• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

مستثنيات الغرر

د. مرضي بن مشوح العنزي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/6/2017 ميلادي - 18/9/1438 هجري

الزيارات: 68416

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مستثنيات الغرر


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فالغرر في اللغة: الخطر[1]، وهو الذي لا يُدرى أيكون أم لا[2]، وغرر بنفسه وماله تغريرًا وتغرة: عرضهما للهلكة[3].

والغرر في الاصطلاح:"ما يكون مستور العاقبة"[4]، أو"هو المجهول العاقبة"[5]، وكلاهما بنفس المعنى، وإن اختلفت ألفاظهما قليلًا[6].

 

وقد وردت نصوص من السنة تنهى عن الغرر؛ إما نهيًا عامًا؛ كما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» رواه مسلم[7]. أو نهيًا عن معاملات خاصة لما فيها من الغرر؛ كما جاء عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وسلم، «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الحَبَلَةِ». وكان بيعًا يتبايعه أهل الجاهلية، كان الرجل يبتاع الجزور إلى أن تنتج الناقة، ثم تنتج التي في بطنها" متفق عليه[8]، وجاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال: «نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَلِبْسَتَيْنِ، نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ»، والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظرٍ ولا تراضٍ" متفق عليه[9]. قال النووي:" أماالنهي عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلم ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة،كبيع الآبق والمعدوم والمجهول وما لا يقدر على تسليمه وما لم يتم ملك البائع عليه..."[10].

 

والغرر المنهي عنه يعود إلى أمرين:

الأمر الأول: الجهل بأحد عوضي البيع[11]؛ ويدخل فيه الجهل بذات المحل مثل بيع شاة من قطيع[12]، والجهل بجنس المحل مثل بيع المرء ما في كمه[13]، والجهل بنوع المحل مثل بيع حيوان لم يتبين هل هو بعير أو شاة[14]، والجهل بصفة المحل مثل بيع الحَمِل[15]، والجهل بمقدار المحل مثل بيع اللبن في الضرع[16].

 

الأمر الثاني: الشك في حصول أحد عوضي البيع[17]؛ ويدخل فيه الجهل بالأجل مثل بيع حبل الحبلة[18]، وعدم القدرة على تسليم المحل مثل بيع السمك في الماء[19]، وبيع المعدوم مثل بيع الثمار قبل بدو صلاحها[20].

 

والأصل أن بيع الغرر باطل[21]، إلا أنه لا يمكن إبطال كل غرر؛ لأن ذلك يؤدي إلى إغلاق باب البيع[22]، فلا يكاد يخلو عقد من الغرر[23]، والغرر مكمل للبيع، وشرط كل تكملة "أن لا يعود اعتبارها على الأصل بالإبطال"[24]؛ لذا استثنى العلماء من الغرر الممنوع أمورًا، وهي:

الأمر الأول: أن يكون الغرر في غير عقود المعاوضات المالية؛ فالحديث جاء في النهي عن بيع الغرر؛ لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما يحدثه من مشاحنات وخصومات[25]، وألحق العلماء جميع عقود المعاوضات بالبيع[26]؛ لتحقق المعنى الذي من أجله منع الغرر في البيع فيها[27]، وقد ذكر القرافي أن الغرر"ممنوع إجماعًا في عقود المعاوضات"[28]، أما العقود الأخرى فلا يتحقق المعنى الذي من أجله منع الغرر في البيع فيها؛ لذا فالغرر الذي فيها غير مؤثر؛ لعدم وجود دليل على المنع[29].

 

الأمر الثاني: أن يكون الغرر تابعًا[30]؛فإنه"يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا"[31]، قال ابن قدامة:"ويجوز في التابع من الغرر ما لا يجوز في المتبوع"[32]. وقال النووي:" أجمع المسلمون على جواز بيع حيوان في ضرعه لبن وإن كان اللبن مجهولًا؛ لأنه تابع"[33]. فالغرر التابع غير المقصود في العقد مستثنى من الغرر الممنوع.

 

الأمر الثالث: أن يكون الغرر يسيرًا؛ وقد أجمع العلماء على أن يسير الغرر لا يؤثر[34]، وقد وضع بعض علماء المالكية ضابطًا للغرر الكثير المؤثر؛ وهو ما غلب على العقد حتى صار يوصف به[35]، إلا أن العلماء اختلفوا في مسائل، فبعضهم يرى الغرر الذي فيها مؤثرًا، وبعضهم يراه غير مؤثر[36]؛ قال الباجي[37]:"وإنما يختلف العلماء في فساد أعيان العقود؛ لاختلافهم فيما فيه من الغرر، وهل هو من حيز الكثير الذي يمنع الصحة، أو من حيز القليل الذي لا يمنعها؟"[38].

 

فعلى هذا أصبح الغرر ثلاثة أقسام كما يقول القرافي"كثير ممتنع إجماعًا...وقليل جائز إجماعًا ...ومتوسط اختلف فيه هل يلحق بالأول أو الثاني؟ فلارتفاعه عن القليل ألحق بالكثير، ولانحطاطه عن الكثير ألحق بالقليل"[39].

 

فموضع الخلاف و الإشكال هو الغرر المتوسط[40]، قال الدكتور الصديق الضرير:"إن وضع ضابط محدد للغرر الكثير، والغرر اليسير في وقت واحد أمر غير ميسور؛ لأننا مهما فعلنا فسنجد أنفسنا قد حددنا الطرفين، وتركنا الوسط من غير تحديد مما يؤدي إلى الاختلاف"[41]؛ ولحل هذا الإشكال رأى الدكتور الصديق الضرير سلوك أحد مسلكين:

المسلك الأول: أن تترك معايير الغرر الكثير، والمتوسط، واليسير، مرنة تُفسر حسب الظروف، والأحوال، واختلاف العصور، والأنظار[42].

 

المسلك الثاني: أن يوضع ضابط للغرر الكثير وحده؛ فيكون هو المؤثر، وكل ما عداه فلا تأثير له، وخير ضابط على ما يرى الدكتور هو الضابط السابق الذي وضعه بعض المالكية؛ وهو ما غلب على العقد حتى صار يوصف به[43].

 

ويناقش هذا الرأي بأن المسلك الأول سيكون سببًا في زيادة الاختلاف بين الناس، فبينما كان خلاف العلماء السابقين على صور من الغرر، وهو الغرر المتوسط، سيكون خلافهم على الغرر الكثير، والغرر المتوسط، والغرر القليل؛ لعدم وجود ضابط بسبب اختلاف الظروف، والأحوال، والعصور، والأنظار.

 

أما المسلك الثاني فسيؤدي للنتيجة نفسها التي خرجت للعلماء السابقين؛ فالعلماء وضعوا هذا الضابط ليفرقوا بين الغرر المؤثر، والغرر غير المؤثر؛ قال ابن رشد في سياق حديثه عن حكم بعض الزروع التي فيها غرر:"هل هو من الغرر المؤثر في البيوع أم ليس من المؤثر؟ وذلك أنهم اتفقوا أن الغرر ينقسم بهذين القسمين"[44]. ومع ذلك خرجت لهم صور فيها غرر كثير، فبعضهم رأى أنه يغلب على العقد حتى يوصف به فيكون غررًا مؤثرًا، وبعضهم رأى أنه لا يغلب على العقد فيكون غررًا غير مؤثرٍ، فاختلفوا فيه فصار الغرر ثلاثة أقسام،كما يقول القرافي: الغرر الكثير، والغرر القليل، والغرر المتوسط المتردد بينهما، وعلى هذا المسلك الذي رآه الدكتور الضرير سيكون الغرر نفس هذه الأقسام، ويبقى الإشكال قائمًا.

 

واختار الدكتور سامي السويلم ضابطًا للغرر، وهو: أن المعاوضة إذا ترددت نتيجتها بين حالتين: نتيجة صفرية يربح فيها أحد الطرفين على حساب الآخر، ونتيجة إيجابية ينتفع فيها كلا طرفي العقد، فإن العبرة في الحكم على العقد تتبع النتيجة الأرجح احتمالًا التي يقصدها الطرفان، فإن كانت النتيجة الإيجابية هي الأرجح، وهي مقصود الطرفين، كانت المعاملة جائزة، واحتمال النتيجة الصفرية من الغرر اليسير، وإن كانت احتمال النتيجة الصفرية هي الأرجح، فهذا غرر فاحش، فيكون العقد ممنوعًا[45].

 

ويناقش هذا الرأي بما نوقش به الرأي السابق، وأنه ستخرج لنا عقود يكون الاحتمال فيها غير مترجح لأحد الطرفين، وستُحدث اختلافًا بين العلماء، ويكون عندنا ثلاثة أقسام: نتيجة إيجابية جائزة، ونتيجة صفرية ممنوعة، ونتيجة مترددة بينهما محل اختلاف بين العلماء.

 

مع أن هناك بيوعًا منهيًا عنها في الشريعة للغرر واحتمال النتيجة الإيجابية أرجح من احتمال النتيجة الصفرية، مثل بيع الثمار قبل بدو صلاحها، فالأرجح أن الثمار تصلح، وينتفع الطرفان من البيع، وهناك معاملات جائزة في الشريعة مع أن احتمال النتيجة الصفرية أرجح من احتمال النتيجة الإيجابية مثل الجعالة، فضبط الغرر بالأرجح من النتيجة الإيجابية، أو النتيجة الصفرية يسبب اختلافًا أكثر من الضابط السابق.

 

واختار الدكتور عبدالله السكاكر ضابطًا آخر للغرر: وهو أن يُضبط الغرر الممنوع أو المؤثر بكثرة الخصومات، يقول الدكتور:"إن كثرة الخصومات في عقد من العقود يمكن أن تكون علامة على أن الغرر الموجود فيه غير متسامح فيه شرعًا، فإن المتأمل في بيع الثمار قبل بدو صلاحها، والمزارعة على نتاج أشياء معينة من الزرع والشجر، يدرك أن الشارع لم ينه عنها حتى كثرت الخصومات بسببها"[46].

 

ويناقش هذا الاختيار بأن الخصومات لا تنضبط، فقد تكثر الخصومات في عقد مباح، وتقل في عقد محرم إذا سبقه شرط واتفاق، ثم كم عدد الخصومات التي إذا حدثت يمكن أن يُعلم أن الغرر الموجود في العقد غير متسامح فيه؟، وإذا نزلت نازلة جديدة وفيها غرر هل نقول بجوازها ثم ننتظر حتى تحصل الخصومات؟ وكم المدة التي ينبغي أن ننتظرها حتى نعرف هل الخصومات قليلة أو كثيرة؟.

 

ولو سلمنا أن كثرة الخصومة علامة على أن الغرر الموجود في العقد كثير وغير متسامح فيه، فهل يسلم أن عدم الخصومة أو قلتها دلالة على أن الغرر الموجود في العقد قليل أو متسامح فيه؟!

فكثرة الخصومة لا تصلح ضابطًا للتفريق بين الغرر المتسامح فيه، والغرر غير المتسامح فيه.

 

واختار الدكتور رفيق المصري أن ضابط الغرر الممنوع هو ما لا يمكن الاحتراز منه، أو ما لا يمكن اجتنابه[47]، وعلى هذا الرأي يقول الدكتور:"لم نعد بحاجة إلى عبارة غرر كثير أو فاحش، يسير أو قليل؛ لأننا استبدلنا بها عبارة: غرر يمكن اجتنابه، وغرر لا يمكن اجتنابه"[48].

 

وفي مكان آخر أضاف الدكتور إلى الضابط السابق أن تكون هناك حاجة للغرر، فيقول:"ضابط الغرر المحرم هو الغرر الذي لا يمكن اجتنابه مع الحاجة إليه، أو لا يمكن اجتنابه إلا بمشقة، أي هو الغرر الذي يتعذر أو يتعسر اجتنابه"[49].

 

وأول من انتقد هذا الاختيار الدكتور رفيق المصري نفسه؛ حيث قال:"لكن قد تنشأ مشكلة جديدة في مقابل المشكلة القديمة؛ إذ ننتقل من مشكلة البحث عن ضابط للكثرة والقلة إلى ضابط للعسر واليسر"[50]. فنعود للنتيجة الأولى، وهو أن الغرر ينقسم ثلاثة أقسام: غرر يمكن اجتنابه، وغرر لا يمكن اجتنابه، وغرر متردد بينهما.

 

والدكتور بهذا الضابط جعل الغرر اليسير بحكم الغرر الكثير، فلا يجوز إلا إذا دعت له الحاجة، ولم يمكن التحرز منه، مع أن العلماء فرقوا بين الغرر الكثير، والغرر اليسير؛ فالغرر الكثير هو الذي تجيزه الحاجة مع عدم إمكان التحرز منه إلا بمشقة، أما الغرر اليسير فيجوز وإن لم تدع له حاجة، أو أمكن التحرز منه؛ قال ابن رشد:"وذلك أنهم اتفقوا أن الغرر ينقسم بهذين القسمين-أي المؤثر، وغير المؤثر-، وأن غير المؤثر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه الضرورة، أو ما جمع الأمرين"[51]، والمقصود بالضرورة هنا الحاجة[52].

 

قال النووي:"إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، أو كان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا"[53].

 

قال ابن تيمية: "وما يظن أن هذا نوع غرر فمثله جائز في غيره من البيوع؛ لأنه يسير، والحاجة داعية إليه، وكل واحد من هذين يبيح ذلك، فكيف إذا اجتمعا؟"[54].

 

فهذه النصوص تبين أن الغرر اليسير معفو عنه، سواء أمكن التحرز منه أو لا، دعت له الحاجة أو لا، وقد سبق نقل إجماع العلماء على أن الغرر اليسير معفو عنه دون أن يضعوا له شروطًا[55].

 

وبعد، فلن يكون هناك ضابط يحسم الخلاف بين العلماء، فالعبادات مع كثرة النصوص من القرآن والسنة، والقواعد والضوابط الفقهية فيها، إلا أن الخلاف في مسائلها كثير، وخير ضابط يمكن وضعه هو الذي يقلل من الخلاف قدر الإمكان، والضابط الذي يقلل الخلاف هنا هو وضع ضابط للغرر اليسير، فيكون هو الغرر غير المؤثر، وما عداه غرر مؤثر؛ فالأصل في الغرر أنه محرم وممنوع، وأن اليسير منه معفو عنه، فوضع ضابط للغرر اليسير ثم يكون الباقي على الأصل وهو المنع، يقلل من الخلاف؛ لأن الاستثناء قليل، وضبطه أسهل من ضبط الكثير، فعندما سئل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن ما يلبس المحرم ذكر له الممنوعات وهي قليلة[56] وترك الباقي على الأصل، فضبط القليل أسهل.

 

والعلماء لما تكلموا عن الغرر اليسير ذكروا أنه ما يتسامح فيه الناس[57]، والمتسامح فيه هو ما يقيد به المذهب الحنبلي اللقطة الجائز التقاطها دون تعريف: "بما لا تتبعه همة أوساط الناس"[58]؛ فالشريعة لما أجازت أخذ اللقطة التي لا تتبعها همة أوساط الناس دون تعريف دل ذلك على أن هذا هو القدر المتسامح فيه، والخلاف في تقدير ما لا تتبعه همة أوساط الناس قليل بين العلماء، فيصلح أن يكون ضابط الغرر اليسير المعفو عنه هو: ما لا تتبعه همة أوساط الناس، وما عداه يبقى على أصل المنع، "فإن شك في كونه يسيرًا فالأقرب المنع"[59] إبقاءً على الأصل، إلا أن يكون ثمة حاجة للغرر، ولا يمكن التحرز منه.

 

الأمر الرابع: أن تدعو إليه الحاجة، ولا يمكن التحرز منه إلا بمشقة[60]؛ فإذا كانت هناك حاجة للغرر، ولا يمكن التحرز منه إلا بمشقة، فإنه يجوز في هذه الحالة، فتحريم الغرر أخف من تحريم الربا؛ لذا يجوز الغرر للحاجة، ولا يجوز الربا إلا للضرورة، قال ابن تيمية: "ومفسدة الغرر أقل من الربا، فلذلك رخص فيما تدعو إليه الحاجة منه، فإن تحريمه أشد ضررًا من ضرر كونه غررًا"[61]. وقال:"والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر؛ بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك"[62]. وقال ابن رشد في وصف الغرر غير المؤثر:" وأن غير المؤثر هو اليسير، أو الذي تدعو إليه الضرورة، أو ما جمع الأمرين"[63]. والمقصود بالضرورة هنا الحاجة كما سبق بيانه، وقد منع ابن قدامه صحة عقد فيه غرر لعدم الحاجة لهذا الغرر[64]، ومنع صحة عقد آخر لأن الغرر الذي فيه يمكن التحرز منه[65]، وقال النووي:" فأما ما تدعو إليه الحاجة ولا يمكن الاحتراز عنه كأساس الدار ...ونحو ذلك فهذا يصح بيعه بالإجماع...قال العلماء مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرًا، جاز البيع، وإلا فلا"[66].

 

والحاجة هي التي يفتقر إليها من "حيث التوسعة ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين- على الجملة- الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة"[67].

 

ويشترط للحاجة أن تكون متعينة، وأن تقدر بقدرها[68]، فإذا "لم يجدوا إلى طلب الحلال سبيلًا، فلهم أن يأخذوا منه-أي الحرام- قدر الحاجة"[69].

 

وبعد، فالغرر من العقود التي ورد النص بالنهي عنها، وهو عقد باطل، إلا ما استثني منه، قال الدكتور الصديق الضرير:"الضابط الذي استطعت استخلاصه من النصوص الواردة في الغرر، ومن أقوال الفقهاء، ومن الفروع الفقهية الكثيرة المتعلقة بأحكام الغرر...أن الغرر المؤثر لابد أن تتوفر فيه الشروط الآتية:

1- أن يكون في عقود المعاوضات المالية.

2- أن يكون كثيرًا.

3- أن يكون في المعقود عليه أصالة.

4- ألا تدعو للعقد حاجة"[70].



[1] انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 381، لسان العرب، لابن منظور 5/ 13.

[2] انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس 4/ 381.

[3] انظر: لسان العرب، لابن منظور 5/ 13.

[4] المبسوط، للسرخسي 12/ 194.

[5] مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 22، القواعد النورانية، لابن تيمية، ص169.

[6] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص54.

[7] كتاب البيوع، باب بطلان بيع الحصاة والبيع الذي فيه غرر، برقم1513.

[8] رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الغرر وحبل الحبلة، برقم2143، ومسلم، كتاب البيوع، باب تحريم بيع حبل الحبلة، برقم1514.

[9] رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الملامسة، برقم2144، ومسلم، كتاب البيوع، باب إبطال بيع الملامسة والمنابذة، برقم1512.

[10] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنووي 10/ 156.

[11] انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428ه، ص173.

[12] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص178.

[13] المرجع السابق، ص189.

[14] المرجع السابق، ص191.

[15] المرجع السابق، ص203.

[16] المرجع السابق، ص271.

[17] انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428ه، ص173.

[18] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص299.

[19] المرجع السابق، ص317.

[20] المرجع السابق، ص374.

[21] انظر: المجموع، للنووي 9/ 258.

[22] انظر: الموافقات، للشاطبي 2/ 26.

[23] انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 41.

[24] الموافقات، للشاطبي 2/ 26.

[25] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص585.

[26] انظر: إعلام الموقعين، لابن القيم 2/ 8.

[27] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص585.

[28] الذخيرة، للقرافي 4/ 354.

[29] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص585.

[30]انظر: حاشية الدسوقي 3/ 173، نهاية المحتاج، للرملي 4/ 148، المغني، لابن قدامة 4/ 58.

[31] انظر: القواعد، لابن رجب، ص298، موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو 12/ 283.

[32] المغني، لابن قدامة 4/ 58.

[33] المجموع، للنووي 9/ 326.

[34] ممن نقل الإجماع الجصاص، وابن العربي، والنووي، وابن قاسم، وغيرهم انظر: أحكام القرآن، للجصاص 2/ 189، المسالك في شرح موطأ مالك، لابن العربي 6/ 83، المجموع، للنووي 9/ 258، حاشية الروض المربع، لابن قاسم 4/ 351، موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 222-228.

[35] انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 41، المسالك في شرح موطأ مالك، لابن العربي 6/ 83، المقدمات الممهدات، لابن رشد 2/ 71.

[36] انظر: المجموع، للنووي 9/ 258.

[37] هو أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد التُّجيبي الأندلسي القرطبي الباجي، ولد سنة 403 هـ، وارتحل فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة سنة بعلم غزير، وولي القضاء بمواضع من الأندلس، وله مصنفات عديدة منها:"المنتقى شرح الموطأ"، و"إحكام الفصول في أحكام الأصول"، توفي سنة 474 هـ. انظر: ترتيب المدارك، للقاضي عياض 8/ 117، سير أعلام النبلاء، للذهبي 18/ 536.

[38] انظر: المنتقى شرح الموطأ، للباجي 5/ 41.

[39] الفروق، للقرافي 3/ 265-266.

[40] انظر: قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428ه، ص182.

[41] الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص592.

[42] المرجع السابق، ص592.

[43] انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص593.

[44] بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 175.

[45] انظر: قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، لسامي السويلم، ص266.

[46] قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428ه، ص185.

[47] انظر:فقه المعاملات المالية، لرفيق المصري، ص141، الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009-2010م، ص33.

[48] الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009-2010م، ص38.

[49] انظر:فقه المعاملات المالية، لرفيق المصري، ص141.

[50] الغرر عرض ومناقشة لكتاب الضرير، لرفيق المصري، بحث منشور في مجلة حوار الأربعاء التي تصدر من مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، 2009-2010م، ص38.

[51] بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 175.

[52] يقول الدكتور الصديق الضرير:"لاحظت أن كثيرًا من الفقهاء في حديثهم عن الغرر لا يفرقون بين الحاجة والضرورة، فيستعملون كلمة الضرورة في موضع الحاجة...وأود أن أسجل هنا أن أكثر الفقهاء التزامًا لاستعمال كلمة الحاجة هو الشيرازي من فقهاء الشافعية...كما أن فقهاء المالكية أكثر استعمالًا لكلمة الضرورة" الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص 601-602.

[53] المجموع، للنووي 9/ 258.

[54] مجموع الفتاوى، لابن تيمية 20/ 346.

[55]انظر:موسوعة الإجماع، لمجموعة من المؤلفين 2/ 222-228.

[56] نص الحديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رجلا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله e: «لاَ يَلْبَسُ القُمُصَ، وَلاَ العَمَائِمَ، وَلاَ السَّرَاوِيلاَتِ، وَلاَ البَرَانِسَ، وَلاَ الخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لاَ يَجِدُ نَعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ، وَلاَ تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ» رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، برقم1543، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة، وما لا يباح وبيان تحريم الطيب عليه، برقم1177.

[57] انظر: فتح الباري، لابن حجر 4/ 357، تكملة المجموع، للمطيعي 13/ 28، الممتع، لابن عثيمين 10/ 107.

[58] المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح 5/ 119، كشاف القناع، للبهوتي 4/ 209.

[59] حاشية العدوي على شرح مختصر خليل للخرشي 5/ 75.

[60] انظر:قاعدة الغرر، لعبدالله السكاكر، بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، الصادرة من جامعة الكويت، السنة 22، العدد 69، 1428ه، ص186.

[61] القواعد النورانية، لابن تيمية، ص172.

[62] مجموع الفتاوى، لابن تيمية 29/ 227.

[63] بداية المجتهد، لابن رشد 3/ 175.

[64] انظر: المغني، لابن قدامة 4/ 212.

[65] المرجع السابق 5/ 301.

[66] المجموع، للنووي 9/ 258.

[67] الموافقات، للشاطبي 2/ 21.

[68]انظر: الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص605-607.

[69] غياث الأمم في التياث الظلم، للجويني، ص478.

[70] الغرر وأثره في العقود في الفقه الإسلامي، للصديق الضرير، ص584.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • هل يؤثر العامل على صلاح العمل وفساده؟
  • الإشكال في قاعدة: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة
  • تحريم بيع الغرر
  • حقيقة الفرق بين الربا والغرر

مختارات من الشبكة

  • تأصيل مستثنيات قاعدة لا ينسب إلى ساكت قول(مقالة - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • بيع الغرر: تعريفه وحكمه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عقد التأمين في الفقه الإسلامي والقانون المقارن (3)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيع المجهول والغرر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المستثنيات باجتهاد الفقهاء من باب السبق إلى نهاية باب اللقيط (دراسة فقهية مقارنة) (PDF)(رسالة علمية - آفاق الشريعة)
  • حكم الغرر في عقود التبرعات(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • المعاملات المصرفية الممنوعة لأجل الغرر، والقواعد الحاكمة لها(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • ‌قيد ‌الأوابد في آداب طالب العلم من الغرر الفوائد (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الغرر البهية (ج2)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الغرر البهية (ج3)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب