون غصنًا بغصن فيشعل نارًا مثل الكبريت عندنا، فيوقدون ليطهوا طعامهم، ليستدفئوا في الشتاء وهكذا، أين كانت تكمن هذه النار في هذا النبات الأخضر الذي يصاحبه الماء ويخالط ذرَّاته، من أين نزلت هذه النار، تناقض عجيب لا يستطيعه الإنسان، ولا يصدقه العقل إلا أنه يراه حقيقة، إذًا آمن يا رجل، آمن أيها الإنسان.

 

 

 

ولكن قبل حكاية هذه القصة وهذا الموقف، الله تعالى ردَّ على شبهة أخرى قالوها على النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنه شاعر، وهل القرآن شعر؟ وهل القرآن مصنوعٌ صناعة الشعر، على وزن معين وقافية معينة؟ أو شكله شكل القصيدة؛ منقسمةٌ إلى أبيات، وكل بيت إلى شطرين وهكذا، شكله حتى لأي ناظر لو نظر في صفحة القرآن، ونظر في قصيدة من الشعر، ولا يعرف شيئًا عن اللغة ولا شيئًا عن شيء، لقال: هذه الصورة غير هذه الصورة، هذه الكتابة غير هذه الكتابة، هذا الكلام غير هذا الكلام؛ ولكن من جحودهم قالوا: شاعر، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا ﴾ [يس: 69، 70]؛ أي: من بقيت فيه حياة، فكثيرٌ من الذين يمشون على أرجلهم في الدنيا أموات، أمواتٌ يلبسون أثواب الأحياء، أمواتٌ يعيشون حياة كاذبة، لا يشعُرون، لا يعلمون، لا يفقهون، فهم أموات يعيشون بين الأحياء، ماتت قلوبهم، فسدت أمزجتُهم، تبلَّدت أحاسيسهم، اختلَّت موازينهم، فتراه حيًّا؛ ولكنه في الواقع ميت، قلبه ميت، أولئك الذين تنكروا للصادق الأمين صلى الله عليه وسلم الذي ما كذب عليهم مرة في أربعين عامًا، صاحبهم وخالطهم وعايشهم، وفي الحياة الطويلة هذه مشاكل واحتكاكات ومواقف صعبة من غضبٍ ونحوه، ومع ذلك ما جرَّبوا عليه كذبًا قط صلى الله عليه وسلم، ثم ينكرون صدقه بين لحظةٍ وأخرى، ثم ينكرون نسبه ولم يراعوا قرابته، إنَّ تلك لقلوبٌ متحجِّرة، قلوبٌ ميتة؛ بل هي أشدُّ قسوة من الحجارة، كما وصف ربنا في القرآن ﴿ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 74]؛ أي: من الأحجار من يفيض بالحياة وبماء الحياة، ومن الأحجار ما إذا فتحته وجدت داخله حياة، قد تجد داخل الحجر حشرةً تسعى وتعيش، وربما ترى حجرًا هبط من خشية الله؛ خوفًا من الله وإجلالًا لله؛ كالجبل جبل الطور الذي اندكَّ حينما تجلَّى الله له، سبحانك ربي، وأنتم أيها البشر.

 

 

 

﴿ يس ﴾: ينادي عليهم ليُعلمهم تلك الأصول الأربعة التي عرفناها في كل سورةٍ مكية، أصول الاعتقاد، الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ونحن نؤمن بالله؛ لكن يا أخي الحبيب أسأل نفسي وإياك إن كنا آمنا بالله، فهل لا نفزع إلا إليه، لا نعتمد إلا عليه، لا نتوكَّل إلا عليه، ولا نطمئن إلا به؟ هل استأمناه على أرزاقنا أم نخاف أن نصبح غدًا، ولا نجد ما نأكله؟ هل وثقنا في وعوده سبحانه وتعالى؟ هل امتلأت قلوبنا أمنًا بالخوف منه؟ هل رفعنا رؤوسنا عزًّا بالذلِّ له؟ هل استشعرنا في الصلاة أننا نرتقي ونرتفع ونعرج إلى الله بقلوبنا؟ هل نؤدي الطاعات طاعةً له؟ هل سلمنا له في أحكامه أم جادلناه؟

 

 

 

الواقع يجيب وحده، فمن الناس من يفزع لقبرٍ أو مقبورٍ فيه، من الناس من يفزع إلى غيرهم من الناس: أدركني يا فلان، الحقني يا فلان، وما دعا ربه دعوة، وما سأل ربه مرة، يشتكي همَّه لهذا وهذا، وما اشتكى لله ليلة، ولو قام ساعةً من الليل يشكو أمره إلى الله لسمعه من قريب ومن بعيد، لعلم بحاله قبل أن يتكلم، لأجابه خير ما يجيبه المجيبون، أن نؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، هل آمنا به حقًّا؟ كلامٌ جميل نقوله، كلامٌ يقْطر شهدًا نتفوَّه به، نحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أين سُنَّته فينا؟ وما قدرها بيننا؟ أين هديه؟ أين صلاتنا عليه صلى الله عليه وسلم؟ كم يأخذ من صلاتنا؟ كم يأخذ من أوقاتنا حينما نصلي عليه؟ حينما يُذكر وربما ننسى، حينما يمرُّ اسمُه بنا عليه الصلاة والسلام وربما نُشغَل، سنته قائمةٌ بيننا وفينا كل واحد بنفسه وكل مجموعة بجمعها، أم أننا نهرب من الفرض إلى السنة لا نفعلها، نجادل في الفريضة الواجبة لنثبت بحق أو بباطل أنها سنة، لماذا؟ لكي نذر أنفسنا أننا لم نفعل السنة، أو نعذر غيرنا أو نجبر أولادنا، وهذا نسمعه ونراه كثيرًا، أين لحيتك يا رجل؟ إنها سنة، يعني لا تلمني، يا ولدي لا تطلق لحيتك، يا أبي أريد أن أفعل السنة، إنها سنة يا بني من تركها لا يُعذَّب ولا يعاقب، وهكذا نتخذ كلمة سنة لا لنطبقها؛ بل لنهرب من العمل، لنتخلص من الحكم، كيف نظرتنا إلى من تشبَّه بسمت النبي صلى الله عليه وسلم؟ حينما ترى شابًّا أحبَّ النبي صلى الله عليه وسلم ولو ظاهرًا وكلامًا، تشكَّل بشكله في ملبسه، في مشيته، في أكله وشربه، في معاملته، ونَصف سنة النبي عليه الصلاة والسلام بأنها سنةٌ عادية من عادات العرب، من عادات العرب من عادات العجم، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم أو لم يفعلها؟! فعلها، إذًا ما المانع أن نفعلها، دعك من واجب وغير واجب، واجب ومستحب، دعك من هذا، فعلها الحبيب، أحب حبيب في الخلق صلى الله عليه وسلم، حينما أفعل مثله تقع عليَّ الملامة، تتوجه إليَّ نظرات الانتقاد وكلمة الإحراج، خطأٌ كبير فسادٌ عظيمٌ في المجتمع، ونحن المسلمين نفعل هذا، لا أتحدث عن نظرة الكافرين من حولنا؛ بل نظرة المسلمين، وربما وصفوا معالم السنة النبوية في بعض الأشخاص وصفوها بكلمات نابية، كلمات قبيحة، لولا أنهم مسلمون لقلنا ردَّها الله عليهم، لكن عفا الله عما سلف، وهدانا الله وإياكم.

 

 

 

نؤمن بالرسالة، القرآن، أنحن نؤمن به حقًّا؟ نعم الحمد الله، نختمه كل رمضان وكل شهر، ماذا تختمون؟ وماذا تقرؤون؟ إذا كنا نؤمن به حقًّا فهل طبقناه في أخلاقنا ومعاملاتنا؟! دعك من تطبيق الأحكام العامة، أنا وأنت علينا مسؤوليات، أنا أيضًا فعلت، وأنت فعلت، أنا قصَّرت، وأنت قصَّرت، فهل انتقدنا أنفسنا؟ هل جعلت القرآن نصب عيني دائمًا وبين يدي ميزانًا أزنُ به أموري، قبل أن أفعل أسأل القرآن؟ أستفتي كلام الله من خلال العلماء أو ما يظهر لي من معنى القرآن، هل القرآن أمْتع صوت في أذني؟ أم أن هناك أعلى منه؟ القرآن يعلو ولا يُعلى عليه، فجدِّد إيمانك بالقرآن، البعث يوم القيامة حق؟ نعم حق، سنبعث، هل استعددنا للبعث؟ هل عملنا له؟ هل نتخيَّل الجنة أمامنا في طريقنا إلى المسجد كأني ذاهبٌ إلى الجنة، وإذا دخلت المسجد أو جلست مع المصحف، هل أشعر أنني في جنة؟ وهل إذا استدرجني الشيطان إلى طريق معصية أرى النار في مؤخرة الطريق ونهايته؟ الله تعالى يقول: ﴿ كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ﴾ [التكاثر: 5، 6]، لو تعلمون عن يوم القيامة علم يقين، قبل أن تراه عين اليقين، علم يقين صدقت به تصديقًا حقًّا لرأيت الجنة والنار أمامك، ترى الجنة في طريق الخير، رأيت الجنة في طريق الطاعة تدعوك، ورأيت النار هناك بعيدًا في طريق المعصية تدعوك أيضًا: ﴿ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ [المعارج: 17، 18]؛ ولكنها تلفح بلهيبها وألسنة النار فيها وشَرَرِها نعوذ بالله، فتخيفك النار فترجع وتستقبلك الجنة فتُقبل.

 

 

 

أخي الحبيب، ليس الإيمان كلامًا، ليست العقيدة نصًّا ومتنًا من متون العلم نحفظه، ولا كتابًا ضخمًا نقرؤه؛ إنما العقيدة في القلب، إذا آمنا بيوم القيامة، هل أعددنا له العدة؟ سأل رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، متى الساعة؟ قال: ((وماذا أعددتَ لها؟))"[8]، ورجل كان في غزوة فأخذ سيفه، وانطلق يجري، فقال له آخر: أين تقصد يا عبد الله؟ فقال: إني أجد ريح الجنة قبل هذا الجبل"، أجد؛ يعني: أشم، أشم ريح الجنة؛ أي: رائحتها الطيبة العطرة قبل هذا الجبل؛ أي: جهة هذا الجبل قبله بقليل، ويذهب إلى هناك فعلًا، ويجد الجنة فيُقتل في هذه الغزوة، وينال الشهادة، ويبشر بالجنة ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169] [9]، وكذلك الرجل الذي قُتِل في هذه السورة مؤمن آل يس، كان شيءٌ من الإشكال في قول الله تعالى: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ [يس: 26]، كيف يقال له: ادخل وليس الدخول الآن عند الموت؛ وإنما الدخول يوم القيامة، وهذا مات منذ زمن؟ قالوا: إنه شهيد، إنه قُتل دون دينه وهو يدافع عن دينه وعن رسل الله، فهو شهيد، والشهيد روحه تدخل الجنة، أرواح الشهداء كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((أرواح الشهداء في حواصل طيرٍ خُضْرٍ تسبح في سماء الجنة، تأكل من طعامها، وتشرب من أنهارها)) [10]، إذًا دخل بروحه لكن جسده في قبره.

 

 

 

إذًا أحبتي الكرام، هذه أركان العقيدة في هذه السورة ركَّزت عليها، على صدق القرآن، صدق رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، توحيد الله تبارك وتعالى، البعث يوم القيامة، وهذه الأركان المهمة، والأساس في العقيدة من آمن بها، وصحَّح الإيمان بها، فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيم، تُركِّز السورة الكلام على هذه الأركان، وتُبيِّنها نعم البيان؛ ذلك ليعيش الإنسان في الدنيا حياةً هنيئةً طيبةً، وفي الآخرة حياةً سعيدةً كريمة.

 

 

 

نسأل الله تعالى أن يناولنا ذلك، وأن يجعلنا من أهله وأحق به، إنه نعم المولى ونعم المجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه دائمًا، إنه هو الغفور الرحيم.

 

♦   ♦   ♦

 


 

أيها الإخوة الأحباب، كان هذا هو هدف السورة، وهو ترسيخ أركان العقيدة وتجديد الإيمان بها في نفوس الناس، وتنبيه الكافرين إليها لعلهم ينتبهون وينتهون؛ ولكن خُتمت الخطبة الأولى بقول إن الله تبارك وتعالى يُرسل لنا الرسل، ويُنزِّل لنا الكتب لكي نعيش في الدنيا حياةً طيبة، وفي الآخرة حياةً سعيدة، ذلك تلمسه من قول الله تعالى: ﴿ يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ [يس: 1، 2]، القرآن كلام الحكيم؛ يعني: المحكم اسم مفعول؛ يعني: أحكمه الله تعالى، وهذه حقيقة ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، أحكمت يعني كان الأسلوب الذي سيقت به آيات القرآن، الذي صيغت فيه آيات القرآن كان أسلوبًا معجزًا لا يستطيع أحدٌ أن يأتي بمثله من جنٍّ وإنس، فهو محكم، أو أن حكيم اسم فاعل بمعنى أنه حكيمٌ من الأناة والتؤدة والطمأنينة فيضع هذا الحكيم كل شيء في موضعه، ويكلم كل إنسانٍ بما يليق به وبما يفهمه، ويصف الداء بدقة ويُوصِّف له الدواء بدقة، فيوافق الدواء الداء فيمحقه، وتصح الأبدان والأرواح، القرآن كذلك أيضًا، القرآن يسمعه العاميُّ والخاص، فكلٌّ يفهم منه على قدر حاجته، القرآن فيه معانٍ واضحة لا يُعذر أحدٌ بجهلها، يفهمها الجاهل والعالم، وهي القدر الواجب، وفيه من المعاني ما لا يدركه إلا العلماء.

 

 

 

في هذه السورة من المعاني ما لم أعلمه إلا وأنا أستحضرها لأخطب بها، وأبقى طول عمري جاهلًا بمعانٍ أخرى قد يرزقني الله بها قبل موتي أو لا أنالها، علمنا الله وإياكم جميعًا الخير، وتنتهي الدنيا وتبقى في القرآن أسرار وعجائب لا يصل الناس إلى منتهاها، فإنه كتابٌ لا تنقضي عجائبُه، حكَم ونظَّم حياة الناس لمدة أربعة عشر قرنًا من الزمان، والناس به أحياء، والقرآن يُكلِّم كل واحد ويخاطبه بما يفهمه، ويعطيه حقَّه ومستحقَّه، القرآن نعم الصاحب، كلما ذكرته ذكرَكَ، من قرأه فقد ذكر الله، ((ومن ذكر الله في ملأ، ذكره الله في ملأ خير منه))[11]، تقرأ القرآن وتذكر الله به في الأرض، يذكرك الله به في السماء، كلما فتحت عينك فيه زادك إبصارًا، كلما فتحت له قلبك زادك بصيرةً وعلمًا ونورًا، كلما تدبَّرت فيه أعطاك، من وفَّى له وافاه، ومن قرأه وتلاه ذُكر به، ونال فضله ورضا ربِّه سبحانه وتعالى، ومن خلَّفه وراءه زجَّه في قفاه، كأنه كائن حي يتفاعل معك، ستطرب به أذنك فتُطرب، من كان ثائرًا غاضبًا فقرأ آيات القرآن سكَّنه القرآن وهدَّأه، وكأنه صاحبه يهدهد عليه في غضبته، اهدَأْ قليلًا "اهدأ وصلِّ على النبي عليه الصلاة والسلام"، "اذكر الله" ستكون بخيرٍ، كأن القرآن يهدهد عليه: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].

 

 

 

فوصف الله للقرآن هنا بالحكيم؛ لأنه يضع الشيء في موضعه، وبمقداره المناسب، وفي مكانه المناسب، إن ذلك ليُشعرنا بأن القرآن حياة، ومن عاش مع القرآن وبالقرآن شعر بطعم الحياة، واستلذَّ الحياة، واستطعم الحياة، ووجد لحياته فائدةً ومغزًى ومعنًى؛ لذلك كانت سورة يس بوقعها الشديد، بنبضاتها المشتعلة في القلب، بلفتاتها اللطيفة إلى أسرار الخلق في الكون تعرُّفًا على الله عز وجل، كانت سورةً حكيمةً جليلة، وسبحان الله - كما تعلمون - هي سورةٌ انفتحت لها القلوب فيحبُّها كل الناس، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى علينا وعلى الناس؛ ولكن أكثر الناس لا يشكرون.

 

 

 

وختامًا:

 

أيها الإخوة الأحبة أقول عن مناسبة السورة، كما تعودنا ربط كل سورة بما قبلها، ففي آخر سورة فاطر يقول الله تبارك وتعالى عن كفار مكة وعن افتراءٍ من افتراءاتهم ووعد من وعودهم الكاذبة ﴿ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ [فاطر: 42]، هكذا خبرٌ ملخص، الكفَّار قالوا: لو جاءنا - قبل أن يأتيهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم - نذيرٌ فسوف نتَّبعه ونهتدي بهديه، ونكون أكثر تعظيمًا للرسول صلى الله عليه وسلم من الأمم السابقة لأنبيائها، إنهم سبُّوهم ولعنوهم، وبالقبائح وصفوهم وقتلوهم، وأسالوا دماءهم، لن نفعل هذا ﴿ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 42، 43]، لم يكونوا على حقيقة، ولا على حق في تكذيبهم بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ إنما كذبوا به استكبارًا وعلوًّا في الأرض، كذبوا به مكرًا ليس على قناعة؛ بل هم قانعون بأنه رسول حق لكنهم لم يعترفوا بهذه الحقيقة، فدارت الدائرة عليهم، وجاءت سنة الله الماضية عليهم، فسنة الله لا تبديل لها ولا تحويل.

 

 

 

تأتي بداية سورة يس: ﴿ وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ﴾ [يس: 2 - 6] هذا هو النذير، فكأنهم ذُكروا بقسمهم في آخر سورة فاطر، وذكر الله سورة يس ملخصة في قوله: ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ﴾ [فاطر: 42]، ثم جاء بتفصيل هذا الخبر في سورة يس، كيف جاء النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء المرسلون من قبله إلى القرى، ثم كذَّبه الناس، وبيَّن لهم آيات الله في الكون فأعرضوا عنها، وذكَّرهم بنعم الله فكذَّبوا وجحدوا بها، وذهبوا يسألونه عن أسئلة لا يعلمها ﴿ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [يس: 48]، ولا دخل للنبي عليه الصلاة والسلام في تحديد ميقات الساعة، وهكذا إلى ختام السورة.

 

 

 

أحبتي الكرام، نحمد الله تعالى على هذا البيان، ونسأله سبحانه وتعالى أن يكون نافعًا لنا على الدوام، وأن يكون في ميزان حسناتنا.

 



[1] انظر: الإتقان في علوم القرآن (1/ 150، 159-160).

[2] انظر: الموضوعات لابن الجوزي: (2/ 313)، الفوائد المجموعة للشوكاني: (942،979)، المقاصد الحسنة (741)، ورسالة: "حديث قلب القرآن يس في الميزان، وجملة مما روي في فضائلها"؛ لفضيلة الشيخ محمد عمرو عبداللطيف رحمه الله.

[3] أخرجه الترمذي (2887)، وضعَّفه الألباني، انظر: الضعيفة (169).

[4] لا أصل له، انظر: المقاصد الحسنة (741)، وكشف الخفاء (2/ 2215)، والأسرار المرفوعة للقاري: (619) وغيرها.

[5] انظر: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (4/ 445).

[6] انظر: البداية والنهاية (2/ 13).

[7] أخرجه ابن جرير (23/ 21)، وابن أبي حاتم (18126)، والحاكم في المستدرك (2/ 429) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وانظر: الصحيح المسند من أسباب النزول (ص 174).

[8] أخرجه البخاري (5815)، ومسلم (2639).

[9] أخرجه البخاري (2651)، ومسلم (3523).

[10] أخرجه مسلم (1887).

[11] أخرجه البخاري (6970)، ومسلم (2675).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مقاصد سورة لقمان
  • مقاصد سورة السجدة
  • مقاصد سورة الأحزاب
  • مقاصد سورة سبأ
  • مقاصد سورة فاطر
  • التوحيد في سورة يس
  • الآيات المتضمنة على التراكيب الشرطية في سورة يس وإعرابها

مختارات من الشبكة

  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مقاصد السيرة النبوية (1) مقاصد النسب الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين (مقاصد الشريعة) و(مقاصد النفوس)!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد العبادات في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مقاصد الشريعة في المعاملات المالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الزكاة وأثرها في أحكامها الشرعية: مقصد المواساة أنموذجا (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحقيق المقاصدي للأعمال: نموذج تطبيقي على مقاصد تلاوة القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار تعلقها بعموم الأمة وخصوص أفرادها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب