• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

الكبر وبعض خصال أهله الخفية

محمد مهدي بن نذير قشلان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/12/2017 ميلادي - 18/3/1439 هجري

الزيارات: 14812

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الكبر وبعض خصال أهله الخفية

 

.. وأشهد أن لا إله إلا الله: العزُّ كلُّ العز في طاعة الله، والذلُّ كلُّ الذل في معصية الله. اعمل لله بقدر حاجتك له، واعمل للدنيا بقدر بقائك فيها، واعمل للآخرة بقدر مقامك فيها، واعمل للجنة بقدر اشتياقك إليها، واعمل للنار بقدر صبرك عليها. يقول في الحديث القدسي الجليل: «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَلْقَيْتُهُ فِي النَّارِ [1]» إلهي:

إذا كنتَ بالميزان أوعدت من عصى
فوعدك بالغفران ليس له خلفُ
لئن كنتَ ذا بطش شديد وقوة
فمن جودك الإحسان والمنُّ واللطفُ
ركبنا خطايانا وسترك مسبلٌ
وليس لشيء أنت ساتره كشفُ
إذا نحن لم نهفو وتعفو تكرماً
فمن غيرنا يهفو وغيرك من يعفو

 

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا. أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه...

 

وأشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا وقرة أعيننا محمداً رسول الله: إمام المتواضعين، وقدوة الناس أجمعين. اسمع إليه وهو يقول: « إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا؛ حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ [2]»«ألا أخبركم بأهل النار؟ كُلُّ عُتُلٍ جَوَّاظٍ مُستكبرٍ [3]» سيدي أبا القاسم يا حبيب الله:

إن كان للأخلاقُ ركنٌ قائمٌ
في هذه الدنيا...، فأنت الباني
المجدُ والشَّرفُ الرفيعُ صحيفةٌ
جعلتْ لها الأخلاقُ كالعنوان

 

أما بعد فيا أحباب رسول الله: مرضٌ خطير، وداءٌ عليل، لا يخلو منه كثيرٌ من البشر، وهو كبيرةٌ من كبائر الذنوب، يُوجب غضبَ علَّام الغيوب، ويكون سبباً للحرمان من جنة الخلود. أعلمتم أيها الأحبة: ما هذا المرضُ الخطير والداءُ المرير..؟! إنه داء الكِبْر، وهو أصل الأخلاقِ المذمومة كلِّها، وهو أَوَّلُ مَعْصِيَةٍ عَصَى اللهَ بِهَا إبليسُ؛ فاستكبر وامتنع من الانقياد لأمر ربه كما حكى لنا القرآن الكريم: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة:34].

 

والكِبْر: منه ما يكون كفرًا مخرجاً من الملَّة ككبر إبليس، يستحق صاحبه الخلود في النار، ومنه ما يكون صاحبه مرتكبًا لكبيرة من الكبائر يستحق بها العقوبة إن لم يتب منها.

 

ولماذا -أيها الأحبة- كانَ الكبرُ كفراً وغير كفر؟! لأنَّ الكِبْر يستدعي متكبَرًا عليه، فالمتكبَّر عليه: إنْ كان هو اللهَ تعالى، أو رُسُلَهُ، أو الحَقَّ الذي جاءتْ به رسلُهُ؛ فذلك الكِبْر كُفْر، وإن كان غَيْرَ ذلك فيكون معصية وكبيرة.

 

أما النوع الأول من الكبر: فلا يتصورُ من مسلم أصلاً، لا يتصور من مسلم ترك أمر الله تكبراً، ولكن قد يتركه تكاسلاً وتقاعساً وإهمالاً من غير قصد التأبِّي أو التكبر.

 

وأما النوع الثاني: فقد يقع به المسلم ويكون عند ذلك قد أصيب بداء عضال، وصاحبه بحاجة لجرعات من العلاج ليبرأ منه فلا يكون سبباً في إهلاكه في الدنيا وخسارته في الآخرة. قال - صلى الله عليه وسلم – محذراً ومبيناً: « لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ [4]».

 

أيها الأحبة: وسريعاً أبسط الحديث عن مظاهر الكبر، ونُعرِّجُ على الأسباب المساعدة في علاجه والابتعاد عنه، ونحن قد نقع ببعض هذه المظاهر من حيث ندري أو لا ندري.

 

أما مظاهر الكبر وسمات صاحبه: فقد تظهر في صفاته، وحركاته، وسكناته.. ومن ذلك:

!" بَطَرُ الْحَقِّ" كما ورد في الحديث، أي رده وعدم قبوله، والتكبر له، والإعراض عنه؛ فمتى رأى الإنسان في نفسه كراهةً لسماع الحق والانصياع له؛ فليعلم أنَّ فيه صفةً من صفاتِ المتكبرين. قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [البَقَرَة: 206]

 

قال الإمام الشافعي -رحمه الله: " ما ناظرت أحدًا قط إلا أحببت أن يوفق ويُسدَّد ويعان، ويكون عليه رعاية من الله وحفظ، وما ناظرت أحداً إلا وتمنيت أن يُظهرَ اللهُ الحقَّ على لسانه[5]". لله درك يا إمام.. أيُّ نَفْسٍ سَمْحَةٍ هذه.. إنها إرادةُ الهداية لا إرادةُ الانتصار.

 

كثير منَّا -أيها الأحبة-: عندما يتحاور يكون همّه وهدفه الأول إفحامُ الطرف الآخر وإسكاته والانتصار عليه، وهذا من صفات المتكبرين، وربما علم من خلال الحوار أنه مخطأ لكن نفسه تأبى الاعتراف بذلك. يرحم الله الفاروق عمر.. اعترضت عليه امرأة ذات يوم وهو على المنبر.. حينما نهى عن التغالي في المهور، وأراد أن يضع حدّاً لذلك.. فقالت امرأة يا أمير المؤمنين أما سمعتَ الله يقول: ﴿ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً.. ﴾ [النساء: 17] فطأطأ سيدنا عمر رأسه، وقال: أصابت امرأة وأخطأ عمر... وقال: كلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ[6].

 

"ومن مظاهر الكبر وسمات المتكبرين: " غَمْطُ الناسِ[7]" وهو احْتِقارُهم والإِزْراءُ بهم، وربما دعاه ذلك إلى تهميشهم وعدم الاكتراث بهم، وترك واجب إنزالهم منازلهم الحقيقية؛ رغبة منه في إعلاء شأنه ورفع مكانته عليهم. ولعله يرى نفسه أعلى شأناً منهم إما لمال أو لجاه أو لحسب أو حتى طاعة.

 

وعلاج هذا النوع من الكبر أن يعلم أنه لولا فضل الله عليه ما يسر له ما هو فيه، كما علمنا القرآن: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ﴾ [النَّحْلِ: 53] أي وكل نعمة عندكم كعافية في أبدانكم، ونماء في مالكم، وكثرة في أولادكم، وصلاح في بالكم.. فهي من الله تعالى وحده.

 

فإذا دعاك يا عبد الله غناكَ وسعة رزقك على التكبر والتفاخر فتفكر وتذكر "قارون" فقد كانت مفاتِيحُ خزائنه لتنوءُ بالعُصْبَةِ أولي القوة.. فخسفَ الله به وبكنوزه الأرض.

 

إن دعاك -يا عبد الله- جاهك إلى الافتخار فتذكر أن جاه فرعون كان أعظم من جاهك وملكك، وكان يفتخر بالأنهار التي تجري من تحته، فجعلها الله تجري من فوقه ومن فوق ملكه.

 

وإن دعاك علمك وسعة معرفتك على أن تتكبر على غيرك فإبليس كان أعلم أهل الأرض قاطبة..والناس تلعنه في البدو والحضر.

 

ولله در من قال:

لو كان للعلم من دون التُّقَى شرفٌ ♦♦♦ لكان أشرف خلق اللهِ إبليسُ[8]

 

يرحم اللهُ التابعيَّ الجليل مُطَرِّفِ بن عبد الله -رحمه الله –فقد رأى ذات يوم الْمُهَلَّبَ بْنَ أَبِي صُفْرَةَ وهو يتبختر في جبُّة من خَزٍّ -حرير- يسحبها على الأرض فقال: " يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذِهِ مِشْيَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ. فقال له المهلب: أما تعرفني؟ فقال: بلى، أعرفك: أَوَّلُكَ نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُكَ جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَأَنْتَ تَحْمِلُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ العَذِرَةُ- الغائط -، فمضى المهلب وترك مشيته تلك[9]"

يَا مُظْهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتِهِ
اُنْظُرْ خَلَاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ
لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِمْ
مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيبُ
يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا
أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ

قَالَ الْأَحْنَفُ بنُ قَيْس: عَجِبْتُ لِمَنْ جَرَى فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّر[10].

 

ومن مظاهر الكبر والاستعلاء: التي قد يقع بها بعض المسلمين من حيث يدرون أو لا يدرون: "أن لا يتعاطى أحدهم بيده شغلًا في بيته" فهو لا يرضى أن يُقدم أدنى مساعدة لزوجته في البيت حتى لو كانت في مسيس الحاجة له..، وهو لا يحفظ من حديث رسول الله إلا حديثاً واحداً: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ[11]» بينما نجد الحبيب الأعظم صلوات الله عليه لا يتكبر ولا يأنف من أن يقوم بأي عمل في البيت بل نراه كثيراً ما يمد يد المساعدة لأهله في كل شؤونهم. سُئلت السيدة عائشة –كما في صحيح البخاري-رضي الله عنها: ما كان النبي يصنع في بيته؟ قالت: "كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - أي في خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَة [12]"

 

وفي رواية عند أحمد:"كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ، وَيَخْدُمُ في بيته نَفْسَهُ"وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي [13]


وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله مثل الصبي فإذا التمسوا ما عنده وجد رجلاً [14]".

 

ومن مظاهر الكبر التي يقع بها بعض من أكرمه الله بالهداية: أنه ربما تكبر على العصاة، ووجد في نفسه فرحاً وعجباً بما خُصَّ به من طاعة وأعمالٍ صالحة..وهذا النوع من الكبر مذمومٌ ويخشى على صاحبه..وفي هذا المقام يقول ابن عطاء الله السكندري-رحمه الله تعالى-: "رُبَّ معصية أورثت ذلًا وانكسارًا..خير من طاعة أورثت عزًا واستكبارًا" وفي هذه الحكمة معانٍ دقيقة ينبغي أن نتوقف عندها. فالإنسان قد يُوفق لعملٍ صالحٍ فيسري العجب والغرور إلى نفسه وربما جرَّ هذا الغرورُ تكبراً على بعض خلق الله.. وبذلك قد تصبح هذه الطاعة سببًا في إحباط العمل الصالح وتودي بصاحبها إلى النار والعياذ بالله.

 

أما الذنب الذي قد يدخل صاحبه الجنة، فهو الذنب الذي يشعر صاحبه بانكسارٍ في قلبه وندم على هذه المعصية، فيتضرع إلى الله أن يتوب عليه.. ويخلص في توبته فيكون ذنبه هذا سببًا في توبته وأوبته إلى الله سبحانه وتعالى..[15]


قال الحارث المحاسبي -رحمه الله- أحد أعلام الأمة: "إنما مراد الله سبحانه من عباده "قلوبهم"، فإذا تكبر العالم أو العابد وتواضع الجاهل أو العاصي وذل هيبةً لله عز وجل وخوفاً منه فهو أطوع لله عز وجل من العالم والعابد بقلبه[16]"[17].

 

لذلك يا عبد الله ينبغي أن تعلم أنَّ الذي وفَّقك لطاعته هو الله، وإذا رأيت عجباً في نفسك على العاصي فتذكر قول رسول الله: «إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَدْخُلُهَا[18]» فمَنِ الذي يعلم ما يؤول إليه حال ذلك العاصي غير الله؟! فقد يختم له بخير، ويختم لك بشرّ؛ فالعبرة في الخواتيم. فليكن قلبك على العصاة شفوقاً، وكن بهم رؤوفاً، وادع لهم ولا تدع عليهم..

 

يرحم الله معروفاً الكرخي الذي وصفه الإمام الذهبي بـ "عَلَم الزهاد بركة العصر[19]"المتوفى سنة(200 هـ) حُكي أنه كان جالس ذات يوم على شاطيء نهر دجلة ببغداد وحوله جماعة من تلامذته إذ مر به شباب في زورق يضربون الملاهي ويشربون. فقال أحد جُلَّاسه يا إمام: أدع الله عليهم!".

 

فرفع معروف رحمه الله يديه إلى السماء وقال: "إلهي وسيدي!، كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة!"

فقال له أصحابه: إنما قلنا لك: ادع عليهم!. وكيف تدعوا لهم بهذا الدعاء؟!

فقال: نعم: "إذا فرَّحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم شيء[20]".

 

هكذا هو المؤمن الحق الذي صلح قلبه وعلم أنَّ الهداية والتوفيق من الله. قال سفيان بن عيينه - رحمه الله - المتوفى سنة (198هـ): "من كانت معصيته في شهوة فارجُ له التوبة، فإنَّ آدم عليه السلام عصى مشتهياً فغُفر له، ومن كانت معصيته من كِبْر فاخشَ عليه اللعنة، فإن إبليس عصى مستكبراً فلُعِن[21]"

ومَن كان عاصياً اليوم ♦♦♦ ربما كان علماً للهدى في الغد.

 

فخالد بن الوليد - رضي الله عنه - لما دخل كنيسة عين التمـر،-وهي كنسية في مدينة عراقية تقع في محافظة كربلاء في العراق، وقد افتتحها المسلمون في أيام الخليفة أبي بكر على يد خالد بن الوليد - رضي الله عنهما - في سنة(12) للهجرة - وجد فيها أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل ويتدارسونه لنشر النصرانية في الشرق. وكان من بينهم "سيرين ويسار ونصير"وبعد الفتح صار هؤلاء الثلاثة وأبناؤهم من كبار أعلام الإسلام !!

فقد أسلم "سيرين" وأنجب محمد بن سيرين من أئمة التابعين في الحديث والفقه وتفسير الرؤى!!

 

وأسلم "يسار" وأنجب "إسحاق" فأنجبَ إسحاقُ أبو بكر محمد بن اسحاق بن يسار. صاحب كتاب السير والمغازي المعروف باسم "سيرة ابن إسحاق" ويعتبر أول مؤرخ عربي كتب سيرة رسول الله وأطلق تسمية "سيرة رسول الله" على كتابه.!!.

 

وأسلم "نصير"وأنجب موسى بن نصير فاتح الأندلس وشمال إفريقية!![22].

أرأيتم أيها الأحبة: مَن كان عاصياً اليوم... فربما كان علماًً للهدى في الغد.

 

معاشر الأحبة: الوقت يمر سريعاً..وللحديث بقية..أختم كلمتي بنصيحة وموعظة لسيدنا عمر..فقد قال ذات يوم على المنبر:"يا أَيُّهَا النَّاسُ، تَوَاضَعُوا.. فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم يَقُولُ: مَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَهُ اللهُ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ صَغِيرٌ، وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ عَظِيمٌ، وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَهُ اللهُ، فَهُوَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ صَغِيرٌ، وَفِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ...[23]


أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين[24].



[1] سنن ابن ماجه 2/ 1397.برقم (4175). تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي. الناشر: دار الفكر - بيروت-.

قال الحافظ العراقي: رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة واللفظ له وقال أبو داود: قذفته في النار. وقال مسلم: عذبته. وقال: رداؤه وإزاره بالغيبة زاد مع أبي هريرة أبا سعيد أيضاً اهـ. تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 5/ 2011

[2] صحيح مسلم 4/ 2197.برقم (2865). تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي.

[3] صحيح البخاري 4/ 1170.برقم (4634). تحقيق: د. مصطفى ديب البغا.

[4] الجامع الصحيح سنن الترمذي 3/ 428.برقم (1998) قال أبو عيسى:هذا حديث حسن صحيح.

[5] انظر بستان العارفين ص(30) للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ).

[6] التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة 3/ 117.

[7] بطاء مهملة وهي رواية مسلم وفي رواية الترمذي "غمص" بغين معجمة وصاد مهملة بدل الطاء قال القاضي: فالمعنى واحد. (فيض القدير 5/ 62).

[8] شرح حكم ابن عطاء الله السكندري لعبد المجيد الشرنوبي المتوفى1348هـ ص:151.

[9] إحياء علوم الدين 3/ 340. تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين ص: 185 للسمرقندي (المتوفى: 373هـ).

[10] أدب الدنيا والدين (ص:238) لأبي الحسن الماوردي (المتوفى: 450هـ) وكذلك أبيات الشعر ذات الموضع.

[11] صحيح البخاري 5/ 1993. برقم (4897).

[12] صحيح البخاري 1/ 239. برقم (644).

[13] أخرجه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ من حَدِيث عَائِشَة. برقم (3895).

[14] إحياء علوم الدين 2/ 44.

[15] لذا يقول ابن عجيبة -رحمه الله- شارحًا هذه الحكمة لابن عطاء الله السكندري: (إنما كانت المعصية التي توجب الإنكسار أفضل من الطاعة التي توجب الإستكبار، لأن المقصود من الطاعة هو الخضوع والخشوع والإنقياد والتذلل والإنكسار لله: "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" فإذا خلت الطاعة من هذه المعاني واتصفت بأضدادها. فالمعصية التي توجب هذه المعاني وتجلب هذه المحاسن أفضل منها، إذ لا عبرة بصورة الطاعة ولا بصورة المعصية، وإنما العبرة بما ينتج عنهما: "إن الله لاينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم"، فثمرة الطاعة هي الذل والإنكسار، وثمرة المعصية هي القسوة والإستكبار، فإذا انقلبت الثمرات انقلبت الحقائق، صارت الطاعة معصية والمعصية طاعة).

وقال أبو مدين -رحمه الله-: "انكسار العاصي خير من صولة المطيع".

[16] (إيقاظ الهمم شرح متن الحكم (ص: 113-112).

[17] إيقاظ الهمم شرح متن الحكم (ص: 112).

[18] أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود، وفيها زيادة «أو قدر ذراع». جامع الأصول 10/ 113.

[19] سير أعلام النبلاء 8/ 86. (1424).

[20] إحياء علوم الدين 4/ 154.

[21] مُخْتَصَر مِنْهَاجِ القَاصِدِين (ص: 227).

[22] البداية والنهاية 9/ 529. في [وَقْعَة عَيْنِ التَّمْرِ].

[23] شعب الإيمان 10/ 455. برقم: (7790).

[24] ألقيت هذه الخطبة في أحد مسجد عمان عام 1439 هـ -2017 م.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الكبر وخطره على الدعوة
  • الكبر والعجب
  • التواضع وذم الكبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات..)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وهم بعض معلمي اللغة العربية وبعض مدربي القرائية في التحليل الصوتي للكلمات المحلاة باللام الشمسية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • لماذا يشعر بعض المسلمين أحيانا بثقل بعض الأحكام الشرعية وعدم صلاحيتها؟(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: العرب بعضهم أكفاء بعض(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • التحذير من أخذ بعض القرآن وترك بعضه(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خاتم النبيين (20) بعض الحكم والأحكام في أحد مع استكمال بعض أحداثها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث أبي هريرة: "لا يبع بعضكم على بيع بعض"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض(مقالة - موقع الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك)
  • مخطوطة المورد الرائق في بيان بعض الأسانيد وايضاح بعض الطرايق(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب