• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

معنى اسم الحليم

شرح اسم الحليم
الشيخ وحيد عبدالسلام بالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/12/2017 ميلادي - 14/3/1439 هجري

الزيارات: 87110

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

معنى اسم الحليم


الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاِسْمِ (الحَلِيمِ)[1]:

الحَلِيمُ فِي اللُّغَةِ صِفَةٌ مُشَبّهَةٌ لِلْمَوْصُوفِ بِالحِلْمِ، فِعْلُهُ حَلُمَ يَحْلُمُ حِلْمًا، وَصِفَةُ الحِلْمِ تَعْنِي الأَنَاةَ، وَمُعَالَجَةَ الأُمُورِ بِصَبْرٍ وَعِلْمٍ وَحِكْمَةٍ، وَفِي مُقَابِلِهَا العَجَلَةُ المُفْسِدَةُ لِأُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَالحَلِيمُ هُوَ الذِي يُرَغِّبُ فِي العَفْوِ وَلَا يُسَارِعُ بِالعُقُوبَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]، وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى الحِلْمِ بُلُوغُ الصَّبِيِّ الحلمَ أَوْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ الحُكَمَاءِ العُقَلَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ﴾ [النور: 59]، وَقَالَ: ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]، يَعْنِى لَدَيْهِ أَنَاةٌ وَبَصِيرَةٌ وَحِكْمَةٌ مِنْ صِغَرِهِ[2].

 

وَالحَلِيمُ سُبْحَانَهُ هُوَ المُتَّصِفُ بِالحِلْمِ، وَالحِلْمُ صِفَةٌ كَرِيمَةٌ تَقُومُ عَلَى الحِكْمَةِ وَالعِلْمِ وَالصَّبْرِ، وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ صَبُورٌ يَتَمَهَّلُ وَلَا يَتَعَجَّلُ، بَلْ يَتَجَاوَزُ عَنِ الزَّلَّاتِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُمْهِلُ عِبَادَهُ الطَّائِعِينَ لِيَزْدَادُوا مِنَ الطَّاعَةِ وَالثَّوَابِ، وَيُمْهِلُ العَاصِينَ لَعَلَّهُم يَرْجِعُونَ إِلَى الطَّاعَةِ وَالصَّوَابِ، وَلَوْ أَنَّهُ عَجَّلَ لِعِبَادِهِ الجِزَاءَ مَا نَجَا أَحَدٌ مِنَ العِقَابِ، وَلَكِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ الحَلِيمُ ذُو الصَّفْحِ وَالأَنَاةِ، اسْتَخْلَفَ الإِنْسَانَ فِي أَرْضِهِ وَاسْتَرْعَاهُ فِي مُلْكِهِ، وَاسْتَبْقَاهُ إِلَى يَوْمٍ مَوْعُودٍ وَأَجَلٍ مَحْدُودٍ، فَأَجَّلَ بِحِلْمِهِ عِقَابَ الكَافِرينَ، وَعَجَّل بِفَضْلِهِ ثَوَابَ المُؤْمِنِينَ[3].

 

وَخُلَاصَةُ المَعَانِي فِي تَفْسِيرِ الحَلِيمِ أَنَّهُ الذِي لَا يَعْجَلُ بِالعُقُوبَةِ وَالانْتِقَامِ، وَلَا يَحْبِسُ إِنْعَامَهُ عَنْ عِبَادِهِ لأَِجْلِ ذُنُوبِهِم بَلْ يَرْزُقُ العَاصِي كَمَا يَرْزُقُ المُطِيعَ، وَهُوَ ذُو الصَّفْحِ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى العِقَابِ[4].

 

وُرُودُهُ فِي القُرآنِ الكَرِيمِ[5]:

وَرَدَ الاِسْمُ فِي القُرْآنِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً مِنْهَا:

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].

قَوْلُهُ: ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 263].

قَوْلُهُ: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 51].

قَوْلُهُ: ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [فاطر: 41].

 

مَعْنَى الاِسْمِ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: "(حَلِيمٌ) يَعْنِى: أَنَّهُ ذُو أَنَاةٍ لَا يَعْجَلُ عَلَى عِبَادِهِ بَعُقُوبَتِهِم عَلَى ذُنُوبِهِم"[6].

وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: "حَلِيمًا عَمَّنْ أَشَرَكَ وَكَفَرَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ، فِي تَرْكِهِ تَعْجِيلُ عَذَابِهِ لَهُ"[7].

قَالَ الخَطَّابِيُّ: هُوَ ذُو الصَّفْحِ وَالأَنَاةِ، الذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ غَضَبٌ، وَلَا يَستَخِفُّهُ جَهْلُ جَاهِلٍ، وَلَا عِصْيَانُ عَاصٍ.

وَلَا يَسْتَحِقُّ الصَّافِحُ مَعَ العَجْزِ اسْمَ الحِلْمِ، إِنَّمَا الحَلِيمُ هُوَ الصَّفُوحُ مَعَ القُدْرَةِ وَالمُتَأَنِّي الذِي لَا يَعْجَلُ بِالعُقُوبَةِ.

وَقَدْ أَنْعَمَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ بَيَانَ هَذَا المَعْنَى فِي قَوْلِهِ:

لَا يُدْرِكُ المَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ كَرُمُوا
حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَزُّوا لِأَقْوَامِ
وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الْأَلْوَانَ مُسْفرَةً
لَا صَفْحَ ذُلٍّ وَلَكِنْ صَفْحَ أَحْلَامِ

 

قَالَ ابْنُ الحَصَّارِ[8]: "فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَتَضَمَّنُ الحِلْمُ الأَنَاةَ.

وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأَِشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ: "إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ الحِلْمُ وَالأَنَاةُ"[9] فَعَدَّدَهُمَا؟ فَاعْلَمْ أَنَّ الأَنَاةَ، قَدْ تَكُونُ مَعَ عَدَم الحِلْمِ، وَلَا يَصِحُّ الحلمُ أبدًا إلا مع الأَنَاةِ، والأَناةُ تركُ العَجَلةِ فقد تكونُ لِعَارِضٍ يَعْرِضُ، وَلَا يَكُونُ الحِلْمُ أَبَدًا إِلَّا مُشْتَمِلًا عَلَى الأَنَاةِ، فَتَأَمَّلْهُ!

 

وكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الحَلِيمُ إِلَّا حَكِيمًا، وَاضِعًا لِلْأُمُورِ مَوَاضِعَهَا، عَالِمًا قَادِرًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا كَانَ حِلْمُهُ مُتَلَبِّسًا بِالعَجْزِ وَالوَهَنِ وَالضَّعْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا (كَانَ) تَرْكُهُ الانْتِقَامَ لِلْجَهْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَكِيمًا رُبَّمَا كَانَ حِلْمُهُ مِنَ السَّفَهِ وَتَتَبُّعُ أَمْثَالِ هَذَا..."[10].

 

وَقَالَ الأَصْبَهَانِيُّ: "(حَلِيمٌ) عَمَّنْ عَصَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَخْذَهُ فِي وَقْتِهِ أَخَذَهُ فَهُوَ يَحْلُمُ عَنْهُ وَيُؤَخِّرُهُ إِلَى أَجِلِهِ.

وَهَذَا الاِسْمُ - وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا يُوصَفُ بِهِ المَخْلُوقُ - فَحِلْمُ المَخْلُوقِينَ حِلْمٌ لَمْ يَكُنْ فِي الصِّغَرِ ثُمَّ كَانَ فِي الكِبَرِ.

وَقَدْ يَتَغَيَّرُ بِالمَرَضِ وَالغَضَبِ وَالأَسْبَابِ الحَادِثَةِ، وَيَفْنَى حِلْمُهُ بِفَنَائِهِ وَحِلْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزُولُ.

وَالمَخْلُوقُ يَحْلُمُ عَنْ شَيءٍ وَلَا يَحْلُمُ عَنْ غَيْرِهِ، وَيَحْلُمُ عَمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَاللهُ تَعَالَى حَلِيمٌ مَعَ القُدْرَةِ"[11].

 

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: "(حَلِيمٌ غَفُورٌ): أَنْ يَرَى عِبَادَهُ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ وَيَعْصُونَهُ، وَهُوَ يَحْلُمُ فَيُؤَخِّرُ وَيُنْظِرُ وَيُؤَجِّلُ وَلاَ يَعْجَلُ، وَيَسْتُرُ آخَرِينَ وَيَغْفِرُ[12].

 

قَالَ ابْنُ القَيِّمِ فِي نُونِيَّتِهِ: [13]

وَهُوَ الحَلِيمُ فَلَا يُعَاجِلُ عَبْدَهُ ♦♦♦ بِعُقُوبَةٍ لِيَتُوبَ مِنْ عِصْيَانِ

وَقَالَ السَّعْدِيُّ: "(الحَلِيمُ): الذِي يَدُرُّ عَلَى خَلْقِهِ النِّعَمَ الظَّاهِرَةَ وَالبَاطِنَةَ، مَعَ مَعَاصِيهِم وَكَثْرَةِ زَلَّاتِهِم، فَيَحْلُمُ عَنْ مُقَابَلَةِ العَاصِينَ بِعِصْيَانِهِم، وَيَسْتَعْتِبُهُم كَيَّ يَتُوبُوا، وَيُمهِلُهُم كَيَّ يُنِيبُوا"[14].

 

ثمرات الإيمان باسم الله الحليم:

1- إِثْبَاتُ صِفَةِ (الحِلْمِ) للهِ عز وجل، وَهُوَ الصَّفْحُ عَنِ العُصَاةِ مِنَ العِبَادِ، وَتَأْجِيلُ عُقَوبَتِهِم رَجَاءَ تَوْبَتِهِم عَنْ مَعَاصِيهِم.

 

2- وَحِلْمُ اللهِ سُبْحَانَهُ عَنْ عِبَادِهِ، وَتَرْكُه المُعَاجَلَةَ لَهُم بِالعُقُوبَةِ، مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ سبحانه وتعالى، فَحِلْمُهُ لَيْسَ لِعَجْزِهِ عَنْهُم، وَإِنَّمَا هُوَ صَفْحٌ وَعَفْوٌ عَنْهُم أَوْ إِمْهَالٌ لَهُم مَعَ القُدْرَةِ، فَإِنَّ اللهَ لَا يُعْجِزُهُ شَيءٌ.

 

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ﴾ [فاطر: 44].

 

وَحِلْمُهُ أَيْضًا لَيْسَ عَنْ عَدَمِ عِلْمِهِ بِمَا يَعْمَلُ عِبَادَهُ مِنْ أَعْمَالٍ، بَلْ هُوَ العَلِيمُ الحَلِيمُ الذِي يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ.

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 51].

 

وَحِلْمُهُ عَنْ خَلْقِهِ لَيْسَ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِم، إِذْ هُوَ سُبْحَانَهُ يَحْلُمُ عَنْهُم وَيَصْفَحُ وَيَغْفِرُ مَعَ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهُم، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 225].

 

3- حِلْمَ اللهِ عَظِيمٌ، يَتَجَلَّى فِي صَبْرِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَالصَّبْرُ دَاخِلٌ تَحْتَ الحِلْمِ، إِذْ كُلُّ حَلِيمٍ صَابِرٌ، وَقَدْ جَاءَ فِي السُّنَّةِ وَصْفُ اللهِ عز وجل بِالصَّبْرِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ - أَوْ لَيْسَ شَيءٌ - أَصْبَرَ عَلَى أَذَىً سَمِعَهُ مِنَ اللهِ، إِنَّهُم لَيَدْعُونَ لَهُ وَلَدًا وَإِنَّهُ لِيُعَافِيهِم وَيَرْزُقُهُم"[15].

 

قَالَ الحُلَيمِيُّ: "فِي مَعْنَى (الحَلِيمِ): الذِي لَا يَحْبِسُ إِنْعَامَهُ وَأَفْضَالَهُ عَنْ عِبَادِهِ لأَِجْلِ ذُنُوبِهِم، وَلَكِنْ يَرْزُقُ العَاصِي كَمَا يَرْزُقُ المُطِيعَ، وَيُبْقِيهِ وَهُوَ مُنْهَمِكٌ فِي مَعَاصِيهِ، كَمَا يُبْقِي البَرَّ التَّقِيَّ، وَقَدْ يَقِيهُ الآفَاتِ وَالبَلَايَا وَهُوَ غَافِلٌ لَا يَذْكُرُهُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدْعُوَهُ، كَمَا يَقِيهَا النَّاسِكَ الذِي يَسْأَلُهُ وَرُبَّمَا شَغَلَتْهُ العِبَادَةُ عَنِ المَسْأَلَةِ"[16].

 

وَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ تَأَخِيرِهِ لِعِقَابِ مَنْ أَذْنَبَ مِنْ عِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُؤَاخِذُهُم بِذُنُوبِهِم أَوَّلًا بِأَوَّلٍ، لَمَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ.

قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ [النحل: 61].

 

وَقَالَ: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ﴾ [الكهف: 58].

 

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: "وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ عُصَاةَ بِنِي آدَمَ بِمَعَاصِيهِم ﴿ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا ﴾؛ يَعْني: الأَرْضَ مِنْ دَابَةٍ تَدُبُّ عَلَيْهَا ﴿ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ ﴾؛ يَقُولُ: وَلَكِنْ بِحِلْمِهِ يُؤَخِّرُ هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةَ، فَلَا يُعَاجِلُهُم بِالعُقُوبَةِ، ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ يَقُولُ: إِلَى وَقْتِهِم الذِي وَقَّتَ لَهُم، ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ﴾ يَقُولُ: فَإِذَا جَاءَ الوَقْتُ الذِي وَقَّتَ لِهَلَاكِهِم لَا يَسْتَأْخِرُونَ عَنِ الهَلَاكِ سَاعَةً فَيُمْهَلُونَ، وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ قَبْلَهُ حَتَّى يَسْتَوْفُوا آجَالَهُم"[17] اهـ.

 

فَتَأْخِيرُ العَذَابِ عَنْهُم إِنَّمَا هُوَ رَحْمَةٌ بِهِم.

وَلَكِنَّ النَّاسَ يَغْتَرُّونَ بِالإِمْهَالِ، فَلاَ تَسْتَشْعِرُ قُلُوبُهُم رَحْمَةَ اللهِ وَحِكْمَتَهُ، حَتَّى يَأْخُذَهُم سُبْحَانَهُ بِعَدْلِهِ وَقُوَّتِهِ، عِنْدَمَا يَأْتِي أَجَلُهُم الذِي ضَرَبَ لَهُم.

 

وَمِنَ العَجَبِ أَنْ يُرِيدَ اللهُ لِلْنَّاسِ الرَّحْمَةَ وَالإِمْهَالَ، وَيَرْفُضُ الجُهَّالُ مِنْهُم وَالأَجْلَافُ تِلْكَ الرَّحْمَةَ وَذَلِكَ الإِمْهَالَ، حِينَ يَسْأَلُونَ اللهَ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُم العَذَابَ وَالنِّقْمَةَ!

قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ ﴾ [يونس: 11].

وَقَالَ: ﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 16].

وَقَالَ عَنْ كُفَّارِ مَكَّةَ: ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال: 32].

 

وَأَمْثَالُ ذَلِكَ مِمَّا وَقَعَ مِنَ المُسْرِفِينَ السُّفَهَاءِ.

تَنْبِيهٌ: تَأْخِيرُ العَذَابِ عَنِ الكُفَّارِ إِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا فَقَطْ، وَأَمَّا فِي الآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم العَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ.

 

فَقَالَ الأُقْلِيشِيُّ[18]: "أَمَّا تَأْخِيرُ العُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا عَنِ الكَفَرَةِ وَالفَجَرَةِ مِنْ أَهْلِ العِصْيَانِ، فَمُشَاهَدٌ بِالعَيَانِ؛ لِأَنَّا نَرَاهُم يَكْفُرُونَ وَيَعْصُونَ، وَهُم مُعَافَونَ فِي نِعَمِ اللهِ يَتَقَلَّبُونَ.

 

وَأَمَّا رَفْعُ العُقُوبَةِ فِي الأُخْرَى، فَلاَ يَكُونُ مَرْفُوعًا إِلَّا عَنْ بَعْضِ مَنِ اسْتَوْجَبَهَا مِنْ عُصَاةِ المُوَحِّدِينَ.

 

وَأَمَّا الكُفَّارُ فَلَا مَدْخَلَ لَهُم فِي هَذَا القِسْمِ، وَلَا لَهُم فِي الآخِرَةِ حَظٌّ مِنْ هَذَا الاِسْـمِ، وَهَـذَا مَعْرُوفٌ بِقَوَاطِعِ الآثَـارِ، وَمُجْمَعٌ عَلَيْـهِ عِنْدَ أُولِي الاسْتِبْصَارِ"[19] اهـ.

 

4- يَجُوزُ إِطْلاَقُ صِفَةِ الحِلْمِ عَلَى الخَلْقِ، فَقَدْ وَصَفَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْبِيَاءَهُ بِذَلِكَ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 114]، وَقَالَ: ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ﴾ [هود: 75]، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ: ﴿إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ [هود: 87]، وَقَالَ ﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾ [الصافات: 101]؛ يَعْنِى بِذَلِكَ إِسْحَاقَ.

 

وَالحِلْمُ مِنَ الخِصَالِ العَظِيمَةِ التِي يُرِيدُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَتَخَلَّقُوا بِهَا، وَهِيَ خَصْلَةٌ يُحِبُّهَا اللهُ وَرَسُولُهُ كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي حَدِيثِ أَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ.

 

قَالَ القُرْطُبِيُّ رحمه الله: "فَمِنَ الوَاجِبِ عَلَى مَنْ عَرَفَ أَنْ رَبَّهُ حَلِيمٌ عَلَى مَنْ عَصَاهُ، أَنْ يَحْلُمَ هُوَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَذَاكَ بِهِ أَوْلَى حَتَّى يَكُونَ حَلِيمًا؛ فَيَنَالُ مِنْ هَذَا الوَصْفِ بِمِقْدَارِ مَا يَكْسِرُ سَوْرَةَ غَضَبِهِ، وَيَرْفَعُ الانْتِقَامَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، بَلْ يَتَعَوَّدُ الصَّفْحَ حَتَّى يَعْودَ الحِلْمُ لَهُ سَجِيَّةً.

 

وَكَمَا تُحِبُّ أَنْ يَحْلُمَ عَنْكَ مَالِكُكَ، فَاحْلُمْ أَنْتَ عَمَّنْ تَمْلِكُ؛ لِأَنَّكَ مُتَعَبَّدٌ بِالحِلْمِ مُثَابٌ عَلَيْهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى: 40]، وَقَالَ: ﴿ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]"[20].



[1] الأسماء الحسنى للرضواني (2/ 60).

[2] لسان العرب (12/ 146)، وكتاب العين (3/ 246)، زاد المسير (1/ 255).

[3] تفسير أسماء الله الحسنى (ص: 45)، الدر المنثور (4/ 637).

[4] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 72)، وتفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (ص: 45)، والمقصد الأسنى (ص: 94).

[5] النهج الأسمى (1/ 274 - 280).

[6] جامع البيان (2/ 327).

[7] جامع البيان (22/ 95).

[8] هو عليُّ بن محمد الخزرجي أبو الحسن، الحصار، فقيه إشبيليُّ الأصل، مَنشَؤه بفاس، سمع بها وبمصر وغيرهما، وجاور بمكَّة، وتوفِّي بالمدينة سنة (611هـ)، له كتب في أصول الفقه، وكتاب الناسخ والمنسوخ سمعه منه الحافظ المنذري، والبيان في تنقيح البرهان وعقيدة في أصول الدِّين، وشرحها في أربعة مجلدات وغيرها، التكملة لوفيات النقلة (2/ 309)، الأعلام (4/ 330 - 331).

[9] رواه مسلم (1/ 18).

[10] الكتاب الأسنى للقرطبي (ورقة 264 ب).

[11] الحجة في المحجة (ق 21 أ)، اعلم أن حلم المخلوق يليق بضعفه وعجزه، ولكن حلم الله يليق بكماله وجلاله.

[12] التفسير (3/ 561)، وانظر: (1/ 318)، والاعتقاد للبيهقي (ص: 58).

[13] النونية بشرح أحمد بن إبراهيم بن عيسى (2/ 227).

[14] تيسير الكريم الرحمن (5/ 304).

[15] رواه البخاري (10/ 6099)، (13/ 7378).

[16] المنهاج في شعب الإيمان (1/ 200 - 201)، وانظر: الأسماء للبيهقي (ص: 72 - 73).

[17] جامع البيان (14/ 85).

[18] هو أحمد بن قاسم بن عيسى اللخمي الأقليشي الأندلسي، أبو العباس، عالم بالقراءات، وُلد سنة (363هـ)، سكن قرطبة، ورحل إلى الشرق، واستقرَّ وتُوفِّي بطليطلة، له كتاب في معاني القراءات لَعَلَّه المسمَّى: تفسير العلوم والمعاني المستودعة في السبع المثاني، مخطوط في الأزهرية؛ وهو تفسير للفاتحة، تُوفِّي سنة (410هـ)، نسبته إلى أقليش بالأندلس، الأعلام (1/ 197).

[19] الكتاب الأسنى (ورقة 265 ب).

[20] الكتاب الأسنى (ورقة 265 ب - 266 أ).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحلم والصفح
  • بين الحلم والغضب
  • من محاسن الأخلاق الإسلامية: الحلم
  • الحلم: صفة الرب وخلق العبد
  • معاني أسماء الله الحسنى ومقتضاها (الحليم)

مختارات من الشبكة

  • الحمل على المعنى في اللغة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة كشف المعاني في شرح حرز المعاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الصرف بين معاني القرآن للفراء ومعاني القرآن للأخفش(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التوحيد والشرك بالله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • المعاني المهملة في بعض شواهد علم المعاني(مقالة - حضارة الكلمة)
  • شرح مائة المعاني والبيان (علم المعاني - أحوال الإسناد الخبري)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • زعل: بين المعنى الفصيح والمعنى المولد(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مخطوطة كشف معاني البديع في بيان مشكلات المعاني(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة معاني القرآن (إعراب القرآن ومعانيه)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • اختلاق الأوجه والمعاني في كتب حروف المعاني (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 18/11/1446هـ - الساعة: 8:24
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب