• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون ...
    الشيخ حسن حفني
  •  
    أمران من عقائد النصارى أبطلهما القرآن بسهولة ويسر ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    استحباب أن يقدم المسلم صدقة بين يدي صلاته ودعائه
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    البر بالوالدين: وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان ...
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    حجية خبر الآحاد (PDF)
    مجاهد أحمد قايد دومه
  •  
    الخرقي وكتابه: "المختصر في الفقه" (PDF)
    نورة بنت إبراهيم بن محمد التويجري
  •  
    وقفات مع بداية العام الدراسي (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    من أقوال السلف في البخل والشح
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    وليس أخو علم كمن هو جاهل (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    بر الوالدين (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    أسباب البركة في الطعام
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    البراء بن عبدالله بن صالح القرعاوي
  •  
    بركة الرزق (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    حديث: أمر رجلا أن يضع يده عند الخامسة على فيه ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / السيرة والتاريخ
علامة باركود

خطبة عن أبي عبيدة بن الجراح

د. سعود بن غندور الميموني

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/2/2018 ميلادي - 21/5/1439 هجري

الزيارات: 30487

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة عن أبي عبيدة بن الجراح

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلى يوم الدين.. ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]...

 

أمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كَلاَمُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ بُعِثَ رَسُولُكُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَحْمَةً وَهِدَايَةً لِلْأُمَّةِ جَمْعَاءَ، وَقَدْ قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يَحْمِلُ هَمَّ هَذَا الدِّينِ وَيَقُومُ بِعِبْءِ الْبَلاغِ وَالتَّبْيِينِ، سَواءٌ مِنْهُمْ الْكَبِيرُ أَوْ الصَّغِيرُ، وَنَحْنُ الْيَوْمَ مَعَ صَحَابِيٍّ جَلِيلٍ وبَطَلٍ مِنْ أَبطَالِ الإِسْلامِ عَظِيمٍ؛ إنَّهُ الصَحَابيُّ الأَمِينُ، أَمِينُ هذِه الأُمَّةِ أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، عَامِرُ بنُ عَبْدِاللهِ، الفِهْرِيُّ المَكِّيُّ. يَجْتَمِعُ فِي النَّسَبِ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي فِهْرٍ...كَانَ رَجُلاً نَحِيْفاً، مَعْرُوْقَ الوَجْهِ، خَفِيْفَ اللِّحْيَةِ، طَوِيلاً، أَحْنَى، مَكْسُورَ الثَّنِيَّتَيْنِ.

 

مَنَاقِبُهُ شَهِيْرَةٌ جَمَّةٌ؛ فَهُوَ أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، ومِنَ الَّذينَ شَهِدَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالجَنَّةِ، وَسَمَّاهُ: أَمِيْنَ الأُمَّةِ.. رَوَى أَحَادِيْثَ مَعْدُوْدَةً، وَغَزَا غَزَوَاتٍ مَشْهُوْدَةً، بَلْ كَانَ رَأْسَ الإِسْلاَمِ يَوْمَ وَقْعَةِ اليَرْمُوْكِ الَّتِي اسْتَأْصَلَ اللهُ فِيْهَا جُيُوْشَ الرُّوْمِ، وَقُتِلَ مِنْهُم خَلْقٌ عَظِيْمٌ.. كما كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْدُوْداً فِيْمَنْ جَمَعَ القُرْآنَ العَظِيْمَ.

 

ولِكَمَالِ أَهْلِيَّتِهِ وعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ ورَجَاحَةِ عَقلِهِ فَقَدْ عَزَمَ الصِّدِّيْقُ رَضِيَ اللهُ عَنه عَلَى تَوْلِيَتِهِ الخِلاَفَةَ بَعْدَهُ، وَأَشَارَ بِهِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ فَقَالَ: "قَدْ رَضِيْتُ لَكُم أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عُمَرَ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ". وكَذَلكَ فَعَلَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضيَ اللهُ عَنهُ فإنَّه لَمَّا حُدِّثَ أَنَّ بِالشَّامِ وَبَاءً شَدِيْداً، قَالَ: "إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي، وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ، اسْتَخْلَفْتُهُ".

 

شَهِدَ أَبُو عُبَيْدَةَ بَدْراً، وأَبْلَى يَوْمَ أُحُدٍ بَلاَءً حَسَناً، وَنَزَعَ يَوْمَئِذٍ الحَلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ دَخَلَتَا مِنَ المِغْفَرِ فِي وَجْنَةِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ضَرْبَةٍ أَصَابَتْهُ، فَانْقَلَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ، فَحَسُنَ ثَغْرُهُ بِذَهَابِهِمَا، حَتَّى قِيْلَ: مَا رُئِيَ هَتْمٌ قَطُّ أَحْسَنُ مِنْ هَتْمِ أَبِي عُبَيْدَةَ.

 

ويَكفِيهِ شَرفًا مَا شَهِدَ لَه بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيثُ قَالَ: "إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِيْناً، وَأَمِيْنُ هَذِهِ الأُمَّةِ: أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ" متفقٌ عليهِ.

 

لَم يَكُنْ قَلْبُ أَبِي عُبيدَةَ مَائِلاً لِحُبِّ الْمَنصِبِ أوِ الإِمَارَةِ، ولَمْ يَكُن قَلبُهُ قَلْبَ رَجُلٍ حَاقِدٍ أو حَاسِدٍ أَو مُتَعالٍ علَى أَصحَابِهِ؛ بَلْ كَانَ في التَّواضُعِ قِمَّةً وفي الْمَحَبَّةِ أُسْوَةً، كانَ حَسَنَ الخُلُقِ، لَيِّنَ الشِّيْمَةِ، مُحِبًّا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً تَفُوقُ كُلَّ شَيءٍ وتَتَجَاوَزُ كُلَّ حُدُودٍ، فقَدْ ذُكِرَ في سِيرَتِهِ أنَّه لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَرُمِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجْهِهِ حَتَّى دَخَلَتْ فِيه حَلْقَتَانِ مِنَ الْمِغْفَرِ، يَقُولُ أَبُو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عَنه: فَأَقْبَلْتُ أَسْعَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْسَانٌ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ يَطِيرُ طَيَرَانًا، حَتَّى تَوَافَيْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ قَدْ بَدَرَنِي فَقَالَ: "أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ إِلَّا تَرَكْتَنِي فَأَنْزِعَهُ مِنْ وَجْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"، قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَتَرَكْتُهُ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِثَنِيَّتهِ إِحْدَى حَلْقَتَيِ الْمِغْفَرِ فَنَزَعَهَا وَسَقَطَ عَلَى ظَهْرِهِ وَسَقَطَتْ ثَنِيَّةُ أَبِي عُبَيْدَةَ، ثُمَّ أَخَذَ الْحَلْقَةَ الْأُخْرَى بِثَنِيَّتهِ الْأُخْرَى فَسَقَطَتْ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي النَّاسِ أَثْرَمَ (يَعنِي مَكسُورَ الأَسنَانِ).

 

ولِهَذَا التَّأَسِّي والاتِّبَاعِ والْمَحَبَّةِ كانَ أَبو عُبيدَةَ مِن أَحَبِّ النَّاسِ إِلى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ"، وعَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنه قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنها أَيُّ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ؟ قَالَتْ: "أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ" أَخرَجَهُما التَّرمذيُّ.

 

لَقَدْ كَانَ أَبو عُبيدةَ رَضِيَ اللهُ عَنه أَغلَى في النُّفوسِ مِنَ الذَّهبِ والفِضَّةِ؛ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنه لِجُلَسَائِهِ يَومًا: "تَمَنُّوْا" فَتَمَنَّى كُلُّ إِنسَانٍ مَا يُحِبُّ مِنَ الذَّهبِ والفِضَّةِ لِيُنْفِقَهُ في سبيلِ اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ: (لَكِنِّي أَتَمَنَّى بَيْتاً مُمْتَلِئاً رِجَالاً مِثْلَ أَبِي عُبَيْدَةَ بنِ الجَرَّاحِ ومُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وحُذيفَةَ بنِ الْيَمَانِ، فأَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَةِ اللهِ).

 

كَانَ رَضِيَ اللهُ عَنه صَاحِبَ عَقْلٍ وحِكْمَةٍ، لَم يَركَنْ إلى الدُّنيَا ولَم تُلْهِهِ زِينَتُهَا، بَلْ عَاشَ مُجَاهِدًا فِي سَبيلِ اللهِ حتَّى تَوفَّاهُ اللهُ، رَوَى ابْنُ المُبَارَكِ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: بَلَغَ عُمَرَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ حُوصِرَ بِالشَّامِ، وَنَالَ مِنْهُ العَدُوُّ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ مَا نَزَلَ بِعَبْدٍ مُؤْمِنٍ شِدَّةٌ إِلاَّ جَعَلَ اللهُ بَعْدَهَا فَرَجاً، وَإِنَّهُ لاَ يَغْلِبُ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا ﴾ [آل عمران: 200]، قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ يَقُوْلُ: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ﴾ [الحديد: 20] قَالَ: فَخَرَجَ عُمَرُ بِكِتَابِهِ، فَقَرَأَهُ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ المَدِيْنَةِ! إِنَّمَا يُعَرِّضُ بِكُم أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْ بِي، ارْغَبُوا فِي الجِهَادِ.

 

نَعَمْ: لَمْ تُغَيِّرْهُ الدُّنيَا، فلَقدْ كَانَ أَمِيرًا ولَيسَ فِي بَيتِهِ إلاَّ كُسَيْرَاتُ خُبزٍ؛ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهما، أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنه حِيْنَ قَدِمَ الشَّامَ، قَالَ لأَبِي عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه: اذْهَبْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ. قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ عِنْدِي؟ مَا تُرِيْدُ إِلاَّ أَنْ تَعْصِرَ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ (يَعنِي تَبكِي علَى حَالِي)، فلمَّا دَخَلَ لَمْ يَرَ شَيْئاً، قَالَ: أَيْنَ مَتَاعُكَ وَأَنْتَ الأَمِيْرُ، أَعِنْدَكَ طَعَامٌ؟! فَقَامَ أَبُو عُبَيْدَةَ فجَاءَ بكُسَيْرَاتٍ مِن خُبزٍ، فَبَكَى عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: قَدْ قُلْتُ لَكَ: إِنَّكَ سَتَعْصِرُ عَيْنَيْكَ عَلَيَّ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، يَكْفِيْكَ مَا يُبَلِّغُكَ المَقِيْلَ. قَالَ عُمَرُ: غَيَّرَتْنَا الدُّنْيَا كُلَّنَا، غَيْرَكَ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ. قالَ الذَّهبِيُّ مُعَلَّقًا: "وَهَذَا وَاللهِ هُوَ الزُّهْدُ الخَالِصُ، لاَ زُهْدُ مَنْ كَانَ فَقِيْراً مُعْدِماً".

 

مَاتَ أَبو عُبيدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنه بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ، وقَدْ اسْتَدْعَاهُ عُمرُ رَضِيَ اللهُ عَنه خَوفًا عَليهِ لَكِنَّهُ أَبَى أَنْ يَترُكَ أَصحَابَهُ؛ فعَنْ طَارِقِ بنِ شِهَابٍ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي الطَّاعُوْنِ: إِنَّهُ قَدْ عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ، وَلاَ غِنَى بِي عَنْكَ فِيْهَا، فَعَجِّلْ إِلَيَّ. فَلَمَّا قَرَأَ الكِتَابَ، قَالَ: عَرَفْتُ حَاجَةَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ، إِنَّهُ يُرِيْدُ أَنْ يَسْتَبْقِيَ مَنْ لَيْسَ بِبَاقٍ. فَكَتَبَ: إِنِّي قَدْ عَرَفْتُ حَاجَتَكَ، فَحَلِّلْنِي مِنْ عَزِيْمَتك، فَإِنِّي فِي جُنْدٍ مِنْ أَجْنَادِ المُسْلِمِيْنَ، لاَ أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْهُم، فَلَمَّا قَرَأَ عُمَرُ الكِتَابَ، بَكَى، فَقِيْلَ لَهُ: مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ؟ قَالَ: لاَ، وَكَأَنْ قَدْ (يعنِي أَوشَكَ أَنْ يَمُوتَ) قَالَ: فَتُوُفِّيَ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَانْكَشَفَ الطَّاعُوْنُ.

 

انْطَلَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنَ الجَابِيَةِ إِلَى بَيْتَ المَقْدِسِ لِلصَّلاَةِ، فَاسْتَخْلَفَ عَلَى النَّاسِ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، فَأَدْرَكَهُ أَجَلُهُ فَتُوُفِّيَ قُرْبَ بَيْسَانَ، فِي سَنَةِ ثَمَانِ عَشْرَةَ للهِجرَةِ، وَلَهُ ثَمَانٌ وَخَمْسُوْنَ سَنَةً. فرَضِيَ اللهُ عَنه وأَرضَاهُ.

 

ونَسأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَنَا للسَّيرِ علَى نَهْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابِهِ إنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ، وبالإجابةِ جَدِيرٌ وهُو حَسبُنَا ونِعمَ الوَكيلُ.

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَهُ الْحَمْدُ الْحَسَنُ وَالثَّناءُ الْجَمِيلُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا... أمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْكِرَامُ: هذَا أَبُو عُبيدةَ وهذَا حَبُّهُ للهِ ورَسُولِهِ، وذَاكَ صِدقُهُ، وتِلكَ هي جُهُودُه فِي الإِسْلامِ وبَينَ يَدَيْكُمْ عَمَلُهُ، ومَا نَالَ كُلَّ هَذَا بِكَثِيرِ صِيَامٍ ولا صَلاةٍ، وإنْ كانَ الصَّحَابَةُ أَتْقَى الأُمَّةِ بعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه وسلم، وأَكْثَرَهُم عَمَلاً للطَّاعَاتِ وأفْعَالِ الْبِرِّ، وإنَّما سبَقَوا بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ إخْلاصٍ وصِدْقٍ ويَقِينٍ وحُبٍّ يَزِنُ الْجِبَالَ.

 

لَقَدْ كَانَ أبو عُبيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ رَضِيَ اللهُ عَنه مِثَالَ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ مَعَ نَفْسِهِ، الصَّادِقِ فِي إِيمَانِهِ، الخَائِفِ مِنْ ربِّهِ، الْمُخْلِصِ في إِرَادَةِ اللهِ والدَّارِ الآخِرَةِ، كانَ مِثَالَ الرَّجُلِ الشُّجَاعِ الذي بَاعَ نفسَهُ للهِ، وضَحَّى بِمَكَانِهِ وجَاهِهِ في قَوْمِهِ في سبيلِ اللهِ، وَوَهَبَ حَيَاتَهُ ومَالَهُ لِلدَّعْوَةِ إلَى اللهِ، مِثَالَ المؤمنِ الصَّادِقِ في حُبِّهِ لِلرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، حُبٌّ لَه جُذُورٌ في القَلبِ وصِدْقٌ في الجَوَارِحِ، وواللهِ إنَّ حُبَّهُ وحُبَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمِنَ التَّوْفِيقِ والإِيمَانِ، وبُغْضَهُمْ لَمِنَ النِّفَاقِ والْخُذْلانِ.

 

فاللهُمَّ اغفرْ لأبي عُبيدةَ بنِ الجَرَّاحِ ولسَائِرِ الصَّحبِ الكِرَامِ، اللهمَّ لا تحرِمْنَا أجرَهُم، ولا تفتِنَّا بَعدَهُم، وأَلْحِقْنَا بهم في دارِ السَّلامِ، في صُحْبَةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأَوْرِدْنا حَوْضَه، واسْقِنَا مِنْهُ شَرْبَةً لا نظمأُ بَعْدَها أبدًا، اللهمَّ توفَّنَا على ما كانَ علَيْهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم وأصْحَابُه، مُتَّبِعِينَ غيرَ مُبْتَدِعِينَ ولا مُبَدِّلِينَ.

 

اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ صِدقًا لا يُخَالِطُهُ كَذِبٌ، ويَقِينًا لا يُخالِطُهُ شَكٌّ ولا رَيبٌ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْزِيَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا عَنَّا خَيْرَ الْجَزَاءِ.. اللَّهُمَّ اجْزِهِمْ عَنَّا رِضَاكَ وَالْجَنَّةَ.. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ وَعَافِهِمْ واعْفُ عَنْهُم.

اللَّهُمَّ انْصُرِ الإِسْلامَ وأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، وَأَعْلِ بِفَضْلِكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ والدِّينِ، وَمَكِّنْ لِعِبَادِكَ الْمُوَحِّدِينَ، واغْفِرْ لَنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ والْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ والأَمْوَاتِ.

اللهمَّ وَفِّقْ ولي أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بناصيته لِلبِرِّ وَالتَّقْوى، واجْعَلْ وِلايَتَنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ.

اللهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا فِي مَشَارِقِ الأَرضِ ومَغَارِبِهَا، اللهُمَّ انْصُرْهُمْ علَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ، وَرُدَّهُمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى الْحَبِيبِ الْمُصْطَفَى والنَّبِيِّ الْمُجْتَبَى مُحَمَّدٍ خَيْرِ الوَرَى... وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • سيرة أبي عبيدة بن الجراح
  • أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
  • أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
  • خطبة عن أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه
  • بيت أبي

مختارات من الشبكة

  • خطبة: فضل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: فضل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبرة اليقين في صدقة أبي الدحداح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: هدايات من قصة جوع أبي هريرة رضي الله عنه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: يكفي إهمالا يا أبي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: مصعب بن عمير باع دنياه لآخرته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين: وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع بداية العام الدراسي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نعمة الماء (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وليس أخو علم كمن هو جاهل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/3/1447هـ - الساعة: 0:16
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب