• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    تحريم الإهلال لغير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    مشاهد عجيبة حصلت لي!
    أ. د. عبدالله بن ضيف الله الرحيلي
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (2)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    الدرس السابع عشر: آثار الذنوب على الفرد والمجتمع
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

عصمة المجتهد

عصمة المجتهد
الشيخ وليد بن فهد الودعان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 9/9/2017 ميلادي - 17/12/1438 هجري

الزيارات: 14173

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

عصمة المجتهد


العِصمة: بكسر العين وسكون الصاد، أصلها في اللغة من عصم، وهو أصل يدل على إمساك ومنع وملازمة، فاعتصَم بالله: إذا امتنع به، وعصمه الله؛ أي: منَعه الله من سوء يقع فيه، واستعصم؛ أي: التجأ، وأعصمتُ فلانًا؛ أي: هيأتُ له شيئًا يعتصم به، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾ [آل عمران: 103]؛ أي: تمسَّكوا بعهد الله، وعُصِم؛ أي: وُقِيَ ومُنِعَ.

والعصمة: الحفظ، واعتصم به؛ أي: امتنَع وأبى، ومنه قوله تعالى: ﴿ فَاسْتَعْصَمَ ﴾ [يوسف: 32]؛ أي: تأبَّى وامتَنَع، ولم يُجبْها إلى مطلوبها، ومنه:

فأشرَط فيها نَفْسه وهْو مُعصِمٌ ♦♦♦ وألقى بأسبابٍ له وتوكَّلَا[1]

والاعتصام بالكتاب والسنة؛ أي: ملازمتُهما، ومنعُ النفس عن اتباع سواهما[2].

 

وأما تعريف العصمة في الاصطلاح، فقد اختلف فيه[3]، وأحسن ما يقال في تعريفها أنها: مَلَكة إلهية تحمِل على اجتناب المعاصي مع التمكُّن منها[4].

وهذا التعريف قد حفظ لنا جانبين:

الأول: أن العصمة من توفيق الله، وإعانته للعبد، وبمشيئته النافذة.

الثاني: أن للعبد اختيارًا؛ فليس هو بمسلوب القدرة، كما أن فعله مؤثر في عصمته وامتناعه[5]، ولكن المراد بالعصمة هنا ما يشمل الامتناع عن المعاصي وعدم الوقوع في الخطأ العرَضي، وعلى هذا فيكون التعريف السابق إنما هو تعريف لجزء من المراد بالعصمة في هذا المبحث، وإذا ثبت المراد بالعصمة هنا، فهل يمكن أن تكون العصمة من أوصاف المجتهد أو لا؟ هذا ما سنبينه في هذا المطلب، ونوضح رأي الشَّاطبي في ذلك.

 

رأي الشَّاطبي:

يرى الشَّاطبي أنه لا عصمة للمجتهد، وأن العلماء المجتهدين قد يُخطِئون، بل ويقعون في المعاصي، وحينئذ فاتباع قول المجتهد وانقياد الناس إليه في الحكم إنما هو من حيث كونه مبلغًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المبلغ عن الله تعالى، لا من جهة كونه معصومًا عن الخطأ.

قال الشَّاطبي في إثبات كون المجتهد يُتَّبَع إذا حكَم بمقتضى الشريعة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المنتصب للحكم مطلقًا: "وثبت ذلك له - عليه الصلاة والسلام - وحده دون الخلق من جهة دليل العصمة والبرهان أن جميع ما يقوله أو يفعله حق؛ فإن الرسالة المقترنة بالمعجزة على ذلك دلَّت، فغيره لم يثبت له عصمة بالمعجزة بحيث يحكم بمقتضاها[6] حتى يساوي النبي في الانتصاب للحكم بإطلاق، بل إنما يكون منتصبًا على شرط الحكم بمقتضى الشريعة، بحيث إذا وجد الحكم في الشرع بخلاف ما حكم، لم يكن حاكمًا، إذا كان الغرض خارجًا عن مقتضى الشريعة الحاكمة، وهو أمر متفق عليه بين العلماء؛ ولذلك إذا وقع النزاع في مسألة شرعية وجب ردُّها إلى الشريعة؛ حيث ثبت الحق فيها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59][7]".

 

وقال الشَّاطبي: "وأما أمته فكل واحد منهم غير معصوم، بل يجوز عليه الغلط والخطأ والنسيان، ويجوز أن تكون رؤياه حُلْمًا، وكشفه غير حقيقي، وإن تبين في الوجود صدقُه واعتيد ذلك فيه واطَّرد، فإمكان الخطأ والوهم باقٍ، وما كان هذا شأنَه، لم يصحَّ أن يُقطَعَ به حكمٌ"[8].

وقال: "لكن لما أن كان أفرادُ المجتهدين غيرَ معصومين من الخطأ، أمكن التعارضُ بين الأدلة عندهم"[9].

وقال: "... كاختلاف جمهور الأمة والإمامية[10]، وهم الذين يشترطون المعصوم، والحق مع السوادِ الأعظم الذي لا يشترط العصمةَ"[11].

 

والخطأ لا بد وأن يقع من المجتهد في اجتهاده؛ ولأجل ذلك حذَّر العلماء من زلة المجتهد[12].

وهذا مفيد فائدة لا شك فيها؛ أن المجتهد ليس معصومًا[13]، بل ذكر الشَّاطبي أن ممن زلَّ عن الدليل، وأعرض عنه، واعتمد على الرجال، وخرج بذلك عن جادَّة الحق واتباع السلف، واتبع بذلك هواه وشهوته، فضَلَّ وأضلَّ: فِرقةَ الإمامية؛ حيث اتبعوا ما يسمى بالإمام المعصوم، ولو جاء بمخالف لما جاء به النبي المعصوم حقًّا، وبذلك حكموا الرجال على الشريعة، ولم يحكموا الشريعة على الرجال، وإنما أنزل الشرع ليكون حاكمًا على الناس[14].

 

قال الشَّاطبي: "ومن أمثلته أن الإمامية من الشيعة تذهب إلى وضع خليفةٍ دون النبي صلى الله عليه وسلم، وتزعم أنه مِثل النبي صلى الله عليه وسلم في العصمة بناءً على أصل متوهَّم، فوضَعوه على أن الشريعة أبدًا مفتقرة إلى شرح وبيان لجميع المكلفين، إما بالمشافهة، أو بالنقل ممن شافَهَ المعصومَ، وإنما وضَعوا ذلك بحسب ما ظهر لهم بادئ الرأي في غير دليل عقلي ولا نقلي، بل بشُبهة زعموا أنها عقلية، وشبهة في النقل باطلة، إما في أصلها، وإما في تحقيق مناطها، وتحقيق ما يدَّعون وما يُرَد عليهم به مذكورٌ في كتب الأئمة"[15].

ووافق الشَّاطبيَّ على ذلك الجمهورُ، بل هو إجماع على القول بعدم اعتبار خلاف المبتدعة، لا سيما في مثل هذه المسائل القطعية، ويدل على الإجماع ما استفاض عن السلف من أقوال صريحة في عدم عصمة المجتهد، وكونه عُرضةً للخطأ، ومن ذلك ما استفاض عن بعض السلف من المقولة المشهورة: "ليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يؤخذ مِن قوله ويُترَك"[16]، وما ذلك إلا لأن جانب غيره لا يؤمن عليه من الوقوع في الخطأ، وأيضًا ما ورد عن كثير من الصحابة والسلف من الاعتراف بالخطأ[17].

وقال الباجي عن المجتهد: "ولا يجوز أن يقال: إنه معصوم؛ لأن ذلك خلاف دِين المسلمين"[18].

 

وقال السمعاني في أثناء تعليله لمسألة التفويض: "لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معصومًا من الخطأ، فيجوز أن يقال له: احكُمْ؛ فإنك لا تحكم إلا بالصواب، وهذا لا يوجد في حق غيره، فلم يؤمن خطؤه"[19].

وقال ابن تيمية: "واتفقوا كلهم على أنه ليس أحد معصومًا في كل ما يأمر به وينهى عنه، إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم"[20].

وقال الطوفي: "الفرق بينه وبين سائر المجتهدين عصمته وتأييده الإلهي دونهم"[21].

ويدل على ذلك أيضًا اتفاق الأصوليين على وقوع الخطأ من المجتهد في بعض الأوقات؛ كتقصيره في النظر، ونحو ذلك[22].

 

وقد صرح كثيرٌ من العلماء بأن المجتهد يخطئ، وهذا يفيد عدم عصمته[23]، كما صرح جماعة كثيرة من العلماء بعدم عصمة المجتهد[24].

وخالفه في ذلك بعض أهل البدع؛ كالشيعة؛ حيث قالوا بعصمة الأئمة[25]، بل نقله الطوسي عن كثير من الأمة، فقال: "وكثير من الأمة يقولون بعصمة الملائكة، والأئمة، وعصمة حواء، ومريم، وفاطمة"[26]، ونقل عن مويس بن عمران[27]، والنظام[28]، أنهما جوزا تفويض الحكم للمجتهد ووقوعه، بأن يقال له: احكُمْ؛ فإنك لا تحكم إلا بالصواب، وهذا يعني عصمته، إلا أن هذا القول قول شاذ لا يعوَّل عليه[29]، بل قال السمعاني: "إن هذا في غير الأنبياء لم يوجد، ولا يوجد توهمه في المستقبل"[30]، وقال الشوكاني: "وهل هذه المقالة إلا مجرد جهل بحت، ومجازفة ظاهرة؟!"[31].

 

أدلة الشَّاطبي ومن وافقه:

أشار الشَّاطبي إلى الاستدلال على أن المجتهد غير معصوم؛ وذلك أنه قرر أن العلم المعتبر شرعًا هو العلم الباعث على العمل، ثم أخذ في التدليل على ذلك، ثم ذكر اعتراضين على ما قرر:

أولهما: ما ثبت بالأدلة الشرعية من أن العلم لا يحفظ صاحبه عن الوقوع في المعاصي والزلل، ومن أمثلة ذلك:

قوله تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ [النمل: 14].

وقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

وقوله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾ [المائدة: 43].

وقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 102]، والشاهد من هذه الآيات أنها أثبتت العلم لهؤلاء، إلا أن العلم لم يمنع من وقوعهم في الخطأ والمعاصي، بل وما هو أعظم من ذلك؛ كالضلال والكفر[32].

 

ثانيهما: ما ثبت في الأدلة الشرعية من ذمِّ علماء السوء:

كقوله تعالى: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 44].

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ﴾ [البقرة: 159].

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [البقرة: 174].

وحديث: ((إن أشدَّ الناس عذابًا يوم القيامة عالمٌ لم ينفَعْه اللهُ بعِلمه))[33].

وحديث: ((أولُ مَن تُسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة))، وفيه: ((ورجلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأُتِيَ به فعرَّفه نعمه فعرَفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمتُ العلم وعلمتُه، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنك تعلمتَ العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار))[34].

 

ثم أجاب الشَّاطبي عن هذين الاعتراضين بما يُثبت عدمَ عصمةِ المجتهد، فذكر أن الرسوخ في العلم ينافي مخالفة الأدلة؛ كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 9].

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].

 

إلى غيرِ ذلك من الأدلة[35]، ويدل على ذلك التجرِبة العادية؛ لأن ما صار كالوصف الثابت لا يتصرَّف صاحبه إلا على وَفْقه في المعتاد، فإن تخلَّف فالأمور ثلاثة:

أولها: العناد؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ﴾ [النمل: 14].

وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109].

وغالبًا ما يكون هذا إلا لغلَبةِ الهوى على القلب، وحبِّ الدنيا أو الجاه.

 

وثانيها: الزلة الناشئة عن الغفلة، التي لا ينجو منها بشر، فيصير العالم بدخول الغفلة غيرَ عالم، ويشهد لذلك - على قولٍ - قولُه تعالى: ﴿ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ﴾ [النساء: 17]، وقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 201].

وهذا لا يُعتَرَض به على القاعدة المقررة، كما لا يقال للإنسان إذا غفَل عن سمع أو بصر: إنه غيرُ مجبول على السمع والإبصار.

 

ثالثها: كونه ليس من أهل هذه المرتبة، فلم يصِرِ العلم له وصفًا، أو كالوصف، وهذا راجع إلى غلط في اعتقاد العالم في نفسه، أو اعتقاد غيره فيه، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50].

وفي الحديث: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم؛ فضلُّوا وأضلُّوا))[36].

وخلاصة القول أن الشَّاطبي مقر بأصل الاعتراضين، وأنهما قد يعرضان للمجتهد لا على سبيل الأصالة، وإنما لأمر خارج عن العلم، وبذلك يصح جعلهما من أدلة إثبات عدم العصمة للمجتهد.

 

دليل الشيعة من منظور الشَّاطبي:

بيَّن الشَّاطبي أن الإمامية[37] حينما ذهبوا إلى مقالتهم الباطلة تعلقوا بما هو أوهى من بيت العنكبوت، فلم يكن بأيديهم إلا دعاوى كالقشَّة، إذا طولبوا بها وبالدليل عليها أُسقِط في أيديهم.

وذكر الشَّاطبي أن أقوى ما يتعلقون به من الشُّبَه مسألة اختلاف الأمة، فهم يقولون: إن الأمة مختلفة، ولا بد من واحد يرتفع به الخلاف؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ﴾ [هود: 118، 119]، ولا يكون ارتفاع هذا الخلاف إلا إذا أعطي هذا الواحد العصمة كما أعطيها النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه وارث له، وإلا فكل محق أو مبطل يدعي أنه المرحوم، وأنه هو الذي وصل إلى الحق دون غيره[38].

 

وذكر الشَّاطبي أنهم إذا طولبوا بالدليل على العصمة لم يأتوا بشيء، إلا أن لهم مذهبًا يخفونه ولا يظهرونه إلا لخواصهم؛ لأنه كفرٌ محضٌ ودعوى دون برهان[39]، وقد تبين مقصدهم في موضع آخر؛ حيث ادعوا أن مقصد الشارع ليس في ظواهر النصوص، ولا ما يفهم منها، وإنما المقصود أمر آخر وراءه، وبذلك لا يبقى في ظواهر النصوص ما يتمسك به لمعرفة مقاصد الشرع، وهذا إبطال للشريعة، وهم رأَوا أنهم إذا زعموا ذلك لزم أن يكون ثَمَّ إمام معصوم يبين لهم ما وراء النصوص، وهذا القول مآله إلى الكفر المحض[40].

وذكر الشَّاطبي عن ابن العربي أنهم يقولون: إن لله في عباده أسرارًا وأحكامًا لا يستقل العقل بإدراكها، ولا يمكنه معرفتها إلا بالإمام المعصوم.

 

وذكر أن ابن العربي ناقش أحدهم حين استدل بهذا الدليل، وخلاصة مناقشته أن قال له: "إن عليًّا معصوم، وقد خلَف المعصوم الأول، وهو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل قضى بالحق وأنفذه؟"، فأجاب الرافضي: "بأنه لم يتمكن؛ لغلبة المعاند"، فقال ابن العربي: "فهل أنفذه بعد أن ولي؟"، فأجاب: "منعته التقية والمداراة؛ حتى لا تتفتح عليه أبواب الاختلال"، فقال ابن العربي: "أهذه المدارة حقٌّ أم لا؟"، فأجاب: "باطل أباحته الضرورة"، فقال ابن العربي: "فأين العصمة؟!"، فأجاب: "إنما نعني العصمة مع القدرة"، فقال ابن العربي: "فمن بعده إلى الآن وجدوا القدرة أم لا؟"، فأجاب: "لا"، فقال ابن العربي: "فالدين مهمَل، والحق مجهول مخمل؟!"، فأجاب: "سيظهر"، فقال ابن العربي: "بمن؟"، فأجاب: "بالإمام المنتظر"، فقال ابن العربي: "لعله الدجال!"، فما بقي أحد إلا ضحك.

ثم نقل عن ابن العربي ما مضمونه أن هذا الدليل باطل حتى على مذهبهم؛ لأن الإمام إذا أوصى من لا قدرة له، فقد ضيَّع، فلا عصمة له.

وأيضًا أن الله تعالى - على مذهبهم - إذا علم أنه لا علم إلا بمعلِّم وأرسله، وكان عاجزًا عن بث العلم، فكأنه ما علمه وما بعثه، وهذا عجز منه وجَوْر[41]، تعالى الله عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.



[1] البيت لأوس بن حجر بن عتاب التميمي، نسبه له في لسان العرب (9/ 245) وتاج العروس (17/ 486) مادة: "عصم".

[2] انظر: معجم مقاييس اللغة (4/ 331) لسان العرب (9/ 244) المصباح المنير (2/ 414) القاموس المحيط (1469) المعجم الوسيط (605)، كلها مادة: "عصم".

[3] انظر لتعريف العصمة: مقالات الإسلاميين (1/ 327) محصل أفكار المتقدمين (218) طوالع الأنوار (324) المواقف (366) المطلع (203) البحر المحيط (4/ 172) التعريفات (195) التقرير والتحبير (2/ 223) الآيات البينات (3/ 224) تيسير التحرير (3/ 20) نشر الطوالع (431) فواتح الرحموت (2/ 97) كشاف اصطلاحات الفنون (3/ 330) حجية السنة (87) المعجم الوسيط (650).

[4] وهو مشتق من تعريف الجرجاني مع إضافة إليه، وهو: ملَكة اجتناب المعاصي مع التمكن فيها؛ انظر: التعريفات (195) وقريب منه تعريف المعجم الوسيط (605) وهو: ملَكة إلهية تمنع مِن فعل المعصية والميل إليها مع القدرة عليه.

[5] وهذا هو مذهب أهل السنة في القدر وأفعال العباد، والاختلاف في التعريف له ارتباط وثيق بهذه المسألة؛ انظر للخلاف والأقوال في القدر: المواقف (311) الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد (173) كتاب أصول الدين للبغدادي (133) الملل والنحل (1/ 96) والمجلد الثامن من مجموع الفتاوى خاص بالقدر، وانظر: كتاب القضاء والقدر لعبدالرحمن المحمود (203 وما بعدها).

[6] كذا في طبعة: دار ابن عفان (2/ 585) وأشار المحقق إلى أن لفظة: "يحكم" ليست في المخطوطة، وإنما هي في النسخة المطبوعة التي اعتمدها مع المخطوطة، والسياق لا يتم إلا بها.

[7] الاعتصام (2/ 502)، وانظر منه: (1/ 165، 2/ 503، 504، 507) الموافقات (4/ 88472، 474، 5/ 265، 314).

[8] الموافقات (4/ 470)، وانظر: المقاصد الشافية (لوحة 2/ أ).

[9] الموافقات (5/ 341).

[10] الإمامية: هم الرافضة، وقد سبق التعريف بهم (ص420).

[11] الموافقات (1/ 140).

[12] انظر: الموافقات (5/ 132 وما بعدها).

[13] انظر: الاعتصام (1/ 107 - 109).

[14] انظر: الاعتصام (2/ 506).

[15] الاعتصام (1/ 110).

[16] نقل هذا عن الحكم بن عتيبة، ومجاهد بن جبر، كما في جامع بيان العلم وفضله (2/ 91) والموافقات (5/ 1341)، ومالك كما في الموافقات (5/ 134).

[17] انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 91) مجموع الفتاوى (20/ 211).

[18] إحكام الفصول (2/ 731).

[19] قواطع الأدلة (2/ 338).

[20] مجموع الفتاوى (20/ 210 - 211)، ويفهم من سياق الكلام أن مراده بقوله: "واتفقوا كلهم"؛ أي: أصحاب المذاهب، وانظر أيضًا من مجموع الفتاوى: (4/ 168، 10/ 290).

[21] شرح مختصر الروضة (3/ 601).

[22] انظر: المستصفى (2/ 364) الإحكام (4/ 184) نهاية الوصول (8/ 3864) الإبهاج (258) منع الموانع (481، 490) البحر المحيط (6/ 255) شرح المحلي على جمع الجوامع (4/ 352 - 353) غاية الوصول (149).

[23] انظر مثلًا: المحصول (6/ 17) الإحكام (4/ 218).

[24] انظر: شرح اللمع (2/ 1024) اللمع (91) العدة (4/ 1144) التلخيص (3/ 437) إحكام الفصول (2/ 730) روضة الناظر (2/ 378) كشف الأسرار للنسفي (2/ 188) كشف الأسرار (3/ 412) إعلام الموقعين (2/ 132 - 133، 162) فواتح الرحموت (2/ 228 - 231).

[25] انظر: تلخيص الحاصل (218) نهاية الوصول لابن الحلي (245/ ب، 269/ ب) مبادي الوصول إلى علم الأصول للعاملي (26/ ب، 29/ ب - 30/ أ) منهاج الكرامة مع منهاج السنة (4/ 103) الأصول العامة للفقه المقارن (147 وما بعدها) ونقله عنهم في شرح اللمع (2/ 716) الفرق بين الفرق (265، 271) مجموع الفتاوى (4/ 320) مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (2/ 228) مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (2/ 96).

[26] تلخيص الحاصل (218).

[27] انظر: المعتمد (890) قواطع الأدلة (2/ 337) الإحكام (4/ 209) المسودة (510) شرح جمع الجوامع مع حاشية البناني (2/ 603) إرشاد الفحول (441).

[28] انظر: المسودة (510).

[29] انظر في الرد على الشيعة في قولهم بعصمة أهل البيت: شرح اللمع (2/ 716) أصول السرخسي (1/ 315) المحصول (4/ 101، 169) الإحكام (1/ 245) مختصر المنتهى مع شرح العضد (2/ 36) شرح تنقيح الفصول (334) نهاية الوصول (6/ 2588) منهاج السنة النبوية (4/ 103 وما بعدها، 6/ 385 وما بعدها).

[30] قواطع الأدلة (2/ 339).

[31] إرشاد الفحول (441).

[32] انظر: الموافقات (1/ 94 - 95).

[33] رواه ابن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله باب ذكر استعاذة رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع وسؤاله العلم النافع (1/ 162) والطبراني في المعجم الصغير (1/ 305/ 507) وابن عدي في الكامل (5/ 158) والبيهقي في شعب الإيمان باب في نشر العلم (2/ 284/ 1778) والخطيب في الكفاية في علم الرواية (21) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وضعفه ابن عبدالبر، وذكره ابن عدي في منكرات عثمان بن مقسم البري، وأشار المنذري في الترغيب والترهيب إلى ضعفه (1/ 174) وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار (1/ 7): "إسناد ضعيف" وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 190): "فيه عثمان البري، قال الفلَّاس: صدوق، لكنه كثير الغلط، صاحب بدعة، ضعَّفه أحمد، والنسائي، والدارقطني"، وضعَّف الحديثَ الألبانيُّ في سلسلة الأحاديث الضعيفة (4/ 138/ 1634).

[34] رواه مسلم في صحيحه كتاب الإمارة باب من قاتل للرياء والسمعة استحقَّ النار (13/ 44/ 1905) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وليس عنده التصريح بأنهم أول مَن تسعَّر بهم النار، ووقع التصريح بذلك في رواية الترمذي في جامعه كتاب الزهد باب ما جاء في الرياء والسمعة (4/ 591/ 2383).

[35] وقد ساق الشاطبي أدلة كثيرة لتقرير ما قعده؛ انظر: الموافقات (1/ 91 - 94).

[36] سبق تخريجه (ص 279).

[37] وليس الأمر مقتصرًا على الإمامية، بل وبقية فرق الرافضة تشاركهم في هذا الرأي؛ انظر: الملل والنحل (1/ 146) المحصول (4/ 169) نهاية الوصول (6/ 2588).

[38] انظر: الاعتصام (1/ 110) وانظر: الملل والنحل (1/ 162).

[39] انظر: الاعتصام (1/ 110) وانظر: العواصم من القواصم (44).

[40] انظر: الموافقات (3/ 133).

[41] انظر: الاعتصام (1/ 111) وانظر: العواصم من القواصم (46 - 47) والنص نقله الشاطبي باختصار وتصرف، وهو هنا منقول باختصار وتصرُّف أيضًا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من هو المجتهد ، وأنواع المجتهدين
  • شروط المجتهد مع نماذج من اجتهادات الفقهاء
  • مراعاة المجتهد عمل المتقدمين
  • المجتهد وترك التعصب
  • حكم تقليد المجتهد
  • هل يكون للمجتهد قولان؟
  • تخير الأقوال للمجتهد
  • تعارض الأدلة عند المجتهد
  • المجتهد في العبادة والمسرف على نفسه (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • العصمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العصمة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عصمة الأنبياء والرسل عليهم السلام حقيقتها والدفاع عنها لسلمان العنزي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حديث: لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • حديث: أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح، فهو لها(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • الإسلام يحقق السيادة والعلو والتمكين في الأرض وعصمة من الضلال والزيغ والانحراف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأربعون العقدية: حديث عصمة الإسلام(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • عصمة النفوس في الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عصمة الأنبياء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • قول: العصمة لله وحده، الدنيا ماشية بالمقلوب(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 13/11/1446هـ - الساعة: 23:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب