• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فتاوى الطلاق الصادرة عن سماحة مفتي عام المملكة ...
    أ. د. عبدالله بن محمد الطيار
  •  
    عناية النبي بضبط القرآن وحفظه في صدره الشريف
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    على علم عندي
    عبدالسلام بن محمد الرويحي
  •  
    عظمة الإسلام وتحديات الأعداء - فائدة من كتاب: ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    خطبة: أهمية التعامل مع الأجهزة الإلكترونية
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    نصيحتي إلى كل مسحور باختصار
    سلطان بن سراي الشمري
  •  
    الحج عبادة العمر: كيف يغيرنا من الداخل؟
    محمد أبو عطية
  •  
    تفسير سورة البلد
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    فضل يوم عرفة
    محمد أنور محمد مرسال
  •  
    خطبة: فضل العشر الأول من ذي الحجة
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: اغتنام أيام عشر ذي الحجة والتذكير بيوم عرفة
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    حقوق الأم (2)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    وقفات مع عشر ذي الحجة
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    من مائدة العقيدة: شروط شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    تحريم صرف شيء من مخلوقات الله لغيره سبحانه وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الله يخلف على المنفق في سبيله ويعوضه
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

اللطيف جل جلاله

د. شريف فوزي سلطان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 16/7/2017 ميلادي - 22/10/1438 هجري

الزيارات: 47140

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

(اللطيف) جل جلاله


اللطيف جل جلالُه من الأسماء الجميلة التي يتلذَّذ بها السمعُ والقلب، ويتملَّاها العقلُ والفكر، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ﴾ [الشورى: 19]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100].

 

معنى (اللطيف) جل جلاله:

اللطيف جل جلاله هو الذي يعلم دقائقَ الأمور وغوامضَها والمخفيَّ منها، فيعلم ما ينفعك ليجلبَه لك - وقد يكون ظاهره الضرر - ويعلم ما يضرُّك فيصرفه عنك - وقد يكون ظاهره النفع - وأقربُ أقربائك وأحبُّ أحبائك لا يعلمون ذلك؛ ولذلك ربما آذَوك مِن حيث أرادوا أن ينفعوك؛ لأنهم لا يعلمون دقائق المصالح وغوامضَها؛ ولهذا غالبًا ما يقترن اسمُ الله (اللطيف) باسم الله (الخبير)، فقد جاء ذكر (اللطيف) في القرآن في سبعةِ مواضع، جاء مقترنًا بالخبير في خمسةٍ منها، والسرُّ في ذلك أن اللطف - (العلم بدقائق الأمور وغوامضها) - لا يحصلُ إلا بالخبرة، وكلما زادت الخبرة زاد العلم بما خفي؛ ذاك هو الله (اللطيف).

 

قال الشوكانى عليه رحمة الله: "إن الله لطيفٌ لا تخفى عليه خافية، بل يصل علمه إلى كل خفيٍّ"[1].

قال الغزالي عليه رحمة الله: "إنما يستحقُّ هذا الاسمَ مَن يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دقَّ منها وما لطُف، ثم يسلُكُ في إيصالها إلى المستحِقِّ سبيلَ الرفق دون العنف"[2].

 

فاللطيفُ جل جلاله هو الذي يعلم مصالحك كلَّها من أولها إلى آخرها، وليست مصالحك أنت فقط، ولكن مصالح الدنيا والآخرة، والجن والإنس، والطير والحيوان، والجماد والنبات، ومصالح كل خلقه، ثم يسلك سبيلَ الرفق في إيصال هذه المصالح إلى مستحقِّيها[3].

 

قال تعالى حكاية عن لقمان: ﴿ يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ﴾ [لقمان: 16]، التي هي غاية في الصِّغَر، ونهاية في الدقة، ﴿ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ﴾ [لقمان: 16]؛ أي: يعلم مكانها ومستقرَّها ومستودعها، ويقدر على الإتيان بها؛ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16].

وقال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14].

 

اللطيف جل جلاله:

هو "الذي يَلطف لهم من حيث لا يعلمون، ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون"[4]، إنه الإحسان الخَفِي، ما علِمنا منه وما لم نعلم.

خذِ النحلَ مثالًا: لولا النحلُ لَمَا نضجت ثمرةٌ من الثمار؛ لأن النحل هو القائم بمهمَّة تلقيح الأزهار، وهذا ما لم نكتشفه إلا حديثًا.

 

وكائنات حقيرة كثيرة لا نعلم سببَ إيجادها حتى اليوم، ولعلها لو اختفت لأدَّت إلى اختلال في التوازن البيئي، يؤدي إلى وقوع أبلغ الضرر بحياة الإنسان[5].

وكم لله مِن لطفٍ خفيٍّ
يَدِقُّ خفاه عن فهمِ الذكيِّ
وكم يُسرٍ أتى من بعد عُسرٍ
ففرَّج كربةَ القلب الشجيِّ
وكم أمرٍ تُساءُ به صباحًا
وتأتيك المسرَّة بالعشيِّ
إذا ضاقت بك الأحوالُ يومًا
فثِقْ بالواحدِ الفردِ العليِّ[6]

 

مثال:

يوسف عليه السلام يلطُفُ به الله عز وجل من حيث لا يعلم، ويسوق إليه نعمةَ التمكين في الأرض من حيث لا يحتسب، ومَن كان يفكر ويوسفُ عليه السلام يُعاني صنوفًا من المِحَن والابتلاءات أن ذلك سيكون سببًا في التمكين في الأرض، والتحكم في أقوات الناس؟!

 

لقد تواترت عليه محنٌ شتى:

محنة كيد إخوته.

ومحنة الجُبِّ والخوف والترويع فيه.

ومحنة الرِّقِّ وهو يتنقل كالسلعة مِن يد إلى يد على غير إرادة منه، ولا حماية ولا رعاية من أبويه ولا من أهله.

ومحنة كيدِ امرأة العزيز والنسوة.

وقبلها محنة الإغراء والفتنة والشهوة.

ومحنة السجن بعد رغد العيش في قصر العزيز.

ومحنة المشاعر البشرية وهو يَلقَى بعد ذلك إخوته الذين ألقَوه في الجُبِّ وكانوا السبب الظاهر في المحن والابتلااءات[7].

 

﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 99، 100]، فيوسف عليه السلام يُلخِّص محنته وابتلاءه وقصتَه في هذه الكلمة: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100]، أراد به الخير وهو لا يعلم، وأوصل إليه المصلحة والفضل وهو لا يحتسب!

يقول ابن القيم عليه رحمة الله: "واسمه اللطيف يتضمَّن علمَه بالأشياء الدقيقة، وإيصالَه الرحمة بالطرق الخفيَّة"[8].

 

وقال رحمه الله:

وهو اللطيفُ بعبدِهِ ولعبدِهِ
واللطفُ في أوصافِهِ نوعانِ
إدراكُ أسرارِ الأمور بخبرةٍ
واللطفُ عند مواقع الإحسانِ
فيُرِيك عزَّته ويُبدِي لطفَهُ
والعبدُ في الغفلات عن ذا الشانِ[9]

 

لطف الله الخفي:

من لطف الله الخفي:

1- أنك لا تراه ولا تستطيع أن تراه، ولكن تستشعر وجوده، وترى نعمه وإحسانه، وفضله وبرَّه ورحمته، قال تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].

 

2- أنه لا يُشعِرك برقابةِ الملائكة التي وُكلت بك - مِن كتَبة وحفَظة وغيرهم - وتخيَّل لو أن عليك حراسةً خاصة من البشر يُلازِمونك في كل تحركاتك وانتقالاتك؛ لشعرتَ أنك أسيرٌ مُقيَّد، ولَمَا أطَقْتَ ذلك، وتخيَّل لو أن هذه الحراسة من الملائكة واستشعِرْ لطفَ الله بك.

 

3- أنك لا تسمَعُ أنفاسَك المتردِّدة على مدار يومك، ولا ضربات قلبك، ولو سمِعتَها لَمَا طاب لك عيشٌ، ولا قرَّت لك عين.

 

4- أن أخفَى عليك حالَك في الآخرة؛ لأنك لو علمتَ أنك من أهل النار ليئستَ وتركت العمل، وكذلك الحال في إخفاء الخاتمة، وكذلك الحال في إخفاء الأَجَل نفسِه.

 

5- أن يصرف عنك مالًا معيَّنًا أو منصبًا؛ لعلمه أن ذلك يؤثر سلبًا على دينِك، ولو علم العبدُ ما حماه الله منه لحمِد الله وأثنى عليه، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليحمي عبدَه المؤمن من الدنيا وهو يحبُّه، كما تحمون مريضكم الطعامَ والشراب؛ تخافون عليه))[10].

 

6- أنه إذا أنزَل على عبده المؤمنِ البلاءَ، أنزل عليه الصبر والاحتساب؛ فتخف عنده المصيبةُ ويكون له الأجر.

 

7- أنه تعالى يفعل ما يريد برفق:

• عندما أراد اللطيفُ أن يُخرِج يوسف عليه السلام من السجن، لم يدكدك جدرانَ السجن، ولم يأمر مَلَكًا أن ينزِعَ الحياة من أجساد الظلَمة، ولم يأذَنْ لصاعقةٍ من السماء أن تقتلع القُفل الحديدي، فقط جعل المَلِك يرى رؤيا في المنام تكون سببًا خفيًّا لطيفًا يُستنقَذ به يوسفُ مِن أصفاد الظلم!

 

• ولَمَّا شاء اللطيف أن يُعيد موسى إلى أمِّه، لم يجعل حربًا تقوم يتزعَّمها ثوَّار بني إسرائيل ضد طغيان فرعون، يعود بعدها المظلومون إلى سابق عهدهم، لا، بل جعل فمَ موسى لا يستسيغ حليبَ المرضعات، بهذا الأمر الخفيِّ يعود موسى إلى أمه بعد أن صار فؤادُها فارغًا!

 

• ولَمَّا شاء اللطيف أن يُخرِج رسولَنا صلى الله عليه وسلم ومَن معه من عذابات شِعب بني هاشم، لم يُرسِل صيحةً تزلزل ظلم قريش، فقط أرسل الأرَضة تأكلُ أطراف وثيقة الظلم وعبارات التحالف الخبيث[11].

 

8- إنقاذه لك في اللحظة الحاسمة:

• تأمَّلْ حينما تدخُلُ الغرفة في اللحظة التي كاد طفلُك يسقط فيها من على السرير، وتساءَلْ: لماذا الآن خاصة دخلت الغرفة؟

 

• تأمَّل ذاتك يومَ أن تدخل المطبخ لتشرب الماء، فإذا بك تسمع أزيز الكهرباء من فيش الثلاجة مثلًا، فتفصله وأدخنة الحريق كانت في بدايتها، وتساءَلْ: ما الذي أدخلك في هذه اللحظة خاصة؟ لماذا لم تتأخَّر خمس دقائق فقط؟[12].

 

9- أن يصرف عنك المعصيةَ مع وجود أسبابها، ويُوفِّقك للطاعة مع غياب أسبابها، ويجعلك مستعصمًا بطوق الدعاء في لُجَج الشدائد، وهي المنح الثلاث التي وهَبها الله تعالى يوسفَ عليه السلام عند مراودة امرأة العزيز له، فصرَف عنه الفحشاء مع أن كل أسبابها كانت مهيَّأة لها، ووفَّقه للعفة مع غياب أسبابها، واستخرج منه الافتقارَ بالدعاء عند أحلكِ الأوقات: ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33][13].

 

10- أنه إذا مالت نفسُ عبدِه الحبيب إليه مع شهوات النفس الضارَّة، نغَّصها عليه، فلا يكاد يتناول منها شيئًا، كما أن مِن لطفه به أن يُلذِّذ له القربات ويُحلِّي له الطاعات؛ ليَميل إليها كل المَيْل[14].

 

11- أن يُيسِّر لك الأسبابَ ولو بعُدَتْ: فاللطيف جل جلاله إذا أراد حصولَ شيءٍ هيَّأ أسبابه ويسَّرها، وإن كانت في غاية الصعوبة والبُعد؛ قالها يوسف بعد أن تذوَّقها بصورة عملية في كل مواقفه الحياتية: ﴿ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100].

 

فلولا تآمُرُ إخوة يوسف عليه، لَما أُلقي في الجُبِّ، ولولا إلقاؤه في الجبِّ ما أخذته السيَّارة، ولولا أخذُ السيارة له وزهدُهم فيه لَما باعوه لعزيز مصر، ولولا بيعُه لعزيز مصر لَما راوَدَتْه امرأة العزيز، ولولا هذه المراودة لَما دخل السجن، ولولا دخوله السجن ما التقى بصاحبَيْه، ولولا التقاؤه بهما وتأويلُه لهما ما رأياه في منامِهما ما وصل أمرُه إلى المَلِك، ولولا وصولُ أمره إلى الملك ما خرج من السجن ولا وَلِيَ خزائن الأرض!

 

فكل هذه أسباب ربما تكونُ في غاية البعد والصعوبة، إلا أن الله تعالى بلطفه يسَّرها وهيَّأها؛ لأنه أراد أن يُمكِّن ليوسف في الأرض.

وكان الأقرب إلى العقول أن يموتَ مُهشَّمًا عند إلقائه في الجُب، أو يَهلِك جوعًا وعطشًا لو تُرك فيه، أو تتَّخِذه السيارة خادمًا فيعيش طوال حياته ذليلًا مهانًا، ولكن سبحانه ﴿ لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ ﴾ [يوسف: 100].

 

ومن ملامح لطف الله تعالى هنا:

أن البلاء بحسبِ قوَّة المبتلَى، فالبئر مناسبةٌ ليوسف الطفل، والسجن لا يقوى عليه إلا يوسفُ النبي، والمُلْك لا يفتن يوسفَ الصدِّيق[15].

12- أن يُقدِّر لك رزقك بحسب علمه بمصلحتك، لا بحسب مرادِك، فقد تريد شيئًا وغيرُه أصلحُ، فيقدِّر لك الأصلح وإن كرهْتَه؛ لطفًا بك وبرًّا وإحسانًا، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ [الشورى: 27][16].

 

13- أن يرزقَك صحبةً صالحة من أهل العلم والإيمان، تتربَّى بينهم، وتتأدَّب بأدبهم، فإن ذلك من أعظم لطف الله بعبده، فإن صلاح العبد موقوفٌ على أسباب كثيرة؛ منها - بل مِن أعظمها - أن يلطُفَ الله بك ويرزقك الصحبة الصالحة التي إذا جهِلت علَّموك، وإذا أُصبت واسَوْك، وإذا نسِيت ذكَّروك، وإذا غفلت أيقظوك، وحسبُك قولُ الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].


14- أن يجعل رزقك حلالًا، ويقنعك به، فلا تنشَغِل به عما خُلقت له من العبادة والعلم والعمل؛ فهذا - والذي نفسي بيده - لَمِن أعظمِ مظاهرِ لطف الله بعبده، فقليلٌ مِن الحلال يشكره العبدُ فيأتيه من الله المزيدُ، خيرٌ مِن كثير من الحرام أو الشبهات يشغَلُ العبدَ عن اللهِ تعالى، ويحل بسببه سخط الله.

 

15- أن أعطاك فوق الكفاية، وكلفك دون الطاقة: فإذا نظرتَ إلى ما كلَّفك الله به وإلى ما أعطاك، تجدُ الله تعالى كلَّفك بالقليل، الذي هو أقل بكثير من طاقتك، وأعطاك الكثير الذي هو فوق كفايتك.

فمثلًا: كلَّفك الله تعالى بخمسِ صلوات مقسَّمة على مدار اليوم، تستطيع الإتيان بها، بل وبأكثر منها بلا تعب ولا تكلف.

كذلك كلَّفك أن تُخرِج مِن مالك - إذا بلغ النصابَ المحدَّد، وحال عليه الحولُ - رُبعَ العُشْر، وانظر إلى ما أعطاك؛ لا تستطيع حسابه.

أعطاك عقلًا وقلبًا، وسمعًا وبصرًا، وصحة وقوة، تأمَّل ذلك واستشعِرْ لطف الله تعالى بك، وأحسِنْ كما أحسَن الله إليك.

 

16- أن يَسَّر لك الوصولَ إلى سعادة الأبد بسعي خفيفٍ في مدة قصيرة:

وهي العمر، تقومُ بحقِّ الله تعالى: تفعل الواجبات، وتجتنب المحظورات، وتُخلِص عملك لرب الأرض والسماوات ستين سنة أو أقلَّ، فتَسعَد سعادة الأبد في جنةٍ عرضُها السماوات والأرض، لا تموت فيها أبدًا، ولا تجوع فيها أبدًا، ولا تمرض فيها أبدًا، بل لك فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمِعَت، ولا خطر على قلب بشر.

 

17- أن يسَّر لك شريعته وعبادتَه: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]، و"ما خُيِّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين أمرينِ إلا اختار أيسرَهما، ما لم يكن إثمًا"[17].

ولو تأمَّل العبدُ مظاهرَ لطفِ الله به في نفسه وما حوله، لما توقَّف لسانه عن الحمد والتسبيح والثناء على اللطيف الخبير.

ولو جمعت كل لطف الناس بك - وعلى رأسهم الوالدان - فلن يساوي ذلك قطرةً في بحر لطف الله بك، فاقصده في حاجتك، واجتنِبْ مَغاضِبَه.

 

حق اللطيف جل جلاله:

1- أن تتلطَّف بالمسلمين: وتحنو على اليتامى والضعفاء والمساكين، وتسعَى للوفاق بين المتخاصمين، وتنتقي لطائف القول في حديثك مع الآخرين.

وهذا اللطف يكافئك الله عليه بلطفٍ أعظمَ في الدنيا والآخرة؛ في الدنيا يلطف بك ويرفق معك، وفي الآخرة قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أُخبِركم بمَن يحرُم على النار ومن تحرُم عليه النار؟ كل قريبٍ هيِّن سَهْل))[18].

 

وأحق الناس باللطف والرفق واللين أهلُك وذوو رَحِمك؛ ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أراد الله بأهل بيت خيرًا، أدخل عليهم الرفقَ))[19].

ولا يقتصر سلوك المؤمن تُجاه إخوانه على اللطف بهم، والرفق واللين معهم؛ وإنما يتجاوزُ ذلك إلى رعايةِ مصالحهم، وقضاء حوائجهم؛ عسى الله أن يرعى مصلحته ويقضي حاجتَه.

 

وقد ذكر العلماءُ في ذلك المعنى حديثَ جابر رضي الله عنه، أنه باع جَمَله إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يدخُلا المدينة، فاشترط عليه جابر ظهرَه - أي: يركبه إلى المدينة - يقول جابر رضي الله عنه: "فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أعطاه جَمَله وأعطاه ثمنه"[20].

وفي رواية مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يا جابر، أَتوَفَّيتَ الثمن؟)) - [أقبضته تامًّا وافيًا] - قلت: نعم، قال: ((لك الثمن ولك الجَمَل)).

 

2- الرضا به والتوكل عليه: لأنه تعالى أعلمُ بمصلحتِك مِن نفسك، فأنت لا ترى إلا تحت قدمَيْك، لكن الله تعالى يعلم دقائق الأمور وخفاياها وجميع زواياها.

قال أبو حامد الغزالي عليه رحمة الله: "مَن عرَف خفيَّ لطفِ الله تعالى، رضِي بفعله على كل حال".

 

وقال: "واعلَمْ أن كل مَن لا يعتقد في لطف الله تعالى ما يعتقده المريض في الطبيب الحاذق الشفيق، لم يصح توكُّله"[21].

فعجيب منك أن تثق في كلام طبيبٍ يحتمل الصواب والخطأ، وتلتزم بأمره؛ حرصًا على صحتك، ولا تَثِقُ في اختيار اللطيف لك، فارضَ به وتوكَّل عليه.

 

3- ألا تغفل عنه طرفة عين: لأنك على عينه التي لا تنام، وتحت رقابته الصارمة، فسبحانه لا يفوتُه من العلم شيء، وإن دق وصغُر وخفي وكان في مكان سحيق؛ قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، وقال تعالى حكاية عن لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]، فإذا علِم العبدُ أن ربَّه متَّصِف بدقة العلم، محيطٌ بكل صغيرة وكبيرة، فكيف يغفل عنه طرفةَ عينٍ؟! وكيف يعصيه قِيدَ أُنْملة؟!

 

ثم إن الله تعالى يجازي الناس يوم الدين على أقوالهم وأفعالهم وتصرفاتهم ونياتهم، لا المحسن يضيع من إحسانه شيء، ولا المسيء يضيع من سيئاته شيء؛ قال الله: ﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [الأنبياء: 47].


4- دعاء الله باسمه اللطيف:

قل:

• "اللهم، يا لطيف الطف بنا، والطف لنا، وقدِّر لنا من ألطافك الرحيمة ما تُقوِّم به عِوَجَ نفوسنا، وتهدي به ضالَّ قلوبنا، وتُجمِّل به شعث حياتنا".

• "اللهم، إنك لطيف لِما تشاء، وأنت العليم الحكيم، ارفَعْ عنا البلاء والشقاء، وأعِذْنا من الشيطان الرجيم".

 

وبهذه المناسبة: اشتهر على ألسنة الناس دعاءٌ لا يصح سندًا ولا معنى، وهو: "اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكني أسألك اللطف فيه"؛ فكونه لا يصح سندًا، أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكونه لا يصح معنى، فهو معارَضٌ بقولِ النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يردُّ القضاءَ إلا الدعاء))[22]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الوتر: ((وقِنِي شرَّ ما قضيت))[23].



[1] فتح القدير.

[2] المقصد الأسنَى.

[3] الفتوحات الإلهية شرح الأسماء الحسنى للذات العلية؛ محمد الدبيسي.

[4] شأن الدعاء؛ أبو سليمان الخطابي.

[5] هنيئًا لمن عرَف ربه؛ خالد أبو شادي.

[6] نُسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

[7] المنهاج الأسنَى؛ زين شحاتة.

[8] شفاء العليل.

[9] نونية ابن القيم.

[10] رواه أحمد، وصححه الألباني في صحيح الجامع.

[11] لأنك الله؛ علي بن جابر الفيفي.

[12] لأنك الله؛ علي بن جابر الفيفي.

[13] هنيئًا لمن عرَف ربه؛ خالد أبو شادي.

[14] ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها؛ عبدالعزيز ناصر الجليل.

[15] هنيئًا لمن عرَف ربه؛ بتصرف يسير.

[16] ولله الأسماء الحسنى؛ عبدالعزيز ناصر الجليل.

[17] متفق عليه.

[18] رواه الترمذي، وصححه الألباني.

[19] رواه أحمد، وصححه الألباني في الصحيحة وصحيح الجامع.

[20] والقصة مطوَّلة في الصحيحين.

[21] إحياء علوم الدين.

[22] رواه الترمذي، وصححه الألباني.

[23] صحيح أبي داود.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شرح اسم الله تعالى اللطيف
  • الوكيل جل جلاله
  • الرحمن الرحيم جل جلاله
  • اسم الله اللطيف (خطبة)
  • اللطيف جل جلاله وتقدست أسماؤه
  • النور جل جلاله وتقدست أسماؤه

مختارات من الشبكة

  • اسم الله اللطيف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنه العظيم جل جلاله - انتبه الأمر جلل - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خلاصة عن الحب في القرآن الكريم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ما يحبه غير المؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحريم ادعاء بنوة الله أو محبته جل جلاله وتقدست أسماؤه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الواحد الأحد جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوهاب جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الولي - المولى جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوكيل الكفيل جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الله الودود جل جلاله(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط
  • مئات الزوار يشاركون في يوم المسجد المفتوح في نابرفيل
  • مشروع إسلامي ضخم بمقاطعة دوفين يقترب من الموافقة الرسمية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 7/12/1446هـ - الساعة: 2:15
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب