• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الحديث وعلومه
علامة باركود

تحفة النفوس المطمئنة بشرح حديث: من يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة

أبو عاصم البركاتي المصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/10/2017 ميلادي - 5/2/1439 هجري

الزيارات: 16970

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تحفة النفوس المطمئنة

بشرح حديث

" من يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ

مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ"

 

بسم الله الرحمن الرحيم

فإن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم احتوت على فوائد شتى وحكم وعبر وعظات جمة؛ ولكنها في كثير من الأحايين تحتاج إلى من يستخرجها ويظهرها لعموم الأمة ليتعبد لله بها؛ فهي تحتاج إلى دقيق الاستنباط كما تحتاج الدرة إلى من يرصعها ويلمعها؛ والمستنبط والمجتهد كلما نظر في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أخرج منه أحكاما تصلح لوقائع ونوازل مستجدة لم يسمع بها الأوائل ممن سلف؛ ورحم الله من قال: "تتناهي النصوص ولا تتناهى الحوادث أو الوقائع" ولهذا تحتاج النوازل إلى من ينظر في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فيجد لها حكما بالقياس أو بالعمومات أو تطبيقاً للقواعد الفقهية التي يمكن أن يندرج تحتها كثيرٌ من المسائل؛ وذلك حتى لا تقع الأمة في حرج بسبب الجهل بأحكام المستجدات والنوازل؛ وقد أعمل شراح الحديث جهدهم في خدمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولكن كم ترك الأول للآخر؛ وهذه محاولة في شرح حديث من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لعلها تكون لي ذخراً في الآخرة والحمد لله وحده؛ وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وآله وصحبه.


متن الحديث

أخرج مسلم في صحيحه برقم (52) قال: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أَبْتَغِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَيْتُ حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ لِبَنِي النَّجَّارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أَجِدُ لَهُ بَابًا؟ فَلَمْ أَجِدْ، فَإِذَا رَبِيعٌ يَدْخُلُ فِي جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَةٍ - وَالرَّبِيعُ الْجَدْوَلُ - فَاحْتَفَزْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَبُو هُرَيْرَةَ» فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟» قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا، فَقُمْتَ فَأَبْطَأْتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أَنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، فَفَزِعْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأَتَيْتُ هَذَا الْحَائِطَ، فَاحْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ، وَهَؤُلَاءِ النَّاسُ وَرَائِي، فَقَالَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ» وَأَعْطَانِي نَعْلَيْهِ، قَالَ: «اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتُ عُمَرُ، فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلَا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَنِي بِهِمَا مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ، فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِي عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ، فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي بَعَثْتَنِي بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَيَّ ضَرْبَةً خَرَرْتُ لِاسْتِي، قَالَ: ارْجِعْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ، وَأُمِّي، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِيَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ بَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَخَلِّهِمْ».


مفردات الحديث:

فأبطأ: تأخر في الرجوع

يقتطع: يؤخذ ويؤذى.

فزعنا: الفزع الخوف.

الحائط: البستان يكون له سور ولا سقف له.

فاحتفزت: أي صغرت جسمي وطويت بدني ومعناه: تضاممت ليسعني المدخل. ورويت فاحتفرت بالراء؛ قال النووي: رواية الزاي أقرب من حيث المعنى، ويدلُّ عليه تشبيهه بفعل الثعلب وهو تضامه في المضايق. وأما صاحب التحرير فأنكر الزاي وخطَّأ رواتها، واختار الراء، وليس اختياره بمختار". شرح صحيح مسلم للنووي (1/ 236).

الإست: مؤخرة الإنسان ومقعدته.

أجهشت بالبكاء: كدت أن أبكي.

ركبني عمر: أي تبعني.


فوائدالحديث

فائدة (1): الحديث من رواية أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه.

وأسوق ترجمة مختصرة لأبي هريرة رضي الله عنه فأقول:

أبو هريرة: هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس اليماني، وكان اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس؛ وقيل غير ذلك؛ فسمَّاهُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عبد الرحمن)، اشتهر أبو هريرة بكُنيته، حتى غلبت عليه على اسمه فكاد ينسى؛ كان محبا للعلم وحريصا على حفظ السنة والحديث؛ دعا له رسول الله بالحفظ بعد شكوى أبي هريرة له من نسيان العلم؛ قَالَ الْبُخَارِيُّ: «رَوَى عَنْهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانِمِائَةِ رَجُلٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ» [" تهذيب التهذيب ": ص 265، جـ 12. و " البداية والنهاية ": ص 103، جـ 8].


عاش طويلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطي فرصة للتحديث بما عنده من حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لذا فهو أكثر الصحابة رواية للحديث النبوي؛ قيل مات في سنة 59 وقيل سنة 60 من الهجرة.

قال الذهبي: مسنده خمسة ألاف وثلاث وأربعة وسبعون حديثا (5374) المتفق في البخاري ومسلم منها ثلاث وستة وعشرون وانفرد البخاري بثلاثة وتسعين حديثا ومسلم بثمانية وتسعين حديثا.


قال أحمد شاكر: روى له الإمام أحمد في مسنده (3848) حديثا من (من رقم 7119 - الى 10997) وفيها باللفظ أو المعنى ويصفو له بعد حذف المكرر خير كثير وهو اكثر الصحابة رواية.

[مسند الامام احمد بتحقيق احمد محمد شاكر (12 / 83)].


فائدة (2): حسن صحبة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأصحابه.

قوله: " كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ " وفيه جلوس العالم مع أصحابه وطلابه يعلمهم ويتابع أمورهم وشئونهم تأسيا بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه؛ عن أنسٍ رضي الله عنه قال:

أن النبي صلى الله عله وسلم كان إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيامٍ سأل عنه فإن كان غائباً دعا له، وإن كان شاهداً زاره، وإن كان مريضاً عاده" وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلِّمكم"؛ وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: إِنَّا وَاللهِ قَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فكَانَ يَعُودُ مَرْضَانَا، وَيَتْبَعُ جَنَائِزَنَا، وَيَغْزُو مَعَنَا، وَيُوَاسِينَا بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ"[أخرجه أحمد (504) وحسن الأرناؤوط إسناده].


وفي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتَراحُمِهم وتَعاطُفِهم مَثَلُ الجسد؛ إذا اشتَكَى منه عضوٌ، تَداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحمَّى"؛ [أخرجه مسلم وغيره من حديث النعمان بن بشير - رضِي الله عنه].

ومن ذلك سؤاله عن المرأة التي كانت تقم المسجد؛ فعن أبى هريرة - رضِي الله عنه -: "أن امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد، ففقَدَها رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال: "أفلا كنتم آذنتموني؟"، قال: فكأنهم صَغَّروا أمرها، فقال: "دُلُّوني على قبرها"، فدلُّوه فصلَّى عليها"؛ [أخرجه البخاري ومسلم].


فائدة (3): علو رتبة أبي بكر وعمر في أذهان الصحابة.

• وذلك يظهر في قول أبي هريرة رضي الله عنه: "مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ"، فإنه اكتفى بذكر أشرافهم؛ والنفر الجماعة دون العشرة والجمع أنفار.

ومن ذلك أيضا في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى بَقَرَةٍ التَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، خُلِقْتُ لِلْحِرَاثَةِ "، قَالَ: " آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَخَذَ الذِّئْبُ شَاةً فَتَبِعَهَا الرَّاعِي، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي "، قَالَ: «آمَنْتُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ» قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَمَا هُمَا يَوْمَئِذٍ فِي القَوْمِ.[متفق عليه].


وفي الصحيحين أيضا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ، فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ، وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ، إِذَا رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى مَنْكِبِي، يَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، لِأَنِّي كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كُنْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. [متفق عليه].


فائدة (4): في هذا الحديث من الفقه جواز أن يقوم سيد القوم فلا يتبعه أصحابه، إذا فهموا من قيامه أنه لأمر لا يقتضي المشاركة، ويدل على هذا أنهم جلسوا على انتظار عوده، فلما أبطأ عليهم بُطأً خافوا معه عليه صلى الله عليه وسلم، قاموا يطلبونه.[الافصاح عن معاني الصحاح لابن هبيرة ( 8 /197)].


فائدة (5): حب الصحابة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قوله: "فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا، فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا،... " فيه بيان حب الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامه والشفقة عليه، والانزعاج البالغ لغيبته المجهولة؛ وذلك لأن العدو يحيط بالمدينة من الكفار والمشركين واليهود والمنافقين؛ وقد ضرب الصحابة في هذا الباب صورا نسوق منها للاعتبار:

لما كان يوم أحد وأشيع مقتل النبي صلى الله عليه وسلم، حتى كثرت الصوارخ في ناحية المدينة، فخرجت امرأة من الأنصار فاستقبلت بخبر موت بأبيها وابنها وزوجها وأخيها يعني كلهم ماتوا واستشهدوا - رضوان الله عليهم -، فكلما مرت على أحدهم قالت: من هذا؟ قالوا أبوك.. أخوك.. زوجك.. ابنك.. وهي تقول: ما فعل برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: أمامك! وهي تمضي - تركت الزوج والابن والأخ والأب - لم تقف، ما زالت تمضي، فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذت بثوبه ثم قالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب.


وفي روايةٍ أخرى لسعد ابن أبي وقاص في قصة هذه المرأة قالت: ما فعل رسول الله؟ قال بخير يا أم فلان - هو بحمد الله كما تحبيه - قالت: أرونيه حتى أنظر إليه، فأشير لها إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبةٍ بعدك جلل، أي هينة.

وهذا خُبَيْب بن عَدِيٍّ لما وقع أسيرا في مكة بعد بدر أخذوه ليقتلوه انتقاما لقتلاهم يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمَّا وَضَعُوا فِيهِ السِّلاحَ وَهُوَ مَصْلُوبٌ نَادُوهُ ونَاشَدُوهُ: أَتُحِبُّ مُحَمَّدًا مَكَانَكَ؟ فَقَالَ: لا وَاللَّهِ الْعَظِيمِ مَا أَحَبُّ أَنْ يُفَدِّيَنِي بِشَوْكَةٍ يُشَاكُهَا فِي قَدَمِهِ. [الطبراني في المعجم الكبير].

وقد كان ثابت البناني إذا رأى أنس بن مالك أخذ يده فقبلها، ويقول: يدٌ مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


وذلك منهم عملا بالنصوص الواردة في ذلك؛ فعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين "   [أخرجه البخاري ومسلم]

وكذا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ" [متفق عليه].

 

فائدة (6): حب أبي هريرة رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقوله رضي الله عنه: " وَخَشِينَا أَنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا، وَفَزِعْنَا، فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ،..." وهذا يدل على شدة حب أبي هريرة لرسول الله وشدة خوفه عليه صلى الله عليه وسلم؛ فقد أحب أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً ملك عليه نفسه، فكان لا يهدأ له بال ولا تقر له عين حتى يرى رسول الله، فقد أخرج أحمد في المسند عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي إِذَا رَأَيْتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي، فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، قَالَ: «كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَاءِ»، قَالَ: أَنْبِئْنِي بِأَمْرٍ إِذَا أَخَذْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ، قَالَ: « أَفْشِ السَّلَامَ وَأَطْعِمْ الطَّعَامَ وَصِلْ الْأَرْحَامَ وَصَلِّ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ثُمَّ ادْخُلْ الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ» [أخرجه أحمد(7932) ( 8295) ( 10399) والحاكم ( 4/160) وابن حبان في صحيحه (508) (2559)].

وكان كثيراً عندما يحدث يقول: أوصاني خليلي، أو قال خليلي، أو سمعت خليلي، وذلك لحبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.


فائدة (7): اهتمام الأتباع بحقوق متبوعهم والاعتناء بتحصيل مصالحه ودفع المفاسد عنه.

ومن ذلك في الصحابة ما فعله سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَرِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: «لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا مِنْ أَصْحَابِي يَحْرُسُنِي اللَّيْلَةَ»، قَالَتْ وَسَمِعْنَا صَوْتَ السِّلَاحِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُ أَحْرُسُكَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ.

قال النووي في شرح مسلم (15/ 183): فيه جواز الِاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ وَالْأَخْذِ بِالْحَزْمِ وَتَرْكِ الْإِهْمَالِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إِلَى الِاحْتِيَاطِ. انتهى.


فائدة (8): جواز دخول ملك الناس بغير إذنهم إذا علم أنهم يرضوا بذلك.

فإن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الحائط وتبعه أبو هريرة بغير استئذان؛ وفي ذلك قال الحنفية: إن البيوت إذا لم يكن لها ساكن، وللمرء فيها منفعة، يجوز له أن يدخلها من غير استئذان؛ كالخانات والرباطات التي تكون للمارة، والخرابات التي تقضى فيها حاجة البول والغائط؛ لقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ﴾ [النور:29].


فائدة (9): تأكيد صدق المخبر عن رسول الله بعلامة أو قرينة.

وذلك مستفاد من اعطاء النبي صلى الله عليه وسلم نعليه لأبي هريرة لتكون علامة على لقياه بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وتؤكد خبره الذي سينقله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا سيما وفيه بشارة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأهل التوحيد.


فائدة (10): فيه بيان عقيدة أهل السنة أن التوحيد والشهادتين لابد لهما من النطق باللسان فلا يكفي اعتقاد القلب حتى يقر اللسان وتعمل الجوارح وذلك مستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: «اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ».

فيقين القلب لا ينفع صاحبه إلا مع إقرار اللسان مع عمل الجوارح والأركان؛ كما قال تعالى عن فرعون وقومه: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل:14].


قال القرطبي في تفسيره (13 /163): أَيْ تَيَقَّنُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ سِحْرًا، وَلَكِنَّهُمْ كَفَرُوا بِهَا وَتَكَبَّرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُوسَى. انتهى

قلت: فلم ينفعهم تيقن القلب لأنهم جحدوا بألسنتهم ولم تذعن جوارحهم.


فائدة (11): استحباب التعبير بالكنايات والإشارات فيما يستقبح سماعه؛ إلا فيما فيه مصلحة أو ضرورة ملحة؛ ومن ذلك لفظ " الإست" وأمثال ذلك في القرآن كثير من ذلك قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا ﴾ [الأعراف: 179].

وقوله عز وجل: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 187].

وقوله سبحانه: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[البقرة:222].


فائدة (12): جواز قول الرجل للآخر: بأبي أنت وأمي، وقد كرهه بعض السلف، وقال: لا يفدى بمسلم، لكن الأحاديث الصحيحة، تدل على جوازه، وخصوصا أن الافتداء غير مقصود حقيقة، وإنما المقصود التعبير عن الحب والبر والحنان. [فتح المنعم شرح صحيح مسلم (1 /122) للدكتور موسى شاهين].


فائدة (13): فعل عمر رضي الله عنه مع أبي هريرة رضي الله عنه ليس تكذيبا لخبره وإنما لحرصه على العمل وعدم الاتكال على بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


فائدة (14): ومن ذلك أيضا تحري عمر رضي الله عنه وتثبته فيما ينسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد فعل ذلك مع أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في حديث الاستئذان؛ ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ، إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسَى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ، فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ؟ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي فَرَجَعْتُ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ» فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللَّهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلَّا أَصْغَرُ القَوْمِ، فَكُنْتُ أَصْغَرَ القَوْمِ فَقُمْتُ مَعَهُ، فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ. [متفق عليه].

وفي رواية ابن حبان في صحيحه (5806) وصحح إسناده شعيب الأرناؤوط: "فَقَامَ مَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَشَهِدَ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: إِنَّا لَا نَتَّهِمُكَ، وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَدِيدٌ".


فائدة (15): فيه بيان فضل التزود بالأعمال المفروضة والمستحبة؛ وبيان منزلة العمل الصالح من الإيمان؛ فالإيمان يزيد بالعمل الصالح وينقص بالمعصية؛ والتفاضل في الجنة بالأعمال؛ قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزخرف: 72] وفي الحديث عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214] قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا، فَقَالَ: «يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ» [صحيح مسلم (205)].


فائدة (16): فيه بيان فضل المشورة؛ وأن الشورى مبدأ إسلامي يسعى لتحقيق مصالح المسلمين في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]. وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38].


فائدة (17): عرض الأتباع الرأي والمشورة بغير طلب من الإمام؛ كما فعل عمر رضي الله عنه في الحديث؛ ومن ذلك أيضا القصة المشهورة في أحداث غزوة بدر؛ فقد روي أن الحباب ابن الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلا نَتَأَخَّرَهُ، أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟

قَالَ: بَلْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ لَكَ بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ حَتَّى نَأْتِي أَدْنَى مَاءٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلْهُ، ثُمَّ نعور ما سواه من القلب، ثم نبنى عَلَيْهِ حَوْضًا فَتَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِلُ الْقَوْمَ فنشرب ولا يشربون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي... الحديث. [تاريخ الطبري (2/ 440)].


فائدة (18): الرجوع عن الرأي وتقديم ما فيه مصلحة؛ وفي الحديث عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِهَا، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» [مسلم (1650)].


فائدة (19): جواز كتمان العلم للمصلحة.

في الحديث دليل على جواز كتمان العلم أحيانا لما في ذلك من مصلحة للعباد؛ ويدل لذلك أيضا حديث قَتَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَدِيفُهُ عَلَى الرَّحْلِ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «يَا مُعَاذُ» قَالَ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُخْبِرُ بِهَا فَيَسْتَبْشِرُوا، قَالَ: «إِذًا يَتَّكِلُوا»، فَأَخْبَرَ بِهَا مُعَاذُ عِنْدَ مَوْتِهِ تَأَثُّمًا. [متفق عليه].


وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا البُلْعُومُ "

قال الحافظ في فتح الباري (1 /217) في شرح الباب: "الْأَحَادِيثَ الْمَكْتُوبَةَ لَوْ كَانَتْ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَا وَسِعَهُ كِتْمَانُهَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَمِّ مَنْ كَتَمَ الْعِلْمَ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعَ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَتَغَيُّرِ الْأَحْوَالِ وَالْمَلَاحِمِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيُنْكِرُ ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَأْلَفْهُ وَيَعْتَرِضُ عَلَيْهِ مَنْ لَا شُعُور لَهُ بِهِ " انتهى.


فائدة (20): استدل به بعضهم على وقوع النسخ قبل الفعل، ورد بأن الأمر هنا قد بلغ ولو لواحد.

فقد مُنِعَ أبو هريرة من التبشير بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوعًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأي عمر رضي الله عنه؛ وفي مسألة جَوَاز النَّسْخ قَبْل الْفِعْل "قَالَ اِبْن بَطَّالٍ وَغَيْره: أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسَخَ الْخَمْسِينَ بِالْخَمْسِ قَبْل أَنْ تُصَلَّى، ثُمَّ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَكْمَلَ لَهُمْ الثَّوَاب. وَتَعَقَّبَهُ اِبْن الْمُنِير فَقَالَ: هَذَا ذَكَرَهُ طَوَائِف مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالشُّرَّاح، وَهُوَ مُشْكِل عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّسْخ قَبْل الْفِعْل كَالْأَشَاعِرَةِ أَوْ مَنَعَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ، لِكَوْنِهِمْ اِتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنَّ النَّسْخ لَا يُتَصَوَّر قَبْل الْبَلَاغ، وَحَدِيث الْإِسْرَاء وَقَعَ فِيهِ النَّسْخ قَبْل الْبَلَاغ، فَهُوَ مُشْكِل عَلَيْهِمْ جَمِيعًا. قَالَ: وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مُبْتَكَرَةٌ. قُلْت: إِنْ أَرَادَ قَبْل الْبَلَاغ لِكُلِّ أَحَد فَمَمْنُوعٌ، وَإِنْ أَرَادَ قَبْل الْبَلَاغ إِلَى الْأُمَّة فَمُسَلَّمٌ، لَكِنْ قَدْ يُقَال: لَيْسَ هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ نَسْخًا، لَكِنْ هُوَ نَسْخٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ كُلِّفَ بِذَلِكَ قَطْعًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْد أَنْ بُلِّغَهُ وَقَبْل أَنْ يَفْعَل، فَالْمَسْأَلَة صَحِيحَة التَّصْوِير فِي حَقّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَاللَّهُ أَعْلَم. [فتح الباري (1/ 611) الكتب العلمية].


فائدة (21): فيه منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب، وفضيلة لأبي هريرة رضي الله عنهما.

فقد وجه أبو عوانة الاسفراييني صاحب "المستخرج على صحيح مسلم" الحديث لمناقب عمر بن الخطاب؛ وأن عمر رضي الله عنه هو صاحب البشارة بالجنة؛ فقال أبو عوانة:

يُقالُ: إن هذا لأصحاب رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم الموقنين، ولم يَعُمَّ بهِ، وَإنما قالَ: مَنْ لَقيتَ مِن وَرَاء الحائط، فلم يلق إلا عُمر، وعمرُ قد بشَّرَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بالجنَّة. [مستخرج أبي عوانة (1 /177) ط الجامعة الإسلامية].


فائدة (22): وثوق النبي صلى الله عليه وسلم في أبي هريرة وائتمانه على العلم؛ وفيه رد على الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه.

وقد أبو هريرة رضي الله عنه طالب علم حريص عليه؛ روى البخاري بإسناده عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ، أَوْ نَفْسِهِ»

قال ابن حجر في الفتح: وَفِيهِ فَضْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفَضْلُ الْحِرْصِ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ. [ فتح الباري (1/99)].

 

فائدة (23): بيان فضل التوحيد.

وذلك لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ»

فإن التوحيد سبب للفوز بالجنة؛ والنجاة من النار؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162- 163].

وقال سبحانه: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا اله إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء:25].


وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ» [متفق عليه]

وفي الصحيحين من حديث مَحْمُودَ بْنَ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيَّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ - وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ الْأَنْصَارِ... الحديث؛ وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ ".

ولمسلم عن جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ- رضي الله عنه-، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ لَقِيَ اللهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دَخَلَ النَّارَ».


وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ". [أبو داود وأحمد وصححه الألباني].

كما أن التوحيد سبب لرجحان الحسنات وتثقيل الميزان؛ والنجاة من العذاب؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي عَلَى رُءُوسِ الخَلَائِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ البَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الحَافِظُونَ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ؟ فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً، فَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ اليَوْمَ، فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فَقَالَ: إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ "، قَالَ: «فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كَفَّةٍ وَالبِطَاقَةُ فِي كَفَّةٍ، فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ البِطَاقَةُ، فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ» [أخرجه الترمذي (2639) وحسنه وابن ماجه (4300) والحاكم (رقم 9) وأحمد (6994) وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ". ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في الصحيحة ( 135)].


قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (1/340):فَإِنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَتَفَاضَلُ بِصُوَرِهَا وَعَدَدِهَا، وَإِنَّمَا تَتَفَاضَلُ بِتَفَاضُلِ مَا فِي الْقُلُوبِ، فَتَكُونُ صُورَةُ الْعَمَلَيْنِ وَاحِدَةً، وَبَيْنَهُمَا فِي التَّفَاضُلِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَالرَّجُلَانِ يَكُونُ مَقَامُهُمَا فِي الصَّفِّ وَاحِدًا، وَبَيْنَ صَلَاتَيْهِمَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

وَتَأَمَّلْ حَدِيثَ الْبِطَاقَةِ الَّتِي تُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، وَيُقَابِلُهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ سِجِلًّا، كُلُّ سِجِلٍّ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَتَثْقُلُ الْبِطَاقَةُ وَتَطِيشُ السِّجِلَّاتُ، فَلَا يُعَذَّبُ.


وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مُوَحِّدٍ لَهُ مِثْلُ هَذِهِ الْبِطَاقَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَدْخُلُ النَّارَ بِذُنُوبِهِ، وَلَكِنَّ السِّرَّ الَّذِي ثَقَلَ بِطَاقَةَ ذَلِكَ الرَّجُلِ، وَطَاشَتْ لِأَجْلِهِ السِّجِلَّاتُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْبِطَاقَاتِ، انْفَرَدَتْ بِطَاقَتُهُ بِالثِّقَلِ وَالرَّزَانَةِ. انتهى

وَقِيلَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ قَالَ: بَلَى وَلَكِنْ لَيْسَ مِفْتَاحٌ إِلَّا لَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَكَ وَإِلَّا لَمْ يُفْتَحْ لَكَ. [أخرجه البخاري تعليقاً].


وأقول أن كلمة التوحيد التي لا تثقل معها الذنوب هي التي لا يشوبها شرك بأنواعه، ومما يستدل به على فضل التوحيد الخالص وضرورة نفي الشرك ما أخرجه مسلم وأبو داود عن ابن عباس أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ"

فهؤلاء شفعوا لأنهم لا يشركون بالله شيئا.


ومما ورد في فضل التوحيد كذلك حديث عبد اللّه بن عمرو مرفوعًا: " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ".

[الترمذي وأحمد وحسنه الألباني في الصحيحة ( 1503)].


وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ" [أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1104) ].

وأخرج البخاري في "خلق أفعال العباد" ص 95 عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: «يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ إِنْ تَأَتِينِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً بَعْدَ أَنْ لَا تُشْرِكَ بِي شَيْئًا جَعَلْتُ قُرَابَهَا مَغْفِرَةً وَلَا أُبَالِي».


وفي لفظ عند مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ، وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَا يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً " [صحيح مسلم (2687)].


وللترمذي وحسنه عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "[الترمذي (3540) وصححه الألباني].

والله من وراء القصد





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • صدر حديثاً (التحفة في رواية شعبة )إعداد عبدالمجيد الجمعة
  • صدر حديثاً (تحفة الإخوان في الخلف بين الشاطبية والعنوان) لابن الجزري.
  • التحفة السنية في القواعد الفقهية

مختارات من الشبكة

  • فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال للجمزوري (المتوفى سنة 1227 هـ) ومعه منظومة تحفة الأطفال (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • همم الرجال في شرح تحفة الأطفال ويليه منظومة تحفة الأطفال للإمام سليمان الجمزوري رحمه الله (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحفة السنية في ضبط متني تحفة الأطفال والمقدمة الجزرية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • متن تحفة الأطفال المسمى تحفة الأطفال والغلمان في تجويد القرآن للشيخ سليمان بن حسين الجمزوري(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تحفة الأطفال في علم التجويد (التحفة في تجويد القرآن)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • أحاديث الصباح لشرح تحفة الفلاح لما لحفص من طريق المصباح (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تحفة الباري بشرح صحيح البخاري (ج 2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة إتحاف الزكي بشرح التحفة المرسلة إلى النبي(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة فتح الأقفال بشرح تحفة الأطفال (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تحفة الطلاب بشرح تحرير تنقيح اللباب ( نسخة أخرى )(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب