• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العبادات / الصيام ورمضان وما يتعلق بهما
علامة باركود

هل فقهنا حقيقة الصوم؟

هل فقهنا حقيقة الصوم؟
الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 19/5/2018 ميلادي - 4/9/1439 هجري

الزيارات: 27583

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

هل فقهنا حقيقة الصوم؟

 

أَمَّا بَعدُ، فَـ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21].

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، أَظهَرُ العِبَادَاتِ في رَمَضَانَ هُوَ الصَّومُ، وَالصَّومُ هُوَ الامتِنَاعُ عَنِ الأَكلِ وَالشُّربِ وَسَائِرِ المُفَطِّرَاتِ، مِن طُلُوعِ الفَجرِ الثَّاني إِلى غُرُوبِ الشَّمسِ، وَهَذَا الامتِنَاعُ الَّذِي يَستَمِرُّ طُوَالَ سَاعَاتِ النَّهَارِ، لم يُشرَعْ في حَقِيقَتِهِ لِمُجَرَّدِ تَجوِيعِ البُطُونِ وَخَوَاءِ الأَمعَاءِ، وَلا لِتَيبَسَ بِهِ الكُبُودُ وَتَجِفَّ بِهِ الأَجسَادُ وَالأَعضَاءُ، وَلَكِنَّهُ شُرِعَ لِغَايَاتٍ عَظِيمَةٍ وَمَعانٍ جَلِيلَةٍ، مِن أَعظَمِهَا كَسرُ شَهَوَاتِ النُّفُوسِ، وَقَطعُ أَسبَابِ استِرقَاقِ العَادَاتِ لَهَا؛ إِذْ لَو طَاوَعَ النَّاسُ نُفُوسَهُم عَلَى الدَّوَامِ، وَسَارُوا في مُبتَغَيَاتِهَا مَدَى الزَّمَانِ، وَسَايَرُوهَا في عَادَاتِهَا، وَانقَادُوا لأَغرَاضِهَا وَمُشتَهَيَاتِهَا، لاستَعبَدَتهُمُ العَادَاتُ وَاستَرَقَّتهُمُ الشَّهَوَاتُ، فَانقَطَعُوا بِذَلِكَ عَن عُبُودِيَّتِهِم لِرَبِّهِم، الَّتِي هِيَ سِرُّ وُجُودِهِم وَمَنَاطُ عِزِّهِم وَشَرَفِهِم.

 

أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ الصَّومَ يَقطَعُ التَّعَبُّدَ لِغَيرِ اللهِ، وَيُورِثُ الحُرِّيَّةَ مِن رِقِّ الهَوَى وَاستِعبَادِ الشَّهَوَاتِ، وَيُهَذِّبُ النُّفُوسَ وَيُزَكِّيهَا، وَيَصِلُ بِهَا إِلى أَعلَى مَا يُمكِنُ أَن تَكُونَ عَلَيهِ نَفسٌ بَشَرِيَّةٌ مِنَ الزَّكَاءِ وَالصَّفَاءِ، فَهُوَ إِضَافَةً إِلى أَنَّهُ يَحُولُ بَينَهَا وَبَينَ المَلَذَّاتِ الحِسِّيَّةِ، فَهُوَ أَيضًا يَقطَعُهَا عَن جَمِيعِ المُحَرَّمَاتِ وَالآثَامِ، وَذَلِكَ حِينَ يَصُومُ القَلبُ عَنِ الوَسَاوِسِ وَالشُّبُهَاتِ، وَيَصُومُ السَّمعُ وَالبَصَرُ عَنِ النَّظَرِ إِلى الحَرَامِ أَوِ الاستِمَاعِ إِلَيهِ، وَيَصُومُ اللِّسَانُ عَنِ الكَذِبِ وَالغَيبِةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَعَن فُحشِ القَولِ وَقَولِ الزُّورِ، وَيَصُومُ الفَرجُ وَالبَطنُ وَاليَدُ وَالرِّجلُ، وَسَائِرُ الجَوَارِحِ وَالأَعضَاءِ عَنِ المَعَاصِي وَالذُّنُوبِ وَالمُحَرَّمَاتِ الحِسِّيَّةِ وَالمَعنَوِيَّةِ، وَلِذَا كَانَ الصَّومُ في حَقِيقَتَهِ صَومَ الجَوَارِحِ كُلِّهَا، وَإِلاَّ لم يُعَدَّ المَرءُ صَائِمًا، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: " مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهلَ، فَلَيسَ للهِ حَاجَهٌ في أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، إِذَا تَرَكَ المَرءُ مَا كَانَ مُحَبَّبًا إِلَيهِ وَيَشتَهِيهِ لأَجلِ اللهِ، وَقَدَّمَ مَحَبَّةَ اللهِ عَلَى مَحبُوبَاتِهِ وَمُشتَهَيَاتِهِ، كَانَ عَبدًا للهِ حَقًّا وَصِدقًا، إِذْ إِنَّ مَعنَى العُبُودِيَّةِ الحَقَّةِ، أَن يُسلِمَ العَبدُ أَمرَهُ إِلى اللهِ، فَيَفعَلَ مَا أَوجَبَهُ، وَيَترُكَ مَا حَرَّمَهُ، وَيَمنَعَ مَا مَنَعَهُ وَيُبِيحَ مَا أَبَاحَهُ، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ - في الحَدِيثِ القُدسِيِّ: " يَترُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهوَتَهُ لأَجلِي " رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

 

وَفي الصَّومِ يَتَعَوَّدُ العَبدُ عَلَى الصَّبرِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَعَن مَعصِيَةِ اللهِ، فَيُكسِبُهُ ذَلِكَ قُوَّةً في تَحَمُّلِ كُلفَةِ العِبَادَةِ، وَقُوَّةً في تَحَمُّلِ تَركِ المَعصِيَةِ، وَقُوَّةً في تَركِ مَا أَلِفَتهُ نَفسُهُ وَاعتَادَتهُ مِنَ قَبِيحِ العَادَاتِ وَسَيِّئِ الأَخلاقِ، قَالَ -تعالى-: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] وَقَد فُسِّرَ الصَّبرُ في هَذِهِ الآيَةِ بِالصَّومِ؛ وَلِهَذَا يُسَمَّى شَهرُ رَمَضَانَ شَهرَ الصَّبرِ.

 

وَفي صَومِ العَبدِ تَضعُفُ شَهوَتُهُ، وَيَقِلُّ أَثَرُ الشَّيطَانِ عَلَيهِ أَو يَزُولُ بِالكُلِّيَّةِ، فَيَقوَى إِيمَانُهُ حِينَئِذٍ وَتَصفُو نَفسُهُ، وَتَرتَفِعُ رُوحُهُ إِلى السَّمَاءِ، وَلِذَلِكَ تَرَى الصَّائِمَ عَازِفًا عَنِ الشَّهَوَاتِ، مُقبِلاً عَلَى الطَّاعَاتِ، مُتَقَلِّلاً مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَلِهَذَا أَرشَدَ النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الشَّابَّ الَّذِي لا يَقدِرُ عَلَى الزَّوَاجِ بِالصَّومِ؛ لِيُطفِئَ صَومُهُ شَهوَتَهُ وَيَقِيَهُ الفِتنَةَ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: " يَا مَعشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ استَطَاعَ مِنكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلبَصَرِ وَأَحصَنُ لِلفَرجِ، وَمَن لم يَستَطِعْ فَعَلَيهِ بِالصَّومِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ " مُتَفَّقٌ عَلَيهِ.

 

وَفي صَومِ العَبدِ وَجُوعِهِ وَعَطَشِهِ، يَشعُرُ بِحَاجَةِ الفُقَرَاءِ المُعدِمِينَ وَالمَسَاكِينِ المَحرُومِينَ، وَيُحِسُّ بِأَلَمِهِم وَيَجِدُ شَيئًا مِن مُعَانَاتِهِم، وَلَكِنَّهُ إِنْ يَكُنْ قد حُرِمَ مِنَ المَلَذَّاتِ شَهرًا واحدًا بِاختِيَارِهِ مَعَ قُدرَتِهِ عَلَى التَّنَعُّمِ بِهَا، فَالفُقَرَاءُ مَحرُومُونَ مِنهَا دَائِمًا رُغمًا عَنهُم، فَإِذَا استَشعَرَ العَبدُ هَذَا، حَمَلَهُ عَلَى البَذلِ وَالإِحسَانِ، وَدَفَعَهُ إِلى قَضَاءِ الحَوَائِجِ وَتَفرِيجِ الكُرُبَاتِ، وَجَعَلَ مِنهُ إِنسَانًا رَحِيمًا شَفِيقًا رَقِيقَ القَلبِ، وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الإِحسَانِ إِلى الخَلقِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللهُ، قَالَ - تَعَالى -: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195] وَلِذَلِكَ رَغَّبَ الشَّرعُ المُؤمِنِينَ بِالإِحسَانِ في هَذَا الشَّهرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: " مَن فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثلُ أَجرِهِ، غَيرَ أَنَّهُ لا يَنقُصُ مِن أَجرِ الصَّائِمِ شَيءٌ " رَوَاهُ النَّسَائيُّ وَالتِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

وَفي صَومِ العَبدِ يَصفُو فِكرُهُ وَيَرِقُّ قَلبُهُ، وَتَنكَسِرُ نَفسُهُ وَيُخبِتُ إِلى رَبِّهِ، وَتَقوَى صِلَتُهُ بِكِتَابِهِ وَيُفتَحُ عَلَيهِ في تِلاوَةِ كَلامِهِ، فَيَخشَعُ لِذَلِكَ قَلبُهُ، وَتَتَأَثَّرُ نَفسُهُ، وَيَنشَرِحُ صَدرُهُ؛ وَلِذَلِكَ فَقَد كَانَ جِبرِيلُ - عَلَيهِ السَّلامُ - يُدَارِسُ الرَّسُولَ -صلى الله عليه وسلم- القُرآنَ كُلَّ لَيلَةٍ في رَمَضَانَ، فَتَطِيبُ نَفسُهُ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - لِذَلِكَ، وَتَنفَتِحُ لِلخَيرِ وَالجُودِ وَالعَطَاءِ، فَيُصبِحُ أَجوَدَ بِالخَيرِ مِنَ الرِّيحِ المُرسَلَةِ.

 

وَبِالجُملَةِ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَإِنَّ في الصَّومِ مِن المَعَاني العَظِيمَةِ وَالأَسرَارِ الجَلِيلَةِ الشَّيءَ الكَثِيرَ، مِمَّا يَرجِعُ كُلُّهُ إِلى حُصُولِ التَّقوَى في قُلُوبِ الصَّائِمِينَ، وَالَّتي بها تَصلُحُ قُلُوبُهُم وَتَزكُو نُفُوسُهُم، فَتَصلُحُ أَعمَالُهُم وَتَزكُو جَوَارِحُهُم، وَلِذَا ذَكَرَ اللهُ – تَعَالى – التَّقوَى في أَوَّلِ آيَاتِ الصِّيَامِ فقَالَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183] وَخَتَمَ بها آيَاتِ الصِّيَامِ وَأَحكَامِهِ فَقَالَ: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 187].

♦    ♦    ♦

 

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - وَأَطِيعُوهُ وَلا تَعصُوهُ، وَتَأَمَّلُوا مَا في الصَّومِ مِن جَلِيلِ المَعَاني وَعَظِيمِ الأَسرَارِ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَدعَى لِخِفَّتِهِ عَلَى النُّفُوسِ وَاستِمتَاعِهَا بِهِ وَاستِفَادَتِهَا مِنهُ.

 

وَإِنَّهُ لَمَّا غَابَ ذَلِكَ عَن كَثِيرٍ مِنَ المُتَعَبِّدِينَ بِالصَّومِ، أَصبَحَ الصَّومُ ثَقِيلاً عَلَيهِم، فَصِرنَا نَرَى تَضَجُّرَهُم مِنهُ وَوُقُوعَهُم في أَثنَائِهِ فِيمَا يُنقِصُ ثَوَابَهُم، مِنَ اللَّغوِ وَالسِّبَابِ، وَالغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، وَاتِّصَافِهِم بِالحُمقِ وَالطَّيشِ وَسُرعَةِ الغَضَبِ وَقِلَّةِ الصَّبرِ، وَقَضَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ بِالنَّومِ لِئَلاَّ يَشعُرَ أَحَدُهُم بِالصَّومِ، وَتَضيِيعِ لَيلِهِ بِالسَّهَرِ فِيمَا لا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَوِ استَشعَرَ أُولَئِكَ حِكَمَ الصَّومِ وَمَعَانِيَهُ وَاحتَسَبُوهُ، لَصَارَ مِن أَيسَرِ العِبَادَاتِ عَلَيهِم وَأَحلاهَا عِندَهُم، وَلَمَا استَثقَلُوا رَمَضَانَ، بَل وَلَكَانَ لَهُم مِنَ الصَّومِ حَظٌّ في غَيرِهِ وَلأَكثَرُوا مِنهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كَذَلِكَ، فَفِي صَحِيحِ مُسلِمٍ عَن عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهَا - قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ حَتَّى نَقُولُ لا يُفطِرُ.

 

أَلا فَلْنَتَّقِ اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَلْنَتَأَمَّلْ حِكَمَ الصَّومِ وَأَسرَارَهُ وَمَعَانِيَهُ، فَإِنَّهُ بِقَدرِ فِقهِ المُسلِمِ لِمَقَاصِدِ الصِّيَامِ وَإِدرَاكِهِ لِمَغزَاهُ وَغَايَتِهِ العَظِيمَةِ، يَصلُحُ عَمَلُهُ في نَهَارِ الصِّيَامِ وَلَيلِهِ، وَيَرقَى تَفكِيرُهُ وَيَرتَفِعُ هَمُّهُ، وَيَسمُو عَن مُجَرِّدِ الاهتِمَامِ بِتَنوِيعِ الَمأكَلِ وَالمَشرَبِ إِذَا أَفطَرَ، أَو طَلَبِ الرَّاحَةِ وَالاستِجمَامِ وَتَقطِيعِ الوَقتِ إِذَا صَامَ.

 

نَعَم - أَيُّهَا الإِخوَةُ - مَن أَدرَكَ حِكَمَ الصِّيَامِ وَأَسرَارَهُ، أَبصَرَ طَرِيقَهُ وَصَحَّحَ مَسَارَهُ، فَلا تَرَاهُ إِلاَّ حَرِيصًا عَلَى اغتِنَامِ وَقتِهِ وَجُهدِهِ وَمَالِهِ وَكُلِّ مَا يَملِكُهُ؛ لِيَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ مَشغُولاً وَمَبذُولاً فِيمَا يُقَرِّبُهُ مِن رَبِّهِ وَيَنفَعُهُ في آخِرَتِهِ، وَيَزِيدُ في حَسَنَاتِهِ وَيَرفَعُ دَرَجَاتِهِ وَيَمحُو سَيِّئَاتِهِ، بَعِيدًا عَمَّا يُرَى في الوَاقِعِ مِن أَفعَالٍ وَتَصَرُّفَاتٍ، وَمَا يَتَكَرَّرُ مِن مَشَاهِدَ وَعَادَاتٍ، تُخَالِفُ مَقَاصِدَ الصَّومِ وَتَخرُجُ بِهِ عَن مَغزَاهُ، بَل إِنَّهَا أَو كَثِيرًا مِنهَا تَحُولُ بَينَ المُسلِمِ وَبَينَ تَحقِيقِ التَّقوَى وَتَحصِيلِهَا، حَيثُ يَقتَصِرُ الصَّومُ عَلَى تَركِ الأَكلِ وَالشَّربِ في النَّهَارِ فَقَطْ، مَعَ النَّومِ عَنِ الصَّلَوَاتِ، وَالزُّهدِ في النَّوَافِلِ وَالصَّالِحَاتِ، فَإِذَا جَنَّ اللَّيلُ حَلَّتِ المُحَرَّمَاتُ وَأُبِيحَتِ المَمنُوعَاتُ، فَنَظَرَتِ العَينُ إِلى الحَرَامِ، وَاستَمَعَتِ الأُذُنُ إِلى الحَرَامِ، وَأُطلِقَ العِنَانُ لِلِّسَانِ، فَوَقَعَ في الغِيبَةِ وَالبُهتَانِ، وَبَدَأَ نَقضُ الغَزلِ بَعدَ فَتلِهِ، وَأُضِيعَتِ الأُجُورُ بَعدَ جَمعِهَا، وَمُحِيَتِ الحَسَنَاتُ بَعدَ تَسجِيلِهَا، وَأُطِيرَ الثَّوَابُ بَعدَ تَثبِيتِهِ، وَكَأَنَّ الصَّائِمَ لم يَسمَعْ قَولَهُ -صلى الله عليه وسلم-: " إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيلَةٍ مِن شَهرِ رَمَضَانَ، صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الجِنِّ، وَغُلِّقتْ أَبوَابُ النَّارِ فَلَم يُفتَحْ مِنهَا بَابٌ، وَفُتِحَت أَبَوَابُ الجَنَّةِ فَلَم يُغلَقْ مِنهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيرِ أَقبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ، وَللهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيلَةٍ " أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

 

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ، وَاجعَلْ شَهرَنَا شَهرَ خَيرٍ وَبَرَكَةٍ عَلَينَا وَعَلَى الأُمَّةِ، اللَّهُمَّ اجعَلْنَا مِمَّن صَامَ وَقَامَ إِيمَانًا وَاحتِسَابًا فَغَفَرتَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • أحكام الصوم
  • الصوم: حقيقته وتاريخه (مقال نادر)
  • أمور لا تفسد الصوم
  • آيات عن الصوم
  • أحكام الصوم ونوازله المعاصرة
  • الصوم الهادف والصائم الهداف
  • الصوم جنة (خطبة)
  • الدرس الأول: ثمرات الصوم (1)

مختارات من الشبكة

  • شرح متن الدرر البهية: كتاب الصيام(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • صوم التطوع(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • شروط صحة الصوم(مقالة - ملفات خاصة)
  • تزكية النفس في الإسلام ( الصوم أنموذجا )(مقالة - ملفات خاصة)
  • مظاهر اليسر في الصوم (4) النهي عن صوم الأبد(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • صوم الدهر (الصيام كل يوم - سرد الصوم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل تكميل فرائض العبادات بنوافلها وعبادة الصوم والصوم في المحرم(محاضرة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • الصوم الحقيقي، وصوم المريض والمسافر(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن عبدالرحمن الزومان)
  • النية في الصوم وتعليقها(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفات رمضانية (7) الموسم الرابع(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب