• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الكبر
    د. شريف فوزي سلطان
  •  
    الفرق بين إفساد الميزان وإخساره
    د. نبيه فرج الحصري
  •  
    مهمة النبي عند المستشرقين
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (3)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    ماذا سيخسر العالم بموتك؟ (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    فقه الطهارة والصلاة والصيام للأطفال
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    ثمرة محبة الله للعبد (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    خطبة: القلق من المستقبل
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    فوائد وعبر من قصة يوشع بن نون عليه السلام (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    خطبة: المخدرات والمسكرات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / تفسير القرآن
علامة باركود

فضل القرآن العظيم (خطبة)

الشيخ حسين شعبان وهدان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/1/2018 ميلادي - 23/4/1439 هجري

الزيارات: 689774

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

فضل القرآن العظيم

 

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً، بالعدلِ قائماً وللإيمانِ ناصراً وداعماً، وللكفر محارباً وداحراً، فيه خبرُ الأولين ونبأُ الآخرين وحكمةُ النبيين وهدايات المرسلين، فالحمد لمن أكرمنا به وجعلنا من حملته والمنضوين تحت لوائه، حمداً يليق بجلال الله تعالى في كل وقتٍ وحين.

 

يا أيها الكتابُ العزيزُ المغدقُ الأَفْنَانِ:

يا أَيَّهَا الكَلِمُ العلىُّ الشَّانِ
يا من أضأتَ غياهبَ الإنسانِ
فبِذكْرِ حَرْفِكَ تَطمئِنُّ قلوبُنا
وبِعِلْمِ نِحوكَ يستقيمُ لساني
يا حصنَ أمنِ المسلمينَ وفَخْرِهِم
يا خيرَ مَا نطقتْ به الشفتانِ
من عند ربي قد أتيتَ مُفَصَّلاً
وبقيتَ وحْياً دائمَ التِّبْيَانِ
يا حظَّ منْ حَفَظَ الكتَابَ بقلبِهِ
يا سعْدَهُ بِتِلاوَةِ القُرْآنِ
يلْقى من الموْلى الكريمِ وِصَالَهُ
ويَفُوزُ بالفردوسِ والرِّضْوانِ
هو حبلُ ربى للوجودِ جميعِهِ
جَمعَ الأُمُورَ وصَاغَ كُلَّ بَيانِ

 

 

وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له الملك الحق المبين، أنزل الكتاب العظيم هدايةً للمتقين وزاداً للمؤمنين، ﴿ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [يس: 70].


وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدٌ رسول الله، قد أيده الله تعالى بكتابه الكريم وجعله مهيمناً على سائر الكتب، وأتى فيه بما يدهش الألباب ويثير العجب، فبلَّغَهُ للخلق ونشر به العدلَ والسَّلامَ وأَعْلامَ الوئام بين الأنام.

اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.


أما بعد:

فإن كتابَ اللهِ العظيم "القرآن الكريم" هو دستورنا وجامع أمر إيماننا، فيه صلاح الدنيا وسعادة الآخرة، وفيه هداية النفوس الظامِئَةِ دوماً إلى الهُدَى والمُحَاذِرَةِ من الرَّدَى، إليه يلجأُ العابدون في جُنْحِ الليالي، والقضاةُ فيما شَجَرَ بين الناس من اعتسافٍ أو خلافٍ طلباً للحَقِّ والإنصافِ، وإليه يركنُ طُلاَّبُ الحكمةِ والرَّشَادِ مع آياته التي تَتْرَى في مِنَحِهَا وينتهي الزمان ولا ينقضي عَجَبُهَا، فللهِ الحمدُ ربِّ الأَكْوانِ على أن جعلنا من أهل القرآن.

 

لمحةٌ من بَيَانِ الفَضْلِ:

إنه كلامُ اللهِ المُعْجِزُ الخالدُ النَّازِلُ على قلب رسوله سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم المتَعَبَّدِ بِتِلاوَتِهِ والمُتَحَدَّى بأقصرِ سورةٍ منه، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [الإسراء: 88]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [هود 13: 14]، وقال الله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء 192: 195].


وقد جَمَعَ الله فيه ما أنزله إجمالاً في جميعِ كتبه السابقة على أنبيائه ورسله، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة من الآية 48].


والقرآنُ الكريمُ أعظمُ المعجزات الحِسيَّة والمعنوية المؤيدةِ لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد طلب أهل مكةَ على سبيل التعجيز والحَصَرِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عدة مطالب لا تُذْكَرُ إلا في باب المستحيلات، وأيده الله تعالى وعلمه كيف يرد عليهم وأنزل في كتابه الكريم ما يصف هذه الواقعة متحدياً كفرهم الأعمى بعد أن صرف الله تعالى الأمثال في القرآن ليعتبروا، قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا * وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾ [الإسراء 88: 93].


وقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن بعد تمام نزوله على قلب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد الخليفة الأول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه من التحريف والتزييف والزيادة والنقصان وفاءً بوعده الصادق سبحانه: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9] ، ومن سبل حفظه أن قيض له رجالاً قاموا بجمعه وتنظيمه وما فاتتهم آيةٌ من آياته ولا حرفٌ من حروفه، فعن زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه قال: (( أرسَل إليَّ أبو بكرٍ مَقتَلَ أهلِ اليمامةِ فإذا عُمَرُ بنُ الخطَّابِ عِندَه، قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه: إنَّ عُمَرَ أتاني فقال: إنَّ القتلَ قدِ استَحَرَّ يومَ اليمامةِ بقُرَّاءِ القرآنِ وإني أخشى أن يَستَحِرَّ القتلُ بالقُرَّاءِ بالمواطنِ، فيذهَبُ كثيرٌ منَ القرآنِ، وإني أرى أن تَأمُرَ بجمعِ القرآنِ.قلتُ لعُمَرَ: كيف تفعَلُ شيئًا لم يَفعَلْه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؟ قال عُمَرُ: هذا واللهِ خيرٌ، فلم يزَلْ عُمَرُ يُراجِعُني حتى شرَح اللهُ صدري لذلك، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عُمَرَ. قال زيدٌ:قال أبو بكرٍ: إنك رجلٌ شابٌّ عاقلٌ لا نتَّهِمُك، وقد كنتَ تَكتُبُ الوحيَ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فتتبَّعِ القرآنَ فاجمَعْه. فو اللهِ لو كلَّفوني نقلَ جبلٍ منَ الجبالِ ما كان أثقلَ عليَّ مما أمَرني به من جمعِ القرآنِ.قلتُ: كيف تفعلونَ شيئًا لم يفعَلْه رسولُ اللهِ ؟ قال: هو واللهِ خيرٌ، فلم يزَلْ أبو بكرٍ يُراجِعُني حتى شرَح اللهُ صدري للذي شرَح له صدرَ أبي بكرٍ وعُمَرَ رضي اللهُ عنهما، فتتبَّعتُ القرآنَ أجمَعُه منَ العُسُبِ واللِّخافِ وصدورِ الرجالِ، حتى وجَدتُ آخِرَ سورةِ التوبةِ معَ أبي خُزَيمَةَ الأنصاريِّ، لم أجِدْها معَ أحدٍ غيرِه"لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ". حتى خاتِمةِ بَراءَة، فكانَتِ الصحُفِ عِندَ أبي بكرِ حتى توفَّاه اللهُ، ثم عِندَ عُمَرَ حياتِه، ثم عِندَ حفصةَ بنتِ عُمَرَ رضي اللهُ عنه )) (صحيح البخاري 4986).


والقرآن الكريم حامي سياج المجتمع والفردِ من التردي والغرقِ في أتون الهلاك والمعاصي والفجور العامِّ والخاصّ، عَنْ الحَارِثِ قَالَ: (( مَرَرْتُ فِي المَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الأَحَادِيثِ فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الأَحَادِيثِ قَالَ: وَقَدْ فَعَلُوهَا ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: أَمَا إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: « أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ ». فَقُلْتُ: مَا المَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: " كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ العُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَلَى كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، هُوَ الَّذِي لَمْ تَنْتَهِ الجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتَّى قَالُوا: ﴿ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ ﴾ [الجن: 2]، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هَدَى إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " خُذْهَا إِلَيْكَ يَا أَعْوَرُ )) (رواه الترمذي في سننه 2906، والإمام احمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة 1/ 91، والدارمي في فضائل القرآن 3331 وضعفه الألباني في المشكاة 2138).


إنه حمايةٌ وسترٌ للمؤمن من الذين هم لا يؤمنون وبربهم يشركون، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ﴾ [الإسراء:45].


وكتابٌ يُبَشِّرُ بالخيرات لمن آمن وداومَ على فعل الصالحات، قال الله تعالى: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ * هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُون ﴾ [النمل 1:3].


ولذا؛ فإن المحروم من القرآن في قلبه قد مُنِعَ الخيْرَ كله فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:  (( إنَّ الذي ليس في جوفِه شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ )) (سنن الترمذي 2913 وقال: حسنٌ صحيحٌ عن عبد الله بن عباسٍ رضي الله عنهما).


ومن بركات القرآن الكريم أنه يحولُ بين من وعاه في قلبه وبين العذاب، فعن عقبة بن عامرٍ رضي الله عنه قال: قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:  (( لو كان القرآنُ في إِهَابٍ ما مَسَّتْهُ النارُ )) (الألباني في تخريج مشكاة المصابيح 2082 وقال: إسناده حسنٌ وله شاهدٌ).


ومن بركاته أنه يُجَلِّلُ أَهْلَهُ بالنور يوم القيامة وخصوصاً من حمل الأمانة لتعليم أبنائه وبناته القرآن العظيم، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:  (( من قرأ القرآنَ وتعلَّم وعمِل به أُلْبِس والداه يومَ القيامةِ تاجًا من نورٍ ضوءُه مثلُ الشَّمسِ ويُكسَى والداه حُلَّتَيْن لا يقومُ لهما الدُّنيا فيقولان بمَ كُسينا هذا فيُقالُ بأخذِ ولدِكما القرآنَ )) (المنذري في الترغيب والترهيب 2/ 303 وقال: بإسنادٍ صحيحٍ أو حسنٍ أو ما يقاربهما عن بريدة بن الحصيب الأسلمي).


وأهل القرآن هم أهلُ الله وخاصته المكرمين بالفضل والمميزين بين الناس بنسبتهم إلى علام الغيوب، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:  (( إن للهِ أَهلِين من الناسِ قالوا: من هم يا رسولَ اللهِ ؟ قال: أهلُ القرآنِ هم أهلُ اللهِ وخاصتُه )) (الدمياطي في المتجر الرابح 192 وقال: إسناده صحيحٌ عن أنس بن مالك رضي الله عنه).


وعن فضل قراءته والاغتراف من فيض بركته قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:  (( اقْرَؤوا القرآنَ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه.اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ. فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ. أو كأنهما غَيايتانِ. أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ. تُحاجّان عن أصحابهما. اقرَؤوا سورةَ البقرةِ.فإنَّ أَخْذَها بركةٌ. وتركَها حسرةٌ. ولا يستطيعُها البَطَلَةُ )) (صحيح مسلم 804 عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه).


ولو استحالت أشجارُ الكَوْنِ أقلاماً ويمدها سبعةُ أبحرٍ لكتابة مرادات الله من كلامه ما انتهت المعاني العظيمة لكتاب الله الكريم، لأن القرآن حمَّالٌ وذو أوجهٍ ولا تنقضي عجائبه، تماماً كملمح القرآن الذي يبين أن كلمات الله تعالى لا تنفد ولا تنتهي، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27].


هداية القرآن لعموم المؤمنين:

ولا ريب أن القرآن الكريم كتابُ هدايةٍ للأمة قاطبة في جميع مناشطها ومجالاتها، ولكل الأشخاص على اختلاف درجاتهم وأثرهم في مجتمعاتهم، وما من شئٍ في الدنيا والآخرة إلا وقد بَيَّنَ القرآن سبل الرشاد والهداية فيه، قال الله تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [البقرة:2]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9]، وهذا هو السبب الواضح الذي من أجله أنزله الله تعالى ليكون للناس هداية وفرقاناُ، قال الله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة من الآية: 185] وقال الله تعالى عن أثر القرآن في باب الهداية للأحياء من البشر: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآَنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [يس 69:70]، ومن تمسك بالقرآن والسنة المطهرة نجا من الضلال والفتن، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم أمرين؛ لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض )) (الألباني في منزلة السنة 13 وإسناده حسن).


وتلك أهمية القرآن العظمى التي غفل عنها الغافلون وذكرها الذاكرون، فقد مالَ الناس إلى منحدرٍ بعيدٍ جداً عن سبيل القرآن في التعامل معه واحترام مقاصده وتطبيق أحكامه والتفاعلِ مع قِيَمِهِ السَّامِيَةِ في شتى شئون الحياة، وجعل الكثير منهم تعامله مع كتاب الله تعالى مجرد سماعٍ فقط في تباشير الصباح كما يفعل أربابُ المقاهي والمحالِّ التجارية أو مجرد تلاوةٍ في ختام يوم الصيام عبر مكبرات الصوت في رمضان، ومن الناس من لا علاقة له بالقرآن إلا بقراءة الفاتحة عند إرادة التزويج أو على أرواح الموتى من المسلمين!.


إن القرآن الكريم لم ينزله الله تعالى من فوق سبع سماواتٍ ليتعامل معه المسلمون هذه المعاملة التي لا تخبرُ عن حسن إيمان واستقامة وجدان.. إنهم يتعاملون معه كأدويةٍ موضعيةٍ بقراءة آياتٍ معينةٍ لطلب العلاج من الأسقام البدنية، حيث صار الناس - للأسف الشديد - يراجعون الدعاة في معرفة الآيات التي تعالج الصداعَ أو وجع الأضراس !!، وأحجبةٍ وأحاجٍ لمن أصابتهم سهامُ الحُسَّادِ، وبابٍ للاستفتاح عند التخيِّرِ بين السُبُلِ، وكمادةٍ للحلف عند اختلاط الأمور، وكزينةٍ صوتيةٍ بهيجةٍ لسرادقات العزاء عند وفاة أهل الدُّثُور، ويستفتحون به مجالس الكبراء ورؤوس الناس في محافلهم، وتضعه ربات البيوت المصاحف في الأرفف للبركة ويضعه أصحاب السياراتِ لدفع غوائلِ العين ويضعه المسئولون الكبار في مكاتبهم للتمويه بالتدين، وحيثما مررت بمكتب محامٍ أو عيادة طبيبٍ أو مديرٍ أو صاحب شركةٍ أو منصبٍ رفيعٍ فإن العين تتصفحُ المصحفَ بين الأركان وربما أنَّ يداً لم تمسه منذ سنواتٍ إلا لمجرد إزالة الغبار!، ولو أنصف الجميع من نفسه لنفسه وأعذر من هواه إلى ربه وخالقه لجعلوه دواء النفوس وشفاء الصدور من العللِ والأَسْقَامِ، وحكماً ناجزاً لما شجر الناس، يحتكمون إليه طواعيةً بشوق المحب وطلب المحتاج.

 

حَقُّ القُرآنِ عَلى الأُمَّةِ الإِسْلَامِيَّةِ:

ألا وإن حقَّ القرآن ثابتٌ وساطعٌ مهما اختلفت في ذلك الأفهام والعادات والمجامع، فمن أَظْهَرِ حقوقِهِ واجباً على عاتق الأمة أن تزيد من الاهتمام بتأمين حفظه في الصدور واستظهاره على الألسنة كما جاءت أمانته من فم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إلى كُتَّابِ الوحْيِ الشَّريفِ.


وهذا يوجب الاهتمام بمعاهدِ تحفيظه ونطقه بأحكام تلاوته كما قال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ ﴾ [لبقرة من الآية 121]، وأن تُجّنَّدَ الأموال لذلك من قبل الأجهزة الرسمية للأمة وكذلك من قبل المحسنين الذين يوقِفُونَ بعضَ أموالهم لتحفيظ القرآن وإكرام أهله وحُفَّاظِهِ ومُحَفِّظيهِ عن طريق التباري والمِنَحِ ورعاية الطلاب والقُرَّاءِ.

 

ومن أمانة القرآن على الأمة أن يهتمَّ أفرادُهَا ومجموعُهَا بفهم مقاصده وإدراك الرسائل القرآنية المعينة على بلوغ خير الدنيا ونعيم الآخرة من ألسنة العلماء والفقهاء بفضل منزل الكتاب ومسبب الأسباب.

 

ومن حقِّ القرآن على الفرد المسلم دوامُ القراءة فضلاً عن الاستماع حتى يكون القارئ له كالحالِّ المرتحل فيه، لا أن يكون ضيفاً مع شهر رمضان فقط، ومن ضَيَّعَ حقَّ القرآن في تلاوة وردٍ منهُ ولو قليلٌ فقد هجره، وقد بيَّنَ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الناس في أمر التلاوة متباينين وهم أصنافٌ أربعةٌ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  (( مثَلُ المؤمِنِ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ كمَثَلِ الأُترُجَّةِ؛ رِيحُها طيِّبٌ وطَعمُها طيِّبٌ، ومثَلُ المؤمِنِ الَّذي لا يَقرَأُ القرآنَ كمَثَلِ التَّمرَةِ؛ لا رِيحَ لها وطَعمُها حُلوٌ، ومثَلُ المنافِقِ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ مثَلُ الرَّيحانَةِ؛ رِيحُها طيِّبٌ وطَعمُها مُرٌّ، ومثَلُ المنافِقِ الَّذي لا يَقرَأُ القرآنَ كمَثَلِ الحَنظَلَةِ، ليس لها رِيحٌ وطعْمُها مُرٌّ )) (صحيح البخاري 5427).

 

وعلى أي سبيلٍ وطريقة، إما ماهرٌ به أو يتعب في قراءته، المهم أن لا يحرم نفسه، فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:  (( مثَلُ الَّذي يقرَأُ القرآنَ، وهو حافِظٌ له، مع السَّفَرةِ الكِرامِ البرَرةِ، ومثَلُ الَّذي يَقرَأُ القرآنَ، وهو يتَعاهَدُه، وهو عليه شَديدٌ، فله أجرانِ )) (صحيح البخاري 4973).

 

ولا شك أن تلاوة القرآن تدافع عن صاحبها يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  (( يُؤتَى الرجلُ في قبرِه فإذا أُتِيَ من قِبَلِ رأسِه دفَعَتْه تلاوةُ القرآنِ وإذا أُتِيَ من قِبَلِ يدَيه دفعَتْه الصدقةُ وإذا أُتِيَ من قِبَلِ رِجلَيه دَفَعَه مَشيُه إلى المساجدِ )) (الألباني في صحيح الترغيب 3561 وقال: حديثٌ حسنٌ)

 

وقد نَبَّهَ النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة القراءة والتعلم للقرآن الكريم، ففي باب الترغيب روى عقبة عامرٍ رضي الله تعالى عنه قال:  (( خرج رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونحنُ في الصُفَّةِ. فقال " أيكم يحبُّ أن يغدو كلَّ يومٍ إلى بطحانَ أو إلى العقيقِ فيأتي منهُ بناقتيْنِ كوماويْنِ، في غيرِ إثمٍ ولا قطعِ رحمٍ ؟ " فقلنا: يا رسولَ اللهِ ! نحبُّ ذلك. قال " أفلا يغدو أحدكم إلى المسجدِ فيُعَلِّمَ أو يقرأَ آيتيْنِ من كتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ خيرٌ لهُ من ناقتيْنِ. وثلاثٌ خيرٌ لهُ من ثلاثٍ. وأربعٌ خيرٌ لهُ من أربعٍ. ومن أعدادهنَّ من الإبلِ )) (صحيح مسلم 803 )، فنعم الأجرُ وعظمت المثوبة.

 

وبمثل ذلك أيضاً كانت وصيته صلى الله عليه وسلم لأصحابه الكرام، فقد أوصى أبا سعيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله تعالى عنه قال:  (( أُوصيكَ بِتَقْوَى اللهِ فإنَّهُ رَأْسُ كلِّ شيءٍ، و عليكَ بالجهادِ، فإنَّهُ رَهْبانِيَّةُ الإسلامِ، و تِلاوَةِ القرآنِ، فإنَّهُ رَوْحُكَ في السَّماءِ، و ذِكْرُكَ في الأرضِ )) (الألباني في السلسلة الصحيحة 555 وقال: حسنٌ بمجموع طرقه)، ولهذا؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم القراءة لكتاب الله، فعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه:  (( أن رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لا يحجبُهُ عن تلاوةِ القرآنِ شيءٌ إلَّا الجَنابةُ )) (ابن عبد البر في الاستذكار 2/ 460 وقال: ثابتٌ).

وقال عبد الله بن مسعودٍ رضي الله تعالى عنه: " لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله".

♦♦ ♦♦ ♦♦

 

المبنى والتطريب يأكل المعنى:

ومن إهدار البركة في حياة المؤمنين أن تشتغل الأمة بالمبنى على المعنى وبالمغنى والتطريب في القرآن على حساب التربية الوجدانية والإيمانية والأحكام، وكم يعاني أهلُ القرآن الحقيقيون خلال هذه الأيام وما سبقها من ملصقي قراءة القرآن الكريم الذين يقرؤونه بطريقة أقرب إلى وحشي المعاني والكلمات منها إلى لسانٍ عربيٍّ مبينٍ.

 

فتجدهم يرجِّعُونَ القرآن مثل صوت النائحين وأهل العقائر الناشزة بلا تذوقٍ في المعنى أو إظهار اللمحات البلاغية درجَ بيانه الشريف، وهؤلاء قد عناهم الحديث الوارد عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم القائل:  (( اقرَؤوا القُرْآنَ بلُحونِ العرَبِ وأصواتِها، وإيَّاكم ولُحونَ أهلِ الفِسْقِ وأهلِ الكِتابَيْنِ، وسيَجيءُ قومٌ مِن بعدي يُرجِّعونَ القُرْآنَ ترجيعَ الغِناءِ والرَّهبانيَّةِ، لا يُجاوزُ حناجِرَهم، مَفتونةٌ قلوبُهم وقلوبُ الَّذين يُعجِبُهم شأنُهم )) (ابن كثيرٍ في الأحكام الكبير 3/ 225 وقال: له طرق متعاضدةٌ متناصرةٌ في حسن إسنادها عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه).

 

ومن تأمل الطقس العام للاحتفالات القرآنية لأبناء هذا الزمان وجدَ فيها العجبَ من وجوهٍ قد ندَّتْ وصدَّتْ عن الصراط المستقيم، وقد جافى أهلها مراسيمَ الأَدَبِ مع كتاب الله رب العالمين، فلا تسمع حول القارئِ إلا أصواتاً لاغبةً عاليةً تكثرُ الحديثَ بالجمل الاعتراضية الكثيرة أثناء القراءة وتخرج عن أدبِ السماع والإنصات وطلب الرحمة إلى رداءة التعليق وغثائية الكلمات وسمادتها، وقد تبارتْ في ذلك وجوهٌ لا تمتُّ إلى كتاب الله تعالى بأدنى صلةٍ فصاروا عنواناً على بناء مكذوب، كأنهم صدقوا أنفسهم في معرفة أسرار الوقف والابتداء ويزعمون أنهم أهل التذوق البياني والعمق البلاغي للآيات – وهم أبعد الناس عن ذلك -، وهذا تضييعٌ لأمانةٍ غالية حملتها الأمةُ قُروناً حتى أناخَ الزمانُ بحِمْلِهِ إلى أبْنَاءِ هذهِ الحقبة الجديدة من المُدَّعِينَ والمُلْصَقِينَ بالقرآن الكريم وحسن الاستماع إليه.

 

لقد كان المحيطون بكبار القراء منذ عشرات السنين وإلى وقتٍ قصيرٍ مضى من الذين يفهمون في أحكام التلاوة ويدركون بعضاً من الأسرار والمعاني لكثير من الآيات، وكانوا يحسنون الجلوس حول القراء وتتزين بهم المجالس والمساجد والمجامع القرآنية، أما اليوم فنحن في بلاءٍ يَزْدَادُ يوما بعد يوم، وتزيدُ المحنة في عدم تقدير آيات الله وهي تُتْلى على طُلاَّبِ الأنغام ممن لا يفهمون الأحكام وعلى محبي العقائر القوية الناشزة بدل تحسين الصوت بالمزامير الندية التي نوَّه عنها حديث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم قائلاً لأبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه:  (( لو رأيتني وأنا أستمعُ لقراءتِكَ البارحةَ ! لقد أُوتيتَ مزمارًا من مزاميرِ آلِ داودَ )) (صحيح مسلم 793)، وأساسُ القاعدة وبيت القصيد أن يكون ميزان القراءة على ما توافق عليه أهل الفنِّ في التجويد الذي يُبرزُ المعنى على منهجيةٍ واتباعٍ ويثيرُ مشاعرَ الخشوعِ والإخْبَاتِ في النفوسِ.

 

ألا وإن زينةَ السُّرادقاتِ وأضواؤها غدتْ تدهشُ أقواماً لهم ألسنةٌ مستأجرةٌ يحركها داعي الهوى بالمجاملات الرخيصة للقراء الذين غدا أكثرهم يطلبون الصدقات المعنوية والمديح الأجوف بحفنةٍ زهيدةٍ من المال يسقطونها في أيدي البطانة التي تأكل على كل الموائد وتستفيدُ من كل عزاء ومنهم سماسرةٌ مبرزون لأصواتٍ معينة ينقصها كثيرٌ من العلم وحسن الفهم والمهارة لقراءة كتاب الله تعالى كما نزل على سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

 

وفي الختام:

نسوق مع الود والتقدير الغامر لأهل حلقات التحفيظ ورعاية البنين والبنات رجاء الاهتمام بتدريس شئٍ من آداب وأخلاق حملة القرآن الكريم لهم بعد تمام ختمهم لكتاب الله مباشرةً، مع تعريفهم بمنزلة هذا القرآن وقدره في الدنيا والآخرة، وربطهم مع المشايخ الكرام الذين حفظوهم بتنظيم دورات علمية دوريةٍ تتعلق بالقرآن الكريم فقهاً وسلوكاً وأخلاقاً وأدباً، لأن الصورة القائمة ينقصها هذا الفقه حيث يتولى الطالب أو التلميذ عن شيخه بعد تمام ختمه لكتاب الله حيث يسكن شيخه بعد ذلك في سجل الذكريات.

 

ومع أهمية الحفظ وجودة التلاوة لكن يبقى الهدف الأهم وهو استفادة المجتمع الحقيقية من حُفَّاظِ القرآن في أخلاقهم وسلوكياتهم، خصوصاً مع الحمى الإعلامية المُغِيرَةِ على القرآن وأهله وعلى العلم الشرعي ورُوَّادِهِ بالطَّعْنِ والهمز واللمز والتنقيص في الحوارات الموجَّهَةِ ناهيك عن القوالب الفنية الصادمة والتي تُصَوِّرُ أهلَ القرآن كأنهم عالَةٌ وثِقَلٌ على المجتمع وكلُّ همهم محصور في ملء البطونِ والاستحواذ على الصدقات !، أو أنهم قساةُ الطَّبْعِ يجنحون إلى الجلافة والتنطع وانعدام الذوق حتى تناقل الناس في حواراتهم منذ عشرات السنين هذا الافتراء بالنكات السخيفة والتكاذب السمج على القرآن والعلم وأهله.

 

وعلى الحقيقة فليس لنا في الحياة عزٌ ولا كرامة إلا بكتاب الله تعالى، هو زاد القلوب وغذاء الأرواح ودستور الحياة.

 

اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا، وعلمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار بالوجه الذي يرضيك عنا.

والحمد لله في المبدأ والمنتهى.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • فضل القرآن وقراءته
  • فضل القرآن الكريم
  • فضل القرآن والتحذير من هجره

مختارات من الشبكة

  • رقية المريض بقول: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية استماع القرآن العظيم (خطبة) - باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: القرآن العظيم حل للمشكلات المستعصية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية استماع القرآن العظيم (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية استماع القرآن العظيم (خطبة) - باللغة الإندونيسية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صفات الحور العين في القرآن العظيم (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • حديث القرآن العظيم عن صحابة النبي الكريم (الجزء الثالث) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حديث القرآن العظيم عن صحابة النبي الكريم (الجزء الثاني) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية استماع القرآن العظيم (خطبة) (باللغة الهندية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية استماع القرآن العظيم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 17/11/1446هـ - الساعة: 9:44
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب