• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    سفيه لم يجد مسافها
    محمد تبركان
  •  
    ليس من الضروري
    د. سعد الله المحمدي
  •  
    خطبة: إذا أحبك الله
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    هل الخلافة وسيلة أم غاية؟
    إبراهيم الدميجي
  •  
    إساءة الفهم أم سوء القصد؟ تفنيد شبهة الطعن في ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    تعظيم شعائر الله (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    كثرة أسماء القرآن وأوصافه
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    عفة النفس: فضائلها وأنواعها (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    لا تغضب
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة السيرة: تحنثه صلى الله عليه وسلم في
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أوصاف القرآن الكريم في الأحاديث النبوية الشريفة
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم أكل ما لم يذكر اسم الله عليه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    أفضل أيام الدنيا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    الحج وما يعادله في الأجر وأهمية التقيّد بتصاريحه ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير قوله تعالى: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

مراعاة المجتهد عمل المتقدمين

الشيخ وليد بن فهد الودعان

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/6/2017 ميلادي - 16/9/1438 هجري

الزيارات: 14157

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

مراعاة المجتهد عمل المتقدمين

 

المراعاة أصلها اللغوي كلمة رعى، وهي كلمة تدل على معنيين:

أحدهما: المراقبة والحفظ.

والثاني: الرجوع.

ومن الأول: رعيت الشيء؛ أي: راقبته ورعيته إذا لاحظته، ويقال: راعيت الأمر؛ أي: لاحظته إلام يصير، ومن الثاني: ارعوى عن القبيح، إذا رجع[1].

والمراد بالمراعاة هنا هو المعنى الأول، مع أن المعنى الثاني غير بعيد؛ فمراعاة عمل السلف أو الأقدمين؛ أي: مراعاته وملاحظته في أثناء عملية الاجتهاد، بل والرجوع إليه في كل عملية اجتهادية.

والمراد بعمل الأقدمين؛ أي: ما ذهبوا إليه من الآراء، وما ساروا عليه كطريقة ومنهج في سير اجتهادهم.

وأما مَن المراد بالأقدمين، فهذا ما سنحاول إيضاحه من خلال بيان رأي الشَّاطبي في المسألة.

 

رأي الشَّاطبي:

أطال الشَّاطبي في تفصيل هذه المسألة وتبيين مداركها وتقسيماتها، وقد أكد الشَّاطبي في بحثه لهذه المسألة أن على المجتهد والعامل الحذر من مخالفة ما داوم عليه السلف والأقدمون، وأن عليه تحرِّيَ ذلك.

قال الشَّاطبي: "ينبغي للعامل أن يتحرى العمل على وفق الأولين، فلا يسامح نفسه في العمل بالقليل إلا قليلًا وعند الحاجة ومس الضرورة إن اقتضى معنى التخيير، ولم يخَفْ نسخ العمل أو عدم صحة في الدليل أو احتمالًا لا ينهض به الدليل أن يكون حجة أو ما أشبه ذلك"[2].

فيلاحظ من هذا النص أن الشَّاطبي يوجب على المجتهد أن يتحرى ما داوم عليه الأقدمون، وأن يحذَر من مخالفتهم، وأن العمل الوارد في الأخبار إما أن يكون السلف قد عملوا به على الدوام والاستمرار، فهذا ينبغي متابعته والعمل به، وأما ما لم يعملوا به إلا قليلًا فيعمل به على وجه القلة، وعند الحاجة، والترك أولى من العمل؛ لأن مداومتهم على غيره لا بد أن يكون لمغزى.

 

وقال الشَّاطبي محذرًا بعبارة بليغة: "الحذر الحذر من مخالفة الأولين؛ فلو كان ثَمَّ فضل ما، لكان الأولون أحقَّ به"[3]، وقال أيضًا: "فما كانوا عليه من فعل أو ترك، فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثَمَّ إلا صواب أو خطأ؛ فكل مَن خالف السلف الأولين فهو على خطأ، وهذا كافٍ"[4]، وقال أيضًا: "فكل ما جاء مخالفًا لما عليه السلف الصالح، فهو الضلالُ بعينه"[5].

وتتبيَّن أهمية متابعة السلف ومعرفة ما داوموا عليه إذا اتضح للناظر أن مخالفة هديهم ضلالة ورمي في عَماية، وأن موافقة عمل الأقدمين لأحد الدليلين الشرعيين يعتبر مرجعًا، وشاهدًا قويًّا لهذا الدليل، ومصدقًا له، كما أن الإجماع على أحد الدليلين مرجح له؛ ذلك أن مداومة الأقدمين على أحد الدليلين كالإجماع الفعلي عليه؛ ولذا فإذا خالف فعلُهم دليلًا شرعيًّا كان ذلك توهينًا له وتضعيفًا لشأنه، بل وقد يكون مكذبًا له، وإضافة إلى ذلك فإن مراعاة عمل الأقدمين وموافقة عملهم للدليل يجنب الدليل عن الاحتمالات الموهنة له، التي لا يكون دليلًا إلا بالسلامة منها؛ لأن المجتهد إذا نظر في دليل على مسألة احتاج إلى أن يبحث في مقدمات الدليل وما يعرض له من احتمالات حتى يستقيم إعماله، ولا شك أن النظر إلى عمل الأقدمين قاطع في المسألة.

 

ولذا؛ فالدليل الموافق لعملهم يعلم من مداومتهم عليه، وإعراضهم عن الدليل الآخر أنه ناسخ له، كما أن عملهم يبين المجمل، ويوضح المبهم، ويقيد المطلق، وظواهر الأدلة متى ما اعتبرت دون اعتماد على فهم الأولين وعملهم، فهي مؤدية إلى التعارض والاختلاف[6].

وإذا تبين ما سبق، علم أن معرفة ما عمل به السلف الأقدمون - كما عبر الشَّاطبي -: "عون في سلوك سبيل الاجتهاد عظيم"[7]؛ ولذا "كله يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل"[8].

 

وقد ذكر الشَّاطبي أن المخالف لعمل السلف الصالح والأقدمين على حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون المخالف ممن بلغ رتبة الاجتهاد.

وهو لا يخلو من حالين:

الحال الأول: أن يكون قد بذل في الاجتهاد وسعه بحيث يعجِز عن مزيد بحث.

فهذا إذا خالف عمل الأولين، فلا حرج عليه، وهو مأجور غيرُ آثم.

الحال الثاني: أن يكون قد بذل جهدًا لكنه لم يستوفِ غاية الوسع، بل قصر في ذلك، ففي هذه الحالة إن خالف عمل المتقدمين يعتبر آثمًا؛ لأنه لم يبذل تمام وسعه وطاقته.

وقلما تقع المخالفة من أصحاب هذا الصنف؛ لأن من عادة المجتهدين الراسخين في العلم ألا يختلفوا إلا فيما اختلف فيه الأولون، وأن يُعرضوا عما أعرض عنه الأولون، ويقبَلوا ما جاء عنهم، وهم إن اختلفوا في أمر جرى فيه اختلاف بين الأقدمين، فلا يكون في ذلك مخالفة لهم؛ لأن السلف اختلفوا في العمل،

وإن كان خلافهم في أمر من موارد الظنون لم يرد فيه خلاف في الرأي والمذهب، فيلزم المجتهدَ أن ينظر إلى ما استمر عليه العمل، وإن لم يكن لا هذا ولا هذا، نظر إلى القواعد التي سار عليها الأقدمون قدر جهده وغاية نظره[9].

 

الحالة الثانية: أن يكون من غير أهل الاجتهاد فأدخل نفسه خطأ، أو مغالطة من عند نفسه؛ إذ لم يشهد له باستحقاق هذه الرتبة، وليس أهلًا للدخول فيها.

فهذا مذموم، ولا شك أنه آثم؛ إذ هو أولى بالإثم ممن قصر في بلوغ الوسع، وكثيرًا ما تقع المخالفة من أصحاب هذا القسم؛ لجهلهم بأهمية هذا الأمر، ونقص علمهم بحقيقته[10].

 

وقد بيَّن الشَّاطبي أن السلف والعلماء قد عملوا على وفق هذا الأصل، وعوَّلوا عليه في أوقات كثيرة:

ومن ذلك ما فعل عمر في الغسل من الجنابة، وإنكاره على زيد بن ثابت فتواه بعدم الغسل، وقد ذكر ذلك عنه رفاعة بن رافع؛ إذ قال: (كنت عن يمين عمر بن الخطاب إذ جاءه رجل فقال: "زيد بن ثابت يفتي الناس بعدم الغسل من الجنابة برأيه"، قال عمر: (أعجل به عليَّ)، فجاء زيد، فقال عمر: (قد بلغ من أمرك أن تفتي الناس بالغسل من الجنابة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم برأيك؟!)، فقال زيد: (والله يا أمير المؤمنين ما أفتيت برأيي، ولكني سمعت من أعمامي شيئًا فقلت به)، فقال: (مَن أعمامك؟)، فقال زيد: (من أبي بن كعب، وأبي أيوب، ورفاعة بن رافع)، فالتفت إليَّ عمر، فقال: (ما يقول هذا الفتى؟)، فقلت: (إنا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا نغتسل)، قال: (أفسألتم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟)، فقلت: (لا)، ثم قال: (عليَّ بالناس)، فأصفق الناس[11] أن الماء لا يكون إلا من الماء، إلا ما كان من عليٍّ ومعاذ، فقالا: ((إذا جاوز الختانُ الختانَ، فقد وجب الغسل))، فقال عمر: (لا أجد أحدًا أعلم بهذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه)، فأرسل إلى حفصة، فقالت: (لا علم لي)، فأرسل إلى عائشة فقالت: ((إذا جاوز الختانُ الختانَ، فقد وجب الغسل))، فتحطم[12] عمر، وقال: (لئن أُخبرتُ بأحد يفعله ثم لا يغتسل، لأنهكنَّه عقوبةً)[13].

فعمرُ أنكر على زيد ما أفتى به مخالفًا فيه ما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما أخبرت بذلك عنه زوجُه وأعرف الناس به عائشة.

 

ومن ذلك أيضًا إنكار أبي مسعود الأنصاري على المغيرة بن شعبة حينما أخَّر الصلاة إلى آخر وقتها، واحتج عليه بحديث نزول جبريل وتعليمه للنبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات، وصلاته به أول الوقت وآخره، وقال له: (ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم صلى فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((بهذا أُمرت))[14].

فكأنه عوَّل على أن صلاته أول الوقت هي ما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وأن صلاته آخر الوقت لم يكن منه إلا قليلًا لسبب، فلا يعوَّل عليه.

ومنه إنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبدالعزيز تأخيره الصلاة، واستدلاله بحديث أبي مسعود السابق[15].

 

وهذا مالك قد أشار إلى الاستناد لهذا الأصل في مسائل؛ فقد أجاز الجماعة في النافلة في الرجلين والثلاثة حيث لا يكون الأمر مظنة الاشتهار، وما سوى ذلك فهو يكرهه[16]، وهذا منه نظر لما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الجماعة في النافلة، وأن صلاته النافلة جماعة كان في حدود العمل القليل، ومنه ما حصل له مع سفيان في المعانقة، فقال له مالك: "كان ذلك خاصًّا بجعفر"[17]، فقال سفيان: "ما يخصه يخصنا، وما يعمُّه يعمُّنا، إذا كنا صالحين"[18]، فكأن مالكًا عوَّل هنا على الأصل، فجعل معانقة جعفر أمرًا خاصًّا، ورجح ما عليه الأغلب من العمل.

وكما سأله أبو يوسف عن الأذان، فقال مالك: "وما حاجتك إلى ذلك؟"، فعجبًا مِن فقيه يسأل عن الأذان"!، ثم قال مالك: "كيف الأذان عندكم؟" فذكر مذهبهم فيه[19]، فقال له مالك: "من أين لكم هذا؟"، فذكر أن بلالًا لما قدم الشام سألوه أن يؤذن لهم، فأذن لهم كما ذكر من مذهبهم[20]، فقال مالك: "ما أدري ما أذان يوم، وما صلاة يوم؟!"، هذا مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولده من بعده يؤذنون في حياته وعند قبره وبحضرة الخلفاء الراشدين بعده"[21].

فعوَّل على ما جرى عليه عمل الأقدمين، ورجح الأغلب وما استمر به العمل على القليل.

 

ومثل هذا إنكاره سجود الشكر، بحجة أنه لم يكن معمولًا به عند السلف إلا نادرًا، وقوله لما سئل عن ذلك: "لا يُفعَل، ليس مما مضى من أمر الناس"، فقيل له: "إن أبا بكر الصديق - فيما يذكرون - سجد يوم اليمامة شكرًا[22]، أفسمعت ذلك؟"، قال: "ما سمعت ذلك، وأنا أرى أنْ قد كذبوا على أبي بكر، وهذا من الضلال؛ أن يسمع المرء الشيء فيقول: هذا شيء لم نسمع له خلافًا"، ثم قال: "قد فتح على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين بعده، أفسمعت أن أحدًا منهم سجد؟ إذا جاءك مثل هذا مما كان في الناس وجرى على أيديهم لا يسمع عنهم فيه شيء، فعليك بذلك؛ فإنه لو كان لذكر؛ لأنه من أمر الناس الذي قد كان فيهم، فهل سمعت أن أحدًا منهم سجد؟ فهذا إجماع، إذا جاءك الأمر لا تعرفه، فدَعْه"[23].

وهذا واضح منه الاعتبار بما عليه العمل، وترك العمل النادر.

 

وقيل لمالك: إن قومًا يقولون إن التشهد فرض[24]، فقال: "أما كان أحد يعرف التشهد"[25]، فأشار إلى الإنكار عليه بأن مذهبهم كالمبتدع الذي جاء بخلاف عمل من تقدم.

ومنه أيضًا قول مالك: "لم أسمع أن أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من التابعين بالمدينة أمروا أحدًا أن يصوم عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد، وإنما يفعل ذلك كلُّ أحد عن نفسه"[26]، فهذا عمل منه بهذا الأصل.

وقد سئل عن سجود القرآن الذي في المفصل أتسجد أنت فيه؟، فقال: "لا"، وقيل له: "إنما ذكرنا هذا لك؛ لحديث عمر بن عبدالعزيز[27]"، فقال: "أحب الأحاديث إليَّ ما اجتمع الناس عليه، وهذا مما لم يجتمع الناس عليه، وإنما هو حديث من حديث الناس، وأعظم من ذلك القرآن؛ يقول الله: ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [آل عمران: 7]؛ فالقرآنُ أعظم خطرًا، وفيه الناسخ والمنسوخ، فكيف بالأحاديث؟! وهذا مما لم يجتمع عليه"[28].

ولعله لهذا الأصل كان مالك يقدم العمل على الأحاديث، والمراد بالعمل العمل الأكثر المستند إلى أصل، فذلك عنده مقدم على الأحاديث التي تأتي بأمر مخالف لما استمر عليه العمل[29].

 

قال الشَّاطبي: "وكان ممن أدرك التابعين وراقب أعمالهم، وكان العمل المستمر فيهم مأخوذًا عن العمل المستمر في الصحابة، ولم يكن مستمرًّا منهم إلا وهو مستمر في عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو في قوة المستمر"[30].

وبما سبق يتضح أهمية هذا البحث بالنسبة للمجتهد؛ لأن عمل السلف المتقدمين مرجِّح بين الأدلة المتعارضة، وموضِّح للأدلة المشكلة، ومبين لما أجمل منها، ومقيد لما أطلق منها؛ فلذلك كان واجبًا على المجتهد ألا يخالف مشربهم، وأن ينظر في عملهم قبل أن يجتهد؛ لئلا يحيد عن صوابهم؛ فالفهم الحق هو ما فهموه من الأدلة، ففهمهم أولى بالصواب من فهم غيرهم[31].

ويلاحظ أن الشَّاطبي إنما عنى من عمل السلف المتقدمين نوعًا من أنواع عملهم، وهو ما تميز بصفة الاستمرار والمداومة من مجموعهم، أو كان في قوة المستمر.

 

وقد أطلق الشَّاطبي القول بوجوب مراعاة عمل المتقدمين، واختلف تعبيرُه في هذه المسألة؛ فمرة يعبِّر بالسلف المتقدمين[32]، ومرة بالأولين[33]، ومرة بالسلف الصالح[34]، ومرة بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وفعله الصحابة[35]، ومرة بالصحابة[36]، وأخرى بالصحابة والتابعين[37]، ومرة بالصحابة ومَن يليهم[38]، ومرة بعمل الناس[39].

ولا ريبَ في أن أَوْلى من ينطبق عليه هذا الوصف هو النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ إذ مراعاة الوارد من عمله وملاحظة ذلك ومتابعته هو المتوجه على العامل، كما أن اندراج الصحابة في هذا الوصف أمر لا غبار عليه، قال الشَّاطبي: "فسنَّة الصحابة - رضي الله عنهم - سنَّة يُعمَل عليها، ويرجع إليها"[40].

ويلاحظ أيضًا أنه أدرج التابعين فيمن يجب مراعاة عمله، وهذا أمر ليس بالغريب؛ فالصحابة والتابعون هم أعرف الناس بمقاصد الشريعة، وأفقه الناس بأحوال المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلم مع ما حُبُوا به من العربية سليقةً، ومن معرفة بأسباب النزول، وقرائن الأحوال؛ ولذا ففهم هؤلاء أدقُّ وأصوب من فهم من بَعُد عهده عن عصر الرسالة.

 

وليس في كلام الشَّاطبي ما يشير إلى دخول من بعد التابعين في هذا الوصف، وقد يستشف من مفهوم كلامه قصرُ ذلك على الصحابة والتابعين، ويوجه ذلك:

أن قصره على ذلك أضبط؛ إذ إنه من بعدهم شاعت العجمة، وضعفت العربية، وكثرت الفتن، وزادت الفُرقة، كما أن الشَّاطبي لم يعبر في موضع واحد بمن بعد التابعين، وقد امتدح الشَّاطبي مالكًا بكونه يعمل بهذا الأصل، وأنه كان ممن أدرك التابعين وراقب ما هم عليه، وكان العمل المستمر فيهم مأخوذًا من عمل الصحابة، والصحابة إنما أخذوه من عمل الرسول صلى الله عليه وسلم المستمر.

وصنيعه هذا فيه إشارة إلى قصر الأمر على الصحابة والتابعين دون غيرهم، ولكن لا يمكن الجزم بذلك، وقد يقال بأن من بعدهم ممن قرب إلى عهدهم ملحق بهم.

ولا يبدو من كلام الشَّاطبي أن الأمر مقصور على أهل المدينة دون غيرهم، وليس له تصريح بذلك، ولو لمرة واحدة، ولكن قد يقال: يتوجه قصر الأمر عليهم دون غيرهم، لا سيما وأن ذلك أضبط، ثم لأنهم أولى المدن بالوراثة العامة للهدي النبوي ولسيرة الصحابة من بعده، فما اجتمع في مدينة جمع من الصحابة كما اجتمع في المدينة النبوية، ولعل هذا يعتضد بأن هذا هو رأي مالك وأتباعه، وبأن الشَّاطبي جعل هذا القول هو قول مالك، وجعله ممن عمل بهذا الأصل، ولكن لا يمكن القطع بذلك، لا سيما وأن الشَّاطبي تحدث عن هذا الأصل بصورة عامة لا تفيد تقييدًا، ولا يمكن أن يصار إلى التقييد إلا ببينة واضحة.

وعلى كلٍّ، فخلاصة ما يرى الشَّاطبي هو أن العامل إذا تيقن أن السلف قد داوموا على أمر معين لزم النظر إليه بعين الاعتبار، فإن كان في المسألة خلاف كان عملهم الدائم مرجحًا، وإن لم يكن لزم الأخذ بما داوموا عليه، ولو كان في ذلك مخالفة للحديث؛ لأنهم لم يعرضوا عن العمل به إلا لأمر فهموه، وليسوا بمحل اتهام؛ فهم أهل العلم والدين المتين.

 

ويرى الشَّاطبي أن الدليل الشرعي بالنسبة إلى كونه معمولًا به عند السلف المتقدمين أو لا، ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وعلى هذا التقسيم ينبني حكم الاحتجاج بالعمل وبالدليل المعمول به، وبيان هذه الأقسام كما يلي:

القسم الأول: أن يكون معمولًا به دائمًا، أو في أكثر الأحوال.

وهذا القسم لا إشكال في كونه حجة يستدل به، ويجب العمل بمضمونه، بل هو إجماع فعلي، والإجماع حجة؛ إذ الأمة لا تجتمع على ضلالة.

وهذا القسم قد توافق فيه القول والعمل؛ فهو السنَّة المبينة، والصراط المستقيم.

ولذا؛ فيجب على المجتهد - بل على الأمة جميعها - العمل بمضمون هذا الدليل، والاحتجاج به.

وأمثلة هذا القسم كثيرة؛ فكل الأحكام التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم بأقواله، أو أفعاله، أو تقريراته، وتتابع فعله وفعل الصحابة ومن بعدهم على وَفْقِها، والعمل بمضمونها دائمًا أو غالبًا، فهي مثال على هذا القسم؛ كأقواله صلى الله عليه وسلم مع أفعاله في الطهارات، والصلوات، والزكوات، فرضها ونفلها، والضحايا، والنكاح، والطلاق، والبيوع، وغير ذلك.

 

القسم الثاني: أن يكون الدليل معمولًا به على قلة، إما في وقت دون وقت، أو حال دون حال، والعمل الدائم أو الأكثر على غيره.

وهذا القسم لا شك أن ما خالفه هو السنة المستقيمة والصراط المبين، وهو الذي يجب المثابرة عليه والعمل بمضمونه والاعتناء به، أما هذا المعمول به قليلًا، فيجب التثبت فيه والنظر إلى سبب قلة العمل به؛ إذ حُكم العمل به ينبني على سبب قلة عمل المتقدمين به.

 

وينقسم ذلك عند الشَّاطبي - بحسب النظر إلى سبب قلة العمل به - إلى نوعينِ:

النوع الأول: أن يكون للعمل القليل وجه يصلح أن يكون سببًا لقلة العمل به، بحيث إذا وجد هذا السبب وجد هذا المسبب، وإذا عدم السبب عدم المسبب.

وحكم هذا النوع أن يعمل بالأكثر، ويترك القليل، أو يقلل فعله بحسب ما فعلوه.

ومِن ذلك أن يكون المعمول به قليلًا بيانًا لحدود حُدَّت، أو أوقات عُيِّنت، أو عمل به قليلًا في عصر الرسالة؛ خشيةَ أن يُفرَض.

 

وضرب الشَّاطبي أمثلة كثيرة توضح هذا القسم:

ومنها حديث جبريل حينما صلى بالنبي صلى الله عليه وسلم إمامًا في يومين، وحدد له مواقيت الصلوات أوائلها وأواخرها[41].

ومثله قوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن وقت الصلاة: ((صَلِّ معنا هذين اليومين))[42]؛ فصلاته صلى الله عليه وسلم في أواخر الأوقات إنما وقعت موقع البيان لآخر الوقت الذي لا يجوز تعديه، ولم يداوم - عليه الصلاة والسلام - على الصلاة في هذا الوقت، فهذا العمل منه قليل بالنسبة إلى ما داوم عليه صلى الله عليه وسلم من الصلاة في أوائل الأوقات إلا لعارض؛ كالإبراد في شدة الحر[43]، والجمع بين الصلاتين في السفر[44]، ونحو ذلك.

 

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح))[45]، فهذا النص بيان لأوقات الأعذار، وليس أمرًا مطلقًا؛ ولذا لا يعمل به حال الاختيار، ونحوه حديث: ((أسفِروا بالفجر))[46]، فهو مرجوحٌ بالنسبة لما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهذا يُعلَم سبب إنكار أبي مسعود على المغيرةِ بن شعبة تأخير الصلاة إلى آخر الوقت، واحتجاجه عليه بحديث نزول جبريل، وتعليمه للنبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة، وقوله: ((بهذا أُمِرتُ))[47].

وأيضًا إنكار عروة بن الزبير على عمر بن عبدالعزيز ذلك، واحتجاج عروة بحديث عائشة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصرَ والشمسُ في حجرتها قبل أن تظهَر)[48].

ولفظة: (كان يفعل) تقتضي الكثرة بحسَب العرف، وأيضًا إنكار عمر على الرجل حينما دخل المسجد يوم الجمعة متأخرًا، وقوله له: (أية ساعة هذه؟)[49]، ففي هذه الآثار إنكار على الاعتماد على الدليل الذي لم يعمل به إلا قليلًا، واستنادٌ إلى ما داوم عليه العمل.

 

ومِن أسباب قلة العمل بالدليل أن يكون ترك النبي صلى الله عليه وسلم للمداومة عليه خشية أن يفرض على الناس؛ كصلاة التراويح؛ إذ جاء عنه أنه قام في المسجد ثلاث ليال، ثم ترك القيام؛ خشية أن يفرض عليهم[50]، ولم يصلِّ لا هو ولا أبو بكر، حتى جاء عمر، فأقام صلاة التراويح؛ لزوال علة الترك، ثم إنه نبَّه على أن الأفضل القيام آخر الليل[51]، ولأجل ذلك كان كبار الصحابة يؤخرون صلاتهم، وكذا كثير ممن بعدهم[52]، وعمل بذلك مالك؛ فاستحب ذلك لمن قدر عليه[53]، فهم أحبوا المداومة على العمل الكثير.

ومِن ذلك أيضًا صلاة الضحى؛ حيث وجهت عائشة ترك النبي صلى الله عليه وسلم لها خشية أن تفرض، فقالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل، وهو يحب أن يعمله؛ خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم)[54].

وقد واظبَتْ عليها لما رأت زوال العلة التي من أجلها كان العمل قليلًا، فكانت تصليها ثمانَ ركعات، وتقول: (لو نُشِر لي أبواي، ما تركتُها)[55].

ومثله نهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال مع كونه كان يواصل[56]، وفهم الصحابة -كعائشة[57] وغيرها - أنه إنما نهاهم رفقًا عليهم، فواصلوا ولم يواصل كلهم، وإنما واصل منهم جماعة كانت لهم قوة على الوصال، ولم يخشوا من الضعف عن القيام بالواجبات[58].

 

والشَّاطبي يرى أن ما خشيه النبي صلى الله عليه وسلم من فرضية قيام الليل موجود مثله؛ فالعالم بمنزلة الرسول في البيان؛ فهو منتصب لاقتداء الناس به، فلو داوم على هذه الأفعال لأوشك أن يعتقد العامي وجوبه، فمنع ما هو سبيل إلى هذا الاعتقاد من باب سد الذرائع - وهو أصل قطعي معمول به - اللهم إلا أن يعمل الصحابة به كقيام رمضان؛ فإنهم لما عملوا به أصبح سنة لهم مع كونهم متفقين على أن الصلاة في البيوت أفضل[59]؛ لأنه جارٍ على الأكثر؛ ولهذا أخذ بعض الفقهاء بالأكثر، فرأوا أن الأفضل صلاتها في البيوت، إلا لمن لا يقوى على ذلك.

وعمل عائشة في صلاة الضحى من هذا الباب؛ فهي أخبرت بقلة عمل النبي صلى الله عليه وسلم لها، ومداومته على تركها، وأنها إنما داومت عليه؛ لزوال العلة المقتضية لعدم المداومة عليها، مع أن تلك العلة قد تكون موجودة إذا رأى مواظبة العالم عليها وعدم إخلاله بها، وقد راعت عائشة ذلك؛ ولذا كانت تداوم عليها في بيتها، لا بمكان يتأسى بها فيه غيرها.

ولهذا لم تشرع الجماعة في النوافل إلا فيما تأكد منها؛ كالعيدين والكسوف ونحو ذلك، وكان الأكثر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة النوافل في بيته، حتى جعلها في ظاهر لفظ الحديث أفضل من صلاتها في مسجده[60]، وقد صلَّى بعضَ النوافل جماعةً في البيوت؛ كصلاته بأنس وأمه[61]، وصلاته بابن عباس[62]، ولكن لم يداوم على ذلك، ولم يفعله في محل ظاهر، ولا أمر الناس به؛ فدل عمله هذا مع هذه القرائن إضافة إلى أنه لم يشتهر في السلف، ولم يواظبوا عليه - على أنه عمل مرجوح بما داوم عليه، ومالك أخذ بذلك؛ إذ كان يجيز الجماعة في النافلة في الرجلين والثلاثة، وحيث لا يكون مظنة الاشتهار، وما سوى ذلك فهو يكرهه.

ومثله مسألة الوصال؛ فإن الأولى ما داوم عليه عامتهم، ولم يواصل بعضهم إلا لما رأوا أن بهم قوة على المواصلة.

 

وعليه: فإن كان للعمل القليل سبب وعلة تقتضي كونه قليلًا، فالأرجح هو العمل بالأكثر، والعمل بالقليل مرجوح بالنسبة إليه، ولكن يجوز العمل بالقليل على قلة، أو عند حدوث الأسباب المقتضية له، أو عند عدم الأسباب الحاملة على تقليل العمل به، مع أن الأولى في كل ذلك هو ما استمر عليه العمل دون ما كان عارضًا، فيعمل بالأكثر ويترك الأقل، أو يقلل فعله بحسب ما فعلوا، مع مراعاة القرائن التي حفوا بها ذلك الفعل.

 

النوع الثاني من نوعي ما كان الدليل معمولًا به على قلة: ألا يظهر للعمل القليل وجه يصلح أن يكون سببًا له، وهذا النوع قد بين الشَّاطبي أنه يأتي على خمسة وجوه:

الوجه الأول: أن يكون هذا العمل القليل محتملًا في نفسه لاحتمالات كثيرة، فيختلف فيه بحسب كل مجتهد، وما يقوَى عنده من هذه الاحتمالات، ولا شك أن الأبرأ للذمة والأبلغ في الاحتياط هو العمل بالأكثر والأغلب، ولهذا الوجه أمثلة:

منها ما ورد في قيام الرجل للرجل إكرامًا له وتعظيمًا؛ فإن العمل الغالب من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده، بل والتابعين، ترك هذا النوع من القيام، بل وكراهته صلى الله عليه وسلم لهذا النوع من القيام[63].

 

فإذا تؤمل هذا العمل الغالب من فعله مع قيامه لجعفر بن أبي طالب[64]، وقوله للأنصار: ((قوموا لسيدكم))[65]، إن حمل هذا على أنه قال ذلك وفعَله إكرامًا وتعظيمًا، فلا بد من توجيهه حتى يتلاءم مع الأغلب من فعله؛ لأن الأولى هو العمل الأغلب الدائم، وهذا القليل محتمل لأن يكون لوجه آخر غير الإكرام والتعظيم؛ كالمبادرة إلى اللقاء، والشوق للقادم، أو لفسح المجلس له، أو لإعانته على معنى من المعاني، أو لغير ذلك من الاحتمالات[66]، وإذا كان هذا الوجه محتملًا، فإن الوقوف مع العمل المستمر هو الأولى؛ لإمكان أن يكون العمل القليل غير معارض للأكثر أصلًا، ثم لأن اتباع الأغلب أقوى بينة، وأبرأ للذمة بالاتفاق، ولأن هذا المعارض لا يمكن التمسك به مع وجود المعارض الأقوى؛ إذ التمسك به من باب التمسك بمجرد الظاهر، وذلك لا يقوى على معارضته الأكثر.

ومنه تقبيل اليد؛ فإنه لم يقع إلا قليلًا، إن سُلِّم صحة ما روي فيه كما يرى الشَّاطبي[67]،ولكونه محتملًا، فإنه لا يقوى على معارضة الأغلب من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين، فالأرجح حينئذ ما عليه الأغلب.

ومثل هذا سجود الشكر؛ فإنه لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم - إن صح - كما يرى الشَّاطبي[68] إلا نادرًا، أو لسجود كعب بن مالك حين نزلت توبته عنده[69]، مع أن دواعيه كثيرة، وهي كثرة البشائر المتتابعة عليه، والنعم التي أنعم الله بها عليه، فلما لم ينقل عنه كثيرًا، دل على أن ما نقل عنه محل احتمال، فكان العمل على وفق الأكثر، وترك القليل أرجح[70].

 

الوجه الثاني: أن يكون هذا العمل القليل خاصًّا بزمانه، أو بصاحبه الذي عمل به، أو بحال من الأحوال.

وفي هذه الحالة لا يكون حجة للعمل في غير ما تقيد به، وضرب الشَّاطبي له مثالين؛ أولهما: ما قالوا فيما جاء: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته وعلى العمامة في الوضوء)[71]، وأن ذلك كان من مرض به[72].

والثاني: ما ثبت من نهيه صلى الله عليه وسلم عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاث، إذا قيل: إن إذنه بعد ذلك في قوله: ((إنما نهيتكم لأجل الدافة[73]))[74] ليس نسخًا للنهي[75].

 

الوجه الثالث: أن يكون هذا الفعل مما فعل عرضًا دون سابق تشريع، فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه به، ثم بعد ذلك لا يفعله الصحابي، ولا يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يأذن فيه ابتداءً لأحد.

وفي هذه الحالة لا يلزم أن يكون سكوته السابق إذنًا له ولغيره، لا يقتضي مشروعية الفعل لا ابتداءً ولا دوامًا، أما ابتداءً فلأن فعله لم يكن بإذن من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما دوامًا فلأنه سكت عنه ولم يُبْدِ فيه شيئًا، فترك هذا العمل أولى من فعله، بل فعله لا ينبغي - كما يرى الشَّاطبي؛ لأنه لا يستند إلى تشريع قد ورد قبله يشهد له، ولو فرض أن قبله تشريعًا لكان استمرار العمل بخلافه كافيًا في مرجوحيَّته.

ومثاله: فعل الرجل الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في أمر فعمل فيه، ثم رأى أنه خان الله ورسوله، فربط نفسه في سارية المسجد، وحلف ألا يحله إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أمَا إنه لو جاءني، لاستغفرتُ له))، وتركه حتى قضى الله فيه أمره[76].

فهذا الفعل الذي فعله هذا الصحابي - كما هو واضح - لم يشرعه النبي صلى الله عليه وسلم، لا على جهة الابتداء، ولا على جهة الدوام، فهو لم يأمره بذلك ابتداءً ولا دوامًا؛ إذ تركه حتى حكم الله فيه، وهذا خاص بزمانه؛ لانقطاع الوحي بعد زمانه، فلا يصحُّ إبقاء الأمر حتى يقضي الله الحكم لانقطاع الوحي.

كما أنه لم يرد عن الرجل أنه فعل ذلك مرة أخرى، أو أمر به غيره، ولم ينقل عن غيره فعله، لا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بعده[77].

 

الوجه الرابع: أن يكون العمل القليل رأيًا لبعض الصحابة خالف به غيره، ولم يتابع عليه، وكان فعله ذلك في زمن النبوة، ولكن لم يعلم به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه في أمر من الأمور التعبدية البعيدة عن الاجتهاد، فمِثل هذا لا يُعمَل به.

ومثاله: ما جاء عن أبي طلحة أنه كان يأكل بَرَدًا وهو صائم في رمضان، فقيل له: أتأكل البَرَد وأنت صائم؟ فأجاب: (إنما هو بَرَد نزل من السماء نطهر به بطوننا، وإنه ليس بطعام ولا شراب)[78].

ونقل الشَّاطبي قول الطحاوي في توجيه فعله، وأنه لعله "مما قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يقف عليه فيعلمه الواجب عليه فيه، وقد كان مثل هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، مما ذكره رفاعة بن رافع الأنصاري لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - محتجًّا به عليه فيما كانوا عليه من الماء، فكشفه عمر بن الخطاب عن ذلك: أذكرتموه للنبي صلى الله عليه وسلم فأقركم عليه؟ فقال: "لا"، فلم يرَ ذلك عمرُ حجةً"[79].

ويشير بذلك إلى ما ورد عن عمر، وإنكاره على زيد بن ثابت فتواه بعدم الغسل من الجماع؛ فإن عمر نهاه عن هذه الفتوى؛ لأنها مخالفة للعمل المستمر.

 

الوجه الخامس: أن يكون العمل القليل قد عُمِل به ثم نُسِخ، فترك العمل به مطلقًا، وهذا النوع لا يكون حجة مطلقًا؛ فالواجب العمل بالأكثر، وإذا أُعرض عن العمل بالقليل مع تعارضهما، دل ذلك على أنه الناسخ للآخر؛ إذ كانوا إنما يأخذون بالأحدث فالأحدث[80]، وقد قال الزهري: "أعيا الفقهاءَ وأعجزهم أن يعرفوا ناسخَ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من منسوخه"[81]، قال الشَّاطبي: "وهذا صحيح، ولما أخذ مالك بما عليه الناس وطرح ما سواه، انضبط له الناسخُ من المنسوخ على يسر"[82].

ومثاله: حديث الصيام عن الميت؛ فإنه لم ينقل استمرار عمل به، وغالب الرواية دائرة على عائشة[83]، وابن عباس[84]، وقد خالفاه[85]، فعائشة سئلت عن امرأة ماتت وعليها صوم، فقالت: (أطعموا عنها)[86]، وقال ابن عباس: (لا يصوم أحد عن أحد)[87].

 

القسم الثالث من أقسام الدليل الشرعي بالنظر إلى عمل السلف به أو لا: ألا يثبُتَ عن الأولين أنهم قد عملوا به، بل أهملوه وأغفلوه وأعرضوا عنه.

وهذا القسم أشدُّ من سابقه؛ إذ سابقه قد عملوا به قليلًا، وهذا لم يعملوا به مطلقًا، ولو توهَّم متوهِّم أن عليه دليلًا، لَمَا صح له ذلك؛ إذ لو كان دليلًا على ما زعم، لَمَا بعُد ذلك عن فهم الصحابة والتابعين، ثم يفهمه هو.

وعلى هذا، فعمل السلف الأقدمين مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارض له، فلزم رده، بل مَن عمل به كان في ذلك مخالفًا لإجماع الأولين، ومن خالف الإجماع فهو مخطئ، ولا يمكن أن تجتمع الأمة على ضلالة.

وكثيرًا ما يستدل أهل الضلالة والبدع على مذاهبهم بالكتاب والسنَّة، فيحمِّلونهما مذاهبهم الباطلة، ويتبعون ما تشابه، والحق أن يُعرَض ذلك على الوارد عن السلف، فإن لم يوافقه فهو من هذا القبيل.

 

ومن أمثلة هذا القسم: ما زعمته الرافضة[88] من أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على أن الخلافة لعليٍّ من بعده[89]، وهذا باطل؛ لأن الصحابة قد أجمعوا على خلافه، ولا يمكن أن تجتمع الصحابة على خطأ.

وكاستدلال التناسخية[90]على صحة ما زعموا بقوله تعالى: ﴿ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 8][91].

وكاستدلال من جوَّز القرآن بالإدارة[92]، والذِّكر برفع الصوت، وعلى هيئة الاجتماع بحديث: ((ما اجتمع قوم يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم ...))[93] ، وحديث: ((ما اجتمَع قوم يذكرون الله ...))[94].

وبغير ذلك مما ورد في هذا الباب[95].

 

وكاستدلال مَن جوَّز دعاء المؤذنين بالليل بالآية: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾ [الأنعام: 52]، وكقوله: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ [الأعراف: 55]، وبجهر قوَّام الليل بالقرآن[96].

وكاستدلالهم على الرقص في المساجد بحديث لعب الحبشة في المسجد بالدرق[97]، والحراب[98]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((دونكم يا بني أرفدة[99]))[100].

وكاستدلال مَن جوَّز إحداث البدع، وأن منها حسنة ومنها قبيحة[101]: بأن السلف اخترعوا أشياء لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كجمع المصحف، وتصنيف الكتب، وتدوين الدواوين، وتضمين الصناع، ونحو ذلك مما هو من أدلة المصالح المرسلة.

وهذا القسم لا يجوز العمل به، بل هو بدعة وضلالة، وتركه هو الحق المبين، والقسطاس المستقيم[102].

 

أما الأصوليون: فلم أرَ أحدًا من العلماء فصل في هذه المسألة كتفصيل الشَّاطبي، ولما أن كان الحديث هنا عمن وافق الشَّاطبي في وجوب مراعاة عمل المتقدمين بالنسبة للمجتهد، فلن نتعرض للحديث بالتفصيل عن كون عمل المتقدمين يعتبر مرجحًا أم لا؟ أو مقدمًا على خبر الآحاد أم لا؟ إذ موضع هذا ليس في باب الاجتهاد، وإنما في باب الترجيح.

 

ولذا؛ فيمكن أن أقول: إن هناك إشارات تشير إلى موافقة رأي الشَّاطبي، ويتضح ذلك بما يلي:

أولًا: أنه قد صرح بعض العلماء بأهمية الرجوع في كل ما يعرض من المسائل الاجتهادية إلى ما كان عليه السلف الصالح.

ومِن ذلك قول أبي شامة المقدسي: "فالواجب على العالم فيما يَرِدُ عليه من الوقائع وما يسأل عنه من الشرائع: الرجوع إلى ما دل عليه كتاب الله المنزل، وما صح عن نبيه الصادق المرسل، وما كان عليه أصحابه، ومَن بعدهم مِن الصدر الأول، فما وافق ذلك أذن فيه وأمر، وما خالف نهى عنه وزجر"[103].

وقال ابن تيمية: "وينبغي للداعي[104]أن يقدم فيما استدلوا به من القرآن؛ فإنه نور وهدى، ثم يجعل إمام الأئمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كلام الأئمة، ولا يخلو أمر الداعي من أمرين؛ الأول: أن يكون مجتهدًا أو مقلدًا؛ فالمجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة، ثم يرجح ما ينبغي ترجيحه، الثاني: المقلد يقلد السلف؛ إذ القرون المتقدمة أفضل مما بعدها"[105]، وكلام هذين العالمين يندرج في مجمله النظر في عمل المتقدمين.

 

ثانيًا: أن العلماء قد تتابعت أقوالهم على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وسبيل المتقدمين، والتحذير من مخالفة ذلك[106]، وهذا يشير إشارة مؤكدة إلى وجوب مراعاة عملهم، وما نقل عنهم فيما يعرض للمجتهد من حوادث، وفي طريقة اجتهادهم أيضًا.

 

ثالثًا: أن مالكًا يرى تقديم العمل على الخبر[107]، ويرى رد الخبر لمخالفته عمل أهل المدينة، وهذا - كما فصَّل الأبياري - إذا كان الخبر قد بلغهم يقينًا، أو شك في بلوغه لهم، أما إن لم يبلغهم يقينًا فليس الأمر كذلك[108].

وهذا بلا شك فيه إشارة إلى وجوب النظر في عمل المتقدمين بالنسبة للمجتهد.

 

رابعًا: أنه قد ذكر جمعٌ من الأصوليين أن من المرجحات موافقة الخبر لعمل أهل المدينة[109]:

وعلى هذا المالكية [110]، وبعض الحنفية، كالكرماستي [111]، وبعض الشافعية [112]، وبعض الحنابلة، كأبي الخطاب[113].

 

خامسًا: ذكر بعض الأصوليين أن من المرجحات موافقة الخبر لعمل أكثر السلف[114]: واختاره عيسى بن أبان[115] من الحنفية، والبناني من المالكية[116]، واختاره كثير من الشافعية[117]، ونقله الجويني عن الشافعي[118].

 

سادسًا: اختار مالك وأصحابه حجية إجماع أهل المدينة[119]، ووجهه المحققون منهم بما طريقه النقل والتوقيف[120]، وقد نص جماعة من غيرهم على حجية ما هذا سبيلُه[121].

ومِن المعلوم أن لكل ما سبق ارتباطًا وثيقًا بما ذكر الشَّاطبي؛ لأن عمل المتقدمين إن كان مرجحًا فالمجتهد ملزم بمعرفة ما يقع به الترجيح، وإن كان مقدمًا على الخبر فالمجتهد ملزم بمعرفة ترتيب الأدلة، وإن كان دليلًا فالمجتهد ملزم بمعرفة ما يحصل به الاستدلال، وهذه المباحث من جملة علم الأصول، والمجتهد لا بد له من معرفة علم الأصول.

وعلى هذا فبعض العلماء قد نص على ما يراه الشَّاطبي، بينما يؤخذ من أقوال بعضهم الإشارة إلى ذلك.

 

أدلة الشَّاطبي ومن وافقه:

استدل الشَّاطبي على وجوب مراعاة المجتهد لما عليه العمل عند الأقدمين بما يلي:

الدليل الأول: أن ترك الأقدمين الفعل وعدم العمل به إلا قليلًا، وإيثارهم العمل بغيره كثيرًا، أو دائمًا، لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون ذلك لمعنى شرعي.

الحالة الثانية: ألا يكون ذلك لمعنى شرعي.

والثاني باطل؛ لأنه لا يمكن إهمالهم - وهم العلماء العاملون - لفعل ورد به الشرع لغير معنى؛ فلزم أن يكون إهمالهم له لمعنى شرعي، وحينئذ فالعمل على وفق المهمل أو المعمول به قليلًا كالمعارض للمعنى الذي أهملوا الفعل لأجله، وإن لم يكن في الحقيقة معارضًا لضعفه، فلزم من هذا تحري ما تحرَّوْا موافقته ومتابعتهم في ذلك[122].

 

الدليل الثاني:

أنه لو فرض أن ما كثر العمل به وما قل به العمل متعارضان، ولا مرجح لأحدهما، فقيل بالتخيير بينهما، فعملُ الأقدمين عند تحقيق النظر فيه لا يقتضي مطلق التخيير، بل يقتضي أن ما داوموا عليه هو المرجح عندهم، وإن كان العمل بالآخر لا حرج فيه، كما يقال في المباح والمندوب: إن وضعهما بحسب فعل المكلف كالمخير فيهما، فلا حرج في ترك المندوب على الجملة، فصار المكلف كالمخير فيهما، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، بل المندوب أولى بالعمل به من المباح في الجملة، فكذلك هنا[123].

 

الدليل الثالث: أن الأصوليين ذكروا أن قضايا الأعيان ليست حجة في نفسها ما لم يعضدها دليل آخر؛ لأنها محتملة في نفسها؛ إذ يمكن أن تكون مخالفة لما عليه العمل المستمر، وقد لا تكون؛ ولذلك ترجح العمل على خلاف ذلك القليل، وما قل عليه العمل كقضايا الأعيان[124].

الدليل الرابع: أن المتأمل لعمل النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح يلحظ أنهم أقلوا من بعض الأعمال لأغراض معينة ولمقاصد خاصة، وإذا قورن هذا بما واظبوا عليه وأكثروا منه، دل هذا على أنهم رجَّحوا ما عملوا به وداوموا عليه على ما لم يداوموا عليه، وأن ما داوموا عليه هو الأولى بالاتباع والأحرى بالقبول[125].

 

الدليل الخامس: أن المداومة على الأعمال الصالحة تتطلب من المكلف الرفق والقصد؛ حتى لا يمل ولا ينقطع، ولا شك أن الاقتصار على ما داموا عليه أحرى بالتوسط وعدم الانقطاع[126].

الدليل السادس: أن متابعة الأكثر أبرأ للذمة بالاتفاق، وأقوى في النية، وما خالف العمل المستمر كان محتملًا، والمحتمل لا يقوى على معارضة الأقوى[127].

 

الدليل السابع: أن عمل العامل بالقليل لا يخلو من أمور:

أولًا: أن يكون بفعله ذلك مخالفًا للأولين في تركهم المداومة على هذا الفعل، ولا يجوز للعامل مخالفة السلف؛ لِما في ذلك من المحذور.

ثانيًا: أن العمل بالقليل يلزم منه ترك العمل بما داوموا عليه؛ إذ إنهم داوموا على مخالفة هذه الآثار؛ فإدامة العمل بموافقتها مخالفة لصنيعهم.

ثالثًا: أن ذلك ذريعة لاندراس ما داوموا عليه واشتهر بينهم بما خالفه؛ إذ الاقتداء بالأفعال أبلغ من الاقتداء بالأقوال، فإذا وقع ذلك ممن يقتدى به كان أشد[128].

 

وأما القسم الثالث وهو ما لم يثبت أن الأولين عملوا به، بل أهملوه ولم يراعوه: فاستدل الشَّاطبي على وجوب مراعاة المجتهد لحالهم فيما هذا شأنه، ووجوب اتباعه لهم في ذلك، وعدم مخالفته لهم فيه بالأدلة السابقة؛ إذ هي تدل على وجوب اتباعهم في هذا القسم من باب أولى، قال الشَّاطبي: "والأدلة المتقدمة جارية هنا بالأولى"[129]،ويضاف للأدلة السابقة ما يلي:

الدليل الأول: أن ما يمكن أن يستدل به هؤلاء على شيء تركه السلف الأقدمون لا يمكن أن يكون صحيحًا؛ إذ كيف يبعد عنه فهم السلف، وهم أهل العلم والفقه والفهم واللغة[130]، لا سيما الصحابة؛ فهم قد شاهدوا من أسباب التكاليف وقرائن أحوالها ما لم يشاهده غيرهم؛ ففهمُهم في الشريعة أتم وأحرى بالتقديم[131].

الدليل الثاني: أن السلف إذا كان لم يثبت عنهم فعل هذا الأمر، فهم مجمعون على تركه، فمن عمل به بعدهم كان مخالفًا لإجماعهم في تركه، والإجماع حجة؛ إذ لا يمكن أن تجتمع الأمة على ضلالة، ومن خالف الإجماع كان مخطئًا[132].



[1] انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 408) القاموس المحيط (1663) كلاهما مادة: "رعى".

[2] الموافقات (3/ 279 - 280).

[3] الموافقات (3/ 280).

[4] الموافقات (3/ 281).

[5] الموافقات (3/ 284).

[6] انظر: الموافقات (3/ 278 - 288).

[7] الموافقات (3/ 288).

[8] الموافقات (3/ 289).

[9] انظر: الموافقات (3/ 286 - 287).

[10] انظر: الموافقات (3/ 286 - 287).

[11] أصفق الناس: من صفق، يقال: أصفق القوم؛ أي: أطبقوا واتفقوا واجتمعوا؛ انظر: القاموس المحيط (1163) أساس البلاغة (255) كلاهما مادة: "صفق".

[12] تحطَّم: أي من الغيظ والغضب، يقال: تحطم غيظًا؛ أي: تلظَّى وتوقَّد، مأخوذ من الحطمة، وهي النار؛ لأنه يحطم بعضها بعضًا، والحَطْم بمعنى الكسر، وجاء في رواية أحمد (5/ 115) تفسير ذلك من الراوي قال: " تحطم عمر يعني تغيظ"؛ انظر: القاموس المحيط (1415) النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 403) كلاهما مادة: "حطم".

[13] رواه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الطهارات باب من قال: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل (1/ 85/ 947) وأحمد في مسنده (5/ 115) والطحاوي في شرح مشكل الآثار باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تعلق به في إمامة الصبيان الذين لم يبلغوا في الفرائض من الصلوات (10/ 122/ 3965 وأيضًا في 5/ 117) وفي شرح معاني الآثار(1/ 58 - 59) والطبراني في المعجم الكبير (5/ 42/ 4536) وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 271): "رجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق مدلس، وهو ثقة، وقد عنعن"، وأقول: إن رواية الطبراني ليست من طريقه، إلا أن فيها عبدالله بن صالح كاتب الليث، وفيه كلام.

[14] رواه البخاري كتاب مواقيت الصلاة باب مواقيت الصلاة وفضلها (1/ 150/ 521 - 522).

[15] قصة عروة وعمر بن عبدالعزيز في حديث أبي مسعود المخرج في الصفحة السابقة.

[16] ذكر الطرطوشي في الحوادث والبدع (53) أن ابن حبيب روى عن مالك قوله: "ليس من الأمر الذي يواظب عليه العامة أن يصلي الرجل بالنفر سُبْحة الضحى وغيرها من النوافل بالليل والنهار غير نافلة رمضان، إلا أن يكون نفرًا قليلًا، الرجلين والثلاثة ونحوه من غير أن يكون أمرًا كثيرًا مشهورًا"، وجاء في المدونة الكبرى (1/ 96 - 97) قول مالك: "لا بأس أن يصلي القومُ جماعةً النافلةَ في نهار أو ليل"، وقال: "وكذلك الرجل يجمع الصلاة النافلة بأهل بيته وغيرهم لا بأس به"، وفي الذخيرة (2/ 403): "وقال ابن أبي زمنين: مراده الجمع القليل خفية كالثلاثة؛ لئلا تظنه العامة من جملة الفرائض، وكذلك أشار أبو الظاهر - يعني ابن بشير - وقال: ولا يختلف المذهب في كراهة الجمع ليلة نصف شعبان وليلة عاشوراء، وينبغي للأئمة المنع منه"، وقال في التاج والإكليل (2/ 73): "وقيده الصقلي وابن أبي زمنين برواية ابن حبيب إن قلَّتِ الجماعة كالثلاثة، وخفِي محلهم"، وذكر أن ابن زرقون صرح بأن رواية ابن حبيب عن مالك مخالفة لما في المدونة، وهذه الرواية عن ابن حبيب هي المذهب عند المالكية، كما في مختصر خليل وغيره؛ انظر: مختصر خليل مع مواهب الجليل والتاج والإكليل (2/ 73) القوانين الفقهية (62).

[17] المراد هنا بمعانقة جعفر يعني حين قدومه من الحبشة، وقد روى خبرَ معانقة النبي صلى الله عليه وسلم له أبو داود في سننه كتاب الأدب باب في قُبلة ما بين العينين (5/ 392/ 5220) وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الفضائل باب في ذكر فضائل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه (6/ 381/ 32206) وابن الأعرابي في القُبَل والمعانقة والمصافحة، باب قُبلة ما بين العينين (74/ 37) وابن سعد في طبقاته - وهو قد رواه من طريق الواقدي - (4/ 26) عن الشعبي مرسلًا بلفظ: "فالتزمه"، وعند ابن سعد في رواية: "فضمه إليه"، وفي لفظ: "واعتنقه"، وقال ابن هشام في السيرة النبوية (4/ 359): "وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح عن الشعبي ثم ذكره"، وهذا منقطع، إضافة إلى إرساله، وقد أعلَّ المنذري في مختصر سنن أبي داوود (8/ 87) الأثر بإرساله؛ ولذا ذكره الألباني في ضعيف سنن أبي داود (514)، وقد رواه الحاكم في المستدرك كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم (3/ 211)، ومن طريقه البيهقي في دلائل النبوة باب قدوم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه والأشعريين... إلخ (4/ 246) عن الشعبي عن جابر دون ذكر المعانقة، وإنما فيه: "فقبَّل جبهته"، ورجَّح الحاكم إرساله، وقال الذهبي: "هو الصواب"، ورواه ابن المقرئ في الرخصة في تقبيل اليد (81/ 21) عن عائشة رضي الله عنها، وذكر فيه المعانقة والتقبيل.

[18] ذكر هذه الحكاية الباجي في المنتقى شرح موطأ الإمام مالك (7/ 216) والقرافي في الذخيرة (13/ 297) وذكرها ابن العربي في أحكام القرآن (4/ 1663) وفي القبس في شرح موطأ مالك بن أنس (3/ 1099) وعنه القرطبي في الجامع لأحكام القـرآن (15/ 361) ولكنهما جعلاها في المصافحة لا المعانقة.

[19] مذهب الحنفية في الأذان هو كأذاننا المعروف، وهو خمس عشرة جملة، لا ترجيع فيها؛ انظر: المبسوط (1/ 128 - 129) البناية في شرح الهداية (2/ 86).

[20] رواه الطبري في تاريخ الأمم والملوك (2/ 490)، ولكن ليس فيه بيان كيفية الأذان.

[21] الموافقات (3/ 271)، وذكر نحوًا من ذلك في ترتيب المدارك (1/ 121 - 122) وما ذهب إليه مالك في الأذان هو أنه سبع عشرة جملة بالترجيع، وتثنية التكبير في أوله، ورجَّح ذلك هو وأصحابه بعمل أهل المدينة؛ انظر: الاستذكار (4/ 12) الذخيرة (2/ 44)، وذكر بعض الحنفية أن تثنية التكبير رواية عن أبي يوسف، وأنه رجع إليها بعد أن كان لا يراها؛ انظر: المبسوط (1/ 129) البناية في شرح الهداية (2/ 86).

[22] رواه عبدالرزاق في مصنفه كتاب فضائل القرآن باب سجود الرجل شكرًا (3/ 358/ 5963) وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الصلوات في سجدة الشكر (2/ 228/ 8413) وابن المنذر في الأوسط كتاب الصلاة ذكر سجدة الشكر (5/ 288/ 2882) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة باب سجود الشكر (2/ 371) كلهم عن أبي عون محمد بن عبيدالله الثقفي عن رجل به، ومنهم من وقف به على أبي عون، وأبو عون لم يدرك أبا بكر؛ إذ هو من صغار التابعين، وقد جعله ابن حجر في الطبقة الرابعة، وهم مَن جلُّ روايتهم عن كبار التابعين (انظر: تقريب التهذيب (874) تهذيب الكمال (26/ 38)، والرجل الذي روى عنه مجهول؛ ولذا فالأثر ضعيف، ومع هذا فإن ابن القيم ساقه في زاد المعاد (3/ 584)، مع جملة من الآثار، ثم قال: "وهي آثار صحيحة لا مطعن فيها"، ومثل ذلك في إعلام الموقعين (2/ 296)، ولعله وقف على إسناد صحيح، أو عنى مجموع الآثار في شهادتها على سجود الشكر، ولم يرد أعيانها، والله أعلم.

[23] انظر: الموافقات (3/ 158، 271 - 272) الاعتصام (1/ 266) العتبية مع البيان والتحصيل (1/ 392).

[24] وممن قال بفرضية التشهُّدين عمر، وابنه عبدالله، وأبو مسعود البدري، والحسن، وأبو ثور، وإسحاق، وأحمد في المشهور عنه، وفرَّق الشافعي بين الأول والأخير، فقال بفرضية الأخير دون الأول؛ انظر: المغني (2/ 226) المجموع (3/ 430، 443).

[25] انظر: الموافقات (3/ 271)، والمشهور عن مالك أن التشهدين سنة، وروي عنه وجوب الأخير منهما؛ انظر: المعونة (1/ 223) الذخيرة (2/ 212).

[26] الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (1/ 323/ 837).

[27] روى النسائي في سننه كتاب الافتتاح باب السجود في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] (2/ 161 / 962 - 964) وابن عبدالبر في التمهيد (19/ 122 - 124) من طريق عمر بن عبدالعزيز حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (سجدتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]، وذكر ابن عبدالبر في التمهيد (19/ 124) أن في رواية عبدالله بن يوسف التنيسي للموطأ وفي رواية غيره أيضًا عن مالك أنه بلغه عن عمر بن عبدالعزيز أنه قال لمحمد بن قيس القاص: "اخرُجْ إلى الناس فمُرْهم أن يسجدوا في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1]"، وانظر: الاستذكار؛ فقد ذكر شيئًا من ذلك، وفيه وفي التمهيد (19/ 125) تعليق جميل على المسألة، علمًا أن أصل حديث أبي هريرة السابق في صحيح البخاري كتاب أبواب سجود القرآن وسنتها باب سجدة: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] (2/ 40/ 1074) وصحيح مسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب سجود التلاوة (5/ 65/ 578) ولكن من غير طريق عمر بن عبدالعزيز.

[28] الموافقات (3/ 278) وما ذكر الشاطبي هو المشهور عن مالك وأتباعه، وعنه رواية بالسجود فيها؛ انظر: الموطأ (1/ 207) المدونة (1/ 105) الاستذكار (8/ 96 - 97) المنتقى (1/ 351) المعونة (2/ 285) المقدمات الممهدات (1/ 117) الرسالة مع شرح زروق وشرح التنوخي (1/ 237).

[29] انظر: الموافقات (3/ 270 - 271)، وانظر مثالًا على ذلك في الموافقات: (5/ 316 - 317).

[30] الموافقات (3/ 270 - 271).

[31] انظر: الموافقات (3/ 280، 288).

[32] انظر: الموافقات (3/ 252، 287).

[33] انظر: الموافقات (3/ 252، 265، 279، 280، 281، 289).

[34] انظر: الموافقات (3/ 264، 265، 284).

[35] انظر: الموافقات (3/ 252).

[36] انظر: الموافقات (3/ 264، 267، 281).

[37] انظر: الموافقات (3/ 270، 280).

[38] انظر: الموافقات (3/ 278).

[39] انظر: الموافقات (3/ 279).

[40] الموافقات (4/ 446)، وقد أطال الشاطبي في التدليل على ذلك.

[41] سبق تخريجه ص 400، وهو حديث أبي مسعود السابق.

[42] رواه مسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب أوقات الصلوات الخمس (5/ 96/ 613) عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه.

[43] روى البخاري في صحيحه كتاب مواقيت الصلاة باب الإبراد بالظهر في شدة الحر (1/ 53/ 535) ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر لمن يمضي إلى جماعة ويناله الحر في طريقه (5/ 100/ 616) عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: أذَّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظهر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبرِدْ أبرِدْ، أو قال: انتظر انتظر))، وقال: ((إن شدة الحر من فَيْح جهنم، فإذا اشتد الحر، فأبردوا عن الصلاة))، قال أبو ذر: حتى رأينا فيء التُّلول.

[44] جاء في ذلك أحاديث كثيرة، منها: ما رواه البخاري في صحيحه كتاب تقصير الصلاة باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء (2/ 48/ 1106) ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر (5/ 180/ 307) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جَدَّ به السَّير).

[45] رواه البخاري في صحيحه كتاب مواقيت الصلاة باب من أدرك من الفجر ركعة (1/ 163/ 579) ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك تلك الصلاة (5/ 89/ 608) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[46] رواه الترمذي في جامعه، أبواب الصلاة باب ما جاء في الإسفار بالفجر (1/ 289/ 154) والنسائي في سننه كتاب المواقيت باب الإسفار (1/ 272/ 548) وعبدالرزاق في مصنفه كتاب الصلاة باب وقت الصبح (1/ 568/ 2159) والفضل بن دُكَين في كتاب الصلاة (213/ 314 - 315) والحميدي في مسنده (1/ 199/ 409) والدارمي في سننه كتاب الصلاة باب الإسفار بالفجر (1/ 300/ 1217) وابن حبان في صحيحه كتاب الصلاة باب مواقيت الصلاة (4/ 357/ 1490) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة باب الإسفار بالفجر حتى يتبين طلوع الفجر الآخر معترضًا (1/ 457)؛ كلهم عن رافع بن خديج رضي الله عنه بألفاظ متقاربة، وجاء عنه بلفظ: ((أصبِحوا بالصبح))؛ رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب في وقت الصبح (1/ 294/ 424) وابن ماجه في سننه كتاب الصلاة باب وقت صلاة الفجر (1/ 221/ 672) وأحمد في مسنده (3/ 465، 4/ 140) وابن حبان في صحيحه في الموضع السابق (4/ 355/ 1489)، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح"، وصححه ابن حبان، وصححه أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي، والألباني في إرواء الغليل (1/ 281).

[47] سبق تخريجه ص 400.

[48] سبق تخريجه ص 400، وهو ضمن حديث أبي مسعود السابق.

[49] رواه البخاري في صحيحه كتاب الجمعة باب فضل الغسل يوم الجمعة (1/ 238/ 878 وله طرف من رواية أبي هريرة عن عمر 882) ومسلم في صحيحه كتاب الجمعة (6/ 115/ 845) كلاهما عن ابن عمر عن عمر - رضي الله عنهما، وصرَّح مسلم في رواية أبي هريرة عن عمر أن الداخل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه.

[50] رواه البخاري في صحيحه كتاب صلاة التراويح باب فضل من قام رمضان (2/ 309/ 2012) ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الترغيب في قيام رمضان (6/ 37/ 761) عن عائشة - رضي الله عنها - وفيه: ((أما بعد، فإنه لم يَخْفَ عليَّ شأنكم الليلة، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجِزوا عنها)).

[51] رواه البخاري في صحيحه كتاب التراويح باب فضل من قام رمضان (2/ 308/ 2010)، وفيه: (نعم البدعةُ هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل)، وكان الناس يقومون أوله.

[52] جاء ذلك عن ابن عمر، وابنه سالم، والقاسم بن محمد، وإبراهيم النخعي، وعلقمة بن قيس، واختاره مالك، والشافعي؛ انظر: مصنف عبدالرزاق كتاب الصيام باب قيام الليل (4/ 264) مصنف ابن أبي شيبة كتاب الصلوات، مَن كان لا يقوم مع الناس في رمضان (2/ 166) الاستذكار (5/ 158 - 159) التمهيد (8/ 116 - 117) معرفة السنن والآثار (4/ 37).

[53] قال مالك: "الانصراف - يعني عن التراويح - لمن قوي عليه أفضل"؛ انظر: المدونة (1/ 193) العتبية مع البيان والتحصيل (17/ 40 - 41) التمهيد (8/ 116) الاستذكار (5/ 158) الحوادث والبدع (53).

[54] رواه البخاري في صحيحه كتاب التهجد باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل والنوافل من غير إيجاب (2/ 55/ 1128) ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب استحباب صلاة الضحى، وأن أقلها ركعتان وأكملها ثمان ركعات وأوسطها أربع ركعات أو ست، والحث على المحافظة عليها (5/ 194/ 718).

[55] رواه مالك في الموطأ كتاب قصر الصلاة في السفر باب صلاة الضحى (1/ 153) والنسائي في السنن الكبرى كتاب الصلاة الأول باب عدد صلاة الضحى في الحضر (1/ 181/ 482)، ورواه أحمد في مسنده (1/ 138) بلفظ: (لو أن أبي نُشِر فنهاني عنها، ما تركتُها).

[56] في النهي عن الوصال أحاديث، منها: ما رواه البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام؛ فلقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (2/ 297/ 1962) ومسلم في صحيحه كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في الصوم (7/ 183/ 1102) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، قالوا: إنك تواصل، قال: ((إني لست مثلكم، إني أُطعَم وأسقى)).

[57] أخرج عنها البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام، فلقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] (2/ 297/ 1964) ومسلم في صحيحه كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في الصوم (7/ 186/ 1105) قالت: نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم ...).

[58] جاء في صحيح البخاري كتاب التمني باب ما يجوز من اللو (8/ 168/ 7241) وصحيح مسلم كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في الصوم (7/ 185/ 1104) عن أنس - رضي الله عنه - قال: (فأخذ رجال من أصحابه يواصلون ...)، وجاء في مصنف ابن أبي شيبة كتاب الصوم باب مَن رخص في الوصال للصائم (2/ 331/ 9599) عن ابن الزبير أنه كان يواصل خمسة عشر يومًا، وصححه عنه ابن حجر في فتح الباري (4/ 204).

[59] قال ابن عبدالبر في الاستذكار (6/ 268): "والذي عليه العلماء أنه لا بأس بالتطوع في المسجد لمن شاء، إلا إنهم مجمعون على أن النافلة في البيوت أفضل"، ولعله يريد النافلة المطلقة؛ لأنه في التمهيد (14/ 170 - 171) ذكره إجماعًا إلا في السنن الرواتب؛ فالجمهور على أن البيت أفضل، وانظر في المسألة: المجموع (3/ 472، 540) طرح التثريب (3/ 36).

[60] يعني بذلك ما رواه البخاري في صحيحه كتاب الأذان باب صلاة الليل (2/ 200/ 731) ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد (6/ 60/ 781) عن زيد بن ثابت مرفوعًا: ((فصلوا أيها الناس في بيوتكم؛ فإن أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة))، واللفظ للبخاري، ولفظ مسلم قريب منه، وقد جاء ذلك عنه صريحًا بلفظ: ((صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة))؛ رواه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب صلاة الرجل التطوع في بيته (1/ 632/ 1044) والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 292) وتمام في فوائده (2/ 32/ 415) وابن عبدالبر في التمهيد (8/ 116) والطبراني في المعجم الكبير (5/ 144/ 4893 - 4894) وفي الأوسط (5/ 101/ 4190) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 350 - 351) والبغوي في شرح السنة كتاب الصلاة باب فضل التطوع في البيت (4/ 130/ 995) وذكر الطحاوي آثارًا، هو من جملتها، وأشار إلى تصحيحها، وصححه العراقي كما في نيل الأوطار (3/ 94) والألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 194).

[61] رواه البخاري في صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة على الحصير (1/ 116/ 380) ومسلم في صحيحه كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات (5/ 138/ 658) عن أنس رضي الله عنه.

[62] رواه البخاري في صحيحه كتاب الوضوء باب التخفيف في الوضوء (1/ 50/ 138) ومسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه (6/ 39/ 763) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

[63] روى الترمذي في جامعه كتاب الأدب باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل (5/ 90/ 2754) وفي الشمائل المحمدية باب ما جاء في تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم (191/ 318) وابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الأدب في الرجل يقوم للرجل إذا رآه (5/ 234/ 25583) وأحمد في مسنده (3/ 132، 150) والبخاري في الأدب المفرد باب قيام الرجل لأخيه (244/ 946) وأبو يعلى في مسنده (6/ 417/ 3784) والبغوي في شرح السنة كتاب الاستئذان باب كراهية القيام (12/ 294/ 3329) والطحاوي في شرح مشكل الآثار باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيام الرجال بعضهم إلى بعض (3/ 155/ 1126) وأبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه في: ما ذكر من تواضعه (63/ 127) عن أنس - رضي الله عنه - قال: (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا؛ لِما يعلمون من كراهيته لذلك)، وقال عنه الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب"، وصححه الألباني في مختصر الشمائل المحمدية (178).

[64] سبق تخريج حديث لقاء النبي صلى الله عليه وسلم لجعفر ومعانقته له ص 401، ولم أظفر برواية فيها التصريح بقيامه له، وكأن الشاطبي أخذ ذلك من مفهوم الحديث.

[65] رواه البخاري في صحيحه كتاب الاستئذان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى سيِّدِكم)) (7/ 174/ 6262)، ومسلم في صحيحه كتاب الجهاد والسير باب جواز قتال من نقض العهد، وجواز إنزال أهل الحصن على حُكم حاكمٍ عادل أهلٍ للحكم (12/ 79/ 1768) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

[66] انظر للجمع بين هذه الأحاديث: شرح مشكل الآثار (3/ 156) شرح السنة (12/ 295) الترخيص بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام للنووي (64) فتيا في حكم القيام والانحناء والألقاب لابن تيمية (10) الآداب الشرعية (1/ 431).

[67] ومما ورد في ذلك ما رواه ابن المقرئ في الرخصة في تقبيل اليد (58/ 2) عن أسامة بن شريك - رضي الله عنه - قال: (قمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقبلنا يده)، قال الحافظ في فتح الباري (11/ 57): "سنده قوي"، ورواه ابن الأعرابي في القُبَل والمعانقة والمصافحة (25/ 3) بلفظ آخر مطولًا.

[68] مما ورد فيه ما رواه أبو داود في سننه كتاب الجهاد باب في سجود الشكر (3/ 216/ 2774) والترمذي في جامعه كتاب السير باب ما جاء في سجدة الشكر (4/ 141/ 1578) وابن ماجه في سننه كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في الصلاة والسجدة عند الشكر (1/ 446/ 1394) والحاكم في المستدرك كتاب الصلاة (1/ 276) وابن المنذر في الأوسط كتاب الصلاة باب سجود الشكر (5/ 287/ 2880) والدارقطني في سننه كتاب الصلاة باب السنة في سجود الشكر (1/ 370) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب الصلاة باب سجود الشكر (2/ 370) عن أبي بكرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان إذا جاءه أمر سرور، أو بُشِّر به، خرَّ ساجدًا شاكرًا لله)، وقال عنه الترمذي: "حديث حسن غريب"، وصححه الحاكم، وأقره الذهبي، وحسنه الألباني بشواهده في إرواء الغليل (2/ 226)، بينما ضعفه النووي في المجموع (3/ 564) وابن التركماني في الجوهر النقي (2/ 370).

[69] سبق تخريجه (110)، وهو حديث تخلفه عن غزوة تبوك.

[70] انظر: الموافقات (3/ 267 - 270).

[71] رواه مسلم في صحيحه كتاب الطهارة باب المسح على الناصية والعمامة (3/ 147/ 274 رقم خاص 81) عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

[72] لما أن كان مالك وأتباعه لا يرون المسح على العمائم؛ لظاهر الآية: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6]، كان هذا الحديث معارضًا لهم، وقد أجاب عنه بعض المالكية بما ذكره الشاطبي، واستحسن ذلك وأيده أبو العباس القرطبي، وحكاه غير واحد منهم، وأقروه، واستضعفه التنوخي، ولم يؤيده الأمين الشنقيطي؛ انظر لرأي مالك: الموطأ (1/ 35) الاستذكار (2/ 219 - 220) المنتقى (1/ 35)، وانظر لتوجيه الحديث: المعلم بفوائد مسلم (1/ 238) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 533) إكمال إكمال المعلم (2/ 54) عارضة الأحوذي (1/ 152) الجامع لأحكام القرآن (6/ 88) حاشية التنوخي على الرسالة (1/ 161) أضواء البيان (2/ 35).

[73] الدافة: أصلها من دَفَّ - بفتح الدال وتشديد الفاء - يدِفُّ - بكسر الدال - دفًّا، وهو في اللغة يدل على أصلين: أحدهما: عرض في الشيء، والثاني: يدل على السرعة، وهو المناسب هنا، ومنه الدفيف، وهو المشي الخفيف، والسير اللين والدبيب، ودافة الأعراب مَن يَرِد منهم المصر، والمراد في الحديث من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة؛ انظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 257) القاموس المحيط (1047) كلاهما مادة: "دفف" شرح النووي لصحيح مسلم (13/ 110) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 377 - 378).

[74] رواه مسلم في صحيحه كتاب الأضاحي باب بيان ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام، وبيان نسخه وإباحته إلى متى شاء (13/ 111/ 1971) عن عبدالله بن واقد - رضي الله عنه - بعضه، وعن عائشة - رضي الله عنها - بعضه، وقوله: (إنما نهيتكم ...) من حديث عائشة رضي الله عنها.

[75] الموافقات (3/ 272 - 273) وقال بعدم النسخ بعض العلماء؛ كأبي العباس القرطبي وابن تيمية، والجمهور قالوا بالنسخ؛ انظر: التمهيد لابن عبدالبر (3/ 215 - 216) شرح النووي لصحيح مسلم (13/ 109 - 110) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (5/ 378) الاختيارات (120).

[76] المعنيُّ هو أبو لبابة بن المنذر - رضي الله عنه؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حاصر بني قريظة بعثوا إليه أن أرسل لنا أبا لبابة بن عبدالمنذر - وكانوا حلفاء الأوس - نستشيره في أمورنا، فأرسله إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقَّ لهم، وقالوا له: يا أبا لبابة، أترى أن ننزل على حكم محمد، فقال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه أنه الذبح، قال أبو لبابة: (ما زالت قدماي ترجفان حتى عرفت أني قد خنتُ الله ورسوله)، ثم انطلق أبو لبابة على وجهه، ولم يأتِ رسول الله حتى ارتبط في المسجد... إلخ، وقد روى القصة ابن إسحاق في السيرة النبوية (3/ 235 - 236) ومن طريقه البيهقي في الدلائل النبوية باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة... إلخ (4/ 15 - 16) عن معبد بن كعب بن مالك، وقد جاءت القصة وليس فيها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو جاءني...)؛ رواها ابن جرير في جامع البيان (6/ 220/ 15937) عن الزهري بها، وأشار إليها عبدالرزاق في مصنفه كتاب المغازي باب من تخلَّف عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك (5/ 405/ 9746)، وجعله عن الزهري عن كعب بن مالك، ولعل الصوابَ عن ابن كعب.

[77] انظر: الموافقات (3/ 273 - 274).

[78] رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار باب بيان مشكل ما روي عن أبي طلحة في أكله البرد وهو صائم، ورفع بعضهم ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، في تحسينه ذلك منه (5/ 114/ 1864) وأبو يعلى في مسنده (3/ 15/ 1424، 7/ 73/ 3999) والبزار في مسنده، كما في كشف الأستار كتاب الصيام باب أكل البرد للصائم (1/ 481/ 1021) عن أنس - رضي الله عنه - وفيه قوله: "فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ذلك، فقال: ((خذها عن عمك))"، وقال الطحاوي: "ما قبلنا هذا الحديث؛ إذ كان رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم علي بن زيد، وليس هو من أهل الثبت في الرواية، وقد رواه عن أنس من هو أثبت منه فلم يرفعه..."، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 175): "رواه أبو يعلى، وفيه علي بن زيد، وفيه كلام، وقد وُثِّق، وبقية رجاله رجال الصحيح"، وقال ابن حجر في مختصر زوائد البزار (1/ 428/ 720): "الإسناد الموقوف هو الصحيح، وعلي بن زيد ضعيف، لا يُقبَل ما ينفرد به، فكيف إذا خالف؟!"، وضعَّفه أيضًا في المطالب العالية (1/ 399)، والموقوف جاء بلفظ: "كان يأكل البَرَد وهو صائم، فإذا سئل عن ذلك قال: (بركة على بركة في التطوع)؛ رواه أحمد في مسنده (3/ 279) والطحاوي في الموضع السابق (5/ 116) وجاء بلفظ: (ليس هو بطعام ولا شراب)؛ رواه الطحاوي في الموضع السابق (5/ 115) والبزار في الموضع السابق (1/ 481/ 1022).

[79] شرح مشكل الآثار (5/ 116 - 117)، والأثر سبق تخريجه ص (400).

[80] روى مسلم في صحيحه كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية إذا كان سفره مرحلتين فأكثر، وأن الأفضل لمن أطاقه بلا ضرر أن يصوم، ولمن يشق عليه أن يفطر (7/ 198/ 1113) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره).

[81] رواه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (36/ 3) والحازمي في الاعتبار (3).

[82] انظر: الموافقات (3/ 279).

[83] رواه البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب من مات وعليه صوم (2/ 294/ 1952) ومسلم في صحيحه كتاب الصيام باب قضاء الصيام عن الميت (8/ 20/ 1147) ولفظه: ((مَن مات وعليه صوم، صام عنه وليُّه)).

[84] رواه البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب من مات وعليه صوم (2/ 294/ 1953) ومسلم في صحيحه كتاب الصيام باب قضاء الصيام عن الميت (8/ 20/ 1148) ولفظه: أن امرأة أتَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، فقال: (أرأيتِ لو كان عليها دَين أكنت تقضينه؟!) قالت: نعم، قال: ((فدَين الله أحقُّ بالقضاء)).

[85] وممن قال بالنسخ لهذه العلة الطحاوي في شرح مشكل الآثار (6/ 176)، وللرد على ذلك انظر: المحلى (7/ 5).

[86] رواه الطحاوي في شرح مشكل الآثار باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الواجب فيمن مات وعليه صيام هل هو الصيام أو الإطعام عنه؟ (6/ 178 - 179)، وذكر البيهقي في السنن الكبرى (4/ 257) أن فيه نظرًا، وتعقبه ابن التركماني فقال: "سند صحيح".

[87] رواه النسائي في السنن الكبرى كتاب الصيام باب صوم الحي عن الميت، وذكر اختلاف الناقلين للخبر فيه في ذلك (2/ 175/ 2918) والطحاوي في شرح مشكل الآثار باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الواجب فيمن مات وعليه صيام هل هو الصيام أو الإطعام عنه؟ (6/ 176 - 177) وابن عبدالبر في التمهيد (9/ 227)، وذكر البيهقي في السنن الكبرى (4/ 257) أن فيه نظرًا، وتعقبه ابن التركماني فقال عن سند النسائي: "سند صحيح على شرط الشيخين، خلا ابن عبدالأعلى؛ فإنه على شرط مسلم"، وصححه ابن حجر في التلخيص الحبير (2/ 221) والمباركفوري في تحفة الأحوذي (3/ 407) والألباني في تعليقه على شرح العقيدة الطحاوية (453).

[88] الرافضة: فِرقة من أصول فرق الشيعة، بل هم المقصود عند الإطلاق، وسبب تسميتهم بذلك؛ أنه لما خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبدالملك، سألوه عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فأثنى عليهما خيرًا، فرفضوه، ولم يبقَ معه إلا القليل، فقال لهم: "رفضتموني"، فجرى عليهم هذا الاسم، يقال لهم: الإمامية؛ لأنهم قالوا بإمامة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وذريته، وأنه ما كان في الدين أهم من الإمامة، ولأن كثيرًا منهم قالوا بإمامة الموهوم الذي سمَّوْه محمد بن الحسن العسكري، ويعتقدون خروجه آخر الزمان، وغالبًا ما يطلق عليهم الاثني عشرية؛ لأنهم اعتقدوا إمامة اثني عشر إمامًا، أولهم علي، وآخرهم العسكري، ويسمون بالجعفرية؛ لأن مذهبهم في الفروع مذهب جعفر بن محمد الصادق - حسب ما زعموا، ومن عقائدهم: تكفير الصحابة إلا قلة منهم، وأن قرآن أهل السنة ناقص، والقول بعصمة الأئمة، والتقيَّة: وهي العمل بخلاف الاعتقاد؛ خوفًا من الآخرين، والقول برجعة المعصوم آخر الزمان؛ انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 88) الفرق بين الفرق (36) الملل والنحل (1/ 162) الحور العين (184) الشيعة والتشيع، فرق وتاريخ: لإحسان إلهي ظهير.

[89] انظر: الملل والنحل (1/ 146) الفصل في الملل والأهواء والنحل (3/ 10 وما بعدها)، وانظر أدلتهم من السنة في منهاج الكرامة لابن الحلي، والرد عليه في منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية (7/ 297 وما بعدها).

[90] التناسخية: هي فرقة من الثنوية، وهم الذين يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان، بخلاف المجوس؛ فإنهم قالوا بحدوث الظلمة، وأهل التناسخ: هم الذين قالوا بتناسخ الأرواح؛ أي: انتقالها في الأجساد من شخص إلى شخص، وما يلقى الإنسان من راحة ودَعة، أو تعب ونصَب، فهو بسبب ما عملته روحه من قبل، لما أن كانت في بدن من قبله، فكان هذا التعب أو الراحة جزاءً لروحه على ما سلف منها، ويرون أن الجنة والنار تكون في الأجساد، وأن أعلى عليين درجة النبوة، وأسفل سافلين درجة الحية، وأن الدنيا على الأبد، وأن النبوة مكتسبة من الطاعة، وهم على فرقتين: فرقة ذهبت إلى أن الأرواح تنتقل بعد مفارقتها للأجساد إلى أجساد آخرين، وإن لم تكن من نوع الأجساد التي فارقت، وهذا قول أبي مسلم الخرساني، ومحمد بن زكريا الطبيب، والقرامطة، وغالية الرافضة، ومنهم من يدَّعي الإسلام، والفرقة الثانية: ذهبت إلى منع انتقال الأرواح إلى غير أنواع أجسادها التي فارقت، وهؤلاء لا يقولون بالشرائع، وهم الدهرية؛ انظر: الفصل (1/ 109) الملل والنحل (1/ 253) الحور العين (146، 264).

[91] انظر لاحتجاجهم بالآية والرد عليه: الفصل في الملل والأهواء والنحل (1/ 110).

[92] صفة القراءة بالإدارة هي: أن يجتمع قوم فيقرؤوا في السورة حتى يختموها، يقرأ هذا ويقرأ الآخر، ومنهم من يقيم لهم الخطأ، وقد كره مالك هذه القراءة، وقال: "هذا لم يكن من عمل الناس"، وذكر الباجي أنه سئل عن قراء مصر الذين يجتمع الناس إليهم، فكان رجل منهم يقرأ في النفر يفتح عليهم، فقال: "إنه لا بأس به"، وسئل عنه مرة فعابه، وقال: "يقرأ ذا، ويقرأ ذا؛ قال الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف: 204]، ولو كان يقرأ واحد ويستثبت من يقرأ عليه، أو يقرؤون واحدًا واحدًا على رجل واحد لم أرَ به بأسًا"، فعلم من هذا أن ما كرهه مالك إنما هو أن يقرؤوا عليه في وقت واحد وهو يستمع للجميع ويرد عليهم، وهذا ما يسمى بالإدارة، أما أن يقرأ كل واحد منهم على حِدَةٍ، فلا يرى به بأسًا، وهذا أولى ممن فهم عنه أنه يكره هذه أيضًا كالنووي؛ انظر للمسألة: الموافقات (3/ 497) الاعتصام (2/ 291 - 292) المنتقى شرح موطأ الإمام مالك (1/ 345) الحوادث والبدع (95 - 96، 161 - 164) التبيان في آداب حملة القرآن (81)، ولاحظ العتبية مع البيان والتحصيل (1/ 242).

[93] رواه مسلم في صحيحه كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (17/ 18/ 2699) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[94] هذا اللفظ رواه معمر في جامعه - مع مصنف عبدالرزاق - باب ذكر الله (11/ 293/ 20577) وأحمد في مسنده (3/ 94) وابن المبارك في مسنده (27/ 45) والبغوي في شرح السنة كتاب الصلاة باب إحياء آخر الليل وفضله (4/ 64/ 947) عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما، وأصل الحديث عند مسلم في صحيحه كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر (17/ 19/ 2700) بلفظ: ((لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفَّتهم الملائكة ...)).

[95] انظر للاستدلال بذلك: الحوادث والبدع (166) وللمسألة: الموافقات (3/ 497) الاعتصام (2/ 291 - 292) الحوادث والبدع (95 - 96، 161 - 164) ولاحظ العتبية مع البيان والتحصيل (1/ 242).

[96] انظر لإنكار هذه البدعة: تلبيس إبليس (194) المدخل لابن الحاج (2/ 410).

[97] الدرق: جمع درقة، وهي تُرس من جلود ليس فيه خشب ولا عقب، والجمع درق وأدراق ودراق؛ انظر: لسان العرب (4/ 333) القاموس المحيط (1139) المعجم الوسيط (1/ 281) كلها مادة: "درق".

[98] الحربة: آلة قصيرة من حديد، محدودة الرأس، تستعمل في الحروب، وجمعها: حراب؛ انظر: القاموس المحيط (93) المعجم الوسيط (1/ 164) كلاهما مادة: "حرب".

[99] قوله: دونَكم: بالنصب على الظرفية بمعنى الإغراء، والمُغْرى به محذوف، تقديره: عليكم بهذا اللعب الذي أنتم فيه، وقوله: أرفدة: بفتح الهمزة، وإسكان الراء، ويقال: بفتح الفاء وكسرها، وجهان، والكسر أشهر، وهو لقب للحبشة، وقيل: هو اسم جنس لهم، وقيل: اسم جدهم الأكبر، وقيل: المعنى يا بني الإماء؛ انظر: أعلام الحديث (1/ 592 - 593) شرح مسلم للنووي (6/ 163) فتح الباري (2/ 444).

[100] رواه البخاري في صحيحه كتاب العيدين باب الحراب والدرق يوم العيد (2/ 3/ 950) ومسلم في صحيحه كتاب صلاة العيدين باب الرخصة في اللعب الذي لا معصية فيه في أيام العيد (6/ 161/ 892 رقم خاص 19) عن عائشة رضي الله عنها، وانظر لاستدلالهم بالحديث والرد عليهم: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/ 534) كشف القناع عن حكم الوجد والسماع (145).

[101] انظر لبيان القائلين بهذا التقسيم: (ص 436) من هذا البحث.

[102] انظر: الموافقات (3/ 280 - 284)، وانظر بعض الأمثلة في الاعتصام (1/ 209).

[103] الباعث على إنكار البدع والحوادث (4)، وانظر منه: (6).

[104] يريد كل من يدعو إلى مقالة أو أمر معين، فعليه قبل أن يدعو إلى مقالته أن ينظر في الكتاب و... إلخ.

[105] مجموع الفتاوى (20/ 9).

[106] انظر: شرح السنة للبربهاري (46) عقيدة السلف أصحاب الحديث للصابوني (114) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 202) مجموع الفتاوى (4/ 157 - 158، 5/ 7 - 8، 13/ 24) شرح العقيدة الطحاوية (544)، وانظر لاتباع الصحابة خاصة: الشريعة للآجري (45) جامع بيان العلم وفضله (2/ 29) إعلام الموقعين (1/ 63 - 65).

[107] انظر: الموافقات (3/ 270) البرهان (2/ 760) ترتيب المدارك (1/ 22) واختار أكثر الأصوليين أن الخبر يقبل وإن خالفه أكثر الأمة وعملوا بخلافه، بل نقله الآمدي وغيره اتفاقًا؛ انظر: المحصول (4/ 437) الإحكام (2/ 116) نهاية الوصول لابن الساعاتي (1/ 383) نهاية الوصول (7/ 2948) شرح العضد (2/ 73) تيسير التحرير (3/ 73) فواتح الرحموت (2/ 164).

[108] انظر: التحقيق والبيان (2/ 609)، وانظر منه: (2/ 969)، وعنه البحر المحيط (4/ 344)، وانظر للمسألة: أصول السرخسي (1/ 169) البرهان (2/ 761 - 762) المنخول (538).

[109] انظر للمسألة إضافة لما سيأتي: العدة (3/ 926) المسودة (313) بيان المختصر (3/ 395) البحر المحيط (4/ 179) المختصر لابن اللحام (171) شرح الكوكب المنير (4/ 699).

[110] انظر: إحكام الفصول (2/ 748) الإشارة (335) شرح تنقيح الفصول (423) مختصر المنتهى مع بيان المختصر (3/ 394) تقريب الوصول (478).

[111] انظر: الوجيز (80).

[112] كالغزالي، والآمدي، والصفي الهندي، والعضد، والتفتازاني، والأنصاري؛ انظر: المستصفى (2/ 396) الإحكام (4/ 264) نهاية الوصول (8/ 3740) شرح العضد (2/ 316) حاشية التفتازاني على شرح العضد (2/ 316) غاية الوصول (145).

[113] انظر: التمهيد (3/ 220).

[114] انظر للمسألة في الجملة: مناهج العقول (3/ 244) شرح الكوكب المنير (4/ 702).

[115] انظر: المعتمد (2/ 680) بذل النظر (489).

[116] انظر: حاشية البناني على شرح المحلي (2/ 571).

[117] انظر: المحصول (4/ 437) الإحكام (4/ 264) منهاج الوصول مع نهاية السول (4/ 507) نهاية الوصول (8/ 3740) الإبهاج (3/ 237) جمع الجوامح مع شرح المحلي وحاشية البناني (2/ 571) البحر المحيط (6/ 178).

[118] انظر: البرهان (2/ 764).

[119] انظر: المقدمة لابن القصار (75) والنصوص الملحق بالمقدمة (219) الإشارة (281) المنهاج في ترتيب الحجاج (23) التحقيق والبيان في شرح البرهان (2/ 968) شرح تنقيح الفصول (334) البيان والتحصيل (17/ 331، 604) الضروري (93) مختصر المنتهى مع شرح العضد (2/ 35) التحقيق والبيان في شرح البرهان (2/ 968).

[120] كابن القصار، وابن الفخار، والقاضي عبدالوهاب، والأبهري، والطرطوشي، والباجي، والأبياري؛ انظر: المراجع السابقة في الهامش السابق.

[121] كابن تيمية وابن القيم، وانظر للمسألة: الرسالة (533 - 535) اللمع (91) التبصرة (365) المعتمد (2/ 492) العدة (4/ 1142) قواطع الأدلة (2/ 24) المستصفى (1/ 187) التمهيد (3/ 274) الأسرار في الأصول والفروع (1/ 58) الوصول (2/ 121) المحصول (4/ 162) نهاية الوصول لابن الساعاتي (1/ 291) روضة الناظر (1/ 298) الإحكام (1/ 170) المسودة (331) كشف الأسرار (3/ 446) مجموع الفتاوى (20/ 303 - 304) إعلام الموقعين (2/ 175، 282، 285) سواد الناظر وشقائق الروض الناضر (2/ 594) الإبهاج (2/ 364) بيان المختصر (1/ 564) البحر المحيط (4/ 483) شرح الكوكب المنير (2/ 237) فواتح الرحموت (2/ 232).

[122] انظر: الموافقات (3/ 253).

[123] انظر: الموافقات (3/ 253 - 254).

[124] انظر: الموافقات (3/ 254).

[125] انظر: الموافقات (3/ 265).

[126] انظر: الموافقات (3/ 266).

[127] انظر: الموافقات (3/ 269).

[128] انظر: الموافقات (3/ 280).

[129] انظر: الموافقات (3/ 280).

[130] انظر: الموافقات (3/ 280).

[131] انظر: الموافقات (4/ 132).

[132] انظر: الموافقات (4/ 280 - 281).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • من هو المجتهد ، وأنواع المجتهدين
  • شروط المجتهد مع نماذج من اجتهادات الفقهاء
  • العلوم التي لا يحتاج إليها المجتهد
  • تعريف المجتهد
  • عمل المجتهد
  • عصمة المجتهد
  • حكم تقليد المجتهد
  • تخير الأقوال للمجتهد
  • تعارض الأدلة عند المجتهد
  • خلو الزمان من مجتهد

مختارات من الشبكة

  • مراعاة أحوال المدعوين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كن إنسانا وكفى "مراعاة المشاعر"(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مراعاة العهد في الطلاق(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • جبر النفوس ومراعاة المشاعر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اعتبارات شرعية يجب مراعاتها عند الاستثمار في الأصول الرقمية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مراعاة الأمانات والعهود والحفاظ على الصلاة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جبر الخواطر ومراعاة المشاعر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر مراعاة المقاصد الشرعية في أصول المذهب المالكي للطالب ولد المجتبي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • المراعاة الثقافية(مقالة - موقع د. علي بن إبراهيم النملة)
  • مراعاة المدة الزمنية للموعظة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة تثقيفية في مدينة تيرانا تجهز الحجاج لأداء مناسك الحج
  • مسجد كندي يقترب من نيل الاعتراف به موقعا تراثيا في أوتاوا
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب