• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

مقاصد سورة الأنعام

مقاصد سورة الأنعام
أحمد الجوهري عبد الجواد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/12/2017 ميلادي - 1/4/1439 هجري

الزيارات: 49465

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نور البيان في مقاصد سور القرآن

"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

 

(6) سورة الأنعام

الحمد لله رب العالمين، ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1] نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وخليله، أُنزل عليه القرآن الكريم فبلّغه وما كتم شيئًا، فأكرمنا بما أكرمه الله به، وأنعم علينا بما أنعم الله عليه به، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صل يا ربنا وسلم وبارك على هذا النبي الكريم وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون الكرام، فعلى مائدة القرآن نلتقي، وخاصةً على هذا الطعام الشهي، وعلى هذا الغذاء اللذيذ، ألا وهو مقاصد سور القرآن الكريم، نتعرف على سور القرآن سورةً سورةً، بتوفيق من الله تبارك وتعالى، وقد انتهينا من سورة المائدة، واليوم - إن شاء الله تعالى - نلتقي مع سورة الأنعام، تلكم السورة التي سمّاها الله بهذا الاسم البليغ الحكيم، الأنعام، وله في ذلك حكمة، والأنعام معروفةٌ فهي البهائم، وتسمى بالعجماوات؛ لأن أمورها معجمة علينا، لا نفهمها، ولأن أحوالها مبهمة علينا فهي بهائم بالنسبة لنا، لا لأنها لا تفهم ولا تعقل، بل لأننا لا نفهم أمرها ولا ندرك حالها، وإن سمعنا صوتها فلا نفهم كلامها، يجعل الله هذا الاسم عنوانًا على هذه السورة، ذلك لأن الكافرين الذين جاء القرآن يعدل اعوجاجهم، كانوا قد أبعدوا الشُقّة في الضلال، ضلّوا ضلالاً بعيدًا، أوصلهم هذا الضلال إلى أن تصرفوا بغير ما أنزل الله في البهائم، وفي شأن البهائم، فلم يكتف الإنسان بضلاله على نفسه، بل امتد ضلاله إلى قطعان البهائم، ولعل هذا موصولٌ في القرآن الكريم، فسورة البقرة ومن بعد بعدها سورة النساء، وفيها قول الشيطان الذي يحكيه الرحمن سبحانه وتعالى ﴿ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ﴾ [النساء: 119]، وبعدها في سورة المائدة ﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ﴾ [المائدة: 103] كل هذه أسماء افتراها الكافرون على الأنعام، وعلى البهائم، يسمّون بها نوعًا معينًا، أو يسمّون بها البهيمة في حالة معينة؛ كالذكر الفحل الذي أنجب ذكراً مثله، وهذا الذكر الصغير كبر وصار فحلاً عظيماً يُعشِّر الإناث من جنسه، فيعتقدون بأن الفحل الكبير بهذا قد أُعفي من مهمته، فلا يستعمل في زرعٍ ولا في حرثٍ، ولا في سقي ماء، ولا في تعشير إناث، بل يطلقونه في الأرض سائباً، معظماً مكرّماً مقدّساً، وكذلك الأنثى، التي تلد خمسة أبطن ويأتي الخامس منها ذكراً فبهذا تصير أمّاً مثاليةً في البهائم، وبقرةً أو جاموسةً مثالية، يُفك عنها رباطها وتقدَّس وتعظَّم أيضاً وتعبد مع الله أو من دون الله، لا يستفاد منها بشيء، لا بحمل ولا بفرشٍ ولا بذبح ولا بلبنٍ ولا بشيء، صارت إلهاً يُعبد، ويُسَيِّبونها كذلك سائبةً في الأرض، ولكي يعرفها غير صاحبها، لكي يعرف كل الناس أن هذه بهيمة مقدسة، إن كانت ذكراً أو أنثى، كانوا يَبْحَرون أذنها، يقطعون قطعاً في الأذن، حتى إذا التئم الجرح صار هناك فارق بين جزئي الأذن الواحدة، وهذا القطع في اللغة يسمى بحراً، والبهيمة المقطوعة أذنها تسمى بحيرة، أي مبحورة مقطوعة الأذن، انظروا كما قال الشيطان، يمشي الإنسان العاقل وراء الشيطان الشرير الذي أعلن عن عداوته ﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50]، كان هذا حال الكافرين قبل الإسلام[1].

 

جاء الأمر كذلك في سورة الأنعام بشيءٍ من التفصيل، كانوا يعتقدون أنّ هذا من الأنعام حقٌّ للرجال، ولا حقّ فيه للنساء، وأما هذا فهو حقٌّ للنساء، وأما الثالث فهو مشتركٌ بينهما، ﴿ وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ ﴾ [الأنعام: 139]،[2] وهكذا ظلموا البهائم وظلموا المرأة معها، من قال لكم بهذا؟ أين حجتكم؟ أين دليلكم؟ ﴿ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ﴾ [الأنعام: 150] فهذه شهادة زور، وهذا تقوُّلٌ على الله تبارك وتعالى، إلى أن قال الله تعالى: ﴿ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾ [الأنعام: 149]، لله الحجة على أنّ هذا ضلال، وأنّ هذا باطل، حرّموا ما أحلّ الله من الأنعام، واستحلّوا ما حرّم الله من الفواحش والمظالم، وبالتالي جاءت سورة الأنعام تعلّمهم في هذا الجانب الخطير، ولماذا؟ فقد ظلموا في بني الإنسان، وضلّوا في عالم الآدميين، وعبدوا غير الله من الأصنام، لماذا يخص الله الأنعام بالذات؟ إشارة لطيفة، جَعلت اسم السورة الأنعام أحكم من غيرها، ذلك لأن في ذكر الأنعام عنوانًا على أحوال ومناقشة هؤلاء الكافرين، إشارةٌ إلى قول الله تعالى ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44]، ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]، هكذا، فذِكر الأنعام هنا إشارة إلى أنّ هؤلاء الكافرين الذين رفضوا منهج الله الخالق سبحانه وتعالى وافتروا منهجاً أو نظاماً من عندهم لا أساس له من علمٍ أو حكمة، إنّ ذلك تصرفٌ يجعلهم في مرتبة الحيوان، وفي نظرنا أن الحيوان لا يعقل ولا يفهم، بل هم أضلّ في ميزان الله تبارك وتعالى، فالحيوان قام بدوره ويقوم بدوره إلى أن يموت، لا يخرج عن الدور الذي خلقه الله له، أمّا الإنسان فهو الذي يركب رأسه، ويحكّم رأيه، ويخالف هدي رسوله، ويناقض شرع ربه سبحانه وتعالى، إذاً البهيم الذي التزم بالمنهج الربانيّ، الأنعام التي التزمت بمنهج خالقها كانت أفضل من الإنسان الذي ما عرف حق خالقه ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 44].

 

ثم إشارة لطيفة أخرى تعلّمنا أنّ تسمية هذه السورة بالأنعام تسميةٌ حكيمة، حكيمة جدًّا؛ وذلك كأنّ الله يقول لنا في هذه السورة: إن كان الله تعالى قد وصل بتشريعه لتنظيم حياة الحيوان، وتحديد الحلال منه والحرام ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ... ﴾ [المائدة: 3] إلى آخره كما في سورة المائدة السابقة، إلى قوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ﴾ [المائدة: 4] كل لحمٍ طيّبٍ فهو حلال، ﴿ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ [المائدة: 3] ما ذكيتموه وذبحتموه فهو حلال، وكلّ ما كان طيباً فهو حلال، إذا كان شرع الله قد وصل إلى الغابات فحدّد أن الحمار الوحشي حلال أكله، ودخل داخل البيوت والحظائر ليقول: إن الحمار الأهلي – الذي يستأهله الناس ويستعملونه – حرام أكله وذبحه، شرّع للحيوان، أفلا يشرّع للإنسان، أيتركه سُدى هكذا؟ ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ [المؤمنون: 115]، ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ﴾ [القيامة: 36] كيف هذا؟ لقد شرّع الله تعالى للحيوان أفلا يُشرّع فينا من باب الأولى، انتبه أيها الإنسان إنّك مخلوقٌ كريمٌ على الله تبارك وتعالى، ما خلق الحيوان ولا غيره إلا لخدمتك ومتاعك ﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [النازعات: 33]، والأنعام في النهاية ترجع إلينا، حمولةً وفرشاً ونأخذ منها لبناً ونذبح منها، ﴿ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ [النحل: 80]، الأنعام بكاملها نفعٌ لنا، ما خلق الله الحيوان إلا لنا، فيُشرّع لهذه المخلوقات التي نحتقرها ولا يشرّع لنا، هذا لا يعقل أبداً، فانتبه أيها الإنسان.

 

إذاً حينما نذكر اسم هذه السورة، حينما نقرأه قبل أن ندخل فيها، وقبل أن نقرأ آياتها فعلينا أن نذكر هذا، أنّ من حاد عن منهج الله فهو كالأنعام بل هو أضل، أنّ الله شرع للأنعام، فمن باب الأولى شرع للأنام وللبشر، وقد قال: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70] فلا يتركهم الله عبثاً ولا سُدًى، إنّ الأنعام التزموا بمنهج الله، فعلينا نحن بني آدم الذين ندّعي العقل والفهم والإبداع والاختراع والتقدم والحضارة ونحو ذلك، علينا أن نلتزم بما خلقنا له، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

أحبتي، هذه السورة سمّاها الله الأنعام، ولهذه الحِكَم كما قلنا، والحكمة البالغة عند الله تبارك وتعالى، سورةٌ يُذكر في فضلها، كما روى الإمام الحاكم والبيهقي وغيرهما رحمهما الله تعالى عن عدد من الصحابة؛ ابن مسعود، وابن عمر، وجابر بن عبد الله وغيرهم رضي الله عنهم جميعًا، أنّ هذه السورة - من مجموع الروايات - نزلت جملةً واحدة كلها، نزلت ليلاً، نزلت يشيّعها - يعني يزفّها - سبعون ألف ملك غير جبريل عليهم السلام جميعاً[3]، يشيّعها يعني يقدّمها ويزفّها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كالعروس سبعون ألف ملك، ارتجّت لهم الأرض حين نزلوا عليها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحسّ بهذا وعلمه كان يسبح؛ سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم[4]، من هول الموقف، غير أنّ هذا الحديث ضعّفه بعض أهل العلم.

 

ولا تخلو هذه السورة من فضل، ولعل من فضائلها موضوعها الأساس، هدفها، فإنها من أولها إلى آخرها تقرّر حقيقةً مهمّة، خاصةً وأنها سورة مكيّة، نزلت قبل هجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فهي تخاطب النّاس في مكة، أولئك الذين كانوا يغلب عليهم الكفر، فكانت تؤسس لهم العقيدة الصحيحة، وخاصةً أساس الأسس كلها، ألا وهو التوحيد، توحيد الإله، لا يُعبد إلا إلهٌ واحد، ومن هو؟ سؤالان مهمّان جدًّا، من نعبد؟ ومن هو الإله الذي يُعبد؟ لابد أن يكون إلهاً واحداً، حتى لا تتنازع فينا الآلهة، فتفسد السموات والأرض، كما قالها الله وقدمها أطروحة عقليّة، من فكّر فيها بعقله وجدها مسلمةً عقليّة يصدّق العقل بها ﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ [الأنبياء: 22]، من شأن الخلطاء والشركاء أن يتنازعوا ﴿ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ [ص: 24] هذا شأنهم، ﴿ قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ﴾ [النمل: 34]، فلو كان للسموات والأرض أكثر من ملك وأكثر من مالك، لتنازعوا الأمر فيما بينهم، وبغى هذا على هذا، وأثر هذا الاضطراب يجده الخلق ويعانون منه، ولكن بحمد الله نرى انتظاماً عجيباً في حركة الكون، سكوناً هادئاً، نكاد لا نسمع صوتاً إلا لما صنعته يد الإنسان، يمرّ السحاب من فوقنا كتلاً وجبالاً ولا نشعر بذلك، إلا أن نلتفت إليه، أو يُنزل علينا ماءً بِقَدَر الله، لكن تمر طائرة تزعج الدنيا، تهزّ العمارات، تؤثّر في المباني والأشخاص، خلق الله منتظمٌ انتظاماً عجيباً، مما يدل على أن ربّ هذه الدنيا هو واحدٌ فقط، هو الذي خلق، وهو الذي يدبّر، وهو الذي ينعم، وهو الذي يحيي، وهو الذي يميت، له كل شيء، إذاً من يُعبد؟ صاحب المِلك والمُلك، صاحب الملكية للكون، والخلق، وصاحب التصرّف في ذلك، أو يعبد غيره؟ أو يعبد سواه؟! لذلك حدّث الله تعالى في هذه السورة عن ألوهيته حديثاً عظيماً في عدة آيات تأتي وراء بعضها، في أول السورة ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 1] تكفينا هاتان الكلمتان، الحمد: الشكر والثناء العظيم الحسن، لله أي: له وحده لا شريك له، لماذا؟ لماذا ينفرد الله بهذا؟ لأنه هو المستحقّ للألوهية، هو الذي ربّى العالم على نعمته وبربايته سبحانه وتعالى، فلما كان هو الرّبّ الواحد استحق أن يكون هو الإله الواحد، لخّصها الله في آيةٍ في القرآن – في جملة من آية – يقول: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، لذلك اسمع إلى ربوبية الله، ثم اسمع إلى ألوهية الله، في هذه السورة، من الربوبية قول الله تعالى: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 1 - 3] وهكذا، إذاً هو خالق الكون كله، وخالق الإنسان على وجه الخصوص؛ لأن المخاطب بهذه السورة هو الإنسان فذكره الله مخلوقاً وحده، ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ﴾ [الأنعام: 2] بعد أن قال: ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ [الأنعام: 1]، هذا من ربوبية الله تبارك وتعالى، ثم يتساءل الله ليجيب الناس بما رأوا: ﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 12] قل يا نبي الله، قل للناس اسألهم لمن ما في السموات والأرض؟ ﴿ قُلْ لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 12] لأن الناس ينكرون، ولأن الناس يجادلون ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54] فتولى الله الإجابة بنفسه، ﴿ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12] مع أنه المالك لكل شيء، لكنه يملك ويملك التصرف في خلقه بمطلق الرحمة التي أوجبها على نفسه، دون أن يسألها أحدٌ من خلقه، دون أن يطلبها، دون أن يجبره أحدٌ على ذلك، ومن الجميل أن يخبرنا الله تعالى أنه وعدنا بالرحمة، ربما تنوي في نفسك أن تأتي لولدك بهديّة ولكنك لا تخبره، تسرّها في نفسك، حتى إذا ظهر منه شيءٌ ألغيت هذه النيّة، لكن لو كنت حدثته بذلك لأمسك عليك حجة، أما وعدتني يا أبي أن تفعل كذا وكذا، وأن تأتيني بكذا؟ فتقول له: لقد أخطأت يوم كذا، أتذكر؟ فمن أجل هذا الخطأ ألغيت هذا، يقول لك: وإذا كنت أنت تمنع هديتك عني فمني يهديني، ويسترق قلبك، ويستدر عطفك لأنه أمسك عليك وعداً، الله تعالى يُعلِم خلقه بما وعد ولا يخشى في ذلك شيئاً؛ لأنه صادق الوعد سبحانه وتعالى، لأن وعده الحق، لأنه لا يخلف الميعاد، فقال لنا: ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12]، هذا من ربوبية الله تبارك وتعالى، كما يقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ﴾ [الأنعام: 95، 96] يعني يفلق الصبح من الليل ﴿ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا ﴾ [الأنعام: 96، 97]، {﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ﴾ [الأنعام: 98]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 99]، هكذا هو الذي فعل كذا وفعل كذا، كلّ ذلك إنعامٌ من الله تبارك وتعالى على خلقه من باب ربوبيته عز وجل، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 60] كلّ هذا من ربوبية الله، ماذا لو حرمنا النوم بالليل، ماذا لو بقي علينا النهار سرمداً، من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ هكذا يبين الله تبارك وتعالى ربوبيته، وهو أعظم من ذلك وأوسع من ذلك، لولا أنّ الله تعالى يوجز معنا في العبارة، فيذكر بعض نعمه، هذه بعض نعم الله فقط، وليست كلها ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، إذا كان هو الذي فعل كل ذلك فصار ربًّا للدنيا كلها بهذا الإنعام، خلقاً ورزقاً وعنايةً وتنظيماً وتدبيراً لأمرهم على أحسن ما يكون، فمن يُعبد من دونه، ومن يُعبد مثله، هل رأت الدنيا إلى الآن مثلاً لله تبارك وتعالى؟ أبدًا، حقّ قوله ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]، ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 4] وفي قراءة: كفؤًا أحد[5]، ليس له مكافئ ولا مساوٍ، إذاً لا يُعبد معه غيره، من باب أولى، لا يوجد من هو أحسن منه حتى يُعبد من دونه سبحانه، فالعبادة الحقة والألوهية الكاملة لله تبارك وتعالى، اسمع إلى أول السورة في آيات الربوبية كما سمعناها قول الله ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 1] يقول المفسرون: معناها احمدوا الله، فهو خبرٌ يراد به الأمر، الحمد لله، مثالها تقول لولدك: الولد الطيب لا يعصي أباه، الطالب النجيب يذاكر دروسه، أنت تخبره خبراً، لكن ماذا تريد بهذا الخبر؟ تريد أن تقول له: أطع أباك حتى تكون ولداً طيباً، ذاكر دروسك حتى تكون طالباً نجيباً ناجحاً، وهكذا، فهو خبر ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ [الأنعام: 1] ولكن يراد منه الأمر، احمدوا الله، فإنّ الحمد كله حقٌّ واجبٌ لله وحده لا شرك له، هذا من باب الألوهية؛ لأنه هو الرب الواحد سبحانه وتعالى، كذلك يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ ﴾ [الأنعام: 3] ليس اثنين واحدٌ في السماء وواحدٌ في الأرض، لا، إنما معنى الكلام وهو الله في السموات وهو أيضاً الله في الأرض، يعني هو الإله في السماء وهو الإله في الأرض، لا إله غيره في العلو، ولا إله يُعبد بين الناس غيره سبحانه وتعالى، فهو المستحقّ للألوهية في السموات وفي الأرض وفي كلّ مجالات الخلق، ثم يُعجِّب الله تعالى من حال الكافرين ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ ﴾ [الأنعام: 14] بعد ما عرفنا ربوبيته، بعد ما عرفنا إنعامه وأفضاله على الخلق ﴿ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ ﴾ [الأنعام: 14] هو فاطر السموات والأرض خلقهما لأوّل مرة، ولم يخلقهما معه أحد، ولم يخلقهما قبله أحد، ولم يخلق مثلهما بعده أحد، إذاً هو فاطر السموات والأرض، وهو يُطعم كلّ الخلق والأحياء، ولا يُطعَم ﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 57، 58]، أغير هذا الإله يسمح عاقلٌ لنفسه أن يتخذ ولياً وإلهاً من دونه؟ إنّ هذا لضلالٌ مبين ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14]، وله - لله وحده لا شريك له - ما سكن في الليل والنهار، له كل شيء ساكن، إذاً فالمتحرك له أيضاً، إن لم يذكرها الله فإنما يفهمها أولو الألباب، طالما ملك كلّ ساكن فيملك كذلك كلّ متحرك، يؤكد ذلك قول الله تعالى ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾ [الأنعام: 60] ونكون في سكون عظيم، في هدوء وثَبات وسُباتٍ عظيم، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ﴾ [الأنعام: 60] أي: ما اكتسبتم من أعمال وحركاتٍ بالنهار يعلمها الله تبارك وتعالى ويحصرها ويحصيها علينا ويجازينا بها يوم القيامة، ويقول سبحانه: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 18]، ومرةً أخرى يقول مثلها في السورة نفسها: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً ﴾ [الأنعام: 61] أي: من ملائكته ﴿ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ﴾ [الأنعام: 61، 62]، ألوهيّة عظيمة يخبر الله عنها حتى يعلمها ذلك الإنسان الجاهل الذي عبد غير الله تعالى، ثم يبين الله تعالى في آياتٍ في السورة أيضاً قدرته من باب الألوهية، قدرته على خلقه، بإمكاني أن أفعل بكم كذا وكذا وكذا، ولكني لم أفعل رحمةً بكم، ولطفاً بكم، ألا تحسون هذه الرحمة؟ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ﴾ [الأنعام: 46]، لا إله إلا الله ﴿ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ ﴾ [الأنعام: 46] يعرضون أيضاً ويتولَّون، لم يفهموا شيئاً، لم يعوا شيئاً، يكمل الله الآيات ويقول: ﴿ قُلِ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 19] الله تعالى هو الذي يأتي بكلّ هذا، كما في آيات أخرى، يقول الله تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأنعام: 63] تدعونه تضرعاً أي: طمعاً، وخُفيةً من الخوف أو من الخفاء، طمعاً فيما عند الله تبارك وتعالى، وخاصةً حينما تحيط بكم ظلمات البرّ أو ظلمات البحر، الإنسان الغافل الكافر حينما تضيق به الأمور لا يجد إلا أن يلجأ إلى الله العظيم سبحانه وتعالى، وحده، تلقائياً يرتفع بصره إلى السماء وتمتد يداه إلى العلو، ويقول: أدركني يا ربي، إذا كان هذا هو الذي ينجيك ساعة الشدة وأنت تدعو بتضرعٍ وخفاءٍ وخيفةٍ، فلماذا لا تعبده؟ ﴿ قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 63، 64] تعودون إلى ما كنتم عليه قبل ذلك، ﴿ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ﴾ [المؤمنون: 100] قال: ﴿ لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ [الأنعام: 63] وبعد ما ينجيه الله يعود إلى شركه وكفره وإنكار الله عز وجل، ﴿ قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 64].

 

هكذا ربنا عز وجل يعلن عن ألوهيته، ويعلن عن عظمته، ويعلن عن قيوميّته على خلقه، إذاً هذه السورة إنما هي سورة التوحيد لله عز وجل، الإنسان بفطرته التي خلقه الله عليها إنما يبحث عن إله يعبده ويقدسه في سلمه وهدوئه وسكينته، فإذا جاءت عليه الشدة والبأساء لجأ إلى ذلك الإله يستغيث به ويستجير، أجرني يا إلهي، كلّ إنسان في الدنيا يتطلع إلى إلهٍ ليكون معه في هذين الأمرين ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ﴾ [الفاتحة: 5] عند الرخاء ﴿ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] عند الشدة، ولكن يضلّ الناس، ولكن لا يرى كلّ الناس الحقائق الواضحة فكثيرون يصابون في قلوبهم بالعمى، عافانا الله وقلوبَنا، فإذا بهم يعبدون حجراً أو شجراً أو بقراً أو نحو ذلك، حتى عبدوا البهائم والأنعام من دون الله، عبدوا ملَكاً أو عبدوا بشراً، هذا كلّه وقع في الكون، لذلك الله تبارك وتعالى يُبَصِّر الإنسان بالحقيقة، الحقيقة يا عبدي أنك لا بد أن تعبد إلهاً، هذا نقرّك عليه، وهذه فطرتنا التي فطرناك عليها، وخلقناك بها، ولكن أين تجد إلهك؟ ومن يستحق عبادتك وإخلاصك وتوحيدك؟ هأنذا ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾ [طه: 14]، يعلن الله عن نفسه بدايةً بربوبيته للخلق، أنا الذي أعطيتكم كذا ووهبتكم كذا، وأنعمت عليكم بكذا ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، وبالتالي ولا مثيل لي فلا يستحق العبادة إلا أنا، المنعم، الكريم، العظيم، القوي، المتين، من خلال هذا الخلق، من تفكّر فيه فالعقل السليم يقتضي أن نشكر من خلق هذا الخلق، أن نعبد من خلقنا، أن ندين لمن يرزقنا، لا لمن يسلمنا المال والرزق بيده، بل من ينزِّل الرزق من السماء، ينزل من السماء ماءً فيخلطه بحَبّ الأرض فيصير نباتاً، فيخرج من الميت وهي الأرض والحبة نبتاً حيّاً يتنفس ويتغذى وينمو، ويخرج لنا من حبةٍ واحدة حبّاً كثيراً متراكباً فنأكل وننعم ونُكفى حاجتنا في الدنيا، ذلكم الرب هو الذي يستحق أن يكون إلهاً، لا إله إلا الله.

 

هذا مؤدّى سورتنا - سورة الأنعام - وكما قلنا هي سورة مكية، فحديثها وموضوعها المتواتر فيها والمنتشر في آياتها إنما هو الموضوع الذي كان سائداً في مكة، وهو أساس الدين، الإيمان بالله ربًّا وإلهاً، رضيت بالله ربًّا، والإيمان بالرسالة والرسل عليهم الصلاة والسلام، أنّ القرآن من عند الله، وأنّ محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم رسول حقٍّ ونبي صدق، ما تقوَّل على الله ولا بعض الأقاويل، وأنّ القيامة حقٌّ للحساب، محاسبة كلّ إنسان على ما أخذ من الدنيا وعلى ما فعل في الدنيا ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].

 

هذه الأركان هي أركان العقيدة التي اهتمّت بها السور المكية كلها تقريبًا؛ لأن هذا الأمر بمجمله أساسٌ للتشريعات بعد ذلك، لولاه لما استجابت الأمّة في أولها إلى حكم من أحكام الله، حين حرّم عليها الزنا، حين حرّم عليها الرّبا، حين حرّم عليها الخمر، ما كانوا يدَعون ذلك أبداً، لولا أنهم اقتنعوا وأيقنوا وآمنوا بأن الله هو المالك للخلق كلّه، وبالتالي فهو الملك الذي يتصرّف في الأمر كله ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، وما يجادل الناس اليوم في أحكام الله فيما حرّم، أو فيما أوجب، لينزلوا الحرام إلى درجة المكروه أو أقل، ولينزلوا الواجب إلى درجة الفضيلة والسنة أو أقل، حتى يأتوا الحرام الذي يريدون، ويتركوا الواجب الذي يستثقلون، من أجل ذلك يجادلون، ويشاكسون، وجاهلٌ يجادل عالماً، وواحدٌ لا يعرف يخط اسمه على ورق ويجادل في آيات الله، ويقول: لا ليس تفسيرها هكذا، أنت تحدد معنى الآية؟ ما إمكاناتك في هذا؟ لا هذا الحديث باطل، هذا الحديث خطأ، هذا الحديث ضعيف، هذا الحديث كان زمان لا يصلح هذه الأيام، ويتقوّلون على الله، ويفترون أن شريعته كانت خاصةً بزمان معين، أو فئة معينة وهم العرب الأوائل، أما نحن فحياتنا تبدّلت وتغيّرت، ولابد أن نطوّرها، هذه دعوةٌ باطلةٌ آثمةٌ، من ردّ على الله حكماً من أحكامه فإنّه كافر ولو كان حكماً واحداً أو أكثر، لا يستلزم الكفر أن يكفر بكلّ شيء، قال الله تعالى ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 85]، فلما أسّس الله هذا الأمر العظيم والأساس القويم في العهد المكي، ثلاثة عشر عاماً آمن به من آمن وقبله من قبله، خرج من هؤلاء رجالٌ عظامٌ، ما كان يأتيهم أمرٌ من حلال أو حرام إلا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا، وسجلها الله في سجل شرفهم، يُذكرون بُذلك إلى يوم القيامة {﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [النور: 51]، وسجلها في موقف خاص أيضاً في سورة البقرة فقال ﴿ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، لأنهم كانوا قد راجعوا رسول الله عليه الصلاة والسلام في أمرٍ ثم ندموا وتابوا واستغفروا، فسجَّل الله قولتهم الكريمة ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [البقرة: 285]، وسجل استغفارهم إشارةً إلى أنه قُبِل عند الله ﴿ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، ورفع الحكم الذي جاءوا يسألون عنه، ونسخه عنهم وعن الأمة وأنزل التخفيف ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]، فلنتعلم هذه العقيدة، ولنوقن بها، هذا يؤسّس عندنا أساسًا مهمًّا لكي نستقبل أحكام الله تبارك وتعالى ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [النساء: 65] هذا الأساس يضيع، والإيمان بكامله يضيع لو لم يفعلوا ذلك، ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].

 

اللهم اجعلنا ممن قلت فيهم ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]، اجعلنا يا ربنا بفضلك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.



[1] انظر: المسند (4/ 136)، والطبري (11/ 122).

[2] انظر: تفسير ابن كثير (3/ 346).

[3] أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 314) وقال: صحيح على شرط مسلم، ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (2431) من طريق الحاكم به.

[4] رواه البيهقي في شعب الإيمان (2434) والطبراني في الأوسط (3317) وفيه من لم يعرف.

[5] قرأ حمزة بسكون الفاء والباقون بضمها، وقرأ حفص كفواً بالواو وقفاً ووصلاً، وإذا وقف حمزة وقف بالواو، ا هـ السراج المنير، للشربيني: (4/ 446).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية .. في سورة الأنعام
  • الأوامر العملية في سورة الأنعام
  • تفسير آية الآداب العشرة في سورة الأنعام
  • تأملات في سورة الأنعام (خطبة)
  • من سورة الأنعام: مكمن الخلل في تصورات المشركين
  • من سورة الأنعام: أبلغ الحق ولا عليك ممن كفر به
  • قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم
  • ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا
  • قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون
  • قل إنما الآيات عند الله
  • هدايات سورة الأنعام

مختارات من الشبكة

  • مقاصد الصيام (2) مقاصد التربية (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • مقاصد السيرة النبوية (1) مقاصد النسب الشريف للنبي صلى الله عليه وسلم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بين (مقاصد الشريعة) و(مقاصد النفوس)!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقاصد العبادات في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مقاصد الشريعة في المعاملات المالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سورة النساء (نور البيان في مقاصد سور القرآن)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نور البيان في مقاصد سور القرآن: سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نور البيان في مقاصد سور القرآن: سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب